دروس من القرآن - دروس من القرآن نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

دروس من القرآن - نسخه متنی

مرتضی مطهری

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


دروس من القرآن

الشهيد مرتضى المطهري

بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، والصلاة والسلام على عبد الله ورسوله ونبيه وصفيه، سيدنا ومولانا أبي القاسم، محمد صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين المعصومين.«نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِين»(الشعراء/193،194،195).ستكون أقوالي مختصرة جداً وقصيرة. إنني هذه الليلة سعيد ومسرور، وإذا كان بعض الحاضرين المحترمين قد حضروا محاضراتي خلال الست أو السبع سنوات الماضيات يتذكرون إني قد كررت في محاضراتي هنا، أو في حسينية الأرشاد، أو في أي مكان آخر، قولي بضرورة "تشكيل دورات لدراسة اللغة العربية"، وهذا ما كنت أنبه إليه دائماً، وأقول إن تدريس اللغة العربية من أهم وظائف

المؤسسات الدينية، سواء أكانت مسجداً، أم حسينية، أم هيئة، أو حتى في جلسات التفسير وغيرها....مهما تكن، فإن من أهم المسائل تعليم اللغة العربية للأفراد والأطفال. ولقد أوردت الكثير من الأدلة على هذه الضرورة، وسوف أورد بعضاً منها الآن بلغة بسيطة لتشويق الزملاء والأصحاب.إن اللغة العربية لغة كتابنا ولغة ديننا. تعتبر اللغة الفارسية بالنسبة لنا نحن الإيرانيين، لغتنا القومية، ولكن اللغة العربية لغة ديننا ومذهبنا، بالنظر لكوننا مسلمين ومتمسكين بالإسلام وبالقرآن، كتابنا الديني.إن من خصائص القرآن التي يختص بها من بين الكتب السماوية هي إن لغته جزء من إعجازه. إن أياً من الكتب الدينية لا يستند على لغته، بل على محتواه فحسب. فإذا أخذنا التوراة، التوراة الأصيل الذي نزل على موسى، أو الإنجيل الذي نزل على عيسى، أو أياً من الكتب التي نزلت على الأنبياء، نجد أن محتواها هو المقصود، دون الإلتفات إلى اللفظ وجمال اللفظ، والخصائص اللفظية. إن المحتوى مهما يكن، وبأي لفظ كان، فهو نفسه. أما القرآن، وهو الكتاب السماوي الأخير الذي نزل على البشر، فقد اقتضت الحكمة الإلهية

أن تكون لغته ومحتواه الفني من صنع الله الذي أنزله على نبيه.سبق لي أن ذكرت في إحدى جلسات التفسير للأخوة الذين كانوا حاضرين، جانباً مما يتعلق بكلمة "إقرأ" حيث قلت لهم لاحظوا أن هذه الكلمة لا تقال إلاّ إذا كان هناك نص قد أعد من قبل. إي اقرأ ما أعد من قبل، وذلك لأن القرآن كان قد أعد بألفاظه في عالم الوحي قبل نزوله على الرسول. فالآيات كانت مهيأة من قبل، ثم كانت تتلى أو تقرأ على الرسول. وفي الوقت نفسه كان اللفظ، بكل ما فيه من خصوصية وجمال، قد عرض بأروع صورة بحيث لو أن الضليع باللغة العربية وآدابها، يستعرض جميع النصوص العربية لما قبل الإسلام وبعده (وطبيعي أن يقلد الناس كل رائعة تظهر إلى الوجود) بما فيها النصوص الواردة عن الأئمة، مثلاً "نهج البلاغة" لأمير المؤمنين، و"الصحيفة السجادية" للإمام زين العابدين، أقول لو أننا وضعنا هذه كلها إلى جانب القرآن، لوجدنا القرآن يمتاز بأسلوب يختص به، ولم يسبق له مثيل.إن الوقت لا يسمح الآن بأن أشرح بإسهاب كيف أننا عندما نقرأ في نهج البلاغة، في خطب أمير المؤمنين،

التي تضج بالفصاحة والبلاغة، آية قرآنية، نراها تلمتع بين ما يحيط بها من كلمات الإمام، ولا يخفى كونها تختلف، وأنها كلام غير ذاك الكلام. ثم جاء كثيرون، أصدقاء وأعداء، وحاولوا أن ينسجوا على منواله، وفشلوا. إذن فهذه الخصوصية موجودة في كتابنا السماوي - والخصوصية اللفظية التي هي جزء من إعجاز القرآن، أي إنه نزل هكذا مع إعجازه اللفظي من قبل الله سبحانه وتعالى. ونحن بالنظر لكوننا متمسكين بالقرآن ومتمسكين بالإسلام، لايسعنا أن ننظر إلى لغة الإعجاز التي نزل بها نظرة اللاّمبالاة. أعتقد أن المرء إذا لم يكن متمكنا من اللغة العربية، ولا أقول كل التمكن، ولكن إلى حد ما، لا يستطيع أن يدرك مفاهيم الإسلام.نعود الآن إلى اللغة الفارسية، أفهل اللغة الفارسية هي لغة سعدي؟ أهي لغة حافظ فقط؟ كلا. أهي لغة مولوي أو لغة نظامي؟ كلا. أهي لغة فردوسي أو صناعي؟ كلا. لغة عطار؟ كلا. فلغة من إذن؟ إنها لغة مئات الشعراء والأدباء الذين تعاقبوا على صنعها.لو لم يكن سعدي لكانت اللغة الفارسية، ولو لم يكن فردوسي لكانت اللغة الفارسية. ولو لم يكن حافظ لكانت اللغة الفارسية، إن أياً من هؤلاء لم يصنع اللغة الفارسية

بمفرده. لو لم تكن مثنويات مولوي، لكان للغة الفارسية وجود أيضا. إن لهم، على كل حال، مساهمتهم، بأقل مما هو موجود.إن اللغة الوحيدة التي كان يمكن أن تزول من الوجود لولا القرآن هي اللغة العربية، أو لو بقيت لكانت من اللغات المحلية المهجورة، مثل اللغات في الدرجة المئة والتي لم يسمع بها أحد. إنها كانت لغة قبيلة بدوية. إلا أن القرآن أحيا اللغة العربية. ثم إن اللغة العربية لا تختص بالعرب، بل إن العرب يختصون باللغة العربية. فأنت مثلا تقول المصريون، السوريون، الجزائريون، الأردنيون، العراقيون، المراكشيون، التونسيون، أي إن أكثر العرب من غير الحجاز واليمن.فهؤلاء العرب إنما هم عرب بلغة القرآن، أي إنهم لما نزل القرآن تمسكوا به، واختاروا لغة القرآن، وهم لهذا أصبحوا عرباً، وإلا فإنهم من حيث العنصر ليسوا عرباً، لذلك فإنهم هم الذين يعودون إلى اللغة العربية، وليس العكس، إن الخطأ الذي نرتكبه هو أننا نحسب اللغة العربية تعود للمصريين، أو للجزائريين. ولكن الأمر ليس كذلك في الواقع، فاللغة العربية تعود لنا بقدر ما تعود لهم. فهؤلاء يدعون باللغة العربية لكونهم

مسلمين، وإلا فإنهم ليسوا عرباً، ولكنهم تكلموا بهذه اللغة وكتبوا بها، وأهملوا لغتهم الأم. إنهم يرون اللغة العربية لغتهم لكونها لغة دينهم.نحن أيضاً مسلمون، ولذلك ليست اللغة العربية لغة الحجاز، ولا لغة اليمن، إنها لغة القرآن. هل يستطيع قوم أن يقولوا إن القرآن قرآنهم؟ الحجازيون، اليمنيون، المصريون، ألهم أن يقولوا إن القرآن قرآنهم؟ ما من قوم له أن يدعي ذلك. ولما كانت اللغة العربية لغة القرآن، فما من أحد له أن يدعي بأن العربية تختص به دون غيره. إن اللغة العربية هي اللغة الدولية الإسلامية.وعليه، فإننا بالنظر للضرورة الدينية، نعتقد بلزوم تعلم اللغة العربية، خاصة وأننا نرى إن الآداب الإستعمارية تظهر القضية بشكل لا أدري ما وراءه من لغز، فاللغة العربية تدرس في مدارسنا، ولكنه تدريس عدمه خير من وجوده، من بعض الوجوه. إنهم يعلمون الطلاب بحيث إن أحداً لا يتعلم اللغة العربية، بل تتولد فيهم فكرة موحشة عنها، ويفرون منها، حتى أصبح تعلم اللغة العربية في نظر الطلاب أشبه باقتلاع الجبال. ولكننا نرجو أن تكون أمثال هذه المجالس والمحافل والمدارس،

بمديريها الكفوئين، قادرة على تدريس اللغة العربية بيسر وببساطة تزيل الرهبة من جو الصفوف إزالة تامة.المسألة الثانية في لزوم تعلم اللغة العربية، مسألة مهمة جداً. إننا، إذا شئنا الحقيقة، لا نملك ثقافة عربية وأخرى فارسية. إننا نملك ثقافة إسلامية ذات وجهين، وجه عربي وآخر فارسي، أو تركي، أو هندي، أو أردوئي الخ... إن الخبير المطلع على الثقافات، والعارف بروح الثقافة الإسلامية، يلحظ أن هذه الثقافة تتجلى في لغات مختلفة، ومنها اللغة الفارسية. فلكم أن تطلقوا على هذه الثقافة إسم الثقافة الإسلامية بوجهها الفارسي. المهم هو إن هناك اليوم ثقافة لطيفة وعميقة. أود أن أسألكم، هل يستطيع المرء أن يفهم الثقافة الفارسية بدون أن يتعلم العربية؟ولتبسيط الأمر لا أستشهد بمثنوي، ولا بصناعي، ولا بناصر خسرو، ولكن فلنأخذ سعدي الذي كان قوله من السهل الممتنع، فهو أساس المذكورين أسلوباً. فهل يتمكن أحد من أن يفهم كلام سعدي فهماً جيداً بدون أن يكون ملماً باللغة العربية؟ فلننظر إليه حيث نظم الشعر بالفارسية والعربية، شطر بالعربية وشطر بالفارسية. ولو لم يكن سعدي عارفاً باللغة العربية لما كان سعدي، وما

كان يمكن أن يكون. إن من يعرف أدب سعدي، لابد أن يعرف أيضاً إن هذا الرجل قد تربى في الثقافة العربية، حتى إنه يستعمل مصطلحات وتعابير لا تتفق مع المحيط الفارسي، بل تتفق مع

المحيط العربي:

"جشم بد أز دور أي بديع شمايل ماه من وشمع جمع مير قبائل"فتعبير مير قبائل (أمير القبائل) ليس تعبيراً فارسياً، بل هو تعبير عربي. وأمثال هذا كثير إذا شئنا البحث عنه.هنالك أفراد يحملون العداء لهذه الثقافة، ويريدون أن يزيلوا الثقافة الفارسية الموجودة من الوجود، لأنهم أعداء الثقافة الإسلامية أصلاً. يقول هؤلاء إن لنا اقتراحاً بسيطاً جداً، وهو أن نغير حروفنا، فكل ما أصابنا من انحطاط وتخلف جاء من الكتابة بهذه الحروف. فلنغير حروفنا إلى اللاتينية، مثلما فعلت تركيا وتقدمت كثيراً.ويضيفون قائلين "علينا أن نسعى لإزالة اللغة العربية من اللغة الفارسية".أتعلمون ماذا ستكون النتيجة؟ النتيجة هي أنه

بذهاب هذا الجيل والجيل الذي بعده، تصبح هذه الآثار التي مضى عليها ألف من السنين، هذه الآثار الفارسية (ولا أقول العربية)، بما فيها كلَستان سعدي، أشياء غير مفهومة عند الطالب الثانوي، أو حتى عند الجامعي. يقول ما أبدع هذا، فلكي ننجذب نحو الغربيين جاؤنا بلغتهم الإنكليزية، وقد سبق أن حملونا باللغة الفرنسية، وهناك لغات أخرى أيضاً، وهي لغات نعرفها، ونعرف حروفها، وندرك مفاهيمها جيداً، وكذلك نعرف ثقافاتها، أو نتعلمها، وإذا انقطعت علائقنا بالماضي، فلا بأس. فماذا يكون حكمنا؟سيكون حكمنا حكم اللقيط الذي يأخذونه إلى دار الحضانة، فيكبر هناك ثم يسألونه من أبوك؟ لا أدري. من أمك؟ لا أدري. لقد انقطع ما بينه وبين أبويه، ولا يعرف سوى العلاقة التي تربطه بالمكان الذي تربى فيه، فمن أبوه؟ يقول عندما كبرت رأيت هذا الرجل. من أمه؟ يقول عندما كبرت وجدت هذه المرأة. إنهم يريدوننا أن نكون مثل هؤلاء اللقطاء الذين لا يعرفون أباً ولا أماً. إن والدّي كل قوم حضارتهم الماضية، تاريخهم السابق. ولكن هؤلاء، لكي يقطعوا صلتنا بالماضي، يقترحون علينا أن نرفع اللغة العربية.

ما كان سعدي بهذه المقدرة إلا بهذه اللغة الفارسية الجديدة، أي هذه اللغة التي تستقى من اللغة الفارسية ومن اللغة العربية، فهو لهذا قوي متمكن، وما تمكنه إلا لمعرفته بالكلمات الفارسية والكلمات العربية، ولاطلاعه على المصطلحات الفارسية والمصطلحات العربية، له حظ من اللغتين، وهما كالشمع بين يديه. أول ما علينا هو أن نعرف سعدي. إن فردوسي قلما يستعمل اللغة العربية، وبفردوسي وحده لا تتكون اللغة الفارسية، ولا الحضارة الفارسية. وحافظ ألا يفهم، وهو الذي بدأ بيت شعره بالعربية؟"ألا يا أيها الساقي أدِرْ كأساً وناوِلها كه عشق آسان نمود أول، ولي أفتاد مشكلها"ويختم القصيد بالعربية أيضاً"آكر خواهي أز أو غافل مشو حافظ متى ما تلق من تهوى دع الدنيا وحولها"شطره الأول عربي، وشطره الآخر عربي. فهل يعني هذا إن علينا أن نقبل ديوان حافظ ثم نتركه جانباً، وأن نفعل مثل ذاك مع سعدي أيضاً، ومع مثنوي؟ أن نلقي

كل ما لدينا في زاوية النسيان؟ ثم نبدأ بقراءة شكسبير؟ حسن جداً هذا، وعندئذ ننسى أننا إيرانيون أصلاً، دع عنك أن نتذكر أننا مسلمون. وعليه، إذا كنا حقا نريد حضارتنا، الحضارة التي هي دليل استقلال شخصية قوم ما، فعلينا أن نعلم أن بقاء شعب ما يستند إلى حضارته المبنية على أساس من حضارته القديمة، مهما دخل فيها من جديد، وإلا فإن ذاك الشعب سيفنى ويضمحل، أو يكون لقيطاً.فخلاصة القول هي أننا يجب أن نتعلم اللغة العربية، فإذا لم نتعلمها، فلن نبقى مسلمين، ولا إيرانيين. في مقالات (محيط الطباطبائي) (حفظه الله فهو رجل فاضل وعالم) نقرأ مواضيع جيدة جداً أحياناً. يذكر إن أحد الذين تلقوا تربيتهم في الخارج كتب مقالتين في جريدة اطلاعات يقول فيهما إن علينا أن نخرج اللغة العربية من اللغة الفارسية، وأن كلستان سعدي الذي يدرسه الأطفال في المدارس يجب ألاّ يتعلمه الأطفال، لأن هذا الشخص سيئ التربية، ويفسد أخلاق الطلبة. لماذا؟ لأنه يقول الكذب الأبيض خير من الصدق المفسد، وأن هذا تشويق للصغار على الكذب. عجيب! إن سعدي المسكين يورد قصة، وهو بنفسه يشرحها،

بشأن الكذبة البيضاء، لا كذبة المنفعة، فثمة كذبة للمنفعة الشخصية، وأخرى للمصلحة العامة.يقول سعدي إنه جيئ برجل أمام الملك، فأمر بإعدامه. فأخذ الرجل، وكان بريئاً، يسب الملك ويشتمه. فسأل الملك ماذا يقول؟ فأجابه وزير محب للخير قائلا إنه يقول والكاظمين الغيظ، والعافين عن الناس. إلا أن أحد المفسدين من الوزراء الحاضرين من الصادقين المذكورين، قال لا يجوز الكذب في حضرة الملك. علينا نحن الوزراء أن نصدق القول دائماً. إن هذا الرجل يسب الملك ويشتمه. ولكن الملك كان حصيفاً عاقلاً، فقال إن الكذبة البيضاء التي قالها هذا الوزير لمصلحة عامة، أفضل من صدقك المثير للفساد. فالكذب الأبيض خير من الصدق المفسد.واليوم حقاً، في كل مكان بريء يريدون قتله. هذا بريء يمر بهذا الزقاق، فيسأل عنه هل مر فلان من هنا؟ وبما إنني لا أكذب قط، أقول نعم، مر من هنا. أي اذهب واقتله. لم ينبغي ألاّ نكذب؟ لأن ذلك من مصلحة البشر، ولكن إذا اقضت مصلحة أعلى، أي إذا كان الخيار بين أن نصدق أو أن نكذب لننقذ بريئاً من الموت، فلا شك إننا يجب أن ننقذ البريء.

كان السيد محيط قد كتب مرة أن الإنكليز عندما دخلوا الهند، أمروا، من جملة أوامرهم، بعدم طبع كلستان سعدي، وكان عذرهم في ذلك هو ما قيل بأن سعدي يُسيئ إلى التربية، وأنه يقول إن الكذب الأبيض خير من الصدق المفسد. عندما حققوا في الأمر وجدوا أن أولئك فعلوا ما أرادوا، لأنهم رأوا أن سعدي يقول في بداية كلستانه"أي كريمي كه أز خزانة غيب كبر وترسا وظيفة خور داري دوستان را كجا كني محروم تو كه بادشمنان نظر داري"أيها الكريم الذي ترزق من خزائن الغيب الكافر والمسيحيكيف يمكن أن تحرم المحبين وعينك ترعى الأعداء"لقد حسب الأنكليز حسابه، فرأوا أنه إذا وعى الطفل الهندي (إذ كانت الدراسة بالفارسية) وتعلم في المدرسة أن (ترسا) تعني المسيحي، فهذا يعني أن الإنكليز المستعمرين هم أعداء الله، فيربون فيه بذور العداء للإنكليز، ثم يقولون لماذا يأتي أعداء الله فيحكموننا؟ إلا أن الأنكليز لم يمنعوا سعدي بهذا العذر، بل لقوله إن الكذب الأبيض خير من الصدق المفسد.إلى هنا ينتهي ما أردت قوله، وأرجو من المحبين

والأصدقاء أن يسعوا بالدرجة الأولى كفريضة دينية، وبالدرجة ثانية كواجب وطني، للحفاظ على الثقافة الإسلامية الفارسية -إلى تعلم اللغة العربية تعلماً متقناً، لكي يستطيعوا الإستفادة من النصوص العربية، ولقراءة القرآن ونهج البلاغة، ودعاء أبي حمزة الثمالي، والتلذذ بها، ولإقامة الصلاة حتى يلتذوا بها مع التوجه القلب، ولكي يفهموا ما يقولون في القنوت. وأرجو التوفيق للجميع والسلام.

تفسير سورة الإنشراح

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ«أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَك * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ * فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ»(الشرح/1-8).

إن سورة الإنشراح المباركة، التي تخاطب شخص الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، تتألف من ثلاثة أقسام. القسم الأول تذكير وامتنان، تذكير بألطاف الله وعناياته بالرسول الكريم نفسه. والقسم الثاني نوع من التعلم، أي العناية وبيان علة من العلل. والقسم الثالث استنتاج النتيجة. في سورة (الضحى) التي تأتي قبل سورة الإنشراح ثلاث آيات هي في سياق واحد مع الآيات الأربع لسورة الإنشراح. تلك الآيات الثلاث هي«أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى»(الضحى/6-8).أي تذكر ما تفضل به الله عليك من قبل. ثم تأتي الآيات «فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلاَ تَنْهَرْ * وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ»(الضحى/9-11).

فكأن آية «أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ» معطوفة على «أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى» لذلك فإن بعض المفسرين من الشيعة والسنة، يدعون أن سورة الإنشراح وسورة الضحى سورة واحدة، لا سورتان منفصلتان. بل لقد ورد في بعض الروايات أنه في الصلاة الواجبة تجب قراءة سورة كاملة بعد سورة الفاتحة. أهل السنة لا يشترطون هذا الشرط، ويكتفون بجزء من سورة، حتى وإن كانت آية واحدة. ومن المألوف أن تشاهدوا أئمة صلاة الجماعة في المسجد الحرام أو في مسجد النبي، كثيرا ما يبدأون من منتصف إحدى السور، ويقرأون سبع آيات أو ثماني أو عشراً، وينتهون بها. أما في فقه الشيعة فتجب قراءة سورة كاملة بعد الفاتحة. لذلك يحتاط الفقهاء في قراءة سورة الإنشراح وحدها؛ أو سورة الضحى وحدها. إلاّ أن هذا لا يرتبط بالتفسير ارتباطاً كبيراً.«أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ». إنني أوكد كلمة الشرح لكي نعرف معنى (شرح الصدر). لقد وردت هذه الكلمة في القرآن في صور مختلفة. من ذلك إن القرآن يقول عن موسى بن عمران إنه عندما بعث وقيل له إنك

رسول الله، إذهب إلى فرعون... كان أول طلب له من الله أن قال«..رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا»(طه/25-34).ونقرأ في مكان آخر«فَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ... »(الأنعام/125).كانت الآية الأولى تتعلق بشخص الرسول، وآية «رب اشرح لي صدري» طلب موسى. فموسى يطلب من ربه أن يشرح له صدره. فشرح الصدر لا يختص بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم، لأن موسى طلب الشيئ نفسه من الله، واستجاب له الله، فيكون واضحاً أن «شرح الصدر» ليس مما يقتصر على الأنبياء، فكل من اهتدى إلى الإسلام، وكل من أشرق نور الإسلام على قلبه، يكون قد «شرح صدره» في الوقع. فما هو شرح الصدر هذا؟

لا بد لنا أولاً أن نعرف معنى الصدر، ومعنى الشرح. كلمة الصدر، من حيث أصلها، تدل على التجويف الصدري، ولكن هل هذا هو المعنى المقصود في آية «ألم نشرح لك صدرك»؟ أو في آية «رب اشرح لي صدري»؟ أو في آية «فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام»؟ فهل يعني هذا إن عملاً مادياً يجري في الصدر؟ من البديهي إن الأمر ليس كذلك، بل هو القلب قد جيئ به هنا من باب الكناية لما يختص به القلب الحقيقي، وهو روح الإنسان نفسه. فالمقصود لا يعني أن الله يشرح قلب الإنسان، بصرف النظر عن معنى كلمة «شرح». إذن، فالصدر، مهما يكن، فالمقصود به شيئ روحي، شيئ معنوي، وليس شيئاً مادياً، جسمانياً.والآن إلى معنى كلمة (شرح). يرى المفسرون عموماً أن (شرح الصدر) تعني "سعة الصدر". وهذا تعبير وارد في اللغة العربية، وقد ورد في الحديث "آية الرياسة سعة الصدر"، فمن الواضح إن المقصود بسعة الصدر هو اتساعه وكبره، ولكن من الواضح هنا أيضاً إن القصد ليس القول بأن من كان صدره واسعاً كبير الحجم

يكون متسماً بسعة الصدر، أو إذا كان المرء نحيفاً صغير الجسم يكون محروماً من "آية الرياسة".سعة الصدر تعني كثير التحمل والصبر. فهي كناية عن قدرة المرء على التحمل والصبر. أي إذا أراد شخص أن يصبح رئيساً، كثير التعامل مع الناس، يدير شؤونهم، فعليه أن يكون واسع الصدر، قادراً على التحمل. فالشخص الذي لا يتسع صدره، السريع التأثر والتهيج، الثائر الأعصاب، لا يمكن أن يصبح مديراً ولا رئيساً، يدير جماعة من الناس، مهما يكن نوع هذه الإدارة، خذ مديراً لمدرسة، أو معلماً في الصف يدير التلاميذ، فإذا لم يتسم بسعة الصدر، لم يستطع إدارتهم. والرجل رب الأسرة إذا أراد أن يدير شؤون أسرته الداخلية، يلزمه أن يكون واسع الصدر. وكلما كان مجال إدارة الرجل أوسع، تطلب منه ذلك صدراً أوسع، وحلماً أكبر. وهذا هو على وجه العموم المعنى الذي يفسر به المفسرون هذه الكلمة، إذ يقولون إن الله قد منَّ بها على الرسول الكريم، فهو يذكره بهذه النعمة، نعمة الصبر الوافر، نعمة سعة الصدر.ولكن يبدو أن بين "شرح الصدر" و "سعة الصدر" بعض اختلاف، فحيثما يكون "شرح الصدر" تكون "سعة الصدر". ولكن ما كل "سعة صدر" تشمل

"شرح الصدر".لم يكن القرآن قاصراً عن قول (ألم نوسع لك صدرك)، ولكنه لم يقل، بل قال «ألم نشرح لك صدرك». فما معنى الشرح؟ إنه هو هذا المعنى الدارج الآن. فقد يؤلف شخص ما كتاباً شديد التلخيص، بحيث لا يتمكن القارئ من إدراك كل الجزئيات التي يقصدها المؤلف، فينبري شخص آخر لشرح هذا الكتاب، كما لو كان يفتحه ويوسع ما بين معانيه، حتى إنه قد يشرح السطر الواحد في صفحة كاملة. وهذا عمل المتضلعين المتعمقين.ألّف الخواجه نصير الدين الطوسي كتاباً بعنوان "تجريد الاعتقاد" يبحث في علم الكلام، ويتألف من قسمين "تجريد المنطق" و"تجريد الاعتقاد"، والمؤلف رجل ضليع في نظريات علماء الكلام من جهة، وضليع كذلك في النظريات الفلسفية من جهة أخرى، وفضلا عن تمكنه من هذين الموضوعين فإن له نظرته الخاصة أيضاً. يتناول المؤلف في كتابه هذا أمهات القضايا الفلسفية وقضايا الكلام، في عبارات مختصرة وجمل موجزة. ثم جاء بعده تلميذه، العلامة الحلي، الذي لا يقل عنه نبوغاً -وإن كان هذا أقرب إلى الفقه من اقتراب

أستاذه إلى الفلسفة والرياضيات والعلوم الأخرى -فشرح كتاب أستاذه تحت عنوان "كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد"، وهو لم يسهب كثيراً في الشرح، إلا أنه ألقى الضوء لأول مرة على مضامين الكتاب، فقد كان العلامة الحلي من العرب، والطوسي من الإيرانيين.ثم جاء أناس كثيرون بعد ذلك حتى اليوم، بعد أن مضى على تأليف "تجريد الإعتقاد" أكثر من سبعة قرون، وعلى الأخص إلى ما قبل ثلاثة قرون أو أربعة؛ أي قبل مجيئ مير داماد وملاّ صدرا، فحاولوا جمع ما تناثر من أفكار الخواجة الطوسي، وكتبوا له الشروح العديدة، والحواشي على الحواشي بحيث أننا قلما نجد كتاباً في دنيا الإسلام أثير حوله هذا القدر من الكلام. فكلما ظهر عالم أخذ يبحث في هذا الكتاب، ولعل عدد الذين كتبوا له الشروح والتعليقات والحواشي يبلغ المئة. كان هؤلاء يقولون إنه لولا قيام هذا العربي الشيعي "ويقصدون العلامة الحلي" بشرح كتاب "تجريد الاعتقاد"، بعد أن شرحه علماء السنة أيضاً، لما عرفنا إلى أين تقصد القافلة بنا. ويطلق على هذا العمل كله إسم الشرح.وأحياناً نرى بيتاً من الشعر يستغرق كتاباً لشرحه،

ولكن لا كل الشعر، إذ ليس كل شاعر قادراً على قول بيت من الشعر يحتاج لشرحه إلى كتاب، إلا أن أمثال هؤلاء الشعراء موجودون، مثل مولوي وحافظ، فهؤلاء أناس واسعوا الاطلاع متمكنون من آداب زمانهم، يجمعون في أيديهم زمام القول والبيان. خذوا حافظاً مثلا. لكَم لاحظتم أن العديد من العلماء الأعلام بحثوا في بيت واحد من شعره، وكتبوا المقالات الطوال يشرحونه بها. كذلك كتبت فصول حول بعض أشعار مولوي، ونشرت بحوث عنها، يشرحون فيها مقاصد الشاعر.حيرت اَنْدَر حِيرت آمد در قِصَصْ بيهوشي خاصكان اندر أخصعقل اول راند بر عقل دُوُمْ ماهي از كُندِه كردد، ني زدمأو ربما قيل "ماهي از سر كندِه كردد، ني زدم"، فأيهما الصحيح؟ ثم ماهو المقصود؟ هذا كله شرح. إن القضية، لغوياً، تشبه عمل الجزار حين تناوله قطعة لحم ليشرّحها، وإذا به يُعمل سكينة فيها تقطيعاً وتشريحاً، ويجعل منها شرائح خفيفة، بحيث أنها تكاد تكفي لتغطية أرض الغرفة، أي أخذ شيئ مشدود ومضغوط ومتراص، لكي نفتحه ونشرحه.

إن مسألة «شرح الصدر» مسألة روحية ونفسية. وما من شيئ في العالم أحوج إلى الشرح من روح الإنسان.أتزعم أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبرفخطاب الله إلى رسوله بأنه قد شرح له صدره لا يعني إنّه وسّعه.نحن نقول إن الدار صغيرة، ومساحتها 100متر، ثم نشترى مئة متر أخرى تضيفها إليها، ونقول إنك قد وسعت دارك. على كل حال، حيثما وجد الشرح وجدت التوسعة أيضاً، و لا يلزم أن يكون الشرح حيثما تكون التوسعة. فهو لا يريد أن يقول إننا وهبنا روحك سعة الصدر، بمثلما يوسع المرء داره، أو أننا زدنا في سعة هذا الأناء، إنما القول يدور على أننا فتحنا هذا الإناء الكبير جداً بعضه عن بعض، فتحنا لك صفحات كتاب الروح المتراصة بعضها فوق بعض. و لكن هل في شرح الصدر سعادة للانسان أم لا؟لذلك تقول الآية«فَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ..»(الأنعام/125). أي إذا أراد الله أن يهدي امرءاً فانه يفتح صدره للاسلام،

لحقائق الاسلام. وفي الحقيقة إن الآية «ألم نشرح لك صدرك» تعني "ألم نشرح لك صدرك للتوحيد" و"ألم نشرح لك صدرك للاسلام"، إذ ربما يكون صدر أحدهم قد فتح للكفر، وقد تجد إنساناً جاهلاً لم يشرح صدره لا للإسلام ولا لغير الإسلام، ولا للكفر. الويل لمن يشرح صدره، ويثار فيه نوع من الغليان الروحي والمعنوي، للكفر. أو أهل يمكن أن تكون للمرء سعة صدر في الكفر؟ أجل يمكن. أي أن رأس المال هذا يمكن أن يستثمر في هذا الاتجاه. لقد قرأت في إحدى الصحف أن تيمور تاش قال إنه قد أخبر الميرزا طاهر تنكابني بأنه قد وجد سبعين دليلاً على عدم وجود الله! وأن الميرزا قد أجابه بأنه أيضاً لديه دليل واحد على عدم وجوده، في الوقت الحاضر. فقال له قل ما هو دليلك؟ فقال دليلي هو أنك ما تزال موجوداً. فلو كان الله موجوداً لصفي حسابه معك. ولكن لم يمض وقت طويل حتى سقط هذا الرجل وسجن، وانقطع رجاؤه في كل شيئ.لاحظوا هؤلاء الذين يقولون أن لديهم الدليل، إنما الذي لديهم كله غرور! هذا الشخص نفسه كان متزوجاً من افرنجية، فكان يسمح لها بالحضور. ثم وصل به

الأمر إلى أن يقول لها إن في جنوب المدينة رجلاً يكتب الأدعية، فاذهبي اليه وأتيني منه بأحد الأدعية. هذا هو نفسه الذي كان يقول إن لديه سبعين دليلاً على عدم وجود الله، و لكنه أخذ فيما بعد يبحث عمن يكتب له الدعوات. هذا شرح الصدر للكفر.والفخر الرازي. أنا بالطبع لا أريد ان أتجاسر فأضعه في مصاف أشخاص من هذا القبيل، ولكنه مع ذلك لم يكن من رجال الحقيقة حقاً. من ذلك مثلا إنه قد قام بالشرح أيضا، و أي شرح! فهو عندما يتناول موضوعاً، مهما يكن، في علم الكلام، أو الفلسفة، أو التفسير؛ يأخذ بتفكيكه. ففي التفسير، قام بتفسير إحدى الآيات، وذكر أن لهذه الآية عشرين وجهاً، وراح يسردها واحداً فواحداً، الأمر الذي لم يخطر حتى للجن. ثم هو عندما يصل إلى مرحلة الاختيار، يكون كمن جاءته ضربة من الله، إذ أنه يورد نظريات تضحك الثكلى.إن هذا الشخص قد شرح صدره، ولكنه لم يكن مصحوباً بهداية من الله، ولم يكن "على نور من ربه". إن الإنسان العادي لقادر على أن يرى الحقيقة من الوهلة الأولى، بغير أن يجول بنظره فيما حوله. ولكن هذا وجد نفسه في مفترق أربعين طريقاً، فأخذ يذهب هنا،

ويذهب هناك، ولكنه في النهاية لم يمش في الطريق الذي ينبغي له، بل دخل متاهة مضلّة، وليس كذاك الذي ذهب إلى نجم الدين كبرى، وكان من الفضلاء، وقال له إنه يحس أن ما عنده ليس من العلم في شيئ، إنه تخيل وأفكار "إن قدرتي على التخيل كبيرة. أحس أنني لم أصل إلى الحقيقة".ولهذا الرجل شعر كثير في ذلك. ثم طلب من نجم الدين، قائلا "أريدك أن تفعل شيئاً من أجلي، أن تصحح ما عندي، أن تعطيني حقيقة جديدة" فقال له نجم الدين "سأفعل، ولكن على شرط واحد، وهو أن تزيح عن صدرك هذه الأصنام، وأن تنساها" فقال "رضيت"، فقال له نجم الدين "أواثق أنت من نفسك؟" فقال نعم. أستطيع ذلك". ولكنه عندما جد الجد قال لا طاقة لي على ذلك. ولهذا نقرأ في القرآن هذه الآية«وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ»(النحل/106).وعليه، فإن شرح الصدر غير سعة الصدر. شرح الصدر هو إن الله يفتح روح الإنسان المتضامّة على

بعضها، ويلقي بنوره فيها. وهذا هوشرح الصدر للإسلام، وهو شرح صدر إلهي، حتى أنه أجرى على لسان شخص أمي أجلَّ الحكم وأعظمها"من أخلصَ لله أربعينَ صباحاً جرت ينابيعُ الحكمة من قلبه على لسانه".فقوله تعالى«ألم نشرح لك صدرك» يعني ألم نفتح لك قلبك حتى فاضت منه الحكمة والحقيقة والعلوم؟يقول بعضهم إن لرسول الله حديثاً قال فيه إنه طلب من الله شيئاً ثم ندم عليه بعد ذلك، وتمنى لو لم يطلبه. وكان الطلب يتعلق ببعض ما وهب الله لأنبيائه السابقين، وبتلك التي وهبها له، فنزلت هذه السورة «ألم نشرح لك صدرك» وهذا في الحقيقة بيان لنعمة شرح الصدر وانفتاحه، فيفوز فيه العلم والحكمة.«وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ»(الشرح/2).أي أننا رفعنا عنك الحمل الذي يثقل عليك. وهذه نعمة الله الثانية. فما هو الحمل الثقيل هذا؟ إذا ما وضعنا سورة الإنشراح إلى جانب تلك الآيات التي خاطب بها موسى ربه نجد أنها تصدق بعضها بعضا. لقد قال

موسى عليه السلام «رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي» و «يَسِّرْ لِي أَمْرِي» أي اجعل مهمتي سهلة. فما هي مهمة موسى؟ مهمته الدعوة، دعوة الناس وهدايتهم، وهي مهمة صعبة.«ويَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي» أي اجعل كلامي يسيراً، يفهم الناس منه قصدي، أي إنهم إذا فهموني وأدركوا ماذا أقول وإلى أين أريد أن أقودهم، فهذا يكفي. «وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي» فما معنى الوزير؟ لقد استعملت هذه الكلمة مع الملوك استعمالاً كثيراً جعل معناها يقتصر على السائر خلف الملك والممتثل لأوامره. إلا أن معنى الكلمة غير ذلك. إن معناها المعين، أي الذي يعين غيره على رفع حمل ثقيل. أنتم أيضاً لو أتيتم في محل عملكم بمن يساعدكم على تخفيف أعباء العمل عن كواهلكم، يكون هذا وزيراً لكم. وهذا هو المعنى نفسه الذي وصف به الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم عليّاً عليه السلام باعتباره وزيراً له، أي إنه يساعده في حمل العبء الثقيل، ولذلك قال في حقه "علي وزيري، ووَصيي، وَقاضي ديني".كلمة "الوزير" مأخوذة من "الوزر"، والوزر هو

الحمل الثقيل، والزير هو الذي يساعد على رفع الحمل الثقيل.والوزر، باعتبارها تعني الحمل الثقيل، تستعمل للدلالة على الإثم أيضاً، لأن الإثم كالحمل الثقيل على الإنسان. ولقد سبق أن قلنا مرارا إن من صفات الإثم أنه يثقل روح الإنسان، أي إنه يستفرغ قوة الإنسان وطاقته، فإذا مشى فكأنه يحمل ثقلاً على كاهله، بخلاف طاعة الله، فهذه تمنح القوة.«وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ»(البقرة/45).إن من مميزات عمل الخير أنه يمنح القوة، فالذي يفعل الخير يحس كأنه قد تغذى تغذية جيدة، أو أنه قد زرقت فيه عقاقير مقوية. أما في حالة ارتكابه الإثم، فيحس كأن حملا يثقل كاهله، ويشعر بالرهق حتى في السير العادي.فإذا أطلقت كلمة "وزر" على الإثم، فذاك لأن الإثم حمل ثقيل، الحمل الثقيل الذي كان بعهدته، رسالته إلى الناس، ودعوتهم، وهدايتهم. إذا أراد أحد أن يهدي الناس حقاً، فليس أثقل منه من عبء. فإذا قال الله للرسول

«ووضعنا عنك وزرك» بعليّ، فذلك هو الحق الواقع. أي إننا خففنا عنك هذا العبء بهذا الرجل الذي هو منك بمنزلة هارون من موسى، فبه رفعنا عنك الحمل. أو لم يقل الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم "يا علي، أنت مني بمنزلة هارون من موسى". وهذا من الأحاديث المتواترة عن الشيعة والسنة.فقد روي أن النبي كان يصحب علياً في كل حرب يخوضها ضد المشركين، ولكنه عندما عزم على التوجه إلى حرب تبوك، لم يأخذ علياً معه، وذلك لأنها لم تكن حرباً فعلية، بل كانت حرباً استعراضية، لإظهار قوة المسلمين وشوكتهم أمام شمال جزيرة العرب في سورية. فذهبوا وعادوا، وكان النبي قد أبقى علياً بمكانه في المدينة، فأظهر علي إنه كان يفضل لو ذهب معه، فقال الرسول "يا علي ألا تحب أن تكون خليفتي، فأنت مني بمنزلة هارون من موسى" باختلاف واحد، هو "ألا أنه لا نبي بعدي". وهذا يعني إن هارون كان نبياً، إذ أنه كان بمقدوره أن يكون نبياً بعد موسى. ولكنك لا تكون نبياً لأنه لا نبي بعدي، فكل ما بيني وبينك من روابط هي ما كانت بين موسى وهارون. فعليّ وزير الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.عندما أعلن النبي دعوته كان الأمر صعباً، ثم بعد

ذلك، في المدينة، عندما أخذ الناس يدخلون في دين الله أفواجاً، خف الأمر، وأزيح الثقل عن كاهل الرسول. كانت مهمته قد انتهت.

« الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَك ».أي ذلك الحمل الذي أخرج الأصوات من عظام ظهرك بمثلها يضع امرؤ ثقلاً على سقف خشبي، فيصدر الصوت من الخشب حتى يكاد ينكسر. يريد الله أن يقول ان الحمل كان من الثقل بحيث إن عظام ظهرك أخذت تفرقع، فأزحنا عنك هذا الثقل، وكنت موفقا.«وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ».لقد أنزلنا حملك، ولكننا رفعنا اسمك، وجعلنا صوتك يعلو، وقرنّا اسمك باسم الله، فعندما ينادي المنادي أشهد ألاّ إله إلاّ الله، يتلوه مباشرةأشهد أن محمد رسول الله.إلى هنا تتناول الآيات النعم الالهية، ثم يبينها بصورة فلسفية. الى هذا الحد كانت الآيات شخصيةكنت كذا، و فعلنا كذا. ثم يضع الموضوع في صيغة فلسفية، ليصل منها الى النتيجة.

«فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا»المعنى الكلي هو أن الصعوبة تأتي ومعها السهولة، والسهولة في الصعوبه. وتشير الآيتان إلى مهمة النبي كم كانت صعبة في البداية، وكم كان حملك ثقيلا حتى فرقعت عظام ظهرك. وكان العدو يسعى لأن يمحو اسمك محواً، فصار العكس. هذا هو قانون الله.«فان مع العسر يسراً» مع الصعوبة سهولة، وإن الصعوبة تليها السهولة، نهاية ظلام الليل صباح أبيض، ولكن ماذا يعبر القرآن عن ذلك بقوله إن الصعوبة مع السهولة؟ المقصود هو القول أن ليس هناك تعاقب، أي ليس هناك أمر صعب، ثم يعقبه أمر سهل بالتناوب، ليس الأمر كذلك، بل إن السهولة وليدة الصعوبة، والصعوبة أم السهولة، أي إنكم إذا أردتم بلوغ اليسر والرفاه، والسعادة، فلا يتاح لكم ذلك ما لم تعبروا طريق الشدائد. إنه لتعبير عجيب، وهي كلية عجيبة. فعلى الرغم من أن البداية تخص شخص الرسول، والنعم التي أنعم الله بها عليه، شرح صدره، ورفع عنه الثقل، ورفع اسمه، ولكن على أي قانون؟ أعمال الله كلها تجري على وفق القوانين والسنن، فما هذه القوانين والسنن؟«فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا»هذا هو القانون. ونقرأ في سورة السجدة«وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ»(السجدة/24).أي إننا عيّنا منهم قادة يرشدون الناس بأمرنا. لماذا؟ لأنهم صبروا في الشدائد، وآمنوا بآياتنا. الإيمان مع العمل في الشدائد.وقد ورد هذا أيضاً في آيات أخرى مثل سورة آل عمران«وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ*وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ*فَآتَاهُمْ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ»(آل عمران/148146).أي كم في طول التاريخ من أناس إلهيين، يعبدون الله، وكم من أنبياء قاتل أولئك معهم في سبيل الله «فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» أي كم تحملوا من الشدائد، ولكنهم لم يستول عليهم الوهن «وَمَا ضَعُفُوا» وظلت معنوياتهم عالية، «وَمَا اسْتَكَانُوا» لم يظهروا الجزع والخضوع والذل، ولم تتحطم نفوسهم، ولم يتزلزل إيمانهم، بل لجأوا إلى الله، واستعانوا به، ولم يقولوا شيئاً سوى الطلب من الله أن يملأهم صبراً واستقامة في سبيله، وأن ينصرهم على الكفار. ولذلك، ولما تحملوا من المحن «فَآتَاهُمْ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ»(آل عمران/148).في إحدى خطب أمير المؤمنين في نهج البلاغة، يلوم أصحابه على أن الناس أخذت تظهر عليهم حالة من الكسل والتهاون.ولكننا نحن أصحاب عليّ، ونحن أعوانه، أو ليس علي صهر الرسول؟ أو ليس وصيه؟ أو ليس خليفته بالحق؟ فإذا كان الأمر كذلك، فلابد أن ننتصر على جيش معاوية. نعم، ما دمنا من أتباع علي، وجب أن ننتصر على جيش معاوية.ولكن عليّاً كان يقول ليس الأمر كذلك إذ ليس من سنة الله أننا بايعنا عليّاً حتى وجب أن ننتصر، وذلك لأننا، على الرغم من أننا بايعنا محمداً وآمنا به، فإن الله لم يمن علينا بالنصر بهذه السهولة " لقدكنا مع رسول الله نقتل آباءنا وأعمامنا إذا وقف في طريقنا أحد منهم. ولكن تحملنا المشاق والشدائد، ولكم صادف أن قابلنا العدو وجهاً لوجه في ميادين الحرب، فتصارعنا كبعيرين، فنغلب حيناً، ونُغلب حيناً. فلم يكن الأمر كما تظنون، بأننا لكوننا نسير في ركاب الرسول، ما أن نجرد سيوفنا حتى يفني الأعداء جميعاً. ولكننا خرجنا من بوتقة الإمتحان بنية صادقة".ويضيف الإمام عليّ قائلاً لقد ظهرت نيتنا الصادقة في أعمالنا، لا في الإدلاء بالشهادتين. وعندئذٍ أيدنا الله بنصر من عنده. وهذا هو معنى الآية «فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا» فيا أيها الرسول لقد عانيت كثيراً، وها هي ثمرات العناء.ثم نأتي إلى أمر عجيب آخر«فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ».هل يعني هذا أنك بعد أن فرغت من ذلك،ورفع الثقل عن كاهلك، اذهب ونم مستريحا؟ لئن فعلت ذلك، فأنت قد جلبت على نفسك سوء الحظ، إذ أن سوء الحظ يأتي من التعود على النوم الاستراحة والرفاهية، وما من أمر أشد عداءً للإنسان من الرفاهية. «فإذا فرغت فانصب» إذا فرغت من كل ذلك، فالقِ

بنفسك في التعب والنصب، ابحث عن الشدائد، ولا تعوِّد نفسك على الراحة.لنفرض أن رجل الله لم يجد أمامه من المشاكل الاجتماعية ما يشتغل بها، فهل زالت عنه شدائد العبادة؟ عندما لم يكن للنبي من المشاكل الاجتماعية ما يشغله، فهل زالت يقضي الليل في النوم حتى الصباح؟ كلا. ما كان ليستريح. «فإذا فرغت فانصب» إلقِ بنفسك في المتاعب الحقة، ولا تركن إلى الراحة فهي عدو الإنسان.«فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب».

تفسير سورة القدر

بسم الله الرحمن الرحيم«إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ*وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ*لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ*تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ*سَلاَمٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ »(القدر/51).

يدور حديثي حول سورة القدر(1- القضاء والقدر ضربان ضرب قابل للتبديل، وضرب غير قابل للتبديل. ففي أدعية شهر رمضان نقرأ طالبين من الله أن يقدر لنا قدراً من الضرب الذي لا يتغير ولا يتبدل. من هذا يتضح أن هناك قدرين -القدر الذي يمكن تبديله ، -القدر الذي لا يمكن تبديله.والدعاء من أرفع مطاليب البشر، إذ أن الإنسان يريد بالدعاء أن يغير المقدرات، أي إنه يريد أن تؤثر الأرض في السماء، والطبيعة في ما وراء الطبيعة. نحن لا نعلم أي المقدرات يمكن تغييرها، وأي المقدرات لا يمكن تغييرها، ولكننا ندعو دعاءنا حتى نغير القدر الذي يمكن تغييره، فإذا لم يكن من النوع الذي يمكن تغييره، نكون على كل حال، قد دعونا، والدعاء عبادة، وللدعاء أثران أ-الدعاء بحد ذاته تقرب الإنسان من الله. ب-إذا لم يتحقق الدعاء فعلا، فإنه مستجاب، لأن أصل الدعاء يعطي أثره، أما تحقق المطلوب أو عدم تحققه فأمر آخر) إنها سورة من تلك

السور ذوات النغمات الخاصة، وفيها موضوع مثير للتساؤل.فلنتدبر الآن في هذه الآيات، وفي آيات أخرى، لنرى ما يستفاد من هذه السورة الصغيرة. ونبدأ بشرح بعض الألفاظ.يتضح من آية «وما أدراك ما ليلة القدر» أن هذه الليلة عظيمة الشأن من عند الله، وأن البشر لا يقدر على أدراك أهميتها، فهي ليلة جليلة وعظيمة، حتى أنها «خير من ألف شهر» حيث الملائكة والروح تنزل فيها بأمر من ربها، «سلام هي حتى مطلع الفجر».النقطة الأولى هي أن القرآن قد نزل في ليلة القدر، غير أن هذه السورة لا تعين أية ليلة هي ليلة القدر هذه، إلا هناك آية أخرى في سورة البقرة تقول«شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ..»(البقرة/185).فهو يصف شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن. إذن، ليلة القدر هي إحدى ليالي شهر رمضان، بدلالة الآية الأولى من سورة القدر، وهذه الآية من سورة البقرة.

هنالك آية أخرى من سورة الدخان، فيها توضيح آخر لليلة التي نزل فيها القرآن. وتلك الآية هي«حم*وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ*إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِين*فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ»(الدخان/41).أي إن ليلة نزول القرآن ليلة مباركة، وإننا نحذر وننذر بالخطر، وهي ليلة تحدث فيها أمور.وعليه فإن الليلة التي نزل فيها القرآن، بحسب آية سورة البقرة، هي من ليالي شهر رمضان، وبحسب هذه الآية، هي ليلة مباركة تجري فيها أمور، أي إنها ليلة التقدير، ليلة توضع فيها سلسلة من التقديرات. وبأخذ آية «تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر» بهذا الخصوص، يتضح أن الليلة من ليالي الله التي تجري فيها أمور.ثمة نقاط لا بد من البحث فيها1-يتبادر إلى الذهن هنا سؤال. فإذا كان نزول القرآن في ليلة القدر، وليلة القدر من ليالي شهر رمضان، أفلا يعني هذا إن النبي قد بعث في ليلة القدر؟ فلماذا نحتفل بالمبعث في اليوم السابع والعشرين من رجب، مع أن القرآن يصرح بنزوله في رمضان؟

هنا لابد من أن نشير إلى موضوع، وإن لم يكن جوابا على هذا السؤال، إلا أننا لابد أن نشير إليه، وهو إن للقرآن نزولين النزول الإجمالي، والنزول التدريجي، أو التفصيلي. فالنزول الإجمالي هو النزول غير الزماني، والنزول التدريجي هو النزول التفصيلي الزماني.وكلمة "نزول" بحسب اللغة العربية، ترد في موضعين اثنين

/ 3