تشریع الاسلامی، مناهجه و مقاصده جلد 5

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تشریع الاسلامی، مناهجه و مقاصده - جلد 5

سید محمد تقی مدرسی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید






المقدمـة


الحمد للـه رب العالمين ، وصلى اللـه على محمد وآله الطاهرين .

لماذا نحن بحاجة الى اعادة بناء ثقافتنا الاصيلة ؟


لا يزال هذا السؤال هو الاول في الحقل الثقافي . فمنذ ثلاثة عقود ونحن نلح وسائر حملة الرسالة على هذا التطوير ، ونسعى بقدر او آخر في سبيله . لماذا ؟


اولا : لاننا نتعرض لزخم متدفق من الانتاج الثقافي الغريب في صورة كتب مترجمة وصحف وافلام وسائر الوسائل الاعلامية والتثقيفية ، ولا زالت شعوبنا متأثرة بهذا الزخم الذي اصبح كالجزء الذي لا غنى عنه لهم . ولم يعد الحديث عن منعها حديثنا جدياً ، انه اشبه ما يكون بالسخرية . ولان تلك الثقافة حيوية متطورة بالرغم من خوائها ، فان علينا ان نستخرج من معادن ثقافتنا الغنية عناصر حيويتها ونطورها حسب حاجات شعوبنا ، ثم نعيد صياغتها وننتجها بشتى ألوان الانتاج مقروءا ومسموعاً ومرئياً .


ثانيا : وكل يوم نعيش تحدياً حضارياً جديداً ونواجه احداثاً ووقائع لا نعرف احكامها ومنهج مواجهتها ، حتى جعل الكثيرين يقبلون على الانظمة الغربية والقوانين الدولية لتطبيقها . أرأيت التجارة اليوم هي التجارة الماضية ، او مشاكل المال هي ذاتها مشاكله القديمة ؟ والعلاقات الدولية في السياسة ، في الاقتصاد ، في ثروات البحار ، واستخدام الفضاء ومسائل البيئة .. أرأيت انها هي هي مثلما كانت سابقاً ؟


كلا .. ومن هنا تجد ماكنة التقنين تعمل ليل نهار في مختلف بـلاد العالم لتنتـج انظمة وقوانين ، وعلينا اما اتباعها او انتاج بديل لها . ذلك البديل الذي يستوحى من اصول ثقافتنا ، ما يتناسب وتطور العصر .


ان بعض الدول اليوم تسعى جاهدة لتطبيق احكام الدين ، ولكن المسؤولين عنها يسألون ؛ ما هي احكام الدين في قضاياهم الكثيرة التي يواجهونها ، ولا ريب ان مفردات الاحكام الفرعية القديمة لا تشكل الا نسبة ضئيلة من تلك القضايا ، فماذا نصنع ؟


ومن هنا فمـن اجل مواجهة الثقافـة الغريبة الغازية ، ومن اجل مواجهة المشاكل اليومية العالقة ، فان علينا اعادة بناء ثقافتنا .


وحين نقول ثقافة ، فاننا نعني تقريباً كل شيء يتصل بالفكر ، ابتداءاً من اصول الاخلاق والتربية ، ومروراً بالتوجيه الجماهيري والاعلام ، وانتهاء بالقوانين المرعية والاحكام المتبعة .


وهذا الكتاب الذي نسأل اللـه تعالى ان يوفقنا لاتمامه ، انما هو جهد بسيط في سبيل اعادة بناء الثقافة بكل ابعادها . وفيه هذا الكتاب نستوحي من كتاب ربنا سبحانه ، وسنة النبي (صلى اللـه عليه وآله) واهل بيته ( عليهم السلام ) تلك القيم الثابتة التي لا تغيير فيها ولا تحويل ، ونسعى من اجل تطبيقها على بعض الحقائق التي نعايشها ، فالكتاب - إذاً - يرجى له ان يكون جسراً بين واقعنا وقضاياه ، وبين قيم الوحي .


وابتداء من هذا الجزء نضيف الى المنهج استلهام الاحكام الفقهية من كل قيمة ندرسها . وهذا الجزء والجزء الذي يليه انشاء اللـه يبحثان عن قيم الهدى ، وهي القيم التي تتصل بالجانب العلمي لحياة البشر . وسيجد القارئ في كثير من البحوث افكار قد وضعت بين قوسين للدلالة على أنّ المؤلف لم يكن متأكداً من استفادتها من النصوص المذكورة .


وكلمة اخيرة ؛ نرجو من القراء الكرام ان يتأملوا في النصوص ، ويحاولوا ان يضيفوا استفادة جديدة الى ما استفدناه من الآيات والاحاديث ، واللـه المستعان .


محمد تقي المدرسي


طهران


23 / محرم الحرام / 1418 هـ


معنى الهدى

الف : الهدى ؛ ملامح الكلمة


1 / حين يضل احدنا طريقه ويفقد الدليل الى غايته ، مما قد يحمل في طياته الهلاك ، ثم يهديه الرب الى السبيل فيبلغ هدفه ، حينئذ يستوعب ملامح كلمتي الضلالة والهدى ، ويعيها وعيا عميقا ، كذلك نستوحي من قوله سبحانه : « وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فَهَدَى » (الضحى/7 )


2 / وعلى مستوى البشرية ، وعند مرور قوافلهم السيّارة في غور المفاوز ، او في اعالي البحار ، وبالذات في العصور الغابرة ، حيث لا بوصلـة ولا خريطةٌ هناك ، كانوا يهتدون بالنجوم . وهكذا كانت النجوم خير دليل على السبل الامنة ، حيث يقول اللـه تعالى : « وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الاَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ» (الانعام/97)


3 / ولقد اوتيت ملكة سبأ عرشا عظيما ، فانتقل - باذن اللـه - من اليمن الى بلاد فلسطين، ثم قال النبي سليمان ( عليه السلام ) : « قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لاَ يَهْتَدُونَ» (النمل/41 )


4 / وبيـن المدائن الى مصـر رمقت عينا النبي موسى ( عليه السلام ) شعاع نار ، فانطلق اليها لعله يجد عندها هدى . ( فلقد ضل عن الطريق ، وكان يبحث عن دليل يحمله اليه ) فقال اللـه تعالى : « إِذْ رَأَى نَاراً فَقَالَ لاَِهْلِهِ امْكُثُوْا إِنِّي ءَانَسْتُ نَاراً لَّعَلِّي ءَاتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى » (طه/10 )


5 / ويضرب القرآن مثلا يبين به معنى الهداية الى الحق ، برجل يمشي مكبا على وجهه قياسا بآخـر يمشـي سويا على صراط مستقيـم . وبهذه المقارنة نتحسس واقـع الهـدى ، فيقول سبحانه : « أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» (الملك/22)


6 / والمستضعفون الذين يحيط بهم البلاء ويعصرهم ارهاب الظلمة ، فلا يجدون سبيلا للنجاة . إنهم - بدورهم - مثل للضال الذي يبحث عن الهدى ، وبالتأمل في حالهم يتعمق لدينا معنى كلمة الهدى . تدبروا في الاية التالية التي يقول اللـه تعالى فيها : « إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَآءِ وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً» (النساء/98 ) فهؤلاء هم الباحثون عن السبيل ، فإذا وجدوه اهتدوا الى النجاة .


وتلك امثلة انتزعناها من واقع الحياة ، لمعرفة ابعاد كلمة الهدى في القرآن الحكيم .


باء : امثلة من واقع الخلق


1 / وبالسير في الارض والنظر في آفاق الخلق ، ننظر الى كل شيء يتحرك في السبيل المرسوم له . فالشمس تجري لمستقر لها ، والقمر يدور في فلك خاص ، والارض تسبح في سماءها بدقة متناهية ، وكل الاحياء فوقها قد اهتدوا الى سبل رزقهم وأمنهم ، بالفطرة الالهية . ان دراسة هذه الحقائق توضح لنا آفاق معنى الهدى في القرآن ، حيث يشير الى ذلك قوله سبحانه : « وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى » (الاعلى/3)


2 / وقال اللـه تعالى : « قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى » (طه/50)


3 / والبشر - بالذات - قد أهتدي الى سبل السلام . ليس فقط بالفطرة ، وانما بالدين - ايضا - حيث انتظمت به جوامع الهدى الى سبل الحياة الامنة والقويمة . وهذا اقوى حجة واقعية وعملية للانبياء ( عليهم السلام ) . حيث قال اللـه تعالى ( عن لسان الانبياء عليهم السلام ) : « وَمَا لَنَآ أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللـه وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَآ ءَاذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللـه فَلْيَـتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُـونَ » (اِبراهيم/12 )


4 / وقال اللـه تعالى : « قُلْ إِنَّنِـي هَـدَانِي رَبـِّي إِلَى صـِرَاطٍ مُسْتَقِيــمٍ دِينـاً قِيَمــاً مِلَّةَ إِبْرَاهِيـمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ » (الانعام/161 )


5 / وقال اللـه تعالى : « وَعَلَى اللـه قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ وَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ » (النحل/9)


ونستفيـد من سياق الموارد التي استخدمت كلمة الهدى في الكتاب الكريـم ، ان الهداية هي معرفـة الحقيقـة بعد ان كانت خافية على الانسان ؛ كالهداية بالنجوم او بعد التيه او الى سبل السلام التي لا تعرف بسهولة ، وهكذا .

جيم : أمثلة من سنن اللـه


الاهتداء الى سنن اللـه التي يدبر الخليقة بها ووفقها ، كسنة اللـه في اصابة الغابرين بذنوبهم ، وسلبهم عقولهم والطبع على قلوبهم ؛ هذه السنة التي قد تجري في الاخرين كما جرت في الاولين ، اقول :


الاهتداء الى هذه السنن ليس سهلا ، بل بحاجة الى تفكر وتعقل ، والقرآن الحكيم يذكرنا بهذه البصيرة . ومن امثلة نسوقها فيما يلي في هذا الحقل ، نستفيد بعض ابعاد كلمة الهدى . تعالوا نتدبر في هذه الامثلة .


1 / اللـه واحد وسنته فيما بقي من البشر هي سنته فيمن غبر منهم ، فلماذا لا نتدبر في تاريخ الغابرين لنعرف سنة اللـه في الاخرين ؟ قال اللـه تعالى : « أَوَ لَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الاَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَآ أَنْ لَوْ نَشَآءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لايَسْمَعُونَ » (الاعراف/100 )


فمعرفة هذه الحقيقة التي تحتاج الى تفكر وتذكر ، هي التي سميت بالهدى .


2 / وقال اللـه تعالى : « أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لأُوْلِي النُّهَى » (طه/128 )


إن وجدان هذه الحقيقة بحاجة الى العقل والاستدلال بدليل والتنبه بالتذكرة ، فهو من الهداية .


3 / وقال سبحانه : « أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ أَفَلاَ يَسْمَعُونَ » (السجدة /26 )


وهكذا بالسماع والتذكر بالآيات ، يمكن ان يهتدي الانسان الى اسباب هلاك القرون الغابرة من قبلهم ، ليعرف ان الاسباب لو تكررت لاقتضت ذات النتائج ، والعياذ باللـه .


4 / وعند بني اسرائيل كانت غامضة صفات البقرة التي امروا بذبحها ، فقالوا - وهم يطالبون بتوضيحها - انهم ان شاء اللـه لمهتدون ، وبالتالي عارفون لتلك الصفات ، وعاملون بامر اللـه في ذبح البقرة . قال اللـه تعالى : « قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّآ إِنْ شَآءَ اللـه لَمُهْتَدُونَ » (البقرة/70 )


بين الهدى والاضداد :


1 / والهدى ضد الضلالة ، وبمعرفة الضلالة وابعادها الظلمانية ، نعرف الهدى وآفاقها النورانية . قال اللـه تعالى : « وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى » (طه/79 )


2 / والهدى يخالف الهوى ؛ والهدى من اللـه ، والهوى من النفس والشيطان . الهدى بالنور ، والهوى من الظلام . قال اللـه تعالى : « وَلَنْ تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللـه هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَآءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللـه مِنْ وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ » (البقرة/120 )


كذلك تجد ان هدى اللـه في القبلة خالفه هوى الكفار ، فبينما كان الهدى علما وولاية إلهية ونصرة ، فان الهوى كان ما يخالفه من الجهل والخذلان .


3 / وكذلك ضلت بلقيس ملكة سبأ وقومها وما اهتدت حين عبدوا الشمس ، ولم تنفذ بصيرتهم الى نور خالقها ، فصدهم الشيطان عن السبيل بان زين لهم اعمالهم . فقال سبحانه : « وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللـه وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لاَيَهْتَدُونَ » (النمل/24 )

بصائر الآيات


نستخلص آفاق معاني الهدى في الملامح التالية :


الف : كالذي يضل الطريق ثم يهتدي ، بعد الجهل والحيرة .


باء : الهدى يكون بدليل ، كمن يهتدي بالنجوم في ظلمات البر والبحر .


جيم : من يهتدي بحاجة الى كشف غطاء الجهل الذي يضله ، مثل بلقيس التي اهتدت الى عرشها بعد ان نكر لها .


دال : ومثل المهتدي الى الحق مثل من يستفيد من عينه ، بينما مثل الضال مثل الذي يمشي مكبا على وجهه فلا يجد الطريق . فالمتهدي يستفيد من عقله .


هاء : ومثل الضـال مثل المستضعـف الذي لا يهتدي سبيلا الى النجاة ، بالرغم من بحثه الدائب له .


زاء : وكل الخليقة قد اهتدت بغريزتها الى سبل الحياة . فالهداية - اذاً - معرفة ما يخفى من حاجات الخلق الضرورية .


هاء : واللـه يهدي عباده الى سبل السلام بهداية العقل والوحي .


طاء : وقد هدى الانبياء ( عليهم السلام ) الى الصراط المستقيم .


ياء : ومن ابعاد الهداية انه ذكر الناس بمصير الغابرين / ليعلموا ان اسباب هلاكهم قد تقتضي هلاك من يعمل بمثل ما عملوا .


كاف : وما دمنا واياهم نعيش في ارض واحدة ، وتحكمنا ذات السنن ( والانظمة الالهية ) فلابد ان نخشى مصيرهم . كذلك يهدي اللـه الناس بتذكيرهم .


لام : ووسيلة الهداية الآيات التي لابد ان تسمع حتى تعقل ويهتدي بها البشر .


ميم : وبنوا اسرائيل دعوا الى المزيد من الآيات لعلهم يهتدون بها .


نون : وضد الهدى الضلالة .


سين : كما ان ضد الهدى اتباع الهوى . فالهدى علم وولاية إلهية ونصرة ، بينما اتباع الهوى فقدان لكل ذلك .

فقه الآيات


1 / (الانعام/97) الاهتداء بالنجوم في ظلمات البر والبحر من صفات العلماء ، ونهتدي بذلك


الى الاحكام التالية :


الف : ينبغي تعلم مواقع النجوم ، ودراسة علم الهيئة للتعرف بها على جغرافية الارض ، وسبلها ومواقعها .


باء : ومن ذلك دراسة مواقع النجوم لمعرفة القبلة .


جيم : ومن ذلك دراسة علوم الفضاء لكل ما يفيد البشر ويخدم تقدمه الحضاري ؛ مثل البحث عن أصل خلقة الكون ، مما يخدم معرفته باصل تكون الأرض . كذلك البحث عن مختلف الاشعة التي تتجه الى الارض ، لتجنب الضار منها والاستفادة من النافع .


دال : جعل كل علوم الفضاء وسيلة لتعميق وعي التوحيد ، ومعرفة اسماء اللـه الحسنى ، والتشبع بروح العبودية والتسليم لمن بيده ملكوت السموات والارض حسب المنهج القرآني وتذكرته باللـه واسمائه .


2 / (النمل/41) ينبغي البحث عن طبيعة الناس ، وتجربة كوامن نفوسهم ، وبالذات الذين نود التعامل معهم ، ونستفيد من ذلك عدة بصائر :


الف : دراسة العلوم الانسانية ، وبالذات علم النفس بفروعه وعلم الاجتماع بحقوله ، فانها من أهم الدراسات التي ينبغي الاهتمام بها .


باء : من اجل دراسة الاشخاص والشعوب ينبغي استخدام اسلوب التجربة ، ولا بأس بصرف مبالغ في هذا السبيل ( كما لبّس سليمان عرش ملكة سبأ بغير معدنه الاصلي ) .


3 / (طه/10) ينبغي التحرك برجاء الخلاص من المعضلة ( وعدم اليأس والجمود ) ، كما سعى موسى لانقاذ أهله من البرد والتشـرد ، فإذا به يأتي بالنبوة والرسالة والعصا واليد البيضاء .


واليك الأحكام المستوحاة من هذه البصيرة :


الف : الفاعلية والنشاط والحيوية ، كل أولئك من سمات الرجل الكامل ، وان على الانسان ان يتحـرك حتى بـرجاء الفلاح . وقد ابقى موسـى اهله وسعـى الى حيـث النار التي آنسها ، بالرغم من الخشية عليهم وعدم وثوقه ظاهراً بما سيجده هناك من منافع .


باء : المرء مسؤول عن اهله ، وعليه ان يبحث لهم عن وسائل الراحة والنجاة من كل مشكلة.


4 / ( الملك/22 ) على الانسان ان يستفيـد من وسائل المعرفة التي زود بها ، فالذي يمشي مكباً على وجهه (ولا يستفيد من العين التي انعم اللـه عليه بها ) انه لا يهتدي إلى الحقائق .


5 / (النساء/98) على المستضعف ان يبحث عن أية حيلة للخلاص من المستكبر ، وعن أي سبيل سواء الرجل والمرأة . ونستوحي من ذلك :


الف : إن البقاء على حالة الاستضعاف مع القدرة على تغييرها خطأ ، بل خطيئة .


باء : إن على الانسـان ان يكشـف تجاربه في النجاة من الطغاة ، ويستفيد من كل وسيلة ممكنة ، ويستخدم مختلف وسائل الجهاد ضده ؛ فإذا فشلت عليه استخدام غيرها ، ويبحث عن مختلف السبل ، فإذا ضل عن سبيل اهتدى الى غيره .


جيم : فإذا استنفـد شعب وسائل التحـرر ، لم يكتب شريكاً لجرائـم جلاديه من الطغاة . ولـم يعذب عند اللـه بعذابهم ، لانه أنكر المنكر ولو بقلبه .


6 / ( الاعلى/3 ) و ( طه/50 ) لان كل شيء خلق بقدر ، ولان لكل ظاهرة حادثة قدراً مقدوراً ، وحداً محدوداً ، فعلى الانسان ان يبحث بجد ومثابرة من اجل معرفة المقادير والحدود . ولقـد وضع اللـه لكل حـد علامة ، ولكل مقدار آية ومقيـاس ، فلا ييأس البشر من الوصول الى معرفة الحقائق والمقادير .


7 / ( اِبراهيم/12) و ( الانعام/161) و ( النحل/9 ) وقد بعث اللـه الى البشر انبياء ، وانزل معهم الكتاب والميزان ليهديهم الى سبل السلام ( في الشؤون الحياتية ) ، وليهديهم الى صراط مستقيم ، الى ربهم سبحانه .


ونستوحي من هذه الحقيقة عدة بصائر :


الف : التوكل على اللـه لانه الهادي ، والصـبر عند الشدائد لانه الضمير ، ( ولان لكل شيء قدراً مقدوراً ينتهي عنده ) .


باء : التمسك بهدى اللـه وحده دون ثقافات البشر الشركية .


جيم : ألاّ يهلك الانسان نفسه سعياً وراء هداية الضالين ، لان اللـه وحده الهادي ، وانما الرسل ومن حمل رايتهم منذرون .


8 / ( الاعراف/100) و ( طه/128 ) و ( السجدة /26 ) ينبغي النظر في آثار الغابرين ، ودراسة تاريخهم من خلالها ، سواءً كانوا يسكنون الارض التي نسكنها ، او سائر المواقع الجغرافية التي تمر علينا . والهدف من ذلك الاهتداء الى اسباب هلاكهم ، والتي منها اصابتهم في مشاعرهم وعقولهم حتى لم يعودوا يسمعون النذر ولم يستجيبوا لدعوات المصلحين حتى هلكوا .

حقائق الهدى


الف : الهدى ؛ هدى اللـه


أرأيت الذي به صمم هل تستطيـع ان تسمعـه قـولا ، او هل تقدر على ان تبصر الاعمى بصيص نور ؟


كذلك القلب الذي فقد النور ، لا تستطيع - انى حرصت - ان تهديه سبيلا . انما مثله مثل الصخرة الصلدة التي لا تمتص ماء ، ولا تنبت زرعا .


1 / ان حقيقة الهدى نور ، ومن اتاه اللـه من نوره انتفـع بالتذكرة ، كما يسمع من رزقه اللـه اذنا . قال اللـه تعالى : « أَفَاَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَن كَانَ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ» (الزخرف/40)


2 / اذن نور الهداية موهبة إلهية ، كما نور العلم والعقل ، وكما نور الوجود والحياة ، وكما نور العين الباصرة . وقال اللـه تعالى : « إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللـه يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ » (القصص/56)


3 / وهكذا كانت الهداية حقا هي هداية اللـه . فمن هداه اللـه فهو - وحده - المهتدي ، بينما الذي يضلله اللـه - بخذلانه عـن الهدى وسلب النور منه - فهو الخاسر ، ( لانه لن يجد من دونه هاديا ومرشدا ) . قال اللـه تعالـى : « مَن يَهْدِ اللـه فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ


الْخَاسِرُونَ » (الاعراف/178)


4 / وانما الهدايـة حقا مـن اللـه ، لان مـن يهديـه اللـه تعالـى فلا احـد يقدر على اضـلاله . ( انه يحفظ قلبه من وساوس الشيطان ، ويصونه بعزته التي لا ترام من الذين يحاولون سلبه نور الهدى ، من الطغاة والجبابرة ) . قال اللـه تعالى : « وَمَن يَهْدِ اللـه فَمَا لَهُ مِن مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللـه بِعَزِيزٍ ذِي انتِقَامٍ » (الزمر/37)


5 / وهكذا يجأر اولوا الالباب الى ربهم بهديهم - اليه - وينير ابصار قلوبهم بضياء نظرها الى وجهه الكريم . وهذا سيد الموحدين ابراهيم ( عليه السلام ) يقول عنه اللـه تعالى : « فَلَمَّا رَأى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لَئِن لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لاكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّآلِّينَ » (الانعام/77)


( ولعل الحكمة في تعبير القرآن هنا وفي الاية السابقة بصيغة الجمع عن القوم الضالين او الخاسرين ، تتمثل في ان اكثر الناس هم الضالون الخاسرون ) .


6 / ويضرب القرآن مثلا من الهداية في الاية التالية ، حيث يقول ربنا تعالى : « كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللـه النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ اُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللـه الَّذِينَ ءَامَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بإِذْنِهِ وَاللـه يَهْدِى مَن يَشَآءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ » (البقرة/213)


فبعد ان وفر اللـه للناس فرصة الهدى بابتعاث الرسل مبشرين ومنذرين ، وانزل معهم الكتاب بالحق ، وجعل فيه ميزانا لحل ما اختلفـوا فيه ؛ بعدئذ وهب نور الهدى لمن آمن منهم ، فهداهم بإذنه الى صراط مستقيم .


7 / ومن هنا فإن دور الرسل بلاغ الانـذار والتبشير ، وليس عليهم الهدى . قال اللـه تعالى : « لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللـه يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلاَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ اِلاَّ ابْتِغَآءَ وَجْهِ اللـه وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ » (البقرة/272)


8 / ولذلك فإن حرص الرسول ( صلى اللـه عليه وآله ) على هدى الناس ( حرص شديد، لانه رؤوف بهم ) ولكن اللـه - وحده - يهـدي من يشاء . أما من يضله ( بكفره وبغيه وفسوقه)


فإنه لا يهديه ( من بعد ذلك بسبب حرص احد ، انما سنته سبحانه هي الجارية في خلقه ) . قال اللـه تعالى : « إِن تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهـُمْ فَإِنَّ اللـه لاَ يَهـْدِي مَن يُضِلُّ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ » ( النحل/37)


9 / وقال اللـه تعالى : « وَلَوْ شَآءَ اللـه لَجَعَلَكُمْ اُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ وَلَتُسْاَلُنَّ عَمَّا كُنتُم تَعْمَلُونَ » (النحل/93 )


10 / ( وقد يكدح الدعاة الى اللـه تعالى في هداية البعض ثم يصطدمون ، حيث لا ينجحون في كدحهم . كلا ) ان الرسول ( ومن يتبع نهجه في الدعوة ) لا يهدي من يحب ( او يحبون ) ولكن اللـه هو الهادي . قال اللـه تعالى : « إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللـه يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ » (القصص/56)


11 / وهكذا ينبغي للداعية ان يعرف حدود مسؤوليته ، وهي ابلاغ الرسالة . ( ثم لا يزعم ان عليه هداية الناس ) . فاللـه يخاطب رسوله ( صلى اللـه عليه وآله ) ويقول له : « لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللـه يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلاَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ اِلاَّ ابْتِغَآءَ وَجْهِ اللـه وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ » (البقرة/272)


12 / ولان الهدى هو هدى اللـه . فإن الذين يجعلون انفسهم معيارا للهداية ، ويزعمون ان من اتبعهم او اتبع دينهم هو المهتدي انهم في ضلال بعيد . قال اللـه تعالى : « وَلاَ تُؤْمِنُواْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللـه أَن يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَآ اُوتِيتُمْ أَوْ يُحَآجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللـه يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَاللـه وَاسِعٌ عَلِيمٌ » (آل عمران/73)


13 / وهدى اللـه تعالى لا يختص بحقل دون آخر ، ولذلك فإن الانسان يستغني به عن غيـره . فهو يكفيه دنيا وآخرة ، وفي كافة مراحل حياته . قال اللـه تعالى : « وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُـجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً » (الفرقان/31)


14 / وكما هـدى الرب كاف ، فان من يضله اللـه تعالى لن تجد له وليا يرشده . قال عز وجل : « وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَـمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمالِ وَهـُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ ءَايَاتِ اللـه مَن يَهْدِ اللـه فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُرْشِداً » (الكهف/17)


15 / والذي يفقد هدى الرب في الدنيا ، يفقده ايضا في الاخرة . وذلك اشد عليه وانكى ، حيث يحشر اعمى ، أبكم ، أصم ، ويلقى به في نار لا يخبت لهبها . قال اللـه تعالى : «وَمَن يَهْدِ اللـه فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً » (الاسراء/97)


16 / وتلك هي الخسارة الكبـرى ، حيث الضلالة التي لا هـدى معها ، والدار التي لا رحمة


فيهـا ، والعـذاب الذي لا نهاية له . قال اللـه تعالـى : « مَن يَهْدِ اللـه فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ


فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ » (الاعراف/178)


17 / ولان الهدى حقا هو هدى اللـه ، فإن من يخالفه فلن يجد الا الضلال . ( وهل بعد النور سوى الظلام ، وبعد الحياة سوى الموت والفناء ) ؟ قال اللـه تعالى : « وَلَنْ تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللـه هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَآءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللـه مِنْ وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ» (البقرة/120)


18 / ولان الهدى من اللـه تعالى ، وهو صنعه وفضله ، فليس على الرسول الا البلاغ لانه (صلى اللـه عليه وآله) لا يهدي من احب ، ولكن اللـه يهدي من يشاء ، حيث قال اللـه تعالى : « إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللـه يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ» (القصص/56)


19 / وبعد اتمام حجته البالغة على جميع خلقه ، وبعد توفير فرصة الهداية للناس على سواء، فإنه اللـه يهـدي من يشاء وليس جميع البشر . ( انما يهدي من اتخذ الى ربه سبيلا ، ويضيء قلب من اسلم وجهـه لله ، واستجاب لدعوة رسله ، وآمن بقلبه ) . قال اللـه تعالى : « قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِين » (الانعام/149)


20 / والسبيل القصد ( المستقيم الذي لا عوج فيه ) هو سبيل اللـه الذي يدعو اليه الناس جميعـا ، ولكنه لا يهدي الا البعض ، ولو شاء لهداهـم اجمعين ، قال اللـه تعالـى : « وَعَلَى اللـه قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ وَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ » (النحل/9)


21 / واذا كان اللـه تعالى لم يشأ ان يجمع الناس على الهدى ، وانما اختار له البعض ، فلماذا الرغبة في هدايتهم باي ثمن ؟ ولماذا الحزن على ضلالتهم ؟ ولماذا الاسف ؟ ( وهل يمكن تغيير سنة اللـه في خلقه ؟ ) قال اللـه تعالى : « وإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّمَآءِ فَتَأْتِيَهُم بِاَيَةٍ وَلَوْ شَآءَ اللـه لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِين » (الانعام/35)


22 / بلى ؛ قد توفرت فرصة الهداية كاملة ، واضحت الحجة بالغة . فهذا القرآن كتاب لو سيرت به الجبال ، او قطعت به الارض لم يكن عجباً . فهل يبحثون عن كتاب ابلغ حجة ، وابلج هدى منه ؟ كلا ؛ بل ، لعلهم يبحثـون عن هداية جبرية ، وهي مخالفة لسنة اللـه تعالى . قال اللـه تعالى : « وَلَوْ أَنَّ قُرءَاناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بِل لِلَّهِ الأَمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْأْسِ الَّذِينَ ءَامَنُوا أَن لَوْ يَشَآءُ اللـه لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِن دَارِهِمْ حَتى يَأْتِيَ وَعْدُ اللـه إِنَّ اللـه لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ » (الرعد/31)


23 / والهداية فضل من اللـه تعالى ، كما ذات الخلقة فضل ( وهي اتمام لفضل الخلق ، وتقتضيه ذات الرحمة الالهية التي بها خلق اللـه الخلق . ومن هنا فإن البشر يحتاجون اليها ، واللـه متفضل بها لرحمته التي خلقهم بها ) . قال اللـه تعالى : « الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ» (الشعراء /78)


24 / ولكن اللـه تعالى ، لم يجعل نعمة الهداية مفروضة على البشر كما جعل نعمة الخلق ، بل خيره فيها ؛ فمن شاء اتخذ الى ربه سبيلا ، ومن كفر فان له نار جهنم التي سبقت كلمة اللـه في ان يملأها من الجنة والناس اجمعين . قال اللـه تعالى : « وَلَوْ شِئْنَا لأَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ » (السجدة/13)


25 / وحينما نزل اللـه احسن الكتب ، فإنه وفر فرصة الهداية للجميع ، ولكنه انما يهدي من يشاء ( ممن تتوافر فيه سائر شروط الهدى ) . قال اللـه تعالى : « اللـه نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكـرِ اللـه ذَلِكَ هـدَى اللـه يَهْـدِي بِهِ مَنْ يَشـآءُ وَمـَنْ يُضْـلِلِ اللـه فَمَـا لَهُ مـِنْ هَادٍ» (الزمر/23)


26 / وقد بعث اللـه النبي يوسف الصديق ( عليه السلام ) ولكن القوم مازالوا في شك مما جاء به ، فأضلهم اللـه ( ولم يكن مجرد الرسالة كافية لهدايتهم ) . وقال اللـه تعالى : « وَلَقَدْ جَآءَكـُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّآ جَآءَكُم بـِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُـمْ لَــن


يَبْعَثَ اللـه مِن بَعْدِهِ رَسُولاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللـه مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ » (غافر/34)


27 / ومجرد ارسال الرسول لا يعني ان كل الناس سـوف يهتدون به ، وانما هو امتحان لهم . وليهلك من هلك عـن بينة ويهتدي من يهتـدي عن بينة ، ولذلك فان مهمة الرسول تنتهي عند ابلاغ الرسالة وبيانها .


ثم يهدي اللـه من يشاء بعزته القادرة المهيمنة ، وبحكمته البالغة . يقول اللـه تعالى : « وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللـه مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ » (ا براهيم/4 )


28 / وكما ان الرسول ( صلى اللـه عليه وآله ) يوفر فرصة الهداية بالدعوة اليها فحسب ، كذلك الآيات البينات الالهيـة توفر هي الاخرى فرصة الهداية ، ثم الهداية بيد اللـه . يقول اللـه


تعالى : « وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ ءَايَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللـه يَهْدِي مَن يُرِيدُ» (الحج/16 )


29 / واللـه سبحانه وتعالى يهدي الى الصراط المستقيم بعد ارسال الرسل عبر الهداة . فلكل قوم هاد ، والاهتداء بنور الهداة هو الاخر رحمة إلهية . فليس كل الناس يهتدون بنور الهداة الى اللـه ، انما يهدي اللـه لنوره من يشاء . يقول اللـه تعالى في آية النور : « اللـه نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالاَرْضِ مَثـَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَاَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ ٌّيُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاَّ شَرْقِيِّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللـه لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ وَيَضْرِبُ اللـه الاَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللـه بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ » ( النور/35)


30 / وكما الهداية بيد اللـه ، كذلك الضلال . ولذلك فأن من يضله اللـه فلن تجد له هاديا . يقول اللـه تعالى : « أَلَيْسَ اللـه بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللـه فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ » (الزمر/36 )


31 / ويقـول اللـه تعالى : « يَـوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِيـنَ مَا لَكُم مِـنَ اللـه مِنْ عَاصِمٍ وَمَن يُضْلِلِ اللـه فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ » (غافر/33 )


32 / والسبل التي جعلها اللـه تعالى في الارض من اجل هداية البشر الى مآربه ، هي آية من آياته ، ومثل بالغ الوضـوح لهدايتـه لخلقه في كافة الأبعاد . قال اللـه تعالى : « وَأَلْقى فِي الاَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ » (النحل/15 )


33 / وقال اللـه تعالى : « وَجَعَلْنَا فِي الاَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ » (الانبياء/31)


34 / واللـه تعالى يهدي رسله في كل مراحل حياتهم ، ولذلك فهم يتوكلون عليه ، ولا يرتابون في الوحي ، ولا يترددون في العمل بما يوحى اليهم حتى ولو كان يبدو صعبا او غير طبيعي . وهكذا قال النـبي موسى ( عليه السلام ) وهـو يرى البحر من امامه والعدو يلاحقه من خلفه ، قال وبكل ثقة وسكينة : « قَالَ كَلآّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ » (الشعراء/62 )


35 / وكذلك قال النبي ابراهيم (عليه السلام) : « وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ » (الصافات/99)


36 / وقال سبحانه بعد ان ذكر اسماء الانبياء الكرام ( عليهم السلام ) : « وَمِنْ ءَابَآئِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * ذلِكَ هُدَى اللـه يَهْدِي بِهِ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُم مَاكانُوا يَعْمَلُونَ » (الانعام/87 -88 )


37 / وقال سبحانه عن النبي ابراهيم (عليه السلام) : « إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ » (الزخرف/27)


38 / وقال سبحانه عن النبي آدم (عليه السلام) : « ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى » (طه/122 )


وقد استفاضت احاديث السنة الشريفة في بيان تلك الحقائق :


الف : عن معنى الهداية من اللـه وردت جملة نصوص شريفة ، نذكر منها :


1 / فقد جاء عن النبي ( صلى اللـه عليه وآله ) انه قال : قال اللـه جل جلاله : " عبادي كلكم ضال الا من هديته ، وكلكم فقير إلا من اغنيته ، وكلكم مذنب إلا من عصمته ". (1)


2 / وجاء عن الامام الباقر ( عليه السلام ) انه قال فـي قـوله تعالى : « قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللـه سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُم » (الانعام/46 )


يقول : " اخذ اللـه منكم الهدى ، من إله غير اللـه يأتيكم به ".. (2)


3 / وروي عنه ( عليه السلام ) ايضا في قول اللـه تعالى : « وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِاَيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌّ» (الانعام/39 ) انه يقول : صم عن الهدى ، وبكم لا يتكلمون بخير . « فِي الظُّلُمَاتِ » يعني ظلمات الكفر « مَن يَشَإِ اللـه يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ » (الانعام/39 ) وهو رد على قدرية هذه الامة . يحشرهم اللـه يوم القيامة مع الصائبين والنصارى والمجوس فيقولون : « وَاللـه رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ » (الانعام/23 ) . يقول اللـه : « انظُرْ كَيْفَ كَذَبـُوا عَلَى أَنْفُسِهِـمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَا كَانُـوا يَفْتـَرُونَ » ( الانعام/24 ) قـال : فقـال رسـول اللـه ( صلى اللـه عليه وآله ) : إلا إن لكل أمة مجوساً ، ومجوس هذه الامة الذين يقولون : لاقدر ، ويزعمون ان المشيئة والقدرة إليهم ولهم . (1)


4 / وهكذا جاء في تفسير آية اخرى معنى الاضلال والهداية من عند اللـه تعالى للبشر ، فقد روى ابو الجارود عن ابي جعفر ( عليه السلام ) في قوله عز وجل : «وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهـُمْ » ( الانعام/110 ) . يقـول : وننكـس قلوبهـم فيكـون اسفـل قلوبهـم اعـلاها ونعمـي ابصارهم فلا يبصرون الهدى . (2)


باء : وعن معنى شرح الصدر والتوفيق ، وكيف يهدي اللـه قوما ويضل آخرين ، فقد وردت جملة نصوص شريفة نروي لكم بعضا منها :


1 / جاء عن الامام الصادق ( عليه السلام ) في حديث شريف قوله : اذا فعل العبد ما أمره اللـه عز وجل به مـن الطاعـة كان فعله وفقا لأمـر اللـه عـز وجل وسمي العبد به موفقا ، واذا اراد العبد ان يدخل في شئ من معاصي اللـه فحال اللـه تبارك وتعالى بينه وبين تلك المعصية فتركها كان تركه لها بتوفيق اللـه تعالى . ومتى خلي بينه وبين المعصية فلم يحل بينه وبينها حتى يرتكبها ، فقد خذله ولم ينصره ولم يوفقه . (3)


2 / وروي عـن الامام الرضا ( عليه السلام ) في تفسـير شرح الصدر قوله : عن قول اللـه عز


وجل : « فَمَن يُرِدِ اللـه أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ » (الانعام/125) قال : من يرد اللـه ان يهديه بايمانه في الدنيا الى جنته ودار كرامته في الاخرة يشرح صدره للتسليم لله والثقة به والسكون الى ما وعده من ثوابه حتى يطمئن اليه ، ومن يرد ان يضله عن جنته ودار كرامته في الاخرة لكفره به وعصيانه له في الدنيا يجعل صدره ضيقا حرجا حتى يشك فـي كفره ويضطرب من اعتقاده قلبه حتى يصير كأنما يصّعّـد في السماء ، كذلك يجعل اللـه الرجس على الذين لا يؤمنون .(1)


جيم : وقد اتم اللـه الحجة على عباده حتى لا يدع لمعترض مقالا ، ففطرهم على التوحيد، وحال دون ان تعـرف قلوبهم الباطل حقا . الى هذا اشارت جملة نصوص نذكر منها :


1 / جاء في الحديث الشريف عن ابي عبد اللـه (عليه السلام) في قول اللـه تبارك وتعالى : « وَاعْلَمُوا اَنَّ اللـه يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ » (الانفال/24) انه قال : يحول بينه وبين ان يعلم ان الباطل حق .(2)


2 / وقال الصادق ( عليه السلام ) في قول اللـه عز وجل : « وَمَا كَانَ اللـه لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَايَتَّقُونَ» (التوبة/115) قال : حتى يعرفهم


مايرضيه وما يسخطه . (3)


3 / وقال في قوله عز وجل : « فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا » (الشمس/8 ) قال : يبين لها ما تأتي وما تترك . (4)


4 / وقال في قوله عز وجل : « إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً » (الانسان / 3) قال : عرّفناه إما آخذا وإما تاركا . (5)


5 / وفـي قـوله عـز وجـل : « وَأَمَّا ثَمـُودُ فَهـَدَيْنـَاهـُمْ فَاسْتَحَبـُّوا الْعَمـَى عَلَى الْهُدَى »


(قصلت/17) وإما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى " قال : وهم يعرفون . (1)


6 / وسئل عن قوله اللـه عز وجل : « وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ » ( البلد / 10 ) قال : نجد الخير ونجد الشر . (2)


7 / وقال ( عليه السلام ) : ما حجب اللـه علمه عن العباد فهو موضوع عنهم . (3)


8 / وقال ( عليه السلام ) : إن اللـه احتج على الناس بما آتاهم وعرفهم . (4)


باء : الدعوة الى الهدى


النور الذي يشع في القلب فيعي الهدى ذلك النور هو من اللـه ، والهدى الذي يستقبله القلب ايضا من عند اللـه . فالسمع موهبة إلهية ، والوحي الذي يلتقطه السمع هو الاخر من عند اللـه . واذا كان نـور الـهدى في القلب موهبة خاصة يؤتيها اللـه تعالى لمن يشاء ، فان فرصة الهدى ( الوحي ) متوافرة لجميع الناس . فهي كالشمس نورها للجميع ، وانما يبصرها من أوتي البصر .


1 / لقد وفر اللـه فرصة الهداية لجميع البشر ، وذلك حين اودع افئدتهم العقل الذي به يميزون الحق ويعرفون السبيل القويم ، ودعاهم اليه دعوة صريحة وشاملة . فقال اللـه تعالى : « إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً » (الانسان/3)


2 / والقرآن هو كتاب الهدى الذي يوفر فرصة الهدى لكل البشر ، والذي يهدي به اللـه من اتبع رضوانه سبل السلام في الحياة الدنيا ، ويهديهم به الى صراط مستقيم . قال اللـه تعالى : « شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي اُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْانُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ اُخَرَ يُرِيدُ اللـه بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّة َوَلِتُكَبِّرُوا اللـه عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ » (البقرة/185)


3 / وبعد ان اودع القلب نور العقل ، ارسل دعاة الحق بالقول الحق حتى تتم الحجة عليه . قال اللـه تعالى : « مَّا جَعَلَ اللـه لِرَجُلٍ مِن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللاَّئِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ اُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ أَبْنَآءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِاَفْوَاهِكُمْ وَاللـه يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ » (الاحزاب/4)


4 / فلكي لا تبقى لاحد حجة على اللـه تعالى ، ولكي لا يقول فريق من الناس : لو انا نزل علينا الكتاب لكنا اهدى من غيرنا . لذلك وفر اللـه تعالى فرصة الهداية لكل الامم على سواء ، فقال اللـه تعالى : « أَوْ تَقُولوا لَوْ أَنَّآ اُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّآ أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَآءَكُم بَيِّنَةٌ مِن رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِاَيَاتِ اللـه وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ ءَايَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ » (الانعام/157)


5 / وفي الكتاب نور سني ينفذ الى اعماق القلب ، شريطة ان يكون القلب منفتحا . واذا اردت ان تبصر مدى سناء النور ، فانظر الى اثاره في افئدة المؤمنين ، حيث يقول اللـه تعالى : « اللـه نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللـه ذَلِكَ هُدَى اللـه يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشآءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللـه فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ» (الزمر/23)


6 / وليس القرآن من صنع النبي حتى يتصرف فيه كيفما يريد منه الجاهلون ، وانما هو وحي اللـه تعـالى ، والرسول يتبع ذلك الوحي كما يأمر الناس باتباعه . قال اللـه تعالى : « وإِذَا لَمْ تَأْتِهِم بِاَيَةٍ قَالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَآ اَتَّبِعُ مَايُوحَى إِلَيَّ مِن رَبِّي هَذَا بَصَآئِرُ مِن رَبِّكُمْ وَهُدًىوَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ » (الاعراف/203)


7 / والوحي بصائر (يؤتي من اتبعه منهج العلم) وهو هدى ( يبلغهم الحقيقة ) ورحمة ( يحقق تطلعاتهم واهدافهم المشروعة ) .


8 / تساءل السفهـاء ( الذيـن إغتروا بما أوتوا من العلـم وزعموا بانهم اوتـوا معرفة حكمـة


الاحكام بسهولة ؛ تساءلوا عن السبب في تغيير القبلة وقالوا : ما ولّى المسلمين عن القبلة التي كانـوا عليها ؟ فجاء الجواب : بان رب العالمين ليس في جهة خاصة ، بل له المشرق والمغرب . وان معيار الهدى انما هو الوحي وليس رأي السفهاء من الناس ، وان رب العالمين هو الذي يهدي من يشاء الى صراط مستقيم ، فليس كل من تمنى الهداية بلغها ، وانما الصراط المستقيم هو محتوى هداية الرب جل وعلا . قال اللـه تعالى : « سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ » (البقرة/142)


9 / وقد فضّل اللـه الكتاب ( وبيّن فيه الامثال ، والشرائع والسنن ، وما يحتاج اليه الانسان من مصاديق الـهدى وحقائقه ) وكان تفصيله على علم ( فليس فيه باطل او ريب ) وكان ذلك هدى لمن آمن ورحمة ، فقال سبحانه : « وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ » (الاعراف/52 )


10 / وهكذا هدى اللـه الانسان النجدين ( نجد الخير ونجد الشر ، واتم الحجة عليه بذلك ) فقال سبحانه : « وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ * فَلاَ اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ » (البلد/10-11 )


11 / ( وربنا لم يكره الناس على الهدى ، ولكنه اكمل لهم البيان وابلغ في الانذار ) وللـه الحجة البالغة على خلقه ( فان اهتدوا فبفضل اللـه ، لانه هداهم بالدعوة اليه ، وافاضة نور الهدى عليهم ؛ وان ضلوا فبسوء اختيارهم ، وعدم استجابتهم . فقال اللـه تعالى : « قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِين » (الانعام/149 )


وعن الدعوة الى الهدى ذكرت نصوص من السنة الشريفة ننختار منها :


1 / فقد جاء في حديث عن الامام الصادق ( عليه السلام ) ؛ ان رسول اللـه ( صلى اللـه عليه وآله ) كان يدعو اصحابه فمن اراد اللـه به خيرا سمع وعرف ما يدعوه اليه ، ومن اراد به شراً طبـع على قلبه فلا يسمع ولا يعقل ، وهو قـوله : « اُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللـه عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَاُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ » (النحل/108) . (1)


2 / وعن الفرق بين الهداية والدعوة ، قال السكوني : جاء رجل الى ابي عبد اللـه جعفر بن محمد صلوات اللـه عليه وانا عنده ، فقال : يابن رسول اللـه « إِنَّ اللـه يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَآءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ » (النحل/90 ( وقوله : « أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلآَّ إِيَّاهَُ» (يوسف/40) فقـال : نعـم ليس لله في عباده امر الا العدل والاحسان . فالدعاء من اللـه عام ، والهدى خاص ، مثل قوله : « يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» (البقرة/142 ) ولم يقل : ويهدي جميع من دعـاه الى صراط مستقيم . (1)

جيم : محتوى الدعوة


ومحتوى الهداية الالهية هو الدعوة الى دار السلام ، حيث يسلم الانسان من بوائق الدهور ومن اعتداء المعتدين ومن الظلم والبغي . يقول اللـه تعالى : « وَاللـه يَدْعُواْ إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم » (يونس/25)


2 / واللـه تعالى يهدي الى الحق ، والحق هو محور هداية اللـه ومحتواها ، وهو الذي يمثل دار السلام كما يمثل الصراط المستقيم . يقول اللـه تعالى : « قلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللـه يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمْ مَن لاَّ يَهِدِّي إِلآَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ » (يونس/35)


/ 13