حقيقـة الـدعـاء - دعاء عند اهل البیت (ع) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

دعاء عند اهل البیت (ع) - نسخه متنی

محمدمهدی آصفی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید



الدعـاء عنـد أهـل البيـت (عليهم السلام)


الشيخمحمد مهدي الاصفي


(وقال ربّكم ادعوني استجب لكم ان الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين)[المؤمن: 60]


حقيقـة الـدعـاء


(وقال ربّكم ادعوني أستجبْ لكم إنّ الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنّمَ داخرين)[1].


الدعاء اقبال العبد على الله، والاقبال على الله هو روح العبادة، والعبادة هي الغاية من خلق الانسان.


هذه النقاط الثلاثة تستطيع ان تجسد قيمة الدعاء وتوضح لنا حقيقته ولنبدأ بالنقطة الاخيرة، ومنها نتدرج إلى الثانية ثم الاولى.


إن القرآن الكريم صريح وواضح في أن العبادة هي الغاية من خلق الانسان. يقول تعالى:


(وما خلقتُ الجنّ والانس إلاّ ليعبدونِ)[2] وهذه هي الحقيقة الاولى، وهي ذات اهمية كبيرة في هذا الدين.


وقيمة العبادة أنها تشد الانسان إلى الله وتربطه به تعالى.


ولذلك فان قصد التقرب إلى الله في العبادة امر جوهري في تحقيقها. ومن دونه لا تكون العبادة، فالعبادة في حقيقتها حركة الى الله، واقبال على الله، وقصد لوجه الله، وابتغاء لمرضاته.


وهذه الحقيقة الثانية، وهي توضح الحقيقة الاولى.


والحقيقة الاولى أن الدعاء اقبال على الله، ومن ابرز مصاديقه الانشداد والارتباط بالله... ولا يوجد في العبادات عبادة تقرب الانسان إلى الله أكثر من الدعاء.


روي عن سيف التمار أنه قال سمعت ابا عبدالله الصادق(عليه السلام)يقول: عليكم بالدعاء، فانكم لا تتقربون بمثله[3].


وكلما تكون حاجة الانسان إلى الله اعظم، وفقره إليه تعالى اشد، واضطراره إليه أكثر يكون اقباله في الدعاء على الله اكثر.


والنسبة بين فقر الانسان إلى الله واضطراره إليه تعالى، وبين اقبال الانسان عليه سبحانه في الدعاء نسبة طردية. فإن الحاجة والاضطرار يلجئان الانسان إلى الله، وبقدر ما يشعر بهذه الحاجة يكون اقباله على الله، كما ان العكس أيضاً كذلك.


يقول تعالى: (كلاّ إنّ الانسان لَيطغى * أنْ رآه استغنى)[4].


إن الانسان ليطغى ويعرض عن الله بقدر ما يتراءى له أنه قد استغنى، ويقبل على الله بقدر ما يعي من فقره وحاجته إلى الله. وتعبير القرآن دقيق (أن رآه استغنى). فلا غنى للانسان عن الله، بل الانسان فقر كله إلى الله: (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد) ولكنه يتراءى له أنه قد استغنى، وغرور الانسان هو الذي يخيل إليه ذلك.


فإذا تراءى له أنه قد استغنى عن الله اعرض ونأى بجانبه وطغى.


فإذا مسه الضر، وأحس بالاضطرار إلى الله عاد واقبل عليه.


اذن الدعاء في حقيقته اقبال على الله.


ومن يدع الله تعالى، ويتضرع إليه فلابدّ ان يقبل عليه تعالى.


وهذا الاقبال هو حقيقة الدعاء وجوهره وقيمته.


المناهل الاربعة للورود على الله في القرآن


والدعاء من اهم المناهل التي جعلها الله تعالى لعباده للورود عليه.


وقد بيّن الله تعالى لنا في القرآن اربعة مناهل للورود عليه، في جملة المناهل التي ورد ذكرها في القرآن والسنّة.


عن أبي عبدالله الصادق(عليه السلام): اربعة للمرء لا عليه: (الايمان) و(الشكر)، فإن الله تعالى يقول: (ما يفعل الله بعذابكم إنْ شكرتم وآمنتم)[5].


و(الاستغفار) فإنه تعالى يقول: (فما كان الله ليعذّبهم وأنت فيهم وما كان الله معذّبهم وهم يستغفرون)[6].


و(الدعاء) فإنه تعالى يقول: (قل ما يعبأبكم ربي لو لا دعاؤكم)[7].


وعن معاوية بن وهب عن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام) قال: يا معاومة، من اُعطي ثلاثة لم يُحرم ثلاثة: من اُعطي الدعاء اُعطي الاجابة، ومن اُعطي الشكر اُعطي الزيادة، ومن اُعطي التوكل اُعطي الكفاية; فان الله تعالى يقول في كتابه: (ومن يتوكل على الله فهو حسبه).


ويقول: (لئِن شكرتم لازيدنّكم).


ويقول: (ادعوني أستجبْ لكم)[8].


وعن عبدالله بن وليد الوصافي عن أبي عبدالله الصادق(عليه السلام) قال: ثلاث لا يضر معهن شيء: الدعاء عند الكربات; والاستغفار عند الذنب; والشكر عند النعمة[9].


وهذه قنوات للارتباط بالله، وقنوات الارتباط بالله كثيرة منها التوبة; ومنها الخوف والخشية; ومنها الحب والشوق إلى الله; ومنها الرجاء; ومنها الشكر; ومنها الاستغفار.


وعلاقة الانسان بالله يجب أن تنظم طبق مجموعة متناسقة من هذه القنوات; ولا يصحح الاسلام نظرية وحدة طريق الارتباط.


والدعاء من اهم وسائل الارتباط بالله والاقبال على الله.


ذلك لانه لا شيء يلجئ الناس إلى الله كما تلجئهم إليه حاجتهم وفقرهم.


فالدعاء من اوسع ابواب الارتباط والعلاقة بالله.


الدعاء جوهر العبادة


اذن الدعاء جوهر العبادة وروحها; فإن الغاية من خلق الانسان العبادة; والغاية من العبادة الانشداد إلى الله. والدعاء يحقق هذا الانشداد والارتباط من اوسع الابواب، وباقوى الوسائل.


وقد روي عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): الدعاء مخ العبادة; ولا يهلك مع الدعاء احد[0].


وروي عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أيضاً: افزعوا إلى الله في حوائجكم، والجأوا إليه في ملماتكم، وتضرعوا إليه، وادعوه; فإن الدعاء مخ العبادة وما من مؤمن يدعو الله إلاّ استجاب; فإما أن يعجله له في الدنيا، أو يؤجل له في الاخرة، وإما أن يكفر عنه من ذنوبه بقدر ما دعا; ما لم يدع بمأثم[1].


وتكاد الرواية ترينا طريقة حركة الانسان إلى الله في الدعاء واقباله عليه. تأمّلوا:


(افزعوا إلى الله في حوائجكم)، (والجأوا إليه في ملماتكم)، (وتضرعوا إليه).


وفي رواية اُخرى عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): الدعاء سلاح المؤمن وعماد الدين[2].


وإنما كان الدعاء (عماد الدين); لانه قوام الدين وهو التحرك إلى الله والدعاء اقبال على الله.


ولما كانت حقيقة الدعاء هي الاقبال على الله كان الدعاء أحب شيء الى الله واكرم شيء عنده.


عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): ما من شيء اكرم على الله تعالى من الدعاء[3].


وعن حنان بن سدير عن ابيه، قال: قلت للباقر(عليه السلام): أي العبادة افضل؟ فقال: ما من شيء احب إلى الله من ان يسأل ويطلب ما عنده; وما أحد ابغض إلى الله عزوجل ممن يستكبر عن عبادته ولا يسأله ما عنده[4].


الاعراض عن الدعاء اعراض عن الله


يقول تعالى: (وقال ربُّكم ادعوني أستجبْ لكم إنّ الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخُلون جهنّم داخرين)[5].


والاستكبار عن العبادة في هذه الاية الكريمة هو الاعراض عن الدعاء، فإن السياق يدعو إلى الدعاء. يقول تعالى: (ادعوني استجب لكم) وبعد ذلك مباشرة يقول: (إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين).


اذن الاعراض عن الدعاء في هذه الاية الكريمة بحكم الاستكبار عن العبادة; لانـّه اعراض عن الله.


وروي بهذا المعنى عن الامام الصادق(عليه السلام) في تفسير الاية الكريمة: هي والله العبادة; هي والله العبادة.


وعن حماد بن عيسى عن الصادق(عليه السلام): إنّ الدعاء هو العبادة; إن الله عزّوجلّ يقول:(إنّ الّذينَ يَستكبِرون عَن عِبادتيْ سَيدخلون جَهنَّمَ داخرينَ)[6].


ولا قيمة للانسان عند الله إلاّ بالدعاء، وبمقدار الدعاء، ولا يعبأ الله تعالى بعبده إلاّ بقدر ما يدعوا الله ويقبل عليه (قلْ ما يَعبأبكمْ ربّي لو لا دُعاؤُكم)[7].


وذلك لان الدعاء في الحقيقة يساوي الاقبال على الله، كما أن الاعراض عن الدعاء اعراض عن الله، ومن يعرض عن الله فلا يعبأ الله به، ولا قيمة له عند الله.


عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام) في حديث: وما أحد أبغض إلى الله عزّوجلّ ممن يستكبر عن عبادته، ولا يسأل ما عنده[8].


وعن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): لتسألن الله أو ليغضبن عليكم، إن لله عباداً يعملون فيعطيهم داخرين، يسألونه صادقين فيعطيهم، ثم يجمعهم في الجنة، فيقول الذين عملوا: ربنا عملنا فأعطيتنا، فبما اعطيت هؤلاء؟ فيقول: هؤلاء عبادي اعطيتكم اجوركم ولم التكم من اعمالكم شيئاً، وسألني هؤلاء فاعطيتهم واغنيتهم، وهو فضلي اوتيه من اشاء[9].


إن الله يشتاق إلى دعاء عبده:


فإذا أقبل العبد بالدعاء على الله أحبّه الله، وإذا اعرض العبد عن الله كرهه الله.


وقد يؤجل الله تعالى إجابة دعاء عبده المؤمن ليطول وقوفه بين يديه، ويطول اقباله عليه وتضرعه إليه... فإن الله يحب أن يسمع تضرع عبده، ويشتاق إلى دعائه ومناجاته.


روي عن العالم(عليه السلام): إنّ الله عزّوجلّ ليؤخر اجابة المؤمن شوقاً إلى دعائه، ويقول: صوت اُحب أن اسمعه، ويعجل دعاء المنافق، ويقول: صوت اكرهه[0].


وعن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام): اكثروا من أن تدعو الله، فإن الله يحب من عباده المؤمنين أن يدعوه، وقد وعد عباده المؤمنين الاستجابة[1].


وعن امير المؤمنين(عليه السلام): احب الاعمال إلى الله عزّوجلّ في الارض الدعاء[2].


وروي أن أبا جعفر الباقر(عليه السلام) كان يقول: إن المؤمن ليسأل الله عزّوجلّ حاجة، فيؤخر عنه تعجيل اجابته حباً لصوته واستماع نحيبه[3].


وعن أبي عبدالله الصادق(عليه السلام): إن العبد ليدعو فيقول الله عزّوجلّ للملكين: قد استجبت له، ولكن احبسوه بحاجته، فإني اُحب أن اسمع صوته، وإن العبد ليدعو فيقول الله تبارك وتعالى: عجلوا له حاجته فإني ابغض صوته[4].


وعن أبي عبدالله الصادق(عليه السلام): إن العبد الولي لله ليدعو الله عزّوجلّ في الامر ينوبه، فيقال للملك الموكل به: اقض لعبدي حاجته، ولا تعجلها فإني اشتهي أن اسمع صوته ونداءه، وإن العبد العدو لله عزّوجلّ يدعو الله عزّوجلّ في الامر ينوبه، فيقال للملك الموكل به: اقض حاجته، وعجلها فإني اكره أن اسمع صوته ونداءه[5].


والله تعالى يكره سؤال الناس بعضهم لبعض، ويحب للمؤمن ان يكرم نفسه ويده عن السؤال، ولكنه تعالى يحب سؤال المؤمنين منه، ويحب تضرعهم ودعاءهم عنده.


عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): إن الله احب شيئاً لنفسه وابغضه لخلقه، ابغض لخلقه المسألة، واحب لنفسه أن يسأل، وليس شيء احب الله عزّوجلّ من أن يسأل، فلا يستحي احدكم من أن يسأل الله من فضله، ولو شسع نعل[6].


وعن أبي عبدالله الصادق(عليه السلام): إن الله يحب العبد أن يطلب إليه في الجرم العظيم، ويبغض العبد أن يستخف بالجرم اليسير[7].


روي عن محمد بن عجلان قال: اصابتني فاقة شديدة واضاقة، ولا صديق لمضيق، ولزمني دين ثقيل وعظيم، يلح في المطالبة، فتوجهت نحو دار الحسن بن زيد، وهو يومئذ أمير المدينة لمعرفة كانت بيني وبينه، وشعر بذلك من حالي محمّد بن عبد الله بن علي بن الحسين(عليهما السلام)، وكان بيني وبينه قديم معرفة، فلقيني في الطريق فاخذ بيدي وقال: قد بلغني ما أنت بسبيله، فمن تؤمّل لكشف ما نزل بك؟


قلت: الحسن بن زيد. فقال: اذن لا يقضي حاجتك، ولا تسعف بطلبتك، فعليك بمن يقدر على ذلك، وهو اجود الاجودين، فالتمس ماتؤمله من قبله، فإني سمعت ابن عمي جعفر بن محمد يحدث عن ابيه عن جده عن أبيه الحسين بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب(عليهما السلام)عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: اوحى الله إلى بعض انبيائه في بعض وحيه: وعزتي وجلالي لاُقطّعن امل كل آمل أمّل غيري بالاياس، ولاكسونه ثوب المذلة في الناس، ولاُبعدنه من فرجي وفضلي، ايأمل عبدي في الشدائد غيري والشدائد بيدي؟ ويرجو سواي وانا الغني الجواد؟ بيدي مفاتيح الابواب وهي مغلقة، وبابي مفتوح لمن دعاني.


الم تعلموا أن من دهاه نائبة لم يملك كشفها عنه غيري، فمالي اراه يأمله معرضاً عني، وقد اعطيته بجودي وكرمي مالم يسألني؟


فأعرض عني، ولم يسألني، وسأل في نائبته غيري، وانا الله ابتدئ بالعطية قبل المسألة.


أفاُسأل فلا أجود؟ كلاّ. اليس الجود والكرم لي؟ اليس الدنيا والاخرة بيدي؟ فلو أن أهل سبع سماوات وارضين سألوني جميعاً واعطيت كل واحد منهم مسألته ما نقص ذلك من ملكي مثل جناح البعوضة، وكيف ينقص ملك انا قيّمه، فيابؤساً لمن عصاني، ولم يراقبني.


فقلت له: يا بن رسول الله، أعد علي هذا الحديث، فأعاده ثلاثاً، فقلت: لا والله ما سألت احداً بعدها حاجة، فما لبث أن جاءني الله برزق من عنده[8].


استجـابـة الـدعـاء

قيمتان للاستجابة:


للاستجابة من الله تعالى لدعاء العبد قيمتان، وليس قيمة واحدة. احداهما اعظم من الاُخرى.


اما القيمة الدنيا فهي إنجاز المطلب والمسألة التي طلبها الانسان من الله تعالى لدنياه أو آخرته، أو لهما معاً.


واما القيمة العليا فهي نفس الاجابة من الله تعالى لعبده فإن في كل (اجابة) اقبال من الله تعالى على عبده، كما ان في كل (دعاء) اقبال من العبد على الله تعالى.


ومهما كان لشيء من ثمن وحساب وحدّ، فلا حساب ولا حد لقيمة اقبال الله تعالى على عبده.


ولاحد لسعادة العبد إذا كان موضع رعاية الله تعالى وعنايته واقباله الخاص، وتلك سعادة ليس فوقها سعادة ان يخص الله تعالى عبداً من عباده فيقبل عليه، ويسمع منه، ويستجيب له، ويشعره بالاستجابة مهما كانت قيمة المطلب والمسألة التي طلبها العبد من الله تعالى، روي عن الامام الصادق(عليه السلام) انه قال: لقد دعوت الله مرة فاستجاب، ونسيت الحاجة، لان استجابته بإقباله على عبده عند دعوته اعظم وأجل مما يريد منه العبد، ولو كانت الجنّة ونعيمها الابد، ولكن لا يعقل ذلك إلاّ العالمون، المحبون، العابدون، العارفون، صفوة الله، وخاصته[9].


فالدعاء والاجابة اذن علاقة متبادلة بين الله تعالى وعبده، من افضل ما تكون العلاقة وأشرفها، وأي علاقة بين الله تعالى وعباده افضل من ان يقبل العبد على ربه بالحاجة والطلب والسؤال، ويقبل الله تعالى على عبده بالاجابة ويخصه بها.


علاقة الاستجابة بالدعاء:


(وقالَ ربّكُم ادعُوني أستجِبْ لكُم إنّ الّذينَ يستكبِرونَ عن عِبادتي سَيدخُلون جهنَّمَ داخرينَ)[0].


ما هي علاقة الاستجابة بالدعاء؟


وكيف تتم الاستجابة؟


هذا ما نحاول أن نتحدث عنه إن شاء الله في هذا الفصل من هذه المقالة.


إن الاستجابة من عند الله تعالى تجري ضمن قوانين وسنن إلهية، كما هو شأنه تعالى في سائر افعاله.


فليس في ساحة الله تعالى انفعال، كما هو الحال عندنا نحن البشر، إذا غضبنا، وإذا رضينا، وإذا تذمرنا، وإذا انشرحنا، وإذا نشطنا، وإذا مللنا.


وإنما فعل الله تعالى قانون وسنّة، ولا يختلف ذلك في رضاً أو غضب، أو بسط أو قبض، أو عطاء أو امساك، كل ذلك يجري ضمن سنن وقوانين الهية ثابتة.


وهذه السنن الالهية، تجري في افق الغيب (الميتافيزيقا) كما تجري في الفيزياء والكيمياء والميكانيك من غير فرق.


(ولنْ تجِدَ لسنّةِ اللهِ تبديلاً)[1].


(ولنْ تجِدَ لسنّةِ اللهِ تحويلاً)[2].


فما هي سنة الله تعالى في استجابة الدعاء؟


الدعاء مفتاح الرحمة:


وقد ورد في النصوص الاسلامية التعبير عن العلاقة بين الدعاء والاجابة بأن الدعاء مفتاح الاجابة، وهذه الكلمة تقرر نوع العلاقة بين الدعاء والاستجابة.


عن الامام علي(عليه السلام): الدعاء مفتاح الرحمة[3].


وفي وصية للامام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) إلى ابنه الحسن: ثم جعل في يدك مفاتيح خزائنه، بما أذن فيه من مسألته، فمتى شئت استفتحت بالدعاء ابواب خزائنه[4].


وللتعبير ظلال واضحة في العلاقة بين الدعاء والاستجابة (فمتى شئت استفتحت بالدعاء ابواب خزائنه).


إذن الدعاء هو المفتاح الذي نفتح به خزائن رحمة الله.


وخزائن رحمة الله لا نفاد لها، ولكن ليس كلّ الناس يملكون مفاتيح خزائن رحمة الله، وليس كل الناس يحسن فتح خزائن رحمة الله.


وقد روي عن الامام الصادق جعفر بن محمد(عليهما السلام) في قوله تعالى: (ما يفتحِ اللهُ من رحمة فلا مُمسِكَ لها) انه قال: الدعاء[5].


أي إن الدعاء هو هذا المفتاح الذي به يفتح الله للناس ابواب رحمته، والذي جعله الله بيد عباده.


وعن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): من فتح له من الدعاء منكم فتحت له ابواب الاجابة[6].


والله تعالى هو الذي يفتح للعبد بالدعاء، وهو الذي يفتح له ابواب الاجابة.


وعن أمير المؤمنين(عليه السلام): من قرع باب الله سبحانه فتح له[7].


وعن الامام الصادق(عليه السلام): اكثر من الدعاء، فإنه مفتاح كل رحمة، ونجاح كل حاجة، ولا ينال ما عند الله إلاّ بالدعاء، وليس باب يكثر قرعه إلاّ يوشك أن يفتح لصاحبه[8].


وعن أمير المؤمنين(عليه السلام): الدعاء مفاتيح النجاح، ومقاليد الفلاح، وخير الدعاء ما صدر عن صدر نقي وقلب تقي[9].


وعن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): ألا ادلكم على سلاح ينجيكم من اعدائكم، ويدرّ ارزاقكم؟ قالو: بلى، قال: تدعون ربكم بالليل والنهار، فإن سلاح المؤمن الدعاء[0].


العمل والدعاء مفتاحان لرحمة الله


والله تعالى جعل في ايدينا مفتاحين نستفتح بهما خزائن رحمة الله، ونطلب بهما رزقه وفضله، وهذان المفتاحان هما: (العمل) و(الدعاء).


وكل منهما لا يغني عن الاخر.


فلا العمل يغني عن الدعاء، ولا الدعاء يغني عن العمل، فلا يصح أن يكتفي الانسان بالدعاء عن العمل.


وقد روي عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) في وصيته لابي ذر (رضوان الله عليه): يا اباذر، مثل الذي يدعو بغير عمل كمثل الذي يرمي بغير وتر[1].


وعن الامام الصادق(عليه السلام): ثلاثة ترد عليهم دعوتهم: رجل جلس في بيته، وقال يا ربِّ ارزقني، فيقال له: الم اجعل لك السبيل إلى طلب الرزق؟...[2].


ولا يصح أن يكتفي الانسان بالعمل عن الدعاء.


روي عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): إنّ لله عباداً يعملون فيعطيهم، وآخرين يسألونه صادقين فيعطيهم، ثم يجمعهم في الجنة. فيقول الّذين عملوا: ربّنا، عملنا فأعطيتنا، فبما اعطيت هؤلاء؟ فيقول: هؤلاء عبادي، اعطيتكم اُجوركم ولم ألتكم من اعمالكم شيئاً، وسألني هؤلاء فأعطيتهم واغنيتهم، وهو فضلي اُوتيه من اشاء[3].


وقد جعل الله تعالى الدعاء جابراً لعجز الانسان في العمل، لئلا يعتمد الانسان على نفسه، ويغتر بما اُوتي من حول وقوة، وبما يقوم به من عمل.


إذن العمل والدعاء هما مفتاحان من اعظم المفاتيح التي يستفتح الانسان بها رحمة الله.


ولسنا الان بصدد البحث عن (العمل) وعلاقته بـ(رحمة الله) في مقابل العلاقة بين (الدعاء) و(خزائن رحمة الله)، وعلاقة (العمل) بـ(الدعاء) فإن هذه العلاقة من امهات المسائل الاسلامية.


والله تعالى يعطي عباده بهما معاً (العمل والدعاء). ومعنى ذلك أن الله يعطي عباده (بما عندهم) و(ما ليس عندهم)، وما عندهم هو جهودهم واعمالهم، وما يقدّمون إلى الله من جهد وانفاق من انفسهم واموالهم وهو (العمل)، وما ليس عندهم هو فقرهم وحاجتهم إلى الله، وعرض الفقر والحاجة على الله.


وكل منهما من مفاتيح رحمة الله في حياة الانسان، وبكل منهما يستنزل الانسان رحمة الله، بما يرفع إلى الله من جهده وعمله ونفسه وماله، وبما يرفع إلى الله من حاجته وفقره وعدمه واضطراره.


ولسنا الان بصدد البحث عن تفاصيل علاقة العمل بخزائن رحمة الله، ولا عن علاقة (العمل) بـ(الدعاء).


وإنما نريد أن نكتشف، إن شاء الله، علاقة الدعاء بما يرزق الله تعالى عباده من خزائن رحمته.


الحاجة والفقر إلى الله:


إن وعي الحاجة والفقر هو السر الذي نستطيع من خلاله أن نكتشف علاقة الدعاء بالاستجابة، ونفهم كيف يكون الدعاء مفتاحاً لرحمة الله، وكيف يستنزل الدعاء رحمة الله تعالى.


فإن كل دعاء يجسّد درجة من وعي الفقر، ويعبرّ عن مرتبة من مراتب وعي الحاجة إلى الله.


وبقدر ما يكون وعي العبد لحاجته إلى الله اكثر يكون دعاؤه اقرب إلى الاستجابة، وتكون رحمة الله اقرب إليه.


فليس من شح ولا بخل في رحمة الله تعالى، وانما يختلف حظّ الناس من رحمة الله لاختلاف أواني نفوسهم وأوعيتها.


ومن عجب أن الحاجة والفقر، ووعي الحاجة والفقر هو وعاء الانسان الذي ينال به رحمة الله، وكلما يكون وعيه لفقره إلى الله اكثر يكون وعاؤه الذي ينال به رحمة الله اكبر.


والله تعالى يعطي كلاً بقدر وعائه. وكلّ ينال من رحمة الله بقدر ما يتسع له وعاؤه، وكلما كان وعاؤه اكبر كان حظّه من رحمة الله اعظم، يقول تعالى: (يا أيّها الناسُ أنتم الفُقَراءُ الى اللهِ واللهُ هو الغنيُّ الحميدُ)[4].


ويمكننا أن نختصر الدعاء في ثلاث كلمات:


1 ـ الفقر إلى الله.


2 ـ وعي الفقر.


3 ـ رفعه ونشره وبثه بين يدي الله.


والكلمة الثالثة تختلف عن الثانية والثانية تختلف عن الاولى.


فإن الفقر غير وعي الفقر. فقد يكون فقيراً إلى الله تعالى، وهو غير واع لفقره إلى الله.


وقد يكون واعياً لفقره إلى الله، ولكنه لا يحسن ان يرفع فقره إلى الله وينشره ويبثه بين يديه، ولا يحسن السؤال والطلب والدعاء من الله.


وعندما تجمتع هذه الكلمات الثلاثة يتحقق الدعاء. والفقر هنا من الناحية الفلسفية ليس فقراً في الحدوث فقط، كما يفتقر البِناء الى المهندس والبنّاء، وإنما هو فقر في الحدوث والبقاء، كما في حاجة المصابيح الكهربائية إلى السيال الالكتروني، فإن المصباح يضيء ما دام السيال الالكتروني متصلاً، فإذا انقطع السيال لحظة واحدة انقطع الضوء في نفس تلك اللحظة.


وفقر الانسان الى الله من هذا القبيل في الحدوث والاستمرار، ووجود الانسان ومواهبه وحركته وحياته كلها ترتبط بالله تعالى. وتفتقر إلى الله لحظة بعد لحظة، وبصورة مستمرة ومتصلة.


يقول تعالى: (يا أيّها الناسُ أنتم الفُقَراء الى اللهِ واللهُ هو الغنيُّ الحميدُ)[5].


والحاجة والفقر تستنزلان رحمة الله تعالى وعاهما الانسان ام لم يعهما، ورفعهما الانسان إلى الله وعرضهما عليه تعالى ام لم يرفعهما، إلا أن الحاجة والفقر الذين يعيهما الانسان، ويرفعهما إلى الله، وينشرهما بين يدي الله تعالى اقوى في اجتذاب رحمة الله.


وعليه فنحن نتحدث عن (الفقر) وعلاقته بـ (رحمة الله) قبل الوعي والرفع إلى الله، وبعد الوعي والرفع إلى الله.

[1] المؤمن: 60.

[2] الذاريات: 56.

[3] بحار الانوار 93: 293.

[4] العلق: 6 ـ 7 .

[5] النساء: 147.

[6] الانفال: 33.

[7] الفرقان: 77. بحار الانوار 93: 291.

[8] خصال الصدوق 1: 50، المحاسن للبرقي: 3، الكافي: 6 في 4: 11 من جهاد النفس.

[9] امالي الشيخ الطوسي: 127.

[0] بحار الانوار 93: 300.

[1] بحار الانوار 93: 302.

[2] بحار الانوار 93: 288.

[3] مكارم الاخلاق: 311.

[4] مكارم الاخلاق: 311 ونفس المضمون في المحاسن للبرقي: 292.

[5] المؤمن: 60.

[6] وسائل الشيعة 4: 1083.

[7] الفرقان: 77.

[8] وسائل الشيعة 4: 1084، ح8604 .

[9] وسائل الشيعة 4: 1084، ح8609 .

[0] بحار الانوار 97: 296.

[1] وسائل الشيعة 4: 1086، ح8616 .

[2] وسائل الشيعة 4: 1089، ح 8639 .

[3] قرب الاسناد: 171، اصول الكافي: 526.

[4] وسائل الشيعة 4: 1112، ح 8731، اصول الكافي: 526.

[5] اصول الكافي: 527، وسائل الشيعة 4: 1112، ح 8732 .

[6] فروع الكافي 1: 196، من لا يحضره الفقيه 1: 23.

[7] المحاسن للبرقي: 293، بحار الانوار 93: 292.

[8] بحار الانوار 93: 303 ـ 304.

[9] مصباح الشريعة: 14 ـ 15، بحار الانوار 93: 323.

[0] المؤمن: 60.

[1] الاحزاب: 62.

[2] فاطر: 43.

[3] بحار الانوار 93: 300.

[4] بحار الانوار 77: 299.

[5] بحار الانوار 93: 299.

[6] كنز العمال ح3156.

[7] غرر الحكم.

[8] بحار الانوار 93: 295، وسائل الشيعة 4: 1086، ح8616 .

[9] وسائل الشيعة 4: 1094، ح8657 ، واصول الكافي: 517.

[0] وسائل الشيعة 4: 1095، ح8658 .

[1] وسائل الشيعة، ابواب الدعاء، باب 32، ح3.

[2] وسائل الشيعة، كتاب الصلاة، أبواب الدعاء، باب 50، ح3.

[3] وسائل الشيعة 4: 1084، ح8609 .

[4] فاطر: 15.

[5] فاطر: 15.


/ 13