تشریع الاسلامی، مناهجه و مقاصده جلد 6

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تشریع الاسلامی، مناهجه و مقاصده - جلد 6

سید محمد تقی مدرسی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید






آية اللـه السيد محمد تقي المدرسي

التشريع الاسلامي مناهجه ومقاصده


الجزء السادس

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة


الحمد لله رب العالمين ، وصلى اللـه على محمد وآله الطاهرين .


من اين نبدء ، وكيف يمكن ان نعيد بناء الثقافة على اساس راكز من القيم الالهية لتصبح تلك الكلمة الطيبة التي تؤتي اكلها كل حين بإذن ربها ..


نجد الجواب في الحوزات الدينية وفي الجامعات العلمية ، وكيف ؟


اولاً / الحوزات الدينية ربت علماء من الطراز الاول الذين اعانهم اللـه على انفسهم ، فاستنارت افئدتهم بنور اللـه ، واستثارت عقولهم بضياء الوحي ، وزكت انفسهم من عوامل الخطأ ، ومن دواعي الانحراف ، فهداهم اللـه الى الصراط المستقيم .


ان هؤلاء هم الذين اورثهم اللـه كتابه واودعهم علمه ، ولكنهم واسترسالاً مع الماضي اشتغلوا بثوابت الشريعة اكثر من متغيراتها ، وبمواريث الماضي اكثر من منتجات العصر ، وبحدود الشريعة الغراء اكثر من بصائرها النيرة .


وبالتالي بالفقه وفروعه اكثر من بصائر القرآن وتفسيره ، وتأويلاته المتجلية في الحياة يوماً بيوم وساعة بساعة .


ان اهتمام علماء الحوزات بالقضايا الراهنة ومستجدات العصر وبالذات في البعد الثقافي كفيــل


بتدفـق فيض من العطاء ، ولكن ذلك بحاجـة الى تطوير بنيوي للمناهج الدراسية ابتداءاً من اول


فصل دراسي وحتى الفصول المتقدمة .


وهناك جانب آخر لابد من الاشارة اليه وهو ان علماء الدين ادام اللـه ظلهم يعتقدون انهم حفظة قيم الدين وتراث الامة بالدرجة الاولى ، ولذلك فان اهتمامهم بالاتباع اكثر من اهتمامهم بالابداع ، خصوصا وان الكثير من المبدعين تاريخياً تحولوا الى مبتدعين وسقطوا في شرك الضلالة والفساد .


ثانياً : اما الجامعات فانها تأسست على قاعدة اللحاق بركب الحضارة والانبهار بها ، ومن هنا فان اهتمامهم باتباع الاخرين كان اكثر من اهتمام بالابتكار والابداع .


والكثير من الاساتذة تراهم يهتمون بقضايا البلاد المتطورة اكثر مما يهتمون بقضايا بلادهم .


من هنا فان على الجامعات ان تقوم بأمرين :


اولا : ان تعيش هاجس الابداع لا الاتباع .


ثانياً : ان تعيش في اطار قضايا الوطن .


وهكذا ترانا ننطلق في مسيرة النهضة الثقافية الشاملة من افق الحوزات المعصرنة ومن أفق الجامعات الموطنّة . اما حوزات التراث وجامعات الغربة ، فانهما لن يساهما الا قليلا في الانبعاث الثقافي .


والكتاب الذي بين ايدينا مساهمة في سبيل تطوير الثقافة ، وبالذات فيما يتصل بتركيز القيم الاساسية لكل بناء ثقافي ، حيث ان معرفة الاصول هي الشرط الاول للابداع السليم ، وعلينا ان نسعى للانطلاق من القيم نحو بعض الفروع .


ولدينا مشروع نسأل اللـه ان يوفقنا بفضله لتحقيقه ؛ هو دراسة اهم القوانين الوضعية على ضوء منضومة القيم الالهية التي استوحيناها من الكتاب والسنة ، وهكذا دراسة احكام الفقه واسنادها الى تلك القيم .


وقد شكلت لجنة من ثلاثة من المحاميين الرساليين بهدف دراسة النصوص القانونية وتقييمهــا


حسب هذه المعايير ، ونحن نسعى جاهدين لتشكيل لجنة او اكثر لدراسة احكام الفقه ونسبتها الى القيم المستوحاة من الكتاب والسنة .


وسواء وفقنا للاستمرار في هذا المشروع الكبير او وفق اللـه غيرنا فإن الهدف الاسمى هو المساهمة في اعادة بناء الكيان الثقافي .


والجزء الذي بين يديك يحتوي على بقية بحوث الهدى وهي التي تشكل جزءً اساسياً من موسوعتنا هذه . وقد شرحنا بحول الله وقوته عن قيمة الهداية ، وكيف يبلغها البشر وبأية وسيلة في الجزء الخامس . بينما نتحدث انشاء الله تعالى في هذا الجزء عن قيمة العلم ضمن اربعة أبواب ؛ الباب الأول عن العلم ، معناه ، وحقائقه ، وقيمته ، ومعياره ، ومصادره ، وحجبه ، ومناهجه ، وفائدته ، وانه حجة الله ، ومسؤولية الانسان تجاهه . والباب الثاني عن ضياء العلم ، ومراحل بلوغه من النظر الى نعم الله ، والسماع ، والاستجابة ، والتذكر ، والتفكر ، والتبصر ، والاعتبار ، والحذر ، والرشد ، ثم التعقل ، والحكمة ، وما إليها .


اما الباب الثالث ؛ فسوف يكون عن ميثاق العلم ، والمسؤوليات التي يتحملها العلم من الأمر بالمعروف ، وبيان الحق ، والشهادة عليه ، والصدق فيه .


ونتحدث في الباب الرابع والأخير بحول الله سبحانه عن التضليل الذي يحجب العلم ، وعن عوامله من الكتمان ، والخيانة ، والافتراء ، والغلو في الدين ، والوسوسة ، وما إليها .


ونأمل ان ينور الله بالكتاب القلوب الزكية لتستوعب كلمات الوحي وتعي حقائق الخلق انه ولي التوفيق .


محمد تقي المدرسي


طهران


29 / ربيع الثاني / 1418 هـ


الباب الأول


العلـم


أبعـاد كلمة العلم


كيف نستطيع ان نعرف أبعاد كلمة العلم من الآيات التالية ؟ نستوحي ان بأمكاننا ان نستفيد من جملة حقائق ؛ معنى العلم : -


1 / العلم الذي يحصل عندنا في الامـور التي نحتاجها كاشباع الحاجات الضرورية .


2 / العلم الذي يحصل عندنا بالبينة .


3 / العلم بالحق .


4 / العلم الذي يقابل السكرة .


5 / العلم الذي يحصل عند الانسان بالمواقيت او بأي شئ مما يجعلنا نعلمه ويجعله معلوما عندنا .


6 / العلم الذي هو علامة على حقيقة اخرى .


7 / علم اليقين وعين اليقين ، وبالذات فيما يتصل بتعبيرات العلم التي تستخدم كصفة من صفات الله واسم من اسماءه الحسنى .


هذه هي الابعاد المختلفة التي نستفيدها من الآيات الكريمة التي تتلى علينا :


1 / العلم بالحاجات ؛ حينما استسقى موسى لقومه فأمره الله - سبحانه وتعالى- بأن يضرب بعصاه الحجر ، فأنفجر منه اثنتا عشر عينا ، هنالك علم كل اناس مشربهم . ( إن علمهـم آنئذ بالمشـرب كان علماً حقيقياً لم يكن يحجبهم عن مشربهم ، وهو المـاء الزلال الذي بدأ ينفجـــر


ويفيض من العيون الاثنتي عشرة ، كان علماً مشاهداً حقيقياً ) قال الله - سبحانه - :


« وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَــى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَــدْ عَلِــمَ كُلُّ اُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُــوا وَاشْرَبُــوا مِنْ رِزْقِ اللّهِ وَلاَ تَعْثَــوْا فِي الأرْضِ مُفْسِدِيـنَ » (البقرة/60 ) .


2 / كذلك علم هود ، كذلك علم النبي لوط بهذه الحقيقة ، بأن قومه لاحق لهم في بناته وعلمه بما كانوا يريدون . إن هذين العلمين كانا من نوع المشاهدة والمعرفة الحقيقية التي تعني حضور الحقيقة عند الانسان واحاطة بالحقيقة من دون حجاب اوتطور او ما الى ذلك ..


ونستفيد من ذلك في قوله سبحانه :


« قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَالَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ » ( هود/ 79 ) .


3 / العلم بالحق ؛ علم الانسان بحقيقة ما ، كحقيقة ان الله سبحانه وتعالى هو الذي انزل الكتاب وان الله هوالذي ينزل البصائر كالآيات المبصرات التي توالت على قوم فرعون ؛ هذا العلم هو الآخر علم مباشر وشهود وحضور وإحاطة ، وبالتالي لايفصله عن حقيقة اي شئ . قال الله تعالى :


« قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَآ أَنزَلَ هؤُلآءِ إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالاَرْضِ بَصَآئِرَ وإِنِّي لاَظنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً » ( الاسراء / 102) .


4 / حينما يصاب الانسان بالسكر او بالنوم اوما اشبه فأنه يخطف العلم ، وعندما يذهب عنه السكر يعلم من جديد . العلم بعد السكر ، هو الشهود بعد الغياب ، هو الاحاطة بعد الفقدان ، هو الوجدان بعد الضياع . وهذا ايضاً يوحي الينا ببعض ابعاد كلمة العلم ، قال الله تعالى :


« يَــآ أَيُّهَــا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّـى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُـونَ » ( النساء/43 ) .


5 / المعلـوم الذي يحيط به الانسان معرفة . هذا المعلوم يعطينا بعدا من ابعاد العلم ، فلا يكون الشئ معلوماً الا اذا احاط به الانسان احاطة ، وشاهده شهوداً ، وحضر عنده حضوراً ..


1 - قال الله تعالى : « الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْه ُاللّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُـونِ يَــآ


أُوْلِي الأَلْبَاب » (البقرة/197) .


2 - وقال الله تعالى : « وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ » (الحجرِ/4) .


اترى كيف كان الكتاب معلوماً ؟ لقد علموا وجود الكتاب ، وعلموا انه جاء به الرسول ، وعلموا انه حق ، ثم جحدوا به فأهلكوا .


3 - وقال الله تعالى : « وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنَا خَزَآئِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ » (الحجرِ/21) .


ونستوحي من الآية الكريمة ؛ ان القدر المعلوم ، معلوم عند الله . وهذا العلم لا يحتمل الجهل ، ولا يحتمل الخطأ ، ولا يحتمل غياب وما اشبه ...


4 - كذلك قوله سبحانه : « إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ » (الحجرِ/38 ) .


فان علم الله بذلك الوقت ليس علما يحتمل الخطأ او التشوش او اي جهل من اي نوع .


6 / العلامة على حقيقة اخرى ، انما هي علم بشئ يهديك بشئ أخر لا ينفصل عنه ، كالعلم بعيسى ابن مريم ( عليه السلام ) ونزوله كشرط من شروط القيامة ، انه هو الآخر لايحتمل المرية ولا الجهل .


قال الله تعالى : « وَإِنَّــهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ » (الزخرف/61) .


7 / علم اليقين ؛ العلم الذي هو يقين ، وابرز معانيه وابرز مصاديقه علم الله سبحانه وتعالى بالحقائق . فهو حضور وشهود ورؤية وابصار وسمع وإحاطة بكل معنى الكلمة .


1 - قال الله تعالى : « أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِن دُونِ اللّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ » (التوبة/16) .


علم الله بالمجاهدين ، هو ان الله خبير بما يعلمون . كل ذلك علم اليقين وعين اليقين .


2 - قوله سبحانه : « لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ » (الحديد/25) .


ترى ان علم الله بالمجاهدين الذين ينصرون الله ورسله ، ذلك العلــم الـذي يكون بعد قيــام


المجاهدين بواجبهم في نصرة الدين ونصرة الرسول . ذلك العلم ، علم الشهود ، علم اليقين .


3 - قال الله تعالى : « يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللّهُ مِن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ » (المائدة/94) .


ترى ان علم الله سبحانه وتعالى بأولئك الذين يخافون الله بالغيب بعد امتحانهم وابتلائهم ، انه لعين اليقين .


4- قال الله تعالى : « وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُـجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَاْ أَخْبَارَكُم » (محمد/31) .


هذا هو الآخر علم يتحقق كما هو سابق ، فهو لاحق ايضاً لما بعد حضور المجاهدين ولما بعد قيام المجاهدين بواجب الدفاع وصبرهم وظهور أخبارهم .


5 - قال الله تعالى : « وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِن سُلْطَانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالأَخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ » (سبأ/21) .


هنا ايضاً ترى ان علم الله سبحانه وتعالى بالمؤمن بالآخرة ، بعد ابتلاءه بالشيطان وخروجه من الامتحان منتصراً ، إن هذا العلم هو الآخر علم يقين وشهود .


6 - قال الله تعالى : « كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ » (التكاثرِ/5 ) .


علم اليقين هناك بعد الحضور ، الحضور عند الجنة وعند النار ، وظهور كل الحقائق . ذلك العلم هو الآخر مثل من امثلة العلم الذي لا يحتاج الى اي شك او جهل او غفلة اوسكر اوما اشبه ...


7 - قــال الله تعالـى : « إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَــرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْــكَ اْلأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْــنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِيــنَ ءَامَنُــوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَــدَآءَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِيــنَ » (آل عمران/140) .


هذا ايضاً من انواع علم الله بعد تحقق الحقائق ، وهو اظهر مصاديق العلم .


8 - قال الله تعالى : « أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِين » (آل عمران/142) .


هذا ايضاً من نفس النوع .


9 - وقـال سبحانــه : « وَمَــآ أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِيـــنَ » (آل عمران/166) .


هنا ايضاً علم اللـه عـلم مباشر ، وحضور لايحتمل اي جهل او غفـلة او ما اشبه .


10 - قال الله تعالى : « وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ اُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَآءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَآ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ » (البقرة/143) .


فقوله سبحانه : « إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُول » هذا العلم هو علم حق ، هو علم اليقين ، عين اليقين الذي يعلمه الله سبحانه وتعالى ، وبالذات بعد تحققه قي الواقع الخارجي .


11 - قال الله تعالى : « وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِاَفْوَاهِهِم مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ » (آل عمران/167) .


تدبروا في الآية الكريمة لتجدوا أن علم الله بالذين نافقوا بعدما ظهرت حقيقتهم ، هذا العلم هو ذلك العلم الشهودي الحضوري الذي لا يشوبه جهل او يحجبه نسيان . وكذلك علم الله بما يكتمون حيث يقول : « وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ » . اما هم فقد ادعوا انهم لا علم لهم بالقتال وهم كاذبون . لعلهم كانوا يعلمون بالقتال او انهم لوكانوا يعلمون قتالا لم يكونوا يتبعون الرسول ، ولذلك نسبوا الى الكفر وقال ربنا عنهم : « هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَان » .


12 - قال ربنا : « قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَيُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِاَيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ » (الانعام/33) .


هكذا العلم هنا جاء منسوبا الى رب العزة الذي يحيط بكل شئ ، ويبصر كل شئ ، ويسمع كل شئ ، وهو اقرب الى الانسان من حبل الوريد ؛ ولذلك فهو يعلم ما توسوس به نفسه اوتطرأ على نفسه من حالات الحزن او الفرح . فالعلم هنا بمعنى الشهود والحضور والإحاطة المعرفية .


13 - وقال سبحانه : « وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُون » (الحجرِ/97) .


هنا ايضا العلم جاء بما في قلب الرسول من ضيق الصدر بسبب التهم التي كانوا يتسوقون بها.


روي عن حفص بن غياث انه قال لي أبو عبد الله ( عليه السلام ) : يا حفص ؛ ان من صبر صبر قليلاً ، وان من جزع جزع قليلاً .


ثم قال : عليك بالصبر في جميع امورك ، فان الله عز وجل بعث محمداً فأمره بالصبر والرفق . فصبر ( صلى الله عليه وآله ) حتى نالوه بالعظايم ورموه بها ، فضاق صدره فأنزل الله عز وجل : « وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ » . ([1])


14 - وهكذا قوله سبحانه : « وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ » (النحل/103) .


هذا من تلك التهم والافتراءات التي وجهت للرسول من قبل اعداء الدين ، والتي احاط بها ربنا علماً .


15 - وعلم اليقين قد يحصل للانسان ، وذلك حينما يرى في الآخرة حقائق الجزاء من النيران الملتهبة او جنان واسعة ...


وقال الله سبحانه وتعالى : « كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ» (التكاثر/5) .


16 - قال الله تعالى : « قَالُوا نُرِيدُ أَن نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ » (المائدة/113) .


ترى ان قولهم ؛ اي قول بني اسرائيل الذين طلبوا نزول المائدة لتكون آية لأولهم ولآخرهم قولهم : « وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا » جاء بعد قولهم : « وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا » . فالعلم بصدق الرسول هو اسمى درجات الهداية ، لانهم كانوا قد آمنوا بالنبي عيسى وبصدقه . ولكنهم كانوا يبحثون عن المزيد من الطمأنينة ، حيث كانوا يبحثون عن الطمأنينة . وحينمـا كانت تحصل لهم الطمأنينة هذه ، كانوا قد بلغوا مرحلة العلم حيث قال ربنا : « وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا » .


17 - ومثل ذلك علم البشر بالعاقبة التي تكون للمؤمنين بعد تحققها ؛ اي بعد غلبة الدين على الكفر وظهوره على الشرك ، هنالك يكون للناس علم . وهذا العلم هو علم الشهود والحضور ، حيث يقول الله تعالى : « قُلْ يَاقَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ


لَهُ عاقِبَةُ الدّارِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظّالِمُون » (الانعام/135) .


ترى إن علمهم بعاقبة الدار في ذلك اليوم لم يكن حاصلاً ، لانه لم يتحقق وعد الله بنصر المؤمنين . اما بعد ان يتحقق هذا الامر فأنهم سيكونون من العالمين بذلك ، العلم ذلك اليوم يكون علم الحضور والشهود والرؤية ..


18 - الرؤية ؛ العلم يكون مثله . مثل رؤية الشئ وقد يعلم الانسان بالغيب ، وذلك اليوم علمه بالغيب ليس مجرد ايمان ، بل رؤية كذلك الغيب . حيث يقول الله تعالى : « أَعِندَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى » (النجم/35) .


في رحاب الاحاديث


1 / لا تفتوا الناس بما لا تعلمون :


عن مولى لعبيدة السلماني قال : خطبنا امير المؤمنين ( عليه السلام ) على منبر له من لبن ، فحمد الله و اثنى عليه . ثم قال : يا ايها الناس اتقوا الله و لا تفتواý الناس بما لا تعلمون . ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال " قولا آل منه الى غيره ، و قال قولا وضع على غير موضعه و كذب عليه . فقام اليه علقمه وý عبيدة السلماني فقالا : يا امير المؤمنين ؛ فما نصنع بما قد خبرنا في هذا الصحف عن اصحاب محمد ( صلى الله عليه وآله ) ؟ قال : سلا عن ذلك علماء آلý محمد ( صلى الله عليه وآله ) كأنه يعني نفس . ([2])



2 / ادنى ما يخرج الرجل من الايمان :


عنý الرضا ( عليه السلام ) في خبر طويل قال : يا ابن ابي محمود ، اذا اخذ الناس يميناً و شمالاً فالزم طريقتنا . فانه من لزمنا لزمناه ، ومن فارقنا فارقناه . ان ادنى ما يخرج الرجل من الايمان ان يقول للحصاه هذه نواة ثم يدين بذلك ويبرا ممن خالفه . يا ابن ابي محمود ؛ احفظ ما


حدثتك به ، فقد جمعت لك فيه خير الدنيا والاخرة . ([3])


3 / من عمل بالمقاييس فقد هلك :


ýو قال ( صلى الله عليه وآله ) من عمل بالمقائيس فقد هلك و اهلك ، ومن افتى الناس وهو لايعلم الناسخ من المنسوخ و المحكم من المتشابه فقد هلك واهلك . ([4])


ý ý


4 / العلم ماذا يعني ؟


جاء رجل الى النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فقال له : يا رسول الله ما العلم ؟


قال : الانصات له . قال : ثم ما ؟ قال : الاستماع له . قال : ثم ما ؟ قال : الحفظ له . قال : ثم ما ؟ قال : العمل . قال : ثم ما ؟ قال : نشره . ([5])


5 / العلم علمان :


روي عـن أمـير المؤمنـين علي بن ابي طالب ( عليه السلام ) انه قال : العلـم علمـان ؛ علـم لا يسع الناس الا النظر فيه وهو صبغة الاسلام ، وعلم يسع الناس ترك النظر فيه وهو قدرة الله تعالى . ([6])




حقائـق العلـم

العلم من الله سبحانه وتعالى :


في هذا الفصل نتلو آيات كريمة نستوحي منها ان الله هو الذي علم الانسان مالم يعلم ، وعلمه البيان ، وان الانسان لايحيط بشئ من علم الله إلاّ بما شاء ذلك لان العلم عند الله . وما الرسل إلاّ نذر ، وعلى الانسان ان يطلب من الله المزيد من العلم ، والله قد خلق الانسان ثم أعطاه العلم وقد يرده الى ارذل العمر لكي لايعلم بعد علم شيئاً . وقد علم الله آدم الاسماء كلها . وقد انزل نورا من السماء مثله كمثل مشكاة ، فيهدي الله بذلك النور من يشاء . وحتى الملائكة فانهم لاعلم لهم إلاّ ما علمهم ربهم . كذلك الانبياء علمهم من الله تعالى ، فهو الذي يعلمهم من لدنه علماً ، وفي يوم القيامة يقولون لربهم لا علم لنا انك انت علام الغيوب ..


1 / العلـم :


1 - علم الانسان من عند الله ، فهو الذي علم الانسان ما لا يعلم ، كما قال سبحانه : « عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَم » (العلقِ/5) .


2 - وقال الله تعالى : « الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْءَانَ * خَلَقَ الإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ » (الرحمنِ/1-4 ) .


3 - والانسان لا يحيط بشئ من علم الله تعالى ، إلاّ بما شاء الله . قال الله تعالـى : « اللَّهُ لآ


إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِاِِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُدُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ » (البقرة/255) .


نستوحي من هذه الآية أن العلم الالهي لا يحيط بشئ ، الا بما شاء الله . فهو الذي يهب لمن يشاء العلم ، ويسلب ممن يشاء العلم .


4 - وحتى الانبياء إعترفوا وشهدوا بكل وضوح ، بان العلم عند الله ، وان دورهم إنما دور الانذار . فقال الله تعالى : « قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مُبِينٌ » (الملك/26) .


وقال الله تعالى : « قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ وَاُبَلِّغُكُم مَآ اُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُون » (الاحقاف/23) .


نستوحي من هذه الآية ان الانبياء دورهم دور البلاغ ، وانما العلم الذي لديهم هو علم من عند الله سبحانه وتعالى .


5 - ولذلك تجد ان الله سبحانه وتعالى يأمر نبيه الاكرم محمد ( صلى الله عليه وآله ) ان يسأله المزيد من العلم ، فيقول : « فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلاَ تَعْجَلْ بِالْقُرْءَانِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَبِّ زِدْنِي عِلْماً » (طه/114) .


وعلى هذا قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : " إذا أتى علي يوم لا ازداد فيه علماً يقربني الى الله ، فلا بارك الله لي في طلوع شمسه " . ([7])


6 - والانسان لا يعلم العلم بصورة ذاتية ، والدليل على ذلك انه قد يرد الى ارذل العمر فلا يعلم بعد علم شيئا . قال الله تعالى : « وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنكُم مَن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَي لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيٌر » (النحل/70) .


7 - وقال الله تعالى : « يَآ أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الاَرْحَامِ مَا نَشَآءُ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الاَرْضَ هَامِدَةً فإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَآءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ » (الحج/5) .


هكذا الانسان قد خلق من تراب . ولا ريب ان التراب لا علم له ولا قدرة ولا معرفة ، وان الله هو الذي وهب العلم والقدرة والمعرفة للانسان وبذلك اصبح عالماً . وهذه دلالة واضحة على إن الانسان اصبح بذاته آية على البعث .


8 - والله تعالى علم الانسان العلم ابتداء من آدم ابو البشر ، حيث علمه الاسماء كلها ، فقال سبحانه : « وَعَلَّمَ ءادَمَ الأَسْمآءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلآَئِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِاَسْمَآءِ هَؤُلآءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ » (البقرة/31) .


وبذلك نعرف ان الانبياء ( عليهم السلام) علمهم من عند الله .


9 - قال الله تعالى : « فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَآ ءَاتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً » (الكهف/65) .


هذه قصة العالم الذي امر الله نبيه موسى ليتوجه اليه ليستفيد منه ، ذلك الرجل العالم الصالح كان قد اوتي العلم من عند الله سبحانه وتعالى .


10 - والانبياء بدورهم شهدوا بان العلم من عند الله ، فحسبما جاء في القرآن الكريم عن النبي موسى ( عليه السلام ) : « قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لاَّ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنسَى » (طه/52) .


11 - وفي يوم القيامة يشهد الانبياء بان لا علم لهم . قال الله تعالى : « يَوْمَ جْمَعُ اللّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَآ اُجِبْتُمْ قَالُوا لاَ عِلْمَ لَنَآ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ » (المائدة/109) .


12 - وطريقة إفاضة العلم من عند الله سبحانه وتعالى ، هي ذات الطريقة يبينها ربنا في سورة النور حيث يقول الله تعالى : « اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالاَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَاَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ ٌّيُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاَّ شَرْقِيِّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الاَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم » (النور/35) .


وقـد روي عن الامام محمـد بن علي بن الحسيــن ( عليهم السـلام ) في قوله عــز وجـل : " كمشكــاة فيها مصبــاح " قال : المشكاة نور العلم في صدر النبــي ( صلى الله عليه وآله ) . " المصباح في زجاجة " الزجاجة صدر علي ( عليه السلام ) . صار علم النبي الى صدر علي . علم النبي علياً ( عليه السلام ) . " الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة " قال : نور العلم . " لا شرقية ولا غربية " قال : لا يهودية ولا نصرانية . " يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار " قال يكاد العلم من آل محمد يتكلم بالعلم قبل ان يسأل . " نور على نور " يعني اماماً مؤيداً بنور العلم والحكمة في أثر الامام عن آل محمد ؛ وذلك من لدن آدم الى ان تقوم الساعة . فهؤلاء الأوصياء الذين جعلهم الله عز وجل خلفاء في أرضه ، وحججه على خلقه ، لا تخلو الارض في كل عصر من واحد منهم . ([8])



2 / الشهادة بالجهل :


1 - نستفيد من الآيات القرآنية ان الانسان بذاته جاهل ، وانه حينما أخرجه الله من بطن أمه اخرجه وهو لا يعلم شيئا ثم وهب الله له السمع والابصار والافئدة . قال الله تعالى : « وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ اُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالاَبْصَارَ وَالاَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ » (النحل/78) .


2 - وفي اكثر من مناسبة نهر القرآن الانسان ونعته بالجهل . فقال الله تعالى : « فَلاَ تَضْرِبُوا لِلَّهِ الاَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ » (النحل/74) .


3 - كما ذكر القرآن الانسان بأنه لا يعلم كثيرا مما خلق الله . قال سبحانه : « وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ » (النحل/8) .


4 - كما ذكر القرآن الانسان بأنه لايعلم سنن الله وعواقب عمل الانسان . قـال اللـه تعالـى : « إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ ءَامَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالاَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَتَعْلَمُونَ » (النور/19) .


وقد قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : " من أذاع فاحشة كان كمبتديها " . ([9])


وذكر ان محمد بن الفضل سأل الامام ابي الحسن موسى بن جعفر ( عليه السلام ) قائلاً : جعلت فداك ؛ الرجل من اخواني بلغني عنه الشيء الذي أكرهه ، فنسأله عنه فينكر ذلك ، وقد أخبرني عنه قوم ثقات ؟


فقال لي : يا محمد ؛ كذب سمعك وبصرك عند أخيك ، وان شهد عندك خمسون قسامة . وقال لك قول فصدقه وكذبهم ، ولا تذيعن عليه شيئاً تشينه به ، وتهدم به مروته ، فتكون من الذين قال الله عز وجل :


« إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ ءَامَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالاَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَتَعْلَمُونَ » . ([10])


5 - والانبياء بدورهم ذكروا من حولهم بالجهل الذي ركبوا فيه ، فجاء في القرآن الكريم عن يعقوب ( عليه السلام ) انه اخبر ابناءه بعلمه بحقائق يجهلونها . فقال سبحانه : « قَالَ إِنَّمَآ أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ » (يوسف/86) .


6 - كذلك قال لهم : « فَلَمَّآ أَن جَآءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ اِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ » (يوسف/96) .


3 / بين العلم والتذكرة :


والعلـم يورث التذكر . قال الله تعالى : « وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الأُولَى فَلَوْلا تَذَكَّرُون » (الواقعة/62) .


نستوحي من هذه الآية ؛ ان العلم بحقيقة ما يستدعي التذكر والتنبة الى حقيقة أخرى تترتب على تلك الأولى . فمن علم النشأة الأولى لابد ان يعلم ايضاً النشأة الثانية ، لان الله القادر على ان ينشأ الانسان النشأة الأولى ، هو الله الذي يشأ النشأة الثانية .


/ 28