مقالات إسلامیة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

مقالات إسلامیة - نسخه متنی

مرتضی مطهری

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید





مقلات إسلامية
مرتضـى المطهــري


نُبذة من حياة الأُستاذ المُطهّري«وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ»(آل عمران/169).


(وُلد الأُستاذ الشهيد في 13 بهمن 1298 هجرية شمسية الموافق لـ 13 جمادي الأولى 1338 هجرية قمرية في قرية فريمان من محافظة خراسان. والده هو المرحوم الشيخ محمد حسين المُطهّري. كان رجلاً ورعاً تقياً وأنموذجاً في التقيّد بالسنُنٍ الإِسلامية. لقد تربى الأُستاذ في حجر هذا الولد المتقي وكان يمتاز منذ طفولته عن الآخرين. فكان مُحباً للطهارة والتقوى. مُتجنباً الأعمال المشينة توّاقاً إلى والمعرفة ذكياً نافذ البصيرة).(كان الأُستاذ يتلهف شوقاً إلى دراسة العلوم الدينية وهو في دور الصبا. ولذلك هاجر إلى مدينة مشهد المقدسة في سنة 1311 هجرية شمسية وعمرُهُ اثنا عشر سنة ودرسَ
هناك مقدمات العلوم الدينية من المنطق الفلسفة والحقوق في الإِسلام والأدب العربي.(ثم هاجر الأُستاذ المُطهّري إلى قم الحوزة العلمية في سنة 1316 هجرية شمسية، الموافق لعام 1358هـ.ق . وعمره آنذاك سبعة عشر عاماً وهو يحمل في قلبه شوقاً عظيماً إلى كسب المعارف الإِسلامية.وابتدأ هناك بالحضور في مجالس بحث الفقه والأصول لثلاثة من رجال الدين الأكابر:


(آية الله الصدر، آية الله السيد محمد المحقق وآية الله السيد محمد حجت).وفيما بين سنة 1319 الموافق لعام 1361 هـ.ق. وسنة 1331 هجرية شمسية، الموافق لعام 1329 هـ.ق. حضر مجلس بحث الإِمام الخميني في يومي الخميس والجمعة حول مواضيع الفلسفة والعرفان. وهنا عثر-كما يقول-بضالته المنشودة في شخصية عظيمة.قال الأُستاذ وهو يشرح مدى شوقه لمباحث الفلسفة الإِلهية:


(أما درس الأخلاق الذي كنت أحضره لدى الشخصية المحبوبة عندي يومي الخميس والجمعة فكان في الواقع درساً في المعارف الإِلهية ومنهجاً للسير والسلوك العرفاني لا الأخلاق بمفهومه الجامد العلمي، فكنت أتمتع
به غاية التمتع ولستُ مبالغاً إذا قلت أن هذا الدرس كان يطربني بحيث لم يزل تأثيره العميق في روحي إلى يومي الأثنين والثلاثاء من الأسبوع التالي.وكان لهذا الدرس والدروس التالية التي تلقيتها من ذلك الأستاذ الإِلهي طيلة اثني عشر عاماً الأثر العظيم في صياغة شطر كبير من شخصيتي الفكرية والنفسية. وإني لأجد نفسي دائماً مديناً له بذلك. حقاً إنه كان (يشير الأستاذ هنا بوجه لطيف إلى استاذه، وإنه هو الإمام الخميني، وذلك لأنّ كتابه هذا ألّفه في العهد البهلوي الأسود) صنيعة الروح القدسية الإِلهية).وكان الأُستاذ المُطهّري يستفيد إلى جانب دراسته للفلسفة والعرفان خلال ثمانية أعوام من سنة 1323 الموافق لعام 1369 هـ.ق. إلى سنة 1331 هجرية شمسية الموافق لعام 1373 هـ.ق. من محضر بحث آية الله البروجردي رحمهُ الله. وكان زميله في الحجرة الفقيه الكبير آية الله المنتظري. فقد استحكمت بينهما أواصر الود والصداقة منذ بدء تعارفهما واستمرت تتزايد بسبب الأسفار واللقاءات والمكاتبات حتى حالت بينهما شهادة الأستاذ.وقد التقى الأُستاذ المُهّري في صيف عام 1320
هجريّة شمسية الموافق لعام 1362 هـ.ق. بالمرحوم الحاج ميرزا علي الشيرازي الأصفهاني وتعرّف عليه في أصفهان بواسطة زميله الجليل آية الله المنتظري. وكان هذا اللقاء والمعارفة سبباً لتعرّف الأُستاذ عل معارف نهج البلاغة الأمر الذي كان لديه ثميناً غالياً جداً.وكان الأستاذ إلى جانب حضوره مجالس بحث الإمام الخميني وآية الله البوجردي والعلامة المرحوم السيد محمد حسين الطباطبائي مشتغلاً بالتدريس وكان يُعدّ من المدرّسين المشاهير في الحوزة.واشترك الأستاذ في سنة 1329 الموافق لعام 1371 هـ.ق. في محضر بحث المرحوم الأستاذ العلامة الطباطبائي وقرأ لديه فلسفة ابن سينا. وعقد استاذه له مجلس درس خاص للتحقيق عن الفلسفة المادية فكانت أبحاثه حجر الأساس لتأليف كتاب (أصول فلسفة وروش رئاليسم) الذي كان له الدور المصيري في هذه السنوات العشرين في تفنيد أسس الفلسفة المادية. ويُعد هذا الكتاب من أعمق وأدق آثار الأُستاذ المُطهّري.وفي سنين (27،28،29) أي في سنين (1396،1370،1371 هـ.ق) حيث اجتاحت جميع أرجاء إيران موجة النضال من أجل الحرية تشكلت
في قم أيضاً حركات ومنظمات منها حركة (فدائيان إسلام) التي كانت تمارس الكفاح المُسلح وكان للأُستاذ المُطهّري دور في هذه النشاطات فكان مرتبطاً بجميع تلك الجمعيات التي كانت تدعو إلى حركة ثورية لإصلاح المجتمع بما فيها منظمة (فدائيان إسلام) وكان الأُستاذ بصورة سريّة يشاركهم في الفكر ويرشدهم إلى مصالحهم.وهاجر الأُستاذ المُطهّري في سنة 1131هـ.ش. الموافق لعام 1373هـ.ق. من قم إلى طهران وفي تلك السنة تزوج كريمة أحد مشاهي العلماء في خراسان. ومنذ بدء هجرته إلى طهران أي في نفس السنة عقد حوزة تدريس في مدرسة (مروي) واشتغل بتدريس الكتب الفلسفية المختلفة كشرح المنظومة والشفاء لابن سينا و (دانشنامهء علائي). وفي سنة 1332 الموافق لعام 1374هـ.ق. نشر أول مقالة له في مجلة (حكمت) التي كانت تصدر في قم. وفي سنة 1334 هـ.ش. الموافق لعام 1376هـ.ق. أصدر أول جزء من كتاب (أصول فلسفة وروش رئاليسم) الذي كان أصله للأستاذ المرحوم العلامة الطباطبائي وتوضيحه وتعاليقة القيّمة المفصلة للأُستاذ المطهري. وفي هذه السنة بالذات أي سنة 1334 الموافق لعام 1376هـ.ق. أرسلت إليه جامعة طهران دعوات ليقوم بالتدريس في كلية الإلهيّات والمعارف
الإسلامية، فأجَاب الدعوة وقام بتدريس الفلسفة الإِسلامية وغيرها من العلوم الإِسلامية واستمر في تدريسه وأبحاثه وتحقيقاته هناك إلى سنة 1356هـ.ش. الموافق لعام 1398هـ.


توسع لنشاط السياسي للأُستاذ المطهّري في الحركة الثورية الإسلامية التي قادها الإِمام الخميني في 15 خرداد سنة 1342هـ.ش. وكان لرجال الدين في هذه الحركة دور خاص، ولذلك ألقت السلطات القبض على عدة من رجال الدين والخطباء المشاهير في طهران وأودعتهم السجون. ومن هؤلاء الأُستاذ المـُطهري الذي أُلقي القبض عليه بسبب نشاطه القوي، في منتصف ليلة 15 خرداد 1342هـ.ش. وبقى في السجن ثلاثة وأربعين يوماً. وأُطلق سراحه بعد الضغط المتواصل من الجماهير وهجرة علماء البلاد إلى طهران. وفي هذه المدة حيث حالت السلطات بين الجماهير وبين إمامهم كانت المسؤولية الكبرى ملقاة على عواتق شخصيات كالأُستاذ المُطهّري. وبعد إبعاد الإِمام الخميني في إبان 1343 هـ.ش. الموافق لعام 1385 هـ.ق. تشكلت (جمعية رجال الدين المناضلين) أو (جامعة روحانيت مبارز) وكان الأستاذ الشهيد من أعضائها
النشطين وكان أيضاً ممثلاً للإِمام في الحوزة العلمية في طهران وتردّدت بينهما المراسلات.وفي سنة 1357 هـ.ش. الموافق لعام 1979م حيث ازداد لهيب الثورة، اشتدّ نشاط الأستاذ في مجال السياسة، فكان أحدَ أركان جمعية رجال الدين في طهران والرابط بينهم وبين الإِمام الخميني. ولم يُصدر بيان سياسي عن جمعية رجال الدين ولم يُتخذ قرار هامّ من قبلهم حول المسيرات والمظااهرات ونحوهما إلاّ بعد موافقة الأستاذ عليه. وبعد أن هاجر الإمام إلى باريس سافر الأُستاذ والتقى بالإمام وتحدث معه حول مختلف مسائل الثورة وتلقى منه آراءه القيّمة ونظراته الصائبة. وهنا أوعز الإِمام إليه مسؤوليّة تشكيل مجلس قيادة الثورة، وقام الأُستاذ المُطهّري بهذا الواجب بخير قيام حتى رجع الإِمام إلى طهران. وكان بعد ذلك وبعد انتصار الثورة إلى جانب الإِمام يتعاون معه في شتى المجالات.حتى وصل إلى أُمنيته الممنشودة في ليلة 11 أُرديبهشت 1358 الموافق ليوم 4 جمادى الثاني/1399هـ.ق. حوالي الساعة العاشرة والنصف فكأنه ترنّم بقول علي عليه السلام:


(فزتُ وربّ الكعبة).هذا وقد خلّف الأستاذ في عمره القصير آثاراً جليلة:


وإليك فيما يلي أسماء المنشور منها:


1-أسباب التمايل نحو المادية.2-المادية في إيران. طبع منضمّاً إلى الكتاب السابق وله اسم آخر هو (المقال الذي سطّر بالدم).3-الإمدادات الغيبية في حياة البشر.4-لن تغرب شمس هذا الدين. طبع منضماً إلى الكتاب السابق.5-الرشد الإسلامي. طبع منضماً إلى الكتاب السابق.6-الإدارة والقيادة في الإسلام.7-نظام حقوق المرأة في الإسلام.8-مسألة الحجاب.9-السلوك الجنسي في الإسلام والغرب.10-الخدمات المتبادلة بين الإسلام وإيران ج1.11-الخدمات المتبادلة بين الإسلام وإيران ج2 وقد أُضيف إليه في الطبعة الثانية.12-العدل الإِلهي.13-مرور على نهج البلاغة.


14-الإنسان والمصير.15-جذب الإِمام علي (عليه السّلام) ودفعه.16-ثورة الإِمام المهدي (عليه السّلام) من وجهة نظر الفلسفة والتأريخ.17-الولاء والولاية طبع منضماً إلى كتاب الخلافة والولاية الطبعة الأولى.18-ختم النبوة طبع منضماً إلى كتاب خاتم الأنبياء المجلد الأول.19-النبي الأمّيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) طبع منضماً إلى كتاب خاتم الأنبياء المجلد الثاني.20-الحركات الإِسلامية في القرن الرابع عشر الهجري.21-النكامل الإجتماعي في الإِسلام.22-إحراق الكتب في إيران ومصر. (مقال من كتاب الخدمات المتبادلة بين الإِسلام وإيران).23-الإنسان والإيمان (مقدمة على التفسير الإِسلامي للكون ج1).24-تفسير الكون (مقدمة على التفسير الإِسلامي للكون ج2).


25-الوحي والنبوة (مقدمة على التفسير الإِسلامي للكون ج3).26-قصص أهل الحق- الجزء الأول.27-قصص أهل الحق- الجزء الثاني.28-مجموعة من المقالات.29-عشرون مقالة (مجموعة من خطبة المذاعة).30-عشرة مقالات:


(قسم من مقالاته في كتاب:


مقال الشهر و ...


31-التحصيل:


(تصحيح وتعليق على كتاب بهمنيار).32-أصول الفلسفة ج1 (مقدمة وتعليق على أبحاث الأستاذ العلامة الطباطبائي).33-أصول الفلسفة ج2 (مقدمة وتعليق على أبحاث الأستاذ العلامة الطباطبائي).34-أصول الفلسفة ج3 (مقدمة وتعليق على أبحاث الأستاذ العلامة الطباطبائي).35-أصول الفلسفة ج3 (مقدمة وتعليق على أبحاث الأستاذ العلامة الطباطبائي).


36-المجتمع والتأريخ.37-الحياة الخالدة أو الحياة الأخرى.وله كتب غير منشورة ومقالات عديدة تركنا ذكرها للاختصار.


الديــن شمسٌ لن تغيـــــب.


هل للدين نهاية

؟إن عالممنا عالم التغير والتحول، فلا يبقى شيء ثابتاً:


بل، أنّه سيتحول ويشيخ، وبعد ذلك يموت، وينطفئ، وينقضي عمره، فهل الدين كذلك؟وهل للدين مرحلة زمنية معينة، إذا مرّت، وانقضت فسوف ينقضي عمر الدين أيضاً، أم ليس الأمركذلك؛ بل، هو دائم، باقٍ بين الناس، وإذا حدث، أنْ ظهرت حركة، معادية للدين، تحاربه، وتحاول القضاء عليه، فالدين رغم ذلك، لا يموت، ولا ينطفئ، بل، أنه سيبقى نابضاً، سيظهر، ويثبت وجوده، بأشكالٍ وصورٍ أُخرى بعد فترة وجيزة؟.يقول ويل ديورانت-وهو لا يؤمن بأيّ دين، في كتابه (دروس التاريخ) في بحثه حول التاريخ والدين:


(للدين مئة روح، كلُّ شيء إذا قضي عليه، في المرة الأولى، فإنّه سوف يموت وإلى الأبد، إلاّ الدين، فإنّه لو قضي عليه مئة مرة، فإنّه رغم ذلك، سيظهر، وتنبعث
في الحياة بعد ذلك).ستكون دراستنا في حدود القوانين والنواميس الطبيعية:


ما هي الأشياء التي تبقى والأشياء تفنى وتموت؟ ولا يتعرّض حديثنا للأُمور الخارجة عن مدار الظواهر الإِجتماعية، بل سيتحدّد في هذا المجال.


مقياس الخلــــودإنّ الظواهر الإِجتماعية التي تحتفظ بوجودها خلال عمرها. لابد أنّ تكون متلائمة مع الرغبات والحاجات البشرية. أي أنّها:


إماّ أن تكون بنفسها حاجات بشرية، أوَ أَنّها وسائل لإشباع تلك الحاجات الإِنسانية؛ بمعنى:


إنّ البشر في أعماق فطرتهم يبحثون عنها، ويرغبون فيها، أوَ أَنها ليست كذلك فلا يرغب بها الإنسان في عمق فطرته وغريزته، ولا تستهدفها الميول البشرية، ولكنها وسائل لإشباع حاجاته الفطريّة الأوليّة.وحاجات البشر على قسمين:


حاجات طبيعية؛ وحاجات غير طبيعية، أي (العادات).أَمّا الحاجات الطبيعية:


فإنها تعني تلك الأمور التي يحتاجها الإِنسان بما أنه إنسان، ولم يكتشف سرّها حتى
الآن، كحب المعرفة، والإِستطلاع، وحبّ الشهرة والجمال، والرّغبة في الأُسرة والنسل، فرغم أنه سوف يصيبه التعب والكلل في سبيلها ولكن رغم ذلك يرغب فيها، ويسعى في إشباعها وإرضائها.وأمّا لماذا يرغب في المعرفة والجمال، وما هو واقع هذه الرغبات، ولماذا يلتذّ بها؟ هذه أسئلة، تبحث عن الجواب، وسواء تمكّنا من الجواب عليها أم لا؛ فإنّ هذه الرغبات والحاجات موجودة فعلاً في الطبيعية الإِنسانية.وأمّا الحاجات غير الطبيعية، أيّ العادات، التي يعتاد عليها أكثر الناس، ولكنّهم يتمكّنون من التخلص منها؛ أو استبدالها، كالإِدمان على شرب السجائر أو الشاي؛ أو الخمر، أو الهيروين، وغيرها؛ والتى تصبح حاجات يحتاج إليها الإِنسان، ويرغب فيها بشدّة كما يطالب بالحاجات الطبيعية، وتصبح بالتدريج طبيعة ثانوية له، ولكن رغم ذلك، فإنه يتمكن من هجرها والتخلّص منها أو تربية الجيل القادم، وتنشأته نشأةً لا يفكر معها بهذهى الأشياء أبداً.وأمّا االرغبات والدوافع الفطرية الطبيعية، فليست كذلك، إذْ لا يتمكن الإِنسان من تركها، إذْ لا يتمكن الإِنسان من تركها، ولا نستطيع أن نربّي الجيل تربيةً يتناسى معها هذه الرغبات.


ومثاله الواضح، يظهر في تطبيقات الشيوعية، فالحكم الشيوعي؛ سعى لتحقيق فكرتين:


إحداهما الإشتراكية، والثانية إبادة النظام العائلي الاختصاصي؛ ولكن باءت محاولاته بالفشل، فإنها لا تقبل التطبيق، إذ الدافع لتشكيل الأسرة دافع طبيعي فطري، فإنّ كُل فردٍ في أعماقه يميل للأُسرة، وإلى زوجةٍ تختصّ به، حتى يكون الولد المتولّد منهما؛ مختصّاً به، وإنما يحب ولده ذلك الحب الشديد لأن ولده امتداد لوجوده، وهذا الحب أمر فطري، وحين لا يكون له ولد، يشعر بأنّ وجوده سيزول، وينقطع بعد حياته.وكذلك الإنسان فطرياً، يمتلك الرغبة في معرفة تاريخه وماضيه، ومن هو أبوه وأُمه، ولا يمكن أنْ يعيش الإنسانُ سعيداً، وسويّاً، وهو لا يعرف أباه أو أُمه، وكيف يمتدّ وجوده بعد حياته، وأي الأولاد ولده؟ ولذلك لم يستجب البشر لهذه الفكرة، فماتت، وقُذف بها في سلّة المهملات؛ وقد اقترح أفلاطون قبل (2600) عاماً، أمثال هذه الفكرة(ولكن في خصوص طبقة الحُكام والفلاسفة والفلاسفة الحكام، وقد اعتبرها الوسيلة الوحيدة للحدّ من تصرفاتهم الشخصية السيئة). ولكنه بنفسه قد ندم على ذلك،
بعد أن لمس آثارها السيئة، وقد ظهرت الدعوة لإِلغاء النظام العائلي، في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين؛ ولكن رفضها البشر، لماذا؟ لأنّها خلاف الطبيعة البشرية.وللحكماء قاعدة فلسفية وهي (أنّ القسر لا يدوم)؛ ويعني ذلك:


أنّ التيار غير الطبيعي، فإنّه يدوم، وله الإِستعداد على البقاء والثبات، وأمّا غير الطبيعي، فلا يمتلك القابلية على البقاء.وإذا أردنا أن نثبت بأنّ الدين يبقى ويدوم، فلا بد أن يكون أحد هذين الأمرين:


إمّا أنّ يكون بنفسه حاجة طبيعية، أو يكون وسيلة لإشباع الحاجة الطبيعية، ولكن يشترط أن يكون هو الوسيلة الوحيدة لإشباع هذه الحاجة أو الحاجات الفطرية الطبيعية، ولا توجد وسيلة أٌخرى أفضل منها، فإنه لو وجدت وسيلة أٌخرى غير الدين، تشبع تلك الحاجة، بصورة أفضل، وأكثر فائدة وتأثيراً، فحينئذٍ سوف تزول الحاجة للدين، ويهجر ليتمسك بتلك الوسيلة الأخرى، وبالخصوص إذا كانت الوسيلة الأخرى أفضل من الدين.


ونلاحظ مثل هذه الظاهرة في العصر الحديث كثيراً؛
فإنّ السلع، تتغير بين يومٍ وآخر مثلاً، وتُهجر السلعة القديمة ليندفع الناس لشراء الجديدة، وإن كانت تُشبع نفس الحاجة التي تشبعها القديمة.مثلاً احتياج الناس للبلس الجورب، ففي البداية كانوا يلبسون الجورب المحاك؛ ولكن، ظهر اليوم جورب آخر، يشبع هذه الرغبة، وربما كان أفضل وأجمل من السابق:


لذلك، هُجِر النوع السابق واستُخدم الجديد.وكذلك، حينما اختُرع الكهرباء، ترك الإنسانِ استعمال المصباح الزيتي؛ فإنّ استخدام المصباح، كان لأجل الاستفادة من ضيائه، وهذه الحاجة يشبعها الكهرباء بصورةٍ أفضل وأيسر.والدين يمتلك كلتا الميزتين، فإنه بنفسه حاجة فطرية وشعورية للبشر، وكذلك هو الوسيلة الوحيدة لإشباع الحاجات الفطرية للبشر، بحيث لا يمكن لغيره أنْ يحلّ محلّه، وبعد الدراسة التالية، سيتّضح لنا، بأنّه يستحيل على أيّ شيء أنْ يقوم مقام الدين، في إرضاء هذه الرغبات الفطرية.فطـــرية الديــنالقرآن الكريم يصرّح بأنّ الله قد أودع الدين في قرارة
الإنسان وأعماقه؛ كما قال في قوله تعالى:


«فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا»(الروم/30).وحين يتحدّث الإِمام علي (عليه السّلام) عن الأنبياء؛ يذكر، بأنهم قد بُعثوا، لأجل أن يذكُروا الناس بذلك العهد، الذي عقدته فطرتهم، لأجل مطالبتهم بالوفاء بذلك العهد، الذي لم يُكتب على ورقة- ولم ينطق به لسان، وإنّما كُتب على صفحة القلب وفي عمق الفطرة الإِنسانية، بقلم الخليقة- على صفحة الضمير، وفي أعماق الشعور الباطن.ولم أذكر ذلك للإِستشهاد والاستدلال؛ بل استهدف من ذلك أن أُثبت أن الإسلام كان أوّل من اكتشف أنّ الدين حاجة فطرية، ولم يعرف البشر هذه الفكرة سابقاً، ولكن ظهر في العصر الحدِيث مَن يُنادي بها ويدعو إليها، وقد ظهرت الكثير من النظريات والآراء حول هذه الفكرة في القرن السابع عشر، والقرن الثامن العشر، والقرن التاسع عشر الميلادي؛ والقرآن الكريم يصرّح:


«فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا».


كيف وجد الدين

؟هناك فرضيات كثيرة حول نشأة الدين، ونستعرض بعضه إجمالاً:


1-الدين وليد الخوف، خوف الإنسان من الطبيعة، ومن صوت الرعد الرهيب، وسعة البحر وهدير أمواجه المتلاطمة، وغيرها من مظاهرِ الطبيعة.ونتيجة لهذا الخوف أنّ خطر الدين في أذهان البشر؛ والحكيم اليوناني (لوكريتوس) ذكر:


بأنّ أول الآباء للآلهة هو إله الخوف، وفي عصرنا الحديث قد التزم بها البعض، وادعّى بأنّها نظرية جديدة.


2-الدين وليد الجهل؛ فقد اعتقد البعض بأنّ العامل لوجود الدين، هو جهل البشر؛ فالإِنسان بطبعه، يميل إلى معرفة العلل والقوانين الحاكمة في الكون، وفي حوادثه، وربما أنّه لم يعرفها، نسبها لما وراء الطبيعة.3-الرغبة في العدالة والنظام؛ ذهب البعضِ إلى أنّ الدافع على الدين وانتماء البشر إليه، هو الرغبة في العدالة والنظام، فحين لاحظ الظلم والاضطهاد، وعدم العدالة في المجتمع والطبيعة؛ لذلك، أوجد الدين وتشبّث به،
لتسكين آلامه النفسية وتهدئتها.وقد ذكر أصحاب هذه الفرضيات الثلاثة، بأنّه مع تقدم العلم وتطوره، فسوف يزول الدين لوحده ويحتل العلم موقع الدين؛ لذلك، دعوا إلى تطوير العلم وتنميته، لأنّه في رأيهم، أنّ العالم يعني غير المتدين.4-الفرضية الماركسية:


وتعتقد الماركسية، بأنّ الدين قد وجد، لأجل أن تحتفظ الطبقة المستثمرة، بامتيازاتها، ومكانتها، وسلطتها بين الشعوب؛ ففي مرحلة الشيوعية الأولى، لم يكن هناك وجود الدين، وقد وجدت- لبعض العوامل والملكية الخاصّة، والطبقية، ووجدت طبقة حاكمة، وطبقة محكومة، محرومة؛ وفي المرحلة الإِقطاعية والرأسمالية، أنشأت الطبقة الحاكمة فكرة الدين، حتى لا تثور الطبفقة المحرومة بوجهها، فالدين لجامٌ لجامها وغضبها، وأفيون لهذه الطبقات المحرومة، لتبقى سادرة في سُباتها وغيبوبتها.والملاحظ أنّ سائر الفرضيات قد جعلت العلم يأخذ موقع الدين؛ أما هذه الفرضية فلم تلتزم بقيام العلم مقام الدين؛ فإنّ الماركسية رأتْ، بأنّ العلم تطور وتقدّم، ولكن الدين لا زال باقياً ولم يتعرّض للفناء؛ بل، لاحظوا، بأنّ كبار العلماء هم من العلماء هم الملتزمين بالدين،
كباستور وغيره.لذلك اعتمدت الماركسية على الطبقية، فأكّدت بأنه ما دام للطبقات وجود فالدّين لا يزول، بل سيظل محتفظاً بوجوده، لوجود هذه الطبقية في الشعوب، فإنّ الدين وليد الطبقية؛ فإذا ساد العالم المذهب الإِشتراكي، وزالت الطبقية فإنّ الدين سيزول لوحده.إنّ الماركسيّين يعتقدون:


بأنّ الدين شِراك تنصبه الطبقة الحاكمة، للطبقات الكادحة المحرومة، فلو تساوى الجميع، وزالتْ الطبقية فسيزول الدين بنفسه، لأنّه لا حاجة لهذا الشراك آنذاك.وبإيجاز:


فإنّهم دعوا إلى تحقيق المساواة التّامة، بين أفراد المجتمع، كشرطٍ ضروريّ للقضاء على الدين.ولكن هذه الفرضيّة، كأخواتها، لم تثبتْ للنقد العلمي؛ إذ ثبت أنّ الدين أسبق وجوداً من الملكية، ففي مرحلة الشيوعيّة البدائية، وحين لم يكن للطبقات وجود، كان الدين موجوداً آنذاك؛ بالإِضافة إلى أنّ الواقع التاريخي، لا يتلاءم وهذه الفرضية.


إذْ أثبت التأريخ بأنّ الدين قد ولد ونشأ بين الطبقات المستضعفة والمحكومة وقادة الرسالات أمثال موسى وغيره،
كانوا من الطبقة المحرومة والمستضعفة، حيث واجه هو وأصحابه المحرومون، الطبقة الحاكمة المتمثّلة بفرعون وأمثاله.وحين بُعث نبينا (صلى الله عليه وآله وسلّم)، أعلن ثورته على الطبقة الحاكمة، والـثّرية، والمرابين؛ وقد عبّر القرآن الكريم عنهم؛ «الملأ» أي الإشراف، أمثال:


أبي سفيان، وأبي جهل والوليد بن المغيرة؛ فإنهم كانوا من زعماء مكة وأثريائها، ومن المخالفين له؛ وأمّا أتباع النبيّ (صلى الله عيه وآله وسلّم)، فكانوا من الطبقة المحكومة والمضطهدة؛ أمثال:


عمار، وسلمان، وأبي ذرّ، وعبدالله بن مسعود، وأمثالهم.وحين زار خروتشوف إبّان رئاسته، الجزائر؛ قال له ابن بلا- الذي كان رئيساً للجمهورية آنذاك-:


بِأَنّ الإِسلام يمكن أَنْ يكون عاملاً محركاً في شمال أفريقيا، لمقاومة الإِستعمار، فصدّقه على ذلك.إذن، فقد إعترف بالحقيقة، هؤلاء الذين كانوا يقولون، بأنّ الدين أفيون الشعوب؛ وأنّه قد اصطنعته الطبقة الحاكمة، لتخدير الفئات المحكومة والمضطهدة، حتى لا تطالب بحقوقها المشروعة، وتشعل الثورة ضد الحكام المستبدّين؛ ولكن، بعد أن اطلّع على الإسلام عن قرب اعترفَ بالحقيقة.


ويظهر مما سبق، أنّ المخالفين للدين أنفسهم، لم يتّفقوا على رأي واحد.5-فرضيّة فرويد:


وقد فسّر فرويد كل الظواهر الإِجتماعية وفق الغريزة الجنسية، ومن جملتها الدين، فإنّه حين تقف الظروف الإِجتماعية بوجه إطلاق العنان للغريزة الجنسية، تُصاب هذه الغريزة بالكبت والحرمان، ولكنها لا تزول؛ بل، أنها تستقر في اللاشعور، حيث تقف بوجهها القيود الإِجتماعية، ولكن هذا الكبت والحرمان يحقّق نفسه في الخارج، بصورةٍ أمراض عصبيّة ومظاهر مختلفة، ومنها الدين.إذنْ، ففي رأيه أنّ الدافعِ إلى وجود الدين، هو الحرمان الجنسي؛ فهو يعتقد بأنّ الجذور الأولى لظهور الأخلاق والعلم ،وكل شيء، هي جذور جنسية؛ ويعتقد بأنّه حين ترتفع الحواجز والسدود، عن طريق الغريزة الجنسية، وتُمنح لها الحرية ولا تبقى مكبوتة، فسوف يزول الدين لوحده.ولكن فرويد بنفسه قد ندم على رأيه هذا، بعد ذلك ولم يتقبل تلاميذه منه هذا الرأي، ومن هنا تتأكّد فطرية الدين.


الآراء حول فطرية الدين.


وقد ظهرت دراسات عديدة لإِثبات فطرية الدين
1-رأي يونج:


ذكر (يونج) عالم النفس الشهير، وتلميذ فرويد، بأنّه وإنّ صحّ ما ذكره فرويد، بأنّ الدين من الصور التي تتدفّق من اللاشعور الإنساني؛ ولكن، القول بأنّ محتويات اللاشعور جميعها منحصرة بالميول الجنسية، التي هربت من شعور الإِنسان إلى لا شعوره، هذا القول غير صحيح؛ فالإنسان يمتلك نفساً باطنةً، ووجوداً لا شعوريّـاً فطريّاً، طبيعيّاً، ولا تنحصر محتويات هذا الوجود بما يقدّم إليه من الشعور الظاهر، كما توهّم فرويد؛ ففي الواقع، قد نجح فرويد حين اكتشف اللاشعور، ولكنه فشل في اعتقاده بأنّ محتويات اللاشعور جميعها مؤلفة مِمّا يطرده الشعور، ويعتقد يونج بأنّ الدين من تلك الأمور المتواجدة في اللاشعور بصورةٍ فطريّةٍ وطبيعية.2-(وليم جيمس):


- وهو فيلسوف وعالم أمريكي كبير؛ يقول:


بأنّه وإنْ صحّ القول بأنّ المنشأ الكبير من
الرغبات الباطنية، هي الأمور الطبيعية المادية، ولكن المنشأ للكثير منها أيضاً، عالم آخر وراء هذا العالم المادي، والدليل على ذلك، عدم توافق الكثير من أعمال البشر، مع الحسابات الماديّة، فإنّنا، نلاحظ في كل حالة، وعمل ديني دائماً طابعاً من الوفاء والإِخلاص والوجد واللطف والمحبة، والإِيثار، فللحالات النفسيّة الدينية، بعض المشخّصات والخصائص التي لا تتلائم مع الحالات النفسية البشرية كلها؛ ويقول:


بأنّ الغرائز المادية هي التي تربطنا بهذا العالم المادي، وكذلك الغرائز المعنوية تربطنا بذلك العالم الآخر، ولهذا الرجل آراء غريبة في هذا المجال (فيقول:


بأن الفلسفات الميتافيزيقية هي في واقعها، مترجمة عن لغة أُخرى؛ بمعنى أن الإنسان يتوهم بأنه قد توصل لمسائل ما وراء الطبيعة بفكره وعقله، ولكن ليس كذلك، بل إنها في الواقع نداء قلبه توصّل إليه، القلب بلغة أخرى؛ وبعد ذلك، خلع عليها- بلغة العقل- ثوباً فلسفياً.عبر ذلك من الآراء الأخرى في هذا المجال) .3-الكسيس كارليل:


حيث يذكر في كتابه (الدعاء):


- بأنّ الدعاء أسمى حالة دينية مقدسة للإنسان، حيث تُحلّق فيها روح الإِنسان لله؛ ويذكر أيضاً:


توجد في الوجدان الإِنساني شعلة تُعرِّف الإِنسان على خطاياه وانحرافاته أحياناً، وإنّ هذه الشعلة هي
التي تصدّ الإِنسان عن الوقوع في الخطيئة والإِنحراف؛ ويقول أيضاً:


بأنّ الإِنسان أحياناً، وفي بعض حالاته الروحية، يشعر بجلال المغفرة وعظمتها.4-أنشتاين يقول:


بأنّ المشاعر التي أدّتِ إلى نشأة الدين مختلفة، والدافع التي تدفع شتّى الفئات إلى الالتزام بالدين مختلفة أيضاً. ويقول:


(بأنّ الخوف في الإِنسان البدائي، هو الذي يشكّل الإِرضيّة لنشأة الدين عنده؛ الخوف من الموت، الخوف من الجوع، من الحيوانات الكاسرة، من المرض؛ وتخلق له ذهنيته المحدودة الضئيلة، وغير المتطوّرة، بعض الموجودات المتشابهة، وبعد ذلك يصنعها بيديه، وفكره؛ وبعد أن يخلقها بنفسه، يفكّر في كيفية التخلّص، من غضبها وسخطها، وكيف يجلب رضاها، وهذا الدين لا بُدّ أن نسميه بدين الخوف، والإِله الذي يدعو هذا الدين لعبادته، ليس ألهاً حقيقيّاً، إنّ هذا الدين يؤدّي إلى عبادة الوثن.ويقول أيضاً- والصفة الإِجتماعية لدى البشر، هي أيضاً بدورها من دوافع الدين؛ فإنّ الإِنسان يرى بأنّ الموت، يختطف أباه وأمّه وأقرباءه والزعماء والكبار، يأخذهم الواحد تلوَ الآخر؛ ويشعر بالفراغ. حيث تخلو
دنياه منهم:


إذن، فالأمل بوجود الهادي والموجّه، الأمل بأنّ يكون محباً أو محبوباً، وأنْ يعتمد على الغير، وأنْ يتخلّص من اليأس؛ كلُّها، تشكّل فيه الأرضية لتقبّل الإِيمان بالله).ويعتقد أنشتاين:


بأنّ الإِله الذي يندفع إليه هذا الشعور، هو إله غير حقيقي أيضاً؛ فإنّ الصفات المفروضة له صفات بشرية، والكتب المقدّسة للمسيحية واليهودية، تعترف بمثل هذا الإِله، ولكن هذا الدين أكثر تطوراً من دين الخوف بدرجة واحدة.وبعد ذلك يقول:


(ولكن يجب أنْ لا ننسى، بأنّ هناك بعض الأفراد أو الجماعات، رغم فلتهم، قد توصّلوا إلى التعرف على المعنى الواقعي الحقيقي لوجود الله، وراء كل هذه الأوهام، والخيالات؛ يشتمل هذا الإِله على الخصائص والمشخّصات المتعالية، ولا يُقاس بالعقيدة العامّة تلك)؛ ويقصد بذلك، أنّ المجتمع الذي تتعد الأديان فيه، لا يعني ذلك، أن عقائدهم في الإِله واحدة في المستوى. والسطحية والبدائية:


فإنّ بعض الأفراد، وفي مثل هذه المجتمعات، يؤمنون بإله تتوافر فيه كل خصائص الإله، الذي هو أهلٌ للقداسة والعظمة.ويقول بعد ذلك:


(وهناك دين وعقيدة ثالثة،
متواجدة في الأذهان كلها، وبدون استثناء؛ وإن كنت لا تعثر على تصور واحدٍ لها، وعلى صورتها الخاصة عند الجميع، وأنا أطلق على هذه العقيدة:


(الإحساس الديني للوجود)، ويصعب عليّ توضيح هذا الإِحساس لمن يفتقده، وبالخصوص أنّ البحث هنا ليس حول ذلك الإِله، الذي يظهر بصورٍ ومظاهر مختلفة:


إنّ هذه العقيدة تُعرِّف الإِنسان على ضآلة الآمال والأهداف البشرية، وعظمة ما وراء الموجودات الطبيعية، يشعر بأنّ وجوده سجن، ويطمح في التخلص من سجن البدن، ويحلّق عالياً، ليعثر على الوجود كله مرة واحدة، وبحقيقته الواحدة).وعلى ضوء هذا الرأي، فإنّ الناس جميعاً، وبالخصوص أولئك الأفراد الذين بلغوا مرحلـةً من الرشد والتطور، يمتلكون هذا الإِحساس وهو التخلص من وجودهم المحدود، والتوصل إلى قلب الوجود؛ هناك دافع ورغبة في الإِنسان، لا تستقرّ ولا تهدأ، ولا تطمئنّ، إلاّ إذا اتّصلت بمنبع الوجود؛ والله وهذه الحقيقة المقدسة هي التي يعبّر عنها القرآن الكريم:


«الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ»(الرعد/28).


ويظهر من ذلك أنّ الفرضيات التي يذكرها المنكرون لفطرية الدين، حول نشأته مختلفة وليس لهم رأي موحّد في هذا المجال.ومما يُثير العجب أنّ البعض منا، يؤمن بمثلِ هذه الفرضيات، كما يؤمن بمعادلـةٍ كيميائية، أو نظرية فيزيائية وطبيعية.رغم الإِختلاف الكبير في هذه الآراء، ورغم وجود الكثير من المفكرين المعاصرين، الذين قد اعترفوا بفطرية الدين، وحاولوا إثبات ذلك بمختلف المحاولات، ومن هؤلاء آنشتاين، ولعلّه أعظم علماء العصر الحديث باعتراف الغرب نفسه، فكيف يكون الدين وليد الجهل؟كان هذا الحديث كله حول الدين كحاجةٍ فطريةٍ.


الدين الوسيلةُ الوحيدة لإِشباع الحاجاتوالآن يدور حديثنا حول كون الدين، هو الوسيلة الوحيدة لإشباع الحاجات والرغبات البشرية، ولا يمكن لغيره أنْ يحلّ محلّه.فقد اعتقد البعض قبل زمنٍ ليس بالبعيد، بأنّه بتقدم الإنسان وتطوره، ستنعدم الحاجة للدين، لأنّ العلم
سيُشبع حاجات البشر ورغباته.ولكنّ اليوم وبعد التطور الكبير للعلم، قد لمسوا احتياجهم الشديد في سعادة الفرد والمجتمع ( فقد اتضح للجميع، أنّ العلم لا يسد حاجة البشرية للدين، كشرط ضروري للحياة السوية السليمة، فالإنسان يحتاج للدين، في حياته الفردية والإجتماعية، فإنّ الإِنسان حين تخطر الأبدية في ذهنية، سيرتبط بعالم آخر).وهذه القدرة على التفكير والتصوّر لدى الإنسان، تخلق فيه مشاعر الأبديّة والخلود؛ التفكير في حياةٍ أخرى، غير الحياة الدنيوية المؤقتة؛ ومثل هذه الميول الواسعة الأبدية لا تتلائم وقواه البدنية المحدودة الفانية؛ أي:


أنّ الإِنسان يشعر من ناحية بوجود هذه الميول والتصورات الوسيعة الكبيرة في نفسه، ومن ناحيةٍ أخرى يرى جسمه وبدنه محدوداً زائلاً، فيحسّ بتوتّر واضطراب هائلين.حيث يلاحظ بفزع، عدم التعادل والتوازن بين حاجاته ورغباته، واستعداداته البدنية، فإنّ الإِحساس بالحرمان من الخلود يسحقه، يمزّقه، يغبط الحيوانات التي تعيش تلك الحياة المحدودة، حيث تتساوى مساحة فكرها، مع مساحة استعدادها البدني، ولا تفكر في البقاء والأبدية، ختى تتأجج في أعماقها الآمال، والحاجات
الكبيرة ليمزّقها تصور الفناء وعدم تحقيق أحلامها.فلو كان الإنسان سيفنى، بعد رحلة العمر، فإنّ هذا التصور سيشعره بعدم التوازن، بين أفكاره ورغبات روحه، وبين استعداداته؛ قيبرز أمامه هذا السؤال:


إذا كان مصيره الفناء، فإلى أيّ مدى ستكون هذه التصورات والميول الوسيعة مؤلمة، وغير مثمرة؟وكثيراً ما سعى الإِنسان، وأجهد نفسه في البحث عن الخلود والبقاء، وكل هذه الجهود والأعمال التي يبحث في أحضانها عن البقاء، وليدة هذا الإحساس وهذا الأمل بالخلود، ومنها الأعمال التي يقوم بها البعض ليثبتوا بقاءهم بعد الحياة من خلالها.ولكنها خيالات وأوهام، لا تعتمد على أساسٍ منطقي، فإنّه يتوهم أنّه باق بتمثاله بصورته بمؤلفاته، بذكرياته؛ كلا، أنه لن يبقى بل سيموت وكثير من الجرائم يقترفها البعض، لأجل التوصّل لهذا الأمل، وإلى إثبات بقائه، ولكنها جهود لا طائل فيها:


فأيّ لذة سسيشعر بطعمها، بعد موته؟ وما تُجديه لذة الشهرة بعد أن تنطفئ حياته؟ فإنّ الحي هو الذي يشعر بهذه اللذة.إنّ الوسيلة الوحيدة التي تشبع هذه المشاعر والرغبات، بصورة تامة ومقنعة، هو الشعور والاعتقاد
الديني.ويذكر فروغي في كتابه رسائل العظماء ورسالة عن فيكتور هوجو، تؤكد هذا المعنى، أن الإِنسان حين يعتقد بأنّه فانٍ، وأنه لا يوجد بعد هذه الحياة إلاّ العدم المطلق، فأنّه خينئذٍ سيفقد الإِحساس بقيمة الحياة ولذتها.والشيء الوحيد الذي يبعث فيه الإِحساس باللذة، والنشاط والرؤية الواسعة، هو الدين:


حيث يوفّر فيه الإِعتقاد بالبقاء والخلود، وبوجود حياة أُخرى أبدية، وإنّ هذه الحياة مؤقتة، وإنك أيُّها الإِنسان أكبر من الحياة الدنيا.وحين يسأل تولستوي عن تعريف الإِيمان؟ يُجيب:


بأنّ الإِيمان هو الذي يحيا به الإِنسان، إنه رصيد الحياة).ولنقارن هذه الفكرة مع طريقة التفكير لدى بعض الأفراد، الذين يعتقدون بأنّ الدين قيد، وأنّ اللادينيّة حرية وانطلاق.إنهم يتوهمون بأنّ الحرية تعني:


التحرّر من كل قيد، وعليه فيكون التحرّر من العقل، والإنسانية، والأخلاق، والشرف، وغيرها من القيم، أيضاً تحرراً وانطلاقاً.


وحين قرأت هذا الحديث عن تولستوي، خطر في ذهني ما قاله خسرو مخاطباً إبنه:


-(أعرضتُ عن الدنيا، ووجهتُ وجهي للدين، لأنّ الدنيا بدون دين، كالبئر العميقة، كالسجن، إنّ للدين في أعماق قلبي ملك عظيم لا يتعرّض للدمار، والإنهيار أبداً).


الدين رصيد الأخلاق والقانون

الأخلاق والقانون يشكّلان الأساس، والقاعدة الرئيسية، التي يعتمد عليها بناء المجتمع البشري؛ وإنّ الرصيد الوحيد لهما هو الدين فحسب.والقول بعدم احتياج الأخلاق، في تحققها، للدين، غير صحيح؛ فإنّها كالعملة الورقية، لو لم يكن لها رصيد يسندها من الذهب وغيره، تعتمد عليه، فإنّها ستفقد قيمتها.إنّ هذا الرأي حول الأخلاق والقانون، تماماً، كلائحة حقوق البشر، التي اقترحتها فرنسا وأخذت في نشرها، والدعاية الواسعة لها؛ ولكنها كانت أولَ مَنْ سحق هذه الحقوق، وضربت بها عرضَ الجدار، لأنَّها لم تعتمد، في أساسها، على إيمانٍ نابع من فطرة البشر.وحين أرادت فرنسا، أن تمنح حقّ الاستقلال
للجزائر، عارض هذا الإقتراح، بعض القادة الفرنسيّين، أمثال جورج بومبيدو، وقد كان آنذاك، زعيم الإِشتراكيين الفرنسيّين، وضمّ صوته للمنظمات التي تطالب بإِبادة الشعب الجزائري.أجل، إنّ هؤلاء، هم الذين وقّعوا على لائحة حقوق البشر.إن جميع المقدسات والقيم الخلقية، والقوانين، التي يحفل بها المجتمع البشري، أمثال:


الحرية، والعدالة، والمساواة، والإنسانية، والشعور بالمسؤولية، وغيرها؛ لو لم تعتمد في أساسها على الدين، فلا يمكن أنْ يكون لها واقع، ولا يمكن أنْ نضمن تطبيقها، وتحقيقها.يقول إلكسيس كارليل:


لقد تقدّمت، وتطوّرت العقول كثيراً؛ ولكن مع الأسف، لم تزل القلوب ضعيفة؛ والإيمان فحسب هو الذي يبعث القوة في هذه القلوب، وانحرافات البشر كلها ناشئة من هذه الحالة، وهي قوة العقول، وضعف القلوب؛ فماذا فعلت الحضارة والمدنية الحديثة؟ إنّها تُخرج يومياً، للأسواق، الكثير من البضائع والمنتوجات الجيدة (ولكن ماذا فعلت للإنسان؟ ما الذي يتمكن من تغيير الإنسان وتوجيهه للأهداف المقدسة السامية؟ ليكون صاحب قلب، حيث يهتف من أعماق قلبه:


-(الدنيا لا تمتلك قيمةً ما:


لا تُثير الاضطراب والقلق في قلبٍ آخر، حذارِ من العمل السيء، إنّ العاقل لا يفعل ذلك).


/ 6