النبي الأمي للعلامة الشهيد مرتضى المطهري - نبی الأمی نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

نبی الأمی - نسخه متنی

مرتضی مطهری

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید





النبي الأمي للعلامة الشهيد مرتضى المطهري

بسم الله الرحمن الرحيممن الأمور الواضحة في حياة الرسول الأكرم (ص) انه لم يتعلم ولم يتتلمذ على أحد، ولم يطلع على مقال أو كتاب.




ولم يدع له ذلك أي مؤرخ سواء كان مسلماً أو غير مسلم لا في دور طفولته أو شبابه ولا بالأحرى في دور الكهولة والشيخوخة وهو دور الرسالة.كما أنه لم يذكر أحد أو يعرض سنداً يوضح أنه (ص) قد قرأ سطراً واحداً أو كتب كلمة واحدة قبل عصر البعثة.لقد كان العرب آنذاك وبالأخص عرب الحجاز أناساً أميين وكان الذين يستطيعون القراءة والكتابة يعدون بالأصابع ويشار إليهم بالبنان، فلا يمكن والأمر كذلك أن نتصور وجود شخص يتقن القراءة والكتابة في البيئة ولا يعرف عنه ذلك.ونحن نعلم- وسنوضح بعد هذا- أن معارضي الرسول الأكرم (ص) اتهموه آنذاك بالاستماع إلى الآخرين ونقل تعاليمه منهم ، ولكنهم لم يتهموه مطلقاً بأنه كان يعرف القراءة

والكتابة ، فهو مثلاً يحتفظ بكتب لديه ويستلّ منها المواضيع ويستفيد منها... وهو اتهام قريب تصوره لو كان النبي يلم أقل إلمام بالقراءة والكتابة.اعترافات الآخرينولم يجد المستشرقون الذين ينظرون بعين النقد الدقيق للتاريخ الإسلامي أي إشارةٍ إلى وجود معرفةٍ له (ص) بالقراءة والكتابة ولذا فقد اعترفوا بعد لأي بأنه كان أميّاً ترعرع في أمةٍ أميةٍ.يقول كارليل في كتابه "الأبطال" :




" يجب أن لا ننسى شيئاً وهو أن محمداً لم يتلق أي تعليم لدى أي معلم فقد كانت صناعة الخط قد وجدت حديثاً بين الشعب العربي. أعتقد أن الحقيقة هي أن محمداً لم يكن يعرف الخط والقراءة ولم يكن يعرف إلا حياة الصحراء.




ويقول ويل ديورانت في كتابه "قصة الحضارة" :




"الظاهر أنه لم يكن أحد يفكر في تعليمه (أي تعليم الرسول الأكرم) القراءة والكتابة. فلم تكن صناعة الكتابة والقراءة ذات أهمية في نظر الأعراب ولهذا لم يكن يتجاوز الذين يعرفون القراءة والكتابة سبعة عشر شخصاً. ولسنا نعلم أن محمداً قد كتب شيئاً بنفسه. لقد كان له كاتب خاص بعد النبوة ومع ذلك فقد جرى على لسانه أعرف الكتب العربية وأشهرها وقد عرف دقائق الأمور أفضل بكثير من المعلمين".

ويقول "جان ديون يورث في كتابه (الاعتذار إلى محمد والقرآن):




" وحول التعليم والتربية- كما هو متداول في العالم - يعتقد الجميع أن محمداً لم يتعلم ولم يعرف سوى ما كان متداولاً في قبيلته".ويقول كونستان ورزيل كيوركيو في كتابه (محمد! النبي الذي تجب معرفته من جديد) "مع أنه كان أمياً فأنا نجد الحديث عن القلم والعلم أي الكتابة والتكتيب ، والتعلم والتعليم في أوائل الآيات النازلة عليه ، ولم يكن في أي من الأديان الكبرى اهتمام شامل بالمعرفة ولا يمكن أن نجد ديناً يحتل العلم والمعرفة فيه محلاً بارزاً كما كان الأمر في الإسلام. ولو كان محمد عالماً لما كان في نزول هذه الآيات عليه في غار حراء مجال تعجّب لأن العالم يعرف قدر العلم ، ولكنه كان أمياً ولم يدرس على أي معلم. وأنا بدوري أهنئ المسلمين على احتلال طلب المعرفة هذا المقام السامي في مبدئهم".ويقول كوستاف لوبون في كتابه (الحضارة العربية الإسلامية) :




"المعروف أن النبي كان أمياً وهو يطابق القياس والقاعدة إذ لو كان من أهل العلم لكان ارتباط مطالب القران ومواضيعه أفضل مما هو عليه الآن بالإضافة أنه مطابق للقياس أيضاً من جهة أنه لو لم يكن أمياً لما استطاع أن يأتي بمذهب جديد وينشره ، ذلك أن الإنسان الأمي هو أعلم وأكثر معرفة باحتياجات الجهال ، وهو يستطيع بشكل أفضل أن يسير بهم

إلى الصراط السوي. وعلى أيّ حال وسواء كان أمياً أم لم يكن فليس هناك أي ريب في كونه يمتلك أرقى عقل وفراسة وذكاء".ورغم أن كوستاف لوبون لم يكن يستوعب المفاهيم القرآنية من جهة ورغم أفكاره المادية من جهة أخرى مما لم يجعله يدرك الترابط بين الآيات القرآنية ودفعه لأن يطرح كلاماً سخيفاً حول عجز العالم عن معرفة احتياجات الجاهل وبالتالي يوجه الإهانة للقرآن والنبي ، رغم كل هذا فهو يعترف بعد وجود أيّ سند أو علامة على وجود سابق معرفة لنبي الإسلام بالقراءة والكتابة.والواقع أننا لم نكن نهدف من خلال نقل عبائر هؤلاء إلى الاستشهاد بحديثهم فإن المسلمين هم أولى بإظهار النظر في تاريخ الإسلام من غيرهم وإنما كنا نهدف إلى التأكيد لكل أولئك الذين لا يمتلكون بأنفسهم مطالعات تاريخية على أنه لو كانت هناك أية علامة في هذا المجال فإنها لم تكن لتخفى على المؤرخين الباحثين والنقاد من غير المسلمين.ولقد كان للرسول الأكرم (ص) لقاء سريع مع راهب يدعى (بحيرا) (يشكك البروفيسور ماسينيون ـ المستشرق المعروف والمتخصص في العلوم الإسلامية في كتابه (سلمان الطاهر) في أصل وجود مثل هذا الشخص فضلاً عن لقائه بالنبي (ص) ويعتبره شخصية أسطورية ، فيقول :




"وبحيرا سرجيوس وتميم الداري وغيرهما ممن جمعهم الرواة حول النبي هي أشباح أسطورية لا يمكن الحصول على أثر لها") في إحدى فترات استراحته في طريقه من مكة

إلى الشام بصحبة عمه أبي طالب. ولقد استأثر هذا اللقاء السريع باهتمام المستشرقين فراحوا يتساءلون :




هل تعلم النبي شيئاً خلال هذا اللقاء القصير؟ فإذا كانت هذه الحادثة الصغيرة قد جلبت أنظار المخالفين القدامى والجدد فإنه بالأحرى أن يجلب انتباههم وجود أي سند يدل على سابق معرفة للرسول الأكرم بالقراءة والكتابة وعدم خفاء ذلك عليهم، بل أن مثل هذا السند ـ لو وجد - سوف يقع حتماً مجاهرهم التي تكبره مرا عديدة.ولكي نوضّح هذا الأمر ينبغي أن يتناول البحث مجالين :




الأول :




مجال ما قبل البعثةالثاني :




مجال ما بعد البعثة.




ويجب أن نركِّز في مجال ما بعد البعثة على القراءة والكتابة وسوف نجد أن المسلَّم والقطعي الذي يتفق عليه العلماء المسلمين وغيرهم أنه (ص) لم تكن له أي معرفة بهما قبل البعثة ولكن الأمر ليس كذلك وبهذا المستوى من الوضوح بالنسبة لعصر الرسالة، فالذي يقرب من الواقع في هذا العصر أنه لم يكن يكتب أما عدم قراءته فقد وقع فيه خلاف ويظهر من بعض الروايات الشيعية أنه (ص) كان يقرأ في عصر البعثة دون أن يكتب وإن كانت الروايات الشيعية مختلفة وغير متطابق على ذلك.ولكن الذي نستفيده من مجموع القرائن والدلائل هو أنه (ص) لم يكن يقرأ أو يكتب حتى في عصر البعثة.ولمعرفة عصر ما قبل الرسالة يلزمنا البحث عن الوضع العام

للقراءة والكتابة في الجزيرة العربية.وما يستفاد من التواريخ أنه أبان ظهور الإسلام لم يكن هناك سوى أفرادٍ معدودين يعرفون القراءة والكتابة.يحدّثنا البلاذري في آخر كتابه (فتوح البلدان) عن بدء تداول الخط في الحجاز ، فيقول :




"اجتمع ثلاثة نفر من طيء ببقة وهو مرامر بن مرة وأسلم بن سدرة، وعامر بن جدرة، فوضعوا الخط وقاسوا هجاء العربية على هجاء السريانية فتعلمه منهم قوم من أهل الأنبار ثم تعلمه أهل الحيرة من أهل الأنبار، وكان بشر بن عبد الملك أخو الأكيدر بن عبد الملك بن عبد الجن الكندي ثم السكوني صاحب دومة الجندل يأتي الحيرة فيقيم بها الحين وكان نصرانياً فتعلم بشر الخط العربي من أهل الحيرة.ثم أتى مكة في بعض شأنه فرآه سفيان بن أمية بن عبد شمس، وأبو قيس بن عب مناف بن زهرة بن كلاب يكتب فسألاه أن يعلّمهما الخط فعلمهما الهجاء ثم أراهما الخط فكتبا.ثم أن بشراً وسفيان وأبا قيس أتوا الطائف في تجارة فصحبهم غيلان بن سلمة الثقفي فتعلم الخط منهم وفارقهم بشر ومضى إلى ديار مصر فتعلم الخط منه عمرو بن زرارة بن عدس فسمي عمرو الكاتب. ثم أتى بشر الشام فتعلم الخط من ناس هناك.وتعلم الخط من الثلاثة الطائيين أيضاً رجل من طابخة كلب

فعلمه رجلاً من أهل وادي القرى فأتى الوادي يتردد فأقام بها وعلم الخط قزماً من أهلها" ( فتوح البلدان ص580 ، طبع مطبعة النهضة المصريّة .




هذا ويشير أبن النديم في الفهرست "الفن الأول من المقالة الأولى" ( طبع الإستقامة بالقاهرة ص 13 .) إلى كلام البلاذي الآنف ثم يروي عن أبن عباس أن أول من تعلم الخط العربي هم ثلاثة أشخاص من قبيلة (بولان) وهي قبيلة من الأنبار ثم تعلمه أهل الحيرة من أهل الأنبار.وكذلك نجد أبن خلدون يذكر بعض الكلام الآنف ويؤيده في مقدمته (فصل في أن الخط والكتابة من عداد الصنائع الإنسانية).وينقل البلاذري رواية يقول فيها :




دخل الإسلام وفي قريش سبعة عشر رجلاً كلهم يكتب :




عمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، وعثمان بن عفان ، وأبو عبيدة الجراح ،وطلحة ، ويزيد بن أبي سفيان ، وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة ، وحاطب بن عمرو أخو سهيل بن عمرو العامري من قريش ، وأبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي ، وأبان بن سعيد بن العاص بن أمية ، وخالد بن سعيد أخوه ، وعبدالله بن سعد بن أبي سرح العامري ، وحويطب بن عبد العزى العامري ، وأبو سفيان

بن حرب بن أمية، ومعاوية بن أبي سفيان ، وجهيم بن الصلت بن مخرمة بن المطلب بن عبد المناف ، ومن حلفاء قريش العلاء بن الحضرميّ.ثم أن البلاذري يذكر اسم امرأة قرشية واحدة كانت في الجاهلية المعاصرة لظهور الإسلام تعرف القراءة والكتابة وهي (الشفاء) بنت عبدالله العدوي التي أسلمت وكانت من المهاجرين الأولين ويذكر أيضاً أنها علمت حفصة زوجة النبي (ص) الكتابة وقد قال لها النبي (ص) يوماً:




"ألا تعلّمين حفصة رقية النملة (في فتوح البلدان المطبوع في مطبعة السعادة في مصر سنة 1959 جاءت هذه الكلمة (رقنة النملة) وهو من اشتباه النسخ والصحيح هو (رقية) كما جاء في نهاية ابن الأثير مادة (نمل). والرقية هي من العبارات التي كانت تقرأ لدفع البلاء والمرض، ويذكر ابن الأثير في مادة "رقي" أن بعض الأخبار المنقولة عن النبي الأكرم تمنع (الرقي) والأخرى تجوّزها ، ويدعي أن أحاديث المنع ناظرة إلى التعويذ بغير اسم الله وأن لا يعتمد الإنسان على توكله على الله وإنما يعتمد على هذه الرقي، أما أحاديث التجويز فهي ناظرة إلى أن يتوسل الإنسان بالأسماء الإلهية ويطلب من الله التأثير.. أما أبن الأثير فيؤكد أن ما كان معروفاً باسم رقية النملة لم يكن من نوع الرقي المعروفة، وإنما كانت جملاً معروفة يدرك الجميع أنها لا تنفع ولا تضر. وأن الرسول (ص) أراد أن يمازح وبالضمن يلمح بالكناية لزوجته حفصة فقال ذلك للشفاء. وتلك الجمل هي "العروس تحتفل وتختصب وتكتحل وكل شئ تفتعل غير أن تعصي الرجل. وهنا يؤكد أبن الأثير أنه (ص) أراد أن يقول للشفاء بأنها كما عملت حفصة الكتابة كان من الصحيح أن تعلمها رقية النملة وهي إشارة إلى أن حفصة لم تطع زوجها وكشفت عن سر قاله لها (وهو السر المعروف تاريخياً والآية الأولى من سورة التحريم تنظر إليه). كما علمتها الكتابة.

ثم يذكر البلاذري بعض النساء اللواتي كن يكتبن ويقرأن في العهد الإسلامي ، أو اللواتي كنَّ يقرأن فقط فمثلاً حفصة زوجة النبي كانت تقرأ ، كذلك ابنة عقبة بن أبي معيط (من النساء المهاجرات الأوليات) كانت تكتب ، في حين أخبرت ابنة سعد أن أباها علمها الكتابة. وكذلك كانت ابنة المقداد تكتب. أما عائشة (زوجة النبي) فكانت تقرأ ولا تكتب وكذلك أم سلمة.




ثم يذكر البلاذري أسماء أولئك الذين كانوا يكتبون للنبي (ص) ثم يؤكد أنه لم يتجاوز الذين كانوا يعرفون القراءة والكتابة عند ظهور الإسلام الأحد عشر رجلاً من الأوس والخزرج (وهما القبيلتان المعروفتان اللتان تسكنا المدينة) ثم يذكر أسماءهم بعد ذلك.ومن كل ما سبق نعلم أن صناعة الخط كانت وردت إلى البيئة الحجازية حديثاً وأن الوضع كان بحيث إذا عرف أحد الكتابة أشير إليه بالبنان ، وأنه لم يتجاوز الذين يعرفونها سواء في مكة أو في المدينة عدد الأصابع آنذاك ، ولذا نجد التاريخ قد سجّل أسماءهم ، ولو كان رسو الله (ص) منهم لعرف بذلك حقاً ، وإذا لم يذكر في عدادهم فهذا يكشف بوضوح عن انه (ص) لم يكن يعرف القراءة والكتابة.

في عهد الرسالة وخصوصاً في المدينةوبملاحظة مجموع القرائن نعرف أن الرسول الأكرم كان كذلك لا يعرف القراءة والكتابة حتى في عصر الرسالة وإن كان العلماء المسلمون سواء الشيعة أو السنة يختلفون في ذلك إذ قد استبعد البعض أن لا يكون الوحي قد علمه كل شئ.وقد جاء في بعض روايات الشيعة أنه (ص) كان يقرأ في عصر الرسالة ولكنه لم يكن ليكتب (بحار الأنوار ج16 ، ص 132) ومنها ما رواه الصدوق في علل الشرائع عن أبي عبدالله (ع) :




"قال :




كان مما من الله عز وجل على رسول الله (ص) أنه كان يقرأ ولا يكتب فلما توجه أبو سفيان إلى أحد كتب العباس إلى النبي (ص) فجاءه الكتاب وهو في بعض حيطان المدينة فقرأه ولم يخبر أصحابه وأمرهم أن يدخلوا المدينة ، فلما دخلوا المدينة أخبرهم". (بحار الأنوار :




ج 16 ، ص 133 ،(والرواية ضعيفة السند :




المترجم).ولكن سيرة زيني وحلان تنقل حادثة رسالة العباس بشكل يخالف رواية علل الشرائع فيقول:




"وكتب العباس للنبي (ص) وأخبره بجمعهم وخروجهم... فجاء كتابة للنبي (ص) وهو بقباء وكان العباس أرسل الكتاب مع رجل من بني غفار أستأجره وشرط عليه أن يأتي المدينة في ثلاثة أيام بلياليها ففعل ذلك ، فما جاء الكتاب فك ختمه ودفعه لأبي بن كعب فقرأه عليه

فاستكتم أبياً ، ثم نزل (ص) على سعد بن الربيع فأخبره بكتاب العباس فقال والله أني لأرجو أن يكون خيراً فاستكتمه إياه". (سيرة الزيني دحلان :




ج1 ،ص229 طبع دار المعرفة -بيروت)هذا في حين يعتقد البعض أنه (ص) كان في عصر الرسالة يقرأ ويكتب فيقول السيد المرتضى- كما ينقله البحار عنه (بحار الأنوار :




ج16 ، ص 135) - :




قال "الشعبي وجماعة من أهل العلم :




ما مات رسول الله (ص) حتى كتب وقرأ "ولعله هو يؤيد ذلك بعد أن أستند إلى حديث الدواة والكتف قائلاً :




"وقد شهر في الصحاح والتواريخ قوله (ص) :




إيتوني بدواة وكتف أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً".ولكن الاستناد إلى حديث الدواة والكتف ليس صحيحاً فإنه ليس بصريح في أن رسول الله (ص) أراد أن يكتب بيده.




ولو فرضنا أنه كان يريد أن يأمر بكتابة شئ مستشهداً الحاضرين عليه لكان تعبير "أكتب لكم كتاباً ..." صحيحاً إذ هو من الإسناد المجازي - كما يصطلح عليه البيانيون - وهو من وجوه الفصاحة الشائعة في اللغة العربية وغيرها.كتاب النبييستفاد من نصوص التواريخ القديمة الإسلامية المعتبرة أن رسول الله (ص) كان يملك كتاباً في المدينة . وكان هؤلاء

يكتبون الوحي وحديث النبي ، والعقود والمعاملات بين الناس ، والعهود التي كان يعطيها الرسول (ص) للمشركين وأهل الكتاب ، ودفاتر الصدقات والضرائب ودفاتر الغنائم والأخماس ، والرسائل الكثيرة التي كان (ص) يرسلها إلى الأطراف. وها هو التاريخ ينقل لنا علاوة على الوحي الإلهي والأحاديث الشفهية له (ص) الكثير من عهود النبي ورسائله.فهذا محمد بن سعد في كتابه (الطبقات الكبيرة) ج2 30-38 يذكر ما يقرب من مئة رسالة بمتونها. وبعض هذه الرسائل مرسل إلى سلاطين العالم وحكامه ورؤساء القبائل والأمراء الخاضعين للروم أو الفرس في خليج فارس وسائر الشخصيات وهي تدعوهم للإسلام أو تمتلك صفة تعليم عام يمكن أن يشكل أصلاً فقهياً وغير ذلك. والكثير من هذه الرسائل معلوم الكاتب، إذ يذكر كاتب رسالة النبي (ص) اسمه في آخر الرسالة ويذكر أن أول من نشر هذه العادة (أي كتابة اسم الكاتب في آخر الرسالة) هو أبي بن كعب الصحابي المعروف.هذا ولم يكتب النبي بخط يده أياً من هذه الرسائل والعهود والدفاتر ، فإننا لا نجد موضعاً يقال فيه أن رسول الله (ص) كتب الرسالة الفلانية بخط يده. بل لم ير موضع يكتب فيه رسول الله (ص) آية قرآنية بخطه في حين أن كتاب الوحي كتب كل منهم قراناً بخط يده.فهل من الممكن أن يكون رسول الله (ص) يعرف الكتابة

ولكنه لا يكتب قرآناً أو سورة منه أو آية بخط يده.وقد جاءت أسماء كتّاب الوحي في كتب التواريخ فيقول اليعقوبي في تاريخه :




ـ"وكان كتابه الذين يكتبون الوحي والكتب والعهود :




علي بن أبي طالب ، عثمان بن عفان ، وعمرو بن العاص بن أمية ، ومعاوية بن أبي سفيان ، وشرحبيل بن حسنة ، وعبد الله بن سعد أبي سرح، والمغيرة بن شعبة ، ومعاذ بن جبل ، وزيد بن ثابت ، وحنظلة بن الربيع ، وأبي أبن كعب وجهيم بن الصلت والحصن النميري". (تاريخ اليعقوبي ج2 ص80).أما المسعودي في "التنبيه والإشراف" فهو يفصل إلى حد ما فيذكر نوع عمل الكاتب مما يوضح سعة مجال عملهم ووجود نوع من التنظيم وتقسيم العمل فيما بينهم فيقول :




"وكان خالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس أبن عبد مناف يكتب بين يديه في سائر ما يعرض من أموره، والمغيرة بن شعبة الثقفي ، والحصين بن نمير يكتبان أيضاً فيما يعرض من حوائجه وعبد الله بن الأرقم بن عبد يغوث الزهري، والعلاء بن عقبة يكتبان بين الناس المداينات وسائر العقود والمعاملات ،والزبير بن العوام ، وجهيم بن الصلت يكتبان أموال الصدقات ، وحذيفة بن اليمان يكتب خرص الحجاز ، ومعيقيب بن أبي فاطمة الدوسي ... وكان حليفاً لبني أسد يكتب

مغانم رسول الله (ص) وكان عليها من قبله ، وزيد بن ثابت الأنصاري ثم الخزرجي من بني عّم بن مالك بن النجار يكتب إلى الملوك ويجيب بحضرة النبي (ص) وكان يترجم للنبي بالفارسية والرومية والقبطية والحبشية تعلم ذلك بالمدينة من أهل هذه الألسن (يذكر جامع الترمذي أن رسول الله أمر زيد بن ثابت أن يتعلم اللغة السريانية وكذلك ينقل عنه البلاذري انه قال :




أمرني رسول الله (ص) أن أتعلم له كتاب يهود ، وقال لي أبي لا آمن يهوداً على كتابي فلم يمر بي نصف شهر حتى تعلمته. فكنت أكتب له إلى اليهود وإذا كتبوا إليه قرأت كتبهم. فتوح البلدان ص 583 طبع مكتبة النهضة ، وشبيه بهذا ما جاء في جامع الترمذي أيضاً ) وكان حنظلة بن الربيع ... يكتب بين يديه (ص) في هذه الأمور إذا غاب من سمَّينا من سائر الكتَّاب ينوب عنهم في سائر ما يتفرد به كل واحد منهم ، وكان يدعى حنظلة الكاتب. وكانت وفاته في خلافة عمر بن الخطاب بعد أن فتح الله على المسلمين البلاد وتفرقوا فيها فصار إلى الرُّها من بلاد ديار مصر فمات هناك ... وكتب له عبد الله بن سعد بن أبي سرح ... ثم لحق بالمشركين بمكة مرتداً ، وكتب له شرحبيل لن حسن الطابخي... وكان ابان بن سعيد والعلاء بن الحضرمي ربما كتبا بين يديه وكتب له معاوية قبل وفاته بأشهر. وإنما ذكرنا من أسماء كتابه (ص) من ثبت على كتابته" (التنبيه والإشراف ص 245- 246 ملخصاً).




ولم يذكر المسعودي هنا في كتاب الوحي وكتاب العهود الإسلامية اسم الإمام علي وعبد الله بن مسعود وأبي بن كعب. وكأنه أراد أن يذكر الأشخاص الذين كانوا يمتلكون بالإضافة لكتابة الوحي سمة أخرى.ونحن نقع في التواريخ والأحاديث الإسلامية على قضايا كثيرة يأتي فيها الكثير من المسلمين القريبين والبعدين مكاناً إلى النبي (ص) ويطلبون منه النصيحة فكان (ص) يجيبهم بكلامه الحكيم البليغ ، وتؤكد التواريخ أن تلك الأحاديث كانت تكتب إما في المجلس أو بعد ذلك ، ولكنا نلاحظ أنه (ص) لم يكتب سطراً واحداً في جواب هؤلاء ولو كان قد كتب لأحتفظ به المسلمون وتبركوا به وأعتبروه فخراً لهم ولقبائلهم. وهذا ما نلاحظه في حياة الإمام علي (ع) وسائر الأئمة حيث احتفظ بقسم من خطوطهم لمدة سنين بل قرون في بيوتهم وبيوت شيعتهم وهناك نسخ موجودة لحد الآن تنسب إليهم (ع).وما الحادثة المعروفة لزيد بن علي بن الحسين ويحيى بن زيد وكيفية الاحتفاظ بالصحيفة السجادية إلا شاهد على هذا المدعي.




وينقل أبن النديم في الفن الأول من المقالة الثانية من الفهرست حادثة طريفة فيقول :




(الفهرست طبع الاستقامة ص 67).

"قال محمد بن اسحاق كان بمدينة الحديثة رجل يقال له محمد بن الحسين ويعرف بابن أبي بعرة جماعة للكتب له خزانة لم أر لأحد مثلها كثرة تحتوي على قطعة من الكتب العربية في النحو واللغة والأدب والكتب القديمة ... فرأيت عجباً إلا أن الزمان قد أخلقها وعمل فيها عملاً أدرسها وأحرفها وكان على كل جزءٍ أو ورقة أو مدرج توقيع بخطوط العلماء واحداً أثر واحد فذكر فيه خط من هو وتحت كل توقيع ، توقيع آخر خمسة أو ستة من شهادات العلماء على خطوط بعضٍ لبعض ورأيت في جملتها مصحفاً بخط خالد بن أبي الهياج صاحب علي رَضي الله عنه ... ورأيت فيها بخطوط الإمامين الحسن والحسين ورأيت عنده أمانات وعهوداً بخط أمير المؤمنين علي عليه السلام وبخط غيره من كتاب النبي (ص).هكذا كانوا يحتفظون بهذه الآثار المباركة والى هذا الحد فكيف يمكن أن يكون للرسول (ص) قد كتب سطراً واحداً على الأقل ولكنه لم يبق مع عناية المسلمين العجيبة بحفظ الآثار المباركة. فمسألة كتابته (ص) حتى في عصر الرسالة منتفية طبق القرائن والإمارات القطعية، أما مسألة قراءته في عصر البعثة فلا يمكن نفيها جزماً وإن كنا لا نملك دليلاً قطعياً على قراءته فيه بل تخالف ذلك أكثر القرائن..




صلح الحديبية هناك حوادث وقعت في حياته (ص) وهي توضح أنه لم يكن يكتب أو يقرأ حتى في المدينة المنورة ، ومنها حادثة الحديبية المشهورة التي امتلكت أهميتها وشهرتها من نتاجها التاريخية.ورغم أن النقول التاريخية والحديثة مختلفة مع بعضها فإنها تساعد إلى حد كبير على توضيح الأمر. ففي شهر ذي القعدة من السنة السادسة الهجرية غادر النبي المدينة قاصداً مكة للعمرة والحج وأمر باصطحاب إبل الأضاحي. ولكن ما إن وصل إلى الحديبية (وهي تبعد ما يقارب فرسخين عن مكة). حتى وجد قريشاً وقد شكلت حاجزاً قوياً من دخول المسلمين مكة ، رغم أن الشهر من الأشهر الحرم ، ولم يكن حسب أعراف الجاهلية لقريش الحق في منعه خصوصاً وأن النبي (ص) كان قد أوضح أنه لم يكن يقصد سوى زيارة الكعبة والرجوع بعد أداء المناسك. إلا أن قريشاً منعته ولم توافق على ذلك في حين أصر المسلمون على دخول مكة ولو بالقوة ، ولكنه (ص) لم يرض بذلك ولم يوافق على أن تهتك حرمة الكعبة فتم الصلح بين قريش والمسلمين حول الموضوع وكان نص الصلح بإملاء منه (ص) وكتابة من علي (ع). فقد طلب من على أن يكتب "بسم الله الرحمن الرحيم" فاعترض سهيل بن عمرو مندوب قريش بأن هذا هو شعار المسلمين وهم أي المشركون لا يعرفونه إذن بسمك اللهم فوافق الرسول

الأكرم وأمر علياً أن يكتبها كما قال عمرو ثم قال رسول الله :




أكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو، فقال سهيل :




لو شهدت أنك رسول الله لم أقاتلك ولكن أكتب اسمك واسم أبيك فقال رسول الله (ص) أكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو... وهنا وقع الخلاف وبعض الاعتراض واختلف النقول التاريخية في نقل ما جرى وما يظهر من سيرة أبن هشام وصحيح البخاري "باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب" أن اعتراض قريش كان قبل كتابة كلمة "رسول الله" فوافق الرسول على كتابة "محمد بن عبد الله" بدل "محمد رسول الله" ولكن أكثر النقول تصر على أن الاعتراض وقع بعد كتابة كلمة (محمد رسول الله ) فطلب رسول الله (ص) من علي أن يمحو كلمة (رسول الله) فأعتذر علي (ع) أن يمحو بيده تلك الكلمة المباركة ، وهنا أيضاً تختلف النقول ، فروايات الشيعة متفقة على أن النبي (ص) محا هذه الكلمة بيده بعد امتناع علي من محوها ثم كتب علي "محمد بن عبد الله" وإن كانت بعض الروايات الشيعية وكذلك بعض الروايات السنية تصرح بأن النبي (ص) طلب من علي أن يريه الكلمة وأن يضع يده عليها ليمحوها ففعل علي فمحا رسول الله بيده كلمة (رسول الله) وكتب علي بدلها (أبن عبد الله) فالكاتب هو علي لا النبي (ص) بل أنه طبقاً لهذه النصوص لم يكن النبي ليقرأ أو يكتب مطلقاً

وينقل كتاب (قصص القرآن) لأبي بكر عتيق النيشابوري السعد آبادي المأخوذ من تفسيره للقرآن المؤلف في القرن الخامس وباللغة الفارسية ، ينقل هذه الحادثة حتى يصل إلى المحل الذي يعترض فيه مندوب قريش سهيل بن عمرو على كتابة كلمة رسول الله ، فيقول ما ترجمته :




"قال سهيل بن عمرو أكتب هكذا :




هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو ، فأمر رسول الله (ص) علياً أن يمحو كلمة "رسول الله" وتكرر الطلب والامتناع فقال رسول الله (ص) ضع إصبعي عليها حتى أمحوها لأن رسول الله (ص) كان أمياً لا يعرف الكتابة" فوضع على أصبع رسول الله (ص) على الموضع ، ومحاها رسول الله (ص) ليكتب كما يريد سهيل".ويقول اليعقوبي في تاريخه (الجزء الأول ص 54)"وأمر علياً فكتب "باسمك اللهم" من محمد بن عبد الله" وصحيح مسلم بعد ذكر امتناع علي من المحو يؤكد إن النبي قال لعلي :




"فأرني مكانها ، فأراه مكانها فمحاها وكتب "أبن عبد الله" والملاحظ في هذه الرواية أنها تذكر تارة أن النبي استعان بعلي (ع) في معرفة محل الكلمة وتذكر تارة أخرى أن النبي محاها وكتب مما يظهر منه ابتداءاً أن النبي هو الكاتب ولكن المسلم به أن ناقل الحديث كان يقصد أن علياً هو الذي كتب

بعد أن ذكر استعانة النبي به وما يبدو وبصراحة تقريباً من كل من تاريخ الطبري والكامل لابن الأثير، وروايات أخرى للبخاري في باب الشروط أن الكلمة الأخرى كتبها رسول الله بخطه إذ جاء "فأخذه رسول الله وكتب" وجاءت في عبارة الطبري وابن الأثير جملة أخرى هي "فأخذه رسول الله وليس يحسن أن يكتب فكتب" وهذا يؤيد أن الكتابة كانت بشكل استثنائي وهو ما يمكن أن يؤيد نظر أولئك القائلين بأن النبي (ص) كان يمكنه أن يكتب لو كان يريد وذلك بتعليم الله ولكنه لم يكتب تماماً كموقفه من الشعر فلم يكن (ص) ينظم شعراً أو يقرأ حتى شعر غيره وحينما يريد ذكر شعر غيره يحل البيت فيقدم الكلمات ويؤخرها أو يضيف إليها ويحذف لأن الله جعل مقامه فوق مقام الشعر فيقول تعالى :




«وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ»(يس69).




وهكذا نلاحظ اختلاف النقول في هذه الحادثة ورغم أن البعض منها يؤكد أنه كتب بيده كلمة (بن عبد الله) التي كانت بمنزلة توقيعه ولكنها نفسها تعتبرها ظاهرة استثنائية.هذا وقد جاءت في أسد الغابة في ذيل أحوال تميم بن جراشة الثقفي قصة توضح بصراحة أن النبي الأكرم (ص) لم يكن يقرأ أو يكتب حتى في عصر البعثة ، فيقول (أسد الغابة ص 216) :




قدمت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في وفد ثقيف فأسلمنا وسألناه أن يكتب لنا كتاباً فيه شروط فقال اكتبوا ما

بدا لكم ثم إيتوني به ، فسألناه في كتابه أن يحل لنا الربا والزنا فأبى علي رضي الله عنه أن يكتب لنا فسألناه خالد بن سعيد بن العاص فقال له علي :




تدري ما تكتب؟ قال اكتب ما قالوا ورسول الله (ص) أولى بأمره فذهبنا بالكتاب إلى رسول الله (ص) فقال " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا - الآية " ثم محاها وألقيت علينا السكينة فما راجعناه فلما بلغ الزنا وضع يده عليها وقال "ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشاً - الآية "ثم محاه وأمر بكتابنا أن ينسخ لنا.

الإدعاء الغريب

نشرت بعض المجلات الإيرانية (مجلة (روشنفكر) العدد 8، و15 من سنة 64 م وغيرها.) قبل أربع سنوات (طبعاً من تأليف الكتاب) مقتطفات من محاضرة ألقيت في أحد المؤتمرات الإسلامية في الهند حول الموضوع من قبل الدكتور سيد عبداللطيف الحيدر آبادي رئيس معهد الدراسات الثقافية حول الهند والشرق الأدنى ورئيس أكاديمية الدراسات الإسلامية في حيدر آباد حيث نشرت بعد ذلك باللغة الإنجليزية ، وقد ادعى الدكتور المذكور أن رسول الله (ص) كان يقرأ ويكتب حتى قبل عصر الرسالة !!وكان نشر هذه المقتطفات سبباً لهياج خاص بين القراء الإيرانيين فكثرت التساؤلات والمراجعات حولها آنذاك فتحدثت باختصار يومئذٍ ، وها أنا أتعرض بالتفصيل لما ذكره إشباعاً للتوق والتطلع نحو الحقيقة من جهة واهتماماً بالأمر خصوصاً وهو يصدر من أمثال الدكتور سيد عبداللطيف ويحوي نقاطاً يبعد صدورها من محقق فذ من جهة أخرى.




أنه يدعي :




1. أن علة القول بأنه (ص) لم يكن يقرأ ولا يكتب ناشئة من خطأ المفسرين في تفسير كلمة "أمي" التي جاءت في سورة الأعراف الآية (156) و(157) حيث يقول تعالى :




(الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ ...... »(الأعراف/157).( فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ....»(الأعراف/158).فيرى أن المفسرين فسروا الكلمة بـ (الذي لا يقرأ ولا يكتب) مع أنها لا تعني ذلك.2. أنه توجد في القرآن الكريم آيات أخرى يفهم منها - بصراحة- أن رسول الله كان يتقن القراءة والكتابة.3. وأن بعض الأحاديث المعتبرة والمنقولات التاريخية أثبتت بصراحة أنه يحسنهما.هذه خلاصة المدعيات المشار إليها وسنتعرض لها فيما يلي بالنقد والتمحيص.

هل نشأ الاعتقاد بعدم تعلم النبي لهما من تفسير كلمة (أمي)؟ الواقع أن الدكتور المذكور على خطأ في هذا التصور وذلك :




أولاً :




لأن تاريخ العرب ومكة حال ظهور الإسلام يشهد على عدم تعلم النبي لهما قطعاً. فقد أوضحنا فيما سبق الوضع الذي كانت عليه الكتابة والقراءة في البيئة الحجازية آنذاك حيث كانتا محدودتين لا تشملان إلا بعض الأفراد الذين حفظ التاريخ أسماءهم لندرتهم ومعروفيتهم في حين لم يذكر النبي فيهم. وعليه فإن المسلمين كانوا سيقولون بأمية محمد النبي (ص) حتى لو لم يخبرهم القرآن بذلك.وثانياً :




فلأنه توجد في القرآن آية أخرى لا تقل صراحة عن الآيتين السالفتين (المذكورة فيهما كلمة أمي) بحيث أن المفسرين الذين اختلفوا في مفهوم كلمة (أمي) لم يختلفوا في أن هذه الآية تدل على عدم النبي للقراءة والكتابة وهي :




«وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لاَرْتَابَ الْمُبْطِلُونَ»(العنكبوت48).فهي صريحة في أن الرسول (ص) لم يكن قبل عصر الرسالة يقرأ أو يكتب ، وهذا ما فهمه عموم المفسرين المسلمين.

وهنا يقول الدكتور المذكور أن المفسرين اشتبهوا أيضاً في تفسير الآية فإن الكتاب هنا هو (الكتب المقدسة) كالتوراة والإنجيل فيكون مضمون الآية :




إنك قبل نزول القرآن لم تكن تعرف أي كتاب مقدس لأن الكتاب المقدس لم يكن باللغة العربية ، ولو كنت قرأت هذه الكتب لعدت موضعاً لشك المرتابين وتهمتهم.ولكن هذا الإدعاء مجانب للواقع إذ الكتاب في اللغة العربية (خلافاً لما يفهم من هذه اللفظة في الفارسية اليوم) يعني مطلق ما هو مكتوب سواء أو دفتراً مقدساً سماوياً أو غير سماوي. وقد تكرر استعمال هذه اللفظة في القرآن الكريم في مختلف الكتابات.فتارة تستعمل في مورد رسالة بين شخصين ، كما جاء في قصة ملكة سبأ «قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ،إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِاِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ»(النمل29-30 ). وأخرى في مورد الوثيقة التي يكتبها طرفان متعاملان :




مثل ( يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ ( (النور33). وثالثة في مورد الألواح الغيبية والحقائق الملكوتية التي لها نحو تعبير عن الحوادث في هذا العالم مثل ( وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ»(الأنعام/59).




نعم إذا أضيفت كلمة (أهل) إلى (الكتاب) فإنهما تشكلان اصطلاحاً قرآنياً خاصاً في أن المراد هم أتباع الكتب السماوية فتقول الآية القرآنية (153) من سورة النساء :




(يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنْ السَّمَاءِ ( (النساء/153).وقد تكررت كلمة (الكتاب) فيها مرتين ، الأولى منهما يراد منها (الكتاب السماوي) بعد إضافة أهل إليها والثانية يقصد فيها كتابة عادية.هذا بالإضافة إلى وجود جملة (ولا تخطه بيمينك) التي تشكل قرينة على أن المراد هو أنك لم تكن تقرأ أو تكتب ، و لو كنت تحسنهما لاتهموك باستقاء المعلومات من مكان آخر ولكنهم لم يجدوا مجالاً لهذا الاتهام.أما لو كان المراد بـ (الكتاب) الكتب المقدسة المكتوبة باللغات الأخرى ، فإن معنى الآية سوف يكون "وما كنت تقرأ باللغات الأخرى أو تكتب بها" ومن الطبيعي بطلانه لأن مجرد قراءة تلك الكتب بتلك اللغات كانت كافية لإثبات التهمة ، فيكفي أن يكون (ص) قادراً على قراءتها بتلك اللغات وكتابتها من جديد بلغته العربية.نعم توجد نكته في البين يمكنها أن تؤيد تفسير الدكتور المذكور وإن لم يلتفت إليها لا هو ولا سائر المفسرين وهي وجود كلمة (تتلو) المأخوذة من مادة التلاوة وهي - كما يقول الراغب - تختص بقراءة الآيات المقدسة بخلاف كلمة (تقرأ)

الأعم منها. وعليه فإن المراد من الكتاب هنا هو الكتاب المقدس لاقترانه بكلمة (تتلو).إلا أن الظاهر هو أن علة الإتيان بكلمة (تتلو) ناشئة من كون مورد البحث هنا (القرآن) فجئ بهذه الكلمة تحقيقاً للمشاكلة وهي من الصناعات البديعية فيمكنك أن تقول :




" أنت تتلو القرآن فعلاً ولم تكن تتلو قبله أي كتابة أخرى".آية أخرىوتوجد آية أخرى تشعر بعدم تعلم الرسول الأكرم (ص) وهي الآية (52) من سورة الشورى :




( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ ((الشورى52). .فهي تؤكد على أنه (ص) لم يكن يعرف الكتابة قبل نزول الوحي ، ولم يذكر الدكتور هذه الآية ولعله لو كان التفت إليها لعلق عليها بأن المراد هو الكتاب المقدس المكتوب باللغات غير العربية ولكنا نجيبه بنفس الجواب السابق.هذا وقد ذكر المفسرون هنا - لعلة نجهلها - أن المقصود بالكتاب هنا هو القرآن - وعلى هذا التفسير - تخرج هذه الآية عن مورد الاستدلال.وثالثاً :




فإنه لم تكن للمفسرين المسلمين وجهة نظر واحدة في تفسير كلمة (أمي) رغم أنهم اتفقوا على أنه (ص) لم يكن يحسن القراءة والكتابة قبل عصر الرسالة لا بل أجمع عليه

علماء الإسلام وهو بنفسه دليل قاطع على أن منشأ اعتقاد المسلمين بعدم إتقانه لهما ليس هو تفسير كلمة (أمي). وعلى أي حال فما هو مفهوم كلمة (أمي)؟ مفهوم كلمة أمي للمفسرين في كلمة (أمي) ثلاثة تفسيرات :




التفسير الأول :




غير المتعلم وغير العارف بالخط والكتابة. وتؤيد الأكثرية هذا الرأي أو ترجحه على الأقل. ويقول المؤيدون إن الكلمة منسوبة إلى (الأم).فالأمي هو الذي بقي من حيث الإطلاع على الكتابات والمعلومات الإنسانية على الحال الذي ولدته أمه فيه. أو هي منسوبة إلى (الأمة) فالأمي من كان على شاكلة أكثرية الناس وهي لا تعرف القراءة والكتابة في حين أن الذين يعرفونها قليلون ، وهكذا يقال عن (العامي) الذي هو شاكلة عامة الناس (المفردات في ذيل كلمة (أم) ومجمع البيان ذيل الآية 78 (البقرة)). وقال البعض أن أحد معاني الأمة هي الخلق فالأمي هو الذي بقى على الخلقة والحالة الأولى من عدم المعرفة والاطلاع وقد استند هذا البعض إلى بيت للأعشى يوضح هذا المعنى. وعلى أي فسواء كانت مشتقة من (أم) أو (أمة) وأياً كان معنى (الآمة) فإنها تعني غير الكاتب والقارئ.




التفسير الثاني :




من أهل أم القرىومؤيدو هذا التفسير ينسبون (أمي) إلى (أم القرى) وهي مكة فقد جاء في سورة الأنعام الآية (92) قوله تعالى :




( وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا ((الأنعام/92).، وقد ذكرت الكتب القديمة هذا الاحتمال وأيدته بعض أحادث الشيعة وإن لم تكن معتبرة كما يقال أن للكلمة جذراً إسرائيلياً. وقد ورد هذا الاحتمال بأدلة :




الأول :




أن كلمة (أم القرى) ليست علماً خاصاً بمكة وإن شملت مكة باعتبارها مركزاً لقرى حولها ، إذ أن أم القرى يعني مركز القرى ، فكل نقطة تشكل محوراً لنواحي مختلفة يقال لها أم القرى. ويفهم من استعمال آخر لها في القرآن الكريم أنها مجرد عنوان وصفي لا علمي ، فقد جاء في سورة القصص (الآية 59) قولة تعالى :




(وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً( (القصص59) . فيعلم منه أن كل مركز ومجمع يسمى بـ (أم القرى) في لغة القرآن. وحينئذٍ فلا معنى للنسبة لعنوان وصفي.الثاني :




أن الكلمة أطلقت في القرآن على أناسٍ لم يكونوا مكيين كما في سورة آل عمران( الآية 20 ) إذ يقول تعالى :




( وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ ( (آل عمران/20).ومنه يعلم أن الكلمة في عرف ذلك اليوم وعصر القرآن كانت تطلق على العرب غير التابعين لكتاب سماوي.

وعلاوة على ما سبق ؛ فإن هذه الكلمة أطلقت على عوام اليهود الذين لم يكونوا يعرفون شيئاً رغم أنهم يعدون من أهل الكتاب كما جاء في سورة البقرة الآية (78) ( وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ ((البقرة/78). ومن الواضح أن اليهود الذين أسماهم القرآن بـ (الأميين) لم يكونوا من أهل مكة بل كان غالبهم يسكن المدينة وأطرافها.الثالث :




أن القواعد الأدبية كانت تقتضي أن يقال قروي لا (أمي) لو كانت الكلمة مشتقة من (أم القرى) حسب قاعدة النسبة في علم الصرف وهي تقرر أنه عند النسبة للمضاف والمضاف إليه وخصوصاً عندما يكون ا لمضاف هو الأب أو الأم أو البنت، هذه النسبة تكون للمضاف إليه لا للمضاف فنقول في النسبة إلى (أبي طالب) طالبي ، وأبي حنيفة حنفي ، وبني تميم ، تميمي.التفسير الثالث :




المشركون العرب الذين لم يكونوا يتبعون كتاباً سماوياً. وقد وجدت هذه النظرية قديماً لدى المفسرين إذ جاء في مجمع البيان في ذيل الآية (20) من (سورة آل عمران) التي تجعل الأميين في قبال أهل الكتاب وهي قوله تعالى :




/ 3