صيانة القرآن الكريم من التّحريف - صیانة القرآن الکریم من التحریف نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

صیانة القرآن الکریم من التحریف - نسخه متنی

السید عبدالرحیم الموسوی؛ مصحح: محمد هادی الیوسفی، السید منذر الحکیم

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید



التقيّة في الشريعة الإسلامية


صيانة القرآن الكريم من التّحريف


مقدّمة


لقد أطبق المسلمون كافة على أن القرآن الكريم الذي بين أيدينا هو كتاب الله الذي لم يأته ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد.


وهو كما وصفه ربيب الرسالة ـ أمير المؤمنين وسيّد الوصيين علي بن أبي طالب(عليه السلام) ـ بقوله:


ثم أنزل عليه الكتاب نوراً لا تطفأ مصابيحه، وسراجاً لايخبو توقّده... وشعاعاً لا يُظلِمُ ضَوْؤه وفرقاناً لا يُخمدَ برهانه وتبياناً لا تهدم أركانه.. معدن الإيمان وبحبوحته، وينابيع العلم وبحوره.. وأثافيّ الإسلام وبنيانه.. وأعلام لا يعمى عنها السائرون.. جعله الله ريّاً لعطش العلماء.. ودواءً ليس بعده داء ونوراً ليس معه ظلمة، وحبلاً وثيقاً عروته، ومعقلاً منيعاً ذِروته، وعزّاً لمن تولاّه وسلماً لمن دخله وهدىً لمن ائتمّ به.. وعلماً لمن وعى.. وحكماً لمن قضى[1].


واعلموا أن هذا القرآن هو الناصح الذي لا يغشّ، والهادي الذي لا يُضِلّ، والمحدّث الذي لا يكذب.. وإن الله سبحانه لم يَعِظ أحداً بمثل هذا القرآن، فإنّه حبل الله المتين وسببه الأمين، إذ فيه ربيع القلب وينابيع العلم، وما للقلب جلاءٌ غيره[2] .


إنّ مثل هذا الكتاب الذي ربّى الأجيال وصنع العظماء ، وحضّر الاُمم.. لم يتوان الحاقدون والحاسدون في عزل الاُمّة الإسلامية عنه وإن كان ذلك بالتشكيك في سلامة نصوصه ومحاولة النبز فيه بتسرّب التحريف إليه، وإلقاء الفتنة والعداوة والبغضاء بين المؤمنين به.. إنها الخطّة الشيطانية الماكرة لإحلال الزيغ محلّ الهدى وحرمان الأجيال الصاعدة من هذا المعين الإلهي الزاخر.


ولكن الله أبى إلاّ أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون.


فمن هذا المنطلق لفهم كتاب الله سيكون البحث حول (شبهة تحريف القرآن) على نحوين:


النحوالأوّل: مناقشة هذه الشبهة وتحقيق فسادها وبطلانها على أساس الاُصول الإسلامية ومستلزماتها التي تعترف بالنصوص الدينية القرآنية أو الصادرة من النبي(صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الكرام(عليهم السلام).


النحو الثاني: مناقشة هذه الشبهة على أساس البحث الموضوعي وما تفرضه طبيعة الأشياء من نتائج دون الالتزام بالنصوص الدينية.


والمواجهة الاُولى لا تحقق الغرض إلاّ تجاه الفرد المسلم الذي يؤمن بالإسلام ونصوصه الدينية ورجاله الطيبين، بينما نجد المواجهة الثانية تحقق الغرض بشكل شامل وتقطع الطريق على كل واحد من الناس، حتّى لو كان غير مؤمن بشيء من الاُصول الإسلامية.


والمنهج الأوّل: هو الذي سلكه عامة علماء المسلمين وأثبتوا من خلال الأدلّة المتنوّعة سلامة القرآن من التحريف بشكل لا يقبل الترديد. وهذا هو الرأي السائد لدى علماء الإمامية على مدى القرون والأجيال[3].


والمنهج الثاني: هو الذي سوف نسلكه لدراسة الشبهة على أساس موضوعي بمقتضى ما تفرضه (طبيعة الأشياء) من نتائج وذلك ضمن عدة مباحث:


المبحث الأوّل: تدوين القرآن في عصر النبيّ (صلى الله عليه وآله) .


المبحث الثاني: جمع القرآن على عهد النبيّ(صلى الله عليه وآله) .


المبحث الثالث: مناقشة الفروض المحتملة لوقوع التحريف.


المبحث الرابع: تصريحات علماء المسلمين بسلامة القرآن من التحريف.


المبحث الخامس: أسباب نشوء شبهة التحريف واشاعتها.


المبحث السادس: الموقف الموضوعي من روايات التحريف.



المبحث الأوّل


تدوين القرآن في عصر النبيّ (صلى الله عليه وآله)


إنّ (طبيعة الأشياء) تدل بشكل واضح على أنّ القرآن قد تم تدوينه في زمن النبي (صلى الله عليه وآله).


ونقصد بطبيعة الأشياء : مجموع الظروف والخصائص الموضوعية والذاتية المسلّمة واليقينيّة التي عاشها النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، والمسلمون والقرآن أو اختصّوا بها، ممّا يجعلنا نقتنع بضرورة قيام النبي (صلى الله عليه وآله) بجمع القرآن في عهده; وهذه الظروف والخصائص هي ما يلي:


أ ـ يعتبر القرآن الكريم الدستور الأساسي للاُمة الإسلامية وهو يشكّل الزاوية الرئيسة التي يقوم عليها كيان الاُمة العقيدي والتشريعي والثقافي، الى جانب المناهج الإسلامية الاُخرى عن المجتمع والأخلاق، كما أنّه يعتبر أتقن المصادر التأريخية لديها وأروع النصوص الأدبية; ولم يكن المسلمون في صدر حياتهم الاجتماعية يملكون شيئاً من القدرات الفكرية والثقافية في مختلف الميادين التي يخوضها الفكر الإنساني غير القرآن الكريم، فالقرآن بالنسبة لهم بصفتهم اُمة حديثة يمثل المحتوى الروحي والفكري والاجتماعي لهم.


فمثلاً لم تكن الاُمة الإسلامية حينذاك تملك من الثقافة العقيدية ما تبني عليها إيمانها الراسخ بوحدانية الله سبحانه والكون والحياة، أو بانحراف أصحاب الديانات الاُخرى في نظرتهم الى المبدأ والمعاد غير الأدلة والبراهين القرآنية. والكلام ذاته يمكن أن يقال بالنسبة إلى المجالات الاُخرى، فكرية كانت أم روحية أم ثقافية.


وهذا يعطينا صورة واضحة عن الأهمية الذاتية التي يتمتع بها القرآن الكريم بالنسبة الى حياة المسلمين، ويحدد النظرة التي كان يحملها المسلمون ـ باعتبارهم اُمة ـ الى القرآن الكريم.


ب ـ لقد عكف المسلمون ـ منذ البدء ـ على حفظ القرآن واستظهاره، إنطلاقاً من نظرتهم إلى القرآن الكريم، وشعوراً بالأهمية التي يحتلها في حياتهم الاجتماعية ومركزه من الدور الذي ينتظرهم في الحياة الإنسانية.


وقد تكوّنت نتيجة هذا الإقبال المتزايد منهم على حفظه واستظهاره جماعة كبيرة، عُرفت بحفظها القرآن الكريم واستظهارها لنصّه بشكل مضبوط. كما سيتضح في البحوث اللاحقة إن شاء الله.


ج ـ وقد كان الرسول (صلى الله عليه وآله) يعيش مع الاُمة في آمالها وآلامها، مدركاً لحاجاتها وواعياً للمسؤولية العظيمة التي تفرضها طبيعة الظروف المحيطة بتكوينها والأخطار التي تهددها. وهذا الإدراك والوعي يكشف عنه الدور العظيم الذي قام به النبي منذ البعثة حتّى وفاته عليه الصلاة والسلام ; فقد عاش حياة الاضطهاد والضغط اللذين كانا وليدي قيامه بالدعوة إلى الله سبحانه وعمله على تغيير الاُمة، وقلب واقعها الفكري والسياسي والاجتماعي; ومثل هذا الدور يحتاج الى مهارة عظيمة وإدراك دقيق لواقع المجتمع، وتقدير للآثار والنتائج مع فهم للنفس البشرية وما تنطوي عليه من خير وشر.


ثم عاش حياة القيادة وسياسة الاُمة وإدارة شؤونها في أصعب الظروف التأريخية ، حيث إنشاء الدولة وتوطيد التشريع والنظام في مجتمع كان لا يعرف ـ إلاّ لوناً باهتاً ـ عن كل ما يمتّ إلى المجتمعات البشرية المنظمة بصلة، كما كان يؤمن بمفاهيم وأفكار بعيدة عن المفاهيم والأفكار الجديدة التي جاء بها الإسلام فمارس الحرب والجهاد، وبلي بالمكر والخداع والنفاق والارتداد، إلى غير ذلك من الأساليب والظروف المختلفة في أبعادها وآثارها.


وكان النبي (صلى الله عليه وآله) أيضاً على معرفة بتأريخ الرسالات الإلهية ونهايتها على يد المزوّرين والمحرّفين وتجّار الدين، كما يصرّح بذلك القرآن الكريم وينعى على أهل الكتاب هذا التحريف والتزوير.


فالإنسان الذي يكون قد خبر الحياة الإنسانية بهذا الشكل، وحمل أعباء الرسالة والدعوة وقاد الإنسان في مجاهل الظلام، حتّى أورده مناهل النور والحق لا يمكن أن نشكّ في إدراكه لمدى ما يمكن أن يتعرّض له النص القرآني من خطر حينما يربط مصيره بالحفظ والاستظهار في صدور الرجال.


د ـ إنّ إمكانات التدوين والتسجيل كانت متوفرة لدى الرسول(صلى الله عليه وآله) حيث لا تعني هذه الإمكانات حينئذ إلاّ وجود أشخاص قادرين على الكتابة يتوفر فيهم الإخلاص في العمل إلى جانب توفر أدوات الكتابة، وليس هناك من يشك تأريخياً في تمكّن المسلمين من كلّ ذلك.


هـ ـ ولابد أن نعترف بوجود عنصر الإخلاص للقرآن الكريم وأهدافه، إذ لا يمكن أن نجد من يشك في توفّر ذلك لدى النبي(صلى الله عليه وآله)، مهما بلغ ذلك الشخص من التطرّف في الشك والتفكير. لأنّ النبي(صلى الله عليه وآله) حتّى على أسوأ التقادير والفروض التي يفرضها الكافرون برسالته والمنكرون لنبوّته لا يمكن إلاّ أن يكون مخلصاً للقرآن الكريم، لأنه يؤمن بأن القرآن معجزته وبرهان دعوته الذي به تحدّى المشركين وهو على هذا الايمان بالقرآن لابدّ وأن يحرص على حفظه وصيانته ويكون مخلصاً في ذلك أبعد الإخلاص.


وهذه العناصر الخمسة : (أهمية القرآن الكريم، والخطر في تعرضه للتحريف بدون التدوين، وإدراك النبي (صلى الله عليه وآله) لهذا الخطر، ووجود إمكانات التدوين ، وحرص النبي (صلى الله عليه وآله) على القرآن والإخلاص له)، هي التي تكوِّن اليقين بأن القرآن الكريم قد تمّ جمعه وتدوينه في زمن الرسول (صلى الله عليه وآله); لأن أهميّة القرآن الذاتيّة، مع وجود الخطر عليه، والشعور بهذا الخطر، وتوفّر أدوات التدوين والكتابة، ثمّ الإخلاص للقرآن، حين تجتمع لا يبقى مجال للشك بتدوين القرآن في عهد رسول الله وكتابته في زمانه.



روايات الجمع في عهد أبي بكر


وليس عندنا في مقابل دلالة طبيعة الأشياء على هذه الحقيقة غير الروايات التي ذكرت أنّ القرآن الكريم قد جمع في عهد أبي بكر، حيث جمع القرآن من العسب والرقاق واللخاف ومن صدور الناس بشرط أن يشهد شاهدان على أنّه من القرآن، كما جاء ذلك في قصّة جمع القرآن المرويّة عن زيد بن ثابت[4] أو غيرها من النصوص التي تتحدّث عن هذا الأمر بطريقة اُخرى .


والواقع أنّ النصوص والروايات التي جاءت تتحدث عن قصّة الجمع، ليست متّفقة على صيغة واحدة ولا على مضمون واحد، فهي تنسب الجمع إلى أشخاص مختلفين، كما أنّها تختلف في زمان الجمع وطريقته والعهد الذي تمّ فيه[5].


وهي من أجل ذلك كلّه لا يمكن الأخذ بمضمونها الفعلي للتعارض الذي يسقطها عن الاعتبار والحجية ـ كما ذكر علماء الاُصول ـ وإنّما يمكن أن نفسّر وجودها بأحد تفسيرين:


الأوّل: أنّ هذه الروايات جاءت بصدد الحديث عن جمع القرآن، بشكل (مصحف) منتظم الأوراق والصفحات، الأمر الذي تمّ في عهد الصحابة، وليست بصدد الحديث عن عمليّة أصل تدوين وجمع القرآن، بمعنى كتابته عن بعض الأوراق المتفرّقة أو صدور الرجال، كما تشير إليه بعض هذه الأحاديث.


وهذا التفسير يقوم على اساس فرض الإلتزام، بصحّة المضمون الإجمالي الذي تؤكّده الروايات بأكملها وهو حدوث عملية جمع للقرآن الكريم بعد النبي (صلى الله عليه وآله) .


الثاني: أنّ هذه الروايات إنّما هي قصص وضعت في عهود متأخّرة عن عهد الصحابة، لإشباع رغبة عامة لدى المسلمين، في معرفة كيفية جمع القرآن. ونحن نعرف من دراستنا للتأريخ الإسلامي، أنّ حركة أدبيّة واسعة ظهرت في التأريخ الإسلامي، لتفسير الوقائع والأحداث التي عاشها المسلمون في الصدر الأوّل، على شكل قصّة تتّسم بالحيوية والبراعة والإثارة، بل امتدّ ذلك إلى الأحداث الجاهلية، والقصة حين بدأت فإنّما بدأت تعيش الإطار الديني وكان ذلك في أواخر عهد الصحابة، وتطوّرت في عهد التابعين ونمت في عصور متأخّرة، واعتمدت بشكل رئيسي على الإسرائيليات، وعلى الوضع والخيال الذي يحاول أن يحقّق أغراضاً اجتماعية أو سياسية أو نفسية أو ثقافية معينة.


وهذه الحركة القصصية ليست بدعاً في التأريخ الإسلامي، بل هي رغبة عامة عاشت في مختلف العصور التأريخية القديمة منها والحديثة، وما زلنا نشاهد القصّة التي تعتمد على أحداث ووقائع حقيقية، وتختلط بصور وتفاصيل خيالية وتستمد مقوّماتها واتّجاهاتها وأغراضها من الواقع الاجتماعي.


ونحن وإن كنّا نرغب أن نتّجه في تفسير هذه الأحاديث إلى الطريقة الاُولى، ولكن لا نجد مانعاً من طرح هذا التفسير الآخر كأساس للدراسة الموضوعية المفصلة لهذه الأحاديث وغيرها.


وإضافة إلى ذلك كله نجد نصوصاً اُخرى تصرّح بأنّ القرآن الكريم قد تمّ جمعه في زمن الرسول (صلى الله عليه وآله) ، بحيث تصلح أن تقف في مواجهة هذه النصوص[6].



المبحث الثّاني


جمع القرآن في عهد النبيّ (صلى الله عليه وآله)


أجمع علماء الإمامية على أنّ القرآن كان مجموعاً على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وأنّه(صلى الله عليه وآله) لم يترك دنياه إلى آخرته إلاّ بعد أن عارض ما في صدره، بما في صدور الحفظة الذين كانوا كثرة، وبما في مصاحف الذين جمعوا القرآن في عهده(صلى الله عليه وآله)، وقد اعتُبِر ذلك بحكم ما علم ضرورة، ويوافقهم عليه جمعٌ كبيرٌ من علماء أهل السنّة، وجميع الشواهد والأدلّة والروايات قائمةٌ على ذلك، وإليك بعضها:


1 ـ اهتمام النبي(صلى الله عليه وآله) والصحابة بحفظ القرآن وتعليمه وقراءته وتلاوة آياته بمجرد نزولها، وممّا روي من الحثّ على حفظه، وقوله(صلى الله عليه وآله): مَن قرأ القرآن حتى يستظهره ويحفظه، أدخله الله الجنّة، وشفّعه في عشرة من أهل بيته كلّهم قد وجبت لهم النار[7].


وفي هذا المعنى وحول تعليم القرآن أحاديث لا تحصى كثرة، فعن عبادة بن الصامت، قال: كان الرجل إذا هاجر دفعه النبي(صلى الله عليه وآله)إلى رجل منّا يعلّمه القرآن، وكان يسمع لمسجد رسول الله ضجّة بتلاوة القرآن حتى أمرهم رسول الله(صلى الله عليه وآله) أن يخفضوا أصواتهم لئلا يتغالطوا[8].


وقد ازداد عدد حُفّاظ القرآن بشكل ملحوظ لتوفر الدواعي لحفظه، ولما فيه من الحثّ من لدن رسول الله(صلى الله عليه وآله)، والأجر والثواب الذي يستحقّه الحافظ عند الله تعالى، والمنزلة الكبيرة والمكانة المرموقة التي يتمتّع بها بين الناس، وحسبك ما يقال عن كثرتهم على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وبعد عهده أن قُتِل منهم سبعون في غزوة بئر معونة خلال حياته(صلى الله عليه وآله)، وقُتل أربعمائة ـ وقيل: سبعمائة ـ منهم في حروب اليمامة عقيب وفاته(صلى الله عليه وآله) ، وحسبك من كثرتهم أيضاً أنّه كان منهم سيّدة، وهي اُ مّ ورقة بنت عبدالله بن الحارث، وكان رسول الله(صلى الله عليه وآله)يزورها ويسمّيها الشهيدة، وقد أمرها رسول الله(صلى الله عليه وآله)أن تؤمّ أهل دارها[9].


أمّا حفظ بعض السور فقد كان مشهوراً ورائجاً بين المسلمين، وكلّ قطعة كان يحفظها جماعة كبيرة أقلّهم بالغون حدّ التواتر، وقلّ أن يخلو من ذلك رجلٌ أو امرأةٌ منهم، وقد اشتدّ اهتمامهم بالحفظ حتى أنّ المسلمة قد تجعل مهرها تعليم سورة من القرآن أو أكثر.


2 ـ لا يرتاب أحدٌ أنّه كان من حول رسول الله(صلى الله عليه وآله) كُـتّاب يكتبون ما يملي عليهم من لسان الوحي، وكان (صلى الله عليه وآله) قد رتّبهم لذلك، روى الحاكم بسند صحيح عن زيد بن ثابت، قال: كنا عند رسول الله(صلى الله عليه وآله) نؤ لّف القرآن من الرقاع[10].


وقد نصّ المؤرخون على أسماء كُـتّاب الوحي، وأنهاهم البعض إلى اثنين وأربعين رجلاً، وكان(صلى الله عليه وآله) كلّما نزل شيءٌ من القرآن أمر بكتابته لساعته.


روى البراء: أنّه عند نزول قوله تعالى: (لا يستوي القاعدون من المؤمنين)[11] قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : ادعُ زيداً، وقُل يجيء بالكتف والدواة واللّوح، ثم قال: اكتب (لا يستوي...) [12].


وكان(صلى الله عليه وآله) يشرف بنفسه مباشرة على ما يُكتب، ويراقبه ويصحّحه بمجرد نزول الوحي ، روي عن زيد بن ثابت، قال: كنتُ أكتب الوحي لرسول الله(صلى الله عليه وآله)، وكان إذا نزل عليه الوحي أخذته برحاء شديدة... فكنت أدخل عليه بقطعة الكتف أو كسرة، فأكتب وهو يُملي عليَّ، فإذا فرغت، قال: اقرأه، فإن كان فيه سقط أقامه، ثمّ أخرج إلى الناس[13].


أمّا في مفرّقات الآيات فقد روي عن ابن عباس، قال: إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) كان إذا نزل عليه الشيء دعا من كان يكتب فيقول: ضعوا هذه الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا[14] وذلك بمنتهى الدقّة والضبط والكمال.


3 ـ روي في أحاديث صحيحة: أنّ جبرئيل كان يعارض رسول الله(صلى الله عليه وآله) القرآن في شهر رمضان، في كلِّ عام مرّة، وأنّه عارضه عام وفاته مرّتين[15]، وكان رسول الله(صلى الله عليه وآله) يعرض ما في صدره على ما في صدور الحفظة الذين كانوا كثرة، وكان أصحاب المصاحف منهم يعرضون القرآن على النبي(صلى الله عليه وآله) .


عن ابن قتيبة: أنّ العرضة الأخيرة كانت على مصحف زيد بن ثابت[16]، وفي رواية ابن عبدالبرّ عن أبي ظبيان: أنّ العرضة الأخيرة كانت على مصحف عبدالله بن مسعود[17].


4 ـ وفي عديد من الروايات أن الصحابة كانوا يختمون القرآن من أوله إلى آخره، وكان الرسول(صلى الله عليه وآله) قد شرّع لهم أحكاماً في ذلك، وكان يحثّهم على ختمه، فقد روي عنه(صلى الله عليه وآله)، أنه قال: إنّ لصاحب القرآن عند كلِّ ختم دعوةٌ مستجابة[18]. وعنه(صلى الله عليه وآله) قال: من قرأ القرآن في سبع فذلك عمل المقربين، ومن قرأه في خمس فذلك عمل الصدّيقين[19].


وعنه(صلى الله عليه وآله) قال: من شهد فاتحة الكتاب حين يستفتح كان كمن شهد فتحاً في سبيل الله، ومن شهد خاتمته حين يختمه كان كمن شهد الغنائم[20].


ومعنى ذلك أنّ القرآن كان مجموعاً معروفاً أوّله من آخره على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، فعن محمد بن كعب القرظي، قال: كان ممّن يختم القرآن ورسول الله(صلى الله عليه وآله) حيّ: عثمان، وعليّ، وعبدالله بن مسعود[21].


وقال الطبرسي: إنّ جماعة من الصحابة مثل عبدالله بن مسعود واُبي بن كعب وغيرهما ختموا القرآن على النبيّ(صلى الله عليه وآله) عدّة ختمات[22].


وروي عنه(صلى الله عليه وآله) : أنّه قد أمر عبدالله بن عمرو بن العاص بأن يختم القرآن في كلِّ سبع ليال ـ أو ثلاث ـ مرّة، وقد كان يختمه في كل ليلة[23]. وأمر النبي(صلى الله عليه وآله) سعد بن المنذر: أن يقرأ القرآن في ثلاث، فكان يقرؤه كذلك حتى تُوفيّ[24].


5 ـ كان الصحابة يدوّنون القرآن في صحف وقراطيس ولا يكتفون بالحفظ والتلاوة، فلعلك قرأت ما روي في إسلام عمر بن الخطاب : أنّ رجلاً من قريش قال له: اُختك قد صبأت; أي خرجت عن دينك، فرجع الى اُخته ودخل عليها بيتها، ولطمها لطمة شجّ بها وجهها، فلمّا سكت عنه الغضب نظر فإذا صحيفة في ناحية البيت، فيها (بسم الله الرحمن الرحيم* سبّح لله ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم)[25]. واطّلع على صحيفة اُخرى فوجد فيها (بسم الله الرحمن الرحيم * طه* ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى...)[26]. فأسلم بعدما وجد نفسه بين يدي كلام معجز ليس من قول البشر[27]، وهذا يدلّ على أنهم كانوا يكتبون بإملاء الرسول(صلى الله عليه وآله)، وأن هذا المكتوب كان يتناقله الناس.


6 ـ جمع القرآن طائفة من الصحابة على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، هم أربعة على ما في رواية عبدالله بن عمرو، وأنس بن مالك[28]، وقيل: خمسة كما في رواية محمد بن كعب القرظي[29]، وقيل: ستة كما في رواية الشعبي[30]، وكذا عدّهم ابن حبيب في (المحبّر)[31]، وأنهاهم ابن النديم في (الفهرست) إلى سبعة[32]، وليس المراد من الجمع هنا الحفظ، لأنّ حفّاظ القرآن على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله) كانوا أكثر من أن تُحصى أسماؤهم في أربعة أو سبعة، كما تقدّم بيانه في الدليل الأوّل، وفيما يلي قائمة بأسماء جُـمّاع القرآن على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله) وهي حصيلة من جميع الروايات الواردة بهذا الشأن; وهم:


1 ـ اُبي بن كعب.


2 ـ أبو أيوب الأنصاري.


3 ـ تميم الداري.


4 ـ أبو الدرداء.


5 ـ أبو زيد ثابت بن زيد بن النعمان.


6 ـ زيد بن ثابت.


7 ـ سالم مولى أبي حذيفة.


8 ـ سعيد بن عبيد بن النعمان ـ وفي الفهرست : سعد ـ


9 ـ عبادة بن الصامت.


10 ـ عبدالله بن عمرو بن العاص.


11 ـ عبدالله بن مسعود.


12 ـ عبيد بن معاوية بن زيد.


13 ـ عثمان بن عفان.


14 ـ عليّ بن أبي طالب.


15 ـ قيس بن السكن.


16 ـ قيس بن أبي صعصعة بن زيد الأنصاري.


17 ـ مجمع ابن جارية.


18 ـ معاذ بن جبل بن أوس.


19 ـ اُمّ ورقة بنت عبدالله ابن الحارث. وبعض هؤلاء كان لهم مصاحف مشهورة، كعليّ(عليه السلام)وعبدالله بن مسعود.


7 ـ اطلاق لفظ الكتاب على القرآن الكريم في كثير من آياته الكريمة، ولا يصحّ اطلاق الكتاب عليه وهو في الصدور، بل لابدّ أن يكون مكتوباً مجموعاً، وكذا ورد في الحديث عن النبي(صلى الله عليه وآله): إنّي تاركٌ فيكم الثقلين: كتاب الله ، وعترتي[33]، وهو دليل على أنّه(صلى الله عليه وآله)قد تركه مكتوباً في السطور على هيئة كتاب.


8 ـ تفيد طائفة من الأحاديث أنّ المصاحف كانت موجودة على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله)عند الصحابة، بعضها تام وبعضها ناقص، وكانوا يقرأونها ويتداولونها، وقرر لها الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله)طائفة من الأحكام، منها:


عن أوس الثقفي، قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): قراءة الرجل في غير المصحف ألف درجة، وقراءته في المصحف تضاعف على ذلك ألفي درجة[34].


وعن عائشة، عن رسول الله(صلى الله عليه وآله)، قال: النظر في المصحف عبادة[35].


وعن ابن مسعود، عن رسول الله(صلى الله عليه وآله)، قال: أديموا النظر في المصحف[36].


وعن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله(صلى الله عليه وآله): اُعطوا أعينكم حظّها من العبادة، قالوا: وما حظّها من العبادة يا رسول الله؟ قال: النظر في المصحف، والتفكّر فيه، والاعتبار عند عجائبه[37].


وقال(صلى الله عليه وآله): أفضل عبادة اُ مّتي تلاوة القرآن نظراً[38].


وقال(صلى الله عليه وآله): من قرأ القرآن نظراً مُتِّع ببصره ما دام في الدنيا[39].


وكلّ هذه الروايات تدلّ على أنّ اطلاق لفظ المصحف على الكتاب الكريم لم يكن متأ خّراً إلى زمان الخلفاء، كما صرحت به بعض الروايات ، بل كان القرآن مجموعاً في مصحف منذ عهد الرسول(صلى الله عليه وآله) .


ونزيد على ما تقدّم أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) كان لديه مصحف أيضاً، ففي حديث عثمان بن أبي العاص حين جاء وفد ثقيف الى النبي(صلى الله عليه وآله)، قال عثمان: فدخلتُ على رسول الله(صلى الله عليه وآله) فسألته مصحفاً كان عنده فأعطانيه[40]، بل وترك رسول الله(صلى الله عليه وآله) مصحفاً في بيته خلف فراشه ـ لا حسبما صرّحت به بعض الروايات ـ مكتوباً في العسب والحرير والاكتاف، وقد أمر علياً(عليه السلام)بأخذه وجمعه، قال علي(عليه السلام) : آليت بيمين أن لا أرتدي برداء إلاّ إلى الصلاة حتّى أجمعه[41]. فجمعه(صلى الله عليه وآله)، وكان مشتملاً على التنزيل والتأويل، ومرتّباً وفق النزول على ما مضى بيانه.


وجميع ما تقدّم أدلّة قاطعة وبراهين ساطعة، على أنّ القرآن قد كُتب كله على عهد النبي(صلى الله عليه وآله)، تدويناً في السطور علاوة على حفظه في الصدور،وكان له أوّل وآخر، وكان الرسول(صلى الله عليه وآله)يشرف بنفسه على وضع كلّ شيء في المكان الذي ينبغي أن يكون فيه.


إذاً فكيف يمكن أن يقال إنّ جمع القرآن قد تأخّر إلى زمان خلافة أبي بكر، وإنه احتاج الى شهادة شاهدين، يشهدان أنّهما سمعاه من رسول الله(صلى الله عليه وآله).[42] ؟!


[1] راجع نهج البلاغة : الخطبة رقم 198، صبحي الصالح. [2] راجع نهج البلاغة : الخطبة رقم 176 . [3] كما سوف يأتي توضيحه في البحث من خلال تصريحات علماء المسلمين بسلامة القرآن من التحريف. على أنّ المحقق الإمامي الشهير آية الله العظمى السيّد أبا القاسم الخوئي(قدس سره) ـ وهو من كبار علماء الإمامية المعاصرين ـ قد تحدّث بشكل تفصيلي عن هذه الشبهة حين تناولها في الإطار الإسلامي، وانتهى الى الحقّ الذي لا شبهة فيه وهو سلامة النصّ القرآني من التحريف. راجع البيان في تفسير القرآن: 195 ـ 235 وجاء رأي علماء الإمامية مدى القرون والأجيال في كتاب: صيانة القرآن من التحريف للعلاّمة معرفة: 44 ـ 70 ، وفي التحقيق في نفي التحريف: 10 ـ 26 . [4] البخاري ، باب جمع القرآن 6 : 98 . [5] البيان في تفسير القرآن : 247 ـ 249 . [6] راجع علوم القرآن للسيد محمد باقر الحكيم : 105 ـ 106 . [7] البيان : 1 / 85 . [8] مناهل العرفان: 1/242، مسند أحمد: 6/442، ح 22260، تاريخ القرآن للصغير: 80 ، مباحث في علوم القرآن: 121، حياة الصحابة: 3/260، مستدرك الحاكم : 3/356 . [9] الإتقان: 1/250 . [10] المستدرك : 2/611. [11] النساء: 95. [12] كنز العمال: 2 حديث 4340. [13] مجمع الزوائد: 1/152. [14] المستدرك: 2/222، الجامع الصحيح للترمذي: 5/272، تاريخ اليعقوبي : 2/43، البرهان للزركشي: 1/304، مسند أحمد: 1/57 و 69، تفسير القرطبي: 1/60. [15] صحيح البخاري: 6/319، مجمع الزوائد : 9/23، كنز العمال 12، حديث 34214. ولم يرد من طرقنا إلاّ فيما ذكره الشيخ المفيد في الارشاد : 1/181 وانّما عنه في اِعلام الورى ومناقب آل أبي طالب وكشف الغمة. [16] المعارف: 260. [17] الاستيعاب: 3/992. [18] كنز العمال: 1 حديث 2280. [19] المصدر السابق : حديث 2417. [20] المصدر السابق: حديث 2430. [21] الجامع لأحكام القرآن: 1/58. [22] مجمع البيان: 1/84. [23] سنن الدارمي: 2/471، سنن أبي داود: 2/54، الجامع الصحيح للترمذي: 5/196، مسند أحمد : 2/163. [24] مجمع الزوائد: 7/171. [25] الحديد : 1. [26] طه : 1 ـ 2 . [27] الموسوعة القرآنية: 1/352 عن السيرة النبوية لابن هشام : 1/367 ـ 370 وهو النصّ الوحيد عن كتابة قرآنية في مكة قبل الهجرة. [28] مناهل العرفان: 1/236، الجامع لأحكام القرآن: 1/56، اُسد الغابة: 4/216، الجامع الصحيح: 5/666. [29] طبقات ابن سعد 2: ق 2/113، فتح الباري: 9/48، مناهل العرفان : 1/237، حياة الصحابة: 3/221. [30] طبقات ابن سعد 2: ق 2/112، البرهان للزركشي : 1/305، الإصابة: 2/50، مجمع الزوائد: 9/312. [31] المحبر: 286. [32] الفهرست: 41. [33] صحيح مسلم : 4/1873، سنن الترمذي: 5/662، سنن الدارمي: 2/431، مسند أحمد: 4/367 و 371 و 5 ح 182، المستدرك: 3/148. [34] مجمع الزوائد : 7/165، البرهان للزركشي: 1/545. [35] البرهان للزركشي: 1/546. [36] مجمع الزوائد: 7/171. [37] كنز العمال 1: حديث 2262. [38] المصدر السابق: حديث 2265 و 2358 و 2359. [39] المصدر السابق: حديث 2407. [40] مجمع الزوائد : 9/371، حياة الصحابة: 3/244. [41] كنز العمال 2: حديث 4792. [42] نقلاً عن سلامة القرآن من التحريف / اصدار مركز الرسالة : 87 ـ 95 .


/ 6