اشاعرة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

اشاعرة - نسخه متنی

عبیدی مؤید

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید



نظرية أهل البيت(عليهم السلام)في الجبر والتفويض وأفعال العباد


تجسدت نظرية أهل البيت(عليهم السلام) في مقولة الإمام الصادق(عليه السلام): لا جبر ولا تفويض ولكن أمرٌ بين أمرين( [222] )، فإن أفعال العباد مقيّدة بمشيئة الله تعالى حيث يقول سبحانه: (وَمَا كَانَ لِنَفْس أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ)( [223] ) و(وَمَاهُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَد إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ)( [224] ) و(فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ)( [225] ) و (وَمَاكَانَ لِنَفْس أَن تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُّؤَجَّلاً)( [226] ).


وأما السنّة فقد تضافرت الروايات على نقد نظرية التفويض والجبر ومن هذه الروايات:


1 ـ روى الصدوق في الأمالي عن هشام قال: قال أبوعبدالله الصادق(عليه السلام): إنّا لا نقول جبراً ولا تفويض( [227] ).


2 ـ روى الصدوق في التوحيد أيضاً عن حريز عن أبيعبدالله(عليه السلام) الصادق قال: الناس في القدر على ثلاثة أوجه: رجل زعم أنّ الله عزّ وجل أجبر الناس على المعاصي فهذا قد ظلم الله عزّ وجل في حكمه، وهو كافر، ورجل يزعم أنّ الأمر فوّض إليهم فهذا وهّن الله في سلطانه فهو كافر، ورجل يقول: إنّ الله عزّ وجل كلّف العباد ما يطيقون ولم يكلفهم ما لا يطيقون فإذا أحسن حمد الله وإذا أساء استغفر الله، فهذا مسلم بالغ( [228] ).


3 ـ روى الطبرسي في الاحتجاج عن أبي حمزة الثمالي أنه قال: قال أبوجعفر(عليه السلام) للحسن البصري: إياك أن تقول بالتفويض فإنّ الله عزّ وجل لم يفوّض الأمر إلى خلقه وَهْناً منه وضعفاً، ولا أجبرهم على معاصيه ظلم( [229] ).


4 ـ روى الصدوق في توحيده، والبرقي في محاسنه عن هشام بن سالم عن أبيعبدالله(عليه السلام) قال: الله تبارك وتعالى أكرم من أن يكلف الناس ما لا يطيقون، والله أعزّ من أن يكون في سلطانه ما لا يريد( [230] ).


5 ـ روى الصدوق في توحيده عن حفص بن قرط، عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): لعن مَن زعم أنّ الله تبارك وتعالى يأمر بالسوء والفحشاء فقد كذب على الله، ومن زعم أنّ الخير والشر بغير مشيّة الله، فقد أخرج الله من سلطانه، ومَن زعم أنّ المعاصي بغير قوّة الله، فقد كذب على الله، ومن كذب على الله أدخله الله النار( [231] ).


6 ـ روى الصدوق في عيون أخبار الرض عن الرضا(عليه السلام) أنه قال: مساكين القدرية، أرادوا أن يصفوا الله عزّ وجل بعدله فأخرجوه من قدرته وسلطانه( [232] ).


ويقول العلاّمة جعفر السبحاني: إنّ هذا الحديث الأخير يشير الى أنّ المعتزلة لما جعلوا العدل أصلاً فرّعوا القول بالتفويض عليه، غافلين عن الطريق الذي يجمع بين العدل ووقوع الفعل في سلطانه سبحانه.


7 ـ وقد كتب الإمام العاشر أبوالحسن الثالث(عليه السلام) رسالة في الرد على أهل الجبروالتفويض، وإثبات العدل، والأمر بين الأمرين، وهذه الرسالة نقلها صاحب تحف العقول في كتابه ومما جاء فيها: فأما الجبر الذي يلزم من دان به الخطأ فهو قول من زعم أنّ الله جل وعز، أجبر العباد على المعاصي وعاقبهم عليها، ومن قال بهذا القول فقد ظلم الله في حكمه وكذّبه وردّ عليه قوله: (وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًَا)( [233] )، وقوله: (ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّم لِّلْعَبِيدِ)( [234] )، وقوله: (إِنَّ اللَّهَ لاَيَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَـكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)( [235] ). فمن زعم أنه مجبر على المعاصي، فقد أحال بذنبه على الله، وقد ظلّمه في عقوبته، ومن ظلّم الله فقد كذّب كتابه، ومن كذب كتابه فقد لزمه الكفر باجتماع الاُمة... إلى أن قال: فمن زعم أن الله تعالى فوض أمره ونهيه إلى عباده فقد أثبت عليه العجز... إلى أن قال: لكن نقول: إنّ الله عزّ وجل خلق الخلق بقدرته، وملّكهم استطاعة تعبّدهم بها فأمرهم ونهاهم بما أراد... إلى أن قال: وهذا القول بين القولين ليس بجبر ولا تفويض وبذلك أخبر أميرالمؤمنين صلوات الله عليه عباية بن ربعي الأسدي حين سأله عن الاستطاعة التي بها يقوم ويقعد ويفعل، فقال له أميرالمؤمنين: سألت عن الاستطاعة، تملكها من دون الله أو مع الله؟ فسكت عباية، فقال له أميرالمؤمنين: قل يا عباية، قال: وما أقول؟ قال(عليه السلام): إن قلت إنّك تملكها مع الله قتلتك، وإن قلت تملكها دون الله قتلتك، قال عباية: فما اقول يا أميرالمؤمنين؟ قال(عليه السلام) تقول: إنّك تملكها بالله الذي يملكها من دونك فإنّ يُملّكها إيّاك كان ذلك من عطائه، وإن يسلبكها كان ذلك من بلائه، وهو المالك، لما ملّكك، والقادر على ما عليه أقدرك( [236] ).


الصراع والخلافات بين الأشاعرة وسائر الفِرق الاُخرى


علمنا من خلال ما ذكرنا في الفصول الثلاثة السابقة أنّ أباالحسن الأشعري أعلن توبته عن مقالة المعتزلة في القدر، وقال بقول الجبرية إلاّ أنه أدخل عليه مفهوم الكسب، ليكون الإنسان مسؤولاً عن فعله بالكسب، كما ردّ على المعتزلة عقيدتهم في الصفات وتبنّى قول أحمد بن حنبل باتّباع الظاهر بدون تأويل، لكنّه تراجع بعد ذلك إلى التأويل في كل ما يوهم التشبيه، إلاّ الاعتقاد برؤية الله تعالى في الآخرة.


وناقض المعتزلة في منزلة العقل ودوره في الشرع، وخالفهم في مسألة الحُسن والقُبح العقليين، فجعل الحَسَن ماحسنه الشارع والقبيح ما قبّحه الشارع، وليس للعقل دور في معرفة ذلك، ولم يفرق في العقيدة بين السنّة المتواترة وأحاديث الآحاد، وجعل الصفات الثبوتية ـ العلم، القدرة، الحياة، الإرادة، الكلام، السمع، البصر ـ صفات قديمة قائمة بذاته، لا يقال هي هو، ولا هي غيره، ولا لا هو، ولا غيره وجوّز تكليف ما لا يطاق، وتعذيب المحسن، وثواب المسيء... أما مصدر عقيدته في الإمامة التفضيل فإنّما هو الواقع التاريخي لا غير( [237] ).أوّلاً: الأشاعرة والماتريدية


فرقة الماتريدية نسبة إلى زعيمها أبيمنصور الماتريدي المتوفى (333هـ) الذي ولد بقرية ماتريد من أعمال سمرقند، وهو الذي تفقه على مذهب أبيحنيفة ونبغ حتى رجع الناس إليه في بلاد ما وراء النهر يأخذون عنه الفقه واُصوله وسائر علوم الدين، وألّف في الاُصول كتاب الجدل، وفي الفقه كتاب مآخذ الشريعة، ثم ذاعت شهرته في علم الكلام حتى صار له فيه مذهب يسلكه أهل خراسان يقارب مذهب الأشعري.


وذكر المقريزي في الخطط أنّ بين الأشاعرة والماتريدية من الخلاف في العقائد ماهو مشهور في موضعه وهو إذا تتبع يبلغ بضع عشرة مسألة كان يسببها في أوّل الأمر تباين وتناقض، وقدح كل منهم في عقيدة الآخر، إلاّ أنّ الأمر آل أخيراً إلى الإغضاء ولله الحمد( [238] ).


وكذلك أوصل السبكي المسائل الخلافية بينهما إلى ثلاث عشرة مسألة وجعل الخلاف في سبع منها لفظياً( [239] ).


وقد قرر بعض العلماء أنّ آراء أبيحنيفة في العقائد هي الأصل الذي تفرعت منه آراء الماتريدي... ولما كان أبوحنيفة يمنح العقل دوراً كبيراً في الفقه والمعرفة، خلافاً لأصحاب الحديث، فقد ظهرت آثار ذلك في المذهب الماتريدي وميّزته كثيراً عن المذهب الأشعري( [240] ).


ثم لخّص الاُستاذ صائب عبدالحميد المسائل الخلافية بين المذهب الأشعري والمذهب الماتريدي بما يلي:


فالأشعري قال: إنّ معرفة الله واجبة بالشرع.. أما الماتريديّ فقال: يمكن للعقل إدراك وجوبها.


ونفى الأشعري الحسن والقُبح العقليين، فيما أثبتهما الماتريديّ.


والماتريدي خالف أصحاب الحديث منذ البداية في الصفات، وقال بوجوب حمل المتشابه على المحكم وتأويل كلّ ما يوهم التشبيه.


والأشعري يرى أنّ أفعال الله لا تعلّل، لأنه لا يُسأل عمّا يفعل وهم يسألون. ويرى الماتريديّ أنّ أفعال الله لا تكون إلاّ على مقتضى الحكمة، دون أن يقال: إنّ ذلك واجب على الله تعالى; لأنه مختار مريد.


وجوّز الأشعري على الله أن يعاقب الطائع ويثيب العاصي... ومنع من ذلك الماتريدي; لأنّ ثواب الطائع وعقاب العاصي إنّما هو لحكمة قصدها وإرادة أرادها.


وأجاز الأشاعرة أن يُخلف الله وعده، ومنع الماتريدي ذلك.


وكان الأشعريّ قد فارق المعتزلة في الجبر والاختيار، وميّز قوله عن قول الجبرية الخالصة بإضافة عنصر الكسب، والكسب عنده هو الاقتران بين العقل الذي هو مخلوق لله تعالى وبين اختيار العبد، من غير أن يكون للعبد تأثير في الكسب! هذا القول الذي وصفه العلماء بأنه يؤدي إلى الجبر لا محالة; لأنّ هذا الكسب مخلوق لله تعالى كالفعل نفسه! فبعضهم وصفه بأنه الجبر المتوسط، وبعضهم وصفه بأنه الجبر الكامل.


أما الماتريديّ فقد قال بالكسب أيضاً، ولكن الكسب عنده من فعل الإنسان بقدرة أودعها الله سبحانه وتعالى فيه.


وفي جميع هذه الأقوالترى الماتريدي يقترب من المعتزلة أحياناً ويوافقهم أحياناً اُخرى، لذا وضع الكوثري تخطيطاً لأربعة مذاهب، جعل الطرفين: أصحاب الحديث والمعتزلة، وبينهما الأشاعرة أقرب إلى أصحاب الحديث، والماتريدية أقرب إلى المعتزلة( [241] ).


ومن الاُمور التي تقارب فيها الماتريدي والأشعري: القول في الرؤية وفي مرتكب الكبيرة، وفي الإمامة( [242] ).ثانياً: الحنابلة والأشاعرة


إنّ عملية الصراع والاختلاف في المقولات بين الأشاعرة والحنابلة بلغت حدّ المنافرة بحيث وقعت الفتن الكبرى من جراء ذلك، فالمنافرة بينهما كانت على قدم وساق منذ أن ظهر المذهب الأشعري بين أهل السنّة والذي استقطب مجموعة كبيرة من العلماء، ويقول العلاّمة جعفر السبحاني: ولكن الحنابلة منذ أن تاب الأشعري عن الاعتزال وادعى أنه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل لم يقبل منه الحنابلة( [243] )، ويشير إلى ذلك الحوار الذي دار بين الشيخ الأشعري والبربهاري فتقول الرواية: وقد حكى ابن أبييعلى في طبقاته بطريق الأهوازي حيث قال: قرأت على علي القوسي عن الحسن الأهوازي قال:


سعت أبا عبدالله الحمراني يقول: لما دخل الأشعري بغداد جاء إلى البربهاري فجعل يقول رددت على الجبائي وعليأبيهاشم ونقضت عليهم وعلى اليهود والنصارى والمجوس وقلت وقالوا وأكثر الكلام فلما سكت قال البربهاري: وما أدري مما قلت لا قليلاً ولا كثيراً ولا نعرف إلاّ ما قاله أبوعبدالله أحمد بن حنبل قال: فخرج من عنده وصنّف الإبانة فلم يقبله منه ولم يظهر ببغداد إلى أن خرج منه( [244] ).


وبلغت الفتنة أثر هذا الصراع حداً وصل إلى الضرب والشتم وحبس مشايخ الأشاعرة ونفيهم من أوطانهم وخصوصاً في مدينة نيشابور في بلاد خراسان شرق إيران، وقد آلت الفتنة إلى خروج إمام الحرمين (الجويني) والحافظ البيهقي وأبي القاسم القشيري من نيسابور، وكانت تلعب في ذلك يد الحنابلة تحت الستار( [245] ).


ورى السبكي في طبقات الشافعية: كان طغرل بك السلجوقي وهو أوّل ملوك السلاجقة رجلاً حنفياً سنيّاً وكان له وزير يسمى بأبينصر منصور بن محمد الكندي المعروف بعميد الملك والسبكي يتهمه بأنه كان معتزلياً، رافضياً، ومشبّهاً لله سبحانه وتعالى بخلقه مما هو شائع بين الكرامية والمجسمة( [246] )، فحسّن عميد الملك على السلطان لعن المبتدعة على المنابر فصدر الأمر بذلك واتخذ عميد الدين ذلك ذريعة إلى ذكر الأشعرية وصار يقصدهم بالإهانة والأذى والمنع من الوعظ والتدريس وعزلهم عن خطابة الجامع، واستعان بطائفة من المعتزلة.. إذ أدى هذا الأمر إلى التصريح بلعن أهلالسنّة.. وصار لأبيالحسن الأشعري بها اُسوة لعلي بن أبيطالب في زمن بعض بني اُمية حيث استولت النواصب على المناصب، ثم جاء الأمر من قبل السلطات طغرل بك بالقبض على الرئيس الفراتي والاُستاذ أبي القاسم القشيري وإمام الحرمين وأبي سهل بن الموفق ونفيهم ومنعهم عن المحال، ثم فرّ إمام الحرمين إلى الحجاز، ومن ثم جاور وسمي إمام الحرمين( [247] ).


ثم ظهرت بعد ذلك واستمرت الاستفتاءات حول أبيالحسن الأشعري مما يدل على دوام المنافرة والنزاع بين الأشاعرة وغيرهم من الحنابلة والمعتزلة، ونموذج على ذلك الاستفتاء الذي ظهر في بغداد وهو: ما قول السادة الأئمة الأجلة في قوم اجتمعوا على لعن فرقة الأشعري وتكفيرهم ما الذي يجب عليهم؟!


فأجاب قاضي القضاة أبوعبدالله الدامغاني الحنفي: قد ابتدع وارتكب ما لا يجوز، وعلى الناظر في الاُمور ـ أعز الله أنصاره ـ الإنكار عليه وتأديبه بما يرتدع به هو وأمثاله عن ارتكاب مثله( [248] ).


فالفتنة قاسية أثارها الحنابلة ضد الأشاعرة إلى درجة يقول الحسني: أخفى أصحابه قبره ـ الأشعري ـ خوفاً من أن تنبشه الحنابلة; لأنهم حكموا بكفره وأحاطوا دمه( [249] ). فيقول صاحب كتاب عقيدة الإسلام والإمام الماتريدي: مخالفة الحنابلة والمعتزلة لحركة الأشاعرة واضطهاد علمائهم، ومحنتهم في بدء الحركة، فالحنابلة يمقتون المتكلمين ويستنكرون مذهبهم، ويرون في الاشتغال بالكلام ابتعاداً عن طريقة السلف، وزاد على ذلك نشأة الأشعري في أحضان المعتزلة، فلم يزل ولا يزال جمهور الحنابلة ينظرون إلى مذهب الأشعري بنوع من الشك... وهذا الخلاف في النزعة الذهنية، وهذا التضاد في المنهج الفكري، وتلك الشُبَه والظنون، كل اُولئك جعل الحنابلة يقاومون الأشاعرة مقاومة عنيفة كمقاومتهم المعتزلة( [250] ).


ويتّضح من كلام ابن الجوزي المتوفى عام (597 هـ) مدى نفور الحنابلة من مذهب الأشعري، فهو يقول: إنّ الأشعري ظل على مذهب المعتزلة زماناً طويلاً، ثم تركه، وأتى بمقالة ضبط بها عقائد الناس( [251] ).


ولم يكتفِ الحنابلة بالرد على الأشاعرة بالأدلة والبرهان، بل لجؤوا مراراً إلى العنف والقوة، فحاولوا أن يمنعوا الخطيب البغدادي المتوفى (493 هـ) من دخول المسجد الجامع ببغداد; لأنّه كان يذهب مذهب الأشعري، وتحاملوا على القشيري المتوفى (465 هـ) لهذا السبب، وقد وقع من أجل ذلك قتال في الشوارع واضطرّ القشيري إلى ترك بغداد، وكان شيخ الحنابلة في اُخريات القرن الرابع الهجري يلعن الأشعري وينال من الأشاعرة( [252] ).


وقد أوضح الشيخ محمد عبده موقف الحنابلة من مذهب الأشعري بكلمة مختصرة فقال: وكفّره الحنابلة واستباحوا دمه( [253] ).ثالثاً: السلفية والأشاعرة


مثّل الخط السلفي علماء ابتداءً من القاضي أبييعلى الحنبلي المتوفى (457هـ)، وابن الزاغوني المتوفى (527 هـ)، مروراً بابن تيمية المتوفى


(728 هـ)، وابن قيّم الجوزيّة المتوفى (571 هـ) وانتهاءً برجالهم المعاصرين... إلى أن انتهى هذا الخط إلى ما يسمى اليوم بالوهابية ابتداءً بمحمّد بن عبدالوهاب المتوفى (571 هـ)، وانتهاءً برجالهم المعاصرين، هؤلاء إمتازوا جميعاً بعقائد مشتركة نسبوها إلى السلف مجازفة ولم يكن لهم فيها سلف صدق، حتى كثر النقد عليهم في ذلك( [254] ).


فقيل في أوّل رجالهم، أبي يعلى: لقد شان أبويعلى الحنابلة شيناً لا يغسله ماء البحار( [255] ). قال ذلك فقهاء الحنابلة أنفسهم، باعتبار هؤلاء السلفيون هم امتداد للحنابلة، وفي ابن الزاغوني قالوا: إنّ في قوله من غرائب التشبيه ما يحار فيه الشبيه( [256] )! وقولهم وقول غيرهم في ابن تيميّة أكثر وأشهر( [257] )! أما محمد بن عبدالوهاب فهو الأوفر حظّاً في الطعن والتجريح من فقهاء الحنابلة أنفسهم، وأولهم أخوة الفقيه سليمان بن عبدالوهاب( [258] )، لأنه كان مفتقراً إلى الكثير ممّا توفّر عليه سابقوه من مادّة العلم وأسباب الاجتهاد( [259] ).


ولهذا نرى أنّ هذا الخط السلفي قد خالف جميع الفرق الإسلامية بما فيهم الأشاعرة، فيقرر ابن تيميّة أن مذهب السلف هو إثبات كل ما جاء في القرآن الكريم والسنّة النبوية من صفات وأسماء وأخبار وأحوال... فيثبتون له المحبة، والغضب، والسخط، والرضا، والنداء، والكلام، والنزول إلى الناس في ظُلل من الغمام، ويثبتون الاستقرار على العرش، والوجه واليد من غير تأويل ولا تفسير بغير الظاهر، بيد أنّ هذا ليس كشأن الحوادث، فليست يده كيد الحوادث، ولا نزوله كنزولهم، ولا جهة لوجوههم، فإن الله تعالى منزّه عن ذلك( [260] )، كما ويجب أن يعلم أنه بعد تسعمئة من سني الهجرة اشتهر بدمشق وأعمالها تقي الدين أبوالعباس أحمد بن عبدالحكم بن عبدالسلام بن تيمية الحراني فتصدّى للإنتصار لمذهب السلف وبالغ في الرد على مذهب الأشاعرة وصدع بالنكير عليهم...( [261] ).


ويقول محمد أبوزهرة: ونرى هنا أنّه يجب أن نذكر أنّ إدعاء أنّ هذا مذهب السلف موضع نظر، وقد رأينا رأي ابن الجوزي في ذلك الرأي عندما شاع في عصره.


وأخيراً كان من نتائج تلك الاضطهادات والمحن والمقاومات أنّ علماء الأشاعرة اضطروا إلى البحث والنظر والمناظرة والمناقشة للدفاع عن عقيدتهم والرد على خصومهم بأنواع البراهين والحجج، فألّفوا كتباً جليلة وابتكروا اُموراً جديدة، ووضعوا اُصولاً جديدة، وبهذا أدّوا خدمة عظيمة في استمرار الحركة الفكرية وتطور الأفكار الدينية بين المسلمين كما سترى ذلك إن شاء الله في ترجمة أقطاب المذهب الأشعري.مؤلفات أبيالحسن الأشعري


كان الأشعري من الذين أكثروا في التأليف فيذكر الدكتور عبدالرحمن بدوي أنّ الأشعري ذكر في كتابه المسمى العمد وذكر فيه أسماء أكثر كتبه التي ألّفها حتى سنة عشرين وثلاثمئة( [262] )، وكما أوردها ابن عساكر في التنبيه( [263] ).


حيث ذكر له (69) كتاباً نقلاً عن أبي بكر بن فورك الذي قال بعد سردها: هذا هو أسماء كتبه التي ألّفها إلى سنة عشرين وثلاثمئة، سوى أماليه على الناس والجوابات المتفرقة عن المسائل الواردة من الجهات المختلفات، وسوى ما أملاه على الناس مما لم يذكر أساميه هاهنا( [264] )، وقد عاش بعد ذلك إلى سنة أربع وعشرين وثلاثمئة، وصنّف فيها كتباً ـ ثم ينقل أسامي ستة وعشرين كتاباً، فيقول ابن عساكر: إنّ هذا آخر ما ذكره أبوبكر بن فورك من تصانيفه، وقد وقع إليّ أشياء لم يذكرها في تسمية تواليفه وهي رسائل:


ويقول البدوي في كتب الأشعري التي وردت إلينا عن مؤلفات الأشعري ومجموعها يكون (98) كتاباً، وكان أبومحمد بن حزم ذكر أنها بلغت خمسة وخمسين( [265] ) مصنفاً.


ثم لاحظ الدكتور البدوي الملاحظات التالية: منها: أنّ هذه الكتب لا يرد فيها العنوان الأصلي، بل وصف موضوع الكتاب، وهذا لا يفيدنا في معرفة صحة الكتب التي نسبت إلى الأشعري ولم ترد في هذه الإثبات، ومنها: أنها خلت من ذكر ثلاثة كتب وصلت إلينا منسوبة إلى أبيالحسن الأشعري، وهي:( [266] )


1 ـ الإبانة عن اُصول الديانة.


2 ـ رسالة في استحسان الخوض في علم الكلام.


3 ـ رساله كتب منها إلى أهل الثغر بباب الأبواب.


فأما الإبانة فيقول العلامة السبحاني أنّه طبع كراراً والطبعة الأخيرة طبعت في دار البيان بدمشق عام (1401 هـ)، وعبر عنه ابن النديم في فهرسته بالتبيين عن اُصول الدين( [267] ).


ويقول ابن عساكر: إنّ الحنابلة لم يقبلوا منه ما أظهره في كتابه الإبانة وهجروه ويضيف أيضاً: إنّ الشيخ إسماعيل الصابوني النيسابوري ما كان يخرج إلى مجلس درسه إلاّ وبيده كتاب الإبانة( [268] ).


وأما الثاني فالرسالة طبعت في حيدر آباد الاُولى سنة (1323 هـ)، والثانية سنة (1344 هـ) ويقدم بدوي تقييماً لهذه الرسالة قائلاً: إنّ اُسلوبها يختلف عن اُسلوب الأشعري في سائر كتبه الباقية لنا، وأن مشكلة الخوض في علم الكلام أو الإمساك عنه مشكلة متأخرة عن عصر الأشعري( [269] ).


وأما الثالث فهو رسالة كتب بها إلى أهل الثغر بباب الأبواب نشرها قوامالدين الصفحة 50 و ما يتلوها سنة (1928)، وباب الأبواب هو ممر وحصن الطرف الشرقي من القوقاز في دربند الفارسية وسمي في العصر الحديث بالباب الحديدي( [270] ).


ومن أهم ما وصل إلينا وعدم وجود الشك في صحة نسبتها إلى الأشعري هو كتابان، الأوّل: مقالات الإسلاميين، الثاني: اللمع.1 ـ مقالات الإسلاميين


الكتاب يتناول البحث عن الفرق الإسلامية وطبع جزأين في مجلد واحد عام (1369 هـ) بتحقيق محمد محيالدين عبدالحميد( [271] ).


وهو ينقسم إلى قسمين: الأوّل: يتناول جليل الكلام ومذاهب الفرق فيه وهي أصناف: الشيعة، الخوارج، المرجئة، المعتزلة، أصحاب الحديث وأهلالسنّة.


والقسم الثاني: يتناول ثلثاه الأوّلان مسائل في دقيق الكلام وآراء مختلف الفرق فيها وخصوصاً المعتزلة، والثلث الأخير فيه عود على بعض ما تناوله في القسم الأوّل من جليل الكلام، ومن هنا قيل: إنّ في تأليف الكتاب اضطراباً أو سوء تنظيم، كما يلاحظ عليه: كثرة التفريع أحياناً بدون موجب، وكثرة التكرار للرأي الواحد في مواضع متعددة، وعدم الفصل بين مذاهب الفِرق بوضوح( [272] ).2 ـ اللمع في الرد على أهل الزيغ والبدع


طبع غير مرة وهذا خاصة أنضج كتبه تجد مستواه فوق كتاب الإبانة، وهو خير مصور لعرض آرائه ونظرياته الكلامية( [273] ).مقارنة بين الإبانة واللمع


ثم يورد العلاّمة الشيخ جعفر السبحاني مقارنة بين كتابيه الإبانة واللمع نختصرها بما يلي:أ ـ إنّ الإبانة اُلّفت لنصرة عقيدة أهل الحديث وكسر صولة المعتزلة دون اللمع لأنه في الثاني أعمق تفكيراً، وأشد عنايةً بالأدلة العقلية.ب ـ طرح في الإبانة وفي الباب الأوّل عقيدة أهل الزيغ وهم المعتزلة والقدرية والجهمية والمرجئة والحرورية والرافضة ـ حسب رأيه ـ فطرح في الباب الثاني قول أهل الحق والسنّة... نراه يجعل عقيدة إمام الحنابلة عدلاً لما روى عن الصحابة والتابعين، ولكنّه في اللمع لا يتحدث عنه أبداً، ولا يذكر عنه شيئاً، بل يتفرد بطرح المسائل على ما يتبناه هو، وإقامة الدلائل العقلية عليها.ج ـ الأشعري لا يتحدث في كتاب الإبانة عن تنزيه الحق جلّ وعلا عن الجسم والجسمانية بحماس واُسلوب صريح، بل يحاول إثبات الصفات الخبرية كالوجه واليدين له سبحانه، نرى أنه اكتفى في التنزيه بلفظ مجمل وهو قوله بلا كيف مع أن اللفظ المجمل لا يفيد الناظر شيئاً ولا يصونه من أن يقع في ورطة التشبيه والتجسيم، ولكنه في اللمع لم يتعرض للوجه واليدين والاستواء على العرش.د ـ نرى بوادر التجسيم في الإبانة بوضوح.هـ ـ نرى أنّ الشيخ في الإبانة يصرح بأنه لا خالق إلاّ الله وأن أعمال العبيد مخلوقة لله مقدورة... وهذا بخلاف ما في اللمع فإنّه أضاف إلى خالقية الرب كاسبية العبد وقال: إنّ الله هو الخالق، والعبد هو الكاسب( [274] ).


ترجمة بعض علماء الأشاعرة


ذكرنا سابقاً أنّه كان من نتائج التدخل السياسي في مسار الفرق الإسلامية والتي كانت تعيش بين الشدّ والجذب للحكّام المتسلطين من الاُمويين والعباسيين ودعمهم لهذا الفريق وعلى حساب الطرف الآخر، حدثت من جرّاء ذلك فتن واضطهادات ومحن ومقاومات، وأنّ علماء الأشاعرة اضطروا إلى البحث والنظر والمناظرة والمناقشة للدفاع عن عقيدتهم والردّ على خصومهم بأنواع البراهين والحجج، فألفوا كُتباً جليلة، وابتكروا اُموراً جديدة، ووضعوا اُصولاً جديدة، وبهذا أدّوا خدمة عظيمة في استمرار الحركة الفكرية وتطور الأفكار الدينية بين المسلمين.


وما طرحه الشيخ الأشعري من المنهج الكلامي عن طريق التدريس والتعليم لم يكن منهجاً فكرياً متكاملاً في جميع موضوعاته فإنّ بعض أفكاره لم يكن مقترناً بالبراهين والأدلة الناضجة، كما أنّه لم يكن مستوعباً لجميع الأبواب، ولكن ساعده الحظ بأن اقتفى أثره على مدى الأعصار عدّة من المفكرين الذين نسبوا أنفسهم إليه، فأضفوا على هذا المنهج ثوباً جديداً حتى جعلوه متكاملاً، ناضجاً قابلاً للبقاء وبعيداً عن النقاش، وأساس عملهم يرجع إلى شيئين:الأوّل: تحليل الفكرة الأشعرية ببراهين جديدة أوحتها إليهم أنفسهم.الثاني: الذبّ عن الإشكالات التي أوردها خصماء الأشعري على منهجه( [275] ).


ولأجل متابعة منهج الأشعري ومن أعقبه من العلماء والمفكرين الذين انتموا إلى منهجه ومدرسته نأخذ بعض تراجم عباقرة الأشعرية الذين جاؤوا بعده وهم:


1 ـ أبوبكر الباقلاني المتوفى عام (403 هـ. ق).


2 ـ أبومنصور عبدالقاهر البغدادي المتوفى عام (429 هـ. ق).


3 ـ إمام الحرمين أبوالمعالي الجويني المولود عام (419 هـ) والمتوفى عام (478 هـ).


4 ـ حجة الإسلام الإمام الغزالي المولود عام (450 هـ) والمتوفى عام (505هـ).


5 ـ أبوالفتح محمد بن عبدالكريم بن أبي بكر أحمد الشهرستاني المولود عام (479 هـ) والمتوفى عام (548 هـ).


6 ـ أبوعبدالله محمد بن عمر الحسين بن الحسن بن علي فخر الدين الرازيالمولود عام (544 هـ) والمتوفى عام (606 هـ).


7 ـ أبوالحسن علي بن أبي علي بن محمد بن سالم المعروف بسيف الدين الآمدي المولود عام (551 هـ) والمتوفى عام (631 هـ).


8 ـ عبدالرحمن بن أحمد عضد الدين الإيجي مؤلف المواقف المولود عام (708 هـ) والمتوفى عام (756 هـ).


9 ـ مسعود بن عمر بن عبدالله المعروف بسعد الدين التفتازاني المولود عام (712 هـ) والمتوفى عام (971 هـ).


10 ـ السيد علي بن محمد بن علي الحسيني المعروف بالسيد الشريف شارح المواقف المتوفى عام (816 هـ).


11 ـ علاء الدين علي بن محمد السمرقندي المعروف بالقوشجي شارح التجريد المتوفى بالأستانة عام (879 هـ).1 ـ القاضي أبوبكر الباقلاني


هو أبوبكر محمد بن الطيب بن محمد، القاضي، المعروف بابن الباقلاني. ولد بالبصرة، وسكن بغداد، ولم يحدد أحد متى انتقل إليها، وقد سكن في درب المجوس بالكرخ( [276] ). ودرس على أبي بكر بن مجاهد الاُصول، وعلى أبيبكر الأبهري الفقه( [277] ).


وقام بالتدريس في بغداد فكانت له حلقة عظيمة من التلاميذ، واشتهر بالقدرة على الجدل وإفحام الخصوم من الرافضة والمعتزلة والجهمية، ويقول ابن خلكان عنه: وكان كثير التطويل في المناظرة، مشهوراً بذلك عند الجماعة...


كان على مذهب الشيخ أبيالحسن الأشعري ومؤيداً اعتقاده وناصراً طريقته...


وكان في علمه أوحد زمانه وانتهت إليه الرئاسة في مذهبه وكان موصوفاً بجودة الاستنباط وسرعة الجواب... وتوفي آخر يوم السبت ودفن يوم الأحد لسبع بقين من ذي القعدة سنة ثلاث وأربعمئة ببغداد(رحمه الله).


ودفن بداره بدرب المجوس، ثم نقل بعد ذلك فدفن في مقبرة بابحرب( [278] ).


والباقلاني نسبة إلى الباقلاء وبيعه!!( [279] ).


وكان الباقلاني غزير التصنيف وكثير التأليف، فقد ذكر له (52) كتاباً غير أنه لم يصل إلينا من هذه إلاّ ما طبع وهي ثلاثة:


1 ـ إعجاز القرآن: طبع في القاهرة كراراً، وقد حققه أخيراً السيد أحمد صقر، طبع بمطابع دار المعارف بمصر عام 1972م.


2 ـ التمهيد في الردّ على الملاحدة: وهو كتاب كلامي يعرف منه آراؤه الكلامية في مختلف الأبواب.


3 ـ الإنصاف في أسباب الخلاف: وقد نشره محمد زاهد الكوثري في القاهرة عن مخطوطة دار الكتب المصرية عام (1369 هـ).


ومما يؤسف له أنّ الخطيب البغدادي وقع في تناقض عند ذكر ترجمة الباقلاني حيث قال: وحدث أن ابن المعلم شيخ الرافضة ومتكلمها (يريد الشيخ المفيد) حضر بعض مجالس النظر مع أصحاب له إذ أقبل القاضي (الباقلاني)، فالتفت ابن المعلم إلى أصحابه وقال لهم: قد جاءكم الشيطان فسمع القاضي كلامه ـ وكان بعيداً من القوم ـ فلمّا جلس أقبل على ابن المعلم وأصحابه وقال لهم: قال الله تعالى: (أَنَّـا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا)( [280] ) أي إن كنتُ شيطاناً فأنتم كفّار وقد اُرسلتُ عليكم( [281] ).


وبنفس الوقت أن الخطيب البغدادي يقول في ترجمة المفيد ما يلي:


كان عالم الشيعة وإمام الرافضة صاحب التصانيف الكثيرة شيخهم المعروف بالمفيد وبابن المعلم، البارع في الكلام والجدل والفقه، وكان يناظر أهل كل عقيدة مع الجلالة والعظمة بالدولة البويهية وقال ابن أبيطي: كان كثير الصدقات، عظيم الخشوع، كثير الصلاة والصوم خشن اللباس( [282] ).


حيث نقل بعض المترجمين للشيخ المفيد أنّه جرت مناظرة بينه وبين أبيبكر الباقلاني، فلما ظهر تفوق المفيد على مناظره، قال له أبوبكر: أيها الشيخ إنّ لك من كل قدر معرفة، فأجابه الشيخ ممازحاً: نعم ما تمثلت به أيها القاضي من أداة (مهنة) أبيك( [283] ).


ثم اشتهر الباقلاني بلقب القاضي ولم يتوّل هذا المنصب طويلاً إذ يقول القاضي عياض: وولي القضاء بالثغر( [284] ).


وأما مذهب الباقلاني في الفقه فإنّ المصادر أجمعت على أنّه كان في الفقه مالكي المذهب فيقول القاضي عياض: كان القاضي أبوبكر مالكياً، وأنّه انتهت إليه رياسة المالكيين في وقته( [285] ).


ثم أرسله عضد الدولة الذي كان أكبر رجال الدولة البويهية وأوّل من خوطب بالملك في الإسلام وهو أبوشجاع فنّاخسرو، أرسله إلى ملك الروم الأعظم واختصّه بذلك ليظهر رفعة الإسلام ويُغضّ من النصرانية( [286] ).مذهب الباقلاني


بالاستناد إلى كتاب التمهيد يظهر إلينا مذهب الباقلاني والذي جعل فيه الأبواب التالية:1 ـ الباب الأوّل: في العلم وأقسامه وطرقه.2 ـ الباب الثاني: في المعلومات والموجودات.3 ـ الباب الثالث: في وجود الله وصفاته.4 ـ الباب الرابع: في الكلام على القائلين بفعل الطبائع.5 ـ الباب الخامس: في الكلام على المنجمين.6 ـ الباب السادس: في الكلام على أهل التثنية.7 ـ الباب السابع: في الكلام على المجوس.8 ـ الباب الثامن: في الكلام على النصارى.9 ـ الباب التاسع: في الكلام على البراهمة.10 ـ الباب العاشر: في الكلام على إثبات نبوة محمد(صلى الله عليه وآله) والردّ على من أنكرها.


وهكذا إلى أربعين باباً منها الرد على فرقة العيسوية في الأبواب (12، 13، 14، 15)، ثم يختم بعد الباب الأربعين بالكلام في الإمامه، وأنّه اهتم بالرد على النصارى، ومن هنا كان كتاب التمهيد أوّل متن مفصّل شامل لموضوعات علم الكلام( [287] )، لذلك احتذى بطريقة تأليف التمهيد العلماء الذين جاءوا بعده كالبغدادي والشهرستاني وإمام الحرمين والدوانيوغيرهم.


وأما مذهبه في العلم: فالعلم نوعان: علم قديم، وهو علم الله تعالى، وعلم مُحدث، وهل كل ما يعلم به المخلوقون من الملائكة والجن والإنس وغيرهم من الحيوان وعلم المخلوقين ينقسم إلى قسمين، علم ضرورة، وعلم نظر واستدلال، والعلم الضروري يقع في ستة طرق هي: الحواس الخمس، والضرب السادس هو: ضرورة تخترع في النفس كعلم الإنسان بوجود نفسه، وأما الاستدلال فيقع في وجوه يكثر تعدادها .


وفي أقسام المعلومات يقول: جميع المعلومات على ضربين: معدوم، وموجود، فالموجود هو الشيء الثابت الكائن... والمعدوم مُنتف ليس بشيء( [288] ).


وأما في باب إثبات وجود الله فيقول ما ملخصه: العالم كله محدث; لأنه مؤلف من جواهر وأعراض، والأعراض حوادث، لبطلان الحركة عند مجيء السكون، والأجسام حادثة; لأنها لا تسبق الحوادث، ولم توجد قبلها، وما لا يسبق المحدث هو محدث مثله.


والجسم لا يجوز أن يسبق الحوادث; لأنه متى وجد فهو بحال ما، وما لم يسبق الحوادث فمن الضروري أنه مُحدث، إذ يوجد مع وجودها أو بعدها.


إذن العالم بأسره محدث( [289] ).


وفي إثبات الصانع يقول:... الصورة لابد لها من مصوّر، والبناء لا بد له من بان وهكذا. فوجب أن تكون صور العالم وحركات الفلك متعلقة بصانع صنعها، إذ كانت ألطف وأعجب صنعاً من سائر ما يتعذر وجوده لا من صانع من الحركات والتصويرات( [290] ).


وبدليل التمانع يستدل الباقلاني على أن صانع العالم واحد رجوعاً إلى الآية القرآنية: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا)( [291] ) والآية: (... وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَـه إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـهِ بِمَا خَلَقَ ولَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْض)( [292] ). فإن الاثنين يصحّ أن يختلفا ويريد أحدهما ضدّ مراد الآخر، فلو اختلفا وأراد أحدهما إحياء جسم وأراد الآخر إماتته لوجب أن يلحقهما العجز أو واحداً منهما... والعجز من سمات الحدث والقديم لا يجوز أن يكون عاجز( [293] ).


وأما مذهب الباقلاني في صفات الله فيرى أنه سبحانه وتعالى:1 ـ حي: لأنه فاعل عالم قادرٌ، والفاعل والعالمالقادر لا يكون إلاّ حيّاً.2 ـ عالم: والدليل على ذلك وجود الأفعال المحكمات منه... وأفعال الله أدقّ وأحكم، لذا فهي أولى بأن تدل على أنه عالِم.3 ـ مريد: والدليل على ذلك وجود الأفعال منه، وتقدم بعضها على بعض في الوجود، وتأخّر بعضها عن بعضها في الوجود.4 ـ سميعٌ، بصير، متكلم: لأنّه حي، والحي يصح أن يكون سميعاً بصيراً متكلماً، ومتى عري من هذه الأوصاف (مع صحة وصفه بها) فلابد من أن يكون موصوفاً بأضدادها من الخرس والعمى والصمم، وكل هذه الاُمور آفات قد اتفق على أنها تدل على حدث الموصوف بها، فلم يجز وصف القديم بشيء منها، فوجب أن يكون سميعاً بصيراً متكلم( [294] ).5 ـ غضبان، راض: أنّه يجوز وصف الله بذلك، وغضبه على من غضب عليه، ورضاه عمّن رضي عنه هما إرادته لإثابة المرضي عنه، وعقوبة المغضوب عليه، لا غير ذلك( [295] ).أسماء الله


يقسّم الباقلاني أسماء الله على ضربين: ضرب منها هو هو تعالى، إذ كان اسماً عائداً على ذاته مثل كونه: موجوداً، وشيئاً، وقديماً، وذاتاً وواحداً... والضرب الآخر: اسم هو لله تعالى وهو الصفة الحاصلة له وهي على ضربين: إما أن تكون صفة ذات أو صفة فعل، فصفة الذات، عالم، قادر، حي، وصفة الفعل مثل كونه عدلاً، ومحسناً، ومتفضلاً، ومحيياً، ومميتاً( [296] ).


وفي الصفات الذاتية وصفات الأفعال، فالصفات عند الباقلاني التي لم يزل الله ولا يزال موصوفاً بها هي الصفات الذاتية مثل: الحياة والعلم والقدرة والسمع والبصرة والإرادة...


وأما صفات العقل وهي الدالة على أفعاله تعالى وهي: الخلق، الرزق، العدل، الإحسان، التفضل، الإنعام، الثواب، العقاب، الحشر، النشر...


كما جوّز الباقلاني رؤية الله بالأبصار، وأن إرادة الله شاملة للطاعات والمعاصي وسائر الحوادث، وأما مذهبه في الاستطاعة والكسب فقد ذكرنا ذلك بالتفصيل ورؤيته في تأثير قدرة الإنسان في ترتيب العناوين على أفعاله.


كما جوّز الباقلاني: أن يؤلم الله تعالى الأطفال من غير عوض.. وأن يكلف عباده ما لا يطيقون.. وقد عرفنا بطلان ذلك لدى مناقشة مذهب الأشعري كما ويرى الباقلاني أنه تعالى كان منفرداً بتولي الأرزاق( [297] ) .. وأن الآجال مقدّرة... وأن المقتول يموت بأجله المقدور، وأنه يعطي معاني للدين بأنه الجزاء أو الحكم، أو بمعنى الدنيوية بالمذاهب والملل، أو بمعنى الانقياد والاستسلام لله عزّوجل، وأما الإيمان فهو التصديق بالله تعالى، وأما الإسلام فهو الانقياد والاستسلام، وعنده الكفر ضد الإيمان وهو الجهل بالله والتكذيب به الساتر لقلب الإنسان عن العلم به( [298] ).نظرية الإمامة عند الباقلاني


الإمامة في نظر الباقلاني لا تتم إلاّ بأحد وجهين: النص، الاختيار، وعنده


ـ على خلاف الإماميةـ النص باطلٌ، فالاختيار من الاُمة في تعيين الإمام ومن رأيه أن الاُمة لا تملك فسخ العقد على الإمام من غير حدث يوجب خلعه ومن رأيه في صفات الإمام ما يلي:


1 ـ أن يكون قرشياً من الصميم.


2 ـ أن يكون من العلم بمنزلة من يصلح أن يكون قاضياً من قضاة المسلمين.


3 ـ أن يكون ذا بصيرة بأمر الحرب وتدبير الجيوش والسرايا وسد الثغور... .


4 ـ أن يكون ممن لا تلحقه رقة ولا هوادة في إقامة الحدود...


5 ـ أن يكون من أمثلهم في العلم وسائر الصفات التي يمكن التفاضل فيها.


ولا يشترط الباقلاني في الإمام العصمة، والعلم بالغيب ولا أفرس الاُمة وأشجعهم ولا يكون من بني هاشم دون غيرهم من قبائل قريش( [299] ).


وما يوجب خلع الإمام اُمور: منها كفر بعد إيمان، ومنها تركه إقامة الصلاة والدعاء إلى ذلك، ومنها: فسقه وظلمه بغصب الأموال وضرب الأبشار وتناول النفوس المحرمة وتضييع الحقوق وتعطيل الحدود.( [300] ).


وهنا نقول لأبيبكر الباقلاني أين أنت من أئمة الجور والضلال من الحكام العباسيين والاُمويين الذي اتصفوا بكل الصفات التي ذكرتها بما يوجب خلع الإمام؟!!2 ـ أبومنصور عبدالقاهر البغدادي المتوفى (429 هـ)


هو أبومنصور عبدالقاهر بن طاهر بن محمد التميمي، وهو أحد المختصين في معرفة الملل والنحل، وكتابه الفرق بين الفِرق دليلٌ على ذلك، ولم يذكر أحد من المؤرخين تاريخ ميلاده ولا مكانه، وإنّما يذكرون أنه ورد نيسابور مع أبيه أبي عبدالله طاهر، وكان ذا مال وثروة ومروءة، وأنفق على أهل العلم والحديث حتى افتقر( [301] ).


ولما وقعت فتنة التركمانية في نيسابور خرج منها ورحل إلى أسفرايين فمات بها ودفن إلى جانب اُستاذه أبي إسحاق الأسفراييني، فقبراهما متجاوران، مات سنة تسع وعشرين وأربعمئة، ودرّس في سبعة عشر نوعاً من العلوم منها: الفقه، واُصول الفقه، والكلام، والفرائض، والنحو والحساب، وقد برز خصوصاً في علم الحساب. قال ابن خلكان: كان ماهراً في فنون عديدة خصوصاً علم الحساب، فإنّه كان متقناً له، وله فيه تآليف نافعة، منها كتاب التكملة.( [302] )، وقد أثنى الفخر الرازي في كتابه الرياض المونقة على هذا الكتاب فقال: لو لم يكن له إلاّ كتاب التكملة في الحساب، لكفاه( [303] ).


وترجمه الزركلي في الأعلام وقال: عالمٌ متقن من أئمة الاُصول ولد ونشأ في بغداد ورحل إلى خراسان فاستقر بنيسابور وفارقها في أثر فتنة التركمان، ومات فيها ثم ذكر تصانيفه المطبوعة والمخطوطة( [304] ).


وأما مؤلفاته فقد ذكرها الدكتور عبدالرحمن بدوي نقلاً عن السبكي وهي تسعة عشر كتاباً وقال (بعد أن ذكرها): وقد وصلنا من هذه الكتب:


1 ـ كتاب الناصح والمنصوح ـ مخطوط في برلين برقم 478/9.


2 ـ الفرق بين الفِرق ـ مخطوط في برلين برقم 2800 .


3 ـ الملل والنحل ـ منه مخطوط في مكتبة عاشر أفندي باستانبول برقم555 .


4 ـ تفسير أسماء الله الحسنى ـ منه مخطوط في المتحف البريطاني برقم 7547 شرقي.


5 ـ التكملة في الحساب ـ منه مخطوط في مكتبة لاللي باستانبول برقم2708 (1).


6 ـ كتاب في المساحة ـ منه مخطوط في مكتبة لاللي باستانبول برقم


2708 (2).


7 ـ تأويل المتشابهات في الأخبار والآيات ـ منه مخطوط في عليجرة برقم 95 (14)( [305] ).


والملاحظ أن الدكتور بدوي لم يذكر كتابه اُصول الدين إلاّ بعد التطرق عن منهج عبدالقادر البغدادي. فقال:منهج عبدالقاهر البغدادي


يتميز منهج عبدالقاهر البغدادي بذكر الآراء المختلفة في المسألة الواحدة، أي أنّ عنده حاسة تاريخية مذهبية واضحة ويظهر هذا خصوصاً في كتاب (اُصول الدين)، إذ هو يذكر دائماً المذاهب المختلفة بأسمائها ويورد آراء أصحاب الآراء، ولهجته هنا موضوعية هادئة، بعكس لهجته الحادة العنيفة الظاهرة في عرضه لسائر المذاهب عدا مذهب أهل السنّة في كتاب الفرق بين الفِرق، والسبب في هذا أن هذا الكتاب الأخير قصد به إلى بيان الفرقة الناجية أي أهل السنّة، فأضطرّ من أجل ذلك إلى الهجوم العنيف على سائر الفِرق: الشيعة، المعتزلة، الخوارج، الكرامية، الجهمية،... الخ( [306] )


وكتابه اُصول الدين يشتمل على خمسة عشر أصلاً من اُصول الدين، وشرح كل أصل بخمس عشرة مسألة وعليه يكون الكتاب مشتملاً على مئتين وخمس وعشرين مسألة وإليك فهرس الاُصول الخمسة عشر التي جعلها اُسساً للدين( [307] ).


الاُصول الخمسة عشر وهي:الأصل الأوّل: بيان الحقائق والعلوم على الخصوص والعموم.الأصل الثاني: حدوث العالم على أقسامه من أعراضه وأجسامه.الأصل الثالث: معرفة صانع العالم ونعوته في ذاته.الأصل الرابع: معرفة صفاته القائمة بذاته.الأصل الخامس: معرفة أسمائه وأوصافه.الأصل السادس: معرفة عدله وحكمه.الأصل السابع: معرفة رُسله وأنبيائه.الأصل الثامن: معرفة معجزات أنبيائه وكرامات أوليائه.الأصل التاسع: معرفة أركان شريعة الإسلام.الأصل العاشر: معرفة أحكام التكليف في الأمر والنهي والخير.الأصل الحاديعشر: معرفة أحكام العباد في المعاد.الأصل الثاني عشر: بيان اُصول البيان.الأصل الثالث عشر: بيان أحكام الإمامة وشروط الزعامة.الأصل الرابع عشر: معرفة أحكام العلماء والأئمة.الأصل الخامس عشر: بيان أحكام الكفر وأهل الأهواء الفجرة( [308] ).


وهو في هذه الاُصول العادة يبتدئ بإيراد رأي الأشاعرة، ويتلوه برأي الخصوم والردّ عليه، ويستخدم التعبير عندن أو أصحابن للدلالة على آراء شيوخ المذهب، وكان لا يتميز له مذهب خاص من دون أصحابه من الأشاعرة، فلقد كان عبدالقاهر البغدادي عارضاً لآراء الأشاعرة أكثر منه مفكراً أصيلاً ذا آراء انفرد بها أو براهين جديدة ساقها( [309] ).البغدادي ومذهب أهل السنّة


يحاول البغدادي في كتابه الفرق بين الفِرق أن يبيّن أنّ مذهب أهلالسنّة والجماعة ويقصد به المذهب الأشعري هو بعينه مذهب الصحابة والتابعين ومن تلاهم من الأئمة الأعلام، فيجعل أوّل المتكلمين من أهل السنّة من الصحابة: علي بن أبيطالب(عليه السلام) حيث ناظر الخوارج في مسائل الوعد والوعيد، وناظر القدرية في المشيئة والاستطاعة والقدر.


ويتلوه عبدالله بن عمر حيث تبرأ من معبد الجهني في نفيه القدر، ومن التابعين: عمر بن عبدالعزيز، ثم زيد بن علي زين العابدين، ثم الحسن البصري، ثم الشعبي، ثم الزهري، ويتلو هذه الطبقة جعفر بن محمدالصادق، وأوّل متكلمي أهل السنّة من الفقهاء وأرباب المذاهب: أبو حنيفة والشافعي، ثم بعدهم أبوالحسن الأشعري، ثم يذكر تلاميذه وما بعدهم ويصنفهم إلى ثمانية أصناف( [310] ).


ثم يؤكد بأنّ الفرقة الناجية هم أهل السنّة والجماعة، في حين أن سائر الفِرق تخالف الصحابة أو تطعن بهم، ثم يرد العلاّمة السبحاني على هجومه على الفِرق التي يتهمها بعدم النجاة عندما يقول: لم يكن بحمدالله ومنّه في الخوارج ولا في الروافض، ولا في الجهمية، ولا في القدرية ولا.... قال السبحاني: ما ذكره في حق الروافض، إن أراد منه الشيعة ما عدا الغلاة فقد ظلم العلم وجفا أهله ولو قاله عن جدّ فقد قاله عن قصور باعه، (وإن كان مؤلفاً في الملل والنحل) في التعرف على جهودهم المتواصلة وآثارهم القيّمة في العلوم الإسلامية... في المعقول والمنقول( [311] ).


ثم يذكر السبحاني نقلاً عن ابن عساكر من لطيف شعر عبدالقاهر البغدادي هو:


يا من عدا، ثم اعتدى، ثم اقترف *** ثم انتهى ثم أرعوى ثم اعترف


أبشر بقول الله في آياته *** إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف( [312] )3 ـ إمام الحرمين أبوالمعالي الجويني (419 ـ 478 هـ . ق)


هو عبدالملك بن عبدالله بن يوسف بن محمد بن عبدالله بن حيويه الجويني النيسابوري، إمام الحرمين، وكنيته أبو المعالي.


ولد في ثامن عشر المحرم سنة تسع عشرة وأربعمئة في بليدة تدعى أزاذْوار، وهي قصة كورة جُوين من أعمال نيسابور، وأوّل هذه الكورة لمن يجيئوها من ناحية الريّ!


درس ونشأ على يد والده أبي محمد عبدالله بن يوسف بن محمد الجويني، وكان فقيهاً يدرّس الفقه في إحدى المدارس في نيسابور، وكان شافعياً غزير الإنتاج توفي سنة (438 هـ) وله من الآثار الفروق و السلسلة والتبصرة و التذكرة وغيرها، توفي والابن في سن التاسعة عشر فأتم دراسته بالاختلاف إلى مدرسة البيهقي فتخرج على الشيخ أبيالقاسم الأسفراييني وغيره من الأساتذة الذين أخذ عنهم علمه( [313] ).


وأثنى عليه ابن خلكان: أعلم المتأخرين من أصحاب الإمام الشافعي على الإطلاق، المجمع على إمامته، المتفق على غزارة مادته وتفننه في العلوم من الاُصول والفروع والأدب، ورزق من التوسع في العبارة ما لم يعهد من غيره، وكان يذكر دروساً يقع كل واحد منها في عدة أوراق ولا يتلعثم في كلمة منها، وقد أقام في مكة أربعة سنوات وبالمدينة يدرس ويفتي ويجمع طرق المذهب ولقّب بإمام الحرمين( [314] ).


وذكر ابن الأثير الفتنة والحوادث في نيسابور ومحنتها على الأشاعرة في عصر الوزير الكندي وزيرطغرل بك السلجوقي، ففارق خراسان أئمتها ومنهم أبوالمعالي الجويني، وأقام إمام الحرمين بمكة أربع سنين إلى أن انقضت دولته، ... جاءت الدولة النظامية نظام الملك أحضر من أنتزح منهم وأكرمهم وأحسن إليهم( [315] )، ومن المعلوم أن المحنة أصابت الأشاعرة والشافعية والشيعة أيضاً.


ثم عاد بعد هجرته إلى نيسابور ودرس في المدرسة النظامية حتى آخر حياته وعين مشرفاً على الأوقاف( [316] ) وتقلد زعامة الشافعية، وصار إليه المرجع في الفتوى.


وتوفي أبوالمعالي ليلة الأربعاء بعد صلاة العتمة في الخامس والعشرين من شهر ربيع الآخر من سنة ثمان وسبعين وأربعمئة للهجرة.مؤلفات الجويني


ترك أبوالمعالي ما يربو على عشرين كتاباً بين مطبوع منتشر، ومخطوط موجود في خزائن الكتب في مصر وباريس وبرلين، وأهم هذه الكتب هي:


1 ـ نهاية المطلب في دراية المذهب: وهو أهم كتبه في الفقه، ويعد من اُمهات كتب الشافعية.


2 ـ الورقات( [317] ): في اُصول الفقه، وهو واسع الانتشار، وكتبت عليه عدّة شروح.


3 ـ مغيث الخلق في بيان الأحق: وفيه يبين أن آراء الشافعي الفقهية أرجح من آراء سائر أصحاب المذاهب.


4 ـ الإرشاد إلى قواطع الأدلة في اُصول الاعتقاد إلى سواء الاعتقاد، وتوجد له عدة شروح وقد طبع في باريس وبرلين والقاهرة.


5 ـ لمع الأدلة في قواعد عقائد أهل السنّة.


6 ـ رسالة في إثبات الاستواء والفوقية.


وهكذا إلى عشرين كتاب ذكرها الدكتور عبدالرحمن بدوي( [318] ).مذهب الجويني في الكلام


تميّز أبوالمعالي الجويني بأنه كان حرّاً في إبداء النظر ورفض الأفكار وقبولها، ومن آرائه( [319] ):


1 ـ إنّه أنكر مسألة خلق الأفعال، وأن الإنسان مسلوب الاختيار، وقد عرفت أنّ القول بكون أفعال العباد مخلوقة يُعد إحدى دعائم العقيدة الأشعرية، وقد قال أبوالمعالي بدور الإنسان في أعماله.


3 ـ قد سلك في الصفات الخبرية مسلك الحزم والاحتياط فأجرى الظواهر على مواردها وفوض معانيها إلى الرب.


ويعرف الجويني العلم بأنه: هو معرفة المعلوم على ماهو به( [320] ). وينقسم إلى قديم وحادث، فالعلم القديم صفة للباري تعالى وهو قائمٌ بذاته، أما العلم الحادث فينقسم إلى ثلاثة أقسام: الضروري، والبديهي، والكسبي.


ثم يرد الجويني على مذاهب القائلين بقدم العالم، وفي إثبات حدوث العالم عن صانع يستدل بمسلكين وهما الاستدلال بالجملة والاستدلال بالضرورة العقلية( [321] ).


كما ويقسّم الجويني صفات الله إلى نوعين: نفسية، ومعنوية، ويثبت أنّ الله واحد فهو المتحد في ذاته المتقدس عن الانقسام والتجزئ( [322] )، ثم يثبت وحدانية الله بثمانية اُصول، بعدها يتعرض إلى صفات الله بأنه قادر، عالم، حي، مريد( [323] ).


ويقول الدكتور عبدالرحمن بدوي: يبدو لنا الجويني ـ بشكل عام ـ خالياً من الأصالة، وأنّه اعتمد على أسلافه من كبار الأشاعرة في الدفاع عن آراء الأشاعرة، وخصوصاً على الباقلاني والأشعري وأبي إسحاق الأسفراييني على الترتيب في الأهمية، صحيح أن كتابه الرئيسي هو الشامل لم يصلنا إلاّ ثلثه ولكنّه كاف في الحكم على مدى أصالته بالنسبة إلى أسلافه، وهو نفسه يعترف بأنه لم يأتِ فيه بجديد، إلاّ في النادر، أما كتاب الاُستاذ فمختصر بسيط خال من الحجاج الكلامي الدقيق، وما هو إلاّ متنٌ بسيط سهل للمبتدئين( [324] ).4 ـ حجة الإسلام الإمام الغزالي (ت 450 ـ م 505 هـ . ق)


هومحمّد بن محمد بن أحمد الطوسي، ولد بطوس عام (450 هـ) من أعمال خراسان، عهد والده وقد كان يشتغل بغزل الصوف قبل وفاته، عاش الغزالي في عصر تدهور سياسي، كان السلاجقة قد دخلوا بغداد عام (447 هـ) وأزالوا دولة بني بويه، وقد واكب هذا التدهور السياسي صراع فكري بين المذاهب، وعهد الخليفة المستظفر بالله إلى الغزالي بالرد على طائفة الإسماعيلية، وأورثه هذا الصراع طلب الحقيقة وذلك لحصول أزمة روحية لديه أقعدته عن التدريس عام (488 هـ) فضل سنتين في العزلة والرياضة وتزكية النفس وتصفية القلب انتهى بعدها إلى الإيمان بأن الصوفية هم السالكون، وأن سيرتهم أحسن السير وطريقتهم أصوب الطرق وأخلاقهم أزكى الأخلاق( [325] ).


ففي الجانب الفلسفي أنّه قضى على الفلسفة في المشرق الإسلامي قضاءً تاماً فحول مسار الفلسفة مغلباً الطابع الأفلاطوني على الطابع المشائي، وأن الغزالي كان قد طبع كثيراً من مظاهر الفكر الإسلامي بطابعه: في التصوف والأخلاق وعلم الكلام والفلسفة، واختلفت الآراء في الغزالي فهو فقيه ومتكلم وصوفي وفيلسوف واُصولي، ولم يختلفوا في هذه إنّما اختلفوا في استخلاص حقيقة مقصده، وما كان يدين به من مذاهب وآراء حتى حصلت حالة الشك فيه، وكان الاختلاف يتمثل في الإتجاه الإسلامي السني، وفي الإتجاه الفلسفي عندما شنّ حملته على الفلسفة معتمداً على مقولة اُرسطو: لكي تهاجم الفلسفةلابد أن تكون فيلسوفاً ـ فأدرجوه ضمن الإتجاه الأفلاطوني وليس ضمن الإتجاه المثالي الاُرسطي( [326] ).مؤلفاته


ذكر السبكي في طبقات الشافعية بأن بعض مؤلفات الغزالي ما يلي:


1 ـ الوسيط وهو كالمختصر للنهاية، والوسيط ملخص منه.


2 ـ الوجيز والخلاصة.


3 ـ كتاب الفتاوى مشتمل على مئة وتسعين مسألة.


4 ـ كتاب الأحياء وهو من أشهر تآليفه.


5 ـ المستصفى في اُصول الفقه.


6 ـ بداية الهداية في التصوف.


7 ـ الجام العوام عن علم الكلام.


8 ـ الرد على الباطنية.


9 ـ مقاصد الفلاسفة.


10 ـ تهافت الفلاسفة.


11 ـ جواهر القرآن.


12 ـ شرح الأسماء الحسنى.


13 ـ مشكاة الأنوار.


14 ـ المنقذ من الضلال.


16 ـ قواعد العقائد، إلى غير ذلك من التآليف( [327] ).من آراء الغزالي


1 ـ أنكر الحسن والقبح العقليين بقوله: إنّ لله عزّ وجلّ إيلام الخلق وتعذيبهم من غير جرم سابق; لأنّه متصرف في ملكه والظلم هو عبارة عن التصرف في ملك الغير بغير إذنه، وهو محال على الله تعالى فإنّه لا يصادف لغيره ملكاً حتى يكون تصرفه فيه ظلم( [328] ).


ولاحظ عليه العلاّمة السبحاني: بأن الظلم عبارة عن وضع الشيء في غير موضعه والتصرف في ملك الغير منه ولا ينحصر الظلم فيه، وأن حكم العقل بالقبح لا يترتب على لفظ الظلم حتى يفسر بأنه تصرف في ملك الغير والعالم كله ملكه سبحانه، بل العقل يستقل بقبح إيذاء الغير وتعذيبه من دون جرم ولا تعد من أي فاعل صدر، سواء كان خالقاً أم غيره ولا يجوز التخصيص في الأحكام العقلية( [329] ).


2 ـ إنّ معرفة الله واجبة شرعاً لا عقلاً، والتي اقتفى الغزالي في هذه المسألة أثر شيخه أبيالحسن الأشعري، وقد تمّ الردّ عليه في محله سابقاً.


3 ـ جواز التكليف بما لا يطاق، وبنى الغزالي ذلك على إنكار الحسن والقبح العقليين، والعجب من أنه يستدل بالآية: (لاَيُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَاكَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَتُؤَاخِذْنَا إِنْ نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَتَحْمِلْ... الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)( [330] ).


إذن صدر الآية يبيّن شأنه سبحانه وأن حكمته مانعة عن أن يكلف نفساً شيئاً خارجاً عن وسعها وإنّما يكلف ما في وسعها فلها ماكسبت وعليها ما اكتسب.


4 ـ وأما رأيه في رؤية الله سبحانه، قال السبحاني: إنّ الغزالي مع أنّه من المصرّين على التنزيه فوق ما يوجد في كلام الأشاعرة، ولكنه لم يستطع تأويل ما دلّ على أنه سبحانه يرى يوم القيامة. ثم يضيف: وأظن أن عقلية الغزالي الشامخة كانت تصدّه عن تجويز الرؤية وإنّما صدرت منه هذه الهفوة لاتفاق الأشاعرة وأهل الحديث على الرؤية.


5 ـ يرى الغزالي بأن مناوأة معاوية لعلي(عليه السلام) كانت عن اجتهاد، فيقول: وما جرى بين معاوية وعلي رضي الله عنهما كان مبنياً على الاجتهاد لا منازعة من معاوية في الإمامة، إذ ظنّ علي(رضي الله عنه)، أن تسليم قتلة عثمان مع كثرة عشائرهم واختلاطهم بالعسكر يؤدي إلى اضطراب أمر الإمامة، فرأى التأخير أصوب، وظن معاوية أنّ تأخير أمرهم يوجب الإغراء بالأئمة، وقد قال أفاضل العلماء: كل مجتهد مصيب.


ولاحظ عليه السبحاني: إنّ للاجتهاد مقومات أوضحها هو الوقوف على الكتاب والسنّة واستخراج الحكم الشرعي، وأما الاجتهاد تجاه النص فهو اجتهاد خاطئ، وعليه فما معنى اجتهاد معاوية وزميله عمرو بن العاص في الجمل والنهروان، فما معنى هذا الاجتهاد الذي سفكت فيه الدماء من أجله واُبيحت وغصبت الفروج وانتهكت المحارم؟ وما معنى الاجتهاد في مقابل قول رسول الله(صلى الله عليه وآله) لعمار: تقتلك الفئة الباغية( [331] )؟ فبهذا الاجتهاد عذر ابن ملجم المرادي أشقى الآخرين بنص الرسول الأمين على قتل خليفة الحقّ في محراب العبادة...( [332] ).


وجدير بالذكر أن شيخ الغزالي الإمام الأشعري اختلف معه حيث حكم بأن قتال علي لمعاوية قتال البغاة كما عرفنا سابقاً فلم ندري كيف كان اجتهاد الغزالي في هذا الموضوع؟!!5 ـ أبوالفتح محمد بن عبدالكريم الشهرستاني (479 أو 467 ـ 548 هـ . ق)


يعد الشهرستاني مشهوراً كمؤرخ للفرق والديانات أكثر من شهرته كمتكلم وهو أحد المتهمين بدراسة المذاهب والشرائع، ويعد شخصية ثالثة بين الأشاعرة في معرفة الملل والنحل، بعد الشيخين: أبيالحسن الأشعري، وعبدالقاهر البغدادي وكتابه المعروف بـ الملل والنحل يُعد من المصادر لهذا العلم ويمتاز عن غيره من الكتب المتقدمة عليه كـ مقالات الإسلاميين للأشعري والفرق بين الفِرق لعبد القاهر البغدادي بذكر كثير من الآراء الفلسفية المتعلقة لما وراء الطبيعة التي كانت سائدة في عصر المؤلف ولأجل ذلك حاز الكتاب إعجاب الناس وتقديرهم ومع ذلك كله قد خلط بين الحقّ والباطل خصوصاً في نقل آراء بعض الطوائف الإسلامية( [333] ).


ومنهج تصنيف كتاب الملل والنحل يستند فيه الشهرستاني كغيره من ككتاب الفرق إلى الحديث المنسوب إلى الرسول: ستفترق اُمتي على ثلاث وسبعين فرقة الناجية منها واحدة والباقون هلكى( [334] ) والحديث مشتبه في صحته سنداً ومتناً فقد طعن الإمام ابن حزم في إسناده، أما متنه فمحل اختلاف( [335] ).


والشهرستاني ولد ببلدة شهرستان بين نيسابور و خوارزم من إقليم خراسان (479 أو 476 هـ) ورحل إلى بغداد سنة (510 هـ) منتقلاً بين مراكز العلم دارساً للعلوم الدينية ومدرساتها، ثم عاد إلى خراسان وتوفي في مسقط رأسه شهرستان عام (548 هـ).


ويعرّفه ابن خلكان بقوله: كان مبرزاً فقيهاً متكلماً تفقّه على أحمد الخوافي وعلى أبينصر القشيري، وغيرهما، وبرع في الفقه وقرأ الكلام على أبيالقاسم الأنصاري وتفرد فيه وصنّف كتباً فيها نهاية الإقدام في علم الكلام وكتاب الملل والنحل والمناهج والبيّنات وكتاب المضارعة و تخليص الأقسام لمذاهب الأنام وكان كثير المحفوظ( [336] ).


ويصفه الذهبي بقوله: شيخ أهل الكلام والحكمة وصاحب التصانيف، ونقل عن السمعاني: أنّه كان يميل إلى أهل القلاع القرامطة والدعوة إليهم والنصرة لطاماتهم، كما ينقل عن صاحب التحبير بأنه كان إماماً اُصولياً عارفاً بالأدب وبالعلوم المهجورة، وقال ابن أرسلان في تاريخ خوارزم: عالم كيّس متعفف، ولولا ميله إلى الإلحاد وتخبطه في الاعتقاد، لكان هو الإمام وكثيراً ما نتعجب من وفور فضله كيف مال إلى شيء لا أصل له، نعوذ بالله من الخذلان وليس ذلك إلاّ لإعراضه عن علم الشرع واشتغاله بظلمات الفلسفة...( [337] ).كتبه المطبوعة


1 ـ الملل والنحل: طبع كراراً وأخيراً في القاهرة في جزأين.


2 ـ نهاية الإقدام: وهو يحتوي على عشرين قاعدة كلامية.


وهذه القواعد هي:القاعدة الاُولى: في حدوث العالم وبيان استحالة حوادث لا أوّل لها واستحالة وجود أجسام لا تتناهى مكاناً.القاعدة الثانية: في حدوث الكائنات بأمرها بإحداث الله سبحانه.القاعدة الثالثة: في التوحيد.القاعدة الرابعة: في إبطال التشبيه.القاعدة الخامسة: في إبطال مذهب التعطيل وبيان وجوه التعطيل.القاعدة السادسة: في الأحوال.القاعدة السابعة: في المعدوم هل هو شيء أم لا، وفي الهيولى وفي الرد على مَن أثبت الهيولى بغير صورة الوجود.القاعدة الثامنة: في إثبات العلم بأحكام الصفات العلى.القاعدة التاسعة: في إثبات العلم بالصفات الأزلية.القاعدة العاشرة: في العلم الأزلي خاصة، وأنه أزلي واحد.القاعدة الحادية عشرة: في الإرادة.القاعدة الثانية عشرة: في كون الباري متكلماً بكلام أزلي.القاعدة الثالثة عشرة: في أن كلام الباري واحد.القاعدة الرابعة عشرة: في حقيقة الكلام الإنساني والنطق النفساني.القاعدة الخامسة عشرة: في العلم بكون الباري تعالى سميعاً بصيراً.القاعدة السادسة عشرة: في جواز رؤية الباري تعالى عقلاً ووجوبها سمعاً.القاعدة السابعة عشرة: في التحسين والتقبيح وبيان أنه لا يجب على الله تعالى شيء من قبل العقل ولا يجب على العباد شيء قبل ورود الشرع.القاعدة الثامنة عشرة: في إبطال الغرض والعلّة في أفعال الله تعالى وإبطال القول بالصلاح والأصلح واللطف...القاعدة التاسعة عشرة: في إثبات النبوات.القاعدة العشرون: في إثبات نبوّة نبيّنا محمد(صلى الله عليه وآله)( [338] ).


ثم يورد السبحاني ملاحظات حول منهج الشهرستاني وهي:


1 ـ إنّ القول بميل الشهرستاني إلى القرامطة، لا يصدقه كلامه في الملل والنحل، فأنه قد طرح في هذا الكتاب عقائد الإسماعيلية واستوفى الكلام فيها.


2 ـ يروي الشهرستاني أنّ عقيدة السلف في إجراء الصفات الخبرية على الله سبحانه هو التفويض.


3 ـ إنّ الرجل يتخبط حقاً في عرض عقائد الشيعة وكأنه لم يرجع إلى مصدر شيعي معتبر يقول في حق هذه الطائفة: إنّ الشيعة في هذه الشريعة وقعوا في غلو وتقصير. أما الغلو فتشبيه بعض أئمتهم بالإله تعالى وتقدس، وأما التقصير فتشبيه الإله بواحد من الخلق ولما ظهرت المعتزلة والمتكلمون من السلف رجعت بعض الروافض عن الغلو والتقصير( [339] ).


ويلاحظ عليه: أنّ الشيعة هم الذين يمثلون أصحاب الإمام علي والسبطين وعلي والسجاد والباقرين والكاظمين(عليهم السلام)، وهؤلاء عن بكرة أبيهم مبرؤون عن هذه التّهم الساقطة، كيف وهم مقتفون أثر عترة النبي(صلى الله عليه وآله)الذين جعلهم الرسول الأعظم قرناء الكتاب في العصمة والهداية وقد تواترت عنه(صلى الله عليه وآله) رواية الثقلين، وأنه قال: إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي ما إن تمسكتم بهما لن تظلوا بعدي أبداً، وأنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض( [340] ). أفهل يتصور أن يعتقد مقتفو آثارهم تأليه الأئمة، أو تشبيه إله العالم بواحد من الخلق؟


وبنفس السياق قال الدكتور أحمد محمود صبحي: أضاف الشهرستاني خطاً منهجياً آخر يضفي ضلالاً كثيفة من الشك حول موضوعية ما ذكره سواء ما يتعلق بمقالات الفرق أو بمعتقدات الأديان الاُخرى، وذلك فيما مهد به لدراسته من تبرير كأنه فلسفة لإدانة معتقدات جميع الأديان والمذاهب ـ عدا مذهبه بطبيعة الحال ـ إذ ردّها كلّها إلى معصية إبليس، إذ يقول: إعلم إن أوّل شبهة وقعت بين الخليقة هي شبهة إبليس ومصدرها استبداده بالرأي في مقابلة النص واختياره الهوى في معارضة الأمر( [341] ).


وهكذا ببساطة ردّ استخدام العقل في موضوعات الدين إلى معصية إبليس جاعلاً جميع مذاهب المسلمين ـ عدا مذهبه ـ منتسباً إلى حزب الشيطان( [342] ).


ثم يضيف الدكتور أحمد صبحي تقسيماً لكتاب الملل والنحل مورداً الملاحظات الآتية ما ملخّصه:


1 ـ استناداً إلى حديث افتراق الاُمة وما يتضمنه من إدانة عقائدية لاثنين وسبعين فرقة عدا مذهبه، ذلك بعدٌ عن الموضوعية فضلاً عن التعسف في تشعيب الفِرق، وأنه تبرير عقائدي خطير وغريب في الإسلام، إذ يلصق ذلك بشبهات إبليس.


2 ـ من الناحية الموضوعية أنّها معلومات مستقاة من كتاب الأشاعرة وخاصة البغدادي، وذلك بدوره ناقلٌ ـ بصدد المعتزلة ـ عن ابن الراوندي الذي يعدّه الأشاعرة أنفسهم ملحداً( [343] )6 ـ الفخر الرازي (543 ـ 606 هـ)


هو أبوعبدالله محمد بن عمر بن الحسين بن علي التيمي البكري من طبرستان، ولد في مدينة هراة إحدى مدن الري فسمي بالرازي وهي كورة من أعمال طبرستان، ولادته عام ثلاث وأربعين وخمسمئة، أو سنة أربع وأربعين وتوفي في هرات عام ست وستمئة( [344] ).


قال ابن خلكان: فريد عصره، ونسيج وجده، فاق أهل زمانه في علم الكلام والمعقولات وعلم الأوائل، وله التصانيف المفيدة في حقول عديدة، منها تفسير القرآن الكريم جمع فيه كل غريب وغريبة وهو كبير، لكنه لم يكمله.


ثم ذكر تصانيفه وقال: وكل كتبه ممتعة وانتشرت تصانيفه في البلاد، ورزق فيها سعادة عظيمة، فإنّ الناس اشتغلوا بها ورفضوا كتب المتقدمين ـ إلى أن قال ـ : وكان له في الوعظ اليد البيضاء ويعظ باللسانين! العربي والعجمي.


... وقد تخرج في المذهب على والده ضياء الدين عمر، ووالده على أبيالقاسم سليمان بن ناصر الأنصاري، وهو على إمام الحرمين أبيالمعالي، وهوعلى الاُستاذ أبي إسحاق الأسفراييني، وهو على الشيخ أبيالحسين الباهلي، وهو على شيخ السنّة أبيالحسن علي بن إسماعيل الأشعري( [345] ).


ويقول الذهبي: وقد بدت تآليفه بلايا وعظايم وسحر وانحرافات عن السنّة والله يعفو عنه فأنّه توفي على طريقة حميدة والله يتولى السرائر( [346] ).


يقول السبحاني: لا شك أن الرازي من أئمة الأشاعرة في عصره وقد نصر المنهج الأشعري في تآليفه الكلامية وفي تفسيره خاصة، ويقف عليه كل من لاحظ الآيات التي تختلف في تفسيرها المعتزلة والأشاعرة، ولما كان يناظر الكرامية من أهل التجسيم والتشبيه ويكبتهم في القول بهما صريحاً صار ذلك سبباً للطعن عليه ممّن لا يروقه التخطي عن ظواهر النصوص( [347] ).


ومن هنا لذعه الذهبي في كلامه المتقدم! في سير أعلام النبلاء.مؤلفاته


تركّزت مؤلفات الفخر الرازي على التفسير والكلام والفلسفة.


وأما في التفسير فله:


1 ـ مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير، الذي انتقده ابن تيمية قائلاً: فيه كل شيء عدا التفسير فردّه السبكي: فيه كل شيء مع التفسير( [348] ) والسبب في قول ابن تيمية لأنه لم يكن يميل إلى اقحام العلوم العقلية في التفسير.


2 ـ التفسير الصغير.


3 ـ تفسير الفاتحة.


4 ـ تفسير سورة البقرة على الوجه العقليلا النقلي.


وأما في علم الكلام:


1 ـ كتاب الأربعين في اُصول الدين.


2 ـ أساس التقديس أو تأسيس التقديس.


3 ـ اعتقادات فِرق المسلمين والمشركين.


4 ـ محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين من الفلاسفة والمتكلمين.


5 ـ المسائل الخمسون في اُصول الدين.


6 ـ نهاية العقول في دراية الاُصول.


7 ـ أجوبة المسائل التجارية.


8 ـ لوامع البيّنات في شرح أسماء الله والصفات.


9 ـ البيان والبرهان في الردّ على أهل الزيع والطغيان.


وأما في الفلسفة فله:


1 ـ الحكمة المشرقية.


2 ـ شرح عيون الحكمة لابن سينا.


3 ـ شرح الشفاء لابن سينا.


4 ـ شرح النجاة لابن سينا.


5 ـ شرح الإشارات لابن سينا.


6 ـ المباحث المشرقية: وهو أهم كتاب فلسفي في شرح العقائد.


7 ـ لباب الإشارات وهو تلخيص لكتاب الإشارات.معالم المنهج الكلامي لدى الفخر الرازي


اختطّ الرازي في علم الكلام منهجاً وإن لم يكن مستحدثاً تماماً إلاّ أنه قد عدل فيه عن منهج سابقيه من متكلمي الأشاعرة وتتلخص هذه المعالم فيمايلي:


1 ـ التوسع في المقدمات والمصطلحات المقتبسة من كلام الفلاسفة في الطبيعيات والإلهيات.


2 ـ لم يرَ الرازي أنّ بطلان الدليل يؤذن ببطلان المدلول كما كان يرى الباقلاني .


3 ـ إنّ الاقتباس من كلام الفلاسفة لا يحول دون نقدهم فيما خالفوا فيه العقائد الإيمانية.


هكذا نجد لدى الرازي مضموناً أشعرياً في قالب فلسفي، أي أنه أشعري المذهب فلسفي المنهج( [349] ).


وأما ملاحظات العلاّمة السبحاني على تفسيره الكبير فهي( [350] ):


إنّ تفسير الرازي مع كونه تفسيراً على الكتاب العزيز كموسوعة كلامية في مختلف الأبواب، فينقل آراء الطوائف الإسلامية فيمجالات مختلفة، فيدافع عن الأشاعرة ويهاجم المعتزلة بحماس بالغ... وأن الرازي يخالف الإمامية في غالب المجالات خصوصاً فيما يرجع إلى مباحث الإمامة والآيات الواردة في حقّ الإمام علي(عليه السلام) فيورد التشكيك تلو التشكيك في كثير من القضايا التاريخية والأحاديث المستفيضة ومع ذلك كله فقد أصحر بالحقيقة في موارد نأتي بها أداءً لحقه في المقام وملخصها:1 ـ من اقتدى بعلي فقد اهتدى: وهو الحديث الذي ثبت بالتواتر واستدلّ الرازي على الجهر بالبسملة استناداً على هذا الحديث والدليل عليه قوله(صلى الله عليه وآله): اللهمّ أدر الحق مع علي حيث دار( [351] ).2 ـ الكوثر أولاد الرسول: يفسّر الرازي الكوثر بأولاد الرسول(صلى الله عليه وآله) ويقول في عداد الأقوال القول الرابع الكوثر: أولاده... فالمعنى أنه يعطيه نسلاً يبقون على مر الزمان، فانظر كم قتل من أهلالبيت، ثم العالم ممتلئ منهم ولم يبق من بني اُمية في الدنيا أحد يعبأ به. ثم اُنظر، كم كان فيهم من الأكابر من العلماء كالباقر والصادق والكاظم والرضا(عليهم السلام) والنفس الزكية وأمثالهم( [352] ).3 ـ المسح على الرجلين: استرسل الرازي في الكلام على وجوب المسح على الأرجل على وجه، كأنّ المسح هو خيرته.. فنقل في تفسيره عن ابنعباس وأنس بن مالك وعكرمة والشعبي وأبي جعفر محمد بن علي الباقر: أنّ الواجب فيهما المسح وهو مذهب الإمامية من الشيعة، وقال جمهور الفقهاء والمفسرين: فرضهما الغسل، وقال ابن داود الاصفهاني: يجب الجمع بينهما وهو قول الناصر للحق من أئمة الزيدية، وقال الحسن البصري ومحمد بن جرير الطبري: المكلف مخير بين المسح والغسل.7 ـ سيف الدين الآمدي (556 ـ 621 هـ . ق)


هو أبوالحسن علي بن أبي علي بن محمد بن سالم الثعلبي، الفقيه الاُصولي الملقب بـ سيف الدين الآمدي كان حنبلي المذهب وانحدر إلى بغداد، وقرأ على أبي الفتح نصر بن فتيان الحنبلي، ثم انتقل إلى مذهب الشافعي، ولما بلغ الدرجة الممتازة انتقل إلى الشام واشتغل بفنون المعقول، وحفظ منه الكثير وتمهر فيه، ولم يكن في زمانه أحفظ منه لهذه العلوم، ثم انتقل إلى الديار المصرية، ثم حسده جماعة من فقهاء البلاد وتعصّبوا عليه ونسبوه إلى فساد العقيدة والتعطيل، فانتشرت القلاقل والفتن نتيجة للجمود العقلي عند هؤلاء ولم يكونوا من أهل الفكر والعقل، ومن جرّاء هذه القلاقل لم يجد الآمدي بُدّاً من مغادرة مصر إلى دمشق وعيّن مدرساً بالمدرسة العزيزية ثم عزل عنها لبعض التّهم الفكرية وأقام بطالاً في بيته وتوفي على تلك الحال عام (581 هـ) ودفن بسفح جبل قاسيون( [353] ).


وقد اتّهمه الذهبي بأنّه لا يصلي قال: كان القاضي تقي الدين سليمان بن حمزة يحكي عن شيخه بأن أبيعمر قال: كنّا نتردد إلى السيف، فشككنا هل يصلي أم لا؟ فنام فعلمنا على رجله بالحبر، فبقيت العلامة يومين مكانها، فعلمنا أنّه ما توضأ، نسأل الله السلامة في الدين( [354] ).مؤلفات الآمدي


يقول السبحاني: إنّ ما وصل إلينا من تآليفه كلها يتسم بالطابع العقلي، أماعقلية صرفة أو مزيجاً من العقل والنقل فمن مؤلفاته في اُصول الفقه:


1 ـ الإحكام في اُصول الأحكام.


2 ـ فمنتهى السؤول في علم الاُصول.


3 ـ غاية المرام في علم الكلام.


وفي كتابه غاية المرام في علم الكلام ورد فهرس الموضوعات التالية:القانون الأوّل: في إثبات الواجب بذاته.القانون الثالث: في وحدانية الباري تعالى.ج ـ القاعدة الثالثة: في حدوث المخلوقات وقطع تسلسل الكائنات.


(2) الطرف الثاني: في إثبات الحدوث بعد العدم.القانون السابع: في النبوات، والأفعال الخارقة للعادات.


(1) الطرف الأوّل: في بيان جوازها بالعقل( [355] ).


ثم يقول العلاّمة السبحاني( [356] ): إنّ تعطيل العقول من المعارف العقلية ليست بأقل خطراً من تعطيل ذاته سبحانه وتعالى عن الاتصاف بالصفات الخبرية الذي صار حجة لدى الحنابلة على تكفير أو تفسيق المعطلين كيف وهو سبحانه يقول: (وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالاَْرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَـذَا بَاطِلاً...)( [357] ).


... إلى غير ذلك من الآيات الداعية إلى التفكر في الكون والنفس.8 ـ عبدالرحمن عضد الدين الإيجي (700 ـ 756 هـ . ق)


هو عبدالرحمن بن أحمد بن عبدالغفار بن أحمد الإيجي الشيرازي الملقب بعضد الدين ولد بإيج من نواحي شيراز سنة ثمانين وستمئة وقيل بعد السبعمئة، كانت بلدته إيج أكثر إقامته وقد غضب عليه صاحب كرمان لنزاع بينه وبين الأبهري فحبس وبقي في الحبس إلى أن مات عام (756 هـ)، من أشهر تلاميذه سعد الدين التفتازاني والشمس الكرماني والضياء العفيفي، أهم مؤلفاته كتاب المواقف إذ هو أهم كتبه جميعاً وعليه شروح كثيرة كشرح الجرجاني، كان إماماً في المعقول، عالماً بالاُصول والمعاني والعربية مشاركاً في الفنون كريم النفس، كثير المال جداً، كثير الأنعام على الطلبة ولد


بعد السبعمئة وأخذ من مشايخ عصره، وأنجب تلامذة عظاماً اشتهروا


في الآفاق، منهم الشيخ شمس الدين الكرماني والتفتازاني والضياء


القرمي( [358] ).مؤلفات الإيجي1 ـ المواقف في علم الكلام: وهو المتن الكامل على المنهج الأشعري وشرحه السيد الشريف علي بن محمد الجرجاني والشيخ شمس الدين الكرماني وهو المرجع الوثيق لكثير من المتأخرين.


2 ـ شرحه على مختصر الاُصول للحاجبي في اُصول الفقه، واشتهر بشرح العضدي على مختصر الاُصول وطبع كراراً( [359] ).2 ـ العقائد العضدية.3 ـ الرسالة العضدية.


ويظهر( [360] ) من غيرواحد ممّن ترجمه أنّه كان يبغض الشيعة ويعاندهم إلى حد يضرب به المثل، ومن لطائف شعره، قوله:







  • خذ العفو وأمر بعرفِ كما اُمر
    ولِن في الكلام لكل الأنام
    فمستحسن من ذويالجاه لينمنهج الإيجي



  • ت وأعرض عن الجاهلين
    فمستحسن من ذويالجاه لينمنهج الإيجي
    فمستحسن من ذويالجاه لينمنهج الإيجي




بما ان الإيجي أشعري المنهج، لكنه تميز بحريته الفكرية في إتخاذ المواقف فيرد ويحتج أحياناً على الأشاعرة ومن خلال التقييم لكتابه المواقف، قال الدكتور أحمد محمود صبحي: ينقسم الكتاب إلى ستّة مواقف لا تشغل الموضوعات العقائدية من إلهيات وسمعيات إلاّ موقفين الخامس والسادس، وينقسم الموقف إلى عدة مراصد، وينقسم كل مرصد الى عدة مقاصد، وتتوزع مادته في ستّة موضوعات:الموضوع الأوّل: في المقدمات.الموضوع الثاني: في المسائل العامة.الموضوع الثالث: في الأعراض.الموضوع الرابع: في الجوهر.الموضوع الخامس: في الإلهيات.الموضوع السادس: في السمعيات( [361] ).


وفي ترجمته يقول الشيخ العلاّمة السبحاني: نرى أنه ينكر القضايا التاريخية المسلّمة عند الجميع، ويقول في ردّ حديث الغدير: إنّ علياً لم يكن يوم الغدير( [362] ).


وترى أنّه يطرح فرق الشيعة وينهيها إلى اثنين وعشرين فرقة


ويأتي بأسماء فرق لم تسمع اُذن الدهر بها إلاّ في ثنايا هذه


الكتب، ويقول: من فرق الشيعة البدائية الذين جوّزوا البداء على الله( [363] )، ولكنه غفل عن أن الاعتقاد بالبداء بالمعنى الصحيح هو تغير المصير


بالأعمال الصالحة والطالحة عقيدة مشتركة بين الشيعة جمعاء وليست


مختصّة بفرقة دون اُخرى، وتفسير البداء بما يستلزم الظهور بعد الخفاء


على الله أو غير ذلك فرية على الشيعة، إلى غير ذلك من الهفوات الموجودة في الكتاب غفر الله لنا ولعباده الصالحين( [364] ).9 ـ مسعود بن عمر التفتازاني (714 ـ 791 هـ . ق)


وهو من أئمة العربية ومن المتضلعين في المنطق والكلام، ولد بتفتازان من نواحي (فساء) في خراسان، أخذ العلوم العقلية عن قطب الدين الرازي تلميذ العلاّمة الحلي والقاضي عضد الدين الإيجي، وتقدم في الفنون واشتهر ذكره وطال صيته وانتفع الناس بتصانيفه وانتهت إليه معرفة العلم بالمشرق، مات في سمرقند عام (791 هـ)( [365] ).مؤلفات التفتازاني


1 ـ شرحه المعروف بـ المطوّل على تلخيص المفتاح للخطيب القزويني في المعاني والبيان والبديع.


2 ـ شرحه على تصريف الزنجاني، فرغ منه عام (744 هـ).


3 ـ شرحه على العقائد النسفية، فرغ منه عام (778 هـ).


4 ـ شرحه على شمسية المنطق، فرغ منه عام (772 هـ).


5 ـ مقاصد الطالبيين مع شرحه، فرغ منه عام (774 هـ).


6 ـ تهذيب أحكام المنطق ألّفه بسمرقند عام (770 هـ).


وهذه الآثار كلّها مطبوعة متداولة وبعضها محور الدراسة في الجامعات العلمية إلى يومنا هذا( [366] ).منهج التفتازاني


الذي يظهر أنّ التفتازاني على الرغم من كونه خراسانياً قاطناً في سمرقند وسرخس وهراة، كان أشعرياً، ولا يفترق ما طرحه في شرح المقاصد عمّا خطته الأشاعرة أبداً، ولكن هو أشعري وليس ماتريدي وتبيّن ذلك من خلال كتابه شرح المقاصد وبما أنّ المذهب الماتريدي قريب من المنهج الأشعري إلاّ أن المتتبع لبعض آرائه يراه قريباً من المنهج الماتريدي.


ويقتطف الشيخ العلاّمة السبحاني من كتابه المقاصد النقاط التالية( [367] ):


1 ـ إنّ شرح المقاصد كتاب مبسوط في علم الكلام بعد شرح المواقف للسيد الشريف، وقد أصحر في الكتاب بفضائل علي وأهل بيته، ففي قوله تعالى: (فَقُلْ تَعَالَوا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ) يقول: أراد عليّاً، وقوله تعالى: (قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى) وعلي(رضي الله عنه)منهم... إلى آخر ما ذكر في هذا الفصل من فضائل علي( [368] ).


2 ـ ويقول في حقّ السيدة فاطمة الزهراء(عليها السلام): فقد ثبت أن فاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمين، وأن الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنة( [369] ).


3 ـ ويقول في حقّ الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف: قد وردت الأحاديث الصحيحة في ظهور إمام من ولد فاطمة الزهراء ـ رضي الله عنهما ـ يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلم( [370] ).10 ـ السيد الشريف الجرجاني الاسترآبادي (740 ـ 816 هـ . ق)


وهو علي بن محمد المعروف بالسيد الشريف الجرجاني من المتضلعين في الأدب العربي، المعدود من كبار المتكلمين على المنهج الأشعري ولد في قرية تاكو قرب استرآباد، وأتمّ دراسته في شيراز، ولمّا دخلها تيمور عام (789 هـ)، غادرها الجرجاني وألقى عصا رحله في سمرقند، ولكنه عاد أيضاً إلى شيراز بعد موت تيمور( [371] ).


وهو يعادل التفتازاني في التوغل في العلمين، الأدب والكلام، لكن الشريف أدق نظراً منه، وآثاره العلمية يعرب عن تخصصه في بعض العلوم ومشاركته في كثير منها( [372] ).مؤلفات الجرجاني


1 ـ شرحه الكبير على مواقف القاضي عضدالدين الإيجي وهو شرح مبسوط بلغ الغاية في توضيح ما ذكره القاضي.


2 ـ الكبرى والصغرى في المنطق.


3 ـ الحواشي على المطوّل للتفتازاني.


4 ـ التعريفات.


إلى غير ذلك من التآليف البالغة نحو خمسين كتاباً، وقد برز جميع ما عنوناه إلى الطبع( [373] ).11 ـ علاء الدين علي بن محمد القوشجي (879 هـ . ق)


هو علي بن محمد القوشجي الحنفي، فلكي رياضي، متكلم بارع أصله من سمرقند. والقوشجي كلمة تركية بمعنى حافظ الطير، يقال كان أبوه من خدّام الأمير ألغ بك ملك ما وراء النهر، ثم ذهب إلى كرمان فقرأ على علمائها وصنّف فيها شرح التجريد للطوسي، وعاد إلى سمرقند، وكان ألغ بك قد بنى رصداً فيها، ولم يكمله فأكمله القوشجي، ثم ذهب إلى تبريز فأكرمه سلطانها الأمير حسن الطويل وأرسله في سفارة إلى السلطان محمدخان سلطان بلاد الروم ليصلح بينهما فاستبقى محمد خان عنده، فألّف له رسالة في الحساب أسماها المحمدية ورسالة في علم الهيئة أسماها الفتحية فأعطاه محمدخان مدرسة آيا صوفي فأقام بالأستانة، وتوفي فيها، ودفن في جوار الصحابي أبيأيوب الأنصاري( [374] ).مؤلفات القوشجي


من أشهر آثاره شرح التجريد وهو شرح لكتاب تجريد العقائد تأليف المحقق الطوسي فيقول في مقدمة الكتاب: إنّ كتاب التجريد الذي صنّفه في هذا الفن المولى الأعظم، والحبر المعظم، قدوة العلماء الراسخين، اُسوة الحكماء المتألهين، نصير الحق والملة والدين، محمد بن محمد الطوسي ـ قدس الله نفسه وروح رمسه... ثم أشار إلى أنّ: شمس الحقّ والملّة والدين محمد الاصفهاني قد شرحه قبله، فهو قدر طاقته حام حول مقاصده، وبقدر وسعه جال في ميدان دلائله وشواهده، وأنّ السيد الشريف الجرجاني علّق على ذلك الشرح حواشي تشتمل على تحقيقات رائعة، ولكن مع ذلك كان كثيراً من مخفيات رموز ذلك الكتاب باقياً على حاله( [375] ).


ولهذا الشرح حواش من المحققين كالمحقق الأردبيلي وغيره وهذا الكتاب أبسط كتاب في الكلام الأشعري بعد شرح المواقف( [376] ).


كما أنّ له تآليف اُخرى ذكرت في الأعلام ومعجم المؤلفين وغيرهما من كتب التراجم، وفي كتاب ريحانة الأدب لشيخنا المدرس ترجمة ضافية للقوشجي فلاحظه( [377] ).طبقات أصحاب الأشعري


ذكر ابن عساكر الدمشقي المتوفى (571 هـ) أعيان مشاهير أصحاب أبيالحسن الأشعري وخصص لهم باباً وقال: باب ذكر جماعة من أعيان مشاهير أصحابه، إذ كان فضل المقتدي يدل على فضل المقتدى به، ثم ذكر فهرس أسمائهم على النحو التالي:( [378] )الطبقة الاُولى من أصحاب الأشعري:


1 ـ أبوعبدالله بن مجاهد البصري.


2 ـ أبوالحسن الباهلي البصري.


3 ـ أبوالحسين: بندار بن الحسين الشيرازي الصوفي.


4 ـ أبومحمد الطبري المعروف بالعراقي.


5 ـ أبوبكر القفال الشاشي.


6 ـ أبوسهل الصعلوكي النيسابوري.


7 ـ أبو زيد المروزي.


8 ـ أبوعبدالله بن حفيف الشيرازي.


9 ـ أبو بكر الجرجاني المعروف بالإسماعيلي.


10 ـ أبوالحسن عبدالعزيز الطبري.


11 ـ أبوالحسن علي الطبري.


12 ـ أبوجعفر السلمي البغدادي النقاش.


13 ـ أبوعبدالله الاصبهاني.


14 ـ أبومحمد القرشي الزهري.


15 ـ أبوبكر البخاري الأودني.


16 ـ أبومنصور بن حمشاد النيسابوري.


17 ـ أبوالحسين بن سمعون البغدادي المذكر.


18 ـ أبوعبدالرحمن الشروطي الجرجاني.


19 ـ أبوعلي الفقيه السرخسي.


هؤلاء أصحاب الشيخ أبيالحسن الأشعري الذين تتلمذوا عليه، وارتووا من منهل علمه، ويعدون من الطبقة الاُولى للأشاعرة.


وأما الطبقة الثانية وهم أصحاب أصحابه، ممن سلكوا مسلكه في الاُصول وتأدبوا بآدابه، فقد جاء بأسمائهم وترجمتهم ابن عساكر في كتابه تبيين كذب المفتري وها نأتي بأسمائهم، ومن أراد الوقوف على حياتهم وكتبهم فعليه الرجوع إليه وهؤلاء عبارة عن: الطبقة الثانية من أصحاب الأشعري:


20 ـ أبوسعد بن أبيبكر الإسماعيلي الجرجاني.


21 ـ أبوالطيب بن أبيسهل الصعلوكي النيسابوري.


22 ـ أبوالحسن بن داود المقري الداراني الدمشقي.


23 ـ القاضي أبوبكر بن الطيب الباقلاني وقد مرت ترجمته.


24 ـ أبوعلي الدقاق النيسابوري شيخ أبيالقاسم القشيري.


25 ـ الحاكم أبوعبدالله بن البيع النيسابوري.


26 ـ أبونصر بن أبيبكر الإسماعيلي الجرجاني.


27 ـ الاُستاذ أبوبكر فورك الاصبهاني.


28 ـ أبوسعد بن أبي عثمان النيسابوري الخركوشي.


29 ـ أبوعمر محمد بن الحسين البسطامي.


30 ـ أبوالقاسم بن أبيعمرو البجلي البغدادي.


31 ـ أبوالحسن بن ما شاذه الاصبهاني.


32 ـ أبوطالب بن المهتدي الهاشمي.


33 ـ أبومعمر بن أبيسعد الجرجاني.


34 ـ أبوحازم العبدوي النيسابوري.


35 ـ الاُستاذ أبوإسحاق الأسفراييني.


36 ـ أبوعلي بن شاذان البغدادي.


37 ـ أبو نعيم الحافظ الاصبهاني.


38 ـ أبوحامد أحمد بن محمد الاستوائي الدلوي.الطبقة الثالثة من أصحاب الأشعري


المراد من هذه الطبقة من لقي أصحابه وأخذ العلم عنهم، وإليك أسماء من ذكرهم وترجمهم ابن عساكر:


39 ـ أبوالحسن السكري البغدادي.


40 ـ أبومنصور الأيوبي النيسابوري.


41 ـ أبومحمد عبدالوهاب البغدادي.


42 ـ أبوالحسن النعيمي البصري.


43 ـ أبوطاهر بن خراشة الدمشقي المقري.


44 ـ الاُستاذ أبومنصور النيسابوري البغدادي، والذي مرت ترجمته.


45 ـ أبوذر الهروي الحافظ.


46 ـ أبوبكر الدمشقي المعروف بابن الجرمي.


47 ـ أبومحمد الجويني والد الإمام أبي المعالي.


48 ـ أبوالقاسم بن أبي عثمان الهمداني البغدادي.


49 ـ أبوجعفر السمناني قاضي الموصل.


50 ـ أبوحاتم الطبري المعروف بالقزويني.


51 ـ أبوالحسن رشا بن نظيف المقري.


52 ـ أبومحمد الاصبهاني المعروف بابن اللبان.


53 ـ أبوالفتح سليم بن أيوب الرازي.


54 ـ أبوعبدالله الخبازي المقري النيسابوري.


55 ـ أبوالفضل بن عمروس البغدادي المالكي.


56 ـ الحافظ أبوبكر البيهقي.الطبقة الرابعة من أصحاب الأشعري:


58 ـ أبوبكر الخطيب البغدادي.


59 ـ الاُستاذ أبوالقاسم القشيري النيسابوري.


60 ـ أبوعلي بن أبي حريصة الهمداني الدمشقي.


61 ـ أبوالمظفر الأسفراييني.


62 ـ الإمام أبوالمعالي الجويني وقد مرت ترجمته.


64 ـ أبوالفتح نصر بن إبراهيم المقدسي.


65 ـ أبوعبدالله الطبري.الطبقة الخامسة من أصحاب الأشعري:


66 ـ أبوالمظفر الخوافي النيسابوري.


67 ـ الإمام أبوالحسن الطبري المعروف بالكيا الهراسي.


68 ـ الإمام حجة الإسلام أبوحامد الطوسي الغزالي، ولقد عرفت ترجمته.


69 ـ الإمام أبوبكر الشاشي.


70 ـ أبوالقاسم الأنصاري النيسابوري.


71 ـ الإمام أبونصر بن أبي القاسم القشيري.


72 ـ الإمام أبوعلي الحسن بن سليمان الاصبهاني.


73 ـ أبوسعيد أسعد بن أبينصر بن الفضل العمري.


74 ـ أبوعبدالله محمد بن أحمد بن يحيى بن جني العثماني الديباجي.


75 ـ القاضي أبوالعباس أحمد بن سلامة.


76 ـ الإمام أبوعبدالله الفراوي النيسابوري.


77 ـ أبوسعد إسماعيل بن أحمد النيسابوري المعروف بالكرماني.


78 ـ الإمام أبوالحسن السلمي الدمشقي.


79 ـ أبومنصور محمود بن أحمد بن عبدالمنعم ما شاذه.


80 ـ أبوالفتوح محمد بن الفضل بن محمد بن المعتمد الأسفراييني.


81 ـ أبوالفتح نصر الله بن محمد بن عبدالقوي المصيصي.


هؤلاء هم الذين ذكر ابن عساكر أسماءهم وشيئاً من حياتهم، وقد أدرك هو نفسه عدة من الطبقة الخامسة، بعضها بالمعاصرة وبعضها بالرؤية والمجالسة.


ثم إن تاج الدين أبا نصر عبدالوهاب بن علي السبكي قد استدرك على ابن عساكر الطبقات الاُخر التي لم يدركها ابن عساكر، وقد ذكر ابن عساكر خمس طبقات لأصحابه فاستدرك عليه الطبقتين التاليتين وقال( [379] ):ومن السادسة:


82 ـ الإمام فخر الدين الرازي، وقد مرّت ترجمته.


83 ـ سيف الدين الآمدي، وقد مرّت ترجمته.


84 ـ شيخ الإسلام عزّ الدين بن عبدالسلام.


85 ـ الشيخ أبوعمرو بن الحاجب المالكي.


86 ـ شيخ الإسلام عزّ الدين الحصيري الحنفي، وصاحب التحصيل والحاصل.


87 ـ الخسروشاهي.ومن السابعة:


88 ـ شيخ الإسلام تقي الدين ابن دقيق العبد.


89 ـ الشيخ علاء الدين الباجي.


90 ـ الشيخ الإمام الوالد تقي الدين السبكي.


91 ـ الشيخ صفي الدين الهندي.


92 ـ الشيخ صدر الدين بن المرحل.


93 ـ ابن أخيه الشيخ زين الدين.


94 ـ الشيخ صدر الدين سليمان عبدالحكم المالكي.


95 ـ الشيخ شمس الدين الحريري الخطيب.


96 ـ الشيخ جمال الدين الزملكاني.


97 ـ الشيخ جمال الدين بن جملة.


98 ـ الشيخ جمال الدين بن جميل.


99 ـ قاضي القضاة شمس الدين السروجي الحنفي.


100 ـ القاضي شمس الدين بن الحريري الحنفي.


101 ـ القاضي عضد الدين الإيجي الشيرازي، وقد مرّت ترجمته.


هذه أهم الشخصيات البارزة والذي ترجمنا المهمين منهم وذكرنا الباقين حسب طبقاتهم الذين ورثوا هذا المذهب.دور الانحطاط في التطور الفكري والبحث العلمي عند الأشاعرة


على الرغم من أنّ الأشعري إتّخذ منهج الوسطية بين العقل والنقل إلاّ أنه غلبت نزعة حب الفلسفة عند المتأخرين من الأشاعرة من عصر الإمام الغزالي، فتوغلوا في مخالطة كتب الفلسفة، والتبس عليهم شأن الموضوع في العلمين، فحسبوه واحداً فاختلطت الطريقتان وامتزجت مسائل الكلام بمسائل الفلسفة بحيث لا ينفصل أحدهما عن الآخر كما فعل البيضاوي المتوفى سنة (961 هـ) في الطوالع، وعضد الدين الإيجي المتوفى سنة (750 هـ) في المواقف( [380] ).


ويتضح مدى تأثّر المتأخرين من الأشاعرة بالفلسفة وتغلب النزعة العقلية عليهم، واعتمادهم على العقل أكثر من اعتمادهم على النقل ممّا يقوله جولد تسيهر استناداً إلى قول الرازي والإيجي: إنّ الأشاعرة اتفقوا مع المعتزلة على أنّ البرهان المؤسس على العناصر النقلية لا يعطينا أي يقين، والفخر الرازي يقول: ... وإذا ثبت هذا ظهر أنّ الدلائل النقلية ظنّية وأنّ العقلية قطعيّة، والظن لا يعارض القطع( [381] ).


أما الإيجي والجوزجاني يذكر أنّ في المواقف: والأساس في علم الكلام دائماً أنّ الدلائل النقلية لا تفيد اليقين( [382] ).


وكان رد فعل لهذا التوجّه أن ظهر تقي الدين أبيالعباس أحمد بن شهاب الدين المعروف بابن تيمية المتوفى سنة (728 هـ) أن حارب هذا الخلط للعقيدة بالفلسفة، فنهض لإحياء مذهب السلف على طريقة الحنابلة ومقاومة الأشاعرة والفلاسفة، وقد افترق الناس فيه فريقين، فريق يقتدي به ويرى أنّه شيخ الإسلام وسمى أنصار هذا المذهب أنفسهم بالسلفية، وفريق يُبدّعه ويضلّله( [383] ).


وقد بدأ بعد ذلك الانحطاط الفكري بين المسلمين عامة، فتسلّط عليهم الجمود الفكري وغلب عليهم الخمود، واقتصرت مهمّتهم على النقاش اللفظيدون التحقيق العلمي( [384] ).حصيلة البحث وتقييم المطلب


يمكن أن نختم بحثنا هذا بإبداء بعض ما توصلنا إليه من نتائج وتقييم للمذهب الذي جاء به أبوالحسن الأشعري فيمكن أن نلخصها بما يلي:


1 ـ كوّن الأشعري برجوعه عن الاعتزال إلى مذهب أهل الحديث منهجاً كلامياً له أثره الخاص إلى يومنا هذا بين أهل السنّة، فمذهبه الكلامي هو المذهب السائد بينهم في أكثر الأقطار، وظهر بعده جماعة من أكابر علماء الإسلام وأساطين العلم ممّن اعتنقوا مذهبه وانظمّوا إلى مدرسته فشرحوا آراءه ونظموها وأكملوا الناقص منها وتداركوا الضعيف سالكين مسلك الاعتدال( [385] ).


2 ـ إنّ التجاذبات السياسية وتدخل الحكام في عملية الصراع بين الأشاعرة والمعتزلة ساعد في انتشار مذهب الأشاعرة.


3 ـ العلماء الذين جاءوا بعد الأشعري ساهموا في تطوير هذا المذهب وأضافوا إليه الأفكار والطروحات وخصوصاً أصحابه الذين قمنا بترجمتهم حتى عصر الإيجي المتوفى (756 هـ) ثم بعد هذا بدأ الفكر الأشعري يدخل مرحلة الهبوط واتخذ اشكالاً تقليدية، وفي هذا المجال يقول الدكتور أحمد محمود صبحي: يمثل الإيجي الصياغة النهائية لفكر الأشاعرة، وقد كان له فضل اتساق النسق دون الأصالة، هذا وقد شرع الأشعري من بعده في ولوج مرحلة التدهور، أخشى أن أقول إلى يوم الناس هذ( [386] ).


ثم يذكر تحت عنوان الأشعرية في طور التدهور من القرن التاسع إلى الثالث عشر بأن أهم معالم الكلام الأشعري بعد الإيجي المتوفى (756 هـ) يتمثل فيما يأتي:أ ـ المتون: قوالب مصبوبة صيغت فيها المعتقدات كأنها القول الفصل الذي ليس له مردّ.ب ـ الأراجيز: إذ صيغت العقائد في شكل أراجيز حتى تكون عوناً على الحفظ الصنم أو الآلي الذي يشمل التفكير.ج ـ الحشو: وفي عصور التدهور تعلق بالقشور دون اللباب وبحشو الاعتقاد دون الاُصول.د ـ الغيبيات: إذ تعرض العقلية المتخلفة في غمرة سطحيتها عمّا هو أصيل إلى ما هو مخدر فتنتشر الأوهام والخرافات وفي الحاشية يذكر أنّ سبب ذلك هو التحالف بين الأشعرية والتصوف.


4 ـ إنّ الأشاعرة كانوا قُساة في ردّهم على الاعتزال حيث اتهموهم بالمروق عن الدين والكفر وهذا عين التطرّف في حال أنّ الأشاعرة جمعوا بين النهج العقلي والنقلي فكيف بالسلفيين في حكمهم تجاه أصحاب النزعة العقلية( [387] )؟!!


5 ـ إنّ العقيدة الأشعرية هي عقيدة حنبلية معدّلة قد تصرفت في جميع ما كان غير معقول في العقيدة الاُم وهي الحنبلية( [388] ). فإن المذهب الأشعري عند التحليل يتفق مع أحد المنهجين العقلي وأهل الحديث وإن كان يتظاهر بأنه على مذهب المحدثين، ولكنّه تارةً يوافقهم واُخرى يخالفهم ويوافق المعتزلة في اللب والمعنى، وإن كان يخالفهم في القشر واللفظ( [389] ).


6 ـ الإسلام لا يتعارض مع العقل بل اعتبره أحد مصادر التشريع فى استنباط الأحكام الشرعية وعليه فإن عملية إقصاء العقل من قبل أهل الحديث تعني عين الجمود الفكري والتمسك بالتقليد الأعمى دون التحقيق وسبر أغوار العلوم التي دعانا الله تعالى إلى البحث والنظر فيها لكي نصل إلى الحقائق الكبرى.


7 ـ إنّ دراستنا وعرضنا لمذهب أبيالحسن الأشعري واطلاعنا على الجوانب السلبية التي يؤسف لها في عملية احتدام الصراع التي فرضت حالة القمع الفكري والإلغاء والاتهام والفرية، كل ذلك يستدعي حاجتنا نحن المسلمين إلى الحوار الحضاري وفتح باب الدراسات من قبل المتخصصين في المجالات المختلفة حتى نتوصل إلى النتائج المرجوّة.


المصادر


1 ـ القرآن الكريم


2 ـ الإلهيات جعفر السبحاني


3 ـ الإبانة أبوالحسن الأشعري


4 ـ ابن تيمية محمد أبوزهرة


5 ـ اُسد الغابة ابن الأثير


6 ـ بحار الأنوار العلاّمة المجلسي


7 ـ البداية والنهاية ابن كثير


8 ـ الإرشاد المفيد


9 ـ الأعلام الزركلي


10 ـ الأشعري الدكتور حمودة غرابة


11 ـ بحوث في الملل والنحل جعفر السبحاني


12 ـ بحوث مع أهل السنّة والسلفية مهدي الروحاني


13 ـ بغية الوعاة جلال الدين السيوطي


14 ـ تاريخ بغداد الخطيب البغدادي


15 ـ تاريخ الفِرق الإسلامية الدكتور محمد خليل الزين


16 ـ تاريخ المذاهب الإسلامية محمد أبوزهرة


17 ـ تاريخ الطبري محمد بن جرير الطبري


18 ـ تاريخ الإسلام الثقافي والسياسي صائب عبدالحميد


19 ـ تبيين كذب المفتري ابن عساكر


20 ـ تفسير العياشي محمود بن مسعود بن عياش


21 ـ التكملة في الحساب عبدالقاهر البغدادي


22 ـ التمهيد القاضي عياض


23 ـ التمهيد القاضي الباقلاني


24 ـ خبيئة الأكوان محمد صديق حسن خان القنوجي البخاري المتوفى


سنة (1307 هـ) طبعة الاستانة سنة (1295 هـ) و سنة (1296 هـ)


25 ـ الخصال أبوجعفر محمد بن علي (الصدوق)


26 ـ الخطط المقريزية تقي الدين أبوالعباس المقريزي


27 ـ الدرر الكامنة ابن حجر


28 ـ دفع التشبيه ابن الجوزي


29 ـ الرد على أهل الأهواء والبدع الملطي


30 ـ روضات الجنات محمد باقر الخوانساري


31 ـ رسالة التوحيد محمد عبده


32 ـ ريحانة الأدب محمد علي مدرس


33 ـ السيرة الحلبية الحلبي


34 ـ سير أعلام النبلاء الذهبي


35 ـ الشامل الجويني


36 ـ شرح الاُصول الخمسة القاضي عبدالجبار


37 ـ شرح المواقف الآمدي


38 ـ شرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد المعتزلي


39 ـ شرح التجريد القوشجي


40 ـ الشيعة بين الأشاعرة والمعتزلة هاشم معروف الحسني


41 ـ صبح الأعشى أحمد بن علي القلقشندي


42 ـ الصواعق الإلهية في الرد على الوهابية سليمان بن عبدالوهاب


43 ـ طبقات الشافعية ابن السبكي


44 ـ العقيدة والشريعة جولد تسيهر


45 ـ عقيدة الإسلام والإمام الماتريدي الدكتور أبوالخير محمد أبو أيوب علي


46 ـ غاية المرام الآمدي


47 ـ الفتاوى الحديثية الهيثمي


48 ـ فرائد السمطين ابن المؤيد الجويني


49 ـ الفصول المهمة ابن الصباغ المالكي


50 ـ الفصول المهمة عبدالحسين شرف الدين


51 ـ فهرست ابن النديم ابن النديم


52 ـ في علم الكلام (الأشاعرة) الدكتور محمد محمود صبحي


53 ـ الاقتصاد الشيخ الطوسي


54 ـ قواعد العقائد الإمام الغزالي


55 ـ الكافي الكليني


56 ـ الكامل في التاريخ ابن الأثير


57 ـ كفاية الطالب الحافظ الكنجي


58 ـ اللمع أبوالحسن الأشعري


59 ـ مجلة الأزهر (المجلد العاشر)


60 ـ المجدّدون في الإسلام عبدالمتعالي الصعيدي


61 ـ المذاهب الإسلامية جواد مشكور


62 ـ مذاهب الإسلاميين عبدالرحمن بدوي


63 ـ مرآة الجنان اليافعي


64 ـ مقالات الإسلاميين أبوالحسن الأشعري


65 ـ مقاصد الطالبيين التفتازاني


66 ـ مقدمة ابن خلدون ابن خلدون


67 ـ مستدرك الحاكم الحاكم


68 ـ معجم المؤلفين عمر رضا كحالة


69 ـ الملل والنحل الشهرستاني


70 ـ المنية والأمل ابن المرتضى


71 ـ المناقب ابن المغازلي الشافعي


72 ـ المنتظم عبدالرحمن ابن الجوزي


73 ـ مفاتيح الغيب الرازي


74 ـ المواقف الآمدي


75 ـ موسوعة الفلسفة الإسلامية الدكتور عبدالمنعم حفني


76 ـ الانتصار الخيّاط


77 ـ النشر الطيب السبكي


78 ـ نهج البلاغة الإمام علي(عليه السلام)


79 ـ نهج الحق ودلائل الصدق محمد رضا المظفر


80 ـ وفيات الأعيان ابن خلكان


81 ـ وقعة صفين نصر بن مزاحم المنقري


82 ـ اليواقيت والجواهر في بيان عقيدة الأكابر الشعراني


83 ـ ينابيع المودة القندوزي


84 ـ اليهودية أحمد شلبيالفهرس


مقدمه المجمع العالمي لأهل البيت 133; 5


المقدمة 133; 7الفصل الأوّل: الأشاعرة


تعريف الأشاعرة 133;13


مَن هو أبوالحسن الأشعري؟ 133;13


الانتماء العائلي 133;14


مذهب الاعتزال 133;16


نشوء المذهب الأشعري 133;19


عوامل التحول والانقلاب 133;21العامل الأوّل: الطموح الذاتي والانتماء العائلي 133;21


الراوية الاُولى 133; 24


الرواية الثانية 133; 25


الرواية الثالثة 133; 25العامل الثاني: الرؤيا والمنامات 133;26


الرواية الاُولى 133; 27


الرواية الثانية 133; 28العامل الثالث: التأثيرات السياسية 133;30


طبيعة الصراع ونهاية المطاف 133;31


انعكاسات التدخل السياسي في الصراع المذهبي 133;33العامل الرابع: المناظرات مع اُستاذه الجبائي 133;35


المناظرة الاُولى 133; 35


المناظرة الثانية: في أسماء الله هل هي توقيفية 133; 38


لماذا ساد المذهب الأشعري؟ أبِسَفك الدماء 133;41


اين موقع الإمامية من الصراع بين الأشاعرة والمعتزلة؟ 133;45الفصل الثاني: المقولات الأساسية للمذهب الأشعري


اُصول المذهب الأشعري عرضٌ ونقد 133;51


1 ـ الأشاعرة ومبدأ العلّية والسببية 133;52


2 ـ الأشاعرة وعقيدة الصفات 133;54


3 ـ الأشاعرة والتأويل 133;55


4 ـ رؤية الله بالأبصار 133;56


5 ـ أفعال العباد 133;62


6 ـ خلق القرآن 133;65


7 ـ انكار الحسن والقبح العقليين 133;69


8 ـ الكفر والإيمان 133;73


9 ـ التكليف بما لا يُطاق 133;73


10 ـ كلام الله تعالى 133;74


11 ـ العدل 133;74


12 ـ الوعد والوعيد 133;74


13 ـ كرامات الأولياء 133;75


14 ـ الإمامة 133;75


15 ـ في أهل القبلة جميعاً 133;76


خلاصة القول 133;76الفصل الثالث: النظريات والمباني عند أبيالحسن الأشعري


النظرية الاُولى: نظرية التوفيق والوسطية 133;79


النظرية الثانية: نظرية الكسب 133;82


نظرية أهل البيت(عليهم السلام) في الجبر والتفويض وأفعال العباد 133;87الفصل الرابع: الصراع والخلافات بين الأشاعرة وسائر الفِرق الاُخرى


أوّلاً: الأشاعرة والماتريدية 133;92


ثانياً: الحنابلة والأشاعرة 133;94


ثالثاً: السلفية والأشاعرة 133;97


مؤلفات أبيالحسن الأشعري 133;99


1 ـ مقالات الإسلاميين 133; 102


2 ـ اللمع في الرد على أهل الزيغ والبدع 133; 102


مقارنة بين الإبانة واللمع 133;102الفصل الخامس: ترجمة بعض علماء الأشاعرة


1 ـ القاضي أبوبكر الباقلاني 133;107


مذهب الباقلاني 133;110


أسماء الله 133;113


نظرية الإمامة عند الباقلاني 133;114


2 ـ أبومنصور عبدالقاهر البغدادي المتوفى (429 هـ) 133;115


منهج عبدالقاهر البغدادي 133;117


البغدادي ومذهب أهل السنّة 133;119


3 ـ إمام الحرمين أبوالمعالي الجويني (419 ـ 478 هـ . ق) 133;120


مؤلفات الجويني 133;121


مذهب الجويني في الكلام 133;122


4 ـ حجة الإسلام الإمام الغزالي (ت 450 ـ م 505 هـ . ق) 133;124


مؤلفاته 133;125


من آراء الغزالي 133;126


5 ـ أبوالفتح محمد عبدالكريم الشهرستاني (479 أو 467 ـ 548 هـ . ق) 133;128


كتبه المطبوعة 133;130


6 ـ الفخر الرازي (543 ـ 606 هـ) 133;133


مؤلفاته 133;134


معالم المنهج الكلامي لدى الفخر الرازي 133;135


7 ـ سيف الدين الآمدي (556 ـ 621 هـ . ق) 133;137


مؤلفات الآمدي 133;138


8 ـ عبدالرحمن عضد الدين الإيجي (700 ـ 756 هـ . ق) 133;139


مؤلفات الإيجي 133;140


منهج الايجي 133;140


9 ـ مسعود بن عمر التفتازاني (714 ـ 791 هـ . ق) 133;142


مؤلفات التفتازاني 133;142


منهج التفتازاني 133;143


10 ـ السيد الشريف الجرجاني الاسترآبادي (740 ـ 816 هـ . ق) 133;144


مؤلفات الجرجاني 133;144


11 ـ علاء الدين علي بن محمد القوشجي (879 هـ . ق) 133;145


مؤلفات القوشجي 133;145


طبقات أصحاب الأشعري 133;146


الطبقة الاُولى من أصحاب الأشعري 133; 146


الطبقة الثانية من أصحاب الأشعري 133; 148


الطبقة الثالثة من أصحاب الأشعري 133; 149


الطبقة الرابعة من أصحاب الأشعري 133; 150


الطبقة الخامسة من أصحاب الأشعري 133; 150


الطبقة السادسة من أصحاب الأشعري 133; 151


الطبقة السابعة من أصحاب الأشعري 133; 151


دور الانحطاط في التطور الفكري والبحث العلمي عند الأشاعرة 133;152


حصيلة البحث وتقييم المطلب 133;154


المصادر 133; 157


الفهرس 133; 161 [390]


/ 4