تاریخ الاسلامی، دروس و عبر نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تاریخ الاسلامی، دروس و عبر - نسخه متنی

سید محمد تقی المدرسی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

آية الله السيد محمد تقي المدرسي

التـاريـخ الاسـلامـي

دروس وعبر

قراءة في تاريخ الحركة الاسلامية للفترة ما بين

عام ( 61 - 250 ) من الهجرة النبوية

اسم الكتاب : التاريخ الاسلامي - دروس وعبر

المؤلف : آية الله السيد محمد تقي المدرسي

الناشر : دار نشر المدرسي للطباعة والنشر

الطبعة : الخامسة 1418 هـ 1997 م

عدد النسخ : 3000 نسخة

السعر : 850 تومان

شابك 8-8-91248-964 ISBN 964-91248-8-8

مقدمة الطبعة الأولـى

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين وعلى اصحابه الصادقين وعلى من اتبعه بإحسان الى يوم الدين .

قبل خمس سنوات كانت هذه المحاضرات مجموعة اشرطة كاسيت تداولتها الايدي مما شجعني على اخراجها في صورة كتاب ، بيد ان العملية تأخرت حتى قيّض الله ، لها بعض الاخوة الكرام الذين قاموا بكتابة الاشرطـة ، وتحقيق الحوداث التاريخية فيها ، فألقيت عليها نظرة خاطفـة ، واجريت عليها التعديلات الضرورية.

وها هي اليوم - تزحف نحو المطبعة - علماً بأني رأيت ان تبقى صورتها - كما كانت بشكل محاضرات . بعد وضع عناوين رئيسية او جانبية لها بهدف التوضيح .

وملاحظة اخيرة لو كنت انتظر كمالها لأنقضى عمري قبل ذلك - لذلك ارجو من الاخوة المؤلفين ان يحتسبوا هذا الكتاب خطوة في طريق طويل - لابد ان نقطعه جميعاً حتى نصل الى تحقيق هدف جماهيرنا في فهم تاريخها الجهادي الحافل ...

وعلى الله التكلان

محمد تقي المدرسي

1414 هـ

مقدمة الطبعة الثانيـة

سنن الرب في الاخرين هي سننه في الاولين ؛ فالأرض هي الأرض ، والشمس والقمر والجبال .. هي ذاتها منذ نشأة آدم وحتى اليوم . ونحن البشر لم نتغير ، فهي هي غرائزنا وعقولنا ، وتطلعاتنا وحاجاتنا .. ربما اختلفت المناهج ، ولكن الأهداف لم تتغير . وهكذا كانت تجاربهم هي ضياء دربنا السالك الى المستقبل .

ارأيت كيف تنفعك تجاربك من سنة لأخرى ، أليست تضيء دربك ، وتبصرك كيف تعمل في المستقبل ؟ فلو انك اعتمدت رجلا خائنا كاذباً في تجارتك او أي شأن من شؤونك ، فأوقعك في مهلكة ، أولست يزداد حذرك عن اعتماد أي شخص آخر حتى لا يهلكك مثله ؟

كذلك تجارب الاخرين ، تنفعنا في مستقبل حياتنا ؛ وامة تعي تجاربها هي امة حكيمة ، وأي انسان يستوعب دروس التاريخ يعرف كيف يتجاوز العقبات ، وكيف يسلك درب التسامي .

والكتاب الذي بين يديك يتحدث عن جانب هام من تاريخ امتنا ؛ جانب الصراع من أجل الحرية السياسية ، والدينية .

ان اكثر المؤرخين عبر تاريخنا لم يسجلوا ملاحم أبطال الحرية في تاريخنا ، خوفاً من الطغاة ، او خنوعاً للثقافة التبريرية التي سادت الطبقة المفكرة .

ومعرفة هذا الجانب من التاريخ تجعلنا أشد صلابة ، واقوم تفكيراً في صراعنا اليوم ، من أجل ذات الاهداف التي جاهد من أجلها آباؤنا الابطال .

ان اغلب الناس يعيشون الحالة السلبية من صراع العاملين والمجاهدين من اجل اهداف الامة ، بل وحتى يعيشون السلبية من قضاياهم الاستراتيجية .

ومن أسباب هذه السلبية جهلهم بتاريخهم وملاحم اباءهم ، وتشبعهم بالافكار التبريرية التي بثها الطغاة والجبناء من اتباعهم في روع الامة .

وهذا الكتاب مساهمة في سبيل تبصير الامة ، بتاريخها المشرق .

وكان الكتاب سلسلة أحاديث ألقيت بمناسبة شهر الله المبارك ، في احدى السنين الماضية ، ثم اعيدت صياغتها لتصلح للنشـر ؛ واليوم حيث قام الاخ الاستاذ حيدر الرضوي بمطالعة جديدة للكتاب ، يقدم للاخوة بصيغة أفضل ، غير ان اهتمامي بسائر الشؤون الفكرية منعني من مراجعة الكتاب . ولكن اعتقد ابداً ان الكتاب الكامل لن يطبع ، لانه اساساً لا كتاب بعد مصادر الوحي يمكن ان يصبح كاملا ؛ إنمـا على القارئ الكريم ان يستفيد من مواهبه في اتمام نواقص كل كتاب ، وان يقرء جيداً ويختار ما يريد مما يقرء ، ولا يكون أمله يصدق بكل ما يقال او يكتب له ، وقد وصف الله عباده بالقول :

« الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه اؤلئك الذين هداهم الله ، واؤلئك هم اولوا الالباب»

( صدق الله العلي العظيم )

محمد تقي المدرسي

طهران

23 / محرم الحرام / 1418 هـ

الباب الأول

مدخل لدراسة التاريخ الرسالي

لماذا ندرس التاريخ ؟

ان فهم التاريخ ضرورة لفهم الشريعة ، لماذا ؟

اولاً : لاننا - نحن المسلمين - نرتبط بالتاريخ ونعتمد على الاحكام الشرعية التي نزلت ودونت قبل ألف وبضع مئات من السنين فلابد ان نبحث عن تلك الاحكام في بطون الكتب ، وعندما نفعل ذلك فاننا كثيراً ما نجد روايات مختلفة اختلافاً كبيراً في الاحكام ، ولذلك يتحتم ان نعرف بشكل دقيق الظروف التاريخية التي جاءت تلك الاحكام فيها .

ومن دون معرفة تلك الظروف المتغيرة ، لايمكننا ان نعرف كيف اختلفت الاحكام والتوجيهات التي صدرت عن ائمة اهل البيت بالرغم من انهم جميعهم كانوا على نهج واحد ، هو نهج جدهم محمد ( صلى الله عليه وآله ) .

ان النظرة السليمة للتاريخ تظهر لنا ان كل امام منهم كانت له طريقة خاصة في حياته ، فالامام الحسن ( عليه السلام ) كان مصالحاً، والامام الحسين كان ثائراً ، والامام زين العابدين اتخذ خط الدعاء ، والامام محمد الباقر ( عليه السلام ) صاحب علم وفقه ومعارف توحيدية ، وكذلك الامام الصادق ( عليه السلام ) ، والامام موسى بن جعفر ( عليه السلام ) صاحب ثورة ، وهكذا .. فهل هناك تناقض ؟

ان الدراســة الواعية للتاريخ ، وتتبع الحوادث التاريخية ودراسة ظـروف حياة كل امام ، تظهر لنا ان ليس هناك من تناقض بين حياة واهداف امام وآخر ، وانما الاختلاف منشؤه اختلاف الظروف التاريخية التي كانوا فيها ، وهكذا تكون معرفة التاريخ ظرورية لمعرفة الاحكام الشرعية .

وهكذا فانني اعتقد بان الفقهاء وخصوصا المتأخرين منهم لو بحثوا تاريخ الائمة بحثاً دقيقاً ومن جميع النواحي السياسية والاجتماعية ، والاقتصادية ، وحتى من الناحية الديموغرافية ، لاستطاعوا معرفة اسباب بعض الاختلافات بين الاخبار ، ولاستطاعوا بالتالي ان يستفيدوا من سيرة الائمة ( عليهم السلام ) بشكل اكبر .

ان الطريقة التي ندرس بها علوم الاسلام ، وخصوصاً الفقه ، هي الطريقة التجزيئية التي تجزء العلم ، فنبحث التاريخ وحـده ، والفقه وحده ، بينما الفقه والتاريخ كل لا يتجزأ .

وهذه الطريقة هي المسؤولة عن بقاء بعض النقاط غامضة في الفقه الاسلامي بل وفي السيرة . هذا اولاً .

التاريخ ينبوع الحضارة

ثانياً : ان من الضروري معرفة تجربة الحياة ولان عمر الانسان قصير عن معرفة كل ما في الحياة . فعمر الانسان قد يطول الى سبعين سنة ، واذا اراد ان يجرب كل شيء بنفسه ، فانه يحتاج الى القيام بملايين التجارب . فلولا ان الانسان يستفيد من التجارب السابقة ويستفيد من تاريخه لما كان قد وصل الى ما وصل اليه من التقدم العلمي ، فهو يبني حياته بما انتهى اليه الاولون ، وليس يبدؤها من الصفر .

مثلا من اهم مكاسب البشر عبر التاريخ هي لغته التي يتحدث بها ، فاللغة هي التي تحتوي الثقافة وتشكل الوعاء الذي يحملها ، والثقافة بدورها هي التي تحدد نوعية واتجاه الحضارة .. كما ان اللغة وتطورها هو بحد ذاته يبين نوعية تاريخ الامة ، فاللغة حضارة وتاريخ . فإذا كانت كلمة ماء مثلا تدل على هذا السائل ، وكلمة رغيف تدل على هذا المأكول ، وكلمة فاكهة تدل على هذا النوع من الطعام ، فربما مرت عدة الآف من السنين حتى استطاع الانسان ان يتوصل الى ذلك ، فلو ان كل انسان اراد ان يضع لنفسه علومه وعادات وتقاليد ، لانعدم الفرق بينه وبين الاحياء الاخرى ، وهذه هي النقطة الثانية .

اذن علينا ان ندرس التاريخ حتى نستفيد من تجارب آبائنا في مختلف القضايا التي تواجهنا.

من اجل اللحاق بركب الحضارة

ثالثاً : اننا امة متخلفة وراء ركب الحضارة البشرية التي سبقتنا منذ قرون .

لماذا نحن هكـذا ؟ ولماذا لا نكـون نـحن في بداية القافلة لا في نهايتها ؟ والى متى يجب ان نبقى هكذا ؟

هناك سبب رئيسي لتخلفنا وهو نظراتنا الى الحياة ، تلك النظرات السلبية والمتخلفة والجامدة ، وهذه الفكرة تدعونا الى سؤال آخر هو : كيف انحدرنا الى هذه الحالة ومن الذي املاها علينا ؟

والجواب .. اننا اكتسبنا هذه النظرات من خلال تراث ورثناه من الاجيال السابقة ، فكل جيل كان يورثنا فكرة وتقليداً وطريقة في الحياة.

فنحن لا نتصرف في حياتنا ولا نحدد مواقفنا فقط من وحي ارادتنا وتفكيرنا ، انما ايضاً من وحي عاداتنا وتقاليدنا.

فكيفية اكل الطعام مثلا باستخدام الانسان يده او باستخدام الملعقة والشوكة ، كل هذه العادات نتعلمها من آبائنا الذين يرتبطون بنا في سن الطفولة ، وكذلك كيفية النوم وشكل الملابس وكل هذه الامور وما اليها تبدو بسيطة نتعلمها من آبائنا .

امــا الامور المعقدة في كيفية التعامل الاجتماعي ، واين تبدأ حدود حريتنا وايـن

تنتهـي ، واين هي حقوق الناس وما هي بالضبط حقوقنا وسائر العلاقات الاجتماعية ، فتلك التي يجب ان نتعلمها من آبائنا وتاريخنا معاً .

اما اذا اراد الانسان ان ينسلخ من ماضيه فالانسلاخ ليس فقط صعباً ، وانما هو مستحيل ، فالانبياء هم الوحيدون الذين يعطيهم الله وبطرق غيبية بعد ان يجربهم تجربة معينة ، قدرة على الانسلاخ والطهارة من مجتمعهم الفاسد لتكوين مجتمع جديد .

لذلك يقول الله سبحانه وتعالى في القرآن الحكيم عن الانبياء :

« إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً » (الجِنّ/27)

« وَلَوْلآ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً » (الاسراء/74)

« لَوْلآ أَن رَءَا بُرْهَانَ رَبِّهِ » (يوسف/24)

فالقدرة على الطهارة عند الانبياء قد تكون قدرة غيبية ، لأن هناك حكمة معينة في سنن الله تقتضي ان يخلق الانبياء واقعاً جديداً .

اذن .. كيف يمكننا ان نتحضّر ونلحق بركب الحضارة ؟

ان ذلك يمكن بتصفية الينبوع الذي يعطينا الافكار وهو التاريخ ، وكذلك بتغيير نظراتنا الى التاريخ لكي نستطيع بذلك ان تتخلص من التراث الثقيل الذي ورثناه من التاريخ .

وهناك امثلة مبسطة لطريقة تأثر الاجيال الحاضرة بالاجيال السابقة وخصوصاً جيلنا نحن بالنسبة للاجيال السابقة .

التاريخ بين السلطة والثورة

اننــا نعرف انه كان في الامـة الاسلامية خطان .. خـط الرسالــة أي خـط الفئـة

الثورية الاصلاحية التي اعتمدت على السلاح حيناً وعلى العمل السري حيناً آخر في سبيل تغيير المجتمع .

اما الخط الثاني فهو خط الذين تماشوا مع الواقع الفاسد واستسلموا للقيادات المنحرفة على امتداد التاريخ .

ولكل خط منهما منطق خاص به فالطبقة الحاكمة والذين يستسلمون لها والمنتفعون منها لهم منطق . بينما الطبقة المحكومة والثوار لهم منطقهم الخاص ايضاً ، منطق الخط الرسالي هو منطق الثورة على الواقع الفاسد(1) بينمـا منطق الخط المضاد يدعو الى الاستسلام والقبول بالامر الواقع ، وهذا ممتد امتداد التاريخ.

ولكي يبرر اتباع الخط المضاد للرسالة تقاعسهم وانهزامهم من تغيير الواقع ، كان عليهم ان يلصقوا بالخط الاول ألوان التهم .

هذه التهم تتلخص في ان الرساليين سراقاً وقتلة ومتمردين ويسبون الصحابة وانهم انحرفوا عن الدين وغير ذلك ، هذه المجموعة من التهم اختلقها الخط المضاد للرسالة والصقها بالخط الرسالي لسبب بسيط هو ان ذلك الخط كان حاكماً وكان للحكم والحاكم منطقه ، والخط الرسالي كان ثورة وكانت الثورة لها ضريبتها .

لقد انطلق اولئك الذين الصقوا بالثورة تلك التهم الرخيصة من واقع اجتماعي خاص بظروفهم . فمثلاً يزيد بن معاوية ولكي يثبت حكمه وسياسته اتهم الامام الحسين (عليه السلام ) بالخروج والتمرد وشق عصا المسلمين وانه صاحب فتنة لذلك يجب ان يحارب .

اما اليوم فقد ذهب ذلك الواقع الذي تمخضت عنه تلك التهم الرخيصة ضد الامام الحسين ( عليه السلام ) فيزيد قد مات ، وآل مروان والذين جاؤوا من بعده قد ذهبوا ، وكذلك بني العباس الذين وقفوا نفس الموقف المعارض للحركة الرسالية قد انتهوا .

ولكننا نتسائل .. لماذا بقيت التهم والافكار السلبية ضد الخط الرسالي ، حتى اننا نرى اقلاماً محسوبةً على التقدمية تكتب عن الثوار الاسلاميين ولا تتورع ان تلصق التهم غير الصحيحة بهم .

الكاتب حسن ابراهيم المؤرخ الاستاذ في عدة جامعات في بعض الدول الغربية وفي الولايات المتحدة الامريكية . هذا المؤلف في كتابه ( تاريخ الاسلام السياسي ) حينما يتحدث عن " المختار ابن ابي عبيدة الثقفي " فانه يلصق به نفس التهم التي الصقها به اعداؤه من الزبيريين والامويين ، في حين انه رجل مفكر ومتعلم ويعرف بان المختار كان ثائراً ضد الزبيريين وقتل بسيف مصعب وانه لا يمكن لاي مؤرخ زبيري ان يتكلم عن المختار إلاّ بالسوء باعتباره ثار ضدهم .

كما لا يمكن لمروان بن الحكم او سليمان بن عبد الملك او اوليد من الخلفاء الامويين او اتباعهم اذا كتبوا او تحدثوا عن المختار إلاّ ان يتكلموا باطلاً باعتباره ثار ضدهم .

ولكن كيف يسمح هذا الكاتب لنفسه ان يسترسل مع التهم الرخيصة التي الصقها الزبيريون والامويون بالمختار ؟

لماذا ؟ وكيف حدث ذلك عند مؤرخينا ؟

لقد حدث ذلك في تاريخنا لثلاثة اسباب :

السبب الاول : غفلة اصحاب القضية الرساليين وقد تمثلت غفلتهم في غفلة الاقلام والكتب عن القيام بمقاومة مزيفي الحقائق التاريخية .

السبب الثاني : غفلة الكتاب ، وتكمن غفلتهم في عدم التحقق من التاريخ والبحث عن الحقائــق التاريخية السليمة ، فالمؤرخون ليسوا جميعهم اغبياء وذوي

مصالح وانما اكثرهم يغفلون .

السبب الثالث : وهـو أهـم وأخطر الاسباب الثلاثة ، وهو وجود الخلفيـة التــي

كتبت التاريخ السيء واستمرارها مع الظروف ولكي نفهم هذه الحقيقة نطرح السؤال التالي :

لماذا اتهم يزيد بن معاوية الامام الحسين ( عليه السلام ) بانه متمرد ؟ ويأتي الجواب : لان الامام الحسين ( عليه السلام ) ثار ضده ، ويزيد دافع عن سلطته الغاصبة . أليس كذلك ؟

اذا كان الأمر هكذا فان رجلاً مثل يزيد بن معاوية اذا جاء الآن ووجد رجلاً آخر مثل الحسين بن علي ( عليه السلام ) يقاومه ، فلابد من ان يقول له مثل ما قاله يزيد في حق الامام الحسين ( عليه السلام ) .

فلو رأى حاكم ظالم ، ان رجلاً مجاهداً يحاول ان يبث الوعي في الناس ويرشدهم الى الطريق القويم المتمثل في عدم الرضوخ للظلم ومحاربة الطغاة ، فإن هذا الحاكم لايملك شيئاً ضد ذلك المجاهد إلاّ اتهامه بأرخص التهم التي تهيء الارضية لقتله وتصفيته .

والامرّ من ذلك اولئك الذين يكتبون التاريخ الرسالي ويقعون في نفس الاخطاء التي يقع فيها المؤرخ السلطوي : ان بعض المؤرخين الرساليين حينما يكتب عن المختار بن ابي عبيده الثقفي ، فانه يكرر نفس الاقوال التي قالها عنه مصعب بن الزبير قاتل المختار ، ونفس التهم التي الصقتها أجهزة الاعلام الأموي بذلك الرجل النزيــه .

ومن عجيب امر الدنيا ان رجلاً مثل ابي الفرج الاصفهاني الذي لا ينتمي الى الخط الرسالي مؤلف كتاب مقاتل الطالبيين ، حينما يذكر قصة زيد بن علي(1) فإنه ينقل رواية عن الرسول ( صلى الله عليه وآله ) انه قال للامام الحسين ( عليه السلام ) :

" يـخـرج رجل من صلبك يقال له زيد يتخطى هو واصحابه يوم القيامة رقاب

الناس غرّا محجلين ، يدخلون الجنة بغير حساب " .

وايضاً ينقل قوله ( صلى الله عليه وآله ) :

" يقتل رجل من اهل بيتي فيصلب ، لا ترى الجنة عين رأت عورته " .

وينـقل ايضاً رواية عن الامام علي بن الحسين ( عليه السلام ) عن أبيه عن الامام علي ( عليه السلام ) قال :

" يخرج بظهر الكوفة رجل يقال له زيد في ابهة الملك لا يسبقه الاولون ولا يدركه الآخرون إلاّ من عمل بمثل عمله ، يخرج يوم القيامة هو واصحابه معهم الطوامير حتى يتخطوا اعناق الخلائق تتلقاهم الملائكة فيقولون هؤلاء خلف الخلف ودعاة الحق ويستقبلهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فيقول : " يابني قد عملتم ما امرتم به ، فادخلوا الجنة بغير حساب " .

هـذه الروايات ينقلها ابو الفرج الاصفهاني وبشكل مكرر في كتابه مقاتل الطالبيين ، بينما يتكلم رجل يدّعي انه رسالي عن زيد بن علي فيقول : نحن لا نعلم ان زيد بن علي كان على حق او على باطل وان ثورته كانت صحيحة ام لا .

لماذا التكشيك في ثورات زيد ويحيى والمختار ؟ لماذا يشكك هؤلاء في ثورات صحيحة في التاريخ ؟

ولماذا يعطون الحق ليزيد بن معاوية ومصعب بن الزبير وعبد الله بن الزبير ومن أشبه من المتسلطين على رقاب المسلمين في قتلهم لزيد ويحيى والمختار ؟

والسبب في ذلك يرجع الى ان ذلك الكاتب المدعي للرسالية حينما يكتب كتابه فانه يخضع لخلفية فكرية خاطئة ورثها دون تمحيص وتحقيق .

وتلك الخلفية التي فرضت على الكتاب السابقين الصاق التهم بالثائرين ، نجدها موجودة عندهم حتى الان .

لكي ندافع عن خط المظلومين

اذاً حينما نقوم بدراسة التاريخ فانما نقوم بالدفاع عن المظلومين في التاريخ كزيد ويحيى والمختار وسليمان بن صرد ، وحجر بن عدي ، هؤلاء الذين يتهمهم

البعض دون تمحيص وتدقيق .

فإذا استطعنا ان نغير هذه النظرات الخاطئة عن اولئك الرساليين فاننا ننسف بتلك الخلفيات غير الصحيحة الموجودة في ذهنيات الناس ، وبالتالي نغير من اتجاه المجتمع ونجعله الى الامام ابداً .

بهذه النقاط الثلاث يمكننا ان نبرر دراستنا للتاريخ .

كيف يجب ان ندرس التاريخ ؟

هناك مؤرخون كثيرون يدرسون التاريخ للتاريخ ، ولا هدف لهم الا اضافة مجموعة معارف الى معلوماتهم ، وهذا الاتجاه هو السائد حاليـاً عند المؤرخين العلميين .

بينما هناك اتجاه آخر يقول : بأن التاريخ يدرس لهدف وذلك الهدف هو اعادة بناء حياة الانسان . ونحن انطلاقاً من مفاهيمنا الدينية والرسالية نؤيد القول الثاني، والسبب في ذلك ان مواقف الانسان تتعدد وفق رؤاه الى الحياة .

فمثلا الجيش الذي ينهزم ، ينقسم افراده الى قسمين تبعاً للصفات التي تشكل شخصية افراده . فقسم لا يزيده الانهزام الا تحدياً .. فهو يتحدى ويقاوم ، وقد تعني تلك الهزيمة بالنسبة الى هذا النوع من الجنود انتصاراً لانهم يمتلكون موقفاً تجاه الهزيمة وذلك الموقف هو التحدي .

والقسم الثاني : تسبب له الهزيمة العسكرية انهياراً نفسياً - وهؤلاء هم عادة الاكثرية - فالهزيمة الخارجية تنعكس على انفسهم فينهزمون نفسياً وينهارون وربما الى الابد .

ان الشاب الذي يذهب الى امريكا او اوروبا قد يكون من النوع الضعيف الشخصية ، فحينما يرى مظاهر الحضارة في العالم الغربي فانه ينهزم نفسياً وهذه الهزيمة تنعكس على سائر نواحي حياته ، فإذا به يتبع في علاقاته الاجتماعية النمط الاجنبي . بينما اذا كان هذا الشاب بالذات يمتلك نفسية شجاعة ومتحدية وكان موقفه امام ما يراه في الحياة هو التحدي والتجاوز والاستعلاء ، فانه عندما يذهب الى الخارج لا يرجع الا بعد ان يوصل الافكار والقيم التي حملها الى هناك ويكرسها في نفسه ، فإذا كان لا يصلي ولا يصوم فانه وتحدياً للظروف يبدأ بأداء هذه الواجبات ، والسبب في ذلك هو ان موقفه السابق الذي حمله معه الى هناك كان يفرض عليه ان يتحدى .

في هذا المثال البسيط ، ترى كيف ان الانسان تتحدد مواقفه في الحياة بناء على رؤاه الفكرية وخلفياته الذهنية التي تكون شخصيته المتميزة .

الرؤية التاريخية تصنع شخصية الأمة

اذا كان هذا الامر صحيحاً فان موقف اية امة يرتبط برؤيتها للحياة وهذه الرؤية انما تستوحى من رؤيتها للتاريخ ، وانه لو غيرنا تاريخ امة لتغيرت آلياً حياتها لان رؤيتها الى التاريخ ستنعكس على موقفها في الحياة ، ومواقف الامة في الحياة حينما تكون ايجابية صحيحة فان حياتها تتحول كلها الى حياة ايجابية .

ومن هنا حين ندرس التاريخ يجب ان ندرسه بشكل يفيدنا للواقع الذي نعيشه ، فكل جيل يكتب تاريخه بيده ، لان لكل جيل طموحاته وتطلعاته ومشاكله كما ان كل جيل يحمل شخصية معينة ، لذلك فان نظرته الى التاريخ لابد ان تصاغ بحيث تحقق تلك الطموحات وبالطبع سوف تختلف آنئذ عن نظرة سائر الاجيال سواء السابقة او اللاحقة ، بل ان كل جيل عليه ان يكتب تاريخاً خاصاً به ولا يعتمد على التاريخ الذي كتب بأقلام الجيل الماضي .

هذه الحقيقة تنعكس على موقفنا من التاريخ الذي سيكون موقفاً ايجابياً عندما نهضم التاريخ ونستفيد منه ونحوله الى وقود لتحركنا في الحياة .

والسؤال : كيف يتم ذلك ؟

دراسة التاريخ ككائن حي

يتــم ذلك عبر النظر الى التاريــخ وكأنه شيــئ ينبض بالحركة . فحينما نــدرس

شخصية الامام علي ( عليه السلام ) مثلاً علينا ان لا ندرسه انساناً ذا بعد واحد ، انما الواجب هو ان ندرس شخصية متكاملة .

وحينما يدرس الواحد منا حياة الامام علي ( عليه السلام ) باعتباره رجلا حياً بمبادئه ومواقفه ، فان نظرته ستختلف عن نظرة ذلك الانسان الذي يدرس حياته باعتباره شخصاً عاش قبل (1400) سنة ضمن حلقة من حلقات التاريخ المنصرم .

وكذلك دراستنا لسيرة الامام الحسين ( عليه السلام ) ومقتله في كربلاء ، نعرف ان الامام الحسين ( عليه السلام ) استشهد بعد ان اصابه سهم في قلبه وجبهته ووقع من على ظهر الفرس مغشياً عليه .. الخ . ولكننا لا نفهم عمق هذه الاحداث والوقائع ، لاننا ندرسها في حياة ميته وليس في حياة بشر حي ، ولا نستعرض في مخيلتنا ان هذا الانسان الذي هو من لحم ودم ، كيف يتألم حينما يقع سهم في جبهته ، وكيف يتعذب حينما يذبح ابنه امامه وفي حجره ، وكيف يتألم حينما يعلم بأن عائلته سوف تسبى من ورائه ، وحينما نتصوره واقعياً كبشر يتألم وله وضع معين فان نظرتنا ستختلف بالنسبة لهذا الرجل العظيم ، وبالتالي ستختلف استفادتنا منه .

ان الكثير من الباحثين يقومون بدراسة ثورة الامام الحسين ( عليه السلام ) في كربلاء من بعد واحد ، وهو ان الامام الحسين خرج من المدينة قاصداً مكة وبقي فيها سبعة اشهر ، ثم جاء الى كربلاء وقتل فيها .

ونحن نتسائل : هل يتحدد كل ما في التاريخ بهذه الكلمات فقط ؟

بالطبع لا .. فالامام الحسين ( عليه السلام ) حينما خرج من المدينة المنورة كان له موقف من النظام الاقتصادي والاجتماعي ومن التيارات والحركات والجبهات المتعددة التي كانت في المدينة .

وبمعرفة كيف كوّن ( عليه السلام ) وبأي مقياس علاقته الايجابية او السلبية مع تلك الجبهات تتحدد نظرتنا الى خروج الامام . وكذلك نعرف الحكمة من وجوده في مكة المكرمة ، ونزوحه الى كربلاء ، حينما هبط ارض العراق .. وكيف كان وضعها الاقتصادي والاجتماعي وكيف تحول اهل الكوفة بين عشية وضحاها من مؤيدين لمسلم بن عقيل الى مخالفين له وما هي العناصر البشرية التي كانت موجودة في الكوفة وكيف كانت نفسياتهم وجنسياتهم وانظمتهم الاقتصادية والاجتماعية وما هي سلوكياتهم ومدى عمق الشعور الديني فيهم ، بل الاكثر من ذلك كيف كانت الوسائل المادية التقنية من المواصلات والامور العسكرية في البلاد الاسلامية ؟

وهذه الامور كلها يجب ان نعرفها حتى تتحدد نظرتنا الواقعية بالنسبة الى الامام الحسين ( عليه السلام ) وشهادته المشهورة .

اننا حينما نقرأ بأن الحركة الرسالية استوعبت الموالي وهم الفرس والاقباط والروم .. وهم مجموعة من العناصر البشرية المتواجدة في الكوفة التي كانت في ذلك اليوم عاصمة الدولة الاسلامية غير الرسمية ، وان هذه المجاميع هي التي احتضنت الرسالة . نتسائل من هم الموالي ، وكيف كانوا يعيشون ، ما هي القوانين والانظمة التي حكمت حياتهم ، والتي كونت العلاقة بينهم وبين العرب ؟

هذه الاسئلة يجب ان تطرح وعندما نطرحها ، علينا ان نطرحها بصورة حية لمعرفة الظروف التي واكبت ثورة الامام الحسين ( عليه السلام ) ومعرفة الحركات والانظمة والمجتمعات والتكتلات التي كانت في الساحة السياسية .

اذن .. حينما نريد ان ندرس التاريخ .. سواء بالنسبة الى حركة من الحركات ، كحركة الرسالة في التاريخ او سيرة قادة ومرشدين كالائمة المعصومين ( عليهم السلام ) او سائر الناس ، فلابد ان ندرسها باعتبارها حياة متحركة امامنا ، فما هي الحياة الحافلة وماذا تقتضي وكيف تكون ؟ كل هذا يجب ان نعكسه على التاريخ وبالتالي ندرسه من خلال نظراتنا الى الواقع الحاضر ومعرفتنا به ، وبهذه الطريقة نستطيع ان نعرف التاريخ .

التاريخ يعلمنا السنن الالهية

واذا عرفنـا التاريخ فان باستطاعتنا معرفة القوانين التي تسيّر الحياة البشرية . مثال

على ذلك اننا اذا درسنا حركة التوابين وحركة المختار نرى بالرغم من ان الفاصل الزمني بين الحركتين لا يتجاوز السنتين ، فاننا نرى ان هناك فرقاً كبيراً بينهما .

فحركة التوابين كانت حركة مأساوية انتهت بالفشل الكامل . بينما حركة المختار كانت ناجحة نسبياً ولها امتدادات كبيرة في سائر الدول الاسلامية . وهنا يأتي السؤال : لماذا فشل سليمان بن صرد قائد حركة التوابين ونجح المختار بن ابي عبيدة الثقفي الى حد ما في حركته ؟

وعلى افتراض اننا قد عرفنا الجواب فان باستطاعتنا معرفة اننا اذا اردنا ان نقوم بحركة فيجب ان نقوم مثل قيام المختار وليس مثل سليمان على اقل التقادير ، وبالتالي نستطيع ان نستفيد من التاريخ استفادة كبيرة وهي ان نعرف منعطفات التاريخ واسبابها والعوامل المؤثرة في تغيير مسيرته .

الثورة بين العلويين والعباسيين

لقد قدّم العلويون التضحيات ، وكان في طليعتهم الامام الحسين (عليه السلام) وتبعه زيد بن علي ، ويحيى بن زيد ، واولاد الامام الحسن (عليه السلام) كصاحب فخ وباخمرا ومن اشبه ، وكذلك من ثار طلباً للرضا من اهل البيت كسليمان بن صرد والمختار . هؤلاء الذين اعطوا التضحيات الكبيرة ، ولكن لماذا اذاً انتصر العباسيون ؟

لقد كانت التضحيات من العلويين والمغانم والمكاسب للعباسيين وهذا سؤال كبير، لانه من الممكن ان تتكرر هذه الواقعة مرات اخرى في غير مكان ، حيث يقدّم الرساليون التضحيات ، بينما يجني الثمرة الانتهازيون والوصوليون وثوار الفنادق .

كما ان زيد بن علي بن الحسين ( عليه السلام ) هو الذي زرع ، والمنصور والسفاح وهارون الرشيد هم الذين حصدوا . لماذا ؟

اذا عرفنا الجواب هناك نستطيع ان نعرف الجواب هنا .. ولا نعرفه فقط ، وانما لا نسمح لانفسنا بان تتكرر تلك التجربة .

المنعطف التاريخي

كانت للعلويين حركة سرية في ايام الامويين ، وكانت منتشــرة في كافة البــلاد

الاسلامية ، وكان لها دعاة يجمعهم جهاز يشرف عليهم ، ودعاة تلك الحركة هم القيادات وعلى رأس هؤلاء الدعاة يكون امام يمارس عمله بصورة سرية والامام هو الذي يعرف اسرار الحركة بكاملها ويعرف دعاتها واين هم وارتباطهم ، باعتبار انهم قد جربوا السرية في ايام الامويين وعرفوا انها هي الصورة الوحيدة للنجاح التي بدونها لا يمكنهم تحقيق اهدافهم لذلك عملوا بالسرية المطلقة .

اصيب قائد الحركة وهو العلوي ابو هاشم(1) بمرض في الطريق الى المدينة المنورة خلال توقفه في قرية الحميمة (2).. بعد ان ذهب الى الشام ليقوم بالدعاية والعمل التنظيمي وليلبي دعوة الخليفة الاموي سليمان بن عبد الملك . وقد اشرف ابو هاشم على الموت فخشي ان تفشل بعد مماته الدعوة لان اسرار الحركة كلها عنده ، فالدعاة لا يرتبطون ببعض مباشرة بسبب منهج العمل السري ، وكذلك لانهم منتشرون ما بين خراسان والكوفة والمدينة ومصر والشام ، ونتيجة لعدم الارتباط فيما بينهم فأنهم بعد موت الامام سوف يخطئون الطريق في عملهم ومن الممكن ان تموت الحركة ، لذلك اخذ ابو هاشم في التفتيش عن رجل يسلَّم بيده الامانة .. والتي تشمل اسماء الدعاة وكلمات السر التي فيما بينهم وبعد ان فتش الامام في تلك القرية ، لم يجد علوياً يسلمه اسرار الدعوة ، ولكنه وجد احد العباسيين وهو محمد بن علي بن عبد الله بن العباس ، فاختاره وسلمه تلك الاسرار، وبيَّن له ان الحكم هو من حق العلويين وينبغي ان يبقى بايديهم ولكن لما لم يكن هناك احد غيره ، لذلك فهو مضطر لاعطائه اسرار الحركة والدعوة ، فاعطاه الاسرار وحمَّله رسائل الى الدعاة وبعد ان توفي ابو هاشم اصبح ذلك العباسي هو الامام من بعده .

فبينما كانت الحركة العلوية على مشارف النجاح والانتصار ، جاء العباسيون وقطفوا الثمار واستولوا على الحكم ، وكل ذلك كان نتيجة منعطف بسيط في التاريخ مكّن العباسيين من ان يسرقوا الحكم من العلويين في حين ان الاثنين تعبا مع بعض ، بل العلويين هم الذين كانت عليهم المسؤوليات الاكثر .

لنكن على حذر من المنعطفات التاريخية

ان معرفتنا بهذه القضية الواقعية التاريخية البسيطة ، تعطينا سلوكاً جيداً لمستقبل حياتنا ولمستقبل الرسالة ، اذ ان الحركات الاسلامية لو كانت تعرف هذه المنعطفات والمنحنيات في التاريخ ولو درستها بدقة ، لاستطاعت ان تنجح والكل يعرف ان واقع الحركات الرسالية منذ حوالي خمسين سنة والى الان شهد قصصاً كثيرة وشبيهة بقصة الداعية العلوي السابق الذكر .

في العراق وعلى اكتاف المسلمين قام الاستقلال ولكن الذي استطاع ان يحكم العراق بعد الاستقلال هو الملك فيصل ابن الشريف حسين والسبب في ذلك انهم كان ينقصهم الوعي التاريخي ، فلم يكونوا يعرفون ان تنازلهم عن حقهم هنا ماذا يعني في المستقبل .

انه يعني المجازر والتشريد والتهجير الجماعي والاستغلال والاستعباد لفترة طويلة من الزمن ، انهم لم يكونوا يحسون مثل هذه الحقيقة وذلك لغياب الوعي التاريخي .

من هنا فان طريقة دراستنا للتاريخ هي ان ندرسه وكانه احداث حية تجري امامنا وندرسه بمنظار الحاضر ، فاذا عرفنا سنن التاريخ وقوانينه فان من السهل تطبيقها على واقعنا المعاش ، عندها سيصبح لنا وعي تاريخي ننتصر به ونتفوق به في الحياة .

منطلق الحركة الرسالية

تمثلت بداية تحول الرسالييين الى حركة سياسية جماهيرية معارضة للنظام السياسي بعد مقتل الامام الحسين ( عليه السلام ) في العام (61) من الهجرة النبوية . فقبلئذ كانت الحركة موجودة ، وكان لها مظهر سياسي يتمثل في حكومة الامام علي بن ابي طالب ( عليه السلام ) ، ولكنه كان على نطاق محدود نسبياً موزع في انحاء البلاد الاسلامية .

ولكن بعد مقتل الامام الحسين ( عليه السلام ) ، تحول الرساليون الى حركة جماهيرية معارضة شملت جميع المسلمين وبلا استثناء ، حيث ان المسلمين عرفوا حقيقة الاسلام ومغزى التفكير الرسالي الذي نادى من اول يوم بان يكون الحكم حكماً مستقيماً وصالحاً ، وعرف العالم الاسلامي آنئذ كله بأنه كان من الخطأ الفضيع سكوت الامة على انحراف القيادة لان ذلك السكوت ادى بالتالي الى فاجعة كبيرة كفاجعة كربلاء . من هنا فنحن نؤرخ للحركة الرسالية منذ عام 61 هـ .

نشوة الحركة الرسالية

ما الذي حدث بالضبط بعد مقتل الامام الحسين ( عليه السلام ) ؟ للاجابة على هذا السؤال لابد من تمهيدين :

الاول : معرفــة النظــام الامــوي بالمقاييس العصريــة ، وبالألفــاظ والكلمـات

المستخدمة الان في القواميس العلمية والادبية ؟

الثاني : معرفة طبيعة الحركات الرسالية ، وما هي المجموعات البشرية التي اشتركت في تلك الحركات .

طبيعة النظام الاموي

امتاز النظام الاموي بالطبيعة القبلية الجاهلية المولعة بالدم والغارقة الى اذنيها في الجريمة ، وكان " السيف دثارهم والخوف شعارهم " كما جاء في كلام للامام علي ( عليه السلام ) .

وقبل دخوله في الاسلام - بشكل ظاهري - كان الحزب الاموي قائداً للتجمع القبلي الذي حارب الرسالة الاسلامية منذ بدايتها ، والسبب في ذلك ان بني عبد الدار هم الذين كانوا يقودون القرشيين في كل الحروب ، باعتبارهم يشكّلون وزارة الدفاع في ايام حكومة قريش التي كانت هي سيدة العرب في زمن الجاهلية الاولى . والذي كان يمثـل بني عبـد الدار هم الامويون وفي طليعتهم ابو سفيان .

وكما هو معروف فان هذا الحزب كان قد قاوم الرسالة الاسلامية . ولكن وبعد انتصار الرسالة الاسلامية عليه ، قام بتغيير طريقته واسلوبه . ففي البداية كانت طريقته علنية ومن موقع القوة ولكنه وبعد انتصار الرسالة الاسلامية تحول الى العمل السري ومن موقع الضعف والنفاق .

تنامي الحزب الاموي

وقد انتشر الحزب الاموي بطريقة مدروسة واخذ يكّون له امتدادات ونفوذا داخل الحكم الاسلامي ، واول من اعتمد على الحزب الاموي في تكوين حكومة ائتلافية - حسب التعبير الحديث - هو الخليفة الثاني الذي جعل من بعضهم قادة لبعض الحروب ، واعتمد على البعض الاخر بشكل كبير. يذكر ان الحزب الاموي كان قد تسرب الى الحكم في عهد الخليفة الاول بصورة نسبية (1).

واغتيل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب ولعل الحقائق تثبت ان الامويين كان لهم اليد الطولى في اغتياله، حيث ان المستفيد الوحيد من ذلك كان الامويون انفسهم.

فقد قاموا بتنصيب الخليفة الثالث عثمان بن عفان الذي اطلق لهم العنان في اللعب بمقدرات الامة الاسلامية المتنامية ، حيث عيَّن منهم الولاة والقضاة وقادة الحرب وخُزان بيت المال .

ولما نما الامويون ووصلوا الى درجة كبيرة من القوة والنفوذ ، قرروا التخلص من عثمان نفسه ، والتمركز وبشكل اساسي في بلاد الشام المنطقة العربية الحديثة الانعتاق من ايدي الرومان .

وكانت منطقة الشام متميزة بان افرادها هم الذين قاموا بقيادة العرب الاخرين الى حد ما ، نيابة عن الحكم الروماني .

لذلك قام الحزب الاموي باختيار هذه المنطقة - بعد تخطيط مسبق - موقعاً لقيادته ، فهي ستكون مسندة من الخلف من قبل الامبراطورية الرومانية ، وبالاضافة الى ان عرب الشام قادرون على القيادة باعتبارهم متمرسين في الحكم والحضارة من القدم (1).

كيف اصبح معاوية حاكم الشام ؟

وبحكم التآلف بين الحزب الاموي والجناح الحاكم الذي كان يعتبر الجناح المعتـدل في الحكم الاسلامي ، فقد مارس هذا ضغوطاً كبيرة على الخليفة الثانــي

حتى يصبح معاوية حاكماً على الشام ونجح في ضغوطه .

ولم يكن معاوية بن ابي سفيان وحده ، فقد كان معه مجموعة من آل سفيان والمغيرة ومروان ، يشكّلون معاً تجمعاً كاملاً . وباعتبار ان معاوية هو ابن ابي سفيان الذي كان قائداً لبني امية في ايام الجاهلية ، لذا فقد تم اعتباره والياً على الشام ، علماً بان اخاه يزيد بن ابي سفيان كان احد القادة العرب لجبهة الشام .

بناء الجيش الاموي

واول ما قام به معاوية بن ابي سفيان هو جمع الاموال من عرب الشام بطريقة مشروعة او غير مشروعة واضافتها الى الاموال الموجودة والمجتمعة سابقاً عند الامويين نتيجة خبرتهم في التجارة وما تجتمع عندهم ايام الخليفة الثالث عثمان بن عفان ، ثم اخذ يشتري بها ضمائر فلول الجيش الاموي الذي هزمه الاسلام .

وبالتعبير الحديث ، قام بتوظيف المرتزقة والمحاربين القدامى لتكوين جيش ضخم يتركب من العرب الذين كانوا يحاربون الاسلام في بداية امره ، ومن الذين اصبحت الحرب مهنتهم وحرفتهم ،وكذلك من الموتورين الحاقدين على الاسلام، وقام ايضاً بشراء المرتزقة الاجانب .

مستشار رومي مديراً للمخابرات

وجعل معاوية مولاه سرجون الذي كان من قواد الجيوش الرومانية ، مديراً للاستخبارات العسكرية ، واعطاه صلاحيات كبيرة ، وجعله مستشاراً له ، واعتمد عليه كثيراً لخبرته بالشؤون العسكرية والامنية . وسرجون هو الذي اشار على يزيد ان لا يقصي ابن زياد الذي كان منافساً له عندما استخلف بعد ابيه معاوية ، وهو الذي عمل على اقناع القادة العسكريين او غير العسكريين الذين كانوا يبتعدون عن يزيد ، لكي يرجعوا الى الخدمة العسكرية .

/ 16