كلمة المجمع - نظریة السیاسیة للامام زین العابدین ع نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

نظریة السیاسیة للامام زین العابدین ع - نسخه متنی

محمود البغدادی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید



النظرية السياسية لدى الإمام زين العابدين (ع)/ 5 - 51 النظريـة السياسيـة لدى الامام زين العابدين(عليه السلام)


محمود البغدادي


كلمة المجمع


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الانبياء والمرسلين محمد وآله الطاهرين.


انطلاقاً من الرسالة التي حمل أعباءها المجمع العالمي لاهل البيت(عليهم السلام)، التي تتمثل بنشر المعارف الاسلامية من منابعها الصافية والتعريف بأهل البيت(عليهم السلام) ومدرستهم الرشيدة، نقدم اليوم إلى قرائنا الاعزاء هذا السفر الجليل الذي حاول مؤلفه الكريم أن يعرض من خلاله لمعات منيرة من حياة الامام زين العابدين وسيد الساجدين عليبن الحسين عليهوعلىآبائه أفضل التحية والسلام.


والحقيقة أن هذا الامام ونظراً للظروف القاسية التي عاشها خاصة بعد ثورة كربلاء وما رافقها وتبعها من مآس ومصائب انصبت على أهل بيت النبوة وأتباعهم وشيعتهم، نتيجة لكل ذلك قضى(عليه السلام) حقبة طويلة من حياته بعيداً عن الاضواء ولم ينقل إلينا الرواة والمؤرخون إلاّ نبذاً يسيرة منها، ومع ذلك فان هذا المقدار الذي عرفناه يشكل مادة ثريّة للدراسة والبحث والتحليل، لكونها ملئية بالعطاء وهي مدرسة قائمة بذاتها يستلهم منها العبر.


هذا الكتاب حلقة جديدة في سلسلة الدراسات التي تهدف إلى ربط المسلمين بأهل البيت(عليهم السلام) وتعريفهم عليهم، بقلم سهل واسلوب أدبي شيق يتناسب مع حاجات المجتمع، وينسجم مع الذوق العام، الامر الذي يفتح الطريق واسعاً أمام الفكرة التي يحاول المؤلف إلقاء الضوء عليها وايصالها إلى القراء الكرام.


والله من وراء القصد، وإنه ولي التوفيق.


المعاونية الثقافية


للمجمع العالمي لاهل البيت(عليهم السلام)


الاهداء


الى الذين ينشدون الخطوات الجادّة لاحياء الاسلام وانقاذ امة محمد(صلى الله عليه وآله وسلم).


والى الذين يبحثون عن الكنوز الضائعة تحت انقاض التأريخ.


ارفع بين ايديهم هذه البحوث النظرية السياسية لدى الامام زين العابدين(عليه السلام).


آملاً توظيفها في البناء السياسي والحضاري.


محمود البغدادي


جامعة النجف / 1403هـ


قال الرسول محمد(صلى الله عليه وآله وسلم):إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش: ليقم زين العابدين. فكأنني انظر الى ولدي علي بن الحسين، يخطر بين الصفوف.


تاريخ دمشق نسخة مصورة على النسخة الظاهرية بدمشق، وكفاية الطالب ص448، ومناقب آل ابي طالب ج4 ص167، والصواعق المحرقة ص120، ومصادره كثيره.


علي زين العابدين

رؤيةٌ في الخط السياسي

المقدمة


اذا عرفت الاسلام معرفة واسعة فاحصة، فسوف لا تستغرب من ذلك العالم الكبير المتقشف، الذي ما برح يصوم النهار، ويقوم ناشئة الليل، وهي اشد وطأً وأقوم قيلا، حتى لقب بذي الثفنات، وأدهش الخافقين بعبادته وزهده وروحانيته. اقول: لا نستغرب منه إذا ما رأيناه علَماً من اعلام السياسة، ورجالاتها الافذاذ.


لقد استطاع علي بن الحسين زين العابدين(عليه السلام) ان يجمع بين الشؤون، الروحية والمنطلقات السياسية، جمعاً لا يخامره التعسف ولا يشوبه الريب. فهو العابد المتهجد، الزاهد، الخاشع، الاواب. وهو المربّي المقاوم للظلم والاستبداد، والسند القوي للمستضعفين، ليشهد العالم ان الاسلام:


دين الروحية والعقيدة


ودين القيادة والسياسة


فلا فصل بين العبادة والسياسة في الاسلام، بل هما وحدة متكاملة بمنزلة الروح والجسد. هذا اذا فهمنا الاسلام فهماً موضوعياً بعيداً عن مخططات الاستعمار والامبريالية ومصالح المستغلين.


يا ويل الذين لا يفهمون الاسلام او لا يريدون ان يفهموه الاّ من خلال العاطلين المتبطّلين والفئات الغافلة عما يراد بها بمنأىً عن السياسة والنظم الحيوية الرائدة لاسلامنا العظيم.


يا ويل الذين لا يفهمون الاسلام أو لا يريدون أن يفهموه إلاّ من خلال جهول أو حقود أو كل متكبر جبار لا يؤمن بيوم الحساب.


يا ويل الذين لا يفهمون الاسلام أو لا يريدون أن يفهموه إلاّ من خلال ذلك التطبيق الشائن الابتر للدول التي تدعي الاسلام، والاسلام منها بريء.


* * *


من اسرار سياسة الامام علي زين العابدين(عليه السلام) انه ذلك الانسان الذي تكنّ له الجماهير كل اجلال وإكبار وحب عميق، ولا أدلّ على ذلك من قصة الامواج البشرية التي ارتادت بيت الله الحرام والتي ما اِن رأت علي بن الحسين(عليه السلام) يريد ان يشق طريقه حتى انفرجت له وافترقت، فكان كل فرق كالطود العظيم، من غير اتفاق سابق ومن دون امر صادر لها في الوقت الذي كان فيه هشام بن عبدالملك مع موكبه الرسمي محتفظاً بموطئ قدم له منتظراً ان يخف الزحام ليؤدي مناسك الحج.


ومن اسرار سياسة علي زين العابدين(عليه السلام) انه المتمكن من الضمير الشعبي حتى في حالة انتهاج المواقف الصلبة والحدّية، وانه الموقّر المهيب وإن توشح باللين والتواضع، وهذا هو السحر الحلال في السياسة والمجتمع.


ومن اسرار سياسة علي زين العابدين(عليه السلام) انه قام بالمنجزات الكبيرة بعيداً عن الوسائل الاعلامية. ولكن الوسائل الاعلامية ما فتأت تكرر ذكره في محافلها وتمجده طوعاً اوكرهاً. ولابدّ ان يكون الامام زين العابدين(عليه السلام) شاعراً بهذا المعنى الذي قد ورد في احدى الابتهالات الدينية الرفيعة المستوى: وكم من ثناء جميل لست اهلاً له نشرته.


ما تمتاز به سياسته الفضلى انها تستند الى قاعدة فكرية وقانونية عظمى تكاد ان تكون منقطعة النظير إذْ انه الاوحديّ من علماء عصره استلهاماً للفكر الاسلامي واستيعاباً لقواعد التشريع.


من براعة سياسة علي زين العابدين(عليه السلام) انه لم يكن منصرفاً الى ا لسياسة كل الانصراف، وانما كانت السياسة شأنا من شؤونه لا اكثر ومع هذا فقد حقق من المكاسب السياسية ما يدهش الذين انصرفوا اليها انصرافاً تاماً وكانت شغلهم الشاغل طيلة الحياة من ذوي العبقرية السياسية، والاضطلاع، والجد، وقوة الاحتمال.


اذا كان بعض مهرة القادة يفرضه العدو والصديق على الحق، فان الامام زين العابدين(عليه السلام) فرضه الحق على الصديق والعدو. ويا رُبَّ راكع للحق يجعله الحق شمساً في كبد السماء لا يراها إلاّ من رفع الرأس اليها.


* * *


ان المؤلفات حول الامام علي زين العابدين(عليه السلام) التي تتحدث عن حياته وشخصيته وسلوكه العام قليلة جداً واما التي تتحدث عن خصوص سياسته فليس لها وجود. لذا جاء هذا الكتاب ـ باذن الله تعالى ـ محاولة لملء فراغ في المكتبة الاسلامية، وسد ثغرة من ثغرات السياسة والتاريخ.


ان منهجنا في البحوث عن الامام زين العابدين(عليه السلام) قائم على كتابة بحوث كثيرة وعلى مختلف الاصعدة فيما يتعلق به تتضمن فيما تتضمن : سياسته، تفسيره للقرآن الكريم، انشطته الادبية وغير ذلك، ثم قمنا بعملية انتزاعية للبحوث التي تتعلق بخطه السياسي، فجاءت في كتاب مستقل.. وهكذا صنعنا بالنسبة للبحوث الاخرى. طبعاً مع اضافات وتنقيحات لاصل البحوث الواقعة في الاطار العام.


لقد ضمّ الكتاب عن سياسة زين العابدين مواضيع مثل:


مع الحسين في الثورة الخالدة.


موقفه من القيادة السياسية.


سياسة تحرير العبيد.


توجيه العلماء.


المنعطفات السياسية في ادعية الامام زين العابدين(عليه السلام).


حركة الرسائل السياسية، وغيرها.


اي اننا اردنا ان نعرف خطه السياسي من ثنايا هذه المواضيع التي هي مصاديق او ملامح للخط.


ان الخط السياسي للامام زين العابدين(عليه السلام) هو خط الاسلام بلا ريب، بيد ان للخط السياسي في الاسلام شُعباً وميادين كثيرة قد اقتصر منها الامام زين العابدين(عليه السلام) على ما يوافق الملابسات، والظروف السياسية، والاجتماعية، مع فرضه وادخاله جملة من الاراء والمواقف على الملابسات والظروف.


لم تكن سياسة الامام زين العابدين(عليه السلام) سياسة غامضة فحسب، بل غامضة جداً وعليها الف ستار وستار من التغطية والتمويه التي خلقها الامام زين العابدين(عليه السلام) نفسه، فقد وضع لمسات خطه السياسي بما ينسجم مع الظروف القاهرة، والاهوال المحيطة ويتناسب وحدّتها، وشدة توترها.


ان هذه هي العلة في عدم انكشاف خطه السياسي الى الان، حتى اعتقد الناس عامة بان لا سياسة له معللين ذلك بعدم امكانية إتاحة فرصة للعمل السياسي، فان الظروف السياسية الضاغطة والقاسية التي اكتنفت حياة قوى المعارضة السياسية وواجهتها بشدة وعنف قد لوّحت بالعصا الغليظة لاقل افراد المعارضة، اذاً فما يكون مصير القائد المؤمل؟.


واذا ما كُشفت خطوط سياسة ما، وشُخّص الكثيرون من رموز المعارضة، فان الدقة المتناهية لسياسة الامام زين العابدين(عليه السلام) أبت إلاّ ان تكون لغزاً من الالغاز، بل اشد خفاءً وتمويهاً. حتى ان القيادة السياسية على الرغم من عمليات الرصد والترقب ما استطاعت التوصل الى اكتشافها. ولعلك قد سمعت بالجفرة الهيروغليفية التي لم تكن يُعار لها اهمية، ولم يكن يظن أن لها مفاداً ومعنىً حتى اكتشف اسرارها شبوليون، فاذا بالمعاني تنهال عليه وهكذا كانت سياسة الامامزين العابدين.


فهلمَّ اليّ لنسير معاً في مجاهيل السياسة، واصبر نفسك معي فكأننا قد توصلنا الى حل العقدة وكشف اللغز وعشنا في رحاب سياسة الامام زين العابدين(عليه السلام).


(ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين).


محمود البغدادي


المنعطفات السّياسيّة

في أدعية زين العابدين

الظروف السياسية والاجتماعية:


ان دراسة الظروف السياسية الحاكمة في عهد الامام زين العابدين واستيعاب المتغيرات الاجتماعية المعاصرة له لتلقي الضوء على بعض الركائز الاساسية في انفجار تيار من الادعية والمناجاة على لسان علي زين العابدين(عليه السلام)ومن قلبه وضميره وفكره وسياسته.


لقد عمّ الفساد آنذاك، وانتشر الترف، وساد اللهو الفاحش والغناء الخليع والمجون وغرق المجتمع في نهر الخمر الجاري من قصور الخلفاء الى بيوت الاماء. ان مراجعة تاريخهم السياسي والاجتماعي ليوقفنا على ذلك ولسنا الان بصدد ذكر التفاصيل فانها لا حدود لها مودعة في بطون التواريخ المختلفة ولكن يكفي ان نشير الى بعضها اشارة العابر ولنتخذ قطعة صغيرة ولكنها كبيرة الدلالة من كتاب مروج الذهب.


... وكان يزيد صاحب طرب وجوارح وكلاب وقرود وفهود ومنادمة على الشراب، وجلس ذات يوم على شرابه وعلى يمينه ابن زياد، وذلك بعد قتل الحسين، فاقبل على ساقيه فقال:


اسقني شربة تروّي عظامي ثم مِلْ فاسقِ مثلها ابن زياد


صاحب السر والامانة عندي ولتسديد مغنمي وجهادي


ثم امر المغنين فغنوا به.


وغلب على اصحاب يزيد وعماله ماكان يفعله من الفسوق، وفي ايامه ظهر الغناء بمكة والمدينة، واستعملت الملاهي، واظهر الناس شرب الشراب.


وكان له قرد يكنى بأبي قيس يحضره مجلس منادمته ويطرح له متكأ، وكان قرداً خبيثاً، وكان يحمله على أتان وحشية قد ريضت وذلّلت لذلك بسرج ولجام ويسابق بها الخيل... وعلى ابي قيس قباء من الحرير الاحمر والاصفر مشمر، وعلى رأسه قلنسوة من الحرير ذات الوان بشقائق وعلى الاتان سرج من الحرير الاحمر منقوش ملمع بانواع من الالوان(1).


ومما يدل على اللهو العابث والضياع ان شعر عمر بن ابي ربيعة ـ المعاصر لزين العابدين ـ وهو شعر كثير وقلما يوجد في شعراء زمانه من يضاهيه في الكثرة.. اقول يكاد ان يكون شعره كله جميعاً في التغزل والتشبيب ومحاورة النساء وذكر اسماء العاشقات والمعشوقات والتفكّه باعراضهن.


ان عمر بن ابي ربيعة وان كان قد فتح في محاورته واسلوبه القصصي باباً فنياً واسعاً لم يسبقه اليه سابق في هذه الصورة ولكن موضوع شعره يعبر عن الفراغ واللهو العابث الذي كان المجتمع منغمساً فيه.


ولعل الامام زين العابدين(عليه السلام) قد اومأ ايماءة خفية الى هذا الانحطاط والملذات المزرية، والفراغ القاتل. يقول صلوات الله عليه:


كفى بالمرء عاراً ان تراه من الشأن الرفيع الى انحطاط


على المذموم من فعل حريصاً عن الخيرات منقطع النشاط


يشير بكفه امراً ونهياً الى الخدّام من صدر البساط


يرى ان المعازف والملاهي مسببة الجواز على الصراط


لقد خاب الشقي وظن عجراً وزال القلب منه عن النياط(2)


ان الابيات توضح انه قد راى اشخاصاً ممن كان عليهم المعوَّل قد انساقوا مع المغريات و جرفهم التيار السياسي والاجتماعي الى مالا تحمد عقباه فإذا هم من الشأن الرفيع الى الانحطاط، والى الاقامة على الافعال الذميمة، والانقطاع عن الخير، وقد شغلتهم المعازف والملاهي.


في مثل هذه الظروف والمتغيرات الاجتماعية الدكناء قد انبثقت أدعية علي زين العابدين(عليه السلام) حمماً بركانية ضد الركام الهائل من الفساد الاجتماعي والانحطاط الاخلاقي والاحباط الروحي والتدهور السياسي.


لقد كانت ادعية الامام زين العابدين(عليه السلام) نداءً عالياً ان يا ايها الناس اذكروا الله وملائكته وانبياءه ورسله كذكركم سعيدة وميّة وعزّة وبثينة وليلى ولبنى او اشد ذكرا.


الصوت الملائكي الجميل:


ومن اجود ما يقوله وهو يوجه المجتمع الى الله تعالى ويدعوهم الى العيش الرغيد في سُبُحات ذكره هذه الترنيمة الرائعة، والصوت الملائكي الجميل المؤثر، الذي يشد الخلق الى الله والمثل الاعلى:


الهي فألهمنا ذكرك في الخلاء والملا، والليل والنهار والاعلان والاسرار، وفي السراء والضراء وآنسنا بالذكر الخفي، واستعملنا بالعمل الزكي، والسعي المرضي، وجازنا بالميزان الوفي.


الهي بك هامت القلوب الوالهة، وعلى معرفتك جمعت القلوب المتباينة، فلا تطمئن القلوب إلاّ بذكراك، ولا تسكن النفوس الا عند رؤياك انت المسبّح في كل مكان، والمعبود في كل زمان، والموجود في كل أوان، والمدعو بكل لسان والمعظّم في كل جَنان.. واستغفرك من كل لذة بغير ذكرك، ومن كل راحة بغير أنسك، ومن كل سرور بغير قربك، ومن كل شغل بغير طاعتك، الهي انت قلت وقولك الحق: (يا ايها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً * وسبّحوه بكرة واصيلا). فامرتنا بذكرك ووعدتنا عليه ان تذكرنا تشريفاً لنا وتفخيما واعظاماً وها نحن ذاكروك كما امرتنا، فانجز لنا ما وعدتنا، يا ذاكر الذاكرين، ويا ارحم الراحمين(3).


الدعاء رسالة مفتوحة الى المجتمع:


لقد كانت ادعية الامام زين العابدين(عليه السلام) رسالة مفتوحة الى المجتمع؟:


يا من اتّقيتم سلطان الارض ألا تتقون سلطان السماء؟


يا من ارهبكم عذاب الدنيا، الا ترهبون عذاب الاخرة اذ الاغلال في اعناقهم والسلاسل يسحبون؟


اتخشون ملكاً إذ تعصونه مرة واحدة، ولا تخشون ملك الملوك وأنتم في كل يوم له عاصون؟


تسيء اليكم الحكومات وانتم تطيعونها؟ ويحسن اليكم رب الارباب وانتم تخالفونه!


اتقوا الله. ارهبوا الله. اخشوا الله، فان رأس الحكمة خشية الله.


اللهم ان ملائكتك مشفقون من خشيتك، سامعون مطيعون لك وهم بامرك يعملون، لا يفترون الليل والنهار يسبّحون وانا احق بالخوف الدائم لاساءتي على نفسي وتفريطها الى اقتراب أجلي. اللهم اني قد اكثرت من ذنب انا فيه مغرور متحير.


اللهم اني قد اكثرت على نفسي من الذنوب والاساءة واكثرت عليّ من المعافاة سترت عليّ ولم تفضحني بما احسنت لي النظر واقلتني العثرة واخاف ان اكون فيها مستدرجاً فقد ينبغي لي ان استحي من كثرة معاصيّ ثم لم تهتك لي ستراً... يا الهي انا الذي لم اعقل عند الذنوب نهيك ولم اراقب عند اللذات زجرك ولم اقبل عند الشهوة نصيحتك. ركبت الجهل بعد الحلم وغدوت الى الظلم بعد العلم... اللهم انك تجد من تعذّبه غيري ولا اجد مَن يرحمني سواك، فلو كان لي مهرب لهربت، ولو كان لي مصعد في السماء لصعدت او مسلك في الارض لسلكت ولكنه لا مهرب لي ولا ملجأ ولا منجى ولا مأوى منك إلاّ اليك(4).


هذا من جهة خشية المجتمع من القيادة السياسية واجهزتها القمعية، واما من جهة الطلبات الاستجدائية التي تقدم للسلطة آنذاك بل في غير ذلك من الازمان، فكم يرى الرائي الخلق متوجهين الى ارباب الحكم متوسلين اليهم، ولطالما كان دعاؤهم اياهم اكثر من دعائهم الله الواحد القهار. وفي العصر الاموي بالذات توجهت اكثر الطبقات الاجتماعية صوب الامويين بالدعاء والتوسل لاستدرار اموالهم وقضاء حوائجهم المختلفة حتى تلك التي تصير بهم إلى المذلة والاستكانة.


لقد قال جرير الشاعر المعروف الذي كان معاصراً لزين العابدين(عليه السلام)يستجلب عطف الخليفة:


هذي الارامل قد قضّيت حاجتها فمن لحاجة هذا الارمل الذكر ونحن نسوق هذا الشاهد لا لانه يمثل نفسية احد الرجال فحسب، وانما باعتباره يمثل حالة نفسية وظاهرة عامة لدى الكثير من البشر، بما في ذلك المعاصرون للحكم الاموي. ومراجعة الحياة الاجتماعية والتاريخ السياسي يوضح ذلك ايما توضيح.


لقد علم علي زين العابدين(عليه السلام) بالوضع المأساوي المذكور آنفاً وسمع ملء اذنيه الادعية الطويلة العريضة التي توجه صوب قبلة القيادة السياسية. فمن ثم يناجي الله تبارك وتعالى ويدعوه دعاء الموقظ للمجتمع، والذي يزرق في عضلاته مصل التنبيه والاحساس: فصل على محمد و آل محمد وتولّ قضاءكلّ حاجة هي لي بقدرتك عليها وتيسير ذلك عليك وبفقري اليك وغناك عني فاني لم اصب خيراً الاّ منك ولم يصرف عني سوءاً قط احدٌ غيرك، ولا ارجو لامر آخرتي ودنياى سواك... اللهم من تهيأ وتعبّـأ واعدّ واستعدّ لوفادة الى مخلوق رجاء رفده ونوافله وطلب نيله وجائزته، فاليك يا مولاى كانت اليوم تهيئتي وتعبئتي واعدادي واستعدادي رجاء عفوك ورفدك وطلب نيلك وجائزتك(5).


المنطلقات الاجتماعية والسياسية:


لقد سبق الى الاذهان البعد الشخصي من ادعية الداعين ـ بشكل عام ـ ومن بينهم الامام زين العابدين(عليه السلام). فهو يدعو استقالة من الذنوب وتوبة الى الله واستدراراً للرحمة والكرم الالهيين وتهذيباً للنفس ونحو ذلك، ولكننا اذا راجعنا الصحف السجادية الاولى والثانية والثالثة والرابعة والخامسة سوف نقع على الجماء الغفير من الادعية والابتهالات التي تخرج عن ساحة البعد الشخصي الى حيث المنطلقات الاجتماعية وغير ذلك، فكما انه لم يغفل البعد الشخصي من الدعاء كذلك قد ركز وبكل تأكيد على المنعطفات الاخرى اذ إن الادعية ادوية لا حصر لها لامراض لا حصر لها.


فتارة يدعو زين العابدين لنفسه ادعية كثيرة، وتارة يدعو لولده واخرى لجيرانه واوليائه ورابعة في الاستسقاء، ومن ذلك دعاؤهُ لاهل الثغور ودعاؤه على الظالمين كما سيأتي الحديث عنهما، وهكذا فهو ينتقل من دائرة لاخرى ومن منحىً الى منحىً، لتعم الفائدة المرجوّة من الدعاء ويسعد الجميع. نعم، الجميع الاّ من اختار على عمد الشقاء وارتأى منهج الضلالة والانحراف.


فهل يمكن مثلاً الارتياب في النزعة السياسية لهذا الدعاء الذي كان يناجي به امام المجتمع حيث الحشود المتقاطرة في عيد الاضحى والجمعة:


اللهم ان هذا المقام لخلفائك واصفيائك ومواضع امنائك في الدرجة الرفيعة التي اختصصتهم بها... قد ابتزوها وانت المقدّر لذلك لا يغالب امرك ولا يجاوز المحتوم من تدبيرك كيف شئت وانى شئت ولما انت اعلم به غير متهم على خلقك ولا لارادتك، حتى عاد صفوتك وخلفاؤك مغلوبين، مقهورين، مبتزين، يرون حكمك مبدّلا، وكتابك منبوذا، وفرائضك محرفة عن جهات اشراعك، وسنن نبيك متروكة(6).


ثلاث نظرات:


هناك ثلاث نظرات فيما يتعلق بالبعد الشخصي للدعاء وفي تفسيره. ونعتقد ان النظرة الثالثة هي الصحيحة.


النظرة الاولى: ان الداعين بما فيهم القادة الرساليون كالرسول واهل بيته، انما يدعون من اجل انفسهم لا اكثر باعتبارهم بشراً تكتنفهم مختلف الاحتياجات الشخصية لله عزّوجلّ فدعاؤهم اذاً دعاء شخصي خالص.


النظرة الثانية: ان دعاء الرسول واهل بيته وغيرهم من القادة الرساليين انما هو من اجل المجتمع فحسب، ولا صلة لاشخاصهم في ذلك باعتبارهم قد وصلوا الى درجة عليا من الوعي الرسالي والاجتماعي وتحمل اعباء المسؤولية الجماعية ونكران الذات، فهم يفكرون بالمجتمع لا غير، غافلين اومتغافلين عن ذواتهم اي ان الغاية الوحيدة من الدعاء هي التربية غير المباشرة والمباشرة احياناً للمجتمع وتعليمه كيفية الدعاء وعمليات التطهير لشوائب النفس وصورة الادب مع الله.


النظرة الثالثة: وهي النظرة الجامعة بين النظرتين، ألا وهي الدعاء من اجل النفس ومن اجل المجتمع ايضاً.


في كثير من الاحيان كانت تصحب ادعية زين العابدين وغيره دموع ساخنة، ولهفات لاذعة. فاذا كان دعاؤهم من اجل المجتمع لا غير فهذا يعني ان تلك الدموع واللهفات مجرد قضية تمثيلية فقط، وزين العابدين واولئك الداعون أجلّ وازكى من ذلك كما هو واضح.


واذا كانت جميع ادعية زين العابدين وغيره من اجل نفوسهم لا اكثر من ذلك، فلماذا كانوا يعلّمون المجتمع ألواناً من الدعاء والمناجاة؟.


وعلى سبيل المثال، لماذا أملى الامام زين العابدين(عليه السلام) الصحيفة السجادية الكاملة جميعها على ولده ابي جعفر محمد الباقر(عليه السلام).


كما ان تلك الادعية في حالة الانفراد وفي حالة الاجتماع تصحح النظرة الثالثة الجامعة ما بين النظرتين.


دلائل العموم:


يعرف عمومها من جهة صيغ الجمع كقول الامام زين العابدين(عليه السلام): الهي فاجعلنا من الذين ترسخت اشجار الشوق اليك في حدائق صدورهم(7). ونحو ذلك كثير. ويعرف كذلك من جهة المدعو لهم كقوله: اللهم لا تغلق على موحديك ابواب رحمتك...(8) فهو دعاء لمطلق الموحدين من الاولين والاخرين.


ومن هذا القبيل ما مرّ من الاشارة الى مصاديق من ادعيته التي تتصف بالصيغ العمومية.


ينبغي لفت النظر والقول بكل تأكيد الى ان نفس الادعية التي تتسم بالطابع الشخصي في مواضيعها او صيغها وتعبيرها، هي ايضاً ادعية عامة من زاوية اخرى، إذ انها سياسة تربوية ومنهج نفسي يرتفع بالمجتمع ـ في حالة استلهامه وتطبيقه عملياً ـ الى حيث المواقع المتقدمة التي تنفع النفع الكبير على صعيد الحياة الدنيا والاخرة.


يرتفع بالمجتمع الى حيث:


سمو الذات


والثراء الروحي


وسعة الافاق السياسية


والتحرر من الجمود


من امثلة الادعية العامة:


من دعاء الثغور: اللهم صل على محمد وآله وحصّن ثغور المسلمينبعزتك وايِّد حماتها بقوتك، واسبغ عطاياهم من جدتك. اللهم صل على محمد وآله وكثّر عدّتهم، واشحذ اسلحتهم، واحرس حوزتهم، وامنع حومتهم، وألّف جمعهم، ودبّر امرهم، وواتر بين مِيَرهم، وتوحّد بكفاية مؤنهم، واعضدهم بالنصر وأعنهم بالصبر، والطف لهم بالمكر.


اللهم صل على محمد و آله وعرِّفهم ما يجهلون، وعلِّمهم ما لا يعلمون، وبصّرهم ما لا يبصرون.


اللهم صل على محمد وآله وأنسهم عند لقائهم العدو ذكر دنياهم الخدّاعة الغرور، وامحُ من قلوبهم خطرات المال الفَتون، واجعل الجنة نصب اعينهم، ولوِّح منها لابصارهم ما اعددت فيها من مسَاكن الخلد ومنازل الكرامة، والحور الحسان، والانهار المطّردة بانواع الاشربة، والاشجار المتدلية بصنوف الثمر حتى لا يهم احد منهم بالادبار، ولا يحدّث نفسه عن قرنه بالفرار.


اللهم افلل بذلك عدوهم، واقلم عنهم اظفارهم، وفرّق بينهم وبين اسلحتهم، واخلع وثائق افئدتهم،وباعد بينهم وبين ازودتهم، وحيّرهم في سبلهم، وضللهم عن وجههم، واقطع عنهم المدد، وانقص منهم العدد، واملا افئدتهم الرعب، واقبض ايديهم عن البسط، واخزم السنتهم عن النطق، ونكّل بهم مَن وراءهم، واقطع بخزيهم اطماع من بعدهم...


اللهم اغز بكل ناحية من المسلمين على من بإزائهم من المشركين، وامددهم بملائكة من عندك مردفين، حتى يكشفوهم الى منقطع التراب، قتلا في ارضك، واسراً، او يقرّوا بانك انت الله لا اله الا انت وحدك لا شريك لك...


اللهم اشغل المشركين بالمشركين عن تناول اطراف المسلمين، وخذهم بالنقص عن تنقّصهم، وثبّطهم بالفرقة عن الاحتشاد عليهم.


اللهم أخل قلوبهم من الامنة، وابدانهم من القوة، واذهل قلوبهم عن الاحتيال، واوهن اركانهم عن منازلة الرجال، وجبّنهم عن مقارعة الابطال، وابعث عليهم جنداً من ملائكتك ببأس من بأسك كفعلك يوم بدر، تقطع به دابرهم، وتحصد به شوكتهم، وتفرّق به عددهم.


اللهم وامزج مياههم بالوباء، وبالادواء، وارم بلادهم بالخسوف، والحّ عليها بالقذوف، وامرعها بالمحول، واجعل مِيَرهم في أحصِّ ارضك، وابعدها عنهم، وامنع حصونها منهم. اصبهم بالجوع المقيم، والسقم الاليم.


اللهم وايما غاز غزاهم من اهل ملّتك او مجاهد جاهدهم من اتباع سنّتك ليكون دينك الاعلى، وحزبك الاقوى، وحظك الاوفى، فلقِّهِ اليسر، وهيّئ له الامر، وتولّه بالنجح، وتخيّر له الاصحاب واستقوِ له الظهر، واسبغ عليه في النفقة، ومتِّعْه بالنشاط، وأطفِ عنه حرارة الشوق، وأجرْه من غمِّ الوحشة، وأنسِهِ ذكر الاهل والولد، وآثر له حسن النية، وتولّه بالعافية، واصحبه السلامة، وأعفهِ من الجُبن، وألهمْهُ الجرأة، وارزقه الشدة...


اللهم وايما مسلم خلف غازياً او مرابطاً في داره، او تعهّد خالفيه في غيبته، او اعانه بطائفة من ماله، او أمدّه بعتاد، او شحذه على جهاد، او اتبعه في وجهه دعوة، او رعى له من ورائه حرمة، فأجر له مثل اجره وزناً بوزن، ومثلاً بمثل وعوّضه من فعله عوضاً حاضراً، يتعجل به نفع ما قدّم، وسرور ما أتى، الى ان ينتهي به الوقت الى ما اجريت له من فضلك، واعددت له من كرامتك.


اللهم وايما مسلم اهمّه امر الاسلام، واحزنه تحزّب اهل الشرك عليهم، فنوى غزواً، او همّ بجهاد، فقعد به ضعف او أبطأت به فاقة، او أخّره عنه حادث، او عرض له دون ارادته مانع، فاكتب اسمه في العابدين، واوجب له ثواب المجاهدين، واجعله في نظام الشهداء والصالحين(9).


من منهج القرآن: هل من الممكن بالنسبة لعلي زين العابدين وهو من ائمة تفسير القرآن، وحليفه أن يغفل عن منهج القرآن، واسلوبه في الادعية والتوجه الى الله شداً للمجتمع، واخذاً بيديه الى الحق المطلق، او في توجيه الحوارق والخوارق من الادعية ضد المجرمين والمستبدين وعبد الطاغوت؟. فذاك نبيّ الله نوح يبتهل الى الله:


(ربّ لا تذر على الارض من الكافرين ديّاراً * انك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا الاّ فاجراً كفّارا)(10). وقال تعالى: (وما كان قولهم الا ان قالوا ربّنا اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا في امرنا وثبت اقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين)(11). ومفاد الاية الاخيرة عام في جماعات كثيرة قاتلت الى جانب الانبياء بدليل الاية السابقة (وكأيّن من نبي قاتل معه ربّيون كثير...) اي ان هنالك تلاحماً مصيرياً وتوجهات موحدة بين الضمائر والافكار والابتهالات لمختلف الذين يجمعهم الدرب اللاحب للجهاد مع شتى الانبياء.


وقال على لسان الحواريين:(ربنا آمنا بما انزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين)(12).


منار للامة: هذا من ناحية التوجه العام لجملة من آيات الادعية العامة فيه والتي كان الامام زين العابدين عارفاً بها بلا ريب كما اشرنا قبل قليل، واما من ناحية ثانية فان من يعرف شخصية علي زين العابدين(عليه السلام) او يطّلع على الخطوط العريضة فيها يدرك بوضوح ذلك البعد النفسي الرائع بل اكثر من بُعد من حيث التضحية والفداء والايثار وحب الانسانية والرفق والتحنن لها. فهل شغلته نفسه وحدها واراد لها الخير وحدها، تاركاً للاخرين من غير التفات واحساس بحالاتهم، واوضاعهم، ومسار حياتهم، وتوجهاتهم؟


كما ان زين العابدين منار للامة، وزعيم عقائدي، ورائد من رواد الخير والفضيلة. انه الامام، اذاً ليس من المتوقع ان يترك الامة سدىً، والانسانية جانباً، فكما ان عليه ـ من منطلق المسؤولية الكبرى ـ ان يدلهم على الصواب والاستقامة، ويأخذ بايديهم الى حيث السياسة الالهية، والنزعة الروحية، ويدعوهم الى الله، فكذلك عليه ان يدعو لهم بالتوفيق والخير والصلاح. ما اريد ان اقوله:


ينبغي للقادة المبدئيين ان يعينوا الله على الناس، ويعينوا الناس على الله.


ان يعينوا الله عليهم، بان يرشدوهم اليه، ويعينوهم عليه بان يسترحموه لهم. اذ ان من الواضح وجوب الارشاد، والتربية، والتوجيه ووجوب استرحام الله، واستعطافه.


وبعبارة اخرى:


ان على قادة الشعوب ان يدعوهم الى الله ويدعوا الله لهم.


ومن امثلة الادعية العامة هذا الدعاء الذي دعا به زين العابدين في اليوم الثالث عشر من شهر رمضان المبارك وهو دعاء على الظالمين.


ان شهر رمضان افضل الشهور عند الله وفيه ليلة القدر التي هي خير من الف شهر وهو شهر العبادة والصيام والانابة الى الله تعالى او كما قال زين العابدين: وهذا شهر الصيام وهذا شهر القيام، وهذا شهر الانابة، وهذا شهر التوبة وهذا شهر المغفرة والرحمة، وهذا شهر العتق من النار والفوز بالجنة.


فاذا اخذنا بنظر الاعتبار الايحاءات الروحية والاجواء العبادية لشهر رمضان المبارك، وكذلك الاعمال العبادية الخاصة، وألوان التزلف الى الله التي كان يقوم بها الامام زين العابدين في شهر رمضان; فان هذا يكفي للتدليل على ان زين العابدين(عليه السلام) وهو يدعو الله على الظالمين في مثل هذا الشهر انما كان يجمع بين التهجد والانابة الى الله، وبين التصدي والمقاومة، وبين الدعاء من جهة و بين السياسة من جهة ثانية.


وهكذا قال الامام زين العابدين(عليه السلام): اللهم ان الظلمة جحدوا آياتك، وكفروا بكتابك، وكذّبوا رسلك، واستنكفوا عن عبادتك، ورغبوا عن ملّة خليلك، وبدّلوا ما جاء به رسولك، وشرعوا غير دينك، واقتدوا بغير هداك، واستنّوا بغير سننك، وتعدّوا حدودك، وسعوا معاجزين في آياتك، وتعاونوا على اطفاء نورك، وصدّوا عن سبيلك، وكفروا نعماءك، وشاقّوا ولاة أمرك، ووالوا أعداءك، وعادوا أولياءك، وعرفوا ثم انكروا نعمتك، ولم يذكروا آلاءك، وأمنوا مكرك، وقست قلوبهم عن ذكرك، واجترؤوا على معصيتك، ولم يخافوا مقتك، ولم يحذروا بأسك، واغترّوا بنعمتك.


اللهم انهم اتخذوا دينك دغلاً، ومالك دولا، وعبادك خولا.


اللهم افتت اعضادهم، واقهر جبابرتهم، واجعل الدائرة عليهم، واقضض بنيانهم، وخالف بين كلمتهم، وفرّق جمعهم، وشتّت امرهم، واجعل بأسهم بينهم، وابعث عليهم عذاباً من فوقهم ومن تحت ارجلهم، واسفك بايدي المؤمنين دماءهم، وأورث المؤمنين ارضهم وديارهم واموالهم.


اللهم ضلِّل اعمالهم، واقطع رجاءهم، وادحض حجتهم، واستدرجهم من حيث لا يعلمون، وائتهم بالعذاب من حيث لا يشعرون، وانزل بساحتهم ما يحذرون، وحاسبهم حساباً شديداً، وعذّبهم عذاباً نُكرا، واجعل عاقبة امرهم خسرا.


اللهم انهم اشتروا بآياتك ثمناً قليلاً، وعتوّا عتواً كبيرا.


اللهم انهم اضاعوا الصلوات، واتبعوا الشهوات.


اللهم ادفع عن وليك، وابن نبيك، وخليفتك، وحجتك على خلقك، والشاهد على عبادك، المجاهد المجتهد في طاعتك....


ومن هذا الدعاء:


اللهم اشعب به صدعنا، وارتق به فتقنا، والمم به شعثنا، وكثر به قلتنا، واعزز به ذلّتنا، واقض به عن مغرمنا واجبر به فقرنا، وسدَّ به خلّتنا، وأغن به عائلنا، ويسر به عسرنا، وكفّ به وجوهنا، وانجح به طلبتنا، واستجب به دعاءنا، واعطنا به فوق رغبتنا، واشف به صدورنا، واهدنا به لما اختلف فيه من الحق، يا رب انك تهدي من تشاء الى صراط مستقيم.


اللهم أمت به الجور، واظهر به العدل، وقوّ ناصره، واخذل خاذله، ودمِّر من نصب له، وأهلك من غشه، واقتل به جبابرة الكفر، واقصم رؤوس الضلالة...(13).


فضح الهوية السياسية:


يتصدى هذا الدعاء لفضح الهوية السياسية والعقائدية للظالمين، والكشف عن اساليبهم ومخططاتهم في المجتمع والدولة. ويقصد بهم الجهاز الحاكم آنذاك اذ ان زين العابدين معروف برؤيته السياسية والعقائدية لهم، وفي عدة مواقع من هذا الكتاب ما يوضح ذلك لا سيما في بحث مواقفه من القيادة السياسية.


ولكن الامام زين العابدين(عليه السلام) قد وصف الجماعة الحاكمة بالكفر: وكفروا بكتابك وهل يمكن ان يوصف بالكفر من يشهد ان لا اله الاّ الله وان محمداً رسول الله؟.


والجواب أننا اذا عرفنا رؤية زين العابدين(عليه السلام) لمعاصريه من الحكّام لا نستغرب اطلاقه الكفر عليهم أخذاً بقوله تعالى: (ومن لم يحكم بما انزل الله فاولئك هم الكافرون)(14).


واما أداء شعائر اسلامية من قبيل الصلاة والصيام والحج، فقد قال وهو يصف الجماعة: اللهم انهم أضاعوا الصلاة واتّبعوا الشهوات.


والظاهر انه يقصد من ذلك ان لا اعتبار بأداء الشعائر بعد تفريغها من المحتوى، وقد قال تعالى: (ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر)(15)، فاذا لم تنه عن الفحشاء والمنكر فليست بصلاة.


ومن قبيل السؤال السابق حول وصف الجماعة بالكفر وصفه لها بتكذيب الرسل، وكذبوا رسلك.


والجواب ان التكذيب قسمان:


القسم الاول: هو الاعتقاد بان الله تعالى لم يبعث الرسل وانما ادّعوا امراً ليس لهم، اي نفي اصل الرسالات الالهية.


القسم الثاني: هو عدم الاقتداء بهم والعمل على خطهم وسنتهم وهداهم، او كما قال زين العابدين(عليه السلام): ورغبوا عن ملة خليلك، وبدّلوا ما جاء به رسولك.


لم يكن الحكّام في عصر الامام زين العابدين(عليه السلام) كلهم على وتيرة واحدة من جميع الجهات الاعتقادية والعملية،فلذا لا نعرف على وجه القطع والتفصيل ماذا يقصد بأبعاد فقرة وكذبوا رسلك.


فربما قد جعل بعض الحكّام ضمن القسم الاول وجعل بعضهم ضمن القسم الثاني.


بين سياسة الدعاء وسياسة القرآن:


ان محاربة الظالمين وفضح مخططاتهم التآمرية جزء لا يتجزأ من رسالة المسلم.


ان عداء الظالمين والتصدي لهم سياسة قرآنية، لا لبس فيها، ولا غبار عليها.


في القرآن الكريم آيات كثيرة في القدح بالظالمين ولعنهم والدعوة الى اعلان الحرب عليهم.


رسالة الامام زين العابدين(عليه السلام) وسياسته انما تستند الى مبادئ من رسالة القرآن وسياسته في مواجهة الظالمين.


بخصوص الدعاء على الظالمين المذكور قبل قليل نلاحظ عليه سيماء القرآن، فهو بين فقرات مستمدة من سياسة القرآن وبين فقرات منسجمة معها، وبين فقرات ناظرة اليها. وتفصيل ذلك:


1 ـ سياسة الدعاء:


ان الظلمة حجدوا آياتك.


سياسة القرآن:


(فانهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون)(16).


2 ـ سياسة الدعاء:


وكفروا بكتابك.


سياسة القرآن:


(ومن لم يحكم بما انزل الله فاولئك هم الكافرون)(17).


3 ـ سياسة الدعاء:


وتعدّوا حدودك.


سياسة القرآن:


(ومن يتعدّ حدود الله فاولئك هم الظالمون)(18).


4 ـ سياسة الدعاء:


واقطع دابرهم.


سياسة القرآن:


(فقطع دابر القوم الذين ظلموا الحمد لله رب العالمين)(19).


5 ـ سياسة الدعاء:


واشف صدور المؤمنين.


سياسة القرآن:


(قاتلوهم يعذبهم الله بايديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين)(20).


ويمكن ان نضيف لما سبق الدعاء التالي.


6 ـ سياسة الدعاء:


وحاسبهم حساباً شديداً وعذّبهم عذاباً نكرا واجعل عاقبة امرهم خسرا.


سياسة القرآن:


(وكأين من قرية عتت عن امر ربها ورسله فحاسبناها حساباً شديداً وعذبناها عذاباً نكرا * فذاقت وبال امرها وكان عاقبة امرها خسرا)(21).


تنبيهات:


1 ـ في دعاء الامام زين العابدين(عليه السلام) على الظالمين من قوله اللهم ادفع عن وليك وابن نبيك الى آخر الدعاء.. انما يقصد بذلك المهدي المنتظر.


وفي الدعاء الذي ذكرنا مختاره توجد عدة فقرات تدل عليه سواء من التي ذكرت او التي لم تذكر.


وقد ذكر هذا المقدار من الفقرات حوله باعتباره اكبر مصداق مؤمل يظهر الله تبارك وتعالى به العدل ويبير به الظالمين.


2 ـ في عبارة: وفي خصوص الدعاء على الظالمين المذكور قبل قليل نلاحظ عليه سيماء القرآن.. ينبغي ان يفهم ان عليه سيماء القرآن لا من حيث التعبير والبيان فحسب، بل من حيث المحتويات السياسية والاهداف كذلك.


3 ـ قُدّمت الامثلة من سياسة الدعاء على الامثلة من سياسة القرآن لسبب فني. وإلاّ فان كلام الله تعالى مقدم على كلام البشر كما هو واضح.


المنجزات السياسية لادعية


والان ينبغي ان نذكر اهم المنجزات السياسية لادعية الامام زين العابدين(عليه السلام).


1 ـ تحديد الخط القيادي:


ايتها الامة ان كان اختلافك رحمة في تعيين القائد، فان غلبة الاشرار ليست من الرحمة في شيء. نعم ربما كان الاختلاف في تعيين القائد رحمة ولكن لا ينبغي التأكيد على هذا المعنى. فاذا كان رحمة في بعض الاحايين، ودليلاً على الوعي واليقظة، فانه طالما كان مصدراً للشرور ونجوم النفاق والضعف والهوان، وتصاعد الخلافات الفرعية.


واذا كان اختلاف الرأي لا يفسد في الود قضية ـ كما يقال ـ فمن غير الصحيح التركيز على هذا التوجه فانه لا يصحّ إلاّ في حالات قليلة، وغالباً ما يكون اختلاف الرأي مدعاة للفساد والتدهور، وتفخيم الاحقاد الكوامن، لا سيما في اكثر بلدان الشرق فان الحرية في الرأي والسلوك هي الغالبة عليها.


لقد قال تعالى وقوله الحق ـ والحق احق ان يُتّبع ـ : (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا ان الله مع الصابرين). فالاية المباركة تقرر ان التنازع آية الفشل، وذهاب القوة. وقال تعالى: (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات).


لقد استشهد الامام علي زين العابدين(عليه السلام) بالاية الثانية ناعياً على الامة تشتت الكلمة وانعدام الوحدة(22).


ان الخلافات في القضايا السياسية والحيوية ظاهرة طبيعية ولكن ليس كل ظاهرة طبيعية يُستشف منها القوة او الجمال:


الاستغلال والجشع في المستعمرين ظاهرة طبيعية.


الاستلاب الحضاري ظاهرة طبيعية.


تبرير مواقف الظالمين والمستبدين ظاهرة طبيعية.


الكذب، الغدر، التملق الذليل، كلها من الظواهر الطبيعية.


ولو لا خشية الابتعاد عن صلب الموضوع لكان التفصيل مرغوباً فيه، فهل ترى في شيء من هذه الظواهر الطبيعية عنصراً من عناصر القوة او النفع او الجمال للمبادئ او الانسانية؟


انت وما ارتأيت.


الوان قيادية:


هذا الحديث عن الخلافات السياسية من حيث كونه فكرة سياسية عامة وامّا عن خصوص عصر الامام زين العابدين ـ اي العصر الاموي ـ فنستطيع ان نلاحظ عليه انفجار الاوضاع الامنية، وارتفاع الخط البياني للخلافات الفكرية والنزاعات المسلحة حول طبيعة الحكم ومَن الحاكم.


لقد شحنت الرقعة الجغرافية الواسعة للعالم الاسلامي بالوان القيادات.


أ ـ منها القيادة السفيانية.


ب ـ ومنها القيادة المروانية.


جـ ـ ومنها القيادة الزبيرية.


د ـ ومنها القيادة الخارجية بل قيادات الخوارج اذ أصبحوا فئات ولكل فئة قائد.


هـ ـ ومنها قيادة عبيد الله بن الحر الجعفي(23).


في خضم هذه الاجواء السياسية والعسكرية المتناقضة لابد لمثل الامام زين العابدين(عليه السلام) من ان يبصّر بالحقيقة ويدل على سواء السبيل لان مثل أمر تعيين القيادة لا يمكن ان يُترك سدىً، او يسكت عن اعطاء وجهة النظر الشرعية حوله. وباعتبار ان زين العابدين(عليه السلام) إمام من ائمة الاسلام وفي اعلى درجات العلم والمعرفة بالمفاهيم الاسلامية وأحكام القرآن والسُّنة حتى ان من يعدون في الخط الموازي له تمام الموازاة يذعنون الاذعان الكامل بانه العالم الاوحدي في عصره.


ومن كلام لعبد الملك بن مروان يخاطب به الامام زين العابدين(عليه السلام): ولقد اوتيت من الفضل والعلم والدين والورع مالم يؤته احد مثلك ولا قبلك إلاّ من مضى من سلفك.


خلفاء الارض:


فلننظر الان من خلال ادعية الامام زين العابدين(عليه السلام) الى من كان يشير بالقيادة من بين الامة الاسلامية.


المثال الاول: ربّ صل على اطايب اهل بيته الذين اخترتهم لامرك، وجعلتهم خزنة علمك، وحفظة دينك، وخلفاءك في ارضك، وحججك على عبادك، وطهرتهم من الرجس والدنس تطهيراً بارادتك، وجعلتهم الوسيلة اليك، والمسلك الى جنتك(24).


المثال الثاني: ومتقرب اليك بنبيك(صلى الله عليه وآله وسلم) احب خلقك اليك، وأكرمهم لديك، وأولاهم بك، واطوعهم لك، واعظمهم منك منزلة، وعندك مكانا، وبعترته صلى الله عليهم الهداة المهديين الذين افترضت طاعتهم، وامرت بمودتهم.. وجعلتهم ولاة امرك بعد نبيك(صلى الله عليه وآله وسلم).


اسألك بحق نبيك محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)، واتوسل اليك بالائمة(عليهم السلام) الذين اخترتهم لسرِّك، واطلعتهم على خفيك، واخترتهم بعلمك، وطهرتهم، واخلصتهم، واصطفيتهم، واصفيتهم، وجعلتهم هداة مهديين، وائتمنتهم على وحيك، وعصمتهم عن معاصيك ورضيتهم لخلقك، وخصصتهم لعلمك، واجتبيتهم، وحبوتهم، وجعلتهم حججاً على خلقك، وامرت بطاعتهم على من برأت بمعنى (خلقت)(25).


وتوجد لزين العابدين ادعية اخرى في هذا المضمار تكشف عن الجهاز القيادي الذي ينبغي ان يكون على رأس الامة الاسلامية ويقود الساحة.


2 ـ نشر الاخلاق الرسالية:


اضافة شرط (الرسالية) اضافة ضرورية تمييزاً للون الاخلاقي و تحديداً لفلسفته ومفاهيمه. فثم فارق ملحوظ في كثير من الاحيان بين اخلاق المسلم وبين اخلاق الرسالة الاسلامية.


وقد تلتقي اخلاق المسلم في جملة من المفردات الاخلاقية مع اخلاق الرسالة الاسلامية.


كان زين العابدين في الذروة العليا من الطبقة الواعية استجلاءً لاخلاق القرآن ونشراً لها بين المجتمع، وتحديداً لمفاهيم الاسلام وتعاليمه في التربية والسلوك.


ومن اجل التأكيد على الاهمية القصوى للاخلاق والتربية في الرسالة الاسلامية كان سلام الله عليه يقول:


ان احبكم الى الله احسنكم عملا،


وان اعظمكم عند الله عملاً اعظمكم فيما عند الله رغبة،


وان انجاكم من عذاب الله اشدكم خشية لله،


وان اقربكم من الله اوسعكم خلقاً،


وان ارضاكم عند الله اسبغكم على عياله،


وان اكرمكم عند الله اتقاكم لله.


ولزين العابدين(عليه السلام) كلام طويل يعدد فيه الذنوب وانعكاساتها السلبية في الحياة الدنيا على الفرد والمجتمع ومن ذلك قوله:


الذنوب التي تنزل البلاء: ترك اغاثة الملهوف وترك معاونة المظلوم، وتضييع الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.


والذنوب التي تديل الاعداء: المجاهرة بالظلم، واعلان الفجور، واباحة المحظور، وعصيان الاخيار والانقياد الى الاشرار.


لقد فصل الامام زين العابدين(عليه السلام) في الاخلاق الاسلامية التي لابد ان يتحلى بها المسلم او يستقي منها باعتبارها منهلاً عذباً قليل النظير.


لقد جاء تفصيله للاخلاق الاسلامية في نصوص كثيرة جداً والذي يهمنا منها الان النصوص التي وردت بصورة ادعية ومناجاة اذ انها موضوع البحث.


النصوص الدُعائية في الاخلاق والتربية عند الامام زين العابدين(عليه السلام)على قسمين: قسم ورد ضمن ادعية اخرى، وقسم ورد نصوصاً مستقلة. ونسوق لك الان منها مثالين فحسب:


المثال الاول:


اللهم صل على محمد وآله، وسددني لان اُعارض من غشني بالنصح، وأجزي من هجرني بالبر، واثيب من حرمني بالبذل، واكافي من قطعني بالصلة، واخالف من اغتابني الى حُسن الذكر، وان اشكر الحسنة، واغضي عن السيئة.


اللهم صلى على محمد وآله، وحلّني بحلية الصالحين والبسني زينة المتقين في بسط العدل، وكظم الغيظ، واطفاء النائرة وضم اهل الفُرقة، واصلاح ذات البين، وافشاء العارفة، وستر العائبة، ولين العريكة الطبيعة وخفض الجناح، وحسن السيرة، وسكون الريح، وطيب المخالقة، والسبق الى الفضيلة، وايثار التفضل، وترك التعيير، والافضال على غير المستحق، والقبول بالحق وان عزّ، واستقلال الخير وان كثُر من قولي وفعلي، واستكثار الشر وان قلّ من قولي وفعلي، وأكمل ذلك لي بدوام الطاعة، ولزوم الجماعة، ورفض اهل البدع، ومستعملي الراي المخترع(26).


المثال الثاني:


وهو دعاؤه لجيرانه اللهم تولني في جيراني باقامة سنتك، والاخذ بمحاسن ادبك، في ارفاق ضعيفهم، وسد خلّتهم، وتعهّد قادمهم، وعيادة مريضهم، وهداية مسترشدهم. ومناصحة مستشيرهم، وكتمان اسرارهم، وستر عوراتهم، ونصرة مظلومهم، وحُسن مواساتهم بالماعون، والعود عليهم بالجِدة والافضال، واعطاء ما يجب لهم قبل السؤال، والجود بالنوال يا ارحم الراحمين(27).


الجدة: العطية الواسعة التي تغني، والامام زين العابدين(عليه السلام) كثير التوظيف لهذه الكلمة في ادعيته عموماً.


3 ـ تنشيط الساحة الجهادية:


رضا الله.. رضا الله..


إذا ما طلب الناس السلطة والجاه


طلب زين العابدين رضا الله


وإذا ما طلب الناس خزائن الاموال


طلب زين العابدين رضا الله


وإذا ما طلب الناس الرياء والسمعة


طلب زين العابدين رضا الله


نعم


رضا الله.. رضا الله..


تلك الدائرة المقدسة.. البيضاء الواسعة.. التي آثر الامام زين العابدين(عليه السلام)الخلود فيها ابدا.


ولقد قال كلمة ذات يوم.. عمل بها كل يوم:


لا والله أو يراني الله لا يشغلني شيء عن شكره وذكره في ليل ولا نهار، لا سر ولا علانية. ولو لا ان لاهلي علي حقاً ولسائر الناس من خاصهم وعامهم عليّ حقوقاً لا يسعني الا القيام بها حسب الوسع والطاقة حتى اؤديها اليهم، لرميت بطرفي الى السماء وقلبي الى الله ثم لا اردهما حتى يقضي الله على نفسي وهو خير الحاكمين.


كيف لا يكون الجهاد معلماً مضيئاً في تلك الدائرة المقدسة وهذا كتاب الله ينطق علينا بالحق:


(ان الله اشترى من المؤمنين انفسهم واموالهم بان لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويُقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة والانجيل والقرآن).


الهدف المنشود: لا يريد الامام زين العابدين(عليه السلام) ان يجاهد إبرازاً للشجاعة النادرة، وإن كانت الشجاعة النادرة وسام الشرف وعنوان المجد والكرامة.


ولا كان الهدف من رغبة زين العابدين في الجهاد ان يحافظ على التراث البطولي لابائه الكرام فرسان الوغى وابطال الميادين، وإن كانوا اهلاً للاحتفاظ بتراثهم وكان المرجو للادامة والاحتفاظ. انه يريد ان يجاهد لان الجهاد طريق حبيب ينتهي الى دار الحبيب.


ان درب الجهاد صعب مستصعب ولكن الجدير بالفتى العقائدي مثل زين العابدين، ان يتحمل كل صعب مستصعب وصولاً الى الهدف المنشود.


وهلّم الان الى مثالين فقط من ادعيته التي تبلور الدعوة الى الجهاد.


المثال الاول:


... واجعلني ممن تنتصر به لدينك وتقتل به عدوك في الصف الذي وصفت به اهله في كتابك: (كأنهم بنيان مرصوص) في احب خلقك اليك في احب المواطن اليك، وارزقني سفك دماء المشركين والناكثين والقاسطين والمارقين والفاسقين والنابذين والمبدلين. وثبت رجاءك في قلبي وثبت قدمي وافرغ الصبر عليّ وعلى ذلك فقوّني وفي صدور الكافرين فعظمني...


المثال الثاني:


... وأعنّي اللهم على جهاد عدوك في سبيلك مع وليك، كما قلت جل قولك: (ان الله اشترى من المؤمنين انفسهم واموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله)وقلت جلت اسماؤك: (ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو اخباركم).


اللهم فأرني ذلك السبيل حتى اقاتل فيه بنفسي ومالي طلب رضاك فاكون من الفائزين.


(1) المؤرخ الكبير المسعودي ـ علي بن الحسين ( ت 346 هـ) مروج الذهب 3 / 67 ـ 68.


(2) الفقيه والمفسر والاديب بهاء الدين محمد العاملي (ت 1030 هـ) الكشكول 3 / 150.


(3) الصحيفة السجادية الكاملة / مناجاة الذاكرين.


(4) الكاتب الموسوعي، العاملي السيد محسن الامين / الصحيفة الخامسة السجادية، من دعائه يوم عرفة.


(5) الصحيفة السجادية الكاملة، دعاؤه يوم الاضحى ويوم الجمعة.


(6) الصحيفة السجادية الكاملة، دعاؤه يوم الاضحى ويوم الجمعة.


(7) العلامة المجلسي / الشيخ محمد باقر (ت 1111 هـ) / بحار الانوار ج 94 / ص 51.


(8) بحار الانوار 94 / 143.


(9) الصحيفة السجادية الكاملة / دعاؤه لاهل الثغور.


(10) نوح / 26 ـ 27.


(11) آل عمران / 147.


(12) آل عمران / 53.


(13) العالم العارف السيد ابن طاووس ـ علي بن طاووس (ت 664 هـ)، الاقبال / 145، والصحيفة الخامسة السجادية /405.


(14) المائدة / آية 44.


(15) العنكبوت / آية 45.


(16) الانعام / آية 33.


(17) المائدة / آية 44.


(18) البقرة / آية 229.


(19) الانعام / آية 45.


(20) التوبة / آية 14.


(21) الطلاق / آية 8 ـ 9.


(22) وذهب آخرون الى التقصير في أمرنا، واحتجوا بمتشابه القرآن، فتأوّلوه بآرائهم واتهموا مأثور الخبر بما= =استحسنوا. يقتحمون أغمار الشبهات، ودياجير الظلمات، بغير قبس نور من الكتاب ولا أثرة علم من مظانّ العلم. زاعمين أنهم على الرشد من امرهم فإلى من يفزع خلَف هذه الامة وقد درست اَعلام الملة ودانت الامة بالفرقة والاختلاف يكفّر بعضها بعضاً والله تعالى يقول: (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البيّنات).


فمَن الموثوق به في اِبلاغ الحجة وتأويل الحكمة، الاّ قرناء الكتاب وائمة الهدى، ومصابيح الدجى الذين احتج الله بهم على عباده، ولم يدع الخلق سدىً من غير حجة.


(23) من كبار قادة المعارضة وقد اثبت جدارة في الحروب ما بعدها جدارة.


(24) الصحيفة السجادية الكاملة ـ من دعائه يوم عرفة.


(25) العالم الثقة العارف ابراهيم بن علي الكفعمي، المصباح، فصل فيما يعمل في ذي الحجة.


(26) الصحيفة السجادية الكاملة، دعاؤه في مكارم الاخلاق ومرضي الفعال.


(27) الصحيفة الخامسة السجادية / من دعائه(عليه السلام) لجيرانه.


/ 15