<a name=aaa1> </a>المقدمة - إمام المهدی (ع) و الایمان بالغیب نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

إمام المهدی (ع) و الایمان بالغیب - نسخه متنی

سید محمد تقی المدرسی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید



آية اللـه السيد محمد تقي المدرسي

الامـام المهـدي ( عليه السلام )

والايمـان بـالغيب

الكتاب : الامام المهدي ( ع ) - والايمان بالغيب

المؤلف : آية الله السيد محمد تقي المدرسي

الناشر : انتشارات مدرسي

الطبعة الأولى : 1417 هـ

عـدد النسـخ : 3000

السعر : 3000 ريال

المقدمة

الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على سيد المرسلين محمد المصطفى وأهل بيته المنتجبين .

الحقائق الكبرى ذات حجج بالغة ، وآيات مبصرات بالغة النفاذ . فبمجرد تذكرة العقل بها يستوعبها قلب البشر ، ويشهدها وجدانه . ولكن السؤال : كيف - مع ذلك - يرتاب فيها المرتابون ، وهي لاريب فيها ؛ وكيف يماري فيها المجادلون ، وهي بالغة الوضوح ؟

الله واسماءه الحسنى ، النشور وآياته في النفس والافاق ، الرسالة ودلائلها البينات ، انها ابرز تلك الحقائق ، وهي - في ذات الوقت - محور ريب الكفار ، ومدار جدل المرتابين ، لماذا ؟

السبب ؛ إن الشيطان يختلق لمثل هذه الحقائق افكا كبيرا ، وجدلا واسعا . ولكي تجري سنة الله في امتحان البشر ، فان الله سبحانه لايكره قلب البشر على القبول بالحقائق ، ويدع الناس في حرية تامة من امرهم ، ممـا يسمح للشيطان بالقاء امانيه ، وحبك افكه وتزيين وساوسـه ، ثم ينفث في روع اولياءه الفكرة الخبيثة التالية :

لو كانت هذه الحقيقة الكبيرة صحيحة اذا كان الناس كلهم يؤمنون بها ، وإذ لم يؤمن بها الجميع فان ذلك لدليل على عدم صحتها .

إن ذلك اخطر وساوس الشيطان ، وإذا وعينا سنة الله في فتنة الخلق ، وانه تعالى لايفرض على البشر الهداية ، وانما على الانسان نفسه ان يوفـر في ذاته شروطها ، ومن شروطها الاستعداد للتسليم للحق انى كان ، والشهـادة عليه بالوفاء بواجباته ، وعدم الارتيـاب فيــه بعد وضوحه لديه .. اقول ؛ اذا وعينا هذه السنة الالهية ، فان اساس وساوس الشيطان ينهار عليه ، ونبقى سالمين من مكره الخبيث .

وحقيقة الامام الغائب لمن تلك الحقائق الكبرى التي بالرغم من توافر الحجة عليها ، فان افك الشيطان فيها ايضا افك كبير ، وجدله ، ووساوسه ، ونفثاته ، وهمزاته ، وبكلمة مكره الثقافي إنما هو بقدر عظمة الحقيقة ومدى اثرها في هداية البشر ، وكذلك مدى الخسارة في فقدانها .

بلى .. إن المنظومة الفكرية في عقائد التوحيد إنما تنتظم بالولاية ، وهي الحبل المتصل بين سماء القيم وصعيد الواقع ، الذي تطبق عليه تلك القيم . فلو انقطع الحبل فان مفردات العقائد تبقى من دون نظام ، وفائدتها تكون محدودة . خصوصا في حقل بناء الامة ، وحضارتها الالهية .

وللشيطان في تضليل البشر فتنة كبيرة ، حيث انه يفرغ الشرائع من محتواها . ويبتدء مسلسل هذه الفتنة بان البشر لاينبغي ان يسلم لبشر مثله ، بل يتصل مباشرة برب العزة . وهكذا كانت هذه الشبهة اخطر عقبة في طريق ايمان الناس بالانبياء عليهم السلام .

وإذ ختمت الرسالات بالنبي المصطفى محمد ( صلى الله عليه وآله ) كانت الفتنة تتلخص في ان الرسالة هل تمتد من بعده في اشخاص أم تتلاشى مع رحيله والتحاقه بالرفيق الأعلى ؟

وقال الموالون لأهل بيت الرسالة ان ذات الطاعة التي كانت لله وللرسول تستمر في اوصياء الرسول ، واستشهدوا بآيات وأحاديث ، وادلة واضحة .

حتى إذا اكتمل الائمة ( عليهم السلام ) اثنى عشر بدء الشيطان يشكك في غيبة الامام الثاني عشر ، والهدف ان يفرغ الرسالة من محتواها . إذ ان التسليم لشخص ليس بالسهل لقلب البشر ، المنطوي على كبر ذاتي منذ ان تحمل الامانة ، وكان الانسان ظلوما جهولا .

والذين يؤمنون بالامامة ويؤمنون باستمرارها ، فانهم ليسوا سواءا في مستوى التسليم . فترى البعض ان يقتصر في ايمانه بالامام المنتظر ( عليــه السـلام ) بأدنى قدر حتى لايعارض كبر نفسه في التسليم التام له ، وهو

بالتالي بشر مثله إلا انه امام مفترض الطاعة .

ومنهم من يجعل إيمانه بالامام منطلقــا لسلسلة من الحقائق يؤمن بهـا . فالعقيدة تدخل ضمن وجدانه الثقافي ، وسلوكه الحياتي ، ورقابتــه لنفسه ، وموقفه من التحديات .. وهكذا يستفيد عمليا من هذه العقيدة التي تخالط مخه ودمه وكيانه ، فيصبح انسانا ربانيا ، إذ يتصل وجدانه بالانسان الالهي ( الامام المنتظر ) سلام الله عليه .

ونحن إذ نقدم لك ايها القارئ الكريم هذه الخلاصة في عقيدة الحجة المنتظر ( عليه السلام ) نأمل ان نساهم في تطوير صلتك به ، وتفاعلك مـع العقيدة به ، وبالتالي في تعميق ايمانك بالغيب ، وارتباطك به ارتباطـا

وثيقــا .

إن هذا الكتاب مجرد إثارة علمية ، وتذكرة قلبية في واحدة من ابرز حقائق العقيدة الالهية ، وانما نستطيع ان نستفيد منه إذا كنا مستعدين فعلا تغيير واقعنا وجعله اقرب الى الغيب ، والايمان به ، والتواصل معه .

نسأل الله سبحانه ان يجعلنا واياكم من اولئك الذين يلقون السمع ، وهم شهداء ، انه نعم المجيب .

14 / محرم الحرام / 1417 هـ

محمد تقي المدرسي

منهج البحث

تضطرب النفس البشرية عندما تواجه حالة الشك ، وتسعى جاهدة لملأ الفراغ وعلاج التوتر ، حتى تبلغ شاطئ الحقيقة وتستريح الى فرات العلم ، فتحس ببرد اليقين ، وتستقر في ظلال الايمان .

وهكــذا يتنازع الشك واليقين افئدتنا ، ونعايش دوما الانتقال من حالة التوتر التي يورثها الشك الى حالة الاستقرار التي يبعثها اليقين ؛ مما يجعل هذا الانتقال من الحقائق اليومية في حياتنا ، مثل التحول في الطبيعة من العطش الى الارتواء او من الحرور الى الظل او من غسق الليل الى ضحى النهار .

كيف تتم هذه النقلة العظيمة ، التي تجعل البشر اعلى واقوى من سائر الخليقة ؟

ذلك هو السؤال العريض الذي واجه المتفكرين . ولكن لو عدنا الى انفسنا ، ودرسنا حالاتنا الذاتية ، فان باستطاعتنا ان نلمس من قريب ابعاد الحقيقة التي تجيب عن هذا السؤال بوضوح ، بل لا تدع مجالا لمثل هذا السؤال .

اننا نعلم يقينا بوجود انفسنا ، وبتواجد الحقائق من حولنا ، وباختلاف الظواهر والحالات علينا . وان هذا اليقين لا نشك فيه لحظة ، وحتى لو جاء متخلف وحاول القاء الشك في افئدتنا ، فلربما استمعنا الى جداله المزخرف فترة من الوقت ثم ادرنا وجوهنا عنه ، وقلنا : نحن على يقين من هذه الحقائق ، ولعلك في شك فاذهب وابحث عن اليقين لنفسك .

والسر في ذلك ان الله - عز وجل - اودع في قلوبنا عقلا يكتشف الحقائق ويؤمن بها ويبعث الطمأنينة فينا بصدقها .

وهذا العقل يجعلنا نثق ثقة كافية بأننا فعلا موجودون ، وان العالم من حولنا حق لاريب فيه ، وان النظام الحاكم في الخليقة ثابت ومستقر ، وان علينا ان نتكيف معه .

كما وانه هو الذي يكشف لنا آلاف الحقائق الكبيرة والصغيرة التي نثق بها يقينا ونتعامل معها يوميا ، ونشكل منها منظومة علمية متكاملة نفتخر بها نحن البشر ، بل ونسخر الطبيعة بفضل تلك العلوم الواسعة .

والنظام الاخلاقي الذي يتلخص في جملة واجبات يعلم كل انسان ضرورة الالتزام بها ؛ كالوفاء والاحسان والعدل ورد الامانة ، وتجنب العدوان والظلم ، وما اليها من الثوابت التي تعتبر قاعدة كل نظام اخلاقي في العالم ، وعند جميع البشر انى اختلفت مذاهبهم وطبائعهم . وان هذا النظام هو اعظم ميزان نعرف به الخير والشر ، واهل الخير واهل الشر ، والدعوة الحق والدعوة الباطل ..

وبهذا الميزان عرفت القلوب صدق دعوة الانبياء - عليهم السلام - كما عرفت - ولو بعد حين - الكذب عند ادعياء النبوة او عند اصحاب المذاهب الباطلة .

وتلك هي حجة الله البالغة على خلقه ، حيث لا يرتاب احد لو راجع وجدانه ، وميزان عقله في صدق رسالة الانبياء الداعية تماما الى تلك الثوابت الاخلاقية التي تشكل قاعدة كل تشريع عادل ، وسلوك فاضل .

وجاء النبي محمد - صلى الله عليه وآله - برسالة القرآن التي ختم الله بها الرسل ، واكمل دعوات الحق . فكان القرآن والوجدان معا ميزانا عند البشر . أوليس تذكر القرآن بحقائق الوجدان جعلنا على بصيرة وعلى يقين وفي سكينة وطمأنينة ؟

وكلما ازداد المسلم وعيا بكتاب الله ، ازداد بصيرة في وجدانه . ويستطيع ان يعرف الحق ويهتدي الى سبل السلام .

واذا عرف الحق عرف اهله . واذا عرف اهل الحق عرف الباطل واهله .

ولما اهتدى المؤمنون بحقائق قلوبهم الى نور الوحي عرفوا الرسول الذي انزل اليه ، وقال ربنا سبحانه :

« أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنِكِرُونَ » ( المؤمنون / 69 )

ولما عرفوا الرسول معرفة نابعة من بصيرة ايمانهم وميزان عقولهم ، عرفوا اولى الناس به ، واقرب الناس الى هديه ، واوعى الناس بعلمه ، واكثرهم اتباعا له ، والذي لم يكن سوى الامام علي بن ابي طالب . وتطابق هدى عقولهم ، ووصايا الرسول ، فكانوا على يقين بأنه هو الامـام الحق ، حتى ولو انفصلت عنه السلطة . فالسلطة ليست ميزان حق ، لان الله يفتن بها المؤمن والكافر ، بل ان سلطة الكافرين في الارض اكثر واطول .. واذا كانت السلطة الظاهرة بعد الرسول ميزانا ، فلابد ان تكون ذات السلطة ميزانا لمعرفة الحق ابدا ودائما ، فاذا بملوك بني امية وبني العباس كلهم موازين حق !! فاين اذا القرآن ، واين الوجدان ، واين تلك الثوابت الاخلاقية ؟!

وهكذا عرفنا الامام بالدعوة التي حملها ، وبالنور الذي اتبعه ، وبالصراط القويم الذي امر به . عرفناه بذات الميزان الذي عرفنا به صدق دعوة الرسول - اي تطابق الوحي والعقل - .

وبعد الامام علي - سلام الله عليه - لم نجد تلك الصفات المثلى قد تجمعت في شخص كما تجمعت في السبطين الحسن والحسين - سلام الله عليهما - ، وتطابقت كلمة الرسول فيهما وحقائق سلوكهما . فكانت وصية الرسول باتباعهما دليلا على صدق نبوتـه ، أولم يرتحل الرسول عن الدنيا وهما دون العاشرة من عمرهما الشريف ، فكيف عرف الرسول انهما امامان قامـا او قعدا ؟ اوليس بالوحي الذي نزل عليه ، وانبأه بأمر الأئمة من بعده وعموما بأهل بيته ، الذي تركهما والقرآن ثقلين ليتمسك بهما من اراد الله ، وليكفر بهما من كفر عن بينة وبعد اتمام الحجة عليه من الله ؟

ان سيرة اهل البيت - عليهم السلام - وهديهم وعلمهم ، وتمثلهم لحياة الرسول واتباعهم له اتباع الفصيل لامه ، وجهادهم في الله ، وتجنبهم لسلطات الجور وقيامهم ضد دعوات الفساد والانحراف .. كل ذلك كان دليلا على ان الرسول لم ينطق فيهم بهواه حاشا لله ، انما نطق عنهم بوحي اوحي اليه . ولم يوص بهم إلا ليتم الله حجته على عباده الصالحين ، فيعرفوا ائمتهم من آل بيت الرسول معرفة وجدانية بنور ايمانهم ، وهدى عقولهم .

وهكذا جاء في الحديث المأثور عن سعد عن ابن عيسى عن ابن أبي عمير عن محمد عن حمران عــن الفضــل بـن السكــن عن أبي عبد الله الصادق - عليه السلام - قال : قال أمير المؤمنين - عليه السلام - :

" اعرفوا الله بالله ، والرسول بالرسالة ، وأولي الأمر بالمعروف والعدل والاحسان " (1)

وهكذا عرف أهـل البصائر من المسلمين ائمة الهدى من اهل بيت الرسول ، وظهرت كراماتهم وآيات صدقهم ، وحقائق علومهم على لسان أعدائهم ، فكيف بأتباعهم ؟..

وكانت فرق من المسلمين قد التفت حول بعض النـاس من آل البيت، الذيــن لم يكن لهـم مستوى من العلم والتقوى بدرجة الأئمة - عليهم السلام - . فما لبث الصالحون منهم ان عرفوا الصواب وتركوا الشقاق وانقرضت البقية الباقية منهم او كادوا ..

فمثلا الكيسانية الذين اتبعوا محمد بن الحنفية ، والفطحية الذين مالوا الى عبد الله الافطح ابن الامام الصادق - عليه السلام - ، والواقفية الذيـن خالفوا الامام الرضا - عليه السلام - .

وقد انقرض هؤلاء ، بينما بقيت فرقة الاسماعلية الذين قالوا بامامة اسماعيل بن الامام الصادق - عليه السلام - ، وزعموا ان موته الظاهـري كان نوعا من التقية ، وان الامامة لازالت في أبنائــه حتى اليوم . وهذه الفئة بالرغم من وجودها اليوم إلا انها ليست بذات شأن يذكر . كذلك الذين زعموا ان الامامة انتقلت من الامام علي بن الحسين - عليه السلام - الى ابنه زيد ، والذين هم بدورهم لايملكون حجة قوية تناهض حجة الشيعة الاثني عشرية الذين التفوا حول ائمة الهدى من آل بيت الرسالة .

ولاتزال دعوة الرسول باتباع آل البيت نافذة ، كما انه لاتزال دعوة الله باتباع الرسول نافذة ، حيث قال الله سبحانه :

« أَطِيعُوا الله وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ » ( النساء / 59 )

لـماذا ، اوليست الطاعة خاصــة بالشؤون الحياتية التي تتطور وتتغير ،

كالحرب والسلم وادارة الاقتصاد وتولي السلطة ، والقضاء في المجتمع ؟؟

كلا .. ان جزءا من الطاعة يرتبط بهذه الشؤون المتغيرة ، بينما الجزء الأكبر يتصل بفقه الدين ووعي حقائقه ، واتباع القدوة في الحياة .

ونحن قد أمرنا باتباع هدى الانبياء الذين سبقوا ، وما ذكرت سيرتهم وقصص حياتهم في كتاب الله الخاتم إلا ليتبعوا ، وقد قال الله سبحانه بعد ذكر اسماء الرسل :

« اُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى الله فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ » (الانعام / 90 )

وكما الانبياء ، كذلك نبينا الأكرم - صلى الله عليه وآله - أمرنا باتباعه واخذ ما جاء به من عند الله ، فقال سبحانه :

« وَمَآ ءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا » ( الحشر / 7 )

وكذلك الائمة - عليهم السلام - أمرنا باتباع نهجهم بعد حياتهم ، كما امرنا بطاعتهم فيها .

وقد جعل الله اتباع ابراهيم - عليه السلام - ميزانا للصلة به والولاية باسمه ، فقال سبحانه :

« إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَالله وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ » ( آل عمران / 68 )

ونـحن اذ نتحدث عـن قضايا خلافية وقعت في التاريخ البعيد ، كالتي

حدثت بعد رحلة نبينا - صلى الله عليه وآله - او بعد خلافة الامام علي - عليه السلام - ، فليس لكي نعمق الشقاق بين ابناء الامة ، وانما لمعرفة الطريق السليم في حياتنا . فان نهج علي - عليه السلام - باق في سيرته وفي كلماته ، كما ان سلوك معاوية قائم في منهجية حكمه ، وطريقة ادارته . فأي النهجين نتبع ، واي السبيلين نسلك ؟

الحديث عن الأئمة الهداة من اهل بيت الرسول ليس ترفا ، كذلك وانما هو نهج حياة ..

فاذا قال أحدهم : لماذا اكتملت الحجة بأثني عشر اماما ، ولم تستمر الامامة بصورتها الظاهرة الى الأبد ؟

قلنا له ؛ لماذا اكتملت الرسالة بذلك العدد من الانبياء ولم تستمر بصورتهـا تلك الى قيام الساعة ؟

لقد اقتضت الحكمة الالهية ذلك فيما يتصل بالرسالات ان تختم بالنبي المصطفـى محمد - صلى الله عليه وآله - وان تختم الامامة بصورتها الظاهرة بالامام الثاني عشر سمُي رسول الله ، ابن الامام الحسن العسكري - سلام الله عليه - ، وذلك بعد ان عرفت الامة احكام الدين وتفسير القرآن الكريم ، وتنامى الخط الاصيل ، وتركزت الحجة على الخلق .. فغاب الامام المنتظر ليكون في غيبته وانتظار الامة له ، حكمة بالغة سوف نتحدث عنها لاحقا انشاء الله .

لماذا الايمان بالغيب ؟

انتظار الامام الغائب انتظار يوم الدين ، والايمان بالوحي النازل من الغيب ، واكبر من كل ذلك الايمان بالله سبحانه واسماءه الحسنى ، كل ذلك ايمان بحق تشهد عليه آياته .. فبالتسامي من ظاهرة مشهودة كالشمس والقمر واختلاف الليل والنهار ، نعرف حقا آخر غاب عن اعيننا ، وصدقت به عقولنا ، وبصرت به قلوبنا .

وانها لميزة الانسان التي تسمو به بين سائر الاحياء علم بالغيب من خلال علم بالظاهر . فترى اننا نعرف الماضي من خلال الحاضر ، ونعرف المستقبل ايضا بعد معرفة الحاضر . الا ترى ان 99 % من العلوم هي معرفة ما وراء الظواهر ؟ والفرق بين من يرى نور الكهرباء ومن يعرف حقيقته هو الفرق بين العالم والجاهل ، بل بين الانسان وغيره .

إلا ان الايـمان بالغيب يختلف عن العلم بالغيب . فعندما يكون العلم الطاقـة الكامنة في الاسلاك ، او الحديث عن مستقبل مريض ابتلي بعاهـة

لا شفاء لها ، او عن تطور ظاهرة في الاقتصاد معروفة النتائج علميا .. عنــد ذلك كلنا نعلم ذلك الغائب الذي تدل عليه شواهده وأدلته . ولكن عندما تكون ذات الظواهر تدلنا على ربنا والملايين من اشباهها ، ترى البعض يتوقف ، لماذا ؟ لان عقبة نفسية تعترض طريقه ، واذا اراد الايمان فان عليه ان يتجاوز تلك العقبة بعزيمة ارادته ، ثم يصدق بالحق من وراء الظواهر ..

كذلك كان الايمان بالغيب ميزة بعض البشر وليس كل الناس ، انما المتقون وحدهم يهتدون الى الغيب فيؤمنون به .

قال الله تعالى :

« الم * ذَلِكَ الكِتَابُ لاَرَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلمُتَّقِينَ * الَّذِينَ ُيؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ » ( البقرة / 1-3 )

وميزان صدق الانسان ، وتكامله واثباته لقدرته على تجاوز ذاته ، وتحديه للهوى والشهوات ووساوس الشيطان .. ميزان كل ذلك ايمانه بالغيب .

فاذا آمن بالغيب مرة ، امن به كل مرة لان قدرته واحدة ، هنا وفي كل موقع . فمثله كالذي تعلم لغة وتكلم بها مرة فانه يتحدث بها كل مرة ، لانه اكتسب قدرة يستخدمها ابدا . كذلك الذي آمن بالله صادقـا مـن خلال آياتـه ، فانـه يــؤمن بالرســل وبـالكتب وبـالقيامـة وبالمعاجز و .. و ..

ان قدرة الانسان على تجاوز ذاته هي واحدة في كل مكان ، ومن هنا فانه يؤمن بكل حق بلا تفريق بين حق وآخر .

قال الله تعالى :

« الَّذِينَ ُيؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمآ اُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمآ اُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالاَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ » ( البقرة / 3-4 )

وقال سبحانه :

« ءَامَنَ الرَّسُولُ بِمَآ اُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كَلٌّ ءَامَنَ بِالله وَمَلآَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِن رُسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ » ( البقرة / 285 )

اما الذي يدعي الايمان بالحق ثم يكفر ببعض الكفر فانه كاذب في ايمانه ، لانه لم يعرف كيف يتجاوز ذاته ، ويخالف هواه . انه يتبع هواه فـي تقييم الحقائق ، فما وافقت عليه نفسه آمن به ، وما خالفته نفسه كفر ، وكان كمن قال ربنا سبحانه عنه :

« أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ » ( البقرة / 87 )

وهكذا يلجأوون الى ميزان العصبية والأهواء في تقييم الحقائق ، وبأيها يؤمنون وبأيها يكفرون . فاذا انزل الوحي فيهم وكان الرسول من قومهـم آمنوا به ، واذا كان من غيرهم كفروا به . هؤلاء هم في الواقــع

من اتباع الهوى .

يقول الله سبحانه :

« بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَآ اَنْزَلَ الله بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ الله مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَآءُو بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ » ( البقرة / 90 )

واليوم نجد البعض يرتاب في حقائق كان بالامس يؤمن بها ويدافع عنها اشد الدفاع ، لماذا ؟ لانه تعرض لفتنة ، واصبحت هذه الحقيقة تخالف مصالحه واهواءه ، وغدا يكفر بالحقيقة التي لايزال يؤمن بها اليوم، وهكذا يكفر ويؤمن حسب رياح الهوى . فهل هذا مؤمن ؟ كلا .. لان اساس الايمان هو الاقتدار ضد الهوى ، هو التحدي ضد جبت الذات . فاذا انهارت مقاومة الانسان الداخلية ، فأية قيمة لايمانـه . بل كيف نسمي الايمان بشرط موافقة الهوى - كيف نسميه - ايمانا ؟!

مثل هؤلاء الذين يتراجعون اليوم عما امنوا به امس لم يكونوا مؤمنين حقا . بل كانوا يزعمون انهم مؤمنين ، او يتظاهرون به ، وقد قال الله تعالى عن الفريق الأول :

« قَالَتِ الاَعْرَابُ ءَامَنَّا قُل لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ » ( الحجرات / 14 )

ويقول سبحانه عن الفريق الثاني :

«إِذَا جَآءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ الله وَالله يَعْلَمُ إِنَّكَ

لَرَسُولُهُ وَالله يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ الله إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ » ( المنافقون / 1-2 )

ومن هذه الزاوية تجد البعض اذا أوتي شيئا من علم الدين زعم انه ملك ناصية الدين ذاته ، يغير فيه ما شاءت اهواءه .

فاذا راجت في الغرب فكرة التساوي بين الجنسين تراه اخذ يأول نصوص الدين فيما يتصل بالتمايز بينهما ، حتى ان بعضهم اخذ يحرف كتاب العهدين بحذف ما فيه من كلمات تشير الى الفرق بين الرجل والمرأة ، فأخذ يسمى الرب بالعظيم بدل كلمة الأب .

وترى بعضهم اخذوا يحرفون كلمات القرآن المجيد حول المرأة لكي تنسجم مع افكار الغرب حول النساء .

وكان قديما طائفة قد تأثروا بالفلسفة اليونانية القديمة ، فأخذوا يفسرون نصوص القرآن والسنة بما ينسجم مع تلك الفلسفة . وكان الميزان عندهم مذهبهم في الفلسفة ، لا ايمانهم بالكتاب . فاذا كان الواحد منهم شائيا فسر القرآن حسب نظريات ارسطو ، وان كان اشراقياً فسره حسب اراء افلاطون ، وهكذا ..

وترى البعض اذا صار ثوريا فتش في ايات الذكر عما تدعم نظرياته المتطرفة ، واذا انقلب على الثورة واصبح محافظا اكتشف رأسا ان القرآن

كله يدل على منهج المحافظين ، وهكذا ..

ولذلك تجد الفرق الاسلامية التي بلغت حدة التناقض فيها حد القتال،

وجدت جميعا ايات تستدل بها على آرائها الباطلة .

وحتى في افق التشريع تجد البعض يصدر الفتاوي التي توحي بها الظروف ، ويستند فيها الى ايات القرآن ، وقد تكون تلك الفتاوى متعارضة مع أبسط المبادئ الفقهية ..

وكل ذلك منشؤه ان الايمان ليس كافيا لمقاومة هوى الذات او شهوات النفس او ضغط المجتمع ..

ومن هنا امرنا الرب بان نسأل اهل الذكر ، وهم ليسوا كل اهل العلم ( أهل الكتاب ) بل الاتقياء منهم فقط ، الذين وعت قلوبهم حقائق البينات او بصائر الكتب . فقال سبحانه :

« فَسْأَلُــــوا أَهْـلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُم لاَ تَعْلَمُونَ * بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ » ( النحل / 43-44 )

وعندما طبقت بصيرة الولاية في بعض البلاد وواجهت مضاعفات عند التطبيق ، واصطدم البعض بها ، تراه لم ينسب الخطأ الى البشر الذين هم - بالتالي - غير معصومين . ولم يدر ان كل فكرة واجهت مضاعفات عند التطبيق . فالديمقراطية التعددية والديمقراطية الشعبية والملكية الدستورية والملكية المطلقة .. وكل النظم واجهت مشاكل عند التطبيق . والعقلاء لم يحملوا كل المسؤولية على المبدء ، بل عرفوا مواقع الضعف في المبدء ، وميزوها عن مواقع الضعف في المنفذين لها .

وعند هذا المنعطف انهار وبدأ يرتاب في حقيقة الولاية الالهية ، ويدعو

الى العلمانية ( وفصل الدين عن السياسة ) او الى التطوير في طريقة فهم الدين ..

انهم - بكلمة - استوحوا من الظروف المحيطة افكارا واخذوا يحملونها الدين قسرا ، ويفسرون ايات الكتاب بارائهم ويحرفون كلماتها باهواءهم . وكانوا اظهر مصداق لقوله سبحانه :

« فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَآءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَآءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ الله وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلآَّ اُوْلُواْ الأَلْبَابِ » ( آل عمران / 7 )

وترى بعضهم ابتلي بالشك الجارف فاذا بفيروس الارتياب ينخر في اصول عقائده ، فأخذ يشك في الامام المنتظر - عليه السلام - زاعما ان الدليل الوحيد الذي دل على ولاية الفقية هو الحديث المسند اليه . فامعانا في فتنة نفسه وخداع ذاته اخذ ينفي وجود الامام الحجة حتى ينهار اساس ولاية الفقيه .. تلك الولاية التي اصطدم بها ونصب نفسه لتسفيهها وضرب قواعدها واسسها .

ان ولاية الفقيه ذات اسس رصينة اعمق واقوى مما ظنه هذا الفرد ، حيث ان ادلتها قائمة في كتاب الله وسنة رسوله ، كما انها تنسجم مع مجمل القيم الدينية .

ثم انه اخذ يرتاب في سائر اصول المذهب الحق ، بل بعض اصول الدين ذاته .

ان المشكلة الاولى عند من يكفر بالحق - لا فرق بين هذا الحق في اي مستوى يكون - انها تتلخص في استرساله مع هواه ، وعدم تحديه لوساوس نفسه ، فاذا به يتردد في ريبه دون ان يصل الى شاطئ اليقين ، فمثله كمثل من قال عنه ربنا سبحانه :

« فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ » ( التوبة/ 45 )

وكلمة اخيرة ؛ ان الايمان لايتجزأ ، ومن اراد ان يكفر بحق ويؤمن بآخر فانه بمثابــة مــن يكفر بالحق كله .

قال الله تعالى :

« أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَآءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِك َمِنْكُمْ إِلاَّ خِزيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ » ( البقرة / 85 )

ولاية الله ؛ لا حكم الطغاة

بالايمان يدخل المسلم حصن الولاية الالهية ، ليتقي بها شر الهوى ، ويواجه عصف الشهوات في نفسه ، وليحتمي بها من ارهاب الجبابرة ، وليحافظ على استقلاله وحريته من شر الجبت الداخلي والطاغوت الخارجي .

بينما الكافر والمشرك يختطفه الشيطان ، ويأسره الهوى ، وتضله شهوات نفسه ، ثم ترمي به رياح السلطة الى واد سحيق .

قال الله تعالى :

« الله وَلِيُّ الَّذِينَ ءَامَنُوا يُخْرِجُهُم مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ اُولئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ » ( البقرة / 257 )

وقال سبحانه :

« حُنَفَــآءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِــهِ وَمَـن يُشْــرِكْ بِالله فَكَاَنَّمَــا خَـرَّ

مِــنَ السَّمآءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْــرُ أَوْ تَهْوي بِهِ الرِّيـحُ فِي مَكَانٍ سَحِيـقٍ » ( الحج / 31 )

والعقل يهدينا الى ولاية الله ، أوليس هو الذي خلق ورزق وهدانا الى سواء السبيل ، ويستجيب دعاءنا ويسمع ندائنا وينصرنا ولا احد يجرنا منه ؟

ان التمرد على ولاية الله جعل ابليس رجيما ملعونا ، وان العصيان طرد آدم من الجنة وزوجه وكانا فيها راغدين . وان السبيل الوحيد الى الجنة يمر عبر الولاية وبالولاية ، والتي تعني التسليم لله سبحانه وتسامى النبي ابراهيم حتى جعله الله للناس اماما .

والانبياء سلموا لله ، والمؤمنون يسلمون للانبياء لانهم سلموا لله .. وقال الله سبحانه عنهم :

« وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بإِذْنِ الله وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَآءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا الله وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا الله تَوَّاباً رَحِيماً » ( النساء / 64 )

وقال تعالى :

« فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً » ( النساء / 65)

وهكذا كانت الطاعة لله وللرسول ( في الأمور الحياتية بالذات ) كما التسليم للرسول عند القضاء ، من آيات قبول ولاية الله .

وقال سبحانه وهو يصف درجة التسليم التي ينبغي ان تتوفر عند المسلم :

« وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً » ( النساء / 66 )

وانما اوتي الانبياء حق القضاء بين الناس، ووجب رد الخلافات اليهم، لانهم حملة كتاب الله ويحكمون بما انزل اليهم منه . - وبالتالي - يفصلون بين الناس بما اراهم الله من الحق . اولم يقل ربنا سبحانه لداوود ( عليه السلام ) :

« يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ الله اِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ الله لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ » ( ص / 26 )

وهكذا لم يأمر القرآن بطاعة الرسل - عليهم السلام - إلا بعد الأمر بطاعة الله ، او بعد بيان انهم ارسلوا من عند الله، او سلموا لأمر الله .

قال الله تعالى :

« إِنَّآ أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ الله وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَآءَ فَلاَ تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُوا بِايَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً » ( المائدة/ 44 )

فلأن الانبياء اسلموا لله ، فان الله جعلهم يحكمون بالتوراة .

كذلك الولاية للربانيين وكــذلك الاحــبار ، انــما هي شعبة من انبياء الله - سلام الله عليهم - ، وبالتالي من ولاية رب العالمين ، حيث يقول سبحانه في الاية السابقة :

« بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ الله ... »

فالولاية التي جعلت للاحبار انـما هي بعد توافر اربعــة شروط ؛ الفقه ( حفظ كتاب الله ) والتصدي ( وكانوا عليه شهداء ) وعدم الخوف من احد ( فلا تخشوا الناس ) وعدم بيع ايات الله لأحد ( ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ) .

وهكذا منحت لهم صلاحية الحكم بين الناس بالدين شريطة استقلالهم عن اصحاب النفوذ من اولي القوة او الثروة ، وشريطة تحليهم بالعلم والتقوى ..

وهكذا كانت الولاية لله ، وللرسل ، ولمن جعلهم الله اولياء . ولا يجوز لاحد ان يتخذ احدا وليا من دون الله . فكما لايجوز ان يعبد احد غير الله ، او يتخذ ندا له او ربا او يشرع لنفسه حكما ، كذلك لايجوز ان يتخذ من دون الله وليا ، ذلك لانه عبد الله . ومعنى العبادة لله ، هي بالضبط التسليم لله وحده عقيدة وسلوكا ، ايمانا وعملا ، في الحاكمية والسيادة ، في التشريع والتنفيذ ..

قال الله تعالى :

« إِنِ الْحُكْـــمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلآَّ إِيَّـاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ » ( يوسف / 40 )

وقال سبحانه :

« إِنَّ وَلِيِّـــيَ الله الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلّى الصَّالِحِيـــنَ » ( الاعراف / 196 )

/ 8