انوار الالهیة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

انوار الالهیة - نسخه متنی

مرتضی انصاری

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید






(1)
مـحال مشيئة الله


الخلق

من جملة الأسئلة المطروحة في مجال الخلق هو السؤال التالي هل الله سبحانه بإرادته خلق الأشياء بإفاضة الوجود إليها أم أن الفيض انتشر منه تعالى بنحو جبري من غير الإرادة كانبثاق النور من الشمس ؟أقول لا شكَّ أنَّ جميع الموجودات قد صدرت منه تعالى بالإرادة والقصد لا بالجبر والقهر وهذا الأمر يحتاج إلى شرحٍ وإيضاح فنقول

النور

لا تَقلُّ أهميَّةُ النور في فهم و تنوير الحقائق المعنوية و المعارف الإلهيَّة عن أهميَّته في تنوير الأجسام و الأجرام المادية1 فالخلق ليس هو إلاّ إشعاع النور المطلق على الكيانات المكتومة و الماهيات المظلمة1 وهذا ما تُبيِّنه آية النور ذات المحتوى العرفاني العميق الذي من أجلها سمِّيت السورة بأجمعها بهذا الاسم2.قال تعالى « اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ... »3 وينبغي أن لا ننسى أنَّ هذا ليس هو إلاّ مثالٌ ، فلا نظنّ بأن الله هو بالفعل نور بالمفهوم الذي نتصوره نحن بذهننا القاصر ،كيف وهو خالق النور ومُنَور النور وربّ النور ! كم من فرق بين الممثَّل الذي هو نور الوجود والمثال الذي هو النور الحسِّي . إليك بعض تلك الفروقالأوَّل النور الحسي قائم بغيره ونور الوجود قائم بذاته توضيح ذلك إن النور الحسي له ماهية ووجود ، وحيث أنَّ الأصالة و الحقيقة تعني الوجود4 فالنور لا يتحقق بذاته أي مستقلا عن الوجود بل هو كغيره من الموجودات فقير إليه ، فبفضل الوجود أصبح النور نوراً و منوَّراً ، فلا يمتاز النور على سائر الموجودات من هذه الناحية أعني الفقر الذاتي « يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ »1 بل المستوى الوجودي للنور أقل من سائر الموجودات حيث أنَّه ليس في أفق الإنسان و لا الحيوان و لا النبات و لعلَّه يعدُّ من الجمادات ، و الحاصل أنَّ النور الحسِّي هو مظهر من الوجود ( النور المطلق ) وقائم به ، ولولا الفيض الدائم المستمر عليه لما كان له أي اعتبار و كيان كما سيأتي زمانٌ تنعدم فيه الأنوار« إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ، وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ »2 الثاني إن النور الحسي تظهر به المبصرات فقط وأما المسموعات مثلاً فلا يكشفها النور الحسي بل حتَّى المبصرات لا ترى من جميع زواياها و جوانبها من خلال النور الحسِّي بل يمكن رؤيتها على مستوى واحدٍ فقط ، و هو سطح الأشياء وأمّا عمقها فليس للنور أيَّة سلطة عليها .وأمّا نور الوجود فتظهر به المبصرات والمسموعات و المتذوقات و المشمومات والملموسات والمتخيلات و المعقولات وما وراء الحس و العقل . فالوجود هو الذي يُظهرها جميعاً و هو ظاهر بنفسه . فالمسموع لا يسمع إلا بالوجود ، فلو لم يكن الصوت موجوداً لما سُمع ، ولو لم يكن الطعم موجوداً لما تُذوِّق فكلُّ شيء ببركة الوجود يكون له أثرٌ و انعكاس ، سواء الوجود العيني أو الوجود الذهني3.الثالث ما أشرنا إليه في الأمر السابق أنَّ الوجود مسيطر على كل شيء باطنه و ظاهره ، فماذا يبقى إذاً للشيء ؟ بما أنَّ النور الحسِّي يسلط ضوءه على ظواهر الأشياء فتبقى البواطن على حالها خارجة عن نطاق النور ، و لكن إذا كان الوجود هو الذي أظهر جميع الأشياء سطوحها و بواطنها ، فأيُّ شيء يبقى خارجاً عن مملكته وما ذا بعد الحق ( وهو الوجود المطلق ) إلاّ الضلال المبين ! هو الأوَّل والآخر و الظاهر والباطن وهو معكم أينما كنتم وقيام كل شيء به تعالى « اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ »1 فكلُّ شيءٍ ميِّت و هو الحي وكلُّ شيء فقير و هو الغني القائم و الشاهد و المحيط بكل شيء (( و بنور وجهك الذي أضاء له كلُّ شيء ))2هذه أهمّ نقطة يجب أن نعرفها حقَّ المعرفة و نصل إليها بالشهود والعرفان حيث أنَّ لها الدور الرئيسي في حركاتنا وسكناتنا ومواقفنا و أعمالنا وأخلاقنا فينبغي أن نُدرك حقيقة قوله تعالى « مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ »3 والمعتقد بهذه الحقيقة لا يمكن أن يصدر منه أصغرّ الذنوب ،كيف وهو يعلم بأنَّ الله له حضور تكويني في كلِّ ما هو موجود ! قال تعالى « أَ رَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى ، أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى » 4 الرابع إن النور الحسي لا شعور له ونور الوجود ذو شعور بل هو عين الشعور و الإدراك ،كيف و الشعور لا يكون له أيُّ اعتبارٍ إلاّ بالوجود و من هنا نعرف السرّ في قوله تعالى « وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ »5 و قوله تعالى « يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ »6 فكلمة "ما " تشمل كافة الموجودات حتَّى الجمادات ، و أوضح من ذلك قوله تعالى « وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لاَ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ »7 فالأشياء جميعاً لا تسبِّح فحسب ، بل تسبِّح حين الحمد فتنزِّه و تحمد وتلاحظ الجلال و الجمال الإلهي على مستوى واحد ، وهذه حقيقة التوحيد .


السادس إنَّ إشعاع النور ليس إرادياً بل هو جبري محض فإن الشمس لا تَنشر النور و ترسله إلى الأجرام بإرادتها بل بما أنَّها شمس فهي ذات إشعاع وذلك لأنَّ النور الحسي ليس من جملة الموجودات العالية كالإنسان والملائكة ، بل شأنها شأن الجمادات التي لا إرادة لها ، بل ربَّما يكون النور في مرحلة أدنى من الجمادات كما مرَّ . فلو أثبتنا أنَّه ليس بجسم فهذا لا يعني أنَّه مُجرَّدٌ روحاني كيف و لا إرادة له !فلو أثبت علماء الطبيعة أن النور لا يوزن وليس له مكان فهذا لا يعني أنَّه مجردٌ ! وأمّا الله فهو « نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ » 9 أي وجود هما فظهرت بالله السماوات والأرض ولكن بالمشيئة و الإرادة . كيف لا يكون كذلك و هو خالق للإرادة ، و خالق الإنسان المريد ( وفاقد الشيء لا يُعطي ) فالإنسان يتصوَّر ، فيُصدِّق ، فيرغب ، فيشتاق ، فيطلب ، فيريد ، فيفعل . فالإرادة إذاً هي مظهر من مظاهر الوجود ، فكما أنَّه بالوجود أصبح الجمالُ جمـالاً و القدرةُ قدرةً و العلم علماً ، فبالوجود أيضاً أصبحت الإرادةُ إرادةً ، فالله سبحانه هو الجميل و القدير و العليم على الإطلاق وكل جمال و قدرة و علم منه تعالى ، وهو أيضاً المريد على الإطلاق ، وكلُّ إرادة مهما كانت ، هي مظهر من إرادته جلَّ شأنه .فهو تعالى أرادَ ، فخلق الأشياء ، و إرادتُه سبحانه وتعالى عينُ فعله « إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ »10 ليس هناك فاصل زمني بين كنْ و يكون فمتى ما أراد الله أن يكون يتحقق الشيء أقل من طرفة عين . إنَّ صدور الأشياء منه تعالى ليس قهريّاً بل هو اختياريٌّ ، ولكنَّ الله تعالى بكرمه و لطفه و سعة رحمته لا يمنع الموجودات من فيضه ، رغم تمكّنه من المنع (( يا من يعطي من سأله يا من يعطي من لم يسأله و من لم يعرفه تحنُّنا منه و رحمة ))11السادس إن النور الحسي له أفول و زوال و له ثانٍ ، و نور الوجود لا أفول ولا زوال و لا ثان و لا مقابل له ، ووحدته ليست عددية ، فهو ليس واحداً بل هو أحدٌ ، والأحد لا يكون إلا الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد قال تعالى « قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ »12 لماذا ؟ لأنه هو « اللَّهُ الصَّمَدُ ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ »13 فمع اجتماع هذه الصفات يكون أحداً ، فإذا استوعب كلَّ شيء بحيث لا يخلو منه شيء فلا يوجد مجال للثاني ، و ما هو الثاني في قبال الوجود المطلق ؟ العدم !! أم..


أوَّل ما خلق الله المشيئة على ضوء ما قلنا يمكنك أن تتعرَّف على أوَّل ما خلق الله أو أوَّل ما ظهر منه تعالى وهو المشيئة والإرادة كما ورد في الحديث (( علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عُمَير عن عُمر بن أذينة عن أبي عبد الله عليه السلام قال خَلقَ الله المشيئة بنفسها ثم خلق الأشياء بالمشيئة ))14فهو شاء فخلق وإنَّما سمِّيت الأشياء أشياءً فلأنَّها مظاهر مشيئته تعالى و تجلِّي إرادته ؟ عالم الأمر وهاهنا سؤال يطرح نفسه وهو في ماذا تجلَّت و تتجلَّى 15 المشيئةُ الإلهيَّة التي بها خلقَ الله الأشياء ؟ ومن هُمْ محال مشيئته تعالى ؟ هل المشيئة الأولى التي خلق الله بها الأشياء و أظهر به سائر الموجودات ، مخلوقة كسائر المخلوقات بمعنى أنَّ المشيئة أيضاً ظهرت بالمشيئة ؟ أقولمن الواضح أنَّ الذي هو مظهر نفس المشيئة لا يكون شيئاً كسائر الأشياء بل له رتبة أعلى وأسمى منها حيث به خُلقت الأشياء وأصبح هو واسطة لانتقال فيض الوجود إلى الأشياء الأخرى فهو رابط بين الأشياء وبين الله سبحانه وتعالى لأنَّه إن قلنا بأن المشيئة خلقت بالمشيئة سوف ننقل الكلام إلى المشيئة الأولى ونقول هل الله بمشيئته شاء أن يخلق ؟ و لا تتوقَّف هذه السلسلة أصلاً والتسلسل باطل بالبداهة16 فإذاً المشيئة لم تُخلق كسائر الأشياء ، بل خَلَق الله الأشياء بالمشيئة وخلق المشيئة بنفسها والمشيئة من عالم الأمر الذي ورد في قوله تعالى « أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ »17(( فى الخرائج والجرائح عن القائم عليه السلام حديث طويل فيه يقول لكامل بن ابراهيم المدين وجئت تسأل من مقالة المفوِّضة كذبوا بل قلوبنا أوعية لمشية الله عزَّ وجلَّ فإذا شاء شئنا والله يقول وما تشاؤن إلاّ أن يشاء الله ))18وقال الإمام قدَّس الله نفسَه في كتابه القيِّم مصباح الهداية إلى الخلافة والولاية(( مطلَعٌ إن الأحاديث الواردة عن أصحاب الوحي و التنزيل في بدء خلقهم عليهم السلام و طينة أرواحهم وأنّ أول الخلق روح رسول الله و عليّ صلى الله عليهما و آلهما أو أرواحهم إشارة إلى تعين روحانيتهم التي هي المشيئة المطلقة و الرحمة الواسعة تعيّناً عقليّاً لأنّه أوَّل الظهور هو أرواحهم عليهم السلام و التعبير بالخلق لا يناسب ذلك فإنَّ مقام المشيئة لم يكن من الخلق في شيءٍ بل هو الأمر المشار إليه بقوله تعالى ( ألا له الخلق و الأمر ) و إن يُطلق عليه الخلق أيضا ، كما ورد منهم " خلق الله الأشياء بالمشيئة والمشيئة بنفسها " و هذا الحديث الشريف أيضا من الأدلة على كون المشيئة المطلقة فوق التعينات الخلقية من العقل و ما دونه ))19أقول ولعلَّ في قوله تعالى « وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا »20 إشارة إلى ذلك ، فهم عليهم السلام محال مشيئة الله ، وهم باب الله الذي منه يُؤتى ، والسبب المتصل بين الأرض والسماء ، و النور الأوَّل الذي كان في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهَّرة و الذي منَّ الله علينا بهم فجعلهم في بيوت أذن الله أن تُرفع ويُذكر فيها اسمه ففي الحديث (( عن أبان بن تغلب قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام يا بن رسول الله لم سميت الزهراء زهراء فقال لأنَّها تزهر لأمير المؤمنين عليه السلام في النهار ثلاث مرات بالنور ... إلى أن قال فلم يزل ذلك النور في وجهها حتى ولد الحسين عليه السلام فهو يتقلب في وجوهنا إلى يوم القيامة في الأئمة منا أهل البيت إمام بعد إمام ))21و قال قدِّس سرُّه (( لو اتَّحد أفق الإنسان الكامل مع المشيئة المطلقة وأصبحت روحانيته عين مقام الظهور الفعلي للحق تعالى ففي هذا الحال سوف ينظر الحق تعالى به و يسمع به و يبطش به فهو الإرادة النافذة للحق و المشيئة الكاملة و العلم الفعلي وقد ورد في الحديث عليٌّ عين الله وسمع الله و جنب الله ..)) 22وقال الإمام قدِّس سرُّه في بيان شخصيَّة النبي الأكرم صلى الله عليه و آله (( وهو المشيئة المعبَّر عنها بالفيض المقدس والرحمة الواسعة والاسم الأعظم والولاية المطلقة المحمدية أو المقام العلوي ، وهو اللواء الذي آدم ومن دونه تحته والمشار إليه بقوله " كنت نبياً وآدم بين الماء والطين أو بين الجسد والروح " أي لا روح ولا جسد ، وهو العروة الوثقى والحبل الممدود بين سماء الإلهية وأراضي الخلقية ، وفي دعاء الندبة قوله عليه السلام " أين باب الله الذي منه يؤتى أين وجه الله الذي يتوجه إليه الأولياء ، أين السبب المتصل بين الأرض والسماء " وفي الكافي عن المفضّل قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام كيف كنتم حيث كنتم في الأظلّة فقال يا مفضل كنّا عند ربّنا ليس عنده أحد غيرنا في ظُلّة خضراء نسبحه ونقدِّسه و نهلِّله ونمجِّده وما من ملكٍ مقرب ولا ذي روح غيرنا ، حتى بدا له في خلق الأشياء فخلق ما شاء كيف شاء من الملائكة وغيرهم ثم أنهى علم ذلك إلينا " والأخبار من طريق أهل البيت عليهم السلام بهذا المضمون كثيرة ))23 وهذه المعرفة هي عين التوحيد لأنَّه من خلالها يمكن ربط الأرض بالسماء و المخلوق بالخالق الواحد الأحد ويتحقق التناسب و التسانخ و الانسجام بين العلة والمعلول .ثمَّ إنَّ أسمائهم هي الأسماء التي علَّمها الله لآدم حيث يقول « وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا »24.


و المراد من الأسماء هي التي كانت لها علاقة بمقام الخلافة الإلهيّة و بطبيعة الحال هي المسميات المشار إليها في قوله « ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ »25.أنظُر إلى هذا التعبير وتأمّل في كلمة (ثمَّ) فإنها قد فصَّلتْ بين جميعِ الأسماء وبين التّي عُرضَتْ على الملائكة وتأمَّل أيضاً في ضمير(هم) فالمقصود منه المسميات التِّي تمتلك التعقُّلَ وإلا لكان التعبير الصحيح هو (عَرضَها) لا (عَرضَهُم) وأصرح منه قوله تعالى« فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاَء إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ »26.ولا يخفى أنَّ كلمة هؤلاء تدلُّ على حضورهم بعينهم آنذاك وهم بعرشه محدقين ولعلَّ قوله عليه السلام في الزيارة الجامعة الكبيرة وأسماؤكم في الأسماء إشارة إلى هذه الحقيقة حيث كانت أسماؤهم في الأسماء التِّي علَّمها الله آدم عليه السلام .و قد ورد في الحديث ((لولاك لما خلقت الأفلاك وأيضاً لولاك لما خلقت آدم ))27.و في زيارة رسول الله صلى الله عليه و آله وسلَّم المنقول عن كلٍّ من الشيخ المفيد و السيد و الشهيد((أوَّل النبيين ميثاقا و آخرهم مبعثاً الذي غمسته في بحر الفضيلة و المنزلة الجليلة و الدرجة الرفيعة و المرتبة الخطيرة فأودعته الأصلاب الطاهرة و نقلته منها إلى الأرحام المطهرة..))28و قد أشبعنا هذا الموضوع بحثاً في كتابنا دولة المهدي المنتظر 29(2)نور على نورمن الأبحاث التي تطرَّق إليها الحكماء ، هو الحديث عن النظام الإلهي ، وأنَّه هو النظام الأتم الأكمل الأحسن ، وذلك لأنَّ فيضه سبحانه دائم ، فمن المستحيل تصوّر النقصان في فيوضاته على العالمين ، وهذا الأمر غير خاضع للزمان و المكان مطلقاً ، فنظام الكون دائماً هو الأحسن ، وعليه يكون أحسن ما خلق هو الأوَّل و هو الآخر ، و بما أنَّ النبي الأكرم هو أحسن الخلق و هو الأفضل من جميع الأنبياء كما ثبت في الأبحاث السابقة فهو أوَّل ما خلق الله ، فجميع الأنوار إنّما هي أشعاع لذلك النور الأوَّل المنبثق من النور المطلق ، فلا بد من نور شديد به تظهر سائر الأنوار ، و إلا سوف ينقطع الفيض الإلهي أ عني كلّ صفات الجمال و الكمال ، فالجميل المطلق قد ظهر في أحسن موجود كما أن الكريم المطلق تجلى و ظهر بكرمه و القدير المطلق ظهر بقدرته ، فالذي هو مظهر لتلك الصفات هو وجه الله ، ولابد أن يكون موجوداً في كلِّ زمان وهو حجَّة زمانه الذي ورد في الحديث عنه « لولا الحجة »وقال تعالى « كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ، وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ»30والمقصود من الوجه هي الفيوضات التي تمثِّل الواجهة و المرآة الإلهية ، فضمير في "ربِّك" إشارة إلى خصوص ربِّ الرسول صلى الله عليه وآله ، و من هنا اتُّصف بذي الجلال والإكرام .


وفي دعاء الندبة (( أين وجه الله الذي منه يُؤتى ))ولتوضيح هذه الحقيقة نذكر مثالاً لو فرضنا أنَّ شلاّلا ينزل من جبلٍ عالٍ ، فمن الطبيعي أن يمرَّ من خلال البحر ثمَّ الشط ثمَّ الأنهار فالجداول ، فكلّ واحدة منها هي واسطة الفيض إلى ما دونها فحينئذٍ نتسائل ، أفهل بإمكان الإنسان أن يشرب الماء من غير التوسَّل بتلك الوسائط ؟ لو حاول ذلك و هو غير قابل لهلك ، لأنَّ الوعاء الذي يمتلكه لا يستوعب الماء ، فيبقى عطشاناً و هو يجاور الماء ، فالحل الوحيد لمثل هذا الإنسان هو الإبتعاد من المصدر و التقرُّب إلى وسائط الفيض ، ففي الدعاء (( إنّا توجَّهنا و استشفعنا و توسَّلنا بك إلى الله و قدَّمناك بين يدي حاجاتنا ، يا وجيهاً عند الله اشفع لنا عند الله ))وهذه الحقيقة قد بيِّنت في قوله تعالى « لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ »31كيف و الجبل مهما عظم فهو جماد لا يستوعب كلام الله تعالى ، فأين التراب و ربِّ الأرباب ، ومن هنا يقول سبحانه « وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ »32قال صدر الحكماء المتألّهين وشيخ العرفاء الكاملين في الأسفار(( إعلم أيّها المسكين ، أنّ هذا القرآن أُنزل من الحق إلى الخلق مع ألف حجاب لأجل ضعفاء عيون القلوب وأخافيش أبصار البصائر، فلو فرض أنّ باء بسم اللّه مع عظمته التي كانت له في اللّوح نزل إلى العرش لذاب واضمحلّ ، فكيف إلى السماء الدنيا . وفي قوله تعالى ( لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ )33 إشارة إلى هذا المعنى))و تعليقاً على ذلك قال الإمام قدس سرُّه ((و هذا الكلام صادر عن معدن المعرفه مأخوذ عن مشكوة الوحي والنبوة ))أقولولهذا قال تعالى بعد ذلك « هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَانُ الرَّحِيمُ ، هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ، هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ » 34و الجدير بالذكر أنَّها آيات ثلاثة وكلِّ واحدة منها تبدأ بـ "هو الله" .قال الإمام قدِّس سرُّه((الآية الشريفة الأولى مشيرة إلى أسماء الصفات ، والآية الثانية إلى أسماء الذات ، والآية الثالثة إلى أسماء الأفعال ))هذاو لاحظ قوله تعالى


/ 14