الصديقة زينب ( عليها السلام ) شقيقة الحسين ( عليه السلام ) - صدیقة زینب (علیها السلام)، شقیقة الحسین (علیه السلام) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

صدیقة زینب (علیها السلام)، شقیقة الحسین (علیه السلام) - نسخه متنی

سید محمد تقی المدرسی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید




الصديقة زينب ( عليها السلام ) شقيقة الحسين ( عليه السلام )


المقدمة




بسم الله الرحمن الرحيم



الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على سيد الخلق وقدوة الخير ونبي الرحمة محمد بن عبد الله وآله الهداة المرضيين ، سادات الخلق ، وولاة الامر .


وبعد :




ان يعيش الانسان على مائدة الولاء ويتشرف بالحديث عن اهل بيت النبوة شرف عظيم وتوفيق الهي ميمون ، وقد كنت اتمنى لو اكتب شيئا عن الصديقة الصغرى زينب الكبرى سلام الله عليها منذ سنوات ، ولكن التوفيق لم يساعدني حتى دعوت الله في ذلك وتوكلت عليه وكانت ايام العزاء الحسيني في مستهل محرم الحرام لعام 1416 هجري مناسبة كريمة ، حيث ان الموالين لأهل بيت النبي صلى الله عليه وعليهم يتفرغون فيها عادة فيها للتزود بنور الولاء . وهكذا استضافني القدر الى مائدة الولاء لايام ، وكنت سعيدا جدا بها وحيث عشت في رحاب عمتنا المظلومة زينب نستمع اليها ونسايرها في رحلاتها الجهادية ونتفاعل مع احاسيسها ، وبذلك وفقت ان اقدم للقراء هذه الكراسة التي وان كانت متواضعة في حجمها فانها كبيرة في موضوعها ، واملي ان يتقبل الله مني ويجعلها ذخرا ليوم فاقتي حيث ان الدفاع عن حق اهل البيت يرجى ان يكون ثقيلا غدا في الميزان عند الله سبحانه .



محمد تقي المدرسي



7 / 1 / 1416 هـ



طهران


1 - شقيقة الحسين ( عليها السلام )




من لا يعرف ان السيدة زينب بنت علي وفاطمة هي شقيقة الامام الحسين ( عليهم جميعا صلوات الله ) ؟ بلى ولكن حين يجعل هذا التعبير عنوانا لكتاب فإن له معنى أعمق : فالسيدة زينب كانت الجزء المكمل لمسيرة السبط الشهيد وإذا كانت واقعة الطف من اقدار الله سبحانه فإن من تقديره الحكيم ان يكتمل الجزء الثاني والهام من المسيرة على يد من تكون شخصيتها مثيلة لشخصية اخيها الحسين تماما ، لافي الجوانب المادية فقط ، وانما في كافة الجوانب .



وإذا جعل الله مع آدم زوجته ، ومع موسى اخته ، ومع عيسى أمه ، ومع النبي بنته ، فقد جعل مع الحسين اخته الصديقة الصغرى ، فهما من شجرة واحدة . الفارق في العمر بسيط ويتلاشى مع الزمن ، والتربية واحدة في كنف الرسول ، وفي حضن فاطمة بنت محمد ، وتحت ظلال أمير المؤمنين علي ، انها كبرى الاسباط بعد اخويها الحسن والحسين ، وهي الى ذلك تجســد شمــائل امها بكل جلالها وجمالها ، و تتمثل شخصية ابيها بكل تقواها وعلمها ، و تتناسب مع شخصية اخيها الحسن ، وتكاد تتطابق مع شخصية اخيها الحسين ..



فإذا كانت التربية او الوراثة ذات أثر في صياغة شخصية أحد ، واذا كانت الاحداث هي التي تصنع شخصية انسان ، واذا كانت رســالة الفــرد الاساسية التي قدرت له ذات اثر في بناء كيانه ، فإن الصديقة زينب شاركت اخاها الامام الحسين عليه السلام في كل ذلك ..



ومنذ الأزل كانت واقعة الطف مقدرة .. اذ كانت الذروة في الصراع الجاهلي الاسلامي بعد انفجار نور الوحي على هضبات مكة ، و كانت الاحــداث تركض في هذا الاتجاه منذ لحظة وفاة النبي صلى الله عليه وآله ، ودخول بني أمية علــى مسرح الاحداث من جديد تحت غطاء النفاق ، وفي غفلة من الانصار وتغافل من المهاجرين لمصالح سلطوية مؤقتة .



قامت السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام في وجه ذلك الانحراف ، ورسمت لابنائها بدمها المطبوع على جدار بيتها .. وبأثار الضرب على متنها ، و بصرخاتها المدوية وبأهاتها التي زلزلت اركان المدينة ، رسمت بكل ذلك وبسقط جنينها محسن ، طريق التحدي .. فكانت بذلك سيدة نساء العالمين ، اذ انها وضعت حجر الزاوية الاول في بناء الاسلام النقي ، الذي لا يحكم الطغاة باسم الدين ، ولا يتحكم في مصير اهله المنافقون باسم القرآن والرسول .



رسمت طريقا لحمل اعباء الدعوة ، معالمه الهجرة والقيام ، والقتل والشهادة ، ثم الكلمة الثائرة التي لا تهدء ، والدمعة الناطقة التي لا ترقى .



وكانت زينب بنت الزهراء شاهدة عاشوراء . شقيقة الحسين ، قد استوعبت الدرس ، تماما ، أليست هي التي شاهدت بأم عينها كيف حمت أمها الصديقة الكبرى إمام زمانها وزوجها أمير المؤمنين عليه السلام حمته بنفسها حتى سقطت بين الباب والحائط تنادي فضة وتقول والله لقد قتلوا ما في احشائي .



أوليست هي التي كانت ترافق أمها وهي تلملم جراحها ، وتغتصب نفسها وتتحمل كل الالم ، وهي تسارع الى أمير المؤمنين لتمنع القوم من إكراهه على البيعة .



ألم تشاهد كيف يهوي ذلك العتل بسياطها على كتف امها لكي تترك زوجها .



بلى .. وكانت زينب الى جانب أمها حين انشدت ذلك الخطاب الصاعق في مسجد ابيها بالمدينة ، وهي التي روت من بعد تفاصيل ذلك الخطاب .



وانطبعت في شخصيته الطفلة الذكية معالم ذلك الطريق بوضوح وشفافية ، و كانت مسيرتها من المدينة الى الطف ، والى الكوفة ، والى الشام ، ثم الى المدينة والآفاق نسخة متطورة لمسيرة أمها فاطمة سلام الله عليها ، من البيت الى المسجد ، ومن المسجد الى البيت ، ومن قبل تطوافها على بيوت الانصار طالبة منهم نجدة الحق . .



وكان خطابها في الشام ، كخطاب امها في المسجد النبوي ؛ المثل والاهداف ، والتعابير والنبرات ، و الشجاعة والحكمة ، والاثارة ، والاستنهاض كلها واحدة .. وزادت البنت على أمها انها كانت أسيرة مكبلة ، مفجوعة بأعز الناس .. ولكنها عادت فأسرت آسريها ، وقيدت مكبليها ، وقهرت قائلي أهلها بالكلمة الحق ، وحسن التوكل على الله ، وكفى به وكيلا .


2 - الصديقة الصغرى




في تلك الايام كان أهل بيت الرسالة ومعهم الصفوة من اصحاب الرسول يشيعون جثمان الصديقة الزهراء بكتمان شديد ، وكانت حسرات زينب واختها ام كلثوم كما حسرات السبطين والامام أمير المؤمنين مكبوتة في الصدور .



لابد ان زينب وسائر اولاد فاطمة عليها السلام عرفــوا لماذا توفيت امهم وهي في سن الورود ، ولماذا غسلوها ليلا في ضوء الشموع الخافتة ، ولماذا يجب الايرفعوا اصواتهم بالنحيب ، ولابد انهم علموا ان كل ذلك انما كان في سبيل الله وفي سبيل اعلاء كلمة الحق ، وان عليهم ان يحتسبوا الله في مصابهم .



كانت المصيبة تصدع الجبال لو نزلت بها ولكنها مادامت في سبيل الله فان تلك الذرية الصالحة تستوعبها ..



وزينب وقلبها الحسنان كانت تستوعب الدرس وتتقن الصبر ، وتختزن الصبر ليوم آخر مقدر لها ومرسوم ليوم عاشوراء حيث تشهد الفاجعة ، وتكون قطب رحاها بعد اخيها .



ان للصبر حدودا ولكن صبر الصديقين لا حدود له ، لانه يستمد قدرته من التوكل على الله والاحتساب عنده ، وكل شيء عند المؤمن هين عندما يذكر ربه العظيم .



وكانت زينب الصديقة ذات صبر عظيم .. كانت عند كل المصائب شاهدة رائدة ، فهي التي استضافت ابيها ليلة التاسع عشر من شهر رمضان التي فلقت فيها هامته المقدسة في محراب الكوفة .



وهي عند اخيها الامام الحسن عليه السلام عندما كان يقذف قطع الدم بعد ان دس معاوية اليه السم عبر زوجته جعدة بنت الاشعث التي قتلته بعد ان مناها معاوية بالاموال وبأن يزوجها من يزيد .



من يدري فأن القدر كان يهيء هذه السيدة الطاهرة ليوم عظيم ، لتصبح مثلا في الصبر الالهي .



لقد كانت امها فاطمة سيدة نساء العالمين ، ولا ريب اما هي فقد كانت قدوة لنساء عالمها ، بل سيدة نساء عالمها ، فهي حفيدة رسول الله ، ربيبت أمير المؤمنين ، وفاطمة الزهراء ، وهي التي شهد بحقها الامام علي بن الحسين عليه السلام بعد ان القت خطابها الرائع في حشود أهل الكوفة بعد واقعة الطف قال لها :



يا عمة اسكتي ففي الباقي من الماضي اعتبار ، وانت - بحمد الله - عالمة غير معلمة ، فهمة غير مفهمة (1)



وهي الفقيهة المفسرة التي كانت جلسات درسها في مشهودة من قبل النساء في المدينة والكوفة .



لقد نعتت بلقب عقيلة بن هاشم ، لانها كانت أبرز الهاشميات علما وتقوى وتدبيرا .



والهاشميات كن القمة في الصفات المثلى ، افلا يحق لنا ان نسيمها سيدة نساء عالمها بعد امها الصديقة الكبرى ، اولا ينبغي ان نسميها بالصديقة ، او لم تكن مواقفها مع اخيها الامام الحسين عليه السلام كافية لمثل هذا اللقب الكبير الصديقة ؟ بلى ..




3 - في بيت عبد الله بن جعفر




أبناء العائلة الكبيرة يتحدثون بينهم عن عمهم الذي ذهب في رحلة جهادية ولم يعد كان الملك المنتخب من قبل الروم على الشامات رجلا أرعن لقد هدد النبي صلى الله عليه وآله بعد ان بلغته رسالته واعلن عليه الحرب فبعث اليهم النبي جيشا من ثلاثة الاف وأمر عليه زيد بن حارثة وضم اليه ابن عمه جعفر بن ابي طالب وقال : ان اصيب زيد فجعفر اميركم - وكان ابن عمه جعفر بن ابي طالب قد عاد بنجاح من الحبشة بعد ان قاد رحلة المهاجرين الاولين اليها ، وعندما التقى الجمعان حيث المسلمون في ثلاثة الاف بينما جيش الكفر يفوق عدده المأة الف ، دارت المعركة على المسلمين واستبسل جعفر الذي عقر فرسه وحاربهم راجلا فقطعت يده اليمنى التي كان يمسك بها الراية فأخذها باليسرى فلما قطعت احتضن الراية ببقايا يديه وحاربهم واستبسل في الدفاع عن دينه حتى استشهد فوجدوا في جسده بضعا وثمانين جرحا بين رمية وضربة وطعنة . (2)



لقد اعطاه النبي وسام الطيار حيث قال انه قد عوض عــن يديه بجناحين ليطير بهما في الجنة .



زوجة جعفر كانت من النساء الفاضلات ، وهي من الاخوات المؤمنات اللاتي سماهن رسول الله كذلك فاختها ميمونة هي ام المؤمنين ، واختها سلمى زوجة حمزة سيد الشهداء ، وكذلك لبابة زوجة العباس بن عبد المطلب وقد انجبت له اربعة وولدت عبد الله في المهجر في ارض حبشة وبعده تزوجها ابو بكر فانجبت له محمدا الذي كان يقول فيه الامام علي عليه السلام : هذا ابني من صلب ابي بكر .



وبعد ابي بكر تزوجها الامام علي حيث انجبت له يحيى ومحمد الاصغر ، وقيل يحيى وعونا . وها هم اولاد جعفر في كنف عمهم الامام علي عليه السلام ، ذلك الظل الوارف الكريم ..



لقد جاء النبي الى عائلة جعفر بعد شهادته وقال لهم هذه الكلمة عندما زارهم بعد الشهادة ؛ انا وليهم في الدنيا والاخرة .



وهكذا قام الامام امير المؤمنين بهذه الكفالة من بعده ، اوليس هو الوصي والوارث والولي من بعده ؟ .



من بين أولاد جعفر كان عبد الله مباركا حيث قال له النبي - عند شهادة والده - واما عبد الله فيشبه خلقي وخلقي ، وقال : اللهم اخلف جعفرا في أهله ، وبارك لعبد الله في صفقة يمينه قالها ثلاثا (3)



حيث دعا له رسول الله صلى الله عليه وآله وقال : بارك الله في صفقة يمينه ، و كان عبد الله ثريا لنجاحه في الصفقات ، وكريما الى ابعد الحدود وقد ضربت به الامثال في الكرم ، ومشت الركبان بقصص كرمه حتى لم يجد اعدادءه من بني امية طريقا للطعن فيه الا نسبوه الى الاسراف لكثرة كرمه وعظيم جوده .



فقال فيه الشاعر :



ولو لم يكن في كفه غير روحه لجاد بها فليتق الله سالكه



وقال الاخر :



وما كنت الا كالأغر ابن جعفر رأى المال لا يبقى فأبقى له ذكرا



هذا عبد الله وهذه صفاته وها هي زينب كبرى بنت عمه ( الامام علي عليه السلام ) قد بلغت مبلغ النساء فتقدم اليها عبد الله ، ولم يتردد الامام علي عليه السلام من الاستجابة ، وبالذات لانه روي عن النبي ، صلى الله عليه وآله انه نظر مرة الى اولاد بني هاشم فقال : بناتنا لابناءنا وابناؤنا لبناتنا ، وها هم اليوم يحققون امنية الرسول . فاذا بالامام يزوج ابنته لابن عمه ، ولم يذكر التاريخ شيئا من تفاصيل الزواج ولم يتجاوز ما كان في زواج فاطمة الزهراء سلام الله عليها لانه كان المثل الاعلى لزيجات ابناءها الكرام عليهم السلام جميعا .



ولم يذكر التاريخ ان الامام عليا عليه السلام اشترط على عبد الله شروطا معينة ، ولكننا نستطيع ان نتنبأ بتلك الشروط من خلال الدور المرسوم سلفا لسيدة كربلاء زينب سلام الله عليها .



وهكذا لم يتردد عبد الله بن جعفر لحظة عندما عقدت زينب العزم على مرافقة اخيها في قيامه ضد الطاغية يزيد .



وبالرغم من ان عبد الله بن جعفر لم يشترك شخصيا في معركة كربلاء لاسباب غير معروفة لدينا ، ولكنه بعث بأبنيه الرشيدين الذين استشهدا مع خالهما وسيدهما الامام الحسين عليه السلام ، وكان فخورا بشهادتهما في ركاب السبط الشهيد .



ولم يبين التاريخ شيئا كثيرا عن حياة الصديقة زينب سلام الله عليها قبل حادثة عاشوراء ، الا انها انجبت اربعة من البنين : عليا ومحمدا وعونا الاكبر وعباسا وفتاتين ، وان النساء كن يختلفن عليها لتلقي عليهن التعاليم الدينية ، وانها هاجرت مع ابيها وزوجها الى الكوفة وان زوجها عبد الله شارك في الدفاع عن الامام امير المؤمنين في حروبه ضد البغاة وانه كان من امراء جيش الاسلام في تلك الحروب .



ولا ريب ان البيت الهاشمي بكل عناصره كانوا يخوضــون - منذ التحاق النبي بالرفيق الاعلى - غمار صراع متعدد الابعاد من اجل اعادة السلطة الى الدين ، ومقاومة خط النفاق الاموي الذي تسلل الى مراكز القيادة في الامة .



لقد انشغل كثير من المسلمين بعد فتح مكة ودخول الناس في الدين افواجا ، انشغلوا بمكاسب الفتح وتغافلوا عن مسؤولية الدفاع عن القيم الالهي ، وتجاهلوا تسلل العناصر المنافقة والانتهازية الى مراكز القوة في البلاد ، هكذا بدأت عناصر الردة الجاهلية تتحزب ، واخذت فلول معسكر ابي سفيان الذي انهزم في بدر تتجمع وتستفيد من سماحة الاسلام . ، وغفلة الرساليين ومن امكانات الفتوحات الاسلامية ، ومن تحالفاتهم الجاهلية مستفيدين من كل ذلك لاستعادة نفوذهم وسلطانهم المفقود .



ولا ريب ان النبي صلى الله عليه وآله اهتم بسيطرة الاســلام كقــوة سياسية اولى في الجزيرة ، وتسامح مع اعدائه لكي يجذبهم ولو ظاهريا الى الاعتراف بالدين بالرغم من علمه بأنهم لم يؤمنوا بحقائق قلوبهم . وقد جاءت أكثر من اية كريمة تنذر المسلمين بوجود عناصر منافقة في صفوفهم كقوله سبحانه :



وممن حولكم من الاعراب منافقون ومن اهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون الى عذاب عظيم . ( التوبة / 101 ) .



وقالت الاعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الايمان في قلوبكم وان تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من اعمالكم شيئا ان الله غفور رحيم ( الحجرات / 14) .



وكانت مهمة تصفية العناصر الضعيفة والمنافقة ملقاة على عاتق الامام امير المؤمنين عليه السلام والبيت الهاشمي من بعد الرسول .



وهكذا قاتل الرسول بني امية انطلاقا من تنزيل الكتاب لانهم كانوا يومئذ يجاهرون بالكفر ، وحاربهم الامام علي سلام الله عليه على تأويل الكتاب حينما اظهروا الاسلام واضمروا الكفر ، وهكذا اخبره النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) . وقام الامام امير المؤمنين بقيادة الصفوة من اصحاب النبي صلى الله عليه وآله والتابعين لهم للدفاع عن حرمات الاسلام في مواجهته التحريفية الاموية ، وقد انتصر في ثلاث حروب وكان يخطط لحرب رابعة حين اغتالته الايادي الاثمة في صبيحة اليوم التاسع عشر من شهر رمضان وقبل عشر ايام من موعد الخروج الى المعركة .



وبعد شهادة الامام علي عليه السلام قام نجله الامام الحسن المجتبى عليه السلام بحرب سياسية واعلامية واسعة ضد الخط الاموي ، وقد نجح في تنقية الدين الحنيف عن الثقافات السلطوية التي حاول بنو أمية تمريرها على الناس باسم الدين .



وكانت للامام الحسين عليه السلام مهمة اخرى قام باعبائها بأفضل صورة ؛ كانت المهمة تتلخص في بعث روح الشهادة في ضمير الامة لكي يدافعوا عن قيم الدين امام السلطات التحريفية على مد الاعصار ، ويضحوا بأنفسهم في سبيل اعلاء كلمة الحق .



لقد عرف الناس ان الحق مع الامام علي وأهل بيت الرسالة ، وان معاوية ويزيد ومن جاء بهما وتستر عليهما هم أهل الباطل ، ولكنهم ضعفوا واستكانوا عن الدفاع عن الحق . وهكذا خذلوا الامام الحسن عليه السلام وتفرقوا عن سفير الامام الحسين عليه السلام مسلم بن عقيل تحت شعار شيطاني خبيث مالنا وللدخول بين السلاطين . وأخيرا صدقت فيهم مقولة الفرزدق قلوبهم معك وسيوفهم عليك وها هي سيوفهم التي سلوها ضد بني أمية في صفين يغمدونها في ركام من التبريرات ثم يسلونها ضد سبط الرسول ، وداعيــة الوصي ، وابن القرآن ، ومثال الايمان !



الناس اليوم بحاجة الى انتفاضة الضمير .. الى زلزال عنيف يهز اعمق مشاعرهم ، ويعيدهم الى وجدانهم الديني ، ويقول لهم ان هذ ه الدنيا العريضة التي اصابوها ليست في الاخرة الا متاع ، وهي ليست عند اولياء الله الا عفطة عنز فأنى يؤفكون ؟



وجاء الامام الحسين عليه السلام الى كربلاء حيث قدر له ان يفجر ثورة الضمير التي تبقى سيفا على رؤوس الظالمين لا ينبو ، وراية لحركة المظلومين لا تنكس ، و وخزا لضمير المتقاعسين لا يفل ، ونورا لدرب المجاهدين لا يخبو .



جاء الامام الحسين عليه السلام ليكون فيصل حق بين دين الله الذي يدعو الى الايمان ومخالفة الهوى ، والشهادة لله في كل موقف ، والصدق في كل موطن ، و بين دين السلاطين الذي يدعو الى تبرير الظلم والى التبعية والاستعباد .. بين دين محمد رسول الله وبين دين ابو سفيان .. بين دين الامام علي ودين معاوية .. بين دين حجر بن عدي وعمر بن حمق وسعيد بن جبير ، وبين دين سمرة بين جندب وشريح القاضي وعمر بن سعد ..



وجاء الامام الحسين عليه السلام ليقول للمسلم اذا كان دم سبط رسول الله رخيصا في سبيل الله فاي دم يبقى غاليا ، واذا كانت حرم رسول الله تسبى من اجل فضح الباطل فاي حرمة لنساء الرجال العاديين ؟



جاء الامام الحسين عليه السلام ليبعث همة عالية في نفوس الامة ، وزخما ثوريا لاهبا ضد الطغاة .



وهكــذا كان ، وسقطت راية بني أمية ، وارتفعت راية الاسلام ، ويبقى الوصــي ودين الرسول ، وبقيت سننه حتى الان وحتى يوم القيامة .



كان هدف يزيد اشاعة العصبية العنصرية ، ثم العصبية الاموية ، ثم الملك العضوض .



كان هدفه اشاعة ثقافة اللعب بالقرود ، وكان له قرد يدعى انه من شيوخ بني اسرائيل ، وانه مسخ قردا لمعصية ارتكبها ، وكان ولها به الى درجة انه حين مات امر بدفنه وامر الشعراء ووعاظ السلاطين برثائه واقامة العزاء له .



وكان شعار يزيد : لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء ولا وحي نزل ..



وكان هدف السبط الشهيد ان يكون من ابناء الامة رجالا يدافعون عن الحق امام يزيد وطغيانه ، و يستعدون للشهادة في سبيل الله بل يجعلون هذه الشهادة هدفهم الاول ، وهكذا كان .




4 - زينب شاهدة النهضة :




وهلك يزيد ونهجه ، واستطال الحسين ونهجه ، وصدقت حكمه الصديقة زينب لابن زياد ، بعدما سألها كيف رأيت صنع الله بأخيك وأهل بيتك ؟ فقالت : ما رأيت الا جميلا ، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا الى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاج وتخاصم فانظر لمن الفلج ( اي النصر ) يومئذ ثكلتك أمك يابن مرجانة (4)



وكانت زينب الشاهدة على نهضة السبط الشهيد لانها حملت رسالتها الى الآفاق ، ولان النهضة اساسا كانت تهدف بعث زلزال في الضمائر . فان دم الشهداء كان سيذهب سدى من دون دور الشاهدة العظيمة زينب ، ودور الشاهدين الاخرين معها .



وكانت تلك حكمة حمل الامام الحسين عليه السلام حرمه معه ، وقد قال له رسول الله صلى الله عليه وآله في رؤياه الصادقة قبيل خروجه من المدينة لقد شاء الله ان يراهن سبايا .



لقد زعمت أمية ان تطواف آل الرسول اسارى في البلاد برفقة رأس السبط الشهيد ورؤوس اصحابه عليه وعليهم السلام انه يثير الرهبة في نفوس معارضيها ، وبالتالي يثبت سلطانها ولم تعرف ان الذي خطط للنهضة تعمد في ان يجعلها نهضة الدم الذي يقهر السيف ، والضمير الذي يغلب الدرهم والدينار . فكانت الرؤوس المقطوعة اكبر شاهد على ظلامة أهل البيت وتجردهم في الله ، وعظيم تضحيتهم في سبيل الدين . وكانت كلمات التقريع والتحدي التي فاضت بها خطب أهل البيت ، وما كان فيها من استهزاء بالطغيان الاموي ، والسخرية من سلطانهم أكبر ثورة ثقافية في الامة .



وهكذا نسمع الامام زين العابدين عندما يسأله ابراهيم بن طلحة ويقول له بعد شهادة ابيه : يا علي بن الحسين من غلب فيجيبه ؟ الامام ويقول : اذا اردت ان تعلم من غلب ودخل وقت الصلاة فأذن ثم اتم (5) .



بلى .. ان بقاء الصلاة وبقاء ذكر النبي في الاذان والاقامة دليل غلبة الاسلام على النفاق بفضل شهادة الامام الحسين عليه السلام .



والواقع ان القدر كان قد هيأ الصديقة زينب لهذا الدور ، وخلال عمرها القصير بعد واقعة الطف زرعت في كل افق من العالم الاسلامي بذور النهضة الحسينية ، وحفرت نهرا متدفقا من العواطف النبيلة تجاه أهل البيت حتى أصبحت لكلمة يالثارات الحسين جرصا خاصا في نفوس المسلمين ، ما ان تنطلق هذه الكلمة حتى يجتمع الناس للنهضة والاستعداد للشهادة .. واصبحت الشهادة في سبيل الله ولمقاومة الطغاة عادة مشروعة للبررة من ابناء الامة كما كان الجهاد في سبيل الله ضد الكفار .



كل ذلك بفضــل شهــادة الحسين عليه السلام وكلمات الصديقة زينب وسائر اسارى واقعة الطف .


5 - صفات الصديقة زينب (ع)




ماالذي قلد زينب الصديقة هذا الدور العظيم ؟ انها صفاتها المثلى التي نذكرها تباعا :



1 - الصديقة :



عشية يوم عاشوراء نظرت زينب الى أرض طف فاذا بها مثخنة بالجثث الطواهر ، وهي تتناثر فوق مساحة واسعة كالأضاحي ، وقد فصلت الرؤوس وسلبت الاجساد الطاهرة ، وفي جانب اخر رمقت بقايا خيم محترقة ، وثلة من الاطفال المذعورين والنساء المفجوعات يتراكضون على غير هدى واصواتهم ترتفع تارة بالبكاء على ذويهم واخرى ينادون العطش العطش ..



وقد احاط بهذا الوادي جيش لجب انتشى بالنصر وتشبع بروح الهمجية .



ان مجرد تصور هذه الصورة الفجيعة تجعل اكثر الناس حلما ينهار ، ولكن زينب سلام الله عليها حمدت بقيت صامده .. ماذا فعلت ؟ لملمت الاطفال ، وهدأت النساء وصبرتهم ثم قامت لربها تصلي ولعلها كانت تدعوا الله بضراعة لكي يمنحها الصبر والاستقامة وان يتقبل من آل محمد صلى الله عليه وآله ذلك القربان ، كما كان دعاء اخيها الامام الحسين في اللحظات الاخيرة من حياته الكريمة حيث قال :



اللهم انت متعالي المكان ، عظيم الجبروت ، شديد المحال ، غني عن الخلايق ، عريض الكبرياء ، قادر على ما تشاء ، قريب الرحمة ، صادق الوعد ، سابغ النعمة ، حسن البلاء ، قريب اذا دعيت ، محيط بما خلقت ، قابل التوبة لمن تاب اليك ، قادر على ما اردت ، و مدرك ما طلبت ، وشكور اذا شكرت وذكور اذا ذكرت . ادعوك محتاجا ، وارغب اليك فقيرا ، وافزع اليك خائفا ، وابكي اليك مكروبا واستعين بك ضعيفا واتوكل عليك كافيا احكم بيننا وبين قومنا بالحق فانهم غرونا وخدعونا وخذلونا وغرروا بنا وقتلونا ونحن عترة نبيك وولد حبيبك محمد بن عبد الله الذي اصطفيته بالرسالة وائتمنته على وحيك فاجعل لنا من امرنا فرجا ومخرجا برحمتك يا ارحم الراحمين (6) .



ثم قال عليه السلام :



صبرا على قضائك يا رب ، لا اله سواك ، يا غياث المستغيثين .



بلى .. هذا الايمان الخالص الذي تجلى في كلمات السبط الشهيد في تلك اللحظات الحاسمة ، وذلك الموقف الذي تجلى عند الصديقة زينب بعد الشهادة طبع المسيرة الحسينية بطابع توحيدي خالص .



ان ابرز صفات زينب كان تصديقها بما جاء في الكتاب وبينه الرسول ، وهكذا تحملت تلك المصائب العظيمة التي احتسبتها عند الله .. ثم عادت سلام الله عليها الى حيث كان المخيم فلما انتصف الليل اخذت تصلي نافلة الليل ، ورمقتها عينا سيد العابدين علي بن الحسين عليه السلام فسألها : عمة لم تصلي صلاتك عن جلوس . قالت زينب : يابن أخي ، ان رجلاي لا تحملانني .



قبل ايام حينما نزلت قافلة السبط في أرض الطف جلس الامام الحسين أمام خيمته وأخذ يصلح سيفه وهو يتمثل بابيات كانت العرب تنشدها عندما يحس الواحد بالخطر الداهم وهو يقول :



يا دهر اف لك من خليل كم لك بالاشراق والاصيل



من صاحب وطالب قتيل والدهر لا يقنع بالبديل



وانما الامر الى الجليل وهي وكل هي سالك سبيلي الحياة .



فلما سمعت اخته الصديقة زينب ذلك فصاحت واثكلاه ليت الموت اعدمني .



ثم تجمعت في ذاكرتها مصائبها فقالت : اليوم ماتت أمي فاطمة وابي علي واخي الحسن . يا خليفة الماضين وثمال الباقــين فنــظر اليها الحسين وقال لها : يا أختاه لا يذهبن بحلمك الشيطان ، وترقرقت عيناه بالدموع وقال : لو ترك القطا لنام فقالت يا ويلتاه افتغتصب نفسك اغتصابا فذلك اقرح لقلبي واشد على نفسي ، ثم لطمت وجهها وهوت الى جيبها فشقته وخرت مغشية عليها .



فقال لها الامام الحسين عليه السلام بعد ان افاقت : يا اختاه اتقي الله وتعزي بعزاء الله ، واعلمي ان أهل الارض يموتون واهل السماء لا يبقون وان كل شيء هالك الا وجه الله تعالى الذي خلق الخلق بقدرته ، ويبعث الخلق ويعودون وهو فرد وحده .



ثم قال لها : يا أختاه اني اقسمت عليك فابري قسمي لا تشقي علي جيبا ، ولا تخمشي علي وجها ، ولا تدعي علي بالويل والثبور اذا انا هلكت . (7)



ومنذ تلك اللحظة حين عرفت زينب ان مسؤوليتها توجب عليها الصبر جلدت ، واحتسبت الله في صبرها .



2 - الصبر :



لم يشهد التاريخ امرأة اعظم صبرا مــن زينب سلام الله عليها .. لقد ذبح ابناءها عون ومحمد ، وقيل عبد الله (8) على مشهد منها فلم تجزع ، ثم استشهد عبر ساعات وامام عينها امامها الحسين واخوتها وابناء اخوتها فصبرت وكانت مثلا في رباطة الجأش والحكمة في تدبير الامور ، وقيادة الموقف الصعب .



انها كانت اسيرة وربما مكبلة ، وكانت قد انهكتها المصائب والمتاعب الروحية والجسدية ، ولكنها كانت تقود المعارضة من موقع الاسر ، كما تدبر شؤون الاسارى له فيا من صبر عظيم لا يمكن ان يناله بشر الا بفضل الله وحسن التوكل عليه .



في عشية عاشوراء حين احرقت بنو أمية خيام أهل البيت - عليهم السلام - وجاءت زينب الى الامام زين العابدين وكان قد اشتد به المرض فسألته باعتباره اماما مفترض الطاعة بعد الامام الحسين عليه السلام ، سألته عن واجبها فأمرها والنسوة بالفرار . فلما انتشر بقايا آل الرسول في اطراف وادي كربلاء عادت زينب الى خيمة الامام وانقذته من وسط النيران واطمأنت على سلامته ، ثم اخذت هي واختها ام كلثوم بالتفتيش عن النساء والاطفال وجمعتهم تحت خباء نصف محترق .. ان مثل هذا العمل العظيم لا يصدر من امرأة مفجوعة بعشرات المصائب العظيمة ، الا اذا كانت في قمة الصبر ، وما هذا الصبر الا بالله العظيم .



وعندما نودي بآل الرسول بالرحيل من وادي كربلاء ومروا بالاسرى على اجساد ذويهم نكاية بهم ، فألقى الامام زين العابدين نظرة وداع أليمة على جسد ابيه المقطع فاستبد به الحزن ، ورمقته الصديقة زينب واحست ان حجة الله وامام زمانها علي بن الحسين في خطر اذ يكاد الحزن يقضي عليه فادركت الموقف وتوجهت اليه قائلة :



مالي اراك تجود بنفسك يا بقية جدي وابي وأخوتي ؟



فقال الامام زين العابدين عليه السلام : وكيف لا اجزع وأهلع ، وقد ارى سيدي واخوتي وعمومتي وولد عمي واهلي مضرجين بدمائهم مرملين ، بالعراء مسلبين لا يكفنون ولا يوارون ، ولا يعرج عليهم احد ، ولا يقربهم بشر كأنهم أهل بيت من الديلم والخزر .



فقالت : لا يجزعنك ما ترى فوالله ان ذلك بعهد من رسول الله الى جدك وابيك وعمك ، وقد اخذ الله ميثاق اناس من هذه الامة لا تعرفهم فراعنة هذه الارض وهم معروفون في اهل السماوات انهم يجمعون هذه الاعضاء المتفرقة فيوارونها ، وهذه الجسوم المضرجة . وينصبون لهذا الطف علما لقبر ابيك سيد الشهداء لا يدرس اثره ، ولا يعفو رسمه على كرور الليالي والايام ، ويجتهدن ائمة الكفر واشياع الضلالة في محوه وتطميسه فلا يزداد اثره الا ظهورا ، وامره الا علوا (9)



وهكذا بعثت السيدة زينب روح السكينة في قلب الامام سلام الله عليهما .



وعندما ادخل اسارى آل الرسول الى مجلس ابن زياد ، وهو العتل الزنيم ابن المرأة الفاجرة وابوه زياد الذي لم يعرف له اب فقيل زياد بن مرجانة او زياد بن ابيه .



هنالك دخلت زينب متنكرة حيث لبست ارثى ثيابها ، فلما توجه اليها ابن زياد قائلا من هذه المتنكرة ، قيل له انها زينب بنت علي . فأراد ابن زياد ان يتشفى منها فقال : الحمد لله الذي فضحكم وأكذب احدوثتكم .



فقالت : انما يفتضح الفاسق ، ويكذب الفاجر وهو غيرنا .



فقال ابن زياد : كيف رأيت صنع الله بأخيك واهل بيتك .



فقالت ما رأيت الا جميلا ، هولاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا الى مضاجعهم ، وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاج وتخاصم ، فانظر لمن الفلج يومئذ ثكلتك امك يا ابن مرجانة .



فغضب ( ابن زياد ) وكأنه هم بها ، فقال له عمرو بن حريث : انها امرأة ، والمرأة لا تؤاخذ بشيء من منطقها .



فقال لها ابن زياد : لقد شفي الله قلبي من طاغيتك الحسين والعصاة المردة من اهل بيتك .



فقالت : لعمري لقد قتلت كهلي ، وقطعت فرعي ، واجتثثت اصلي ، فان كان هذا شفاؤك فقد اشتفيت .



فقال ابن زياد : هذه سجاعة ، لعمري لقد كان ابوك سجاعا شاعرا .



فقالت : يا ابن زياد ماللمرأة والسجاعة ، واضافت : وان لي عن السجاعة لشغلا ، واني لاعجب ممن يشتفي بقتل ائمته ، ويعلم انهم منتقمون منه في اخرته . (10)



انها رباطة جأش ، و صبر وعلم وحكمة ..



لقد كانت زينب تحس بأنها مسؤولة بالدرجة الاولى عن حفظ الامام علي بن الحسين عليه السلام ثم بقية الاسارى من آل بيت الرسول صلى الله عليه وآله ، وقد قامت بذلك خير قيام .



ففي مجلس يزيد الطاغية عندما طلب أحد الامراء منه فاطمة بنت علي - عليه السلام - وكانت وضيئة ، وقال : يا يزيد هب لي هذه الجارية فتعلقت باختها زينب ، فدافعت زينب سلام الله عليها عنها ، وتوجهت الى ذلك الشامي وقالت كذبت والله ولعنت ، ماذاك لك ولا له . فغضب يزيد وقال : بل كذبت والله لو شئت لفعلته .



قالت : لا والله ما جعل الله ذلك لك الا ان تخرج من ملتنا ، وتدين بغير ديننا فغضب يزيد ثم قال : اياي تستقبلين بهذا ؟ انما خرج من الدين ابوك واخوك .



فقالت : بدين الله ودين ابي واخي وجدي اهتديت انت وجدك وابوك .



قال ( يزيد ) : كذبت يا عدوة الله قالت : امير يشتم ظالما ويقهر بسلطانه فكأنه لعنه الله استحى فسكت ، فاعاد الشامي لعنه الله فقال : يا امير المؤمنين هب لي هذه الجارية فقال له : اعزب وهب الله لك حتفا قاضيا . (11)



هذه صور من صبر الصديقة زينب وشجاعتها وهي صور تعكس عمق ذلك القلب المؤيد بنور الايمان ..



وحين نقرء معا خطاباتها نعرف انها لا تصدر الا عن قلب مطمئن بسكينة الايمان ، واثق بالنصر الالهي موقن باستقامة طريقة وسلامة منهجه .



3 - البلاغة :



علم واسع ، وحكمة بالغة ، وخطاب فصل ، وشجاعة ربانية ، وادب نافذ ، وتعبير فصيح ، كل ذلك بشكل عناصر بلاغة الصديقة زينب .



لقد كانت بنت ثلاث سنوات حين اصطحبت امها الى مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله حيث خطبت امها بذلك الخطاب الهام الذي جمعت فيه كل قيم الرسالة ومعاني الرفض ، ثم كانت زينب هي التي تروي لنا ذلك الخطاب العظيم .



وروي انه سألها ابوها عن مسألة قالت بكل ثقة : بلى امي قد علمتني اياها .



وقد بلغ من علمها بالله ومعرفته ان اباها امير المؤمنين علي عليه السلام اجلسها واخاها العباس الى جانبيه وهما صغيران فقال للعباس قل : واحد فقال واحد . فقال : قل اثنان ، قال استحي اقول باللسان الذي قلت واحد اثنان . فقبل علي عليه السلام عينيه ، ثم التفت الى زينب وكانت على يساره والعباس عن يمينه فقالت يا ابتاه اتحبنا ؟ قال : نعم يابني ، اولادنا اكبادنا . فقالت : يا ابتاه حبان لا يجتمعان في قلب ؛ حب الله وحب الاولاد وان كان لابد فالشفقة لنا والحب لله خالصا . فازداد علي بهما حبا . (12)



عرفان زينب بالله لم يشذ عن عرفان جدها وابيها وامها والسبطين ، انها عاشت في بيت الوحي ومن ذلك العرفان اوتيت بصيرة في الدين حتى شهد لها الامام بالعقول : انت بحمد الله عالمة غير معلمة ، وفهمة غير مفهمة .



وقد اوصى الامام الحسين عليه السلام الي زينب وكانت في مستوى تحمل اعباء الرسالة بدلالة ان اخاها الحسين اوصى اليها لتكون نائبة عن الامام زين العابدين في تلك الايام العصيبة .



اما حكمتها فكفى دليلا عليها قيادتها للمعارضة في تلك الظروف وبعد تلك الفاجعة العظيمة .



اما خطابها الفصل وكلماتها النافذة فسوف نستعرض معا خطاباتها ، وكفى شهادة على ذلك قول حذيم الاسدي عن خطابها في الكوفة ، فلم ار والله خفرة انطق منها كأنما تنطق وتفرغ عن لسان امير المؤمنين . (13)


6 - هكذا بلغت زينب رسالة عاشوراء




ان هذه الصفات جعلت زينب الكبرى سلام الله عليها افضل من يحمل رسالة عاشوراء . لكي يوقظ الضمير السابت ، ويهز الوجدان الهامد ، ويفجر طاقات الرفض في امة التوحيد .. وقد قامت زينب بهذا الدور عبر ثلاثة محاور .



الف : الخطاب الجماهيري .



وسوف نستعرض باذن الله خطابات زينب (عليها السلام ) الجماهيرية ، والتي كانت ميثاق النهضة ومنشورا لرفض ، وقد ساهمت في اشاعة ادب الشهادة ، وثقافة التحدي في الامة .



باء : اللقاء المباشر .



في الكوفة والشام والمدينة ثم بمصر والشام قامت الصديقة بالتحدث الى الناس وتحريضهم على السلطة الاموية وبيان ما جرى عليهم في الطف ، وفلسفة قيام السبط الشهيد في مقاومة السلطة الغاصبة .



ولقد حفظ التاريخ بعض هذه اللقاءات لما فيه من اثارة معينة واعرض عن الباقي ، ونستشهد بما ذكره التاريخ على ما اغفل ذكره .



كانت زينب شريكة منذ بداية القيام الحسيني في التعبئة من اجله ؛ فمثلا يروي البعض انه في ليلة عاشوراء ، وحيث اوكل الامام الحسين مهمة المحافظة على المخيم الى اخيه البطل العباس عليهما السلام وقد كان العباس يراقب الوضع بكل حذر ، فاذا به يرى سوادا بين الخيم فنادى من انت ؟ فاذا به اخته زينب .



قال العباس : ما اخرجك في سواد هذا الليل يا أختاه ؟



قالت : جئت لكي احدثك بحديث ..



قال : الان حلى وقت الحديث .



ثم قصت زينب للعباس كيف ان اباها بعد وفاة امها الصديقة سلام الله عليها سأل اخاه عقيلا بان يدله على بنت ولدتها الفحولة من العرب ، فلما سأله ما تصنع بها ، قال لتلد لي شبلا ينصر ابني الحسين .



ثم اضافت زينب قائلة : يا أخي الحرم حرمك .



وهنالك انتفض العرق الهاشمي بين عيني العباس وقال : او تشجعيني يا أختاه ، لا نعمن لك عينا .



وهكذا كانت تحرض بريرا حسب بعض الروايات ، واننا لنرى الصديقة زينب حاضرة في كل لحظة من لحظات الملحمة الكبرى الى جنب أخيها الامام الحسين عليه السلام .



وبعد الفاجعة وحينما اسكنت وأهل بيت الرسالة في دار قريبة من دار الامارة بالكوفة أمرت بان لا يدخل عليها الا امرأة سبيت من قبل ، لأنها ذاقت مرارة الاسر مثلها . وهناك قامت بدورها في بث الدعوة ، ولعل السبب في اختيار هذا النوع من النساء لانهن اقرب الى الاستجابة للدعوة ونقل وقائع المآساة الى الجماهـــير المحرومة ، وهكذا فعلت في الشام والمدينة .



جيم : النياحة .



بعد عودة السيدة زينب الى حرم جدها كتب والي يزيد على المدينة المنورة الى يزيد ما يلي :



ان وجودها بين أهل المدينة مهيج للخواطر ، وانها فصيحة عاقلة لبيبة ، وقد عزمت هي ومن معها على القيام للأخذ بثأر الحسين ، فكتب اليه فرق بينها وبين أهلها .



كيف قامت الصديقة بإثارة أهل المدينة ؟



بالنياحة حيث انها اقامت مجالس العزاء ، وكانت هذه المجالس التي لا زالت مستمرة في العالم الاسلامي حتى اليوم ، بمثابة مؤسسة اعلامية تتميز بالتعبئة العاطفية ، و التوعية الدينية الى جانب التزكية والتربية .



لقد كان بكاء السيدة زينب ذات هدف رسالي ، حيث انه لم يكن بكاءا ذليلا ، ولا ندما على ما مضى ولا جزعا من المصائب ، وإنما كان بكاء تحد وايقاظ . وهكذا كانت سائر افعالها التي تبدو في صورة جزع وهلع ك. ان ممارستها جميعا كانت هادفة ؛ مثلا حينما ضربت رأسها بمقدم المحمل لم يكن ذلك مجرد حالة عاطفية ساذجة ، ذلك لانها كانت تلهب حماس اهل الكوفة بخطابها الصاعق . وكانت جماهير اهل الكوفة التي صعقها هول الفاجعة تستمع اليها و تتفاعل معها ، فخشيت السلطة من انتفاضة عارمة فأمرت حامل رأسٍ الامام الحسين عليه السلام ان يقترب من محملها لعلها تسكت . فلما رأته اجهشت بالبكاء وضربت رأسها بمقدم المحمل فانفجر الدم من جبينها ، فاذا بأهل الكوفة يزدادون غضبا على يزيد وابن زياد .



ان زينب الصبورة التي كانت قد شاهدت كل تلك المأساة لم تكن لتجزع من رؤية رأسٍ اخيها بالرغم من هول المأساة على قلبها ، ولكنها كانت تثير اعمق المشاعر الانسانية في الناس ، وكأنها تقول لهم ان المأساة عظيمة وعظيمة الى درجة تستحق شق الرأٍس من اجلها ، او تقول لأعداءها نحن لازلنا مستعدون للتضحية من اجل الله ولا نأبه الموت .



هكذا كان لزينب سلام الله عليها في مقابل كل تصعيد من جانب العدو تحديا فريدا وتصعيدا جديدا ، فلما استخدموا اسلوب الاثارة العاطفية باستعراض الرأٍس الشريف استفادت من اسلوب الاستنهاض بضرب رأٍسها بمقدم المحمل ، وهي تقول :



ياهلالا لما استتم كمالا غاله خسفه فأبدا غروبا



ما توهمت يا شقيق فؤادي كان هذا مقدرا مكتوبا . (14)



ولعل الشيعة تعلموا من زينب سلام الله عليها الكثير من الشعائر الحسينية التي لا زالت تلهب حماس الامة ، وتبقي فاجعة الطف نابضة بالحياة حتى اليوم وكأنها تتجدد في كل عام ..



وفي مجلس الطاغية ابن زياد والطاغوت يزيد كلما تمادى الاعداء في صلفهم لجأت الصديقة زينب الى البكاء فأسكتت اعتى الاعداء ، واجتذبت عاطفة الجمهور .




7 - خطابات الصديقة زينب (ع)




في فصل آت سنبين باذن الله آثار النهضة الحسينية ، والتي اكتملت بالدعوة الزينبية ، والتي تمثلت في محاور ابرزها خطاباتها اللاهبة . ومن هنا فدراسة كلمات زينب سلام الله عليها تنفعنا في امرين :



اولا : في فهم السبب الذي جعل تلك الكلمات بالغة التأثير في الامة مما ساهمت في تلك الثورات التي لم تزل مستمرة .



ثانيا : فيما يمكن للخطباء والدعاة الحسينيين ان يستفيدوه من منهج الصديقة زينب في التأثير .



وسوف تتركز دراستنا لكلماتها في خطبتين ، خطبة الكوفة وخطبة الشام ، وسوف نستعرضها بصورة متدرجة ليتسنى لنا دراستهما .


8 - زينب تقرع أهل الكوفة




روى حذيم بن شريك الاسدي قال : لما اتى علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام بالنسوة من كربلاء وكان مريضا واذا نساء اهل الكوفة يتدبن مشققات الجيوب والرجال معهن يبكون ، فقال زين العابدين بصوة ضئيل وقد نهكته العله .



ان هؤلاء يبكون فمن قتلنا غيرهم ؟



فاومأت زينب بنت علي بن ابي طالب الى الناس بالسكوت . قال حذيم الاسدي : فلم ار والله خفرة انطق منها كأنما تنطق وتفرغ عن لسان امير المؤمنين ، وقد اشارت الى الناس ان انصتوا فارتدت الانفاس ، وسكنت الاجراس ، ثم قالت بعــد حمد الله تعالى والصلاة على رسوله . (15)



لقد حمدت زينب ربها فأجملت الثناء عليه وصلت على النبي فأحسنت ذكره ، وكانت تلك البداية الرائعة بصوتها الاخاذ قد اثارت انتباه الجميع ، فخشعت الاصوات وارتدت الانفاس .



1 - بعدئذ بدءت بسياط التقريع والتبكيت كأنها الرعد المزمجــر ، وذكرتم بانهم نقضوا غزلهم ، وخالفوا وعدهم ، وهدموا بنيانهم اشارة الى انهم عادوا - بعد مقتل السبط الشهيد - عبيدا لاهل الشام ، بينما كانوا قد ناضلوا طويلا ضدهم ، فقالت سلام الله عليها :



/ 3