مصطلحات قرآنية - مصطلحات قرآنیة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

مصطلحات قرآنیة - نسخه متنی

سیدمرتضی عسکری

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

مصطلحات
قرآنية


بسم اللّه
الرّحمن الرّحيم

المقدّمة


عند دراسة النتاج
الضخم لسماحة آية اللّه العلاّمة مرتضى العسكري، نكتشف منذ الوهلة الاُولى
اهتمامه بدراسة وتعريف المصطلحات في كل حقل من حقول البحث الّتي يتناولها في
دراساته. فالمصطلح عند السيِّد العلاّمة ضرورة من ضرورات البحث، ومقدّمة
أساسيّة لا يمكن تجاوزها من أجل الوصول إلى النتائج العلميّة الموثقة
المطابقة لحقيقة الفكر الاسلامي.


وعلى هذا فان
دراسة المصطلح وتقديم مفهومه الصحيح، يمثل منهجا ثابتا في المشروع الفكري
للسيِّد العسكري، والّذي يهدف فيه إلى إعادة الاصالة إلى التراث الاسلامي،
وتصحيح المفاهيم والعقائد والاراء الّتي لحق بها التحريف
والتشويه.


إنّ أهميّة
المصطلح كما يراها العلاّمة العسكري، جعلته يبذل جهودا علميّة كبيرة في دراسة
وتعريف المصطلحات بشكل موضوعي دقيق، بحيث شكلت دراساته في هذا الخصوص مادّة
ثقافيّة موثقة تساهم بشكل أكيد في فهم وتوجيه الدراسات العقائديّة
والتاريخيّة وغيرها من حقول المعرفة الاسلاميّة. وهو بذلك يسجِّل سبقا آخر في
الدراسات العلميّة يضاف إلى جهوده الرائدة في مجالات العقيدة والتاريخ
والحديث وعلوم القرآن.


نظريّة
العلاّمة العسكري في المصطلحات


قد يتصوّر البعض
أن المصطلح له أهميّته في مجالات محدودة من حقول المعرفة فحسب، ولا يمكن
تعميم هذه الاهميّة على كل مجالات الثقافة. لكن السيِّد العلاّمة يرفض هذا
الرأي بشكل قاطع، ويؤكد على أن المصطلح له أهميّته في كل الحقول المعرفية،
وينطلق في ذلك من مرتكزين أساسيين:


الاوّل: انّ
الاسلام عقيدة متكاملة غير قابلة للتجزئة والتفكيك، وأن لكل مدرسة فكريّة
وعقائديّة مصطلحاتها وللاسلام مصطلحاته الخاصّة، وانّ هذه المصطلحات أساس
ثابت من مفاهيمه وثقافته. والتراث الاسلامي لا يعاني من أي نقص في هذا
المجال، فهو غني بالمصطلحات سواء المصطلحات الاسلاميّة الشرعيّة الّتي جاءت
في القرآن الكريم وحديث الرّسول (ص)، أو مصطلحات المتشرّعة الّتي أطلقها
علماء المسلمين في مختلف العصور.


الثاني: ان فهم
الاسلام الاصيل لا يمكن أن يتحقق إلاّ من خلال فهم الاُصول العقائديّة التي
جاءت في القرآن الكريم وسنّة الرّسول (ص). وأن لهذه الاُصول مصطلحاتها
الخاصّة الّتي عن طريق فهم معانيها الحقيقية يتسنى لنا فهم واستيعاب عقائد
الاسلام ومفاهيمه على النحو السليم بعيدا عن التشويه والخلل. وهذا ما يمكن
اكتشافه في بحوث العلاّمة العسكري في المواضيع الّتي بحثها في مجالات العقيدة
والتاريخ وعلوم القرآن وغيرها من مجالات المعرفة الّتي نشأ الخلاف حولها بين
المسلمين.


إنّ نظريّة
العلاّمة العسكري حول المصطلحات يمكن أن نطلق عليها تسمية (وثائقيّة
المصطلح)، وخلاصتها أنه جعل من المصطلح أداة للتوثيق في مجالات العقيدة
والمفاهيم والاحكام الاسلامية. حيث يدرس سماحته تاريخ المصطلح من الناحية
الزمنيّة وفترات استخدامه، وتطوّر دلالاته ومعانيه.


كما أنه يدرس
دائرة استخدام المصطلح الجغرافيّة، ويؤكد على ضرورة التمييز بين هذه
المصطلحات بحسب البلدان المتداولة فيها، ويضع سماحته ضابطة جغرافيّة لمثل هذه
المصطلحات، حتى لا تكون مطلقة غير مقيّدة، فهي ليست من اصطلاح المسلمين أو
عرف المتشرعة، بل هي خاصّة ببلد معيّن، مما يستدعي ذكر الاصطلاح مقرونا باسم
البلد.


وفي هذا السياق
أيضا يرى العلاّمة العسكري ضرورة التمييز بين الاصطلاحات المتداولة لدى مذهب
من المذاهب الاسلاميّة أو لدى فرقة تنتمي إلى الاسلام، فهناك تسميات خاصّة
بها، وهي ليست من اصطلاح المسلمين، بل أن لها معنى يختلف تماما عن المعنى
المتعارف عليه عند غيرهم من المسلمين. الامر الّذي يتطلب التعامل مع كل لفظ
من هذه الالفاظ بالمعنى المستخدم عند المذهب أو الفرقة المتداول لديها. وهنا
يرى سماحة العلاّمة ضرورة تسمية مثل هذه الاصطلاحات مقرونةً باسم المذهب
والفرقة، فيقال: (هذا اصطلاح مدرسة أهل البيت)، و(هذا اصطلاح مدرسة الخلفاء)،
و(هذا اصطلاح الخوارج).


إن هذا المنهج
الّذي أسّسه العلاّمة الكبير مرتضى العسكري في دراسة المصطلحات، منهج رائد،
وإبداع كبير تفرد به في مجال التوثيق التاريخي يضاف إلى إبداعاته المشهودة
منذ أكثر من نصف قرن من الزمن.


ولقد قدّم
العلاّمة العسكري في ضوء هذا المنهج، المفاهيم الاصيلة للعقيدة الاسلاميّة،
كما يجدها الباحث والقارئ في كتابه (عقائد الاسلام من القرآن الكريم) الذي
صدر منه إلى الان الجزءان الاوّل والثّاني. ففي هذا الكتاب قدّم السيِّد
العلاّمة دراسة موسعة، عرّف فيها المصطلحات بشكل دقيق، بحيث شكّلت مقدّمة
علميّة لها أهمِّيتها الكبيرة في تعريف عقائد الاسلام كما وردت في القرآن
الكريم.


والامر نفسه يجده
الباحث والقارئ في كتاب سماحته (القرآن الكريم وروايات المدرستين) حيث برهن
السيِّد العلاّمة من خلال دراسة المصطلحات القرآنيّة في مجلده الاوّل وبمنطق
علمي لا يقبل الشك، مدى الخطأ الكبير الّذي وقع فيه قسم من المسلمين في علوم
القرآن، وأثر ذلك في مجال العقيدة، نتيجة تغيير معاني بعض المصطلحات عما كانت
عليه في عصر الرّسول (ص) والصحابة وأئمّة أهل البيت (ع).


فعلى سبيل المثال
ناقش سماحته في المجلد الثاني من هذا الكتاب، روايات مدرسة الخلفاء الّتي
أسندت إلى الرّسول (ص) أنه أجاز تبديل أسماء اللّه في القرآن الكريم بعضها
ببعض. فعقد العلاّمة العسكري دراسة مقارنة بين موارد استعمال اسمي (الاله)
و(الربّ) وأثبت مبلغ بُعد هذا القول عن الصواب، وعدم صحّة نسبة تلك الروايات
إلى رسول اللّه (ص) وصحابته.


إنّ هذا النموذج
الّذي ذكرناه عن منهج البحث عند العلاّمة العسكري في خصوص المصطلحات يكشف لنا
أن قسما كبيرا منها لم يستوعب بشكلها الصحيح، ولنا أن نقدّر حجم الخلل في هذا
المجال إذا ما عرفنا أن هناك الكثير من المصطلحات المتداولة بين المسلمين قد
تبدّلت معانيها إلى معان أُخرى.


وفي كتاب (معالم
المدرستين) بأجزائه الثلاثة، درس العلاّمة العسكري ضمن المنهج نفسه، الكثير
من المصطلحات المتداولة في التراث الاسلامي، وبرهن على الخطأ الّذي وقع فيه
علماء مدرسة الخلفاء في عدد من الاحكام والمفاهيم الاسلاميّة، كالخمس
والغنيمة والصحبة والاجتهاد وغير ذلك من المصطلحات الّتي تتأسّس عليها الكثير
من المفاهيم والعقائد والاحكام الشرعيّة.


لقد أثبت
العلاّمة العسكري بما لايقبل الشّك، وبمنطق البحث العلمي الموضوعي أن دراسة
المصطلحات الاسلاميّة، تمثل ضرورة من ضرورات البحث العلمي، وأنها المقدّمة
الاساسيّة لفهم عقائد الاسلام ومفاهيمه فهماً أصيلاً، إضافة إلى دور المصطلح
في عمليّة التوثيق التاريخي، وهو ما يحتاج إلى دراسة خاصّة حول نظريّة
العلاّمة العسكري في التوثيق التاريخي من خلال دراسة
المصطلحات.


وانطلاقا من
أهميّة فهم المصطلحات الاسلاميّة فهماً صحيحاً كما قدّمها العلاّمة الكبير
حفظه اللّه، قمنا بمراجعة نتاج سماحته، حيث استخرجنا منها بحوثه حول
المصطلحات الاسلاميّة، من أجل أن تكون في متناول أبناء الاُمّة الاسلاميّة،
والباحثين الاسلاميين، فهي تمثل قيمة علميّة كبيرة، وحصيلة جهد علمي طويل زاد
على نصف قرن من الزمن.


نسأل اللّه تعالى
أن يحقق بهذا الكتاب الفائدة المرجوّة وأن يتقبّل منّا هذا المجهود الضئيل،
انّه نعم المولى ونعم النصير.


سليم
الحسني


21 رمضان 1418
ه .ق


اللّغة
العربيّة
والمُصْطلحات
الاسلاميّة


أوّلاً ـ
تعريف المُصْطلحات وهي:


أ ـ لغة
العرب.


ب ـ
المصطلح الشرعيّ أو المصطلح الاسلامي.


ج ـ مصطلح
المتشرّعة أو مصطلح المسلمين.


د ـ
الحقيقة والمجاز.


ونسمِّي الاوّل
أحياناً بـ (تسمية العرب)، والثاني بـ (تسمية الشارع) والثالث بـ (تسمية
المسلمين) ونقول:


أ ـ لغة
العرب:


إنّما نتحدّث عن
لغة العرب، لانّ القرآن نزل بلغتهم، فنقول:


إنّ جلّ الالفاظ
العربيّة الّتي نستعملها اليوم، كانت شائعة في معانيها قبل الاسلام وبعد
الاسلام حتّى اليوم، مثل: الاكل والنوم واللّيل والنهار.


ومن تلكم الالفاظ
ما ورد في لغة العرب في معان متعدّدة، مثل لفظ: (غنم) الّذي كان في البدء
بمعنى كسب الغنم، ثمّ استعمل أيضاً في لغة العرب بمعنى الفوز بالشيء بلا
مشقّة، ثمّ استعمل في الاسلام في الفوز بالشيء مطلقاً، سواء أكان الفوز
بمشقّة أم دون مشقّة.


وقد يرد لفظ عند
قبيلة بمعنى، وعند اُخرى بمعنى آخر، مثل (الاثلب) فإنّه في لغة أهل الحجاز:
الحجر، وفي لغة تميم: التراب(1).


وفي عصرنا يستعمل
لفظ: (المبسوط) ويراد به عند العراقيين: المضروب، ولدى الشاميّين
واللّبنانيّين: المسرور، وفي مثل هذه الحالة يجب أن نقول مثلاً: (الاثلب) في
لغة تميم بمعنى كذا، وفي لغة الحجازيين بمعنى كذا، وكذلك الامر في
(المبسوط).


ب ـ المصطلح
الشرعي أو ((المصطلح الاسلامي)):


عندما بعث اللّه
خاتم أنبيائه (ص) استعمل بعض الالفاظ العربيّة في غير معانيها الشّائعة لدى
العرب، مثل: (الصلاة) الّتي كانت تستعمل في مطلق (الدعاء) واستعملها رسول
اللّه (ص) في عبادة خاصّة لها قراءات خاصّة مقارنة بأفعال خاصّة من قيام
وركوع وسـجود، ممّا لم تكن معروفة لدى العرب. وهذا ما نسمّيه بـ(المصطلح
الشرعي أو الاسلامي) سواء في ذلك أغُيّر المعنى اللّغوي للّفظ مثل (الصّلاة)
أم جاء الشّارع الاسلاميّ بلفظ جديد في معنى جديد، مثل: (الرّحمن) صفة للّه
تعالى.


ويعرف (المصطلح
الشرعي) بورود اللّفظ في معناه في القرآن الكريم أو الحديث النبويّ الشريف،
وبدون ذلك لا يوجد المصطلح الشرعي.


إذاً فالمصطلح
الشرعيّ: ما استعمله الشارع في معنى خاصّ وبلّغ الرسول (ص)
ذلك.


ج ـ مصطلح
المتشرِّعة أو ((تسمية المسلمين)):


من الالفاظ ما هي
شائعة في معان خاصّة بها لدى المسلمين عامّة مثل: (الاجتهاد) و(المجتهد)
الشائعَين لدى عامّة المسلمين في الفقه والفقيه، وكان اللّفظان في لغة العرب
بمعنى بذل الجهد في طلب الامر(2)، وباذل الجهد، واسـتعملا بنفس المعنى
اللّغـوي في حديث الرسول (ص) كما روي عن رسول اللّه (ص) أنه
قال:


((فضل العالم على
المجتهد مائة درجة))، أي على المجتهد في العبادة(3).


وفي ما روي عن
سيرته (ص) وقيل:


كان رسول اللّه
يجتهد في العشر الاواخر ما لا يجتهد في غيره(4).


ولم يرد
(الاجتهاد) و(المجتهد) بمعنى: الفقه والفقيه، في القرآن الكريم ولا الحديث
النبويّ الشريف، ونسمّي هذا النوع من التسمية بـ (عرف المتشرِّعة) و(تسمية
المسلمين).


ومن هذا النوع من
التسمية ما لايكون شائعاً لدى عامّة المسلمين، بل يكون شائعاً لدى بعضهم، مثل
كلمة: (صوم زكريّا) المستعمل لدى بعض المسلمين في الصّوم مع الالتزام بالصّمت
والامتناع عن التكلّم. وهذا النوع من المصطلح ينبغي أن نسمّيه باسم البلد
الشائع فيه، فنقول:


هذا اصطلاح
المسلمين من أهل بغداد، أو اصطلاح المسلمين في القاهرة مثلاً، ولا يصحّ أن
نسـمِّيه بـ (اصطلاح المسلمين) أو (عرف المتشرّعة) أو (تسمية المسلمين)
مطلقاً وبدون تقييد.


وكذلك الامر
بالنسبة إلى التسمية الشائعة لدى أهل مذهب من المذاهب الاسلاميّة أو لدى فرقة
تنتمي إلى الاسلام.


مثل: (الشاري)
و(المشرك) لدى الخوارج؛ فـ (الشاري) عندهم بمثابة المجاهد عند كافّة
المسلمين، و(المشرك) عندهم: جميع المسلمين وكلّ من لا ينتمي إلى
الخوارج.


ومثل (الرافضي)
الّذي ينبز به بعض أتباع مدرسة الخلفاء بعض أتباع مدرسة أهل البيت
(ع).


و(الناصبيّ) عند
أتباع مدرسة أهل البيت (ع) الّذي يسمّون به: كل من يبغض الائمة من أهل البيت
(ع).


وفي مثل هذه
الحالة، نسمّي الاول بـ (اصطلاح الخوارج) والثاني بـ(اصطلاح مدرسة الخلفاء)
والثالث بـ (اصطلاح مدرسة أهل البيت).


وبناء على ما
ذكرنا، فإذا ورد لفظ (الناصبيّ) لدى أتباع مدرسة الخلفأ لا ينبغي أن نفهم منه
أعداء أهل البيت (ع). وكذلك إذا ورد لفظ (الشاري) عند غير الخوارج لا نفهم
منه ما اصطلح عليه الخوارج.


د ـ الحقيقة
والمجاز:


إذا شاع استعمال
اللّفظ في معناه، بحيث لم يتبادر إلى ذهن السّامع عند استماع الكلمة غير ذلك
المعنى، مثل لفظ: (الاسد) الّذي يفهم منه: الحيوان المفترس، لا غيره. ومثل
لفظ: (الصلاة) الّتي لا يفهم منها لدى المسلمين غير: القيام بالاعمال الخاصّة
المقرونة بأذكار خاصّة.


في مثل هذه
الحالة، يوصف (الاسد) بأنّه حقيقة في الحيوان المفترس، و(الصلاة) بأنّها
حقيقة في الاعمال المخصوصة، ويسمّى الاول بـ (الحقيقة اللغوية) والثاني بـ
(الحقيقة الشرعيّة).


وقد يستعمل لفظ
(الاسد) ويقصد به: الرجل الشجاع، ويقال: رأيت أسداً يتكلّم في المسجد. وهذا
الاستعمال يسمّى استعمالاً مجازياً ويقال: استعمل (الاسد) مجازاً في الرجل
الشّجاع. ولابدَّ عند ذلك من وجود قرينة في الكلام أو في المقام، تدلّ على
أنّه لم يقصد من (الاسد) المعنى الحقيقي، مثل قولك هنا: (يتكلّم في المسجد)
فإنّ الاسد لا يتكلّم، وهذه قرينة على أنّ القائل لم يقصد الحيوان المفترس،
وإنّما قصد رجلاً شجاعاً.


ثانياً ـ
كيفيّة تأليف مجاميع اللّغة العربيّة:


عندما قام علماء
اللّغة العربيّة بتدوين اللّغة العربيّة في القرنين الثاني والثالث
الهجريّين، سجّلوا أمام كلّ لفظ ما وجدوا له من معنى، منذ العصر الجاهليّ إلى
زمانهم، سواء أكان ذلك المعنى شائعاً عند أهل اللغة أم في الشرع الاسلامي، أو
لدى المسلمين، غير أنَّ فقهاء المسلمين بذلوا جهداً مشكوراً مدى القرون في
تحديد المصطلحات الاسلاميّة الفقهيّة وتعريفها، مثل مصطلح الصلاة والصّوم
والحجّ وغيرها، فأصبحت المصطلحات الاسلاميّة الفقهية معروفة لدى جميع
المسلمين. ولمّا لم يبذل نظير ذلك الجهد في تعريف المصطلحات الاسلاميّة غير
الفقهية، أصبح بعض المصطلحات غير معروف لدى المسلمين، أهي من نوع الاصطلاح
الشرعيّ؟ أم من نوع تسمية المسلمين واصطلاح المتشرِّعة. وأدَّى ذلك إلى
اللَّبس والغموض في إدراك المفاهيم الاسلاميّة، وأحياناً في معرفة بعض
الاحكام الشرعية، نظير ما وقع في لفظَي الصحابيّ،
والصحابة.


مُصطلحات
الاُلوهيّة والربوبيّة


الاسم


الاله


الرّبّ


ذو العرش وربّ
العرش


الكرسيّ


اللّه


القيّوم


الرّحمن
الرّحيم



العِبادة
الاسْمُ


للاسم في لغة
العرب معنيان:


أ ـ اللّفظ الذي
يدلُّ على مسمّى به يُمَيَّزُ ويعرف. مثل: مَكَّةَ علمٌ للبلد الذي فيه
الْكَعْبَةُ بَيْتُ اللّه الْحَرَامِ، وأسماء الاشخاص في عصرنا: كَيُوسُفَ
وَفَيْصَلٍ وَعَبَّاسٍ... الخ.


ب ـ اللّفظ الذي
يدلُّ على حقيقة المسمَّى أو صفته. مثل: (اسم) في قوله تعالى: (سَبِّحِ اسمَ
رَبِّكَ الاعْلَى). (الاعلى / 1)


إذ ليس معنى
(اسْم رَبِّك) هاهنا لفظ رَبِّكَ فيكون المعنى: سبِّح لفظ ربِّك، وإنّما
معناه صفة رَبِّكَ فيكون المعنى: سبِّح صفة رَبِّكَ، أي نَزِّه رُبُوبِيَّةَ
رَبِّكَ الاعْلَى عمّا لا يليق بذكره.


ومن هذا الباب
قوله تعالى: (وعَلَّمَ آدَمَ الاسْمَاء كُلَّها). (البقرة / 31) وليس معنى
الاسماء التي علّمها اللّهُ لادَمَ خَليفَتِهِ أسماء عواصم البلدان: بَغْداد
وطَهْرَان ولَنْدَن، وأعضاء جسد الانسان: العَيْن والرَّأس والرَّقَبَة،
وأسماء الفواكه: التِّين والزِّيتون والرمَّان، والاحجار: الياقُوت والدُّرِّ
والزَّبَرْجَد، والمعادن: الذَّهَب والفِضَّة والنُّحاس والحَديد... إلى ما
لا يحصى من الالفاظ التي سمّى البشر بها الاشياء بلغاتهم، وإنّما القصد أنّه
علّمه صفات الاشياء وحقائقها.


الاله


أوّلاً ـ في
معاجم اللّغة:


موجز ما في
المعاجم حول الـ ((إله)):


((إله)) على وزن
كتاب من مادة أَلِهَ يألَه بمعنى عبد، يعبد، عبادة: أي أطاع إطاعة بتذلّل
وخضوع، ثمّ إنّ لفظ ((إله)) كـ ((كتاب)) مصدر واسم مفعول معا، فكما أنّ
الكتاب مكتوب، فإنّ الذي جاء بمعنى ((مألوه)) يأتي أيضا بمعنى: معبود أو
مُطاع.


إذا إله في
اللّغة يعني:


1 ـ العبادة، أي:
الاطاعة المطلقة بتذلّل وخضوع.


2 ـ المعبود
والمُطاع.


كان ذلكم معنى
(إله) في اللّغة.


ثانيا ـ في
محاورات العرب:


جاء الاله في
محاورات العرب بمعنيين:


1 ـ أَلِهَ: أي
أجرى للمعبود العبادات الدينية مثل: الصّلاة والدّعاء وتقديم القرابين.
و(إلاها) على وزن كتابا: بمعنى المألوه أي المعبود الذي يُعبَد وتُجرى له
الطقوس الدينية كما أن الكتاب يرد بمعنى المكتوب. والعرب تسمِّي كل ما يُعبد:
(إلها)، وجمعها: (الالهة) خالقا كان ذلك الاله أو مخلوقا، مثل الاصنام
والتماثيل والشمس والقمر والابقار التي يعبدها الهنود.


2 ـ يأتي الاله
أحيانا بمعنى المُطاع(5) كما جاء في القرآن الكريم في قوله
تعالى:


أ ـ في سورة
الفرقان:


(أرَأيتَ مَنِ
اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ علَيهِ وَكيلاً) (الاية
43).


ب ـ في سورة
الجاثية:


(أَفَرَأَيتَ
مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللّهُ على عِلْمٍ) (الاية
23).


والمعنى في
الايتين: (أَرَأَيتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَوَاه): أي أطاع هوى نفسه، ويدل
على ذلك قوله تعالى في سورة القصص:


(وَمَن أَضَلُّ
مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيرِ هُدىً مِنَ اللّهِ) (الاية
50).


ج ـ في سورة
الشعراء في حكاية قول فرعون لموسى (ع) :


(لَئِن اتَّخَذتَ
إلها غَيرِي لاَءجعَلَنَّكَ مِنَ المسجُونين) (الاية 29).


ويدلّ على ذلك
(أي على أنّ فرعون وقومه كانت لهم آلهة يعبدونها) ما حكى عنهم سبحانه وتعالى
في سورة الاعراف فقال: (وَقَالَ الَملا مِن قَومِ فِرعَونَ أَتَذَرُ مُوسى
وَقَومَهُ لِيُفسِدُوا في الارضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ) (الاية
127).


إنّ الالهة التي
ذكرت هنا كانت معبودات فرعون وقومه، يقرّبون لها القرابين ويُجرون لها الطقوس
الدينيّة. أمّا فرعون نفسه فقد كان إلها، أي مُطاعا.


ومن المحتمل أنّ
فرعون ـ أيضا ـ كان يدَّعي لنفسه الاُلوهيّة بالمعنى الاوّل، كما جاء عن بعض
الاقوام أنهم كانوا يزعمون انّ ملوكهم من سلالة الالهة (شمسا كانت أو غيرها)،
ويجرون لهم بعض الطقوس العباديّة.


ثالثا: في
القرآن الكريم:


بالاضافة إلى ما
ذكرناه نجد أنّ صفة الخالقيّة أبرز صفةٍ للاله في القرآن الكريم، ولذا نجدهُ
بعد قوله تعالى:


(ما خَلَقْنَا
السَّمواتِ والارْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلا بالحَقِّ).


يسأل الكفّارَ
ويقول:


(قُلْ
أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دونِ اللّهِ أروني ماذا خَلَقوا مِنَ
الارْضِ أمْ لَهُمْ شِرْكٌ في السَّمواتِ ائتوني بِكتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أوْ
أثارةٍ مِنْ عِلْمٍ


إِنْ كُنْتُمْ
صَادِقِين). (الاحقاف / 4) وكذلك الامر في قوله تعالى:


أ ـ (واتَّخَذوا
مِنْ دونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئا وَهُمْ يُخْلَقُونَ).(الفرقان /
3).


ب ـ (أَفَمَنْ
يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُون). (النحل /
17).


ج ـ (والَّذِينَ
يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئا وَهُمْ
يُخْلَقُونَ).


(النحل /
20)


د ـ
(أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئا وَهُمْ يُخْلَقُون). (الاعراف /
191).


هـ ـ (أَمْ
جَعَلُوا للّهِ شُرَكَاء خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الخَلْقُ
عَلَيْهِمْ قُلِ اللّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْء وَهُوَ الوَاحِدُ القَهَّار).
(الرّعد / 16).


و ـ (أَرُوني
مَاذَا خَلَقوا مِنَ الارْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ في
السَّموات).


(فاطر /
40)


ز ـ (إِنَّ
الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابَا وَلَوِ
اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبهُمُ الذُّبَابُ شَيْئا لا يَسْتَنْقِذُوهُ
مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالَمطْلُوب). (الحج / 73)


في كل هذه الايات
نرى اللّه سبحانه وتعالى يتحدَّى المشركين في خالقيَّة آلهتهم ويؤكّد سبحانه
أنّ تلك الالهة لم تخلق شيئا بنفسها


منفردة ولم تشترك
مع اللّه في خلق شيء.


ويسأل اللّهُ
جلَّ شأنه في الايتين هـ ـ و الماضيتين عمّا خلقت تلكم الاصنام التي
يدعونها بالالهة من مخلوقات الارض: هل كانوا شركاء في خلق
السّموات؟


هل اتّخذ
المشركون للّهِ شريكا، خلق مثل خلق اللّه، فاشتبه الامر عليهم في
الاُلُوهيَّة؟


ويسأل في الايات
الاُخرى:


هل الذي يخلق ـ
وهو اللّه سبحانه وتعالى ـ كمن لا يخلق ـ كالاصنام التي يعبدونها ـ على حدٍّ
سواء؟


ويصل التحدِّي
إلى مداه في الاية الاخيرة حين يقول:


إنّ الذين
اتّخذتموهم آلهة من دون اللّه ضعفاء إلى حدِّ أنّهم لايستطيعون أن يخلقوا
الذَّباب ذلك المخلوق المهين، بل إنّ عجزهم أكبر من ذلك، فإنّ ذلك المخلوق
الضعيف المهين إن سلبهم شيئا لا يستطيعون إنقاذ حقّهم منه.


ونستنتج من كل
ذلك أنّ القرآن الكريم قد حصر (الاُلُوهيَّة) باللّه سـبحانه، واستدلّ على
ذلك بأنّ كل ما يُتَّخَذُ من دون اللّه من آلهة لا يستطيعون أن يخلقوا
شيئا.


إذا يتّضح أن
أبرز صفة في (الاله) هي: (الخالِقيَّةُ).


ويزيد الامر
وضوحا الايات التالية:


(ذلِكُمُ اللّهُ
رَبُّكُم لا إلهَ إلاّ هَوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْء فَاعْبُدُوه). (الانعام /
102).


هكذا ينحصر خلق
كلِّ شيء باللّه، فلا إله إلاّ هو، وينحصر كلُّ إيجادٍ به أيضا، كما قال
سبحانه:


أ ـ (قُلْ
أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدَا إِلى يَوْمِ
القِيَامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللّهِ يَأتِيكُمْ بضِيَاء أَفَلا
تَسْمَعُونَ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ
سَرْمَدَا إِلى يَوْمِ القِيَامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللّهِ يَأتِيكُمْ
بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُون). (القصص / 71،
72)


وكذلك يسخر
القرآن من عقائد من اتّخذ إلها غير اللّه لينفعه في جانب ما في الكون كما
يأتي:


ب ـ
(وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُون). (يس /
74)


ج ـ
(وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزَّا). (مريم
/ 81)


د ـ (أَمِ
اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الارْضِ هُمْ يُنْشِرُون). (الانبياء /
21)


هـ ـ (أَمْ
لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا). (الانبياء /
43)


و ـ (فَمَا
أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ مِنْ
شَيْء).


(هود /
101)


ز ـ (قُلْ لَوْ
كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ إِذَا لابْتَغَوا إِلى ذي العَرْشِ
سَبيلا).


(الاسراء /
42)


والانبياء كانوا
يقولون:


(أَأَتَّخِذُ
مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لاتُغْنِ عَنِّي
شَفَاعَتُهُمْ شَيْئا وَلا يُنْقِذُون). (يس / 23).


كان ذلكم منطق
القرآن ومنطق الانبياء في شأن الالهة؛ ولكن الكفّار كانوا يعتقدون أنّ آلهتهم
تؤثّر في الكون ويطلبون منها إنزال المطر وإنبات النبات وشفاء المرضى
والاغناء منالفقر والنصرة على الاعداء، ويتقرّبون إليها بتقديم القرابين
وإجراء بعض الطقوس الدينية لها، وخاطب بعضهم هودا وقال له:


(إنْ نَقُولُ
إِلاّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوء). (هود / 54)


وتعدّدت الالهة
لدى بعض الاُمم: فللمطر إله وللرّياح إله وللنبات إله، وهكذا لغيرها آلهة في
ما يعتقدون. ولكن الْقُرآنَ الكَريمَ يقيم الدليل تلو الدليل على بُطلان
تعدّد الالهة ويقول:


(قُلْ لَوْ كَانَ
مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذَا لاَبْتَغَوا إِلى ذي العَرْشِ سَبيلا).
(الاسراء / 42)


أي لشاركوا
اللّهَ في تدبير أمر العالم من خلق الخلق و... و... و...


ولمّا لم يفعل
أيُّ من الالِهَةِ شيئا من ذلك علمنا أنّ اللّه واحدٌ، أحدٌ، صمدٌ، لم يلد،
ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد.


إذ لو كان له ولد
أو صاحبة لشاركاه في شيء من القدرة إلى حدٍّ ما، وصدق اللّه حيث
يقول:


(إنّما اللّهُ
إِلهٌ واحِدٌ سُبْحَانَهُ أنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ). (النِّساء /
171)


ويقول:


(لَقَدْ كَفَرَ
الّذينَ قالُوا إنّ اللّهَ ثالِثُ ثَلاثةٍ وما مِن إلهٍ إلاّ إلهٌ
واحِد).


(المائدة /
73)


ويقول:


(مَا اتَّخَذَ
اللّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِله). (المؤمنون /
91)


(وإِذْ قَالَ
اللّهُ يا عيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُوني
وَأُمِّيَ إِلهَينِ مِنْ دُونِ اللّه). (المائدة / 116)


(وَقَالَ اللّهُ
لا تَتَّخِذوا إِلهين اثْنَينِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ). (النّحل /
51)
ونلخِّص ما تقدّم
بالقول:


إنّ الاله في
المصطلح الاسلامي من أسماء اللّه الحسنى، ومعناه: المعبود، وخالق الخلق. وقد
جاء في القرآن الكريم بالمعنى اللغوي مع وجود قرينة تدلّ على أنَّ المقصود
معناه اللغوي، مثل قوله تعالى في سورة الحجر: (الّذينَ يَجعَلُونَ مَعَ
اللّهِ إلها آخَرَ) (الاية 96).


فإنّ لفظي: (آخر)
و(مع اللّه) في الاية يدلاّن على أن المقصود من الاله: معناه اللغوي: المطاع
والمعبود، وجاء مطلقا في معناه الاصطلاحي في آيات كثيرة اُخرى من القرآن
الكريم، والتي تحصر الاُلوهيّة في اللّه سبحانه.


واجمع القول في
معنى الاله ما نقله ابن منظور في مادة (إله) من لسان العرب عن أبي الهيثم أنه
قال:


قال اللّه عزّ
وجلّ: (ما اتَّخذَ اللّهُ من وَلَدٍ وما كان معه من إلهٍ إذا لَذَهَبَ كُلُّ
إلهٍ بما خَلَقَ). قال: ولا يكون إلها حتى يكون مَعْبُودا، وحتى يكونَ لعابده
خالقا ورازقا ومُدبِّرا، وعليه مقتدرا، فمن لم يكن كذلك فليس بإله، وإن
عُبِدَ ظُلْما، بل هو مخلوق ومُتَعَبَّد.


الرَّبُّ


أَلرَّبُّ: من
أهم المصطلحات الاسلاميّة، وفهمه ضروري لفهم كثير من الايات القرآنيّة التي
يدور البحث فيها حول الربوبيّة وما يتّصل


بها.


ونحن المسلمون
نكرّر تلاوة الاية الشريفة: (الحَمْدُ للّهِ رَبِّ العَالَمِين) يوميا مع
غفلة عن معناها، ولا يتّضح لنا معناها ومعنى كثير من الايات القرآنية أمثالها
ما لم يتّضح لنا معنى الرَّبِّ، وعلى فهم معنى مصطلح (الرَّبِّ) تتوقّف ـ
أيضا ـ معرفة توحيد اللّه ومعرفة الرَّسول (ص) والوصِيِّ (ع) وأمثالها من
مصطلحات عقائد الاسلام.


الرَّبُّ في
اللّغة:


قال الرَّاغِبُ
(ت: 502 هـ):


الرَّبُّ في
الاصل التربية: وهو إنشاء الشيء حالاً فحالاً إلى حدّ
التمام.


فمن مارس أمر
تربية حيوان أو إنسان ـ منذ بداية وجودهما حتّى يبلغا درجة الكمال في وجودهما
ـ كان مربِّيا لهما، وأضاف أكثر علماء اللّغة إلى معنى المربِّي معنى
التملّك، أي إنّ الرَّبَّ يملك المربوب(6).


وقال الرّاغِب:
إنّ العرب استعاروا لفظة الرَّبِّ ـ المصدر ـ واستعملوها في اسم الفاعل(7)،
وبناء على ما ذكرناه فإن ربّ الشي: هو المالك المدبِّر المربِّي
له(8).


وربُّ الدَّجاج
مالكه ومن يرعى بيض الدَّجاج في الحقل حتّى تفرخ، ثمّ يطعم الفراخ ويسقيها
ويكافح أمراضها حتّى تبلغ درجة الكمال


في وجودها وتصبح
كلُّ منها دجاجة بالغة.


وكذلك يسمّى مالك
البيت ربَّ البيت ويسمّى ـ أيضا ـ المدبِّرُ لكلِّ اُمور البيت: ربَّ البيت،
ويقال لمربِّي كلّ شيء: ربُّ ذلك الشي.


وبناء على ما
ذكرنا يكون معنى (الحَمْدُ للّهِ رَبِّ العَالَمين) في سورة الفاتحة: الحمدُ
للّهِ مالك جميع أفراد الخلق ومربِّيها حتّى يبلغ كلّ فرد منها درجة كمال
وجوده.


ويضاف الرَّبُّ
إلى مربوبيه في الكلام في ما عدا اللّه، ويقال: رَبّ الفرس، وربّ الدجاج،
وربّ البيت. وإذا ورد لفظ الرَّبّ في الكلام غير مضاف إلى شيء مثل قوله
تعالى: (بلدةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبُّ غَفُورٌ) (سبأ / 15)، اُريد بـ (الرَّبّ)
عندئذ: اللّه وحده جلّ اسمه.


وقال
الرّاغِبُ:


إذا كان لمعنى
اللّفظ جزءان، استعمل تارة في الجزءين معا، واُخرى في أحدهما منفردا، مثل:
المائدة، إسما للخُوان والطّعام الذي عليه، فإنّه يستعمل تارة في: الخُوان
والطعام الذي عليه واُخرى في الخُوان وحده، أو في الطّعام
وحده(9).


وفي ما نحن فيه
يستعمل الرَّبّ تارة في المالك المربِّي، واُخرى في المربِّي وحده، وأحيانا
في المالك وحده.


ومع ملاحظة معنى
الرَّبّ وموارد استعماله في كلام العرب يتيسّر لنا أن نعي معارك الانبياء مع
اُممهم في ما يأتي.


ويظهر من أخبار
الرُّسل مع اُممهم في القرآن أنّ جُلَّ الاُمم وطواغيتها كانوا يؤمنون بأنّ
اللّه جلّ اسمه هو خالق الخلق جميعا، وإنّما كان الخلاف في حصر الرُّبوبية في
اللّه سبحانه.


وإنّما حكى اللّه
مواجهة الانبياء لاُممهم وطواغيت زمانهم في الربوبية لندرك الصراع المماثل
لها في عصر خاتم الانبياء (ص) ،


فقد روى
المفسِّرون عن عَدِيِّ بنِ حاتم (ت: 68 هـ) قال: أتيتُ رسول اللّه (ص) وفي
عنقي صليب من ذهب فقال لي: يا عَدِيُّ! إطرح هذا الوثن من عنقك، قال: فطرحته
ثمّ انتهيت إليه وهو يقرأ من سورة براءة هذه الاية: (إِتَّخَذُوا
أَحْبَارَهُم وَرُهْبَانَهُم أَرْبابا مِنْ دُونِ اللّه) حتّى فرغ منها، فقلت
له: إنّا لسنا نعبدهم، فقال: أليس يحرِّمون ما أحلَّ اللّهُ فتحرِّمونه،
ويحلّون ما حرَّم اللّهُ فتستحلّونه؟ قال قلت: بلى، قال: فتلك
عبادتهم(10).


وبناء على ما
ذكرناه فإنّ أبرز معنى للرَّبّ في القرآن الكريم إنّما هو صفة تشريع
الدِّين.
بعد فهم معنى
الرَّبِّ وموارد استعماله في الكلام، ندرس في ما يأتي بحوله تعالى أخبار صراع
الانبياء مع اُممهم ونقدِّم خبر صراع الكليم مع جبّار عصره فرعون لوضوح
كيفيّة الصراع بينهما وتنوّعه.


أخبار الكليم
موسى (ع) مع فرعون:


إنّ فرعون مصر في
تلك الايّام كان مالكا لمصر وجميع ما في مصر، وكان أيُّ عامل في أيِّ عمل
إنّما يعمل لفرعون وأجيرا لفرعون.


وبناء على ذلك
اجتمعت لفرعون جميع لوازم الرُّبوبيّة في ظاهر الامر؛ فهو المنعم على جميع
أهل مصر ما يحتاجون في حياتهم من


المسكن والمأكل
والملبس والحاجات الاُخرى.


ومن أجل ذلك كان
هو وأهل مصر معه يرون لفرعون الرُّبوبيّة عليهم، وحقّ تشريع القوانين لجميع
من يعيش في مصر، ويرون أنّ على الجميع أن يطيعوا أوامره، ويدينوا بما يضع لهم
من أنظمة لحياتهم(11). وبناء على ذلك إذا أمر باسترقاق بني إسرائيل لاهل مصر
وذبح أبنائهم واستحياء نسائهم، وأنّهم الاراذل في ذلك النظام الطبقي وأهل مصر
الاقباط هم الاشراف كان ذلك حقّا ودينا يجب أن يعملوا به تديّنا، إذا فإنّ
الرُّبوبيّة التي كان يدَّعيها فرعون مصر لم تكن ادِّعاء بالاُلوهيّة، بمعنى
أنّه خالق السّموات والارض وما على الارض، وإنّما كان يدَّعي ربوبيّة مصر
وحدها.


أخبرنا اللّه
تعالى عن ذلك بقوله جلّ شأنه لموسى وأخيه هارون:


(إِذْهَبَا إِلى
فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَيِّنَا لَعَلَّهُ
يَتَذَكَّرُ أوْ يَخْشَى قَالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أنْ يَفْرُطَ
عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغَى قَالَ لاَ تَخَافا إِنَّني مَعَكُمَا أسْمَعُ
وَأَرَى فَأْتياهُ فَقُولا إِنَّا رُسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنيْ
إِسْرَائِيلَ وَلاَ تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ
وَالسَّلاَمُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الهُدَى إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا
أَنّ العَذَابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى). (طه / 43 ـ
48)


ومن الطبيعي أنّ
فرعون الذي لم يقبل بوجود ربّ له لا يقبل منهما هذا الكلام، فسألهما عن
ربّهما وقال: (فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسى) أي أنتما اللّذان لم تقبلا
ربوبيّتي واعتبرتما غيري ربّا تأخذون منه القوانين فمن هو هذا الرّبّ؟
فـ(قالا رَبُّنَا الَّذي أَعْطَى كُلَّ شَيْء خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) (طه /
50).


أي: إنّ ربّنا هو
الذي خلق جميع الخلق ثمّ تكفّل ربوبيّتها وهداها جميعا
بربوبيّته.


ولمّا رأى فرعون
أنّ كلام موسى (ع) أدحض كل ما تشبّث به من الحجج أمام قومه وخشي أن يقع كلام
موسى في قلوب قومه، بادر بإلقاء الشبهات في أذهانهم وقال: (فَما بالُ القرونِ
الاُولى) (طه / 51)، فأجاب موسى (ع) وركّز في الاجابة على ربوبيّة الخالق
وقال:


(عِلْمُها عِنْدَ
رَبِّي فِي كِتَابٍ لاَ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنْسَى) (طه /
52).


وتتابعت الحوادث
ولجأ فرعون إلى حيلة اُخرى لتحطيم منطق موسى (ع) وسعى لتأليب الرأي العام
وتهييج عواطف النّاس ضدّه وخاطبه قائلاً: (أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنا مِنْ
أرْضِنَا بِسِحْرِكَ يا مُوسى فَلَنَأْتيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ) (طه/57،
58)، وجُمِعَ السّحرة بأمر فرعون وأمرهم فرعون أن يواجهوا موسى (ع) ، ولمّا
جابهوه بما عندهم من سحر إتّضحت قدرة ربِّ العالمين واُبطل سحر السّحرة،
ولمّا كان اُولئكم السحرة أعلم بالسحر وحقيقته من سائر النّاس، سجدوا عند
رؤية القدرة الالهيّة وقالوا: (آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى) (طه/ 70)،
وحينما هدّدهم فرعون وخوَّفهم، جابهوه وأعلنوا إيمانهم
وقالوا:


(إِنَّا آمَنَّا
بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطايانا وَمَا أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ
السِّحْرِ وَاللّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى). (طه / 73)


في هذه القصّة
نجد لفظ الرّبّ يتكرّر عدّة مرّات، والطرفان يتحدّثان عن الرّبّ فيذكره موسى
ويؤمن به السحرة ويرفضه فرعون.


وبذلك يتّضح أنّ
الصراع بين جبهة الرَّحمن وجبهة الشّيطان، بين محبِّي اللّه وأعدائه، بين
الانبياء والطَّواغيت، غالبا ما كان حول الرُّبوبية وحول من له تشريع
القوانين والحكم، كما نجد ذلك الصراع قبل موسى (ع) في سيرة النبي إبراهيم (ع)
، كما أخبر سبحانه عنه وقال:


(أَلمْ تَرَ إِلى
الَّذي حاجَّ إبراهيمَ فيِ رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللّهُ المُلْكَ). (البقرة /
258) وسبب الصراع بين إبراهيم ونمرود؛ هو أنّ اللّه سبحانه كان قد أعطى نمرود
ملكا وسلطانا عظيمين ودفعته هذه القدرة الكبرى إلى الطغيان والكفر بربوبيّة
اللّه عزّ وجلّ، والصراع مع نبيّ اللّه، إذ قال له النبيّ إبراهيم (ع) كما
حكى سبحانه وتعالى عن ذلك وقال:


(إذْ قَالَ
إِبراهِيمُ رَبِّيَ الَّذي يُحْيِي وَيُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيت)
(البقرة/ 258)، عندما أطلق نمرود سراح من حكم عليه بالاعدام واعتبره إحياء
للميّت، وأتى بآخر يمشي في السوق فأعدمه من غير ذنب، وبذلك القى الشبهة في
قلوب الحاضرين بأنّ البريء كان حيّا


فقتله وأماته،
إذا فإن كان الرَّبُّ هو الذي يحيي ويميت فإنّ نمرود أيضا يحيي ويميت، وأوشكت
تلك الشبهة أن تنطلي على الجاهل ويصدِّق زعم نمرود ولكن النبيّ إبراهيم (ع)
عرض فورا استدلالاً آخر كما حكى اللّه وقال:


(قَالَ إِبراهيمُ
فإِنَّ اللّهَ يأتي بالْشَّمْسِ مِنَ المَشْرِقِ فَأتِ بِها مِنَ المَغْرِبِ
فَبُهِتَ الَّذي كَفَرَ واللّهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمين). (البقرة /
258) فبهت نمرود ولم يحر جوابا.


كان ذلك نموذجا
من جهاد بطل التوحيد إبراهيم الخليل (ع) .


وفي سبيل مجاهدة
عبدة الكواكب والشمس والقمر، حضر إلى ناديهم وناقشهم وفق منطقهم منطلقا في
حديثه من الاُمور التي يؤمنون بها وباُسلوب يفهمون معه الحقّ وتتمزّق عنهم
حجب الجهل، وكان الوقت ليلاً إذ رأى إبراهيم (ع) كوكبا ساطعا ممّا يعبدون
فنظر إليه وقال:


كما حكى ذلك
سبحانه وتعالى وقال:


(فَلَمَّا جَنَّ
عَلَيْهِ اللَّيلُ رأى كَوْكَبا قَالَ هذا رَبِّي). (الانعام /
76)


ومرّ الوقت وغاب
الكوكب فقال إبراهيم كما حكى سبحانه عنه:


(فَلَمَّا أَفَلَ
قَالَ لا أُحِبُّ الافِلِين). (الانعام / 76)


وتكرّر الامر مع
القمر كما قال سبحانه:


(فَلَمَّا رَأى
القَمَرَ بَازِغَا قَالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَمْ
يَهْدِنِي رَبِّي لاكُونَنَّ مِنَ القَوْمِ الضَّالِّين). (الانعام /
77)


وكذلك تدرّج في
إفهامهم كما حكى اللّه عنه ـ أيضا ـ وقال سبحانه:


(فَلَمَّا رَأَى
الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هذا رَبِّي هذا أكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ
يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيء مِمَّا تُشْرِكُون). (الانعام /
78)


وهكذا رفض
إبراهيم (ع) ربوبيّة كلّ آفل، ولم يترك إبراهيم (ع) النّاس وشأنهم بل استمرّ
الحوار بين الجانبين وأخبر اللّهُ عن ذلك وقال تعالى:


(وَحَاجَّهُ
قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي في اللّهِ وَقَدْ هَدانِ وَلا أَخافُ ما
تُشْركُوِنَ بِهِ إِلا أَنْ يَشَاء رَبِّي شَيْئا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْء
عِلْما أَفَلا تَتَذَكَّرُون).(الانعام / 80)


من الواضح أنّ
قوم إبراهيم كانوا يعرفون اللّه ولكنّهم كانوا يعتقدون أنّ للّه شركاء في
ربوبيّته وكان إبراهيم (ع) يجادلهم في شركهم باللّه، وفي واقعة اُخرى
واجه إبراهيم (ع) قومه عبدة الاصنام في ناديهم وخاطبهم
قائلاً:


(... ما هذِهِ
التَّـماثِيلُ الَّتي أَنْتُم لَهَا عَاكِفونَ قَالوا وَجَدْنا آبَاءنا
لَهَا عَابِدينَ قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤكُم في ضَلاَلٍ
مُبينٍ قالوا أَجِئْتَنَا بِالحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللاّعِبين).
(الانبياء / 52 ـ 55).


وردّ عليهم
إبراهيم قائلاً:


(بَلْ رَبُّكُمْ
رَبُّ السَّمواتِ والارْضِ الَّذي فَطَرَهُنَّ وَأنا عَلى ذلِكُمْ مِنَ
الشَّاهِدين). (الانبياء / 56).


ولمّا كانت عبادة
قومه (أهل بابل) للكواكب والشمس والقمر نتيجة لاعتقادهم بتأثيرها في حياتهم،
وأنّ بيد تلكم الموجودات تحديد المصير، الحسن أو السيِّئ للانسان، اعتقدوا
بأنّها أرباب مدبّرة للعالم واتّجهوا لعبادتها، أي إنّهم اتّصفوا بنوعين من
الشرك، شرك في الرُّبوبيّة، وشرك في الاُلوهيّة، والنبيّ إبراهيم (ع) إستنادا
إلى اعترافهم بخالقيّة اللّه تعالى ردَّ شركهم في الرُّبوبيّة
والاُلوهيّة.


وفي قصّة أصحاب
الكهف؛ كانوا فتية آمنوا بربِّهم في العصور الغابرة، ونهضوا في وجه طاغوت
عصرهم، ولهجت ألسنتهم بربوبيّة اللّه خالق السّموات والارض كما حكى اللّهُ
سبحانه وتعالى عنهم وقال:


(وَرَبَطْنَا
عَلى قُلُوبِهِم إذْ قَامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّمواتِ والارْضِ
لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلها...). (الكهف / 14).


كان منطق الفتية
المؤمنين أنّ هذا الشخص الذي ادّعى الربوبيّة وفرض على النّاس طاعته والنظام
الذي سنَّه لحياتهم ليس بربّنا وليس لهذا الطاغوت حق التقنين وسنّ نظام لحياة
النّاس، بل إنّ ذلك للّه ربّ السّماوات والارض.


وعند دخول
الاسلام إلى إيران حدثت مثل تلكم المواجهة فإنّ إيران كانت نموذجا واضحا
لقيام ملوكها بسنّ القوانين وتشريع النظام لحياة البشر، وإنّ الرَّسول الاكرم
(ص) واجههم وأعلن أنّ التقنين وتعيين النظام للمجتمع البشري خاصّان بمقام
الرُّبوبيَّة ولا رَبَّ إلاّ اللّه ربّ السّماوات والارض، وحتّى هو (نبيُّ
الاسلام) ليس له ذلك، بل هو مطيع مطلق للّه تعالى، ومبلِّغ لتشريعه؛ كما
يتّضح ذلك من الخبر الاتي:


أرسل الرسول (ص)
كتابا إلى ملك فارس [كسرى خسرو پرويز (ت: 628 م)] فلمّا قرأ الكتاب شقّه ثمّ
كتب كسرى إلى واليه على اليمن أن ابعث إلى هذا الرجل الذي بالحجاز رجلين من
عندك جلدين فليأتياني به. فأرسل الوالي ممثلين إلى الحجاز، فلمّا بلغا مدينة
الرَّسول (ص) دخلا على الرَّسول (ص) وقد حلقا لحاهما وأعفيا شواربهما فكره
النظر إليهما ثمّ أقبل عليهما فقال: ويلكما من أمركما بهذا؟ قالا أمرنا بهذا
ربّنا ـيعنيان كسرىـ فقال رسول اللّه (ص) : لكن ربّي قد أمرني بإعفاء لحيتي
وقصّ شاربي(12).


نلاحظ هنا أنّ
للرُّبوبيَّة دخلاً حتّى في هذه المسألة من التشريع.
كانت تلكم نماذج
من تاريخ الرسالات السماويّة التي تبيّن حقيقة الامر في مواجهة الانبياء (ع)
لطواغيت عصرهم وعلّة الصراع بين أولياء اللّه وحزبه والاحزاب المخالفة لهم،
فالربَّانيُّون ـ من جهة ـ يقولون: ليس هناك غير اللّه مَن يستطيع أن يسنّ
نظاما لحياة الانسان، فلا ربَّ للانسان سواه وهو ربّ العالمين، والطواغيت ـ
من جهة اُخرى ـ يدَّعون أنّ لهم حق سنّ القوانين المنظّمة لاُمور البشر،
وكانت تلكم النماذج كلّها تبيّن مواجهة الرُّسل والربّانيين لطواغيت عصورهم
في شأن الرُّبوبيَّة، وفي ما يأتي نورد نوعا آخر من صراع الانبياء حول
الرُّبوبيَّة، وذلك في مواجهتهم للاحبار والرُّهبان الذين كان لهم حق التمثيل
الدِّيني عند النّاس، والانبياء هنا أيضا يجاهدون بالعزم والتصميم السابقين
في كشف زيفهم وتدخّلهم الباطل في تغيير الاحكام وتبديلها، وأنّهم بذلك قد
جعلوا أنفسهم أربابا من دون اللّه، وقد تحدّث القرآن الكريم عن ذلك
وقال:


(اتّخَذُوا
أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابا مِنْ دُونِ اللّهِ). (التوبة /
31)


أوضحت الروايات
التي وردت عن رسول اللّه (ص) وأهل البيت (ع) القصد من اتّخاذ النّاس للاحبار
والرّهبان أربابا من دون اللّه، كما أوردناه في خبر عديّ بن حاتم مع رسول
اللّه (ص) آنفا والذي بيَّن فيه رسول اللّه (ص) كيفيّة تدخّل رجال الدِّين في
الشريعة حينما وضعوا قوانين بشريّة قائمة على الاهواء مكان الشرائع التي
وضعها ربّ العالمين للبشر.


وهذه الحقيقة
موجودة بين النّصارى حتّى اليوم؛ فالبابا (القائد الدِّيني للمسيحيين) له حق
تغيير تشريعات المذهب الكاثُوليكي وهم يقبلون ذلك منه بدون تأمّل، وتدَّعي
الكنيسةُ ـ على أساس الانجيل الموجود ـ أنّ لها حق التشريع ويكون ما تصوّبه
الكنيسة في الارض مقبولاً في السَّماء، كما نقرأ ذلك في إنجيل متَّى حيث
يقول:


(أنت بطرس، وعلى
هذه الصَّخرة ابن كنيستي، وأبواب الجيم لن تقوى عليها، واُعطيك مفاتيح ملكوت
السّموات، فكلّ ما تعقده على الارض معقود في السّموات، وما تحلّه في الارض
فهو حلال في السَّماء)(13).


وإنّما سمّى
القرآن أحبار النَّصارى ورهبانهم أربابا لانّهم كانوا يشرِّعون النظام لحياة
البشر؛ فيُحلُّون ما حرّم اللّه ويحرِّمون ما أحلَّ. بينما كان جهاد الانبياء
في سبيل أن يخضع البشر لربوبيَّة اللّه وحده ولا يقبلوا إلاّ أوامره ويأخذوا
منه الحلال والحرام وهذه هي حقيقة الدِّين.


وإنّ الانسان
الذي اُجبر على أخذ حكم من جبّار خلافا لاحكام اللّه وعمل به وهو لا يعتقد
به، في مثل هذه الحال لم يتّخذ هذا الانسان ذلك الجبّار ربَّا له، وإنّ
اتّخاذ بعض العباد بعضهم الاخر أربابا لا يصدق إلاّ مع اختيار الانسان في أخذ
الانظمة من الطاغية والعمل بها خلافا لتشريع اللّه عزّ وجلّ، وفي مثل هذه
الحال يكون الانسان قد اتّخذ المشرِّع رَبَّا، ومن باب المثال نجد كبير
أساقفة المسيحية ((بولِسَ)) يقول: ((أنا بولسُ أقول لكم: إذا اختتنتم لا
ينفعكم المسيحُ في شيء))(14)، وقَبِلَ النَّصارى منه ذلك بإختيارهم ولم
يختنوا أولادهم، وكان يقول: إشربوا الخمر فهو جائز لكم وإنّ الدِّين يسمح
لكم، وَقَبِلَ النَّصارى منه ذلك مختارين، ففي مثل هذه الحال كانوا قد اتخذوا
القسس أربابا لهم.


ذو العَرْشِ
ورَبُّ العَرْش


ممّا جاء فيه ذكر
عرش اللّه في القرآن الكريم المواضع التالية:


أ ـ في سورة
هود:


(وَهُوَ الَّذي
خلق السَّمواتِ والارضَ في سِتَّةِ أَيّامٍ وكان عرشُهُ على الماء
لِيَبلُوَكُم أَيُّكُم أَحسَنُ عَملاً...) (الاية 7).


ب ـ في سورة
يونس:


(إنَّ رَبَّكُمُ
اللّهُ الَّذي خَلَقَ السَّمواتِ والارضَ في سِتَّةِ أَيّامٍ ثُمَّ استَوى
على العَرشِ يُدَبِّرُ الامرَ...) (الاية 3).


ج ـ في سورة
الفرقان:


(الّذي خلق
السَّموات والارضَ وَما بينهما في سِتَّةِ أَيّامٍ ثُمَّ استَوى عَلى العَرشِ
الرَّحمنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرا)(15) (الاية 59).


د ـ في سورة
غافر:


(... الَّذينَ
يَحملونَ العَرشَ ومَن حَولهُ يُسبِّحونَ بِحَمْدِ رَبِّهم وَيُؤمنونَ بِهِ
ويَستغفرونَ لِلَّذينَ آمَنوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيء رحمَةً وعِلْما
فَاغفِرْ لِلَّذينَ تابُوا واتَّبَعوا سَبيلكَ وقِهِم عَذابَ الجَحِيم)
(الاية 7).


هـ ـ في سورة
الزمر:


(وتَرى
المَـلاَئِكَةَ حافِّينَ مِن حَولِ العَرشِ يُسبِّحونَ بِحَمْدِ رَبِّهِم
وقُضِيَ بَينَهُم بِالحقِّ وقِيلَ الحَمْدُ للّهِ رَبِّ العالمين) (الاية
75).


و ـ في سورة
الحاقّة:


(ويَحْمِلُ عَرشَ
رَبِّكَ فوقهم يَومئذٍ ثَمانِية) (الاية 17).


الرَّحمن:


قال
سبحانه:


أ ـ في سورة
طه:


(وَإنَّ
رَبَّكُمُ الرَّحمنُ) (الاية 90).


ب ـ في سورة
الانبياء:


(وَرَبُّنا
الرَّحمن) (الاية 112).


ج ـ في سورة
النبأ:


(رَبُّ السّمواتِ
والارض وَما بينهما الرَّحمن) (الاية 37).


الرّحيم:


أ ـ قال سبحانه
في سورة (يس):


(سَلامٌ قولاً
مِنْ ربٍّ رَحيم) (الاية 85).


ب ـ في سورة
الشعراء:


(وَإنَّ رَبَّكَ
لَهوَ العَزيزُ الرّحيم) (الايات 9، 68، 104، 122، 140، 159، 175،
191).


ج ـ وجاء الاسمان
كلاهما جميعا في سورة الفاتحة في قوله تعالى:


(... ربِّ
العالَمينَ الرّحمنِ الرّحيم) (الايتان 2 و 3).


شرح
الكلمات:


أ ـ
العَرْش:


العرش في اللّغة:
شيء مُسَقَّف، وجمعه عروش، وسمِّي مجلس السلطان: عَرشا، اعتبارا بعلوِّه،
وكُنِّي به عن العِزِّ، والسُّلطانِ، والمملكة، في لسان العرب: ثلّ اللّهُ
عَرْشَهُمْ أَيْ هَدَمَ مُلْكَهُمْ(16).


وفي هذا المعنى
قال الشاعر:


إذا ما بنو مروان
ثُلَّثْ عروشهم


وأودتْ
كما أودت إيادٌ وحِمْيَر


أراد إذا ما بنو
مروان هلك ملكهم وبادوا(17).


ب ـ
استوى:


جاء في مادّة
(سوى) بكلّ من:


أ) كتاب (التحقيق
في كلمات القرآن)(18):


الاستواء يختلف
باختلاف المواضع، ففي كل موضع بحسبه وعلى ما يقتضيه.


ب) مفردات
الراغب:


استوى فلان على
عمالته، واستوى أمر فلان، ومتى عُدِّيَ بعلى اقتضى معنى الاستيلاء
كقوله:


(الرَّحمنُ عَلى
العَرْشِ استَوى). (طه / 5)


ج) المعجم
الوسيط:


يقال استوى على
سرير المُلك، أو على العرش: تولّى المُلك.


كما قال الاخطل
في مدح بشر بن مروان الامويّ:


قد استوى بِشرٌ على
العراق


من غير سيفٍ أو دمٍ مهراق(19)


الكرسيّ


الكرسيُّ في
اللّغة: السرير والعِلم.


روى الطبري
والقرطبي وابن كثير عن ابن عباس واللّفظ من الطبري بإيجاز انّه قال: كرسيّه:
عِلْمُهُ.


قال الطبري: كما
أخبر عن ملائكته أنّهم قالوا في دعائهم: (رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْء
رَحْمَةً وَعِلْما) فأخبر تعالى ذكره أنَّ علمه وسع كل شيء، فكذلك قوله (وسع
كرسيّه السّموات والارض)، قال: وأصل الكرسي العلم، ومنه قيل للصحيفة يكون
فيها علم مكتوب: كراسة. ومنه يقال للعلماء الكراسي.


ومنه قول
الرّاجز: (حتّى إذا ما احتازها تكرّسا) يعني: علم.


ومنه قول
الشاعر:


تحف بهم بيض الوجوه
وعصبة


كراسيّ بالاحداث حين تنوب


يعني بذلك علماء
بحوادث الاُمور ـ انتهى ما نقلناه عن الطبري.


وحكى اللّه عن
إبراهيم (ع) انّه قال لقومه:


(وَسِعَ رَبِّي
كُلَّ شيء عِلْما أفلا تَتَذَكَّرون). (الانعام / 80)


وعن شعيب (ع)
انّه قال لقومه:


(وَسِعَ ربُّنا
كُلَّ شيء عِلما). (الاعراف / 89)


وعن موسى (ع)
انّه قال للسّامري:


(إنَّما إلهكُمُ
اللّهُ الذي لا إله إلاّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيء عِلما). (طه / 98) وقال
الامام الصادق (ع) السادس من أوصياء الرّسول (ص) في جواب من سأله عن قوله
تعالى:


(وَسِعَ
كُرسِيُّهُ السَّمواتِ والارض). (البقرة / 255)


قال:
علمه(20).


وانّ الكرسيَّ
جاء في القرآن الكريم ـأيضاًـ بمعنيين:


أ ـ بمعنى
السّرير، كما جاء في قوله تعالى في قصّة سليمان:


(وألقينا على
كرسيّه جسداً).(ص / 34)


ب ـ بمعنى
العلم، كما جاء في قوله تعالى:


(يَعلمُ ما بَينَ
أَيديهِم وَما خلفهم وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيء مِن عِلمِه إلاّ بِما شاء
وَسِعَ كُرسِيّهُ السَّمواتِ وَالارض...). (البقرة / 255)


ومجيئه في هذه
الجملة بعد علمه يدلّ على أنّ المقصود من كرسيّه، علمه تعالى. ويكون معنى
الجملة عندئذ يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلاّ
بما شأ وسع علمه السّموات والارض.


وعلى هذا فإنّ
معنى بعض الروايات انّ (كلّ شيء في الكرسي) أي إنّ كل شيء في علم
اللّه.


اللّهُ (جَلَّ
جَلالُهُ)


اللّهُ جلَّ
جلاله، اسم للاله الخالق، والرَّبُّ المربِّي والرَّحمن الرَّحيم، والحيُّ
القيّومُ إلى آخر أسماء اللّه الحسنى. وصدق اللّه العظيم
حيث


يقول: (وَللّهِ
الاسْمَـاء الحُسْنى). (الاعراف / 180)


وبناء على ذلك
فعندما نقول: (لا إله إلاّ اللّه).


نعني:


أنّ لا خالق ولا
معبود إلاّ الذي هو ربُّ ورحمنٌ ورحيمٌ وَحَيُّ وقيُّومٌ إلى آخر أسماء اللّه
الحُسنى.


وأخطأ من علماء
اللّغة العربيّة من زعم أنّ (اللّه) أصله (إله) الذي هو إسم جنس للالهة،
ودخلت عليها الالف واللاّم للتعريف وصار (الاله) ثمّ حذفت الالف واُدغم
اللاّمان فصار (اللّه)(21). وعندئذ يكون (إله) و(اللّه) مثل (رجل) و(الرجل)
الاوّلان منهما إسما جنس لكلِّ الالهة ولكلّ الرِّجال، والثانيان منهما
عُرِّفا بالالف واللاّم وبهما شُخِّصَ الرّجل المقصود والاله المقصود. وعليه
فإنّ معنى (لا إله إلاّ اللّه) يكون: لا إله إلاّ الاله الذي أقصده
وأعنيه.


لقد أخطأ
القائلون بهذا القول، فإنّ لفظ (اللّه) علم مرتجل باصطلاح النحويين سمِّي به
الذات الذي صفاته جميع الاسماء الحسنى، ولا يشاركه في التسمية غيره، كما لا
يشاركه غيره في الاُلوهيَّة والرُّبوبيَّة.


وكذلك الامر في
اللّغة العبريَّة، فإنّ (يهوه) إسم للّه وحده، و(إلْهَ) بمعنى (إله)
و(إلوهيم) بمعنى الالهة(22).


وعلى ما تقدّم من
بحث يكون معنى (بِسْمِ اللّهِ الْرَّحمنِ الْرَّحيم):


أ ـ (بِسْمِ) أي:
بحقيقة، بصفات.


ب ـ (اللّهِ)
ذاتُ البارئ المتّصف بجميع أسماء اللّه الحسنى.


ج ـ (أَلرَّحْمنِ
والْرَّحيم) خُصِّصا بالذكر من صفات ربوبيَّة اللّه.


إذا، يكون
المعنى: أستعين في تلاوة السورة برحمانيَّة اللّه الرَّبِّ
ورحيميّته.


وفي إيراد
البَسْمَلَةِ أوائل السور براعة استهلال، لانّ جميع السور القرآنيّة تشرح
جوانب من ربوبيَّة اللّه الْرَّحمنِ الرَّحِيم وتبيّنها، عدا سورة براءة التي
لم يُبدأ فيها بالبَسْمَلَةِ.


القيّوم


من أسماء اللّه
الحسنى ولا يوصف به سوى اللّه، ومعناه: القائم الحافظ لكلِّ شيء والمعطي له
ما به قوامه.


الرَّحْمنُ
وَالرَّحِيم


الرّحمن من
الانسان: رقَّةُ قلب وتَعَطُّفٌ على المرحوم، ومن اللّه: إنعام وإفضال
عليه.


والرّحيم يدلُّ
على دوام اتّصاف الرَّاحِم بالرَّحمة، ويوصفُ البارئ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ
بالرَّحيم لاستمرار صدور الرَّحْمَةِ منه، ويوصف بها الانسانُ الذي يرقُّ
قلبه على الدوام.


والْرَّحْمنُ
يدلُّ على كثرة صدور الْرَّحْمَةِ من الْرَّاحِمِ ولا يطلق إلاّ على اللّه،
لانّ معناه لا يصحّ إلاّ له، إذ هو الذي وسع كلّ شيء رحمة، وعمَّت رحمته في
الدّنيا المؤمن والكافر وجميع الخلق، ودامت رحمته بالمؤمنين خاصَّةً يوم
القيامة، فهو رحمن الدّنيا ورحيمٌ بالمؤمنين في الاخرة.


وبما أنّه ربُّ
العالمين ومربِّي العالمين ومدبِّر أمرهم في الدّنيا؛ فهو رحمن الدّنيا، وبما
أنّه يجزي المؤمنين بحسنات أعمالهم في الاخرة فهو رحيم بالمؤمنين في
الاخرة.


إذا فإنّ
الْرَّحْمنَ والْرَّحِيم هما من صفات الرَّبِّ وهما والرَّبُّ والاله من صفات
اللّه جلَّ اسمه.


العِبادَةُ


في مفردات
القُرآن للرّاغب: العُبُودِيَّةُ: إظهار التذلُّل، والعبادة أبلغ
منها.


وفي القاموس
المحيط للفيروزآبادي: عبد عبادة وعبودة وعبوديَّة: أطاع.


وفي الصِّحاح
للجوهريّ: أصل العبوديّة: الخضوع والتذلُّل والعبادة
والطاعة.


بناء على ما
ذكروا يكون لـ ((عبد عبادةً)) معنيان:


أ ـ خضع وتذلَّل
وأجرى الطقوس الدينيّة.


ب ـ
أطاع.


وبالمعنى الثاني
ورد في حديث الامام الصّادق (ع)، (ت: 148 هـ) في قوله:


((من أطاع رجلاً
فقد عبده))(23).


وفي رواية الامام
الرّضا (ع) ، (ت: 203 هـ) عن جدّه الرّسول (ص) أنّه قال:


((من أصغى إلى
ناطق فقد عبده، فإن كان النّاطق عن اللّه فقد عبد اللّه، وإن كان النّاطق عن
إبليس فقد عبد إبليس))(24).


وعلى هذا يكون
معنى:


عبادة الاله
الخالق جلّ وعلا: إجراء الطّقوس الدِّينية له مثل إقامة الصَّلاة وأداء مناسك
الحجِّ وصيام شهر رمضان. وعبادة الاصنام: إجراء الطّقوس الدِّينية
لها.


وعبادة الرَّبِّ:
إطاعة الرَّبِّ، لانّ الرَّبَّ هو المربِّي الذي يسنُّ نظام الحياة لمن
يُربِّيه. فمعنى قولنا لربِّ العالمين: (إيّاكَ نَعْبُدُ): نطيع أوامرك
لهدايتنا إلى الصِّراط المستقيم.




1 تهذيب
اللّغة للازهري (15/91)، ط. القاهرة، سنة 1384 ه .


2 مادّة:
(جهد) من نهاية اللغة لابن الاثير.


3 مقدّمة
سنن الدارمي ( ج1 / 100)، باب فضل العلم والعالم، ح 32.


4 صحيح
مسلم، كتاب الاعتكاف، باب الاجتهاد في العشر الاواخر من شهر رمضان، ح
1175.


5 راجع
مادّة: (أَلَهَ) في مفردات الراغب. وكتاب ((التحقيق في كلمات
القرآن)).


6 ربّ كلّ
شيء: مالكه. الصِّحاح، للجوهريِّ (ت: 393 هـ) مادّة: (ربّ)،
(1/130).


ربّ كلّ شيء:
مالكه ومستحقّه: أي صاحبه، القاموس، للفيروزآبادي (ت: 817هـ)، (1 /
73).


الرَّبُّ:
المالك، تفسير الكشاف (1 / 53).


ويُطلق
(الرَّبُّ) على مالك الشيء، المصباح المنير، لاحمد بن محمّد الفيّومي (ت:
770هـ) (1 / 259)، وأيضا راجع لسان العرب، لابن منظور (ت: 711 هـ)، والقاموس
المحيط، وتاج العروس، للزّبيدي (ت: 1205 هـ)... الخ، وأحيانا تستعمل لفظة
الرّبّ في جزء المعنى كاستعمالها في المالك فقط، أو المدبِّر فقط، وهذا
استعمال مجازي.


7
المفردات: مادّة: (ربّ)، ص: 182، ط. طهران.


واللّغويّون
الاخرون ذكروا كلام الرّاغب المفصّل بشكل مختصر، أو بألفاظ اُخر، فالجوهريُّ
استخدم لفظة الاصلاح والتربية: (ربَّ الضيعة: أي أصلحها وأتمّـها، وربَّ فلان
ولده: أي ربّاه) الصِّحاح (1 / 130)، والفيّوميّ استخدم لفظة السياسة والقيام
بالتدبير: ((ربَّ زيد الامر ربَّا، من باب قتل، إذا ساسه وقام بتدبيره))
المصباح المنير (1/259).


8 راجع
أيضا تفسير الاية 2 من السورة الاُولى من القرآن الكريم، وكذلك مجمع البيان،
للطّبرسي (ت: 548 هـ)، (1 / 21) في تفسير هذه الاية، وجوامع الجامع (1/6)،
وتفسير الكشّاف، للزّمخشري (ت: 538 هـ)، (1 / 8) ط. مصر، سنة: 1373 هـ،
والتّنهيل لعلوم التّنزيل (1 / 33).


9 راجع
لمعرفة القاعدة المذكورة، مادّة: (قُءر) في مفردات الرَّاغب، ولمعنى المائدة
المصدر نفسه، وسائر معاجم اللُّغة العربيَّة.


10 مجمع
البيان (1 / 23 ـ 24)، وتفسير البرهان للسيّد هاشم البحراني (ت: 1107 هـ)، (2
/ 121)، والدُّرُّ المنثور للسيوطيّ (ت: 911 هـ)، (3 / 230 ـ
231).


11 فإنّه
إذا كان للدّواجن بمصر ربُّ يملكها ويربّيها ويطعمها ويضع نظام إعاشتها لتسير
في حياتها نحو كمال وجودها، وكذلك للمزارع والحقول أرباب ولمختلف المصانع
أرباب، فإنّ فرعون الذي له ملك مصر وتجري الانهار من تحته، هو فوق جميع
اُولئك الارباب وربّهم الاعلى، فكيف واجه الكليم هذا
الطّاغوت؟


وبأيّ منطق قابل
تلكم الادّعاءات الطويلة العريضة؟


12 الطبريّ
(ت: 310 هـ) (2 / 655، 656).


13 إنجيل
متَّى، الاصحاح 16، عدد: 18 ـ 19.


14 قاموس
كتاب مقدّس، فارسي، مادّة: (ختنه)، ص: 343 عمود رقم: 2، ورسالة بولس إلى أهل
غلاطية، الاصحاح 6، العدد: 15.


التّوراة تذكر
الختن كحكم ديني. راجع التوراة سفر لاويين، الاصحاح 12، العدد: 1ـ 4.
والمسيحيّة هي استمرار لليهوديّة، إذا هذا الحكم كان موجودا في المسيحيّة
الاُولى غير المحرّفة واُزيل بعد ذلك على يد بولس.


15 ورد
نظيرها في سورة الاعراف (54) والحديد (4) والسجدة (5).


16 مادّة:
(العرش) من مفردات الراغب، والمعجم الوسيط، ومادّة: (ثَلَلَ) من لسان
العرب.


17 البحار
(58 / 7).


18 كتاب
((التحقيق في كلمات القرآن)): تأليف الاُستاذ حسن المصطفوي، ط. طهران 1400
هـ.


19 بشر بن
مروان، أخو الخليفة الامويّ عبدالملك بن مروان، وواليه على العراق سنة: 74
هجرية، توفّي في البصرة. راجع ترجمته في تاريخ دمشق لابن
عساكر.


وذكر
شعره:


القاضي عبدالجبار
في كتاب: تنزيه القرآن، ط. القاهرة 1329 هـ، ص: 157 و159.


وعبدالرحمن
الايجي (ت: 756 هـ) في كتابه: المواقف، ط. القاهرة 1357 هـ، ص: 297، وفيه
ورد: عمرو بدل بشر.


20 توحيد
الصدوق، ص 327، باب معنى قول اللّه عزَّ وجلَّ: (وسع كرسيّه السَّموات
والارض).


21 راجع
مادّة: (أَلَه) من لسان العرب لابن منظـور (ت: 711 هـ)، و((التحقيق في ألفاظ
القرآن الكريم)) لحسن المصطفوي المعاصر، وتفسير البسملة من تفسير الميزان
للسيّد الطباطبائي (ت: 1404 هـ).


22 راجع
استعمالات الكلمات في التّوراة العبريَّة، ومادّة: (يهوه) في: ((قاموس كتاب
مقدّس)) (فارسي).


23 اُصول
الكافي، للكليني (ت: 329 هـ)، (2 / 398).


24 عيون
أخبار الرِّضا (1 / 303)، ووسائل الشِّيعة للحرّ العاملي (ت: 1104 هـ)، (18 /
92) الحديث 13.



/ 2