المقـدمـة - علی طریق الوحدة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

علی طریق الوحدة - نسخه متنی

سید محمد تقی المدرسی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید





المقـدمـة




لاينسى المسلمون ما كانت عليه أمتهم ابان وحدتها ، وانسجام ابناءها ، وتراص صفوفها ، وعظيم بركاتها وخيراتها ..



فليس غريباً ان يطمح المسلمون بوحدة شاملة ، تجعلهم صفاً كأنهم بنيان مرصوص ؛ متكاتفين ، متعاونين ..



ولاريب ان عودة الوحدة الى صفوف ابناء الأمة كفيلة بعودتها الى منزلتها المتميزة ، ومكانتها المرموقة ..



وعلى الرغم من العقبات التي وضعها ويضعها المعوقون في طريق الوحدة ، إلاّ ان المخلصين من ابناء الأمة لم يتوانوا في مواصلة مسيرتهم الوحدوية ، ولم يتراجعوا عن تحقيق هذا الهدف الستراتيجي .



ولا نبالغ ان قلنا ان الوحدة لم تعد أضغاث احلام ، ولا مجرد خيال يراود البعض ، وانما حدثت في الأمة مبادرات عديدة ، وفي أكثر من بلد اسلامي ، لاحياء هذه السنة الحسنة . ولازالت هنالك مبادرات تنبعث هنا وهناك ، ترجو تحقيق ذلك .



وتضامناً مع هذه المسيرة ، وايماناً بأهمية تحقيق هذا الهدف؛ القى سماحة آية الله السيد محمد تقي المدرسي أحاديث عديدة في خصوص هذا الموضوع في مناسبات متعددة . ولاجل ايصال هذا الصوت الى كل أذن واعية بادرنا الى جمع هذه الأحاديث ورتبناها في اطار هذا الكتاب ، سائلين الله جل وعلا ان ينفع بها القراء الكرام ، والله ولي التوفيق .



القسم الثقافـي



في مكتب سماحة آية الله المدرسي



طهــران


الوحـدة ضـرورة وهـدف




ان الجاهلية الحديثة التي هيمنت طويلاً على مصير العالم ، بدأت اليوم بالانهيار ؛ ليس فقط بسبب تناقضاتها وسلبياتها الداخلية ، وانما ايضاً بسبب افلاسها وافتقارها الى مبررات الاستمرار . فكل الشعارات والادعاءات التي حملتها واطلقتها هذه الجاهلية وتسترت وراءها ، افتضحت اليوم ، وانكشف زيفها ؛ فأصبحت عارية مفضوحة بسبب الويلات التي سببتها للبشرية ، فلقد اثبتت هذه الجاهلية - ايّا كان معسكرها - انها ليست إلاّ وسيلة لتدمير واستغلال واستضعاف الشعوب .


افلاس الجاهلية الحديثة :




وآخر الادلة واقربها الى تأريخنا الحديث الحرب الشرسة التي شنتها الولايات المتحدة الامريكية ضد شعوب جنوب شرق آسيا، وشعوب اخرى في العالم . ونحن لا نحتاج الى ان نبين ابعاد هذه الحرب الشرسة ، ولا نحتاج الى مزيد من الذكاء لكي نكتشف ان جميع التبريرات التي تستر وراءها الغرب او الشرق في فرضها لتلك الحروب على الشعوب المستضفعة ، هي كلها واهية باطلة ، بل انها اقبح من الجريمة ذاتها .



ترى بماذا يبررون قتل مليوني انسان في كمبوديا ، وما لايقل عن مليون انسان في افغانستان هذا البلد الفقير المستضعف ؟! فهل شكر الله الذي انعم عليكم بنعمة القوة ، ونعمة التقدم الصناعي، وتوفر الوسائل المادية ان تعتدوا على الشعوب ، وترتكبون بحقها المجازر الجماعية ، ام ان التقدم الصناعي والتكنلوجي في الولايات المتحدة الامريكية يعني احراق الاراضي الفيتنامية والكمبودية واللاوسية وحرق من فيها من بشر وحيوانات ونباتات ؟!



لقد تبين للعالم اليوم اكثر من اي وقت مضى افلاس الجاهلية الحديثة التي تسمي نفسها بـ (الحضارة) ، وهذا ما يفسر ظاهرة انتظار العالم لمولد حضارة جديدة ، وفكرة جديدة ، وبالتالي ولادة أمة اخرى . فما هي هذه الأمة - يا ترى - ، وماهي تلك الفكرة والحضارة ؟ وهل ننتظر من الصين - مثلاً - ان تكون هي هذه الحضارة الجديدة ؟



انني - شخصياً - لا اتوقع ذلك ، لاني ارى ان الفكر البوذي الذي من الممكن ان يحل محل الماركسية الحاكمة في الصين، ليس بذلك المستوى من العمق والنضج بحيث يستطيع ان يكون بديلا مناسبا وصحيحيا عما يوجد في عالمنا اليوم من افكار وثقافات وتشريعات .



ثم هل ننتظر - مثلاً - من بعض الحضارات البائدة التي كانت سائدة في افريقيا ان تعود وتحكم العالم ؟ كلا بالطبع ، لان الافكار الشركية التي كانت سائدة في افريقيا تفتقر الى أي عنصر من الحياة .


المنهج الاسلامي الحل الوحيد :




وعلى هذا الاساس فان انتظارنا الوحيد بصفتنا مسلمين ، مؤمنين بالقرآن الكريم ، وباعتبارنا مؤمنين بصدق الله عندما يقول : « هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ » (الصف / 9) ، يتوجه الى ميلاد الحضارة الاسلامية ، والمنهج الرسالي الايماني التوحيدي، وبالتالي انبعاث الأمة الاسلامية من جديد ؛ هذه الأمة التي يقول عنها البارئ عز وجل : « إِنَّ هَذِهِ اُمَّتُكُمْ أمة وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ » (الانبياء / 92) .



وهكذا فان العالم اليوم في انتظار اللحظة التي تنبعث فيها الأمة الاسلامية من جديد لتؤدي دورها المرتقب ، ولكن التساؤلات المهمة والحساسة المطروحة في هذا المجال هي : ماذا تنتظر الأمة الاسلامية ، ولماذا لاتتحرك هذه الأمة لتنقذ البشرية من هذا الدرك الاسفل الذي اوقعته فيه الجاهلية الحديثة ، وماذا ينتظر حملة القرآن؛ اولئك الذين في كتابهم نجاة البشرية ونجاة انفسهم ؟؟


الوحدة سبيل نهوض المسلمين :




ان الأمة الاسلامية تنتظر تحقق شيء واحد الا وهو (الوحدة)، فهم في انتظار تجاوز سلبيات التجزئة بجميع انواعها ؛ الاقليمية، والعنصرية ، والقومية ، واخيراً الطائفية . ونحن اليوم مدعوون اكثر من اي وقت مضى الى ايجاد الوحدة التي من دونها لايمكن ان يحمل شعب او أمة ما همَّ العالم . فليس من الصحيح ان نفكر في انقاذ شعبنا دون الشعوب الأخرى ، لان هذا الشعب متفاعل مع شعوب العالم ، فالعالم اليوم اصبح كله بمثابة قرية واحدة ، وكل جزء منه يؤثر في سائر الاجزاء شئنا أم أبينا . فليست هناك ظاهرة سياسية او علمية او اجتماعية او اقتصادية في بقعة من بقاع العالم ، إلاّ وكان لها تفاعل مع سائر الظواهر . فلو اخترع اليوم - على سبيل المثال - في الولايات المتحدة الامريكية جهاز ، فبعد اسبوع سوف ترى هذا الجهاز في بيتك سواء كنت في آسيـا أم في افريقيـا اوفي أي مكان آخر، واذا توصل العلم الحديث الى اكتشاف ما في جنوب افريقيا - مثلاً - فانك ما تلبث ان ترى هذا الاكتشاف مستعملا في الهند او في الصين او في اميركا او روسيا ...



وعلى هذا فـان العالم اصبـح - بفعل التطـور الهائـل الذي طرأ



على عالم الاتصالات - بمثابة قريـة صغيرة متفاعلة مع بعضها . وبناء على ذلك فاننا لانستطيع ان نفكر في ان نعمل على انقاذ أمة او شعب او جماعة ما ، إلاّ بعد ان ننقذ العالم كله . فعالمنا اليوم يشبه الى حد كبير البحر الذي تتفاعل امواجه ومياهه وتياراته مع بعضها ، فنحن لانستطيع ان نحلي بقعة صغيرة فقط من هذا البحر الواسع ، لاننا لا نلبث ان نرى ان هناك امواجا اخرى ستأتي لتعيد تلك البقعة الى سابق عهدها .



وتأسيساً على ذلك لابد ان نحمل همّ العالم ، والامة الاسلامية هي المرشحة لحمله ؛ هذه الأمة ذات الالف مليون انسان ، وذات الامتداد العريض على رقعة واسعة من الارض ، وذات التأريخ الحضاري المجيد، وبالتالي ذات القرآن الذي جاء لانقاذ البشرية . وهذه الأمة لايمكن لها ان تقوم بدورها المنشود إلاّ إذا اتحدت ، ولا ينفع في هذا المجال ان يسعى شعب واحد فقط من هذه الأمة من أجل الحيلولة دون وقوع المآسي والويلات ، لان اليد الواحدة لايمكن ان تصفق ، ولان الشعب الواحد مهما كان مخلصاً في جهوده ومساعيه لايمكنه ان يحقق انجازاً ملفتاً للنظر إلاّ إذا اتحدت معه الشعوب الاسلامية الاخرى.


شرط تحقيق الوحدة :




ان هذه الوحـدة الكبـرى مرهونـة بتطبيقنـا لكلام اللـه سبحانـه



وتعالــى الـذي يقــول : « وَكَـذَلِكَ جَعـَلـْنَاكُـمْ أمــة وَســَطــاً



لِتَكُونُوا شُهَدَآءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيــداً » (البقرة / 143) . فاذا ما استطعنا ان نكون هذه الأمة الوسطى في العالم ، واستطعنا ان نمتلك بقوة مصادرنا الطبيعية ، وسيطرنا على مواقفنا الستراتيجية ، واصبحنا نحمل راية المستضعفين في الارض .. فحينئذ سيكون بامكاننا ان نتحدى جبروت القوى الاستكبارية ، وحينئذ سنستطيع ان نمنع الحروب العدوانية .



وعلى هذا فان الوحدة تمثل اليوم ضرورة دينية ، وهدفاً ستراتيجياً ، فلا يمكن لاي انسان يعمل ويسعى من اجل اسعاد نفسه ، واسعاد البشرية ان يتغاضى عن هذا الهدف الحيوي والاستراتيجي . وبالطبع فاني لااقصد هنا وحدة الانظمة ، بل وحدة الشعوب الاسلامية .


الحج المظهر الاكبر للوحدة :




وتعتبر فريضة الحج من أهم مظاهر الوحدة، وعوامل تحقيقها، وقـد أمرنا الله تبارك وتعالى بواجبات علينا ان نؤديها خلال الحج، فقال في محكم كتابه الكريم : « الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْه ُاللّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَآ أُوْلِي الأَلْبَابِ * لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلاً مِن رَبِّكُمْ فَإِذَآ أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوه ُكَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنْتُمْ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّينَ * ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ » (البقرة / ( 197-199)



والآيات القرآنية السابقة تصرح بان على جميع المسلمين القادرين على اداء فريضة الحج ان يجتمعوا لادائها في مكة المكرمة. فلا يمكن - مثلاً - ان يحج البعض من الناس في شهر محرم ، ويحج البعض الآخر في شهر ذي الحجة ، او في رمضان ، بل ان الحج يجب ان يتم في اشهر معلومات مما يؤكد على ضرورة التجمع في موسم الحج بالذات .



ثم يقول تعالى : « فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ » . فالفسوق والجدال هما من المحرمات الاجتماعية ، حيث اراد الله جل وعلا ان يكون جو المؤتمر الشعبي الاسلامي الذي يقام في الحج ، جواً نقياً طاهراً لا جدال فيه ، ولا فسوق ؛ فلا يحلف احد بالله تعالى سواء كان صادقاً في حلفه أم كاذباً ، ولا يجادل أخاه ، بل يتبادل معه الرأي، ويتبع احسن اقواله ، وبذلك تتم عملية الشورى الاسلامية، ويتم التعارف بين الشعوب المسلمة ، ومن ثم التعاون العلمي .



ثم يأمرنا تعالى ان نتحصن بلباس التقوى ، ونتزود من زادها لانه خير زاد : « وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى » ، وان المسلمـين يتوافـدون علـى الديـار المقدسـة لتطبيـق هـذه الفـريضـة



الاسلامية العبادية السياسية .


ضرورة التعارف في الحج :




ان من أهم واجباتكم - أيها الحجاج - ليس ان تزكوا انفسكم فحسب، رغم ان تزكية النفس من خلال الحج ضرورة، وليس فقط ان تهتموا باداء واجبات الحج من طواف حول البيت، وسعي بين الصفا والمروة ، وتقصير ، ووقوف في المشاعر ... فبالاضافة الى ذلك هناك واجب عظيم جمعكم الله تعالى في هذه الارض من أجل تحقيقه ، وهذا الواجـب هو التعارف كما يشير الى ذلك تعالى في قوله : « وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ » (الحجرات / 13) وقوله : « إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ » (الحجرات / 10) .



عن جابر الجعفي قال ؛ تنفّست بين يدي أبي جعفر (عليه السلام) ثم قلت : (في الحديث ... ) فقال : يا جابر إن الله خلق المؤمنين من طينة الجنان ، وأجرى فيهم من ريح روحه ، فلذلك المؤمن أخو المؤمن لأبيه وأمه ، فإذا أصاب تلك الأرواح في بلد من البلدان شيء حزنت عليه الأرواح لأنها منه. ([1])



فمادام المؤمنون اخوة فعليهم ان يتصالحوا : « إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَاَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ » (الحجرات / 10) ، فكيف يمكن ان نصلح بين اخوينا ونحن لانعرف بعضنا ، ولا نعرف امكانياتنا . وان ذلك لا ينبغي ان يكون ضمن مؤتمرات رسمية ، فهذه المؤتمرات كانت اكثر ضررا على الوحدة من مكر ابليس ، بل من الضروري ان يبحث كل حاج مسلم عن اخوة له في الله جاؤوا من مشارق الارض ومغاربها ، فيجلس معهم ، ويستمع اليهم ، ويتحدث معهم ، ويتعرف على آمالهم وآلامهم ، ثم يطرح الحلول والعلاج .


ائمة الكفر يمزقون الوحدة :




ان ائمة الكفر واشياع الظلال يسعون من أجل بث الخلافات المذهبية في الحج وخارجه ، لانهم يعلمون ان وحدة الأمة الاسلامية وخصوصاً وحدة المذاهب الدينية ؛ هذه الوحدة القائمة على اساس التقوى وعلى اساس التمحور حول القرآن ، هي الاخطر وهي الاقوى والامضى من بين اسلحة المسلمين ، ولذلك نراهم يعملون بجد من اجل مقاومة هذه الوحدة .



انهم في السابق جاؤوا بالقوميات والعنصريات والاقليميات من اجل ان يزرعوا الفرقة بين المسلمين ، واليوم نراهم يتجرؤون ويتجاسرون اكثر فاذا بهم يحاولون بث الفرقة بين المسلمين، وانها لفتنة عمياء لو انتشرت في بلداننا لحرقت الاخضر واليابس، فعلينا ان نقاومها لان الفتنة اشد من القتل ، ولابد ان نسكت تلك الاصوات الناشزة التي تبث هذه الفتنة الطائفية العمياء، ولابد ان نقطـع تـلك الايـادي التي تعـمل في هـذا المجـال، وتمهـد الطـريــق



للاستعمار .



من هنا يجدر بالمسلمين جميعاً ان ينتبهوا ، لان هناك من يسعى ليزرع الفتن بيننا عبر كلماته وممارساته اليومية .. واعلموا ان الفتن لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ، وانما تعم فتأخذ البرئ بذنب المجرم ..



وهكذا فان الجاهلية الحديثة قد افلست ، وافتضح امرها ، والعالم ينتظر الأمة الاسلامية ، وهذه الأمة تنتظر بدورها الوحدة، وهذه الوحدة لايمكن ان تتحقق الا بعد ان نتجاوز العقبات المتمثلة في الاقليمية والعنصرية والطائفية ..




مشـروع الاسـلام للوحـدة




من اخطر ما ابتليت به البشرية الصراعات بين بني آدم ، علماً ان الله سبحانه وتعالى قد انذر بني آدم بانهم عندما يهبطون الى الارض سوف يكون بعضهم لبعض عدوا ، وقد حدث اول مظهر من مظاهر الصراع عندما قتل قابيل أخاه هابيل . ومنذ ذلك الحـين استمرت المعارك الدامية حيناً ، والباردة أحياناً أخرى.



ونحن لو تعمقنا في الأمر لوجدنا ان مشكلة الصراعات بين أبناء آدم تمثل اعمق واخطر معضلة ابتليت بها البشرية ، ويكفينا في هذا المجال ان نلقي نظرة واحدة على ميزانيات التسلح في هذا العالم ، وعلى الحروب التي تبتلع جهود البشرية ، والاذاعات والصحـف ووسائل الاعلام الاخرى الموظفة لهذه الحروب ، لنعرف مدى عمق هذه المأساة .


اقرار الوحدة جوهر الرسالات الالهية :




وقد أرسل الله عز وجل رسله لكي ينقذوا البشرية من مآسيها،



ويقدموا اليها الحلول الناجعة والكفيلة بضمان سعادتها ، ومن جهة اخرى فقد بينوا الأسس الواضحة والمتينة لإقرار الوحدة بين بني آدم .



ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا ان نصف القرآن الكريم يعالج هذه المشكلة الحادة في حياة الانسان ، وكلما استطعنا ان نقترب من روح القرآن، وجوهر آياته الحياتية والحضارية، استطعنا ان نكون بمنجى عن هذا الداء العضال ؛ اي داء الصراع بين بني آدم .



والصراع هذا يبدأ من الزوج مع زوجته ، ومن الأخ مع أخيه، والجار مع جاره ، ويستمر الى ان يتخذ شكل الحرب الباردة التي نراها سائدة اليوم بين الدول الكبرى في العالم .



نظريات الوحدة :



ان هذه المشكلة العميقة الواسعة التي لم نر ان الانسان قد استطاع التخلص منها في حقبة من حقب التاريخ ، جاء القرآن الكريم ليقدم الحلول الناجحة والحاسمة لها . وقبل كل شيء لابد ان نوضح ان العلماء والمفكرين ، وعلماء الاجتماع قدموا من اجل اقرار الوحدة بين افراد المجتمع ثلاث نظريات :



1- ان الوحدة لابد ان تقوم بالقوة ومن خلال الدكتاتورية التي تضللهـا سحابة من التضليل الاعلامي ، وهذه هي النظرية الفاشية



والشيوعيـة .



2- ان الوحدة لايمكن ان تقوم إلا على اسـاس الثروة المدعومة



بالاعلام او التضليل الدعائي ، وهذه الثروة - حسب ما يزعم اصحاب هذه النظرية - هي التي لابد ان تحل مشاكل البشرية ، وهي التي لابد ان تهيمن على الطاقات وتوحدها . والنظام الرأسمالي الذي يؤمن بهذه النظرية يطرح شعاراً مفاده ان جميع العالم لابد ان يخضع للرأسمال . ففي اي موقع من مواقع العالم الرأسمالي يكون الانسان اخا للانسان الذي يعيش في الموقع الآخر فيتحدون مع بعضهم ، ويشكلون شبكة واسعة من المؤسسات التجارية والصناعية والمالية ، وبالتالي فانهم يؤسسون الدولة التي توحد الأمة .



وبناء على ذلك فان الانسان الغربي يعني من الوحدة ، وحدة الرأسمال ، والقوى التي تمتص جهود الناس ، وهذه الوحدة تقوم شبكاتها على اساس المال ، ولكن هذه الشبكات تصبغ بصبغة الاعلام الذي يكون هو الظاهر ، في حين ان الثروة تمثل حقيقة هذه الوحدة .



وإذا وجد في العصر الحديث انتشار لما يسمى بـ ( الشركات المتعددة الجنسيات ) فانما تتبع هذه النظرية ، وهذه الحالة تسمى من الناحية السياسية والاقتصادية بالامبريالية .



3- اما النظرية الثالثة، فهي النظرية الاسلامية ، وهي تقوم على



اساس ان الوحدة لايمكن ان تبنى علىاساس المال مضافا الى الاعلام ، ولا على اساس القوة مضافة الى الاعلام ، بل تقوم على



اساس العقل مضافا الى الوحي .



ان العقل هو الحجة الباطنة، والوحي هو الذي يثير دفائن العقل، ويفجر طاقات الفكر ، وهو الحجة الظاهرة لله سبحانه على العباد ، وهو الاساس المتين للوحدة .



ان هذه البصيرة القرآنية تعني انه ليس من حق احد ان يلغي دور الآخرين . فالوحدة لاتعني وحدتي انا فحسب ، بل تعني توحيد الله وحده، واستظلال ( الانا ) بظل رحمة رب العالمين، وبقاءنا جميعاً في ظل سحابة الرحمة الالهية الواسعة . فالذي ينظم علاقتي بك هو عقلي وعقلك ، والوحي بدوره هو الذي ينظم عقلينا ، ويفجر طاقات فكرينا .


الاعتصام بحبل الله اساس الوحدة :




والله سبحانـه وتعالـى عندما يبين أسس الوحدة يقول : « وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا » (آل عمران /103). فهل حبل الله هو القومية او العنصرية او الديكتاتورية، وهل يعني الاقليم او الدولة ؟ كلا بالطبع ، فالحبل الالهي يعني ان الله جل وعلا هو رب كل شيء ، وهو رب السماوات والارض ، وخالقنا جميعاً . فعلاقة الله بي ، وعلاقته بك ، هي علاقة واحدة، لانه هو الذي خلقك وخلقني ؛ فكلنا عباد له .



وعندما قال المرحوم آية الله الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء هذا العالم المجاهد الفذ : بني الاسلام على كلمتين ؛ كلمة التوحيد، وتوحيد الكلمة فقد ربط بين الاصل والفرع. فكلمة التوحيد لاتنفصل عن توحيد الكلمة ، فمن يؤمن بالله لايمكن ان يجمع الى هذا الايمـان ، الايمـان بارضـه او قوميته او عنصره ... وإذا كان الجمع بين الايمان بالله والايمان بالاعتبارات الاخرى ممكنا ، فماذا تعني الاصنام - اذن - ؟ وهل كان الانسان غبياً في التاريخ الى درجة انه لايعلم ان هذا الصنم لم يخلقه ، وذلك الانسان الجاهلي الذي كان يصنع صنماً من التمر حتى اذا جاع التهمه أفلم يكن يعلم ان هذا الصنم ليس الهه ؟! بلى انه كان يعلم بذلك ، ولكنه كان قد جعل من التمر رمزاً لقبيلته .



الايمان بالاصنام يوجب التفرق :



وهذا يعني اننا عندما نقول (صنم) فان ذلك يقتضي ان نرفضه، ونرفض تلك القوة التي تدعم هذا الصنم . اما اذا كنا نؤمن بصنم من قبيل القومية او العنصرية او اي صنم آخر ، فان هذا يعني استحالة ايماننا بالله الواحد ؛ ويعني ان ايماننا بهذه الاصنام يستوجب عدم اتحادنا ، لان الاصنام لابد ان تفرقنا . فاذا عبد كل واحد منا صنماً ، فسوف يكون لكل انسان عشيرته ، وارضه ، وعنصره ، ولغته المختلفة عن لغة الآخرين .



فـلابـد - اذن - مـن اسقـاط وتحطيـم هذه الاصنـام ، وحينـئذ



سنبدأ مسيرة العقل ، والتفهم ، والحرية . فمن المستحيل ان نحقق وحدة بدون حرية ، فنحن لايمكن ان نقول بوجود الوحدة بين الجدران ، والآجر الذي صنع هذه الجدران . فهذه ليست وحدة،



بل ان الوحدة انما تكون من خلال منح الحرية للجميع ، وان يكون الرابط بينهم العقل والوحي .



ولذلك نجد الآيات القرآنية وخصوصاً في سورة الحشر تبين لنا اساس الوحدة بين ابناء الأمة الاسلامية قائلة : ان هذا الاساس هو اساس الحب والايثار والجهاد ، والخروج من شح الذات الى رحاب الحقيقة (راجع الآيات من 5 - 10 من سورة الحشر) .



ومتى ما استطعنا ان نربي انفسنا عبر هذا الافق استطعنا ان نحقق الوحدة بين انفسنا على تلك الاسس ، واستطعنا ان ندعو الآخرين الى هذه الوحدة .



الوحدة لاتعني الغاء المعتقدات :



ونحن عندما نقول وندعو الى الوحدة بين السنة والشيعة فان هذا لايعني ان يترك السني مذهبه ، ويترك الشيعي مذهبه ، ولا يعني ان يترك اي واحد منهم معتقداته وتقاليده ، بل يعني ايجاد علاقة الحب ، ورابطة الايثار ، والتوحيد بين الطائفتين ، وهذه الرابطـة تمتنها الايات القرآنية ، وتنميها مفاهيم العقل الذي يجلبه



وينميه الوحي .



ان اللـه سبحـانه وتعـالى يقـرر عنـدما يبـين لـنا طبـيـعة المجتمــع



الاسلامي ، ان اموال هذا المجتمع يجب ان تكون تحت اشراف القيادة الرسالية ، فيقول في هذا المجال : « لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ اُخْرِجُـوا مِن دِيَارِهِــمْ وَأَمَوَالِهِـمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ » (حشر / 8) . وهؤلاء المهاجرون هم فقراء ليسوا من اهل البلد الذي هجروا اليه ؛ اي ان الوحدة بين ابناء الأمة الاسلامية لابد ان تقوم على اساس ان اهل البلد يجب ان يهتموا بمن يفد اليهم قبل ان يهتموا بانفسهم .



وبناء على ذلك فان علينا ان نهتم أولاً بالغريب ثم القريب ، والجار ثم الدار ..



فلننظر الى مدى القيمة التي يضفيها القرآن على هذا الانسان الذي يترك ارضه ، فهو لايحدد انتماء هؤلاء المهاجرين ، لان الهجرة هي بحد ذاتها قيمة . فلا بد ان نحقق الوحدة من خلالها ، ولابد ان نربي المجتمع الذي يحب الانسان المهاجر اكثر مما يحب ارضه ، ويقول ان هذا الانسان غريب ومن بلد بعيد وان فطرتي تدعوني الى ان احسن اليه . فاذا ما احسنت الى ذلك الغريب الذي لا يمت اليَّ بصلة القربى ، لا اللغة ولا الجنس ولا اعرفه نهائياً ولا يعرفني فانني اكون بذلك قد اخلصت العمل لله جل جلاله ؛ اي ارتفعت ، وتساميت على الاعتبارات المادية الى مستوى الايمان الحق .



ثم من بعد ذلك تأتي الفئة الاخرى التي تمثل ( الانصار ) الذين



يقول عنهم عز من قائل : « وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوْا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ » (الحشر / 9) . فما هي طبقة الانصار يا ترى ؟



ان في كل بلد انصاراً ، ولكل أمة انصاراً ، وهؤلاء الانصار لا يدرورون حول محورهم وذواتهم . فمن أهم الصفات التي يبينها القرآن الكريم للانصار بعد الايمان انه يقول عنهم :



« يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّآ أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ » (الحشر / 9) .



فالانصار يؤثرون على انفسهم ، ومن المعلوم ان القرآن الكريم لا يمدح احداً لانه يأكل كثيراً ، او يبني بيتاً واسعاً ، ويتسنم منصباً مرموقاً ، بل يمدحه لانه يرثر على نفمه إن كان يعاني من العوز والخصاصة . وهذا هو الفلاح المبين ، كما يؤكد على ذلك تعالى في قوله : « وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» (الحشر / 9) . فاذا اردت الفلاح فلابد ان تخرج من الذات ، ومن هذه النفس الضيقة ، وان تنظر الى الحياة برحابتها ، وسعة افقها .



ثم يضيف عز شأنه قائلاً : « وَالَّذِينَ جَآءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ



رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا رَبَّنَآ إِنَّكَ رَؤوفٌ رَحِيمٌ » (الحشر/10).



وعندما نصل الى هذا المستوى ، وعندما نريد ان نمتن اواصر الوحدة في قلوبنا عبر الحب ، وانتزاع الغل من الصدور ، فحينئذ سنكون مؤمنين حقاً ، وسيحبنا الله تبارك وتعالى ، وينعم علينا بنعمة الوحدة التي هي سر الانتصار على الاعداء .




هكـذا نحقـق الوحـدة




الوحدة هي امل المستضعفين، وروح العزة والكرامة في الأمة، وهي هيبة للصديق، ورعب للعدو. ونحن اليوم في صراعنا مع العدو الداخلي المتمثل في قوة النفاق والضلالة ، والعدو الخارجي المتمثل في الامبريالية المستكبرة في الارض ، بحاجة الى الوحدة لأمرين أساسيين :



1- لكي نبث الرعب في قلوب الاعداء ، ونهزمهم نفسياً قبل ان نحتاج الى القوة المادية .



2- لكي نمنع العدو من ان يهزمنا من الناحية النفسية .



ان طاقات الأمة عظيمة وهائلة ، وهي لايفصلها عن التقدم والرقي سوى عقبة نفسية واحدة هي انعـدام الثقة بالذات ، وقلة التوكل على الله تبارك وتعالى ، وعدم ثقـة بعضها بالبعض الآخــر .



ولذلك فقد تفرقت الأمة واختلفت ، وتركت عمود عزها وهو الوحدة ، بل انها هجرت حبل الله المتين . ونحن اليوم بحاجة الى الوحدة لكي نعطي للامة املاً ، ومن هنا فان أبرز اهدافنا في الوقت الحاضر هو تحقيق الوحدة على مختلف الاصعدة.



شروط الوحدة :



وهنا من حقنا ان نتساءل : ماهي شروط الوحدة ، وكيف نحققها في انفسنا ؟



وللجواب على هذا السؤال نقول : ان الوحدة شعار ، وما اجمله من شعار ؛ ولكي يتحقق هذا الشعار في الواقع العملي فاننـا بحاجة الى ان نضحي من اجله . ومن شروط الوحدة مايلـي :-



1- صفاء الروح والقلب :



ان من ابرز شروط الوحدة - سواء على مستوى الافراد والتجمعات او على مستوى الدول والامم - هو صفاء الروح والقلب وتزكية النفس ، وان لانبتغي من وراء هذه الوحدة ما ينافيها ، ولا نفكر فيها من اجل استغلالها لاهدافنا الذاتية .



والوحدة هي نعمة من الله جل جلاله على المؤمنين . فهو الذي يؤلف بين قلوبهم ، وهو محيط علما بما في الصدور . واذا كانت الصدور مريضة، والقلوب عليلة، والبصائر محجوبة، فان الله تعالى سوف لايهب للانسان هذه النعمة ؛ فان اردناها فلابد من ان نطهـر انفسنا ، ونخلـص نياتنا ، وان لانطلـب هذه الوحدة



إلا من أجل الله ، ومن اجل تحقيق المصالح الكبرى للامة .



2- تحكيم القيم :



فمن أهم الغايات المتوخاة من الوحدة تنمية الكفاءات في الأمة، وهذه الكفاءات والقدرات لايمكن ان تنمو وتحتل مكانتها اللائقة بها إلا إذا حكمنا القيم فيما بيننا ؛ فالوجاهات والوساطات والصداقات والانتماءات الخارجة عن اطار القيم ... كل ذلك يعد حواجز في طريق تنمية الكفاءات في الأمة . ومن المعلوم ان الأمة لا تحسب بكمية ابنائها عدداً ، بل بكيفية كفاءاتهم وقدراتهم .



واذا اردنا ان نتقدم في هذا العصر حيث تقدم العلم وانتشار الصناعة والتقنية ، فلابد من ان نضع العلماء والعاملين المجاهدين في مواضعهم ، وان نرفع قيمة العلم والتقوى والعمل الصالح .



وبناء على ذلك فلا يجوز للواحد منا اليوم ان يفضل صديقه الاقل علما وتقوى وجهاداً على شخص آخر يفوقه في تلك المواصفات ، فالله سبحانه وتعالى رفع قيمة العلم والتقوى والعمل الصالح ، فهل يجوز لي ان ارفع من وضعه الله ، او اضع من رفعه الله ؟



وعندما تكون الوحدة قائمة على اساس القيم الرسالية التي بينها الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم، فان الكفاءات ستنمو، وعنــدما تنـمو الكفـاءات فـان الجميـع سـوف يسـعـدون بـهــذه



الوحـدة.



3- الذوبان في المجموع :



فنحن لا نستطيع ان نصبح اخواناً إلاّ عندما ننسى الحواجز والفوارق والاختلافات ، ونذوب جميعاً في بوتقة الاسلام . فاذا تجسدت الوحدة في شخص فينبغي على الجميع ان يسيروا على خطه ، لانه هو نفسه كان قد ذاب في هذا الخط فلم يعد شخصاً، ولم يعد محجماً ضمن حدود او أطر معينة حتى استطاع بقلبه الكبير ان يحتوي كل تطلعات الأمة . واذا تجسدت الوحدة في هيئة او مجلس او اي عنوان آخر فلابد للجميع من ان يذوبوا في هذا العنوان .



ان الجماهير هي التي تشكل الهدف الاول من تحركنا ، ونحن نريد ان نعمل في سبيل الله تعالى ، ومن أجل انقاذ الأمة ، واذا كان هذا هو الهدف فعلينا ان نذوب في الجماهير بقدر ما تقتضيه أوامر الخالق .



وعلى كل مجموعة قيادية ان تكون عارفة بلغة الجماهير واحاسيسها ومشاعرها وتطلعاتها واهدافها ، وبالآلام التي يعانون منها ، وهذا هدف آخر من اهداف الوحدة .



من المسؤول عن الوحدة :



وهـنا يطـرح السؤال التالي نفسه : ترى من المسؤول عن هذه



الوحدة ؟



ان هذه المسؤولية لاتقتصر على العلماء والمثقفين ، فنحن جميعات مسؤولون عن تحقيقها، والمحافظة عليها. فالله سبحانه وتعالى يخاطب في كتابه الكريم الجميع قائلاً : « وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا » (آل عمران/ 103). فهو لايوجه خطابه الى شخص معين او فئة معينة ، بل على الجميع ان يعتصـموا بهـذا الحـبل ، وان يبـذلوا الجهـود من اجل هذه الوحدة .



واذا كان على الجميع ان يعتصموا بحبل الله ، ويتحركوا في هذا المجال ، فان هذا يعني ان بامكان الجميع ان يقوموا بدور ؛ فانت عندما تكون شابا تطلب العلم في مدرسة او معهد او جامعة ، فانك تستطيع ان تساهم في بناء كيان الوحدة وذلك على الأسس الاسلامية. فعليك ان لاتشكل فريقاً ضد فريق آخر، وهذا هو معنى ولاية الله سبحانه وتعالى . فاذا كانت بينك وبين الآخرين حزازات فحاول منذ هذه اللحظة ان تفتش عن حلول لها ، واذا كنت قد تعودت على بعض السيئات مثل سوء الظن والغيبة والتهمة والحقد على الآخرين والنميمة ، فعليك منذ هذه اللحظة ان تترك هذه المحرمات وان تتحرك نحو ايجاد التلاحم وتصفية الاجواء والعودة الى أجواء الايمان والاخوّة .



اما واجب العلماء فيتمثل في ان يكونوا هم المبادرون في هذه المسيرة ، لان الله جل وعلا بعد ان بيّن ضرورة الوحدة قال : « وَلْتَكُن مِنكُمْ أمة يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ » (آل عمران/104). فهو تعالى يؤكد في هذه الآية ان الذين يسعــون من اجل تحقيــق الوحدة هم المفلحون، وفي آية اخرى يقول عز من قائل : «وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوْا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّآ أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ » (الحشر / 9) .



ان هؤلاء الذين تشير اليهم الآيتان القرآنيتان السابقتان هم الصفوة والطليعة والنخبة الذين تجب عليهم الوحدة اكثر من اي شخص آخر ، فلنحاول ان نشكل بين اوساطنا هذه الفئة القيادية الطليعية المؤلفة من العلماء والمثقفين الذين عرفوا الاسلام حق معرفته ، واستقوه من مصادره ومنابعه الاصيلة المتمثلة في القـرآن، والسنة النبوية الشريفة، واقوال وافعال الائمة المعصومين عليهم السلام .



وعلينا ان لاننسى في نفس الوقت ان الجماهير الاسلامية كلها مسؤولة بشكل مشترك هي الأخرى عن تحقيق هذه الوحدة ، من خلال الإلتزام بأوامر القيادة ، ومن خلال الابتعاد عن كل سلوك من شأنه ان يفرق الصفوف ، ويثير الحزازات ، ويؤجج الاختلافات والفتن ، وتجنب الصفات الاخلاقية الذميمة التي تقضي على كيان الوحدة مثل سوء الظن والغيبة وتوجيه التهم والنميمة وما الى ذلك .


الوحـدة والفكـر المسـؤول




منهجية الانسان في التفكير تحدد - عادة - مستقبل حياته ، ومن أهم ما ينبغي ان يغير الانسان من ما في نفسه هذه المنهجية. فمن الابعاد الاساسية في منهجية التفكير هو الفكر اللامسؤول، والثقافة اللامسؤولة . ذلك لان الفكر على نوعين ؛ نوع يدفعك نحو تحمل المسؤولية ، ويرفعك الى مستوى العطاء والتصدي ، وتحمل تلك الامانة التي كنت قد احتملتها في عالم الذر ، والتي اشفقت السماوات والارض ان يحملنها .



والنوع الآخر من الفكر هو ذلك الذي يكرس فيك حالة الخمول ، والتردد ، والتراجع ، ويزودك بالتبريرات والاعذار ، ويضع على قلبك الاغلال والقيود .



ومن هذا المنطلق فان على الانسان وهو يواجه الافكار المختلفة في حياته ان يتساءل دوما : هل هذا الفكر هو فكر مسؤول ام لا ، وهل هو فكر الثورة ام فكر التبرير ، فكر التصدي ام فكر الهزيمة ؟



وقـد أشار تبـارك وتعالـى الى ضرورة هـذا التمييز في قوله : « الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ » (الزمر / 18) ، فالانسان يستمع - عادة - الى القول ولكن هل كل قول يدخل في قلبه ، وهل كل حديث لابد ان يتقبله ؟



كلا بالطبع ، فلابد من ان ننظر في هذا القول ، ونجيل النظر فيه ؛ فهناك قول ينبعث من ضمير نقي ، ويتصل بالوحي كما يقول تعالـى : « وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى » (النجم / 3-4)، وهناك قول آخر ينبعث من ضمير ملوث ، ويتصل بالجهل .



افكار أخطر من القنابل :



وعلى سبيل المثال فان في مجتمعنا اليوم افكاراً كثيرة تتسرب الى ادمغتنا من حيث لاندري ، وتعشش في اذهاننا من حيث لانشعر ، وتؤثر فينا من حيث لا نحس ، وتحجبنا عن الحقائق دون ان نعرف .. وهذه الافكار أخطر علينا من القنابل النووية ، والفيروسات الفتاكة ، والاعداء الظاهريين .



ونحن - للاسف الشديد - نلقي بدون تردد مجموعة من مسؤولياتنا على عاتق غيرنا . فهل ولدنا لكي نوزع الاتهامات يمينا ويسارا ، فمن نحن وماهي مسؤوليتنا ؟



في يوم القيامة سوف يلقي كل واحد منا بالمسؤولية على عاتق الآخر ، فيؤخذ الجميع ، ويطرحون في نار جهنم ، ويبدؤون بالتصارع فيما بينــهم ، والتــلاوم لسنين طويلــة لايعلمها إلاّ الله سبحانه وتعالى ، ذلك لانهم لم يتحملوا المسؤولية في الدنيا .



اما الانسان المؤمن فانه على العكس من ذلك تماما ، فهو يرى نفسه مسؤولا ، ومتصديا . فيحاول ان يغير من الواقع ، لان الله جل جلاله يقول : « وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى » (النجم / 39 - 40) ويقول عز وجل في موضع آخر : « إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِاَنفُسِهِمْ» (الرعد / 11) .



ان منهجية اولئك الذين يتملصون من المسؤولية هي منهجية التفكير الذي يبعث على الخمول ، واللامسؤولية . وهذه المنهجية هي المسؤولة عن واقعنا ، واذا نحن لم نبادر الى تغييرها لما كان بامكاننا ان نفعل شيئا . فهناك العشرات من السنن الالهية ، والقوانين ، والانظمة كلها صحيحة ولا نستطيع ان ننكرها ؛ اي ان الانسان محاط بعشرات القوانين ، فكما ان جسم الانسان تحيط به السنن الكونية مثل جاذبية الارض ، والحرارة ، والبرودة، والضغط الجوي .. فان هناك عشرات من السنن الالهية ، والانظمة الكونية التي تؤثر في ذهن ودماغ الانسان ، لانه - اي الانسان - محكوم بتربيته وتاريخه وأرضه وبالحالة الاجتماعية والسياسية السائدة في مجتمعه . ولكنه يبقى فوق تلك السنن والقوانين ، فهو يحمل في داخله نوراً من الله عز شأنه هو نور الارادة ، وبهذه الارادة يستطيع ان يتحدى كل تلك القوانين .


حقيقة الارادة :




وبهذه الصفة كان الانسان انساناً ، وعن ذلك يسأله الله يوم القيامة ، وبه يثاب ويعاقب . فاذا ما اصبح الانسان كالريشة في زوبعة من الاعاصير فانه سيفقد الارادة ، وبذلك لا يكون هناك معنى لثوابه وعقابه .



وحقيقة الارادة هي من جملة هذه الحقائق، ولكننا - للاسف الشديد - فقدنا ارادتنا امام المستعمرين، ولذنا بمنهجية التبرير التي كلفتنا الكثير من الهزائم والنكسات، والتي هي في حقيقتها منهجية القاء المسؤولية على الآخرين، والتملص منها. فاذا بالمجتمع مسؤول، والحكومة مسؤولة، والتأريخ مسؤول.. فكل شيء مسؤول ولكنني انا الوحيد الذي اعد نفسي غير مسؤول .



ان هذا النوع من التفكير هو الذي جعلنا نصل الى هذا المستوى المتردي . فلنحاول ان نغير من انفسنا ، وان نقول منذ اليوم : نحن المسؤولون لا غيرنا . فنحن مركز هذا العالم ، واذا ما غيرنا انفسنا فان الله جل وعلا سيغير واقعنا ، وواقع امتنا . فلنفكر بهذا الاسلوب ولنرى ماذا سيحدث ، ولنبدأ من هذا الوضع القائم ، ومن اوضاعنا بالذات .


حاجتنا الى الوحدة :




وهنا لابد من القول باننا بحاجة الى الوحدة التي هي تشبه الى حد كبير الصحة والعافية في الجسد ؛ فان فلانا يتمتع بالصحة والعافية فهذا يعني ان عينه بصيرة، واذنه سميعة، وان يده تعمل، ورجله تسعى، وقلبه ينبض باستمرار... وكل اعضاء جسده سليمة .



وبناء على ذلك فان العافية لايمكن ان تصدق على جسم متهاو، وعين عمياء ، ويد شلاء ، ورجل عرجاء ؛ اي ان الجسم من هذا النوع لا يمكن ان يوصف بانه جسم متعاف . وهكذا الحال بالنسبة الى الأمة الواحدة ؛ اي لابد ان تكون في هذه الأمة عشرات الشروط والعوامل لكي تكون أمة واحدة ، ذات هدف واحد ، وستراتيجية واحدة ، واُفق وتطلع واحد يسعى بذمتها ادناها ، وتكـون كالجسـد الواحـد اذا اشتـكى منه عضو تداعى له سـائر الاعضـاء بالسهر والحمى - كما يقـول الحـديث الشـريف -.



ونحن كامة اسلامية ترى جسمنا يتقطع من اطرافه ، ولكننا لانتحسس ، ولا نشعر بالالم حتى تصل السكين الى عظامنا . فترانا منشغلين في التوافه ، والشعارات ، والاسماء ، والاوهام .. وبصورة عامة فاننا نعيش حالة غريبة ما انزل الله تعالى بها من سلطان .


الوحدة الحقيقة :




واليوم ينبغي ان نعود الى الوحدة الحقيقية، التي تعني ذلك الصرح المتكامـل، وتلك العوامل التي تجعل الأمة سليمـة متعافيـة ونقيــة، أمة ليس فيها مكان للغـش، والاختلاف، والغيبة، والنميمة... أمة الفكر المسؤول أساسها. فعندما تكون هذه الفيروسات غير موجودة في الأمة نستطيع ان نصفها بانها أمة واحدة، تدعو الى الخير، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكـر.



وثمة فكرة تتمثل في اننا نتحدث عادة عن الموضوع الذي لا يمت الينا بصلة ، فترانا نعيش في عالم التمنيات والاحلام . فما اردنا لايقع ، وما وقع لانريده ، وهذه النقطة هي احدى الافكار السلبية في مجتمعنا .



ومن اجل ان نواجه هذه الحالة لنبدأ دائما من حيث نحن ، فالذي نستطيعه علينا ان نفعله . فوحدة الأمة الاسلامية تبدأ مني ومنك ، فنحن اللذين نضع اللبنة الاولى لها ، وانا وانت نتوحّد ، ونوحّد معنا الجماعات الاخرى ، ونصبح كتلة واحدة ، وشيئاً فشيئاً تنتشر هذه الوحدة كالنور . فالوحدة لاتأتي الينا من بعيد ، بل منا تبدأ ، والينا تنتهي .


التكتلات منطلق الوحدة :




والوحدة تبدأ من ايجاد التكتلات الايمانية التي تعني ان الانسان المؤمن لايعيش ضمن وحدة وتجمع كما يقول الامام امير المؤمنين ( عليه السلام ) : والزموا السواد الأعظم فان يد الله على الجماعة ، وإياكم والفرقة ، فان الشاذَّ من الناس للشيطان ، كما أن الشادّة من الغنم للذئب .([2]) أي إذا خرجت شاة واحدة من القطيع ، وانفلتت في الصحراء ، فانها ستكون طعمة سائغة للذئب . فعلينا ان نجتمع ، علماً ان القرآن الكريم يخاطبنا دائما بصيغة الجمع كقوله : « الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ » (الرعد / 29) وقوله : « وَارْكَعُوا مَعَ الْرَّاكِعِينَ» (البقرة / 43) وقوله : « أَلآ إِنَّ أَوْلِيَآءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ » (يونس / 62) ... فتراه يحرص دائماً على ان يستخدم الفاظـاً وتعبيرات من مثل : حزب ، وجند ، وطائفة....



وعندمـا تتشكل لدينـا تكتـلات وتجمعـات وفـرق .. لابـد ان يحكمهــا قــانـون للتعـاون والتضـامـن ، كما يقول تعالى : «وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوا » (الحجرات / 13).



وهذا القانون ينظم العلاقة بين اعضاء تلك التجمعات والتكتلات . وبمزيد من هذا العمل سوف نستطيع ان نشكل الوحدة ، واذا ما شكلنا الوحدة فحينئذ عندما يقع حادث معين في منطقة من المناطق فانه سيسري في تلك التكتلات مثله كمثل الموج . فانت - مثلاً - اذا أخذت حصاة ورميتها في البحر ترى ان الدوائر سوف تتسع ، وهكذا عندما تقع حادثة في الأمة الواحدة فانها ستتموج في جميع المناطق .



فلنتكاتف ولنتضامن ونتعاون ، وسنرى ان كثيراً من قضايانا المستعصية سوف تحل .




الوحـدة والعلمـاء




إذا بارك الله تعالى أمراً نما ، واذا خذله زال وانمحى ، وبركته لامر من الامور تتبع مجموعة عوامل تتفاعل في هذا الامر ؛ فالعمل الصالح يرفعه الله سبحانه والكلمة الطيبة تصعد اليه . والاخلاص هو الذي يجعل العمل لله ، وهو الذي ينميه .



ومن ابرز الامور التي تتجلى فيها البركة الالهية الوحدة ، التي لاتعتبر مجرد حقيقة واحدة ، بل هو مركبة من مجموعة حقائق تصبطغ بها حركة الانسان . وهي تستطيع ان تكون رمزا لتلك الحقائق وعنواناً لها ، فاذا اجتمعت وتفاعلت سميت حينئذ بـ (الوحـدة) .



وتتجسد بركة الخالق في الوحدة من خلال جعلها طريقاً الى نصره ، ووسيلة الى تأييده ، وسبباً لتوكل المؤمنين عليه ؛ لان الوحدة ترمز الى الخلاص والتفاني والتضحية ، وترمز ايضاً الى مجموعة اخرى من الخصال الحميدة التي بدونها لايمكن ان تتحقق. فالوحدة تدل - مثلاً - على صدق العمل ، وصلاح الخطة ، وسلامة القيادة والمسيرة .


الوحدة في القرآن :




ويبدو لي ان سورة آل عمران تتحدث عن الوحدة الرسالية ، وعن اسلوب تنميتها . ففي هذه السورة بالذات نقرأ قوله تعالى : « وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا » (آل عمران/103). فهو يحدثنا عن نعمة الرسالة والرسول الذي كان رحمة للعالمين ، فيقول عز من قائل : « لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ » (آل عمران/164).



فرسالة الله جل جلاله هي اعظم نعمة منَّ بها على الانسان ، لان الرسالة توحد طاقات الأمة ، والى هذا المعنى اشار القرآن الكريم في قوله : « وَلَئِن مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ * فَبِمَـا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِين» (آل عمران / 158 - 159).



فهذه القيادة الالهية هي قيـادة الرحمـة وتجميع الطاقات، وليس دفعهـا بعيـداً عن محور الرسالــة؛ ولكن لين هذه القيادة هـو من النـوع المنطـوي علـى الحـزم، لان الله يقول بعد ذلك : «وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ » . فلين الرسالة لا يتجاوز حدود اوامر الله تبارك وتعالى ، ولايعني التضحية بالجوهر من اجل المظهر ، وبالمحتوى في سبيل الاسلوب. فالقرار يبقى بيد الرسول (صلى الله عليه وآله) ، ولذلك نجد ان الله قد منَّ في هذه السورة بالذات على المؤمنيـن لانه قد بعث فيهم رسولاً منهم لكي يفهمهم ان القيادة الرسالية هي نعمة عظيمة تتصاغر امامها كل النعم الاخرى .



وفي القرآن الكريم اشارات واضحة اخرى الى اهمية القيادة وخصوصاً في سورة المائدة حيث يقول عز وجل : « يَآ أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ اُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ وإِن لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ» (المائدة / 67) . فالولاية الالهية تعني الخضوع للقيادة التي تعتبر اسمى واعظم النعم التي منَّ الله بها على المؤمنين .



واذا كان الامر كذلك فان الالتفاف حول الرسالة سيكون الواجب الاكبر ، والفريضة العظمى ، لان الاهتمام بهذه النعمة يجب ان يكون في المستوى الاعلى .



وبناء على ذلك فان الوحدة التي تتجلى في القيادة في سائر الصفات الحميدة، هي التي تهيء الظروف لنزول رحمة الله جل وعلا لانه تعالى يقول في ضمن هذا السياق ايضاً: « إِن يَنصُرْكُمُ اللَّــهُ فَـلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُـمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِن



بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ » (آل عمران / 160).


آفـاق الوحـدة :




ان الوحدة لا يمكن ان تتحقق برفع شعاراتها ، وإنشاء الاشعار، والقاء الخطب بشأنها . فالوحدة هي حقيقة لابد من ان نوجدها في انفسنا أولاً ؛ فهي بذرة تنبت في قلب الانسان المؤمن ثم تنمو شيئا فشيئا حتى تصبح دوحة وارفة الظلال عظيمة الثمار؛ فهي تبدأ من حسن الظن باخواننا المؤمنين . فالذي يسئ الظن بإخوته لايمكنه ان يتحد معهم ، لان الوحدة تعني ان تحب لاخوانك ما تحبه لنفسك .



والوحدة تعني ايضاً ان نقول الكلمة الطيبة كما يشير الى ذلك قوله تعالى : « وَقُل لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ » (الاسراء / 53) . فالانسان الذي يريد ان يبعدك عن اخوانك مستعملا في التحدث عنهم الكلمات النابية ، والانسان الفض الغليظ القلب الذي تعود على الكلمات البذيئة والسباب ، هل من الممكن ان يذوب في المجتمع المؤمن ، ويكون وحدة معهم؟



والوحدة تعني بالاضافة الى ذلك التعاون ، كما يؤكد على ذلك القرآن الكريم في قوله : « وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ » (المائدة / 2) . اما عندما تكف يد التعاون عن اخوانك ، وتنطوي على نفسك في زاوية ، وتريد ان تعمل لوحدك ، فهل هذه الظاهرة تخدم الوحدة ، وهل من الصحيح ان نتعود على الفرديـة والانطواء والابتعاد عن الساحة ، وهل مثل هذا المنحى ينمي فينا الوحدة ؟!



ان الوحدة تعني ان تجتمع مع الآخرين حتى في عبادتك ، وعلاقتك مع الله جل وعلا . فالحديث الشريف عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) عن علي (عليه السلام) أنه قال : لا صلاة لجار المسجد إلاّ في المسجد ، إلاّ أن يكون له عذراً او به علّة ([3])، كما ان هناك احاديث اخرى تؤكد على ان صلاة الجماعة اذا تجاوزت الخمسين مصلّياً فان ثوابها لايستطيع ان يحصيه غير الله تقدست اسماؤه .



ومن ضمن المعاني الاخرى للوحدة ان تصبر على اذى اخوانك، وان لاتفكر ان يبادر الآخرون الى اعطائك من انفسهم؛ فمثل هذا التفكير لايمكن ان يقودك الى الاتحاد معهـم، لان الوحدة تعني من ضمن ما تعنيه ان تجعل يدك هي العليا في العطاء.



والوحدة تقتضي ايضاً ان نجعل هدفنا واضحاً ، وان نحدد هذا الهدف منذ البدء . فهل هدفنا هو ان نتخاصم ونتنافس من اجل ان يكون احدنا ابرز من الآخر في تظاهرة ، ومن اجل ان تكون اسماؤنا قبل اسماء الآخرين في احتفال ما ؟!



ليس ثمة شك اذا كانت اهدفنا غير واضحة ، فان الشيطان سيخلط علينا الامور ، وسيدفعنا الى طرح العناوين والاسماء المثيرة للحزازات والاختلافات .



فلنتنافس على العمل لا على الشعارات الخاوية ، ولنتنافس بمقدار الانجــاز لابأسلوبــه ، كما يقول تعالـى : « لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَآءَ اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أمة وَاحِدَةً وَلكِن لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ ءَاتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ » (المائدة / 48)



وعلى هذا فان الوحدة ليست كلمات ولا شعارات ، بل هي عمل وتضحية وسعي ، وخضوع لبرامج الله ، وتحل بالاخلاق الحميدة التي امر الله بها . فالوحدة يجب ان تتمخض عن تطبيق القرآن الكريم ، والقرآن يقول : « وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ » . فهو يأمرنا بالتعاون ، وحسن الظن ، وقول الكلمة الطيبة .. وهذه الصفات كلها هي اسباب الوحدة .



وان الانسان - بطبعه - لا يميل الى الوحدة ، فلو ترك لشأنه لاختار الفرقة ذلك لان طبائع الناس وآراءهم واذواقهم متفرقة ومتفاوتة ؛ فلكل واحد منهم مصلحة وفكرة وطريقة ، ثم ان الاهواء هي مختلفة بذاتها .


محور الوحدة :




والعامل الأساسي الذي يوحد الناس هو الدين والرسالة، والرسالة



التي توحد الناس لا توحدهم من خلال الكلمات والشعارات ، بل عبر الاشخاص وبالذات علماء الدين لانهم المراكز التي تتجلى فيها بركة الله سبحانه وتعالى ، ورسالته الالهية .



ان عالم الدين يكون في المجتمع محورا للوحدة ، وحبلاً للاعتصام يتمسك به الجميع ، لانه متصل بحبل الله الذي يقول عنه ربنا جل وعلا : « وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا» (آل عمران / 103). فاذا كان عالم الدين وسيلة للتفرقة ، وسبباً للخلاف ، ومثارا للفتن ، فان ذلك يعني وجود خلل فيه لا في الدين ، ونقص في ثقافته الرسالية التي لم تترسخ في نفسه بعد بشكل كامل .



ان الحوزات العلمية في النجف الاشرف كان يدرس فيها الاسود والابيض ومن مختلف اللغات واللهجات ، وكان هؤلاء الطلاب يسكنون في غرف واحدة . فكانت الحوزة توحدهم ، واذا ما تخرج الطالب من الحوزة وعاد الى بلده فان جميع مواطنيه - ايا كانت انتماءاتهم العرقية - سوف يرجعون اليه في شؤون دينهم . ولذلك فان عالم الدين كان فوق العنصريات ، والعصبيات ، والمحوريات ، وكان يعيش للجميع دون ان يطلب على عمله أجراً ولا شكراً .



وعالم الدين يجب ان يتربى اليوم على هذا الاساس ، فطلاب الحوزات العلمية لابد ان يكونوا قادة للامم ، لان النبي (صلى الله عليه وآله ) قال : وان العلماء ورثة الانبياء ، ان الانبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً ولكن ورثوا العلم فمن أخذ منه بحظ وافر .([4]) وقال ايضاً : علماء أمتي كأنبياء بني اسرائيل .([5]) فاذا أراد طالب العلم ان يقوم بدور انبياء بني اسرائيل فلا بد ان ينمي في نفسه صفات الانبياء ، ومن ابرز هذه الصفات تلـك التي ذكرها الله عز وجل في سورة آل عمران اعني قوله تعالى : «فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ».



وبنـاء على ذلك فان قلب العالم يجب ان يكون كبيراً، ولابد ان يكون متواضعاً بين الناس، مهتماً بشؤونهم، محاولاً ان يجذبهم الى الاسلام بسلوكه اللين البعيد عن الفظاظة. اما إذا كان عالم الدين غليظ القلب فان الناس ينفضون من حوله، ولايميلون اليـه.



وهذا لايعني ان الناس ليس عليهم تحمل مسؤولية الوحدة ومحاربة التفرقة ، لانها من مهمة العلماء .



كلا .. ان الناس بكل فئاتهم وبكل قطاعاتهم مسؤولون عن ذلك بلا أدنى ريب ، ولكن مسؤولية العلماء في هذا الخصوص أكبر من غيرهم ، لانهم قد أحرزوا موقع متقدم في قيادة الأمة وارشادها . لذا يتطلب من الجميع ان يبادروا لتحمل مسؤولياتهم في تحقيق الوحدة .


الوحـدة الاسلاميـة والعوامـل المضـادة




قبل ان نتحدث عن ( الوحدة ) التي تمثل قضية من القضايا الاساسية والمصيرية لابد ان نبين ونؤكد على ان هناك افكاراً يمكن التصريح بها، فيفهمها الانسان بشكل مباشر ، في حين ان هناك افكارا اخرى لابد ان يفهمها الانسان بالاشارة والتلميح ، وكما تقول الحكمة المعروفة الحليم تكفيه الاشارة .



وكلما كانت الافكار اعمق واسمى ، وكلما ارتبطت بصميم مشاكل الأمة وقضاياها ، كلما كانت لغة الحديث قائمة على اساس الاشارات والتلميحات ، حيث تزدحم على الموضوع مواقف مختلفة ، وعقبات عديدة تحول دون الافصاح . وحتى كتابنا المقدس ( القرآن الكريم ) فانه يستخدم ( الاشارات والرموز ) كلغة بينه وبين اوليائه ، لان الناس ليسوا جميعاً في مستوى تلقي المعارف القرآنية الساميـة، وحديثنا - نحن ايضاً -



سيكون مستنداً الى هذه اللغة في جزء منه .


فهم السنن منفعة للحاضر وهدى للمستقبل :




ونبدأ هذا الحديث بالقول ان فهم السنن التي يشير اليها البارئ عز وجل في قوله : « فَلَن تَجِد َلِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً » (فاطر / 43). يشكل منفعة لحاضرنا وهدى لمستقبلنا . فما تراجعت أمة عرفت سنن الله تعالى ، وتعاملت معها تعاملاً حسناً ، وما تقدمت أمة تولت عن هذه السنن وجهلتها او تجاهلتها .



والعوامل التي تسببت اليوم في بث الفرقة بين المسلمين هي ذاتها التي كانت وراء اختلافاتهم في الماضي ؛ والدواعي التي تفرق بين أمة واخرى ، وبين اشياع مذهب وآخر ، هي نفسها التي تفرق بيننا كافراد وجماعات واحزاب وخطوط .



والمهم ان نبحث في التأريخ لنلتقط تلك السنن العامة التي تعيننا على معرفـة التأريخ ، وبالتالي تنفـعنا في طريـق التخطيط للمستقبل .



وفي الواقع فان اعظم نقمة ينزلها الخالق على البشر هي سلبهم هداه ، وعلى سبيل المثال فان سورة الحمد التي هي اعظم سورة في القرآن نجد ان آياتها السبع تتمحور حول اعظم وأهم آية وهي قـوله سبحانه وتعالى : « اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ » (الفاتحة/6). اي انها تتمحور حول مسألة ( الهدى ) التي لو كانت هناك نعمة افضل منها لبحث الانسان عنها ، بل ولأمر الله بالبحث عنها .



/ 4