الباب السادس نظام العلاقات الاجتماعية العامة - دور اهل البیت (ع) فی بناء الجماعة الصالحة جلد 2

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

دور اهل البیت (ع) فی بناء الجماعة الصالحة - جلد 2

سید محمد باقر الحکیم

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید





هوية الكتاب :



اسم الكتاب : دور أهل البيت (ع) في بناء الجماعة الصالحة ج 2



المؤلف : السيد محمد باقر الحكيم



الناشر : المعاونية الثقافية للمجمع العالمي لاهل البيت (ع) ـ قم المقدسة



المطبعة :



الطبعة : الاولى



سنة الطبع: 1998 م ـ 1419 هـ



الكمية : 3000



حقوق الطبع محفوظة



الباب السادس نظام العلاقات الاجتماعية العامة


القسم الثاني :



البناء الفوقي للنظرية .



الفصل الاول :



البناء الفوقي وابعاد النظرية .



الفصل الثاني :



البناء الفوقي والقواعد .



نقصد بالبناء الفوقي لنظام العلاقات الاجتماعية تفاصيل نظام المعاشرة أو العشرة الذي تناولته كتب الحديث، وهو مجموعة الاحكام الواجبة، أو الاداب والسنن الاسلامية المستحبة التي تناولت تفاصيل وأشكال المعاشرة، وشخصت الصيغة الصحيحة أو المثلى للعلاقات الاجتماعية بين الناس.



لان الاسلام عندما وضع النظرية بابعادها وحدد الاسس والقواعد وضع صيغاً صحيحة واساليب محددة للتعبير عن هذه الابعاد واقامة البناء على هذه الاسس والقواعد فكان ذلك بمجموعه يمثل البناء الفوقي للعلاقات .



وسوف نتناول هذه التفاصيل من النظرية بشيء من الايجاز، وتقديم التصور العام عن علاقة هذه التفاصيل من النظام بالجانبين السابقين من النظرية الاسلامية لنظام العلاقات : جانب أبعاد النظرية ، وجانب القواعد والاسس، ليصبح الترابط واضحاً بين قواعد النظرية وأبعادها من ناحية ، والبناء الفوقي المتمثل بهذه التفاصيل من ناحية أخرى ، ونترك التفصيل في عرض الصيغ والمفردات وتوضيحها إلى كتابنا الخاص ببحث النظرية الاسلامية في العلاقات الاجتماعية([1]).



ويشتمل هذا القسم الثاني من البحث على فصلين أيضاً :



الفصل الاول : البناء الفوقي المرتبط بأبعاد النظرية، والذي يؤكد هذه الابعاد ويوضحها.



الفصل الثاني : البناء الفوقي المرتبط بالقواعد والاسس السابقة.



وسوف نتناول تفاصيل هذا البناء حسب التسلسل السابق في القسم الاول لعرض الابعاد والقواعد.



الباب السادس



القسم الثاني :



الفصل الاول البناء الفوقي وابعاد النظرية



1 ـ بُعد الانفتاح .



2 ـ بُعد تقوية البناء الاجتماعي .



3 ـ بُعد الاخوة والمساواة .



4 ـ بعد مستويات العلاقة .



5 ـ بُعد المعاملة الخاصة .



ذكرنا سابقاً خمسة ابعاد للنظرية الاسلامية في العلاقات العامة .



وهنا نستعرض التفاصيل والبناء الفوقي لها واحداً بعد آخر .



أولاً : بُعد الانفتاح



أ ـ مؤشرات إضافية للانفتاح



على مستوى بُعد الانفتاح في العلاقات الاجتماعية، نجد مؤشرات إضافية أخرى تؤكد هذا البعد في تفاصيل النظام .



منها : ما ورد من تأكيد إفشاء السلام بين الناس ، حيث يكون السلام عادة مفتاح العلاقة العامة مع الناس .



فقد روى الكليني بسند معتبر عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : إن الله عزّوجلّ يحب إفشاء السلام([2]).



وعن أبي عبد الله(عليه السلام) أنه قال : من التواضع أن تسلم على من لقيت([3]).



وجاء في وصية النبي(صلى الله عليه وآله) لعلي(عليه السلام): يا علي، ثلاث كفارات : إفشاء السلام، وإطعام الطعام ، والصلاة بالليل والناس نيام([4]).



ومنها : تأكيد أن من صفات الانسان المؤمن أن يكون إنساناً يألف الناس ويألفونه، ولا يتحقق ذلك ـ بطبيعة الحال ـ إلاّ من خلال المعاشرة الواسعة والطويلة .



فعن أبي عبد الله(عليه السلام) قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : أفضلكم أحسنكم أخلاقاً ، الموطأون أكنافاً ، الذين يألفون ويؤلفون ، وتوطأ رحالهم([5]).



ومنها: ما ورد من حرمة الهجران والقطيعة بين المسلمين، حيث إن هذا الحكم الشرعي يصب في نفس هذا الاتجاه من الانفتاح في المعاشرة، فإن هذه الحرمة عندما تأتي بهذا الشكل القاطع، وحتى في فرض أن يكون أحد الطرفين مظلوماً، نفهم من ذلك منهج الاسلام في ضرورة بقاء الباب مفتوحاً في العلاقات.



فعن أبي عبد الله(عليه السلام) قال : لا خير في المهاجرة([6]).



وعن أبي جعفر(عليه السلام) قال : ما من مؤمنين اهتجرا فوق ثلاث إلا وبرئتُ منهما في الثالثة قيل : هذا حال الظالم فما بال المظلوم ؟ فقال : ما بال المظلوم لايصير إلى الظالم فيقول: أنا الظالم، حتى يصطلحا([7]).



وعن القاسم بن الربيع قال : في وصية المفضل سمعت أبا عبد الله(عليه السلام)يقول: لا يفترق رجلان على الهجران إلا استوجب أحدهما البراءة واللعنة ، وربما استحق ذلك كلاهما فقال له معتّب : جعلت فداك ، هذا الظالم فمابالالمظلوم ؟ قال : لانه لا يدعو أخاه إلى صلته ، ولا يتغامس له من كلامه.سمعت أبي(عليه السلام)يقول: إذا تنازع اثنان فعازّ أحدهما الاخر فليرجع المظلومإلى صاحبه حتى يقول لصاحبه : أي أخي أنا الظالم ، حتى يقطع الهجرانبينه وبين صاحبه ، فإن الله تبارك وتعالى حكم عدل يأخذ للمظلوم منالظالم([8]).



وعنه(عليه السلام) قال : قال أبي : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : إيّما مسلمين تهاجرا فمكثا ثلاثاً لا يصطلحان إلا كانا خارجين من الاسلام، ولم يكن بينهما ولاية، فأيهما سبق إلى كلام أخيه كان السابق إلى الجنة يوم الحساب([9]).



ومنها : ما ورد في وجوب قبول العذر من الاخرين عندما يقعون في خطأ مع الانسان ، فيعتذرون منه ، فإن ذلك يؤكد أهمية بقاء العلاقات واستمرارها ، وسد كل أبواب القطيعة ، ومحو أسبابها وآثارها، كما سوف يأتي توضيحه في موضوع الاحسان واليد العليا.


ب ـ الاستثناءات



إلى جانب هذه المؤشرات الاضافية التي تؤكد موضوع الانفتاح في العلاقات ، نجد النظرية الاسلامية تضع مجموعة من الاستثناءات في هذا الانفتاح ، الامر الذي يكمل الصورة في هذا البعد من النظرية من جانب ، ويؤكد موضوع الانفتاح أيضاً من جانب آخر ، لان الاستثناء كما أنه يدل على خروج المستثنى من حكم المستثنى منه ، كذلك يؤكد شمول الحكم للمصاديق الباقية تحت المستثنى منه كما هو واضح .



وقد أشرنا في سياق الحديث عن البعد الرابع للنظرية إلى بعض الاستثناءات على مستوى العلاقة العامة ، وهنا نشير إلى عموم هذه الاستثناءات التي يمكن تلخيصها في الخطوط الاربعة التالية :



اجتناب مواضع التهمة



الاول : المصاديق من العلاقات التي تثير الالتباس والاتهام والشكوكحول طرف العلاقة ، الامر الذي يؤدي إلى الاضرار بالانسان الذي يريد أن يوجد العلاقة الاجتماعية في نظر الناس وتشويه صورته ومنمفرداتها:



أ ـ علاقات التهمة في السلوك، كبعض العلاقات مع النساء التي تثير تهمة العلاقات غير المشروعة ، بل حتى مع الاولاد أو الرجال ، أو العلاقة مع الاغنياء والمترفين . وهذه التهمة قد يحققها أصل العلاقة أو شكلها وصورتها. وقد ورد النهي عن هذا النوع من العلاقات .



فعن أبي عبد اللّه(عليه السلام) عن آبائه(عليهم السلام)، قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : ثلاثة مجالستهم تميت القلب : الجلوس مع الانذال ، والحديث مع النساء ، والجلوس مع الاغنياء([10]).



وعنه(عليه السلام) قال : قال أمير المؤمنين(عليه السلام) : من عرض نفسه للتهمة فلا يلومن من أساء به الظن ، ومن كتم سره كانت الخيرة في يده([11]).



وروي عن أبي الحسن(عليه السلام) أنه قال : قال أبو عبد الله(عليه السلام) : اتقوا مواقف الريب ، ولا يقفنّ أحدكم مع أمه في الطريق ، فإنه ليس كل أحد يعرفها([12]).



ب ـ علاقات التهمة في الانحراف العقائدي أو الفكري أو السياسي ، كصحبة أهل البدع والضلال ، أو الجلوس إليهم ، أو الدرس لديهم والاخذ منهم ، حيث ورد النهي أيضاً عن هذا النوع من العلاقات .



فعن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: لا تصحبوا أهل البدع، ولا تجالسوهم فتكونواعند الناس كواحد منهم . وقال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : المرء على دين خليله وقرينه([13]).



الابتعاد عن قرناء السوء



الثاني : الافراد الفاسدون في سلوكهم ممن يعبّر عنهم بـ قرناء السوء ، حيث تلحق بالانسان نفسه الاضرار من خلال مصاحبتهم، ويتأثر بهم ، لان الانسان يتأثر بطبيعة الحال بقرينه وينفعل به .



فقد روي عن أمير المؤمنين(عليه السلام) أن رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال : انظروا من تحادثون ، فإنه ليس من أحد ينزل به الموت إلاّ مثّل له أصحابه إلى الله ، فإن كانوا خياراً فخياراً ، وإن كانوا شراراً فشراراً ، وليس أحد يموت إلا تمثلت له عند موته([14]).



وعن أبي الحسن(عليه السلام) قال : قال عيسى(عليه السلام) : إن صاحب الشر يعدي ، وقرين السوء يردي ، فانظر من تقارن([15]).



نعم ، إذا كانت العلاقة لغرض صالح ، كهدايتهم وإرشادهم ، أو لوجود مصلحة دينية أو دنيوية مشروعة خاصة فلا مانع من ذلك .



وقرناء السوء الذين وردت عناوينهم واسماؤهم في الروايات هم :



أ ـ من كانوا من المنحرفين سلوكياً وأخلاقياً عن جادة الشرع ، مثل الفاجر والكذاب وقاطع الرحم والبخيل والجبان والاحمق .



روي عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال : كان أمير المؤمنين إذا صعد المنبر قال : ينبغي للمسلم أن يتجنب مؤاخاة ثلاثة : الماجن الفاجر ، والاحمق ، والكذاب . فأما الماجن الفاجر فيزيّن لك فعله ، ويحب أن تكون مثله ، ولا يعينك على أمر دينك ، ومعادك ، ومقاربته جفاء وقسوة ، ومدخله ومخرجه عار عليك . وأما الاحمق فإنه لا يشير عليك بخير ، ولا يرجى لصرف السوء عنك ولو أجهد نفسه ، وربما أراد منفعتك فضرك ، فموته خير من حياته ، وسكوته خير من نطقه ، وبعده خير من قربه. وأما الكذاب فإنه لا يهنئك معه عيش . ينقل حديثك وينقل إليك الحديث . كلما أفنى أحدوثة مطّها بأخرى مثلها، حتى إنه يحدث بالصدق فما يصدَّق، ويفرق بين الناس بالعداوة فينبت السخائم في الصدور. فاتقوا الله وانظروا لانفسكم([16]).



ب ـ من كانوا من الجهال والادنياء اجتماعياً، أو المتخلفين عقلياً وثقافياً كالمجانين والحمقى والسفلة والانذال والاراذل والاعراب وأولاد الزنى من الناس .



فعن عمار بن موسى قال: قال أبو عبد الله(عليه السلام): يا عمار، إن كنت تحب أنتستتب لك النعمة، وتكمل لك المروءة، وتصلح لك المعيشة فلا تشارك العبيد والسفلة في أمرك، فإنهم إن ائتمنتهم خانوك، وإن حدثوك كذبوك، وإن نكبت خذلوك، وإن وعدوك أخلفوك قال : وسمعت أبا عبد الله(عليه السلام)يقول : حب الابرار للابرار ثواب للابرار، وحب الفجار للابرار فضيلة للابرار، وبغض الفجار للابرار زين للابرار، وبغض الابرار للفجار خزي على الفجار([17]).



وقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): خمسة يجتنبون على كل حال : المجذوم والابرص والمجنون وولد الزنى والاعرابي([18]).



اجتناب أصحاب المهن المحرّمة


الثالث : أصحاب الحرف والمهن المحرمة، أو المحترفون للاعمال الفاسدة، والمستهزئون بالاحكام الشرعية والاداب الاسلامية العامة، مثل العناوين المذكورة في الروايات التالية:



عن جعفر بن محمد عن آبائه(عليهم السلام) قال: ستة لا يسلّم عليهم: اليهودي والنصراني، والرجل على غائطه، وعلى موائد الخمر، وعلى الشاعر الذي يقذف المحصنات، وعلى المتفكهين بسب الامهات([19]).



والظاهر أن المقصود بالسلام تحية الاسلام المعروفة وهي (السلام عليكم) وأما القاء التحية بطريقة اخرى مثل صباح الخير أو مساء الخير فلا مانع منه .



وعن الاصبغ بن نباتة عن علي(عليه السلام) في حديث قال: ستة لا ينبغي أن يسلم عليهم: اليهود والنصارى، وأصحاب النرد والشطرنج، وأصحاب الخمر والبربط والطنبور، والمتفكهون بسب الامهات، والشعراء([20]).



ومن الواضح أن المقصود بالشاعر هو من يقذف المحصنات، أو يتجاوزالحدود الشرعية كالمداحين للطغاة أو المروجين للفساد ، كما أشارالقرآن الكريم إلى ذلك (والشعراء يتّبعهم الغاوون* ألم تر أنهم في كل واديهيمون * وأنهم يقولون ما لا يفعلون * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحاتوذكروا الله كثيراً وانتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا ايَّ منقلَب ينقلبون)([21]).



اجتناب الاختلاط بذوي الامراض المعدية


الرابع : الاختلاط بذوي الامراض المعدية والعاهات السارية، كما لاحظنا ذلك في بعض الروايات السابقة، ومنها أيضاً ما روي عن الصادق(عليه السلام)عن آبائه(عليهم السلام)في حديث المناهي قال: وكره أن يكلم الرجل مجذوماً إلا أن يكون بينه وبينه قدر ذراع. وقال(عليه السلام): فرّ من المجذوم فرارك من الاسد([22]).



ثانياً : بُعد تقوية البناء الاجتماعي مبادئ أخرى لتقوية البناء الاجتماعي



وأما على مستوى البعد الاخر، وهو تقوية البناء الاجتماعي، فيمكن أن نلاحظ مبادئ وأساليب أخرى ، مضافاً إلى ما سبق، حث عليها الاسلام وأهلالبيت(عليهم السلام) بشكل خاص :



عقد الاجتماعات


الاول : منهج عقد الاجتماعات المنظمة لتدارس أمور الدين والدنيا، باعتبار أن ذلك من أفضل الاساليب التي تحكم بناء الجماعة الصالحة، ولعل هذا المنهج من أفضل الاساليب التي اختص بها أهل البيت(عليهم السلام)، وحثوا عليها بشكل اكيد .



وقد أكدوا أن هذه الاجتماعات لها آثار متعددة دينية وروحية وأخلاقية، وسبب للقربى من الله تعالى، كما أنها تمثل إحياءً لامرهم، وراحة للنفس، وغفراناً للذنب، وأنهم يحبونها ويتمنون المشاركة فيها.



عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: تزاوروا فإن في زيارتكم إحياءً لقلوبكم، وذكراً لاحاديثنا، وأحاديثنا تعطف بعضكم على بعض، فإن أخذتم بها رشدتم ونجوتم، وإن تركتموها ضللتم وهلكتم، فخذوا بها وأنا بنجاتكم زعيم([23]).



وعن ميسر عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: قال لي: أتخلون وتتحدثون وتقولونما شئتم؟ فقلت: إنا لنخلو ونتحدث ونقول ماشئنا. فقال : أما والله لوددت أني معكم في بعض تلك المواطن، وأما والله إني لاحب ريحكم وأرواحكم، وإنكم على دين الله ودين ملائكته، فأعينوا بورع واجتهاد([24]).



وعن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: ما اجتمع ثلاثة من المؤمنين فصاعداً إلا حضر من الملائكة مثلهم، فإن دعوا بخير أمّنوا، وإن استعاذوا من شر دعوا الله ليصرفه عنهم، وإن سألوا حاجة شفعوا إلى الله وسألوه قضاءها([25]).



وعن معتب مولى أبي عبد الله(عليه السلام) قال: سمعته يقول لداود بن سرحان: ياداود، أبلغ مواليّ عني السلام، وإني أقول: رحم الله عبداً اجتمع مع آخر فتذاكرا أمرنا، فإن ثالثهما ملك يستغفر لهما، وما اجتمع اثنان على ذكرنا إلاّ باهى الله تعالى بهما الملائكة، فإذا اجتمعتم فاشتغلوا بالذكر، فإن في اجتماعكم ومذاكرتكم إحياءنا، وخير الناس بعدنا من ذاكر بأمرنا ودعا إلى ذكرنا([26]).



وعن خيثمة عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: أبلغ موالينا السلام، وأوصهم بتقوى الله العظيم أن يعود غنيهم على فقيرهم، وقويهم على ضعيفهم، وأن يشهد حيهم جنازة ميتهم، وأن يتلاقوا في بيوتهم، فإن في لقاء بعضهم بعضاً حياة لامرنا ثم قال: رحم الله عبداً أحيا أمرنا([27]).



وعن شعيب العقرقوفي قال: سمعت أبا عبد الله(عليه السلام) يقول لاصحابه: اتقوا الله وكونوا إخوة بررة متحابين في الله، متواصلين متراحمين. تزاوروا وتلاقوا وتذاكروا أمرنا وأحيوه([28]).



النصيحة للمسلمين


الثاني: الامر بالنصيحة بمعنى الاخلاص في التعامل مع المسلمين، والنصح لهم في أداء الاعمال، وتقديم النصيحة لهم والحث على قبولها والرضا بها، بل الشكر عليها إذا كان فيها تشخيص لعيوب الانسان.



ولا شك أن هذا المبدأ من أهم المبادئ التي تقوي العلاقات بين الافراد، وتصنع لها القاعدة القوية القائمة على أساس الاحساس بالمسؤولية والثقة والتفاهم للوصول إلى الحقيقة.



ومن الضروري أن يتم ذلك وفق قواعد الحكمة والموعظة الحسنة.



وقد جاءت النصوص في هذا المجال عديدة، وفي أبواب متفرقة. نشير إلى بعضها.



عن أبي عبد الله(عليه السلام): يجب للمؤمن على المؤمن أن يناصحه([29]).



وقال(عليه السلام) : يجب للمؤمن على المؤمن النصيحة له في المشهد والمغيب([30]).



وقال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : الدين نصيحة قيل : لمن يا رسول الله ؟ قال : لله ولرسوله ولائمة الدين ولجماعة المسلمين([31]).



وعن أبي العديس قال: قال ابو جعفر(عليه السلام): يا صالح اتبع من يبكيك وهو لك ناصح، ولا تتبع من يضحكك وهو لك غاش، وستردون على الله جميعاً فتعلمون([32]).



وعن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: أحب إخواني إليّ من أهدى إليّ عيوبي([33]).



وقال(عليه السلام): لا يستغني المؤمن عن خصلة وبه الحاجة إلى ثلاث خصال: توفيق من الله عزّوجلّ، وواعظ من نفسه، وقبول من ينصحه([34]).



التراحم والتعاطف والتزاور


الثالث : الامر بالتراحم والتعاطف والتزاور والالفة، فإن المضمون العاطفي والروحي للعلاقة من أهم عناصر تقويتها وإرسائها على أساس محكم، كما أشرنا إلى ذلك. وتجسيد هذه العواطف والمشاعر عملياً إنما يكون من خلال هذا اللون من السلوك.



وقد وصف القرآن الكريم الجماعة الصالحة من أصحاب النبي(صلى الله عليه وآله)بأنهم (رحماء بينهم) وأنهم (أذلة على المؤمنين) وأن (المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض). وقد أشرنا إلى هذا المبدأ في مواضع سابقة.



وقد عُقد في الوسائل بابٌ لهذا المبدأ نذكر بعض نصوصه.



فعن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: يحق على المسلمين الاجتهاد في التواصل، والتعاون على التعاطف، والمواساة لاهل الحاجة، وتعاطف بعضهم على بعض حتى تكونوا كما أمركم الله عزّوجلّ رحماء بينهم متراحمين، مغتمين لما غاب عنهم من أمرهم على ما مضى عليه معشر الانصار على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله)([35]).



وعن أبي جعفر(عليه السلام) قال: رحم الله امرأً ألّف بين وليين لنا. يا معشر المؤمنين تألّفوا وتعاطفوا([36]).



إصلاح ذات البين


الرابع : الحث على إصلاح ذات البين، بحيث يكون ذلك أفضل من عامة الصلاة والصيام، حيث وردت النصوص العديدة التي تؤكد على فضل هذا العمل وأهميته، بماله من آثار في توطيد وتقوية العلاقة الاجتماعية العامة بين الناس، وإزالة العوائق والمشكلات.



وقد عقد الفقهاء كتاباً للصلح جاءت فيه الاحاديث والتشريعات التفصيلية.



فقد ورد عن الامام أمير المؤمنين والامام الصادق(عليهما السلام) في حديث معتبر أنهما قالا : لان أصلح بين اثنين أحب إلي من أن أتصدق بدينارين([37]).



وعنه(عليه السلام): صدقة يحبها الله إصلاح بين الناس إذا تفاسدوا، وتقارب بينهم إذا تباعدوا([38]).



كما ورد عن أمير المؤمنين(عليه السلام) في وصيته لولديه الحسن والحسين عندما ضربه ابن ملجم: فإني سمعت جدكما رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول: صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام([39]).



وعن أبي حنيفة سائق الحاج قال: مر بنا المفضل وأنا وختني نتشاجر في ميراث، فوقف علينا ساعة ثم قال: تعالوا إلى المنزل، فأتيناه فأصلح بيننا بأربعمئة درهم، فدفعها إلينا من عنده، حتى إذا استوثق كل واحد منا من صاحبه قال: أما إنها ليست من مالي، ولكن أبو عبد الله(عليه السلام) أمرني إذا تنازع رجلان من أصحابنا في شيء أن أصلح بينهما([40]).



بل إن الشارع المقدس اتخذ إجراءً مهماً في هذا المجال، وهو الاذن بالكذب في مقام الاصلاح، وعدم جواز الصدق في مقام الافساد بين المؤمنين.



وبالرغم من أن الكذب من أعظم الحرمات، ولكنه مع هذا يصبح جائزاً في حدود شرعية ذكرها الفقهاء في مقام الاصلاح لذات البين، وحل الخلافات والنزاعات.



فعن جعفر بن محمد عن آبائه(عليهم السلام)، عن النبي(صلى الله عليه وآله): ثلاثة يحسن فيهن الكذب: المكيدة في الحرب، وعدتك زوجتك، والاصلاح بين الناس، وثلاثة يقبح فيهن الصدق: النميمة، وإخبارك الرجل عن أهله بما يكرهه، وتكذيبك الرجل عن الخبر...([41]).



وعن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: الكلام ثلاثة: صدق، وكذب، وإصلاح بين الناس قال: قيل له: جعلت فداك، ما الاصلاح بين الناس؟ قال: تسمع من الرجل كلاماً يبلغه فتخبث نفسه فتقول: سمعت من فلان قال فيك من الخير كذا وكذا خلاف ما سمعته منه([42]).



الجيران وتقوية البناء الاجتماعي


الخامس : الاهتمام بالجيران وحسن الجوار بدرجة عالية كما ذكرنا في بعد المعاملة الخاصة، فإن هذا المبدأ يمثل عملاً له أهمية خاصة في إحكام البنية الاجتماعية، حيث يمثل الجيران العلاقة الطبيعية الاخرى المهمة، إلى جانب العلاقة النسبية الاهم. وكلما كان التعاون بين الجماعة الساكنين في منطقة واحدة حسناً وجيداً أمكن تحقيق المزيد من الرفاه والاستقرار والامن للمجتمع بشكل عام.



ويأتي في هذا المجال كل التفاصيل التي أشار إليها الشارع المقدس في موضوع الجيران، كما سوف تأتي الاشارة إليها في موضوع المعاملة الخاصة.



الاجراءات الوقائية


السادس : اتخاذ مجموعة من الاجراءات العملية أو الوقائية لاحكام العلاقات. منها:



أ ـ اجتناب شحناء الناس وعداوتهم وملاحاتهم ومشارّتهم والتباغض معهم.



فعن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): ما كاد جبرئيل يأتيني إلا قال: يا محمد اتق شحناء الرجال وعداوتهم([43]).



وعنه(عليه السلام) قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): ما أتاني جبرئيل قط إلا وعظني، فآخر قوله لي: إياك ومشارّة الناس، فإنها تكشف العورة وتذهب بالعز([44]).



وروى أيضاً(عليه السلام) عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) أنه قال في حديث: ألا إن في التباغض الحالقة. لا أعني حالقة الشعر، ولكن حالقة الدين([45]).



ب ـ وجوب رد السلام، وكذلك وجوب الرد على الكتاب والرسالة، والحث على التكاتب بديلاً عن التزاور واللقاء.



فعن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: رد جواب الكتاب واجب كوجوب رد السلام، والبادي بالسلام أولى بالله وبرسوله([46]).



وعنه(عليه السلام): التواصل بين الاخوان في الحضر التزاور، وفي السفر التكاتب([47]).



ج ـ الحث على الوفاء بالوعد ولو بعد سنة، مع أنه أمر غير واجب.



عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليف إذا وعد([48]).



د ـ وضع شروط للصديق الذي يحسن بالانسان أن يضع ثقته فيه.



روي عن الامام الصادق(عليه السلام) قوله: الصداقة محدودة، فمن لم تكن فيه تلك الحدود فلا تنسبه إلى كمال الصداقة، ومن لم يكن فيه شيء من تلك الحدود فلا تنسبه إلى الصداقة. أولها أن تكون سريرته وعلانيته لك واحدة، والثانية أن يرى زينك زينه، وشينك شينه، والثالثة لا يغيره عنك مال ولا ولاية، والرابعة أن لا يمنعك شيئاً مما تصل إليه مقدرته، والخامسة لا يسلمك عند النكبات([49]).



هـ ـ ما سوف نشير إليه في ضبط الانفعالات من استحباب المحافظة على التوازن في العلاقة، بحيث لا تذهب الحشمة والاحترام فتسوء العلاقات نتيجة لذلك.



أو التحذير من المبالغة في الثقة، لئلا يصاب الطرفان بالاحباط. وغير ذلك من المفردات التي نراها منتشرة في أحكام العشرة ذات العلاقة بهذه الاجراءات التي سوف نشير إلى بعضها الاخر في محلّه إن شاء الله.



المشورة حدودها ونتائجها


وفي ختام الحديث عن موضوع تقوية البناء الاجتماعي يحسن بنا أن نتحدث قليلاً عن الاستشارة وأحكامها وحدودها وآثارها المترتبة عليها، باعتبارها أحد الاسس المهمة لتقوية البناء الاجتماعي، كما أشرنا إلى ذلك سابقاً.



كما أنها أحد الافاق المهمة في العلاقات الاجتماعية.



أهمية الشورى


لقد أعطى الاسلام وأهل البيت(عليهم السلام) أهمية خاصة للشورى، بحيث يمكن أن نقول: إن نظرية الحكم على مستوى التنفيذ في رأي أهل البيت(عليهم السلام) تقوم على أساس الشورى([50])، ولكن على مستوى العلاقات الاجتماعية العامة نجد أهلالبيت(عليهم السلام) يؤكدون على أهمية الاستشارة.



فقد روى البرقي في المحاسن عن أبي عبد الله(عليه السلام) أنه قال: قال رسولالله(صلى الله عليه وآله): مشاورة العاقل الناصح رشد ويمن، وتوفيق من الله. فإذا أشار عليك الناصح العاقل فإياك والخلاف، فإن في ذلك العطب([51]).



وفي رواية أخرى للبرقي عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام) قال: في التوراة أربعة أسطر : من لا يستشر يندم، والفقر الموت الاكبر، وكما تدين تدان، ومن ملك استأثر([52]).



وعن أمير المؤمنين(عليه السلام): الاستشارة عين الهداية([53]).



ومن أجل معرفة أهمية الشورى يمكن أن نلاحظ الابعاد التالية في المشورة التي أشار إليها أهل البيت(عليهم السلام):



القوة والاسناد


الاول : أن الشورى تمثل أفضل ظهير وسند للانسان في عمله ومسيرته، وبذلك تكون الشورى قوة حقيقية في العلاقات الاجتماعية.



فقد ورد عن الامام الصادق(عليه السلام) أن فيما أوصى به رسول الله(صلى الله عليه وآله)علياً(عليه السلام)قوله: لا مظاهرة أوثق من المشاورة، ولا عقل كالتدبير([54]).



كما ورد في نهج البلاغة تأكيد هذا المعنى، حيث قال أمير المؤمنين(عليه السلام):لا غنى كالعقل، ولا فقر كالجهل، ولا ميراث كالادب، ولا ظهير كالمشاورة([55]).



التصميم والحزم


الثاني : أن الشورى تمثل الحزم في العمل، ذلك أن المستشير سوف يشعرـ بطبيعة الحال ـ بالاطمئنان والركون إلى الموقف الذي يتخذه، والعمل الذي يلتزم به بعد الاستشارة.



وقد ورد عن الامام الصادق عن أبيه محمد بن علي الباقر(عليهم السلام) أنه قال: قيل لرسول الله(صلى الله عليه وآله) : ما الحزم؟ قال: مشاورة ذوي الرأي واتباعهم([56]).



الطريق الافضل لمعرفة الواقع


الثالث : أن الشورى تمثل أفضل الوسائل والطرق للوصول إلى الصواب والواقع، حيث يتوسل الانسان إلى الواقع برأي أهل الخبرة والتجربة بعيداً عن العواطف والميول والرغبات، التي قد تستولي على الانسان فتجعله يلتزم رأياً أو موقفاً أو عملاً معيناً.



وقد جاء التأكيد في حديث أهل البيت(عليهم السلام) على هذه الخصوصية، حيث روي في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين أنه قال: من استبد برأيه هلك، ومن شاور الرجال شاركها في عقولها([57]).



وقد سبق قوله(عليه السلام): الاستشارة عين الهداية.



وقد روى البرقي عن الامام الصادق(عليه السلام) قوله: استشر العاقل من الرجالالورع، فإنه لا يأمر إلا بخير، وإياك والخلاف فإن مخالفة الورع العاقل مفسدة في الدين والدنيا([58]).



وقد علم الامام أمير المؤمنين(عليه السلام) ولده محمد بن الحنفية كيفية الاستفادة من آراء العقلاء ومشاورتهم من أجل الوصول إلى الحق والصواب، فقد ورد في وصيته(عليه السلام) له: اضمم آراء الرجال بعضها إلى بعض، ثم اختر أقربها من الصواب، وأبعدها من الارتياب إلى أن قال: قد خاطر بنفسه من استغنى برأيه، ومن استقبل وجوه الاراء عرف مواقع الخطأ([59]).



صفات المستشارين


وبهذا الصدد يحسن بنا أن نعرف منذ البداية صفات الاشخاص الذين نستشيرهم ونأخذ بآرائهم، وهي على الاجمال كما وردت في روايات أهلالبيت(عليهم السلام) الامور التالية:



1 ـ التدين والورع والتقوى وخشية الله.



2 ـ الاخلاص في النصح بحيث يكون موقفه من المستشير موقف الاخ الصديق.



3 ـ العقل والخبرة.



4 ـ الكتمان والمحافظة على الاسرار.



5 ـ الاعتدال في الاخلاق الشخصية، بحيث لا يكون إنساناً متصفاً بما يوجب الخلل في شخصية الانسان، كالبخل والجبن والحرص.



6 ـ الاستقامة في الوضع الاجتماعي، فلا يصح استشارة السفلة أو العبيد.



7 ـ الاعتدال في الوضع النفسي والعاطفي، فلا يستشار أصحاب العواطف والاهواء([60]).



ونشير هنا إلى مجموعة من النصوص التي يمكن استفادة هذه الخصائص منها، بالاضافة إلى النصوص السابقة:



أ ـ عن أبي عبد الله(عليه السلام) في كلام له: استشيروا في أمركم الذين يخشونربهم([61]).



ب ـ وعن علي(عليه السلام) في كلام له: شاور في حديثك الذين يخافون الله([62]).



ج ـ قال أبو عبد الله(عليه السلام): ما يمنع أحدكم إذا ورد عليه مالا قبل لهبهأنيستشير رجلاً عاقلاً له دين وورع ثم قال أبو عبد الله(عليه السلام): أما إنهإذافعلذلك لم يخذله الله، بل يرفعه الله، ورماه بخير الامور وأقربها إلىالله([63]).



د ـ عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: إن المشورة لا تكون إلا بحدودها، فمن عرفها بحدودها وإلا كانت مضرتها على المستشير أكثر من منفعتها له.



فأولها أن يكون الذي يشاوره عاقلاً.



والثانية أن يكون حراً متديناً.



والثالثة أن يكون صديقاً مؤاخياً.



والرابعة أن تطلعه على سرك فيكون علمه به كعلمك بنفسك، ثم يستر ذلك ويكتمه.



فإنه إذا كان عاقلاً انتفعت بمشورته، وإذا كان حراً متديناً جهد نفسه في النصيحة لك، وإذا كان صديقاً مؤاخياً كتم سرك إذا أطلعته على سرك، وإذا أطلعته على سرك فكان علمه به كعلمك تمت المشورة وكملت النصيحة([64]).



هـ ـ عن أبي الحسن الرضا(عليه السلام) عن آبائه عن علي(عليه السلام) قال: قال رسولالله(صلى الله عليه وآله): يا علي لا تشاورن جباناً فإنه يضيّق عليك المخرج، ولا تشاورن بخيلاً فإنه يقصّر بك عن غايتك، ولا تشاورن حريصاً فإنه يزيّن لك شرها. واعلم أن الجبن والبخل والحرص غريزة يجمعها سوء الظن([65]).



و ـ قال أبو عبد الله(عليه السلام) لعمار الساباطي: يا عمار، إن كنت تحب أن تستتبلك النعمة، وتكمل لك المروءة، وتصلح لك المعيشة فلا تستشر العبيد والسفلة في أمرك، فإنك ان ائتمنتهم خانوك، وإن حدثوك كذبوك، وإن نكبت خذلوك، وإن وعدوك بوعد لم يصدقوك([66]).



ز ـ عن جعفر بن محمد الصادق(عليه السلام) عن آبائه(عليهم السلام) في وصية النبي(صلى الله عليه وآله)لعليّ(عليه السلام) قال: يا علي ليس على النساء جمعة إلى أن قال : ولا تولّى القضاء، ولا تستشار. يا علي، سوء الخلق شؤم، وطاعة المرأة ندامة. يا علي إن كان الشؤم في شيء ففي لسان المرأة([67]).



وفي رواية أخرى معتبرة السند عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: ذكر رسولالله(صلى الله عليه وآله)النساء فقال: اعصوهن في المعروف قبل أن يأمرنكم بالمنكر، وتعوذوا بالله من شرارهن وكونوا من خيارهن على حذر([68]).



واجبات المستشار


وفي بعد آخر لهذا الحديث لابد أن نعرف أن المستشار يجب عليه النصيحة فيا لمشورة، وبذل الجهد في الدلالة على الصواب والواقع.



فقد ورد في الحديث أن المستشار مؤتمن([69])، كما ورد في حديث آخر عن أبي عبد الله(عليه السلام) أنه قال: من استشار أخاه فلم ينصحه محض الرأي سلبه الله رأيه([70]).



وبالاضافة إلى محض النصح والاخلاص في المشورة يجب علىالمستشار كتمان سرّ المستشير فإن مقتضى مفاد المستشار مؤتمنهوكتمان السر، كما هو محض الاخلاص أيضاً، فإن مقتضى الامانة ذلك كله .



كما أنه يفهم ذلك من الحديث السابق الذي جاء فيه والرابعة أن تطلعه على سرك، فيكون علمه به كعلمك بنفسك، ثم يستر ذلك ويكتمه.



وبهذا القدر يتضح أن موضوع الاستشارة من أهم المبادئ التي أكدها أهل البيت(عليهم السلام)في موضوع العلاقات الاجتماعية، وفي البناء الاجتماعي بشكلعام.



ثالثاً : بُعد الاخوة والمساواة



وأما على مستوى البعد الثالث، وهو أن محتوى العلاقة الاجتماعية هو (الاخوة والمساواة) فيمكن أن نجد معالم هذا البعد في مختلف تفاصيل نظام العلاقات الاجتماعية التي تناولت الابعاد المختلفة للعلاقات، أو الاسس والقواعد لهذه العلاقات، كما يظهر ذلك واضحاً من خلال استعراضنا للابعاد السابقة، وتفاصيل المؤشرات النظمية لها، مثل موضوع إفشاء السلام، وتحريم هجران المؤمن، والانفتاح الواسع في العلاقات، الذي يؤشر كله على أن البعد المنظور في محتوى العلاقة هو المساواة والاخوة.



وكذلك في موضوع تقوية البناء الاجتماعي، مثل الاجتماع واللقاء والتزاور أو التراحم والتعاطف، أو رد جواب الكتاب، أو غير ذلك من التفاصيل.



ونجد ذلك أيضاً في القواعد والاسس العامة، خصوصاً في قاعدة الالتزام بالواجبات، والتودد والمجاملة.



حيث نلاحظ في القاعدة الاولى موضوع العلاقة العامة الشرعية المتساوية بين المسلمين، كأداء الامانة، وإقامة الشهادة، والحقوق العامة الاجتماعية، كحضور الجنائز، وعيادة المرضى.



وكذلك الحقوق المادية للانسان المسلم، مثل حرمة دمه وماله، فلا يصح قتله، ولا أخذ ماله، ولا التجاوز على عرضه وأهله، وحتى دخول داره والنظر فيها بدون إذنه.



وكذلك الحقوق المعنوية للانسان المسلم، مثل المحافظة على عرضه وكرامته، وعدم جواز تحقيره وإهانته، أو إذلاله، أو غيبته، أو كشف سره، أو تعييره.



بل لا يصح ظلمه ولا خذلانه، أو إضمار السوء له، أو تهمته، أو إخافته، أو الطعن عليه، أو سبه ولعنه، أو إحصاء عثراته وتتبعها. كما سوف يأتي تفصيل ذلك.



كما نلاحظ ذلك أيضاً في القاعدة الرابعة بشكل واضح في عموم المناهج والاساليب التي وضعها الله سبحانه وتعالى، وأكدها أهل البيت(عليهم السلام)، مثل إفشاء السلام، والابتداء به، وإطابة الكلام، والتعظيم والتوقير للاخرين، واللقاء بالبشر والتبسم، والمصافحة والمعانقة والتقبيل، إلى غير ذلك مما تأتي الاشارة إليه في مواضعه.



ولعل أحد المؤشرات الواضحة في هذا البعد هو ما ورد في باب السلام من وجوب رد السلام على الجميع تحقيقاً لهذه المساواة، وكذلك وجوب رد جواب الرسالة والكتاب.



فعن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: رد جواب الكتاب واجب كوجوب رد السلام، والبادي بالسلام أولى بالله وبرسوله([71]).



وكذلك حرمة التسليم على الفقير المسلم بمستوىً مختلف عن التسليم على الغني المسلم.



فعن الامام الرضا(عليه السلام) قال: من لقي فقيراً مسلماً فسلم عليه خلاف سلامه على الغني لقي الله عزّوجلّ يوم القيامة وهو عليه غضبان([72]).



وكذلك إهانة المؤمن الفقير لفقره.



فعن الصادق عن آبائه(عليهم السلام) عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) في حديث المناهي قال: ومن استخف بفقير مسلم فقد استخف بحق الله، والله يستخف به يوم القيامة إلا أن يتوب([73]).



وعنه(عليه السلام) قال: من استذل مؤمناً واحتقره لقلة ذات يده ولفقره، شهره الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق([74]).



وعن الرضا(عليه السلام) عن آبائه(عليهم السلام) عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) أنه قال: خمس لا أدعهنّحتى الممات: الاكل على الحضيض مع العبيد، وركوبي الحمار مؤكفاً، وحلبي العنز بيدي، ولبس الصوف، والتسليم على الصبيان([75]).



ويؤكد هذه الحقيقة تأكيداً واضحاً ما ذكرناه في بيان هذا البعد من التكافؤ بين المؤمنين في موضوع الزواج.



رابعاً : بُعد مستويات العلاقة



وأما على مستوى البعد الرابع وهو مستويات العلاقة، فقد قلنا إن النظرية الاسلامية بالرغم من إيمانها بالمساواة في محتوى العلاقة، ولكن لاسباب موضوعية أو اجتماعية افترضت أن هذه العلاقة لها عدة مستويات، لحظناها ثلاثة:



أ ـ علاقة المجاملة العامة.



ب ـ علاقة الصحبة العامة (المكاشرة).



ج ـ علاقة الصحبة الخاصة ( الثقة).



علاقة المجاملة العامة



أما علاقة المجاملة والمعاشرة العامة فيمكن أن نجد تفاصيل نظمها وأحكامها في عموم ما ذكرناه في بعد الانفتاح في المعاشرة، وكذلك في مجمل ما يذكر في قاعدة التودد والمجاملة وحسن المعاشرة، وكذلك قاعدة ضبط العواطف والانفعالات، وقاعدة الاحسان واليد العليا، وغيرها مما يأتي بيان تفاصيله في القواعد المذكورة.



فإن هذه التفاصيل وإن كانت مرتبطة ارتباطاً مباشراً بهذه القواعد والاسس والابعاد التي أشرنا إليها سابقاً، ولكنها تعبر في نفس الوقت عن هذا الاصل او الخط العام في العلاقات الاجتماعية المتمثل بضرورة وجود علاقة المجاملة مع جميع أفراد المجتمع بشكل عام، إلا في الاستثناءات التي تمت الاشارة إليها سابقاً.



علاقة الصحبة العامة (المكاشرة)


ويبدو من الاحاديث السابقة التي ذكرناها في بحث مستويات العلاقة، أن علاقة الصحبة العامة هي عبارة عن علاقة متطورة نسبياً لعلاقة المجاملة، فتنتهي بها إلى حالة الصحبة والرفاقة في الحياة، إما من خلال العمل المعاشي، أو من خلال السفر، أو السكن والجوار، أو الزمالة في الدرس أو التعليم أو المهنة أو غير ذلك من الاسباب الطبيعية، حيث يحسن بالانسان في مثل هذه العلاقة أن يقف عند حدودها الطبيعية التي يكتسب فيها الانسان المنافع الحيوية والمادية في حركته، كما ورد في الحديث فإنك تصيب منهم لذتك، فلا تقطعن ذلك منهم، ولا تطلبن ما وراء ذلك من ضميرهم([76]).



والمطلوب فيها المبادلة في هذه المنافع واللذة وابذل لهم ما بذلوا لك من طلاقة الوجه وحلاوة اللسان([77]).



ويمكن أن نجد تفاصيل التشريعات ذات العلاقة بهذا المستوى من العلاقة (صحبة المكاشرة) في مثل الاحكام ذات العلاقة بصحبة السفر وآدابه مع رفيق السفر، كما في الابواب 30 ـ 34 من أبواب آداب السفر إلى الحج وغيره([78]).



وكذلك في مثل بعض الاحكام ذات العلاقة بالمعاملة مع العمال والمستأجرين، أو بعض الاحكام ذات العلاقة بآداب التعليم والتعلّم مما يرتبط بموضوع الرفاقة أو الصداقة.



أو بعض الاحكام ذات العلاقة بآداب المجلس أو الخطاب والحديث، مثل التوسعة في المجلس للمشارك فيه أو القيام له واحترامه، أو مخاطبته بالكنية ودعوته بأحب الاسماء إليه.



فعن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : ثلاث يصفين ود المرء لاخيه المسلم: يلقاه بالبشر إذا لقيه، ويوسع له في المجلس إذا جلس إليه، ويدعوه بأحب الاسماء إليه([79]).



وعنه(عليه السلام) عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) أنه قال: إذا أحب أحدكم أخاه المسلم فليسأله عن اسمه واسم أبيه واسم قبيلته وعشيرته، فإن من حقه الواجب وصدق الاخاء أن يسأله عن ذلك، وإلاّ فإنها معرفة حمق([80]).



أو الاحكام ذات العلاقة بالتناجي في المجلس.



فعن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: إذا كان القوم ثلاثة فلا يتناجَ منهم اثنان دون صاحبهما، فإن في ذلك ما يحزنه ويؤذيه([81]).



وكذلك نجد مثل هذه التفاصيل على مستوى الاستثناء في هذه العلاقة، عندما ينصح الشارع المقدس بعدم مرافقة الفاجر والاحمق والكذاب، أو مشاركة العبيد والسفلة والفجار، أو مرافقة قاطع الرحم، أو مجالسة الانذال والمترفين والنساء، كما أشرنا إلى ذلك في بحث استثناءات الانفتاح.



وكذلك تقدمت الاشارة إلى بعض هذه المعالم وغيرها في بعد تقوية البناء الاجتماعي، حيث إن بعض النصائح في هذا البعد ترتبط بهذا المستوى من العلاقة كما هو واضح.



علاقة الصحبة الخاصة (الثقة)


وأما المستوى الاعلى للعلاقة فهو علاقة الثقة التي تمثل مستوى علاقة الاخوة الحقيقية، وتترتب عليها الحقوق والواجبات الخاصة بهذا المستوى.



ونجد معالم النظم والتشريعات ذات الصلة بهذا المستوى من العلاقة في بعض التشريعات التي تتحدث عن شروط الصديق والاخ الذي يجب أن يختاره الانسان، مثل العقل والتقوى، والامانة وحفظ الاسرار، والنصرة وعدم الخذلان، والاستعداد للمواساة ، والكرم، والصدق في المعاملة، والمحافظة على أداء الواجبات، وخصوصاً الصلوات، والاخلاص في المؤاخاة، وأن تكون هذه المؤاخاة في الله سبحانه وتعالى. وقد مرت الاشارة إلى بعض الاحاديث التي تتحدث عن بعض هذه الصفات في (بعد مستويات العلاقة)، وكذلك في البعد الاول، وهو الانفتاح عندما تحدثنا عن الاستثناءات.



ويمكن ملاحظة بعض النصوص الاخرى.



عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين(عليه السلام): لا عليك أن تصحب ذا العقل وإن لم تحمد كرمه، ولكن انتفع بعقله، واحترس من سيئ أخلاقه، ولا تدعن صحبة الكريم وإن لم تنتفع بعقله، ولكن انتفع بكرمه بعقلك، وافرر كل الفرار من اللئيم الاحمق([82]).



وقال أبو عبد الله(عليه السلام): عليك بالتلاد، وإياك كل محدث لا عهد له ولا أمانة ولا ذمة ولا ميثاق([83]).



وسوف نجد في بعد المعاملة الخاصة مع المؤمنين ما يؤكد هذا المستوى من العلاقة.



كما أن من جملة هذه التشريعات المهمة في هذا المستوى من العلاقةموضوع عقد الاجتماعات واللقاءات التي يتم بها تداول شؤونالمسلمين، وإحياء أمر الدين، والقضايا الخاصة بالجماعة الصالحةفكرياً وعقائدياً واجتماعياً وسياسياً، كما عرفنا ذلك في الابعادالسابقة.



خامساً : بُعد المعاملة الخاصة



في هذا البعد نجد تفاصيل كثيرة مذكورة في أبواب ومواضع عديدة من الفقه والشريعة يمكن التعرف عليها في محلها المناسب، ولكن نشير هنا إلىبعض النماذج التي وردت في أبواب وآداب العشرة، مضافاً إلى ماسبقالاشارة إليه، أو ما يمكن أن نجده في القواعد والاسس للعلاقات الاجتماعية، وهي محدودة نسبياً ولكنها مفيدة في توضيح التصور النظري تجاه هذا الموضوع:



الصلاة على آل الرسول


أ ـ فموضوع الصلاة على رسول الله وآله في جميع المواطن والحالات ـ كما سوف نشير إليه في نظام الشعائر والعبادات ـ يعبر عن هذه المعاملة الخاصة، حتى لنجد أن تقديم الصلاة على النبي وآله على الدعاء يكون سبباً في استجابة هذا الدعاء، حيث لا يرد الله سبحانه وتعالى دعاء الصلاة، وهو بكرمه سوفيقرر استجابة الدعاء الاخر بها في عدم الرد، كما ورد ذلك عن علي(عليه السلام)في قوله: إذا كانت لك إلى الله سبحانه حاجة فابدأ بمسألة الصلاة على رسوله(صلى الله عليه وآله)ثم سل حاجتك، فإن الله أكرم من أن يسأل حاجتين فيقضي إحداهما ويمنع الاخرى([84]).



كما أن تحميد الله تعالى عند العطاس يحسن أن يقترن بالصلاة على رسول الله وآله، بل في جميع الاحوال حتى الاحوال الخاصة، تعبيراً عن الاهتمام بهذه المعاملة الخاصة.



عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه قال: عطس رجل عند أبي جعفر(عليه السلام)فقال: الحمد لله، فلم يسمّته أبو جعفر(عليه السلام) وقال: نقصنا حقنا وقال: إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وأهل بيته قال: فقال الرجل، فسمّته ابو جعفر(عليه السلام)([85]).



وفي كتاب الامام الرضا(عليه السلام) إلى المأمون قال: الصلاة على النبي(صلى الله عليه وآله)واجبة في كل موطن، وعند العطاس والذبائح وغير ذلك([86]).



الاحسان إلى ذرية الرسول


ب ـ مضافاً إلى ذلك وردت أحاديث عديدة من طريق أهل البيت(عليهم السلام)عن رسولالله(صلى الله عليه وآله) في تأكيد المعاملة الخاصة لذرية الرسول من العلويين والسادات وذلك بصنع المعروف معهم والاحسان إليهم .



عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : من صنع إلى أحد من أهل بيتي يداً كافأته به يوم القيامة([87]).



وعنه(عليه السلام) قال: إذا كان يوم القيامة نادى مناد: أيها الخلائق، أنصتوا فإن محمداً(صلى الله عليه وآله) يكلمكم، فتنصت الخلائق، فيقوم النبي(صلى الله عليه وآله) فيقول: يا معشر الخلائق، من كانت له عندي يد أو منة أو معروف فليقم حتى أكافئه، فيقولون: بآبائنا وأمهاتنا، وأي يد أو أي منة وأي معروف لنا؟ بل اليد والمنة والمعروف لله ولرسوله على جميع الخلائق، فيقول لهم: بلى، من آوى أحداً من أهل بيتي، أو برّهم، أو كساهم من عري، أو أشبع جائعهم فليقم حتى أكافئه، فيقوم أناس قد فعلوا ذلك فيأتي النداء من عند الله تعالى: يا محمد يا حبيبي، قد جعلت مكافأتهم إليك، فأسكنهم من الجنة حيث شئت. قال: فيسكنهم في الوسيلة، حيث لا يحجبون عن محمد وأهل بيته(عليهم السلام)([88]).



وعن الرضا(عليه السلام) عن أبيه عن آبائه(عليهم السلام) قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : أربعة أنالهم شفيع يوم القيامة: المكرم لذريتي من بعدي، والقاضي لهم حوائجهم،والساعي لهم في أمورهم عندما اضطروا إليه، والمحب لهم بقلبه ولسانه([89]).



وعن الباقر عن أبيه عن جده(عليهم السلام) قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : من أراد التوسل إلي، وأن يكون له عندي يد اشفع له بها يوم القيامة فليصل على أهل بيتي ويدخل السرور عليهم([90]).



وعن الباقر(عليه السلام) قال: إذا كان يوم القيامة جمع الله الاولين والاخرين، فينادي مناد: من كانت له عند رسول الله(صلى الله عليه وآله) يد فليقم، فيقوم عنق من الناس فيقول: ما كانت أياديكم عند رسول الله(صلى الله عليه وآله)؟ فيقولون: كنا نصل أهل بيته من بعده، فيقال لهم: اذهبوا فطوفوا في الناس، فمن كانت له عندكم يد فخذوا بيده فأدخلوه الجنة([91]).



الشيوخ



ج ـ واحترام ذوي الشيبة والشيوخ من الناس تعبيراً عن المعاملة الخاصة تجاه هذا النوع من الناس من الضعفاء.



عن عبد الله بن سنان قال: قال لي ابو عبد الله(عليه السلام): إن من إجلال الله عزّوجلّ إجلال الشيخ الكبير([92]).



وعنه(عليه السلام) قال: ليس منا من لم يوقّر كبيرنا ويرحم صغيرنا([93]).



حامل القرآن



د ـ واحترام حامل القرآن باعتباره نموذجاً للعالم بالدين والشريعة، ومبلغاً للرسالة، وتالياً لايات الله تعالى.



فعن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : إن أهل القرآن في أعلى درجةمن الادميين ماخلا النبيين والمرسلين، فلا تستضعفوا أهل القرآن حقوقهم، فإن لهم من الله العزيز الجبار لمكاناً([94]).



المؤمن



هـ ـ وكذلك المعاملة الخاصة مع المؤمن([95])، من إدخال السرور عليه. فقد ورد ذلك في الاحاديث المعتبرة، مثل ما رواه الكليني عن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت ابا جعفر(عليه السلام) يقول: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : من سرّ مؤمناً فقد سرّني، ومن سرّني فقد سرّ الله([96]).



وعن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: من أحب الاعمال إلى الله عزّوجلّ إدخال السرورعلى المؤمن: إشباع جوعته، أو تنفيس كربته، أو قضاء دينه([97]).



أو قضاء حاجة المؤمن، كما ورد عن أبي عبد الله(عليه السلام) أنه قال في حديث: ومن قضى لاخيه المؤمن حاجة قضى الله له يوم القيامة مئة ألف حاجة، من ذلك أولها الجنة، ومن ذلك أن يدخل قرابته ومعارفه وإخوانه الجنة بعد أن لا يكونوا نُصّاباً([98]).



وعن أبي جعفر(عليه السلام) قال: إن المؤمن لترد عليه الحاجة لاخيه فلا تكون عنده يهتم بها قلبه، فيدخله الله بهمه الجنة([99]).



أو تفريج كربته وإغاثة لهفته، فعن زيد الشحام قال: سمعت أبا عبد الله(عليه السلام)يقول: من أغاث أخاه المؤمن اللهفان عند جهده فنفس كربته، وأعانه على نجاح حاجته، كتب الله عزّوجلّ له بذلك ثنتين وسبعين رحمة من الله، يعجل له منها واحدة يصلح بها أمر معيشته، ويدخر له إحدى وسبعين رحمة لافزاع يوم القيامة وأهواله([100]).



أو غير ذلك من أنحاء المعاملة من التعاون معه أو نصرته أو نصيحته.



الجيران



و ـ وكذلك المعاملة الخاصة للجيران، التي تقدم الحديث عنها، والتي تذكر تفاصيل كثيرة حولها في أحكام العشرة. ونشير هنا إلى بعض التفاصيل ضمن نصوص كما وعدنا.



1 ـ عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : حسن الجوار يعمر الديار، وينسئ في الاعمار([101]).



وعن أبي مسعود قال: قال لي أبو عبد الله(عليه السلام) : حسن الجوار زيادة في الاعمار، وعمارة الديار([102]).



وعن أبي ربيع الشامي عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: قال والبيت غاص بأهله: اعلموا أنه ليس منا من لم يحسن مجاورة من جاوره([103]).



2 ـ عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: حد الجوار أربعون داراً من كل جانب، من بين يديه، ومن خلفه، وعن يمينه، وعن شماله([104]).



3 ـ عن عمر بن عكرمة عن أبي عبد الله(عليه السلام) في حديث: أن رسول الله(صلى الله عليه وآله)أتاه رجل من الانصار فقال: إني اشتريت داراً من بني فلان، وإن اقرب جيراني مني جواراً من لا أرجو خيره ولا آمن شره. قال: فأمر رسول الله(صلى الله عليه وآله) علياً وسلمان وابا ذر، ونسيت آخر واظنه المقداد أن ينادوا في المسجد بأعلى اصواتهم بأنه لا إيمان لمن لم يأمن جاره بوائقه، فنادوا بها ثلاثاً، ثم أومأ بيده إلى كل أربعين داراً من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله([105]).



4 ـ عن الحسن بن عبد الله عن عبد صالح قال: ليس حسن الجوار كف الاذى، ولكن حسن الجوار صبرك على الاذى([106]).



وعن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: ما أفلت المؤمن من واحدة من ثلاث، ولربما اجتمعت الثلاث عليه: إما بعض من يكون معه في الدار يغلق عليه بابه يؤذيه، أو جار يؤذيه، أو من في طريقه إلى حوائجه يؤذيه. ولو أن مؤمناً على قُلّة جبل لبعث الله عزّوجلّ عليه شيطاناً يؤذيه، ويجعل له من إيمانه أُنساً لا يستوحش معه إلى أحد([107]).



5 ـ عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: من القواصم التي تقصم الظهر جار السوء، إن رأى حسنة أخفاها، وإن رأى سيئة أفشاها([108]).




الباب السادس



الفصل الثاني



البناء الفوقي والقواعد



1 ـ الاحكام الشرعية والعرفية



2 ـ ضبط العواطف والانفعالات



3 ـ العدل والانصاف



4 ـ حسن الخلق والتودد إلى الناس



5 ـ المعروف واليد العليا



6 ـ القدوة والسلوك المتميز



يمكن تلخيص البناء الفوقي للقواعد والاسس بالامور التالية ، وهي أمور لها دور في كمال الانسان الذاتي كما عرفنا من جهاد النفس ولكن لها بُعد في العلاقات الاجتماعية أيضاً .



أولاً : الاحكام الشرعية والعرفية



وأولها البناء الفوقي للاحكام الشرعية والعرفية، يمكن أن نلاحظه ـ كما ذكرنا سابقاً ـ في مثل الوفاء بالعهود والمواثيق، وأداء الامانة، وحضور الجنائز وصلوات الجماعة، والاجتماعات العامة، وفي عيادة المرضى، ورد السلام، وجواب الكتاب وغير ذلك.



مضافاً إلى ذلك نجد الواجبات العامة التي أشرنا إليها في بعد تقوية البناء الاجتماعي، مثل مبدأ وجوب التناصر بين المسلمين، ووجوب الاهتمام بأمورهم، ووجوب التعاون بينهم، ووجوب النصيحة لهم، ووجوب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحسن الجوار، والتشاور بينهم، إلى غير ذلك من الواجبات والمسؤوليات العامة.



الالتزام على مستوى الواجبات



وإلى جانب كل ذلك نجد بعض الحقوق والواجبات والمحرمات الشرعية والعرفية في مفردات كثيرة، نشير إلى بعضها في الاتي:



1 ـ يجب على الانسان أن يحتفظ بأسرار أخيه المسلم في العلاقات الاجتماعية، عندما يسمع منه حديثاً في مجلس، أو يأتمنه عليه. فقد ورد أن المجالس بالامانة، ولكن هناك استثناءات خاصة لهذه الحالة.



عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : المجالس بالامانة([109]).



وعن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: المجالس بالامانة، وليس لاحد أن يحدث بحديث يكتمه صاحبه إلا بإذنه، إلا أن يكون ثقة أو ذكراً له بخير([110]).



وقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): المجالس بالامانة إلاّ ثلاثة مجالس: مجلس سفك فيه دم حرام، أو مجلس استحل فيه فرج حرام، أو مجلس يستحل فيه مال حرام بغير حقه([111]).



2 ـ حث الشارع المقدس على الوفاء بالوعود إلى جانب وجوب الوفاء بالعهود والعقود، حيث يرتقي بالوعد إلى درجة العهد.



عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليف إذا وعد([112]).



وعن هشام بن سالم قال: سمعت أبا عبد الله(عليه السلام) يقول: عدة المؤمن أخاه نذر لا كفارة له ، فمن أخلف فبخلف الله بدأ ، ولمقته تعرض ، وذلك قوله : (ياأيهاالذين آمنوا لم تقولون مالا تفعلون * كبر مقتاً عند الله أن تقولوا مالا تفعلون)([113]).



3 ـ وجوب الصدق في الحديث وفي التعامل مع الاخرين.



فعن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: كونوا دعاة للناس بالخير بغير ألسنتكم، ليروا منكم الاجتهاد والصدق والورع([114]).



وعن زيد بن علي عن آبائه قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : إن أقربكم مني غداً وأوجبكم عليّ شفاعة أصدقكم للحديث، وآداكم للامانة، وأحسنكم خلقاً، واقربكم من الناس([115]).



4 ـ وجود مجموعة من الواجبات والالتزامات الحقوقية بين المؤمنين، تحدثنا عن بعضها في بُعد المعاملة الخاصة بين المؤمنين، مضافاً إلى حقوق أخرى أشرنا إليها في مناسبات متعددة، ونشير هنا إلى نموذج من الروايات يتناول جانباً من هذا الموضوع.



عن المعلّى بن خنيس، عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: قلت له: ما حق المسلم على المسلم؟ قال: له سبع حقوق واجبات، مامنهن حق إلاّ وهو عليه واجب إن ضيع منه شيئاً خرج من ولاية الله وطاعته، ولم يكن لله فيه نصيب. قلت له: جعلت فداك، وما هي؟ قال: يا معلى، إني عليك شفيق أخاف أن تضيع ولا تحفظ، وتعلم ولا تعمل. قلت: لا قوة إلاّ بالله. قال: أيسر حق منها أن تحب له ما تحب لنفسك، وتكره له ما تكره لنفسك. والحق الثاني أن تجتنب سخطه، وتتّبع مرضاته، وتطيع أمره. والحق الثالث أن تعينه بنفسك ومالك ولسانك ويدك ورجلك. والحق الرابع أن تكون عينه ودليله ومرآته. والحق الخامس أن لا تشبع ويجوع، ولا تروى ويظمأ، ولا تلبس ويعرى. والحق السادس أن يكون لك خادم وليس لاخيك خادم، فواجب أن تبعث خادمك فتغسل ثيابه، وتصنع طعامه، وتمهد فراشه. والحق السابع أن تبرّ قسمه، وتجيب دعوته، وتعود مريضه، وتشهد جنازته، وإذا علمت أن له حاجة تبادره إلى قضائها، ولا تلجئه إلى أن يسألكها، ولكن تبادره مبادرة، فإذا فعلت ذلك وصلت ولايتك بولايته، وولايته بولايتك([116]).



الالتزام على مستوى المحرمات



وعلى مستوى المحرمات والممنوعات في هذا المجال نجد مفردات كثيرة أقرها الشارع المقدس لتجسيد هذا النوع من الالتزامات.



1 ـ عدم جواز دخول بيوت الناس بغير إذنهم ، بل حتى وجوب إشعارهمعند الدخول ، لان للمسلم حرمة في دمه وماله وعرضه وشؤونهالخاصة.



عن عبد الرحمان بن أبي عبد الله قال: سألت أبا عبد الله(عليه السلام) عن قول الله عزوجلّ: (لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها) قال: الاستيناس وقع النعل والتسليم([117]).



كما ينبغي للمسلم أن يجلس من الدار حيث أمره صاحبها.



فعن جعفر بن محمد عن أبيه(عليهما السلام) قال: إذا دخل أحدكم على أخيه في رحلهفليقعد حيث يأمره صاحب الرحل، فإن صاحب الرحل أعرف بعورة بيته من الداخل عليه([118]).



2 ـ تحريم المكر والحسد والغش والخيانة.



فعن علي بن موسى الرضا، عن أبيه عن آبائه(عليهم السلام) : قال: قال رسولالله(صلى الله عليه وآله): من كان مسلماً فلا يمكر ولا يخدع، فإني سمعت جبرئيل يقول: إن المكر والخديعة في النار، ثم قال: ليس منا من غش مسلماً، وليس منا من خان مسلماً، ثم قال(صلى الله عليه وآله) إن جبرئيل الروح الامين نزل عليّ من عند رب العالمين فقال: يامحمد عليك بحسن الخلق، فإن سوء الخلق ذهب بخير الدنيا والاخرة، ألا وإن أشبهكم بي أحسنكم خلقاً([119]).



وروي عن الامام علي(عليه السلام) أنه قال: لولا أن المكر والخديعة في النارلكنت أمكر الناس([120]).



3 ـ تحريم الكذب بكل أشكاله ودرجاته في مختلف المجالات، وخصوصاً في العلاقات مع الناس باستثناء بعض الموارد كالاصلاح بين الناس كما ذكرنا سابقاً.



عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: إن الله عزّوجلّ جعل للشر أقفالاً، وجعل مفاتيح تلك الاقفال الشراب، والكذب شر من الشراب([121]).



وروي عن أمير المؤمنين(عليه السلام) أنه قال: ينبغي للرجل المسلم أن يجتنبمؤاخاة الكذاب، فإنه يكذب حتى يجيء بالصدق فلا يصدق([122]).



وعن أبي جعفر(عليه السلام) قال: كان علي بن الحسين(عليهما السلام) يقول لولده: اتقوا الكذب الصغير منه والكبير في كل جد وهزل، فإن الرجل إذا كذب في الصغير اجترأ على الكبير. أما علمتم أن رسول الله(صلى الله عليه وآله)قال: ما يزال العبد يصدق حتى يكتبه الله صدّيقاً، وما يزال العبد يكذب حتى يكتبه الله كذاباً([123]).



وعن علي أمير المؤمنين(عليه السلام) قال: لا يصلح من الكذب جد ولا هزل، ولا أن يعد أحدكم صبيه ثم لا يفي له. إن الكذب يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار، وما يزال أحدكم يكذب حتى يقال: كذب وفجر، وما يزال أحدكم يكذب حتى لا يبقى موضع إبرة صدق([124])، فيسمى عند الله كذاباً([125]).



4 ـ النهي عن أن يكون الانسان في علاقاته الاجتماعية ذا وجهين ولسانين.



فعن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: من لقي المسلمين بوجهين ولسانين جاء يوم القيامة وله لسانان من نار([126]).



وعن أبي جعفر(عليه السلام) قال: بئس العبد عبد يكون ذا وجهين وذا لسانين، يطري أخاه شاهداً، ويأكله غائباً. إن أعطي حسده، وإن ابتلي خذله([127]).



5 ـ حرمة قطع ولاء المؤمن، أو التعبير عن عداوته، أو إضمار السوء له.



فقد ورد بطرق متعددة عن الامام الصادق(عليه السلام) أنه قال: إذا قال الرجل لاخيه المؤمن: أف، خرج من ولايته، وإذا قال: أنت عدوي كفر أحدهما، ولا يقبل الله من مؤمن عملاً وهو مضمر على أخيه المؤمن سوءاً([128]).



6 ـ النهي عن سوء الظن بالمؤمن أو اتهامه.



فعن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: إذا اتهم المؤمن أخاه انماث الايمان في قلبه كما ينماث الملح في الماء([129]).



وعن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين(عليه السلام) في كلام له: ضع أمرأخيك على أحسنه حتى يأتيك ما يغلبك منه، ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوءاً وأنت تجد لها في الخير محملاً([130]).



* * *



ثانياً : ضبط العواطف والانفعالات



إن تفصيل خطوط البناء الفوقي لموضوع ضبط العواطف والانفعالات، يمكن أن نجده واسعاً في موضوع جهاد النفس كما أشرنا سابقاً ، كما نجده في موضوع أحكام المعاشرة أيضاً.



1 ـ ضبط العواطف والصفات الحميدة



فنجد الشارع المقدس عندما يتحدث عن الصفات الحميدة للانسان، أو الصفات التي لابد أن يتصف بها ليكون مؤمناً، نراه يؤكد على الصفات ذات العلاقة بهذا الجانب النفسي وهو العواطف والانفعالات .



فعن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: ينبغي للمؤمن أن يكون فيه ثماني خصال: وقوراً عند الهزاهز، صبوراً عند البلاء، شكوراً عند الرخاء، قانعاً بما رزقه الله، لا يظلم الاعداء، ولا يتحامل للاصدقاء، بدنه منه في تعب، والناس منه في راحة. إن العلم خليل المؤمن، والحلم وزيره، والعقل أمير جنوده، والرفق أخوه، والبر والده([131]).



وعن رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال: ثلاث خصال من كن فيه استكمل خصال الايمان: إذا رضي لم يدخله رضاه في باطل، وإذا غضب لم يخرجه الغضب من الحق، وإن قدر لم يتعاط ما ليس له([132]).



وعن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: قال النبي(صلى الله عليه وآله): ألا أخبركم بأشبهكم بي؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: أحسنكم خلقاً، وألينكم كنفاً، وأبركم بقرابته، وأشدكم حباً لاخوانه في دينه، واصبركم على الحق، وأكظمكم للغيظ، وأحسنكم عفواً، وأشدكم من نفسه إنصافاً في الرضا والغضب([133]).



أ ـ الصبر على الطاعة والصبر عن المعصية



ومن هنا نجد أن الصبر على الطاعة لله، والصبر عن معصيته تعالى يأتيان في مقدمة الاعمال الصالحة.



ففي الحديث الصحيح عن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام)أنه قال : إذا كان يومالقيامة يقوم عنق من الناس فيأتون باب الجنة فيقال : من أنتم ؟ فيقولون : نحنأهل الصبر ، فيقال لهم : على ما([134]) صبرتم ؟ فيقولون : كنا نصبر على طاعةالله،ونصبر عن معاصي الله، فيقول الله عزّوجلّ: صدقوا. أدخلوهمالجنة.وهو قول الله عزّوجلّ: (إنّما يُوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب)([135]).



ب ـ العفة



كما نجد في هذا المجال بعض الصفات التي تكون أفضل العبادات، مثل عفة البطن والفرج والعين.



فعن أبي جعفر(عليه السلام) قال: ما عبادة أفضل عند الله من عفة بطن وفرج([136]).



وعنه(عليه السلام): كل عين باكية يوم القيامة غير ثلاث: عين سهرت في سبيل الله، وعين فاضت من خشية الله، وعين غضت عن محارم الله([137]).



ج ـ الحلم



وكذلك نجد صفة الحلم التي هي أن يعفو الانسان ويغض النظر عن الاخرين عند الغضب مع القدرة على إمضائه، حيث لا يكون الرجل عابداً إلاّ إذا كان حليماً، وهو أفضل ناصر للانسان في حركته الاجتماعية، وعلاقاته مع الناس.



فعن محمد بن عبد الله قال: سمعت الرضا(عليه السلام) يقول: لا يكون الرجل عابداً حتى يكون حليماً، وإن الرجل كان إذا تعبّد في بني اسرائيل لم يُعدّ عابداً حتى يصمت قبل ذلك عشر سنين([138]).



وعن أبي جعفر(عليه السلام) قال: كان علي بن الحسين(عليهما السلام) يقول: إنه ليعجبنيالرجل أن يدركه حلمه عند غضبه([139]).



وقال أبو عبد الله الصادق(عليه السلام): قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): ما أعز الله بجهل قط، ولا أذل بحلم قط([140]).



د ـ الرفق



وكذلك صفة الرفق، وهو التعامل باللين مع الاخرين في مقابل العنف والشدة، حيث يكون له دور مهم في مختلف أبعاد حياة الانسان.



فعن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): الرفق يمن، والخرق شؤم([141]).



وعن أبي جعفر(عليه السلام) قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): إن الرفق لم يوضع على شيءإلاّ زانه، ولا نُزع من شيء إلاّ شانه([142]).



وعن هشام بن أحمر، عن أبي الحسن(عليه السلام) قال: قال لي وجرى بيني وبين رجل من القوم كلام فقال لي: ارفق بهم، فإن كفر أحدهم في غضبه، ولا خير فيمن كان كفره في غضبه([143]).



هـ ـ التواضع



وكذلك التواضع الذي هو طريق الارتفاع والصعود إلى الدرجات العالية.



فعن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: سمعته يقول: إن في السماء ملكين موكلين بالعباد، فمن تواضع لله رفعاه، ومن تكبر وضعاه([144]).



والتواضع كما ورد تعريفه في الروايات هو أن تعطي الناس ما تحب أنتُعطاه، وهو أيضاً درجات، منها أن يعرف المرء قدر نفسه فينزلها منزلتها بقلب سليم، لا يحب أن يأتي إلى أحد إلاّ مثل ما يؤتى إليه. إن رأى سيئة درأها بالحسنة. كاظم الغيظ، عاف عن الناس والله يحب المحسنين، وهو أيضاً أن يرضى بالمجلس دون المجلس، وأن يسلّم على من يلقى، وأن يترك المراء وإن كان محقاً، ولا تحب أن تحمد على التقوى([145]).



عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: أرسل النجاشي إلى جعفر بن أبي طالب وأصحابه، فدخلوا عليه وهو في بيت له جالس على التراب، وعليه خُلقان الثياب. قال: فقال جعفر(عليه السلام): فأشفقنا منه حين رأيناه على تلك الحال، فلما رأى ما بنا وتغير وجوهنا قال: الحمد لله الذي نصر محمداً وأقر عينه. ألا أبشركم؟ فقلت: بلى أيها الملك، فقال: إنه جاءني الساعة من نحو أرضكم عين من عيوني هناك، فأخبرني أن الله عزّوجلّ قد نصر نبيه محمداً(صلى الله عليه وآله) وأهلك عدوه، وأسر فلان وفلان وفلان. التقوا بواد يقال له بدر، كثير الاراك، لكأني أنظر إليه حيث كنت أرعى لسيدي هناك، وهو رجل من بني ضمرة. فقال له جعفر: ايها الملك، فما لي اراك جالساً على التراب، وعليك هذه الخلقان؟ فقال له: يا جعفر، إنا نجد فيما انزل الله على عيسى(عليه السلام) أن من حق الله على عباده أن يحدثوا له تواضعاً عندما يحدث لهم من نعمة، فلما أحدث الله عزوجل لي نعمه بمحمد(صلى الله عليه وآله)أحدثت لله هذا التواضع، فلما بلغ النبي(صلى الله عليه وآله) قال لاصحابه: إن الصدقة تزيد صاحبها كثرة، فتصدقوا يرحمكم الله، وإن التواضع يزيد صاحبه رفعة فتواضعوا يرفعكم الله، وإن العفو يزيد صاحبه عزاً فاعفوا يعزكم الله([146]).



وعن معاوية بن وهب قال: سمعت أبا عبد الله(عليه السلام) يقول: اطلبوا العلم وتزينوا معه بالحلم والوقار، وتواضعوا لمن تعلمونه العلم، وتواضعوا لمن طلبتم منه العلم، ولا تكونوا علماء جبارين فيذهب باطلكم بحقكم([147]).



وعن محمد بن سنان رفعه قال: قال عيسى بن مريم(عليه السلام) للحواريين: لي إليكم حاجة اقضوها لي، فقالوا: قضيت حاجتك يا روح الله، فقام فغسل أقدامهم، فقالوا: كنا أحق بهذا منك، فقال: إن أحق الناس بالخدمة العالم. إنما تواضعت هكذا لكيما تتواضعوا بعدي في الناس كتواضعي لكم، ثم قال عيسى(عليه السلام): بالتواضع تعمر الحكمة لا بالتكبر، وكذلك في السهل ينبت الزرع لا في الجبل([148]).



وعن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: أفطر رسول الله(صلى الله عليه وآله) عشية خميس في مسجد قبا، فقال: هل من شراب؟ فأتاه أوس بن خولى الانصاري بعسّ مخيض بعسل، فلما وضعه على فيه نحّاه ثم قال: شرابان يكتفى من احدهما بصاحبه. لا أشربه ولا أحرّمه، ولكن اتواضع لله، فإنه من تواضع لله رفعه الله، ومن تكبر خفضه الله، ومن اقتصد في معيشته رزقه الله، ومن بذّر حرمه الله، ومن أكثر ذكر الموت أحبه الله([149]).



و ـ النية الحسنة والسريرة الصالحة



وكذلك إصلاح النية والسريرة في التعامل مع الاخرين، حيث يضع الله أمام عينه ويقيم العلاقة على أساس هذه الصلة.



عن أمير المؤمنين(عليه السلام) قال: من أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس، ومن أصلح أمر آخرته أصلح الله له أمر دنياه، ومن كان له من نفسه واعظ كان عليه من الله حافظ([150]).



2 ـ ضبط العواطف والصفات الذميمة



وفي جانب آخر في هذا المجال نجد مجموعة من الاتجاهات والانفعالات النفسية والعاطفية المرتبطة بالعلاقات الاجتماعية، يحرمها الشارع المقدس، ويحذر منها أشد التحذير بسبب ما يمكن أن تحدثه من تأثير سلبي على مسيرة الانسان التكاملية الاجتماعية.



أ ـ حب الرئاسة



فمثلاً حب الرئاسة والامارة لما كان يمثل اتجاهاً نفسياً يعبر عن الهوى والشهوات في عواطف الانسان وأحاسيسه، حذر أهل البيت(عليهم السلام) منه، خصوصاً مع ملاحظة الواقع الفاسد الذي كان يعيشه الرؤساء في المجتمع الاسلامي آنذاك.



وأصبحت الرئاسة في نظر بعض الفقهاء أمراً محرماً، مع عدم الوثوق بالعدل، واحتمال الانسياق مع آثارها الخطيرة في الظلم أو الكِبر.



عن معمر بن خلاد، عن أبي الحسن(عليه السلام) أنه ذكر رجلاً فقال: إنه يحب الرئاسة، فقال: ما ذئبان ضاريان في غنم قد تفرق رعاؤها بأضر في دين المسلم من الرئاسة([151]).



وعن عبد الله بن مسكان قال: سمعت ابا عبد الله(عليه السلام) يقول: إياكم وهؤلاء الرؤساء الذين يترأسون، فوالله ما خفقت النعال خلف الرجل إلاّ هلك وأهلك([152]).



وعن الصادق(عليه السلام) عن آبائه(عليهم السلام) عن النبي(صلى الله عليه وآله) في حديث المناهي قال: ألا ومن تولى عرافة قوم أتى يوم القيامة ويداه مغلولتان إلى عنقه، فإن قام فيهم بأمر الله أطلقه الله، وإن كان ظالماً هوى به في نار جهنم وبئس المصير([153]).



ب ـ الغضب



كما حذر الشارع المقدس وأهل البيت(عليهم السلام) من الغضب وآثاره في العلاقات الاجتماعية وفي التكامل الذاتي، وبينوا بعض طرق العلاج لهذه الحالة النفسية والانفعال الخطير في حياة الانسان مع الاخرين.



فإن الغضب يفسد الايمان كما يفسد الخل العسل و الغضب مفتاح كلشر و إنما المؤمن الذي إذا غضب لم يخرجه غضبه من حق و من كفغضبه عن الناس كف الله تبارك وتعالى عنه عذاب يوم القيامة و فأيما رجلغضب على قوم وهو قائم فليجلس من فوره ذلك، فإنه يذهب عنه رجز الشيطان، وأيما رجل غضب على ذي رحم فليدنُ منه فليمسه، فإن الرحم إذا مست سكنت([154]).



ومن الطرائف في هذا المجال ما رواه الكليني عن معلى بن خنيس عن ابي عبد الله(عليه السلام)قال: قال رجل للنبي(صلى الله عليه وآله) يا رسول الله، علمني. قال: اذهب ولا تغضب، فقال الرجل: قد اكتفيت بذاك، فمضى إلى أهله فإذا بين قومه حرب قد قاموا صفوفاً، ولبسوا السلاح، فلما رأى ذلك لبس سلاحه ثم قام معهم، ثم ذكر قول رسولالله(صلى الله عليه وآله): لا تغضب، فرمى السلاح ثم جاء يمشي إلى القوم الذين هم عدوّ قومه فقال: يا هؤلاء، ما كانت لكم من جراحة أو قتل أو ضرب ليس فيه أثر فعليّ في مالي انا أوفيكموه، فقال القوم: فما كان فهو لكم. نحن أولى بذلك منكم. قال: فاصطلح القوم وذهب الغضب([155]).



ج ـ الحسد



كما حذر الشارع المقدس من الحسد، وهو أن يتصرف الانسان مع الناس في المجتمع من موقع الرغبة في زوال النعم التي أنعم الله تعالى بها عليهم، أو تحولها منهم إليه.



فعن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: إن الحسد يأكل الايمان كما تأكل النار الحطب([156]).



وعنه(عليه السلام) قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): قال الله عزّوجلّ لموسى بن عمران(عليه السلام): يابن عمران، لا تحسدنّ الناس على ما آتيتهم من فضلي، ولا تمدنّ عينيك إلى ذلك، ولا تتبعه نفسك، فإن الحاسد ساخط لنعمي، صاد لقسمي الذي قسمت بين عبادي، ومن يك كذلك فلست منه وليس مني([157]).



كما أن الحسد غير الغبطة التي يشعر الانسان فيها بالسرور والانس لما تفضل الله به على بعض خلقه.



فعن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: إن المؤمن يغبط ولا يحسد، والمنافق يحسد ولا يغبط([158]).



د ـ الحمية والعصبية



كما نهى الشارع في العلاقات الاجتماعية عن التأثر بالعصبية، والانسياق مع مشاعرها وعواطفها.



والعصبية التي يؤثم عليها صاحبها ـ كما ورد في تفسيرها عن علي بن الحسين(عليهما السلام) ـ هي: أن يرى الرجل شرار قومه خيراً من خيار قوم آخرين، وليس من العصبية أن يحب الرجل قومه ولكن من العصبية أن يعين قومه على الظلم([159]).



ويبدو من هذا الحديث، ومن مفهوم العصبية نفسها أن العصبية هي التعصب والتحزب والولاء في العمل لغير الحق([160]).



وهي تدخل في أحد أبعادها في موضوع العدل والانصاف، الذي سوف يأتي الحديث عنه، ولكنها في الوقت نفسه تدخل في موضوع العواطف والمشاعر التي يحتاج الانسان إلى ضبطها والسيطرة عليها.



وقد وردت أحاديث عديدة في تحريمها، مثل الحديث الصحيح الذي رواه الامام الصادق(عليه السلام) عن جده رسول الله(صلى الله عليه وآله) أنه قال: من تعصب أو تعصب لهفقد خلع ربق الايمان من عنقه([161]).



هـ ـ الكبر والتيه والاختيال



ومن جملة هذه الانفعالات والمشاعر النفسية المحرمة هو الشعور بالكِبر والخيلاء، والتعامل مع الناس على أساس من هذا الشعور.



ففي الحديث الصحيح عن أحد الباقرين(عليهما السلام) قال: لا يدخل الجنة من كانفي قلبه مثقال حبة من خردل من الكِبر([162]).



كما ورد أن أول ما عصي الله به الكِبر، وهي معصية إبليس حين أبى واستكبر وكان من الكافرين([163]).



وقد جاء في تعريف الكِبر هو أن تغمص الناس وتسفه الحق، وفي بعض الروايات المعتبرة أن هذا النوع من الكِبر هو من أعظم أنواعه.



فعن عبد الاعلى بن أعين قال: قال أبو عبد الله(عليه السلام): قال رسول(صلى الله عليه وآله): إن أعظم الكِبر غمص الخلق وسفه الحق. قال: قلت: وما غمص الخلق وسفه الحق؟ قال: يجهل الحق ويطعن على أهله، فمن فعل ذلك فقد نازع الله عزوجل رداءه([164]).



وفي حديث آخر عن محمد بن عمر بن يزيد، عن أبيه قال: قلت لابي عبد الله(عليه السلام): إنني آكل الطعام الطيب، وأشم الرائحة الطيبة، وأركب الدابة الفارهة، ويتبعني الغلام، فترى في هذا شيئاً من التجبر فلا أفعله؟ فأطرق أبو عبد الله(عليه السلام)ثم قال: إنما الجبار الملعون من غمص الناس وجهل الحق. قال عمر: فقلت: أما الحق فلا أجهله، والغمص لا أدري ما هو. قال: من حقّر الناس وتجبّر عليهم فذلك الجبار([165]).



وقد فسر أهل البيت(عليهم السلام) سبب التجبر والتيه والتكبر ـ كما ورد في الحديث عنهم ـ أنه الشعور بالنقص والاحساس بالذلة في النفس.



فعن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: ما من أحد يتيه إلا لذلة يجدها في نفسه([166]).



وعنه(عليه السلام)في حديث آخر قال: ما من رجل تكبر أو تجبر إلا لذلة يجدها في نفسه([167]).



ومن مصاديق الكِبر ـ كما ورد في الروايات ـ العناد، ورفض احترام الاخرين.



فقد ورد في حديث معتبر عن الحسين بن أبي العلا، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال: سمعته يقول: الكِبر قد يكون في شرار الناس من كل جنس، والكِبر رداء الله، فمن نازع الله رداءه لم يزده إلا سفالاً. إن رسول الله(صلى الله عليه وآله) مرّ في بعض طرق المدينة وسوداء تلقط السرقين، فقيل لها: تنحي عن طريق رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فقالت: إن الطريق لمعرض، فهمّ بها بعض القوم أن يتناولها، فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): دعوها فإنها جبارة([168]).



و ـ الطمع والكسل والسفه



كما أن هناك مجموعة من الاحاسيس والمشاعر والعواطف الاجتماعيةالاخرى المبغوضة للشارع المقدس، لما فيها من آثار ونتائج سلبيةوضارة في حركة الانسان الذاتية والاجتماعية ، إذ يصبح فيها الانسانأسيراً لغيره ، أو مضيعاً لحقوق الاخرين ، أو منفصلاً ومعزولاً عنهم وعن مجتمعهم .



ومن هذه الاحاسيس ذات التأثير السلوكي السيء هو الطمع.



فقد ورد في الحديث عن أبي جعفر(عليه السلام) أنه قال: بئس العبد عبد يكون لهطمع يقوده، وبئس العبد عبد له رغبة تذلّه([169]).



وقال الامام علي بن الحسين(عليه السلام): رأيت الخير كله قد اجتمع في قطع الطمع عما في أيدي الناس([170]).



ومن هذه المشاعر الكسل الذي يؤدي في بُعده الاجتماعي إلى ضياع حقوق الاخرين .



فقد ورد في وصية النبي(صلى الله عليه وآله) لعلي(عليه السلام): وإن كسلت لم تؤدّ حقاً([171]).



وجاء في حديث للنبي(صلى الله عليه وآله) أنه قال: لانه إذا كسل فقد ضيع الحقوق([172]).



وفي حديث لابي الحسن موسى(عليه السلام) لبعض ولده: وإياك والضجروالكسل; فانهما يمنعانك حظك من الدنيا والاخرة([173]).ومن هذه المشاعر أيضاً السفه والجهل، وهما أن توجد في الانسان حالة نفسية وروحية تجعله يتجاوز الحدود والاداب الاجتماعية في الكلام والحديث مع الناس عامة، ويبادر الى القول والفعل من دون رويّة وتعقل، وهذه الصفة من أبرز مصاديق سوء الخلق.



فقد ورد عن الامام الصادق(عليه السلام) قوله: إن السفه خلق لئيم، يستطيل على من هو دونه، ويخضع لمن هو فوقه([174]).



وقال(عليه السلام): لا تسفهوا، فإنّ أئمتكم ليسوا بسفهاء([175]).



وعنه(عليه السلام) بطريق معتبر: إن أبغض خلق الله عبد اتقى الناس لسانه([176]).



وقال(عليه السلام): من كافأ السفيه بالسفه، فقد رضي بما أتى إليه، حيث احتذى مثاله([177]).



3 ـ ضبط العواطف والمعاشرة



وفي مجال المعاشرة والعلاقات الاجتماعية نجد نماذج ومفردات تفصيلية، يقدمها الشارع المقدس وأهل البيت(عليهم السلام)، تعبّر عن هذه القاعدة المهمة في النظرية الاسلامية في العلاقات الاجتماعية:



أ ـ حسن الصحبة



فأولى هذه المفردات هو حسن الصحبة، وتحمل الرفقاء والاصحاب وغيرهم، ممن يبتلى الانسان عادة بإيجاد العلاقات الاجتماعية العامة معهم.



عن أبي الربيع الشامي قال: دخلت على أبي عبد الله(عليه السلام) والبيت غاص بأهله، فيه الخراساني والشامي ومن أهل الافاق، فلم أجد موضعاً أقعد فيه، فجلس أبو عبد الله(عليه السلام) وكان متكئاً ثم قال: يا شيعة آل محمد، اعلموا أنه ليس منا من لم يملك نفسه عند غضبه، ومن لم يحسن صحبة من صحبه، ومخالقة من خالقه، ومرافقة من رافقه، ومجاورة من جاوره، وممالحة من مالحه الحديث([178]).



وعن أبي جعفر(عليه السلام) قال: ما يُعبأ بمن سلك هذا الطريق إذا لم يكن فيه ثلاث خصال: ورع يحجزه عن معاصي الله، وحلم يملك به غضبه، وحسن الصحبة لمن صحبه([179]).



وفي هذا المجال يذكر أهل البيت(عليهم السلام) بعض (المفردات) التي تعبر عن حسن الصحبة هذه.



مثل ما ورد عن الامام الصادق(عليه السلام) في كتاب المحاسن بطريق معتبر: ليس من المروءة أن يحدّث الرجل بما يلقى في السفر من خير أو شر([180]).



ومثل تفقد أحوال رفيق السفر بعد الافتراق; فعن المفضل بن عمر قال: دخلت على أبي عبد الله(عليه السلام) فقال لي: من صحبك؟ فقلت له: رجل من إخواني. قال: فما فعل؟ قلت: منذ دخلت لم أعرف مكانه. فقال لي: أما علمت أن من صحب مؤمناً أربعين خطوة سأله الله عنه يوم القيامة؟([181]).



وكذلك سؤال ذي الجليس جليسه عن اسمه وكنيته ونسبه وحاله، وكراهة ترك ذلك، ولكن بدون فضول وإحراج، ولعل في هذا الحديث الشريف الذي يرويه علي بن الحسين(عليهما السلام)عن جده رسول الله(صلى الله عليه وآله) ما يلقي الضوء على بعض المصاديق والامثلة.



فقد روى(عليه السلام) عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) أنه قال يوماً لجلسائه: تدرون ما العجز ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . فقال : العجز ثلاثة : أن يبدر أحدكم بطعام يصنعه لصاحبهفيخلفه ولا يأتيه، والثانية أن يصحب الرجل منكم الرجل أو يجالسه يحبأن يعلم من هو ومن أين هو، فيفارقه قبل أن يعلم ذلك، والثالثة أمر النساء يدنو أحدكم من أهله فيقضي حاجته وهي لم تقض حاجتها. فقال عبد الله بن عمروبن العاص: فكيف ذلك يا رسول الله؟ قال: يتحرش ويمكث حتى يأتي ذلك منهما جميعاً ([182]).



وقد عُبّر عن هذه الافعال الثلاثة بـ الجفاء في حديث آخر يرويه الامام الباقر(عليه السلام) عن جده رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال: ثلاثة من الجفاء: أن يصحب الرجل الرجل فلا يسأله عن اسمه وكنيته، وأن يدعى الرجل إلى طعام فلا يجيب، أو يجيب فلا يأكل، ومواقعة الرجل أهله قبل الملاعبة([183]).



كما جاء في حديث آخر يرويه الصادق(عليه السلام) عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) أن السؤالعن الاسم والهوية الشخصية من الحق الواجب وصدق الاخاء : إذاأحب أحدكم أخاه المسلم، فليسأله عن اسمه واسم أبيه واسم قبيلته وعشيرته،فإن من حقه الواجب وصدق الاخاء أن يسأله عن ذلك، وإلا فإنها معرفة حمق([184]).



ب ـ الضحك والمزاح



ومن هذه المفردات أن الانسان قد يصادف في حياته الاجتماعية ما يثير عنده الاحساس بالضحك، سواء كان ذلك عن طريق المزاح أم المشاهد المثيرة، وهنا لا بد له من ضبط هذا الانفعال، سواء بحسب الشكل والصورة، بحيث يحسن به أن لا يصل إلى حد القهقهة وارتفاع الصوت، فقد روي عن الامام الصادق بطريق معتبر أنه قال: القهقهة من الشيطان([185]).



وفي حديث آخر قال(عليه السلام): ضحك المؤمن تبسم([186]).



وعن أبي جعفر(عليه السلام) قال: إذا قهقهت فقل حين تفرغ: اللهم لا تمقتني([187]).



أو ضبط هذا الانفعال من ناحية السبب، فقد ورد عن الامام الصادق(عليه السلام)أنه قال: إن من الجهل الضحك من غير عجب([188]).



بل دعا أئمة أهل البيت(عليهم السلام) إلى قلة الضحك والمزاح، لما لهما من آثار اجتماعية سيئة، بالاضافة إلى آثاره الذاتية السيئة.



ففي حديث معتبر عن الامام الصادق(عليه السلام) قال: إياكم والمزاح فإنه يذهب بماء الوجه وقال أيضاً: كثرة الضحك تميت القلب وقال: كثرة الضحك تميث الدين كما يميث الماء الملح([189]).



وعن أمير المؤمنين(عليه السلام) أنه قال: إياك والمزاح فإنه يجر السخيمة ويورث الضغينة وهو السبّ الاصغر([190]).



وعن الصادق(عليه السلام): لا تمازح فيُجترأ عليك([191]).



ج ـ الحشمة والاسترسال في الثقة



ومن هذه المفردات الالتزام بالحشمة في الصداقة والمعاشرة، وعدمالانسياق مع عواطف الحب والمودة في التصرف، وكذلك عدم الاسترسال في الثقة أو الحب والبغض، حيث إنها لا بد أن تخضع للمنطقوالصفات الخاصة في الصديق المعاشر، وهذا لا ينافي بطبيعة الحال حسن الظن والانفتاح.



فقد ورد في الحديث المعتبر عن أبي الحسن موسى الكاظم(عليه السلام) أنه قال: لا تذهب الحشمة بينك وبين أخيك; أبق منها فإن ذهابها ذهاب الحياء([192]).



كما روي عن ابن عباس، والامام الرضا(عليه السلام) أنهما قالا في تفسير قوله تعالى: (وتأتون في ناديكم المنكر) أنهم كانوا يتضارطون في مجالسهم من غير حشمة ولا حياء([193]).



كما روي عن الامام الصادق(عليه السلام) في موضوع الاسترسال في الثقة أنه قال: لا تثق بأخيك كلّ الثقة، فإنّ صرعة الاسترسال لن تُقال([194]).



وعن أمير المؤمنين(عليه السلام) أنه قال: أحبب حبيبك هوناً ما فعسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هوناً ما فعسى أن يكون حبيبك يوماً ما([195]).



وقد مرّ علينا سابقاً الحدود والخصائص المطلوبة في الصديق والصاحب التي تعتبر مقاييس في الثقة والاعتماد([196]).



د ـ كراهة المراء والخصومة



ومن هذه المفردات عدم الانسياق مع الشعور بالانتصار للنفس في الاحاديث والمناقشات، بحيث يتطور ذلك إلى المراء والخصومة، فقد نهى الشارع المقدس عن ذلك.



ففي الحديث المعتبر عن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين(عليه السلام): إياكم والمراء والخصومة، فإنهما يمرضان القلوب على الاخوان، وينبت عليهما النفاق([197]).



هـ ـ حفظ اللسان والسكوت إلا عن الخير



ومن هذه المفردات أيضاً عدم الانسياق مع الرغبة في الحديث والكلام، ولزوم السيطرة على ما يصدر عن لسان الانسان، والمراقبة الدقيقة له، فقد ورد التحذير الكثير من الشارع المقدس في هذا المجال، إدراكاً منه لوجود هذا الشعور في داخل الانسان، والاضرار البالغة التي يمكن أن تترتب على هفوات اللسان وأخطائه، خصوصاً في مجال العلاقات الاجتماعية. وقد ذهبت الحكمة المنقولة عن لقمان الحكيم في هذا الباب مذهب المثل، فقد روى أبو عبد الله(عليه السلام)قال: قال لقمان لابنه: يا بنيّ، إن كنت زعمت أن الكلام من فضة فإن السكوت من ذهب([198]).



وفي الحديث المعتبر عن أبي الحسن الرضا(عليه السلام) أنه قال: من علامات الفقه العلم والحلم والصمت; إن الصمت باب من أبواب الحكمة، إن الصمت يكسب المحبة، إنه دليل على كل خير([199]).



وعن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) لرجل أتاه: ألا أدلك على أمريدخلك الله به الجنة؟ قال: بلى يا رسول الله، قال: أنل مما أنالك الله. قال: فإن كنت أحوج ممن أنيله، قال: فانصر المظلوم. قال: فإن كنت أضعف ممن انصره. قال: فاصنع للاخرق، يعني أشر عليه. قال: فإن كنت أخرق ممن اصنع له. قال: فأصمت لسانك إلا من خير. أما يسرّك أن يكون فيك خصلة من هذه الخصال تجرك إلى الجنة؟([200]).



ومع كل ذلك نجد أهل البيت(عليهم السلام) يأكدون اهمية الكلام في موضعه أو الذي يكون له نتائج حسنة .



فعن أبي عبد الله(عليه السلام) أنه قال: كلام في حق خير من سكوت على باطل([201]).



وعن علي بن الحسين(عليهما السلام) قال: القول الحسن يثري المال، وينمي الرزق، وينسئ في الاجل، ويحبب إلى الاهل، ويدخل الجنة([202]).



وعن النبي(صلى الله عليه وآله) في وصيته لابي ذر يبين فيها الموازنة الصحيحة بين الكلام والسكوت ، فقد قال: يا أبا ذر، الذاكر في الغافلين كالمقاتل في الفارّين في سبيل الله . يا أبا ذر ، الجليس الصالح خير من الوحدة ، والوحدة خير من جليسالسوء ، وإملاء الخير خير من السكوت ، والسكوت خير من إملاء الشر . ياأباذر ، اترك فضول الكلام ، وحسبك من الكلام ما تبلغ به حاجتك . يا أبا ذر ، كفى بالمرء كذباً أن يحدّث بكل ما سمع . يا أبا ذر ، إنه ما من شيء أحق بطول السجن من اللسان . يا أبا ذر ، إن الله عند لسان كل قائل ، فليتّق الله امرؤ وليعلم مايقول([203]).



وعن أبي عبد الله(عليه السلام) أنه قال لرجل وقد كلّمه بكلام كثير: أيها الرجل، تحتقر الكلام وتستصغره; إن الله لم يبعث رسله حيث بعثها ومعها فضة ولا ذهب، ولكن بعثها بالكلام، وإنما عرّف الله نفسه إلى خلقه بالكلام، والدلالات عليه والاعلام([204]).



و ـ كظم الغيظ والصبر على الحسد



ومن هذه المفردات السيطرة على المشاعر عند إثارة غيظ الانسان، وحبه للدفاع عن النفس والانتقام، خصوصاً إذا كان الانسان محقاً أو مظلوماً، حيث يصبح من الضروري أن يحكّم عقله وحكمته وإرادته في السيطرة على هذا الشعور القوي، والانفعال الجارف.



فقد ورد بطريق معتبر عن الامام الصادق(عليه السلام) أنه قال: نعم الجرعة الغيظلمن صبر عليها، فإن عظيم الاجر لمن عظيم البلاء، وما أحب الله قوماً إلاّ ابتلاهم([205]).



وكذلك ورد بطريق معتبر عن الامام الصادق(عليه السلام) أنه قال: كان علي بن الحسين(عليهما السلام)يقول: ما أحب أن لي بذلّ نفسي حمر النعم، وما تجرعت جرعة أحب إلي من جرعة لا أكافئ بها صاحبها([206]).



وقد وصف الله سبحانه عباده الصالحين بهذه الصفة في قوله: (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس).



وفي وصية النبي(صلى الله عليه وآله) لعلي(عليه السلام) أنه قال: يا علي، أوصيك بوصية فاحفظها، فلا تزال بخير ما حفظت وصيتي، يا علي، من كظم غيظاً وهو يقدر على إمضائه أعقبه أمناً وإيماناً يجد طعمه...([207]).



ومن هذا الباب الصبر على الحُسّاد ونحوهم من أعداء النعم ، الذين يثيرون في الانسان بتصرفاتهم مختلف الانفعالات والمشاعر ; لذا كانهذا النوع من البلاء من أشد المحن الاجتماعية التي نُدب المؤمن إلى الصبرعليها.



روي بطريق معتبر عن الصادق(عليه السلام) أنه قال: اصبر على أعداء النعم، فإنك لن تكافئ من عصى الله فيك بأفضل من أن تطيع الله فيه([208]).



وكذا بطريق معتبر عنه(عليه السلام) قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): إن الله أخذ ميثاقالمؤمن على بلايا أربع، أشدها عليه مؤمن يقول بقوله يحسده، أومنافقيقفو أثره، أو شيطان يغويه، أو كافر يرى جهاده، فما بقاء المؤمن بعدهذا؟([209]).



ثالثاً : العدل والانصاف



لقد ذكرنا في توضيح هذا الاساس أنهما ينطلقان من فكرة وجوب العدل وحرمة الظلم، وأن أوضح مصاديق العدل في العلاقات الاجتماعية هو إنصاف الانسان الناس من نفسه.



حرمة الظلم



إن حرمة الظلم لا تختص بممارسته شخصياً، بل لابد للانسان أن يكون موقفه في رفض الظلم شمولياً وواسعاً، ويمكن أن نلاحظ هذه الشمولية في الامور التالية:



أ ـ رد المظالم



إذا ارتكب الانسان ظلماً في حق أحد من الناس، فأخذ منه ماله، أو اغتصب منه حقاً من حقوقه ثم تاب من ذلك وارتدع، فلا بد له أن يرد للمظلوم مظلمته، وهو ما يسمى بـ ردّ المظالم.



عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: الظلم ثلاثة: ظلم يغفره الله، وظلم لا يغفره الله، وظلم لا يدعه الله، فأما الظلم الذي لا يغفره فالشرك، وأما الظلم الذي يغفره فظلم الرجل نفسه فيما بينه وبين الله، وأما الظلم الذي لا يدعه فالمداينة بين العباد([210]).



وعن وهب بن عبد ربه، وعبيد الله الطويل، عن شيخ من النخع قال: قلتلابي جعفر(عليه السلام): إني لم أزل والياً منذ زمن الحجاج إلى يومي هذا، فهلليمن توبة؟ قال: فسكت، ثم أعدت عليه فقال: لا حتى تؤدي إلى كل ذيحق حقه([211]).



وعن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله(عليه السلام) يقول: من أكل من مال أخيه ظلماً ولم يردّه إليه، أكل جذوة من النار يوم القيامة([212]).



وهكذا إذا ارتكب في حق الاخرين ظلماً معنوياً مثل الغيبة والهتكوالقذف وغيرها مما سوف نذكره من مصاديق الظلم والعدوان فانه لابد أن يسعى برده لهم بطلب المغفرة منهم ـ بعد التوبة إلى اللّه تعالى ـ وبالاستغفاروعمل الخير لهم وباعادة الاعتبار لهم وغير ذلك مما يعتبر رداًلذلك الحق .



ب ـ الهداية بعد الضلال



ولعل من اوضح واشد مصاديق الظلم المعنوي للاخرين هو إذا ما اضل شخصاً عن الحق وساقه إلى الباطل، ثم تاب عن ذلك، فيجب عليه أن يسعى إلى هدايته وإرشاده إلى الحق، وإرجاعه إلى طريق الصواب.



عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: كان رجل في الزمن الاول طلب الدنيا من حلال فلم يقدر عليها، وطلبها من حرام فلم يقدر عليها، فأتاه الشيطان فقال له: ألاأدلكعلى شيء تكثر به دنياك، وتكثر به تبعك؟ فقال: بلى. قال: تبتدع ديناًوتدعو الناس إليه، ففعل فاستجاب له الناس وأطاعوه، فأصاب من الدنيا، ثمإنه فكر فقال: ما صنعت؟! ابتدعت ديناً ودعوت الناس إليه; ما أرى لي من توبةإلا أن آتي من دعوته إليه فأرده عنه، فجعل يأتي أصحابه الذين أجابوه فيقول:إن الذي دعوتكم إليه باطل، وإنما ابتدعته، فجعلوا يقولون: كذبت، هوالحق، ولكنك شككت في دينك فرجعت عنه، فلما رأى ذلك عمد إلى سلسلةفوتد لها وتداً ثم جعلها في عنقه، قال: لا أحلها حتى يتوب الله عزوجل عليّ،فأوحى الله عزوجل إلى نبي من الانبياء: قل لفلان: وعزتي لو دعوتني حتىتتقطع أوصالك ما استجبت لك حتى تردّ من مات على ما دعوته إليه فيرجععنه([213]).



ج ـ معونة الظالم



وكما يحرم على الانسان أن يباشر الظلم بنفسه، يحرم عليه أن يعين الظالم على ظلمه، أو يكون بحسب الفهم الاجتماعي للعلاقات من أعوان الظالمين.



عن عبد الله بن سنان قال: سمعت أبا عبد الله(عليه السلام) يقول: من أعان ظالماً على مظلوم لم يزل الله عليه ساخطاً حتى ينزع من معونته([214]).



وعن أمير المؤمنين(عليه السلام) قال: للظالم من الرجال ثلاث علامات: يظلم من فوقه بالمعصية، ومن دونه بالغلبة، ويظاهر القوم الظلمة([215]).



وعن علي بن الحسين(عليهما السلام) في حديث قال: إياكم وصحبة العاصينومعونة الظالمين([216]).



وعن جعفر بن محمد عن آبائه(عليهم السلام) قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): إذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين أعوان الظلمة، ومن لاق لهم دواة، أو ربط كيساً، أو مدّ لهم مدّة قلم؟ فاحشروهم معهم([217]).



د ـ الرضا بالظلم والسكوت عنه



وكما يحرم على الانسان أن يباشر الظلم يحرم عليه الرضا والقبول به والسكوت عنه.



عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: العامل بالظلم والمعين له والراضي به شركاء ثلاثتهم([218]).



وعنه(عليه السلام): من عذر ظالماً بظلمه سلّط الله عليه من يظلمه، فإن دعا لم يستجب له، ولم يأجره الله على ظلامته([219]).



وعنه(عليه السلام) في حديث له: ومن أحب بقاء الظالمين فقد أحب أن يعصى الله([220]).



مصاديق لانصاف الناس من النفس



وفي مجال (العدل) وإنصاف الناس من النفس نلاحظ أن أهل البيت(عليهم السلام)يرشدوننا إلى مجموعة من المصاديق، مضافاً إلى ما أشرنا إليه من (حب المؤمن لاخيه ما يحبه لنفسه):



أ ـ رد المعروف



فمن ذلك أن يقابل المعروف الذي يصله من الناس بمثله أو أفضل منه، كما قال الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه الكريم: (هل جزاءُ الاحسانِ إلا الاحسانُ)([221]).



وهذا نظير رد السلام بمثله أو بأفضل منه (وإذا حُيّيتم بتحية فحيّوا بأحسن منها أو رُدّوها)([222]).



وقد ورد في الحديث الشريف تأكيد رد المعروف.



عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: كان أمير المؤمنين(عليه السلام) يقول: من صنع بمثل ماصُنع إليه فإنما كافأه، ومن أضعفه كان شكوراً، ومن شكر كان كريماً، ومن علم أن ما صنع إنما صنع إلى نفسه لم يستبطئ الناس في شكرهم، ولم يستزدهم في مودتهم، ولا تلتمس من غيرك شكر ما أتيت إلى نفسك، ووقيت به عرضك، واعلم أن الطالب إليك الحاجة لم يكرم وجهه عن وجهك فأكرم وجهك عن ردّه([223]).



وعن علي بن سالم قال: سمعت أبا عبد الله(عليه السلام) يقول: آية في كتاب مسجلة. قلت: وما هي؟ قال: (هل جزاءُ الاحسانِ إلاّ الاحسانُ) جرت في المؤمن والكافر، والبَرّ والفاجر; من صنع إليه معروف فعليه أن يكافئ به، وليست المكافأة أن يصنع كما صنع به، بل يرى مع فعله لذاك أن له الفضل المبتدأ([224]).



وعن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: لعن الله قاطعي سبيل المعروف! قيل: وما قاطعوا سبيل المعروف؟ قال: الرجل يصنع إليه المعروف فيكفره، فيمتنع صاحبه من أن يصنع ذلك إلى غيره([225]).



وعنه(عليه السلام) قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): من أتى إليه معروف فليكافئ به، فإن عجز فليُثن عليه، فإن لم يفعل فقد كفر النعمة([226]).



ب ـ ردّ الحقوق



ومنه أن يعرف حق أخيه كما يعرف أخوه حقه، فإن الحقوق بين المؤمنين متبادلة، كما نجد ذلك في النصوص التي وردت في حق المؤمن، ومنها النص الذي ورد عن الامام الصادق(عليه السلام) من قوله: أما يستحيي الرجل منكم أن يعرفجاره حقه، ولا يعرف حق جاره([227]).



ج ـ الاشتغال بعيبه عن عيوب الناس



ومنه أن يشتغل بعيوبه وإصلاحها عن عيوب الناس، فقد ورد في الحديث عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام) قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): ثلاث خصال من كن فيه أو واحدة منهنّ كان في ظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظله: رجل أعطى الناس من نفسه ما هو سائلهم، ورجل لم يقدّم رجلاً ولم يؤخر رجلاً حتى يعلم أن ذلك لله رضاً، ورجل لم يعب أخاه المسلم بعيب حتى ينفي ذلك العيب عن نفسه، فإنه لا ينفي منها عيباً إلاّ بدا له عيب، وكفى بالمرء شغلاً بنفسه عن الناس([228]).



وعنه(عليه السلام) قال: كفى بالمرء عيباً أن يتعرف من عيوب الناس ما يعمى عليه من أمر نفسه، أو يعيب على الناس أمراً هو فيه لا يستطيع التحول عنه إلى غيره، أو يؤذي جليسه بما لا يعنيه([229]).



د ـ القول الحسن في الناس



ومنه أن يقول في الناس أحسن ما يحب أن يقال فيه، من الظن الحسن وحمل أقواله وأفعاله على أحسن الوجوه، ومدحه والثناء عليه.



فعن أبي جعفر(عليه السلام) في قول الله عزوجل: (وقولوا للناس حُسناً) قال: قولوا للناس أحسن ما تحبون أن يقال فيكم([230]).



فان هذه المصاديق تدخل تحت عنوان انصاف الناس من نفسه .



مصاديق للظلم والعدوان



وفي مجال ظلم الناس والعدوان عليهم حدد الشارع المقدس، كما ورد في حديث أهل البيت(عليهم السلام)، مصاديق عديدة، وذلك من خلال الفهم الانساني الواسع لموضوع العدل والظلم، بحيث أعطى للمسلم حرمة وصيانة تستلزمان معاملة خاصة في العلاقات الاجتماعية، وتمنعان من سلوكيات وأعمال كثيرة، نشير إلى بعض مصاديقها المهمة:



أ ـ قتل المسلم وايذاؤه



فمن ذلك قتل المسلم، أو إيذاؤه، أو إخافته حتى لو كان ذلك بكلمة أو نظرة، وكذلك الاعانة على هذه الاعمال. وإليك مجموعة من نماذج الروايات والاحاديث المعتبرة التي تدل على هذا المضمون.



عن هشام بن سالم قال: سمعت أبا عبد الله(عليه السلام) يقول: قال الله عزوجل: ليأذن بحرب منّي من آذى عبدي المؤمن، وليأمن غضبي من أكرم عبدي المؤمن([231]).



وعن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله(عليه السلام) أو عمن ذكره عنه قال: يجيء يوم القيامة رجل إلى رجل حتى يلطخه بدمه، والناس في الحساب، فيقول: يا عبد الله، مالي ولك؟ فيقول: أعنت عليّ يوم كذا وكذا فقُتلت([232]).



ومعتبر عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: إن العبد يحشر يوم القيامة وما أدمى دماً، فيدفع إليه شبه المحجمة أو فوق ذلك، فيقال له: هذا سهمك من دم فلان، فيقول: يا رب، إنك تعلم أنك قبضتني وما سفكت دماً، قال: بلى، وما سمعت من فلان بن فلان كذا وكذا فرويتها عنه فنقلت حتى صار إلى فلان فقتله عليها، فهذا سهمك مندمه([233]).



وعن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): من نظر إلى مؤمن نظرةليخيفه بها أخافه الله عزوجل يوم لا ظلّ إلا ظلّه([234]).



ب ـ إهانة المسلم



ومنه إهانة المؤمن أو خذلانه بأي درجة كانت، فعن أبي جعفر(عليه السلام)قال:لمّا أُسري بالنبي(صلى الله عليه وآله) قال : يا رب ما حال المؤمن عندك ؟ قال : يامحمد،منأهان لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة ، وأنا أسرع شيء إلى نصرة أوليائي([235]).



وعن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: ما من مؤمن يخذل أخاه وهو يقدر على نصرته إلا خذله الله في الدنيا والاخرة([236]).



ج ـ إذلال المؤمن



ومنه إذلال المؤمن، أو احتقاره، أو الاستخفاف به، فعن معلّى بن خنيس، عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: سمعته يقول: قال الله عزوجل: ليأذن بحرب مني من أذل عبدي المؤمن، وليأمن غضبي من أكرم عبدي المؤمن([237]).



وعنه(عليه السلام) قال : قال رسول الله : لقد أسرى ربي بي فأوحى إليّ من وراء الحجاب ما أوحى ، وشافهني أن قال لي : يا محمد ، من أذل لي ولياً فقد أرصد لي بالمحاربة ، ومن حاربني حاربته . قلت : يا رب ، ومن وليك هذا ؟ فقد علمت أن من حاربك حاربته ، فقال : ذاك من أخذت ميثاقه لك ولوصيك ولذريتكما بالولاية([238]).



وعن أبي هارون، عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: قال لنفر عنده وأنا حاضر: مالكم تستخفون بنا؟! قال: فقام إليه رجل من خراسان فقال: معاذ لوجه الله أن نستخف بك أو بشيء من أمرك، فقال: بلى، إنك أحد من استخف بي، فقال: معاذ لوجه الله أن أستخف بك، فقال له: ويحك! ألم تسمع فلاناً ونحن بقرب الجحفة وهو يقول لك: احملني قدر ميل فقد والله عييت؟ والله ما رفعت به رأساً; لقد استخففت به، ومن استخف بمؤمن فبنا استخف، وضيّع حرمة الله عزوجل([239]).



د ـ تعيير المؤمن



ومنه تعيير المؤمن بارتكاب الذنب أو عمل السوء، وتأنيبه عليه، وهذا غير نهيه عن المنكر أو نصيحته بقصد ردعه عن الذنوب.



فقد ورد في الحديث المعتبر عن الامام الصادق(عليه السلام) أنه قال: من عيَّر مؤمناً بذنب لم يمت حتى يركبه([240]).



وعنه(عليه السلام) : من لقي أخاه بما يؤنّبه أنّبه الله في الدنيا والاخرة([241]).



هـ ـ إحصاء عثرات المؤمن



ومنه إحصاء عثرات المؤمنين بقصد الاساءة إليهم، واستغلالها لهتك حرمتهم، وهدم مروّتهم.



عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: أبعد ما يكون العبد من الله أن يكون الرجل يؤاخي الرجل وهو يحفظ زلاته فيعيّره بها يوماً ما([242]).



وعن اسحاق بن عمار قال: سمعت أبا عبد الله(عليه السلام) يقول: قال رسولالله(صلى الله عليه وآله): يا معشر من أسلم بلسانه ولم يخلص الايمان إلى قلبه، لا تذمّوا المسلمين ولا تتبّعوا عوراتهم، فإنه من تتبّع عوراتهم تتبّع الله عورته، ومن تتبّع الله عورته يفضحه ولو في بيته([243]).



و ـ سبّه والطعن فيه



ومنه سبّ المؤمن أو لعنه أو الطعن عليه، فقد ورد في الحديث المعتبر عن أبي الحسن موسى(عليه السلام) في رجلين يتسابان قال: البادي منهما أظلم، ووزره ووزر صاحبه عليه ما لم يعتذر إلى المظلوم([244]).



وعن أبي جعفر(عليه السلام) قال: إن رجلاً من تميم أتى النبي(صلى الله عليه وآله) فقال: أوصني، فكان فيما أوصاه أن قال: لا تسبوا الناس فتكسبوا العداوة لهم([245]).



وعن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): إن الله عزوجل خلق المؤمنمن عظمة جلاله وقدرته، فمن طعن عليه أو ردّ عليه قوله فقد ردّ علىالله([246]).



وعنه(عليه السلام) قال: إنّ اللعنة إذا خرجت من صاحبها ترددت بينه وبين الذي يلعن، فان وجدت مساغاً وإلا رجعت إلى صاحبها، وكان أحق بها، فاحذروا أن تلعنوا مؤمناً فيحل بكم([247]).



ز ـ اغتيابه



ومنه ذكر المؤمن في غيبته بسوء يكرهه، وكشف عيوبه المستورة، وهو مايعبر عنه بـ (الغيبة) التي صرّح القرآن الكريم بتحريمها، ووصفها بأكل لحمالميت (ولا يغتَبْ بعضُكم بعضاً أيُحبُّ أحدُكم أنْ يأكلَ لحمَ أخيهِ مَيْتاً فكرِهتموه)([248]).



عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: من قال في مؤمن ما رأته عيناه وسمعته أذناه فهو من الذين قال الله عزوجل: (إنّ الّذينَ يُحبّونَ أنْ تشيعَ الفاحشةُ في الّذين آمنوا لهم عذابٌ أليمٌ)([249]).



وعن النبي(صلى الله عليه وآله) في وصيته لابي ذر: يا أبا ذرّ ، إياك والغيبة ، فإن الغيبة أشد من الزنى . قلت : ولم ذاك يا رسول الله ؟ قال : لانّ الرجل يزنيفيتوبإلى الله فيتوب الله عليه ، والغيبة لا تغفر حتى يغفرها صاحبها.ياأباذرّ،سِباب المسلم فسوق ، وقتاله كفر ، وأكل لحمه من معاصي الله،وحرمةماله كحرمة دمه . قلت : يا رسول الله ، وما الغيبة ؟ قال : ذكركأخاكبمايكره . قلت : يا رسول الله ، فإن كان فيه الذي يذكر به ، قال : اعلمأنكإذا ذكرته بما هو فيه فقد اغتبته ، وإذا ذكرته بما ليس فيه فقد بهتّه ([250]).وعن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: من عامل الناس فلم يظلمهم، وحدّثهم فلم يكذِبْهم، ووعدهم فلم يُخلفهم كان ممن حرمت غيبته، وكملت مروّته، وظهر عدله، ووجبت أخوّته([251]).



وقد استثنى الفقهاء من حرمة الغيبة غيبة الفاسق المتجاهر بفسقه، فعن الصادق(عليه السلام)قال: إذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له ولا غيبة([252]).



وعن أبي الحسن(عليه السلام) قال: من ذكر رجلاً من خلفه بما هو فيه مما عرفه الناس لم يغتبه، ومن ذكره من خلفه بما هو فيه مما لا يعرفه الناس اغتابه، ومن ذكره بما ليس فيه فقد بهته([253]).



ح ـ البهتان



ولا شك أن بهتان المؤمن أعظم ظلماً من الغيبة، فقد ورد في الحديث المعتبر عن الامام الصادق(عليه السلام): من بهت مؤمناً أو مؤمنة بما ليس فيه بعثه الله في طينة خبال حتى يخرج مما قال. قلت: وما طينة خبال؟ قال: صديد يخرج من فروج المومسات([254]).



ط ـ النميمة



ومن ذلك النميمة وإفساد العلاقات بين المؤمنين والتفريق بينهم، فقد ورد في الحديث الصحيح عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): ألا أنبئكم بشراركم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: المشّاؤون بالنميمة، المفرّقون بين الاحبة، الباغون للبَراء المعايب([255]).



وعن النبي(صلى الله عليه وآله) في وصيته لابي ذرّ قال: يا أبا ذرّ، لا يدخل الجنة القتّات. قلت: يا رسول الله، ما القتات؟ قال: النمّام. يا أبا ذرّ، صاحب النميمة لا يستريح من عذاب الله في الاخرة. يا أبا ذرّ، من كان ذا وجهين ولسانين في الدنيا فهو ذو وجهين في النار. يا أبا ذرّ، المجالس بالامانة، وإفشاؤك سرّ أخيك خيانة، فاجتنب ذلك واجتنب مجلس العثرة([256]).



ي ـ التهمة



ومنه اتهام المؤمن، أو إظهار سوء الظن به.



عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: إذا اتهم المؤمن أخاه انماث الايمان في قلبه كما ينماث الملح في الماء([257]).



وعنه(عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين(عليه السلام) في كلام له: ضع أمر أخيك على أحسنهحتى يأتيك ما يغلبك منه، ولا تظنّن بكلمة خرجت من أخيك سوءاً وأنت تجد لها في الخير محملاً([258]).



نماذج راقية من العدل في العلاقات



لقد بالغ الشارع المقدس في التأكيد عملياً على (العدل) في العلاقات الاجتماعية والمعاشرة، تعبيراً عن رسوخ هذه القاعدة المهمة في إرساء البناء الفوقي لها.



ويمكن أن نذكر بهذا الصدد بعض المصاديق التي لها دلالتها الخاصة في هذا المجال:



أ ـ التناجي



نهى الشارع المقدس عن التناجي بين شخصين، وهو الخفت والاسرار في الحديث، فيما إذا كان هناك شخص ثالث معهما، وقد عاب القرآن الكريم هذا العمل على بعض المسلمين عندما نهاهم عنه ثم عادوا إليه (ألمْ ترَ إلى الّذينَنُهوا عن النجوى ثمَّ يعودونَ لما نُهوا عنه ويتناجَونَ بالاثمِ والعُدوانِ ومعصية الرسول)([259]).



وقد ورد في الحديث الصحيح عن الامام الصادق(عليه السلام): إذا كان القومثلاثة فلا يتناجى([260]) منهم اثنان دون صاحبهما، فإن في ذلك ما يحزنه ويؤذيه([261]).



ب ـ تقسيم اللحظات



يحسن بالانسان إذا تحدّث إلى جماعة من الناس أو جلس إليهم أن يقسم لحظاته بينهم بالسوية، فقد ورد في الحديث المعتبر عن الامام الصادق(عليه السلام)قال: كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقسم لحظاته بين أصحابه، فينظر إلى ذا وينظر إلى ذا بالسوية. قال: ولم يبسط رسول الله(صلى الله عليه وآله) رجليه بين أصحابه قط، وإن كان ليصافحه الرجل فما يترك رسول الله(صلى الله عليه وآله) يده من يده حتى يكون هو التارك، فلما فطنوا لذلك كان الرجل إذا صافحه قال بيده فنزعها من يده([262]).



ج ـ الاعتراض في الحديث



ينبغي عدم اعتراض المتحدث المسلم في حديثه، وقطعه أثناء التحدث، فقد روى الكليني بطريق معروف عن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام) أنه قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): من عرض لاخيه المسلم المتكلم في حديثه فكأنما خدش وجهه([263]).



/ 14