المقدمـة - لنکون خیر امة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

لنکون خیر امة - نسخه متنی

سید محمد تقی المدرسی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید





المقدمـة




بالرغم من تشتت المسلميـن في أقطار مختلفة، وانفصالهم عن بعضهم في بقـاع تحول بينهم حدود مصطنعة.. إلاّ ان الجميـع يشعــر في قــرارة نفسـه بأنـه ينتمـي الى أمـة واحـدة، ألا وهـي الأمـة الاسلاميـة، وتجمعهـم اواصـر مشتركـة لايمكـن انكارهــا.



ولا نبيح سراً إذا قلنا بأن هذا التشتت والانقسام انما حصل بسببين أساسيين:



السبب الأول: الجهل والتخلف، ذلك الاخطبوط الخفي الذي أخذ يمد أذرعه الى جل أفراد الأمة بطريقة أو أخرى، بحيث جعل الأمة تعيش في أحلام الماضي المجيد، مبررة تقاعسها وانتكاساتها..



السبب الثانـي: الاستعمـار، حيث ان ثـروات وامكانات الأمــة الاسلاميـة أسالت لعاب القوى الكبــرى، فراحت تتآمر على الأمة الاسلامية بخطة تلو أخرى، لاجل تحقيق مطامعها ومصالحهـا في أمتنـا.



وبادئ ذي بدء وجـدت هذه الـدول الاستعمارية أنها لم يكـن بوسعهـا السيطرة على الأمة الاسلامية مرة واحدة، لذا لجـأت الى استخدام سياسة (فرق تسد)، فعملت على تجزئة الأمـة، وتفتيت كيانهـا.



واليوم بعد ان عانت الأمة ما عانته من ويلات وانتكاسات.. حتى صارت تعيـش في الحضيض بسبب تلك الانقسامات؛ انتبـه رجـال الأمة على الواقع المـزري الذي تعيشـه الأمة، فبـادروا الى اثــارة الوعي فيهـا، يرجون من ذلك ان يعيــدوا للامـة هويتهـا الاصيلــة، وارجـاع مجدهـا ورقيهـا وسيادتهـا.



وكـان من هـؤلاء سماحة آية الله السيد محمد تقي المدرسي الذي القـى طائفـة من المحاضرات في هذا الشــأن الخطيـر. وقد بادر الأخـوة في القسم الثقافـي في مكتبه الـى تحريرها وتبــويـبهـا، لعلهــا تـثـيـر دفائـن العقـول بـإذن الله، ولتنهـض الأمــة الاسلاميــة مـن جديد وتنفض عن نفسها غبار التخلف والجهـل، ولتكسـر قيـود الاستعمـار والاستغـلال، ولتصبح أمة حـرة مستقلـة يعيـش أبناءهـا الخيــر والسعــادة، ومـا ذلك علـى اللـه بعـزيــز .




القسـم الثقافـي




في مكتب سماحة آية الله المدرسي



27 / ربيع الأول / 1417 هـ


ملامـح الأمـة الاسلاميـة




« وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَآءَ عَلى النَّاسِ فَاَقِيمُوا الصَّلاَةَ وءَاتُواْ الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاَكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ » (الحج/78)



هذه الآية الاخيرة من سورة الحج تحدد لنـا ملامح الأمة الاسلامية الواحدة التي قال عنها ربنا سبحانه وتعالى في آية أخـرى:



« إِنَّ هَذِهِ اُمَّتُكُـمْ أمــــة وَاحِـــدَةً وَأَنَـاْ رَبُّكُمْ فَاعْبُـدُونِ » (الانبياء/92)


الجهاد حصن الأمة:




ومن ضمن هذه الملامح وأبرزها الجهاد والاستعداد للتضحية في اي وقت وبأي شكل من الاشكال. فالحياة - في منطق الاسلام - ليست الدعة والراحة، وليست الاستسلام والانهزام، والتبرير والعبودية والاستغلال.. بل هي دفاع عن الذات، وتصد للصعوبات، وتحد للعقبات، ومقاومة للمحورية الذاتية، وعودة الى احضان الجماعة، واستعداد للعطاء والتضحية..



وفي هذا المجال يقول - عز من قائل -: « وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ » ؛ أي اعطوا من انفسكم، وجهودكم، وما تمتلكون في انفسكم من طاقات ومواهب، اعطوها حقها من الجهاد، وهذا التعبير (حق الجهاد) قد يعني واحدة من الفكرتين التاليتين:



1- ان جهاد الانسان المسلم ينبغي ان يكون بقدر حبه لله تبارك وتعالى، وخضوعه له، وشكره لنعمائه، وصبره على بلائه. فقبل كل شيء لابد ان يسأل الانسان نفسه: كيف يقدر الله في نفسه ؟ اي المقدار من عظمة الله الذي غمر قلبه، والمقدار من حب الله الذي استولى على نفسه، والمقدار من الخضوع والتسليم اللذين قد هيمنا على جوارحه.. وبنفس هذا المقدار يجب ان يعطي في سبيل الله عز وجل.



ومع ذلك فاننا لو اعطينا من انفسنا كل ما نملك فاننا نكون قد اعطينا القليل لرب العالمين، لانه جل وعلا أعطانا كل شيء، وهو مالك كل شيء فينا. فمإذا اعطينا - نحن - لله، وهل كنا نمتلك شيئاً لايمتلكه الله لكي نعطيه له، بل هل نحن نمتلك حتى قرار العطاء ؟! ان قرارنا بشأن العطاء والتضحية هو الآخر بتوفيق من الله تقدست اسماؤه لابد ان نشكره عليه.



2- الجهاد يتطلب من الانسان - في بعض الاحيان - عملاً روتينياً محدوداً؛ كما إذا كانت الأمة مستقرة ومستقلة، وكان الجميع يعطون من انفسهم، ففي هذه الحال يكون عطاء الانسان محدوداً بقدره، ولكن الجهاد قد يقتضي عملاً كبيراً، وعطاءً سخياً، وفي هذه الحالة ينبغي ان يكون جهاد الانسان بقدر واجبات الجهاد وعطاؤه بقدر ضرورات العطاء.



وبناء على ذلك فان الميزة الاولى للأمة الاسلامية هي انها أمة مستعدة للجهاد، والأمة التي تستعد للجهاد هي أمة مستقلة، وامة واحدة تناهض التبعية. فالجهـاد هو حصن الأمة ضد التجزئة، ومن دونه يستطيع العدو ان يفرض على الانسان سيادته وسيطرته، ومن أبرز ما يبتغيه العدو من وراء فرض سيادته على الأمة هو تجزئتها. وعلى هذا فان الجهاد هو حصن الاستقلال، وحصن الوحدة في ذات الوقت.


الأمـة المصطفاة:




ثم يقول جل وعلا: « وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ».



فالأمة الاسلامية حقاً هي أمة مصطفاة، مجتباة، اجتباها الله تعالى، واختارها لرسالته التي هي رسالة انقاذ المستضعفين في الارض. وعلى الرغم من ان الأمة مستعدة للجهاد الا ان الدين لايشكل اصراً، وعبئاً على ابناء الأمة، لانهم يتفاعلون مع تعاليم الدين تفاعل الرافد مع المنبع. فهو تفاعل عفوي ميسور الى درجة انهم عندما ينطلقون الى ساحات القتال، ويستقبلون رصاصات وقذائف العدو، ويتحملون الجوع والعطش والمشقة فانهم يستقبلون كل ذلك برضا في انفسهم، وطمأنينة وسكينة غامرتين.


الأمة الأصيلـة:




الميزة الأخرى للأمة الاسلامية انها أمة اصيلة ذات امتداد تأريخي، وقد ورثت امجادها من النبي ابراهيم عليه السلام، ذلك النبي العظيم الذي قاوم لوحده كل الانحرافات الشركية في عصره، وكان أمة قانتاً لله تعالى كما ذكر ذلك القرآن الكريم. وهكـذا الحال بالنسبة الى الأمـة الاسلاميـة التـي يقـول عـز وجـل عنهـا:



« مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا ».



فالاسلام هو ميراث النبي ابراهيم وجميع الانبياء عليهم السلام، وهذا يعني ان الاسلام لم يأت لكي ينفي ويلغي الانبياء السابقين، بل لكي يكمل الرسالات السابقة.


الأمة الشاهـدة:




الميزة الأخرى يقول عنها عز مـن قائل: « لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ ». فالأمة الاسلامية تمتلك رايـة، وما أدراك ما هذه الرايـة؛ انها رايـة رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي هو هدى وقدوة. فسيرته نور، وحياته كلها عبر ودروس. والأمة التي تمتلك شخصية كرسول الله (صلى الله عليه وآله) خاتم النبيين، وسيد المرسلين، وافضل الموجودات جميعاً.. لابد ان تكون أمة منتصرة، موحدة، عزيزة، قادرة على التحدي.



ان هذا الرجل العظيم الذي بعثه الله تعالى على فترة من الرسل، حيث كان الشرك والكفر مستوليين على جميع بقاع الارض، انبعث وحـده، وقاوم كل تيارات الانحـراف، واسس في عصره دولة اسلامية شامخة، وبنى أمة اسلامية مجيدة. وحري باتباع هـذا الرجل ان يكونوا شهداء على الأمم الأخـرى، ولذلك يقول سبحانـه:



« لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَآءَ عَلى النَّاسِ » .



فالقلب الذي يعمر بحب رسول الله، والسلوك الذي يهتدي بسيرته، والعمل الذي يتخذ منه (صلى الله عليه وآله) قدوة ينبغي ان يكــون سراجــاً منيراً، وسلوكاً حسناً، وعملاً قدوة ، ورجلاً شاهداً، وقائداً للامم.


الوحـدة عـز الأمـة:




ومن أجل الوصول الى مرحلة الشهادة والوحدة لابد من اقامة الصلاة، وايتـاء الزكـاة، كما يقول تعالى بعـد الآيات السابقـة: « فَاَقِيمُوا الصَّلاَةَ وءَاتُواْ الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ ».



فلابد من ان تتساقط كل القيم الزائفة، وتتهاوى كل الجدران التي تفصل بين ابناء الأمة، ولابد من ان تتحد النفوس والجهود، وتتوحد الأمة رغم الفوارق والحواجز.



نعم.. فالجهاد هو حصن الاستقلال، كما انه درع الوحدة. ولذلك جاء الجهاد في بداية الوحدة، وجاء الامر بالاعتصـام بالله تعالى الذي هو اعتصام بالقيادة الرشيدة، وخروج من المحوريات والاقليميات والقوميات الزائفة، وتوحيد للجهود.



ثم يقول عز من قائل: « وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاَكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ».



ليت هذه الآية تكتب في قلوبنا، وتحفر في نفوسنا، وياليتنا نتخذ منها شعاراً لتحركنا الجديد في العالم الاسلامي .



اننا نتعرض اليوم لضغط دموي عنيف من قبل الاستكبار الجاهلي. فالاستكبار لا يمكن ان يهادننا ما دمنا غير مستعدين لمهادنته، ولان المستكبرين بدؤوا يشعرون اننا بدأنا نشكل خطراً على استغلالهم للشعوب، وابتزازهم لثرواتهم.



والطريق الوحيد الآن امامنا لكي نحول هذا الخطر الى فعل وعمل هو ان نتمسك بالوحدة، ونوفر في انفسنا ملامح الأمة الاسلامية الواحدة التي ذكرها القرآن الكريم في الآيات الكريمة السابقة، لان هذه الملامح هي التي تجعل منا كياناً مستقلاً مرهوب الجانب، وقادراً على افشال المؤامرات الاستكبارية ضده.. بل وقادراً على توجيه الضربة المهلكة الماحقة ضد الدوائر الاستكبارية في العالم، سواء تمثلت في الاستكبار نفسه ام في عملاء الاستكبار وأذنابه.



فلنعمل، ونبذل الجهود من أجل ان نكون أمة واحدة قادرة على العيش باستقلال، ولنوفر في انفسنا المزايا والخصائص السابقة التي هي الضمانة الوحيدة لحريتنا، وكرامتنا، واستقلالنا عن مخططات ومؤامرات الاستكبار العالمي.


معالم الأمة المقتـدرة




الأمة المقتدرة لاتمثل أفرداً منقسمين على انفسهم، بل هي مجموعة من الافراد يدعم بعضهم بعضاً، ويسعون جميعهم من أجل هدف مشترك واحد. وعندما تكون الأمة سائرة على الطريق الصحيح فان افرادها سيضعون في كل يوم حجراً جديداً على بنائهم، ومع مرور الزمن يتحول هذا البناء الى صرح شامخ.



العدل قوام الحيـاة:



والقرآن الكريم يريد منا ان نكون أمة متعاونة فيما بينها تبني وتتقدم، وهو يبين قواعد بناء هذه الأمة، وكيف تصبح قوية مقتدرة، وذلك من خلال تقديم توجيهات يقف العدل في مقدمتها، والذي يمثل الطرف الآخر للحق. فالعدل هو العمل بالحق، وان نعطي لكل انسان حقه، إلاّ انه لايعني المساواة دائماً، لانها قد تسبب الظلم كما إذا ساوينا بين المحسن والمسيء. فالمفهوم الحقيقي للعدل ان نعطي لكل ذي حق حقه كما أمر به الله، وكما تقتضيه الفطرة الانسانية.



والعدل هو قوام الحياة، والمجتمع الذي يقوم على اساس العدل هو مجتمع منسجم مع سنن الله في الكون. ونحن إذا أردنا ان نضرب مثلاً من عالمنا اليوم، فاننا نرى ان المجتمع البشري يقوم على اساس الظلم. فهناك اقلية تعيش افضل عيش، وتتمتع بكل متع الحياة، وتمتلك اكثر من ثلثي خيرات هذه الارض.. في حين ان الاغلبية الساحقة تعيش حالة الفقر، والحرمان..



وهكذا فان الظواهر تـدل اليوم على ان العالم لايسير باتجاه العدل، ولذلك نرى ان مشاكله في حالة ازدياد مستمر. والحل الوحيد امام البشريـة، هو انها إذا ارادت ان تعيش الراحة والسعادة بعيداً عن الحروب والمشاكل، فلا بد لها من ان تعيش تحت راية العدل الالهـي. وهذا الحكم كما ينطبق على البشرية ككل، فانه يصدق ايضاً على أي تجمع آخر مهما كان صغيراً. فنحن إذا اردنا ان نبنــي مجتمعـاً منسجمـاً وموحداً، فلابد من ان نقيمه على اساس العدالة، وان يكون حق كل انسان محفوظـاً.



وبناء على ذلك فان العدل هو اساس الحضارة؛ أي ان قوتها تكمن في العـدل، وضعفها ناجم من الظلم الذي يؤدي الى انهيارها عاجلاً ام آجلاً.


معالم الأمة المقتـدرة:




وفي مجال العدل والاحسان يقول عز من قائل: « إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ » (النحل/90).



والملاحظ انه - تعالى - قد ذكر هنا مفهومين هما؛ العدل والاحسان. فمستوى العدل ان تعطي الآخرين حقوقهم دون زيادة او نقصان، اما الاحسان فهو ان تعطيهم زيادة في حقهم بعد ان تأخذ من حقك.



ثم يقول سبحانه مشيـراً الى مفهوم آخر: « وَإِيتَآءِ ذِي الْقُرْبَى » (النحل/90).



فالتجمع الاول والاساس هو تجمع الاسرة، والمجتمع الذي يعيش التهرؤ والاختلاف لايرجى له التقدم. وبناء على ذلك فان اول ما يجب علينا ان نقوم به، هو ان ننظم العلاقة العادلة بين اعضاء الاسرة الواحدة، ثم ننقل هذه العدالة الى المجتمع الكبير. فايتاء ذي القربـى يعني ان تكون أيدينا مفتوحـة ازاء من تربطنا بـه علاقــة القرابــة، وهذا مستوى أعلى من العدل، وأسمى من الاحســان.



ثم تتوالى بعد ذلك الارشادات القرآنية فيقول تعالى: « وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَآءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْي » (النحل/90).



والفحشاء هي ان لا يلتزم الانسان بالعدالة بالنسبة الى نفسه، فهو لايعيش حالة التوازن في نفسه كانسان.



وعلى هذا فان تنظيم الحياة يقابل الفحشاء، والعدل في حياة الانسان هو ان يصوغ حياته على ضوء الأوامر الالهية فيعطي كل جانب من حياته، وكل بعد من ابعاد وجوده حقه. اما المنكر فيعني ان يتجاوز الانسان في الظلم نفسه ليسلب حقوق الآخريـن، ويعتدي عليهم. وقد نهى الله سبحانه وتعالى عن البغي، والعدوان على الآخرين.



فلنأخـذ بنظر الاعتبار هذا النظام الاجتماعي القائم على اساس العدل، والاحسان، وإيتاء ذي القربى؛ ولنحذر أشد الحذر من الظلم، والفوضى، وقيام المجتمع على اساس الفحشاء والمنكر والبغـي.



ثم يعلق سبحانه على تلك الارشادات قائلاً: «ِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ » (النحل/90).



أي ان تلك الارشادات تمثل أموراً فطرية. فالله عز وجل اودع في قلب الانسان نوراً يعرف به ان العدل والاحسان والاهتمام بذوي القربى هي صفات اخلاقية حسنة، ولكن الانسان



بحاجة الى من يذكره.



ومن ثم جاء في السياق القرآني الكريم: « وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا » (النحل/91(.



فنحن يجب ان نبني علاقتنا مع الآخرين على اساس كلمة الشرف. فعلينا -إذن - ان نفي بالعهد، وان تكون كلمة الشرف هي محور علاقاتنا مع الآخرين، لكي نستطيع ان نحافظ على وحدتنا وتماسكنا.



معيار الحسـن والقبـح:



وفي هذا المجال علينا ان نسأل انفسنا: ماهو الأحسن، وما هو معيار الحسن والقبح لدينا ؟



وللاجابة على هذا السؤال نقول: ان المقياس الرئيسي للحسن في مجال العلاقات الاجتماعي ان يكون دوري في التجمع الذي انتمي اليه اكثر من غيري. فليس من الصحيح ان يرى الواحد منا ان تجمعه لايعطيه حقه فيبدأ بنقضه بطريقة او بأخرى لكي يبنيه من جديد حسب تفكيره، فيكون حاله كحال تلك المرأة الخرقاء التي يحدثنا عنها القرآن الكريم قائلاً: « وَلاَ تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً » (النحل/92).



ثم يقول تعالى: «... تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أمة هِيَ أَرْبَى مِنْ أمة » (النحل/92).



أي ان التجمع الذي لايفي بعهده، فانه في الحقيقة لايفي باليمين الذي قطعه على نفسه، فيخشى ان يصبح الشخص الفلاني قائداً له، ويفكر كل واحد في ان يصبح هو القائد، فيعمد بذلك الى هدم البناء.



وعلينا ان نحذر في هذا المجال من ان نجعل لانفسنا قالباً ثم نطلب من الآخرين ان يدخلوا فيه. فالله سبحانه وتعالى يقول محذراً من هذا السلوك السلبي: « وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أمة وَاحِدَةً وَلَكِن يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ وَلَتُسْاَلُنَّ عَمَّا كُنتُم تَعْمَلُونَ » (النحل/93).



فليس من واجبي ان احاسب الناس على ما في ضمائرهم، ونحن امامنا وظائف شرعية محددة من قبل الشرع المقدس علينا ان نلتزم بها. وهذا هو الطريق الوحيد للقضاء على الاختلافات.


عناصر القوة في الأمـم




ترى ماهي الحياة، وما هي أبرز ميزاتها ؟



للجواب على هذا التساؤل المهم نضرب مثلاً علّنا نفهم من خلاله حقيقة الحياة، وحقيقة الأمة الحية. لو أخذنا بذرة صغيرة، ودسسناها في التراب، ثم تابعنا تطوراتها فسنجد انها سرعان ما تبدأ بالتحرك لتجمع من حولها ما يفيدها في عملية النمو، وتتجنب مالا ينفعها. فتمتص من الماء قدراً محدوداً، ومن املاح الارض كذلك، ومن اشعة الشمس مقداراً مناسباً، وهكذا حتى تستوي شجرة باسقة، وافرة الظلال، يانعة الثمار...



الأمم الحية تنمو باستمرار:



ومثل الحياة كمثل هذه البذرة، فحينما تدب الحياة في الأمة تدرك هذه الأمة انها يجب ان تنمو في اطار تطلعاتها المستقبلية لكي تصبح قوية مقتدرة. فمن طبيعة الأمم المقدامة التي تتطلع دوما الى التقدم والحضارة، انها تهدف في الاساس الى النمو المستمر، والانتشار الواسع. وهي حينما تضع هذا الهدف نصب عينيها، فانها تبدأ عادة بالبحث عما ينفعها لتستثمره، وعما يضرها لتتجنبه.



وعلى سبيل المثال فانها تتوجه الى التأريخ لتأخذ منه ما يفيدها، وتترك ما يضرها. ففي التأريخ ايجابيات وسلبيات؛ ففيه سيرة الانبياء والصالحين، كما ان فيه ايضاً صور الطغاة المجرمين من امثال فرعون وهامان ونمرود وغيرهم ممن قتلوا النماذج الخيرة، وعاثوا في الارض الفساد.



وان النظرة الواقعية والموضوعية للتأريخ تمكننا من ان نميز بين الجوانب السلبية فيه، وبين الجوانب الايجابية. فنحن نتعمق مثلاً في التأريخ لنفتش عن لحظة من اللحظات المشرقة فيه، كلحظة عاشوراء - مثلاً - فنقف عندها طويلاً، متأملين فصولها بدقة. فنلاحظ في دائرة عاشوراء كلمات وشعارات قد اطلقت من جانب معسكر الامام الحسين (عليه السلام) وأخرى من جانب معسكر يزيد. إلاّ أن كلمات معدودة ظلت تدوّي في عالمنا، وتسري في عروق الاجيال؛ من مثل كلمة (هيهات منا الذلة) التي صرح بها الامام ابو عبد الله الحسين (عليه السلام)...


كلمات تبنـي:




ولاشك فان الكلمات التي ترسم منهاج البناء والحضارة هي التي خلدت، والامة الحية هي التي تبحث عن هذه الكلمات والمواقف والمناهج التي تمثل الجوانب الايجابية من التأريخ، والتي تسهم في صناعة الحضارة. وفي مقابل ذلك نرى الأمة التي تعيش الهزيمة والانتكاس تبحث دوماً عن الجوانب السلبية من التأريخ، ولذلك نرى انها لاتنفصل عن واقعها المر.



وبالاضافة الى ذلك فان الأمة الحية في حالة بحث دائم عن الجوانب الايجابية في أية حضارة، لتطور هذه الجوانب في ذاتها، من أجل بلوغ أعلى مرتبة في التقدم والازدهار. هذا في حين اننا نرى الأمة المنهزمة داخلياً تقتبس من الحضارات الأخرى الجوانب الهامشية العديمة الجدوى.



الانبهـار آفة الاقتبـاس:



وفي هذا الاطار راح البعض ينبهر بكل ما يصدر عن الرجل الاجنبي دون ان يعي ويميز بين الضار والنافع منه، حتى وصل الأمر بالبعض الى انه يصغي لأية كلمـة منقولة عن الغربيين وكأنهــا الوحـي، بينما لا يعيــر أي اهتمام يذكر لقول يذكـر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو عن الأئمة الطاهريـن (عليهم السلام).



ان مثل هؤلاء انبهروا بالظاهر، ولم يعوا المحتوى بالشكل المطلــوب، ولذلك فانهم سيظلــون يعيشون الخواء. في حين ان الأمـة الحيـة تبحث دائماً عن المحتـوى، والحكمـة، وقد جـاء في الحديث الشريف عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): " الحكمة ضالة المؤمن يأخذها حيث وجدها". ([1]) وكذلك عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال:".. والحكمة ضالة المؤمن فليطلبها ولو في أيدي أهل الشر". ([2])


الاقتباس الايجابـي:




لقد جاب المسلمون الاوائل الآفاق بحثاً عن آخر التطورات العلمية في الجانب الايجابي، وكان لذلك اثر بليغ في بناء حضارتهم التليدة. فلا يخفى ان قوة الحضارة الاسلامية انما جاءت في أحد فصولها نتيجة لاستيعابها سائر الحضارات، والاستفادة منها. والحضارة الاوربية هي الأخرى عمدت الى الانتفاع من الحضارات الأخرى، وخصوصاً الحضارة الاسلامية من خلال جمع أكبر قدر ممكن من تراثها الثقافي والفكري والعلمي وفي كافة المجالات. وفي هذا الصدد يذكر ان في المكتبات الغربية المعروفة ما يقرب من الفي كتاب ورسالة منسوبة الى جابر بن حيان الكوفي والتي كانت من إملاء الامام الصادق (عليه السلام)، علماً ان مكتبات العالم الاسلامي لاتملك من هذه المجموعة النفيسة سوى مائة كتاب؛ وكل ذلك يكشف لنا عن حقيقة، ان الحضارة الغربية قامت على اساس ايجابيات الحضارات الأخرى.



ومن كل ذلك نستنتج ان تقدم الأمم ورقيها نابعان من تتبعها لقضايا العالم المحيط بها من منظار ايجابي، ولذلك ينبغي علينا إذا ما اردنا ان نسمو في سماء الحضارة ان نكافح الجوانب السلبية في حياتنا، وان نأخذ بكل الجوانب الايجابية من حولنا، وان نبادر الى الابداع.



لنحذر التقليد الأعمـى:



ويقف التقليد الاعمى على رأس الجوانب السلبية التي يجدر بنا ان نتخلص منها، إذا أصبح البعض يتهرب من كل ابداع بحجة ان مسيرته قائمة على تقليد الآخرين في كل شيء. فهناك - مثلاً - من يقلد التراث، في حين اننا لابد ان نعرف ان في التراث ايجابيات وسلبيات. لذلك ينبغي ان لا تكون علاقتنا بالتراث في حدود التقديس، وانما بحدود الاهتمام بالقضايا الايجابية. فعلينا ان نأخذ من الآخرين الأمور التي تفيدنا في بناء كياننـا الحضاري، دون ان نقلدهم في نظرياتهم وسلوكياتهم بلا



أدنـى تفحـص وادراك.


خبراء مقلّـدون !




لقد اثبتت بعض النظريات المعروفة في العالم فشلها، إلاّ أن قسماً من مجتمعاتنا ما يزال مصراً على السير وفق منهجها بحجة انها اثبتت نجاحها سابقاً، او انها ما زالت تعيش في اجواء دعاية النجاح. وان مما يؤسف له هو ان اكثر خبراءنا ماهم إلاّ مجموعة من المقلدين، ذلك لاننا لم نسع الى بناء الحضارة، ولم نقم بحركة ذاتية داخلية تقودنا نحو التقدم، وانما اعتمدنا على كل ماهو جاهز. فكانت النتيجة ان تحولت عقليتنا الى عقلية انبهار اما بالاولين، واما بالآخرين ممن يعاصروننا.



ونحن لانستطيع ان نتجاوز هذه المشكلة إلاّ من خلال تجاوز الاطر الضيقة التي حكمنا على انفسنا بالعيش في داخلها، الى الانطلاق والابداع.



وثمة التفاتة مهمة هنا تجدر الاشارة اليها، وهي ان الابداع شيء، والبدعة شيء آخر. فالبدعة تعني تغيير الدين والقيم الثابتة، اما الابداع فيعني التطوير. فمن أجل تطبيق القوانين فاننا بحاجة الى تطور، وفهم عقلي. والقرآن الكريم يحثنا على الأخذ بالأحسن من الأمور عندما يأمرنا قائلاً: « فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ » (الزمر/ 17-18).



التجربة الاوربية في مضمار الحضـارة:



وعلى سبيل المثال فان أوروبا كانت تعيش في احد عصورها حالة الانقسامات الداخلية، حيث كانت الامارات الاقطاعية هي الحاكمة. فكانت في ايطاليا وحدها خمسمائة حكومة، وكانت هذه الاوضاع سبباً في انتشار الحروب والاعتداءات، حتى ابتدع رجالها فكرة القومية، فتمكنوا بذلك من القضاء على كثير من الانقسامات من خلال بث الروح الوطنية، والالتحام ببعض لتشكيل دولة كبيرة.



ونتيجة للتطورات، ودفعاً للمشكلات والازمات بادر الأوربيون الى تشكيل السوق الأوربية المشتركة، ثم الاتحاد الأوروبي كخطوة متقدمــة للتأليف بين البلــدان الأوروبية المقبلـة خلال الاعوام القادمة على تأسيس (الولايات المتحدة الأوربيــة).



وهكذا فان الدول الاوربية تجاوزت مرحلة القومية والوطنية، ومن قبل ذلك تجاوزت مرحلة الاقطاع، وهي الآن مقبلة على تشكيل دولة موحدة كبيرة. اما نحن فمازلنا متمسكين حتى الآن بتقسيماتنا القديمة؛ فكل قطعة ارض لها حكم وعلم. فالى متى نبقى على هذا الحال دون ان نفكر في ان نوظف قوتنا الابداعية لتصحيح هذه الاوضاع المغلوطة ؟!



سنن التحضر في القـرآن:



لقد ربط القرآن الكريم في اكثر من آية بين حقيقة الهدى والضلال، وبين القضايا المعنوية والامثلة الحياتية، كقوله تعالى: « وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ اِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ » (فاطر / 9).



فهناك - إذن - سنة الهية؛ فإذا ماتت الارض بعث الله تعالى اليها بالسحب، لتنزل عليها الغيث ليكون وسيلة لاحيائها.



ثم يتطرق القرآن الكريم الى الحديث عن قضية الأمة، ويبين لنا كيف يمكنها ان تعيش في دائرة العز، وذلك في قوله تعالى: « مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً اِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ » (فاطر / 10).



فالعزة لاتكمن في سلطان الغرب او الشرق، بل ان العزة الحقيقية لله عز وجل. وطريق العزة يتمثل في الكلمة الطيبة، الناهضة، الايجابية التي تبعث على الحركة والحيوية.



العمل الصالح مقياس التقـدم:



هذا من جهة، ومن جهة أخرى فان العمل الصالح هو المقياس الحقيقي للتقدم والتطور وتحقيق الحضارة.



يقول الله تعالى: « وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ » (فاطر / 10).



فالذين يعيشون الجانب السلبي دائماً، لايمكن ان يفلحوا في حياتهم ابداً، بل انهم يعيشون الانتكاسة تلو الأخرى حتى تؤول نهايتهم الى العذاب الشديد.



ومرة أخرى يعود القرآن ليحدثنا عن الحياة، والسنن الثابتة التي اودعها الله سبحانه فيها، والتي لايمكن ان تتغير. فيقول عز من قائل: « وَاللَّهُ خَلَقَكُم مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلاَ تَضَعُ اِلاَّ بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ اِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ » (فاطر / 11).



ومن كل ذلك نستنتج ان المجتمع يجب ان يتحرك ويتطلع الى الامام، ويبحث عن عناصر القوة في تأريخه، وعن نقاط القوة في الحضارات الأخرى ليصنع من هذه العناصر والنقاط قوة ذاتية يتحرك بها نحو الامام.


عوامل نهـوض الأمـم




لكل شيء ظاهر وجوهر، وهذه قاعدة تنطبق على جميع المظاهـر والكائنات في هذا الوجود. والأمم ليست مستثناة من هذه القاعـدة، فلكل أمة مظهرها البادي للعيان وجوهرها الباطن. ومظاهر الأمم هي هذه التي نشاهدها، ونسمع بها من مثل الثروات الطائلـة، والجيوش الجرارة، والاعلام الضخم، والاقتصاد المزدهر والعقود والاتفاقيات والتحالفات المختلفة وما الى ذلك من المظاهر البارزة.



ولكن ماذا عن الجواهر، وكيف تتسنى لنا معرفة حقيقة المجتمعات والأمـم، وكيف نستطيع تحديد مسار حـركة هذه الأمم والمجتمعات، وهل ان مصيرها متوقف على تلك المظاهــر ؟؟



هنا يجيبنا القرآن الكريم، فيحدد جوهر الأمم، والقوة الحقيقية الفاعلة في داخلها، لا ما نلحظه من مظاهر القوى.



مقاييس جوهر الأمـم:



والمخبر الحقيقي للأمم يتحدد طبقاً لما صرح به كتاب الله العزيز في مجموعة مفردات هي:



1- الايمان؛ والمراد بالايمان تسليم القلب للرب. فمادام الرب تعالى هو الحق، فان الايمان يعني ايضاً تسليم القلب للحق، وتفاعله مع حقائق الكون الجوهرية الناصعة. فالبعض يزعم ان الايمان هو مجرد ترديد اللسان لعبارة التوحيد، في حين انه أبعد من ذلك وأعظم. فالايمان يعني ان يلج نور عظيم الى قلبك فيهتدي به الى عالم الحقائق الساطعة، وان تؤمن اولاً بالله جل وعلا. علماً ان دليل هذا الايمان هو الايمان برسالاته، وشرائعه، واحكامه، ومن ثم التسليم، والعمل بتلك الشرائع والاحكام الالهية، لان التنفيذ والعمل هما دليل حصول التسليم.



والتسليم يعني ان نؤدي ونقيم ما أمرنا الله سبحانه به عن طريق كتبه ورسالاته، اداءاً واقامة كاملة. وفي هذا المعنى يقول أمير المؤمنين علي (عليه السلام): " لانسبن الاسلام نسبة لاينسبه أحد قبلي ولا ينسبه أحد بعدي إلاّ بمثل ذلك: ان الاسلام هو التسليم والتسليم هو اليقين، واليقين هو التصديق، والتصديق هو الاقرار، والاقرار هو العمل، والعمل هو الأداء. ([3]) أي ان تسلّم بقلبك، وتصدّق بلسانك، وتؤدّي بجوارحك.



وفي الحقيقة فان هذه الكلمة مستوحاة من حديث امامنا الصادق (عليه السلام) الذي يقول فيه: " الايمان اقرار باللسان، وعقد بالقلب، وعمل بالاركان "، ([4]) وفي حديث آخر يقول نبينــا الأعظـم (صلى الله عليه وآلـه) : " ليس الايمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكنّ الايمان ما خلــص في القلب وصدّقه الاعمـال ".([5])



ولذلك نجد ان المؤمنين بالمعنى الذي اتضح لنا يمثلون قلة في المجتمع، والقرآن الكريم يؤكد على هذا الواقع الاجتماعي في قوله: « وَمَآ أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ » (يوسف/103).



وبناء على ذلك فان الايمان ليس مجرد كلمة تنطق وحسب، فالايمان هذا المستوى الرفيع الراقي من الانسانية بحاجة الى مسيرة كاملة. وعلى سبيل المثال فان النبي ابراهيم الخليل (عليه السلام) لم يتحول الى انسان مؤمن إلاّ بعد ان اجتاز طريقاً طويلاً وصعباً، ولذلك فان الله عز وجل عندما يثني على انبيائه ورسله فانه يصفهم بالصلاح والعبوديـة، فيقول تعالى عن كل منهم : « وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَآ إِنَّهُم مِنَ الصَّالِحِينَ » (الانبياء/86). أي ان هذا الانسان الذي حُمِّل عبىء النبوة قد سما وارتقى حتى بلغ مابلغ من الصلاح والايمان والعبودية لله تعالى.



ولذلك لم يكن الصلاح والايمان بالسهولة التي نتصورها، فهما يمثلان قمة الكمال السامقة التي لايصل اليها إلاّ القلة من الناس. وإذا فرضنا ان البعض منهم بلغ مبلغ الايمان، فانه سرعان ما يتهاوى - في الغالب - عن تلك القمة إلاّ القليل ممن أنعم الله تعالى عليهم، ولذلك فقد قال سبحانه: « وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ » (سبأ/13(.



وهذا هو ديدن القرآن، فليست فيه اشارة ايجابية الى الكثرة. فهو لايتحدث عن الأكثرية عندما يطري ويمدح، بل يشير الى القلة القليلة. فهو عندما يشير الى الأكثرية فان إشارته هذه هي في الغالب إشارة سلبية كقوله تعالى: « وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِ كَارِهُونَ » (المؤمنون/70).



والسبب في ذلك نجده ونلمسه في الواقع الاجتماعي المعاش، وهو يشمل جميع أصعدة الحياة من حيث سلم الرقي في كل صعيد. فالذين يبلغون قمم العلم، سواء على صعيد العقيدة او العلوم الطبيعية والانسانية المختلفة، ربما لايتجاوزون عدد الاصابع في المجتمعات الانسانية المختلفة.



وهذه هي سمة سائدة في الوجود والحياة، فالاشياء الثمينة والمفضلة يتّصف وجودها بالندرة والقلة.



2- الالتزام المسؤول؛ اي التصدي للمسؤولية، وهو مانقرأ الاشارة اليه في السياق القرآني الكريم الذي يقول: « تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ » (آل عمران/110(.



فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليسا فريضتين منفصلتين عن الايمان، بل هما ملازمتان له. فالانسان المؤمن لايكتفي ان يكون مؤمناً في حدود ذاته وحسب فيركن الى الراحة والجلوس دون ان يكون له شأن بغيره من اخوته.



كلا.. ان الانسان المؤمن هو طاقة متفجرة وتحركه من اجل دعوة الناس الى الايمان والصلاح فلا يهدأ، ولايقر له قرار حتى يبلغ ما بلغه من الايمان، وما اعتقده من عقيدة لغيره في مجتمعه او المجتمعات الأخرى.. ذلك لان قلبه متوهج بالايمان، وهو بطبيعته يمثل كتلة متفجرة تشع ضياء وحرارة أينما وضعتها، فكيف به إذا رأى واقعاً فاسداً متردياً ؟



وعلى هذا فان التصدي للمسؤولية، وتحمل اعبائها هما السمة الثانية من سمات ابناء الأمة الفاعلة، وإذا فقدت هذه السمة فان الأمة ستصاب بما يعرضها للهزيمة والدمار والاندثار. فالامة التي تفقد الايمان والروح المسؤولة تصاب بنقص المناعة الذاتية، فتكون عرضة للانهيار والسقوط لأدنى مشكلة او عارض خارجي يداهم كيانها.



والقرآن الكريم يوضح في صريح آياته هذين الشرطين الاساسيين لفاعلية وتقدم الأمة ورقيها نحو الكمال، ومن ذلك يتبين ان المجتمع المؤمن هو ذلك المجتمع الفاعل المتكامل المتحدي والقادر على مقاومة الهزات ومجابهة العواصف. ولكي يكون كذلك لابد له من الايمان الحقيقي بالله تعالى، ورسالاته، وسننه الكونية، والتصدي للمسؤولية، كما يقول الحديث الشريف: " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ".



والامة التي تفتقر الى هاتين الخصوصيتين الاساسيتين لابد لها من ان تنتظر النهاية الذليلة المخزية لها، فتصبح متمزفة متفرقة ينهبها ويسرقها كل من هب ودب، وإن كانت في ظاهرها قوية متينة. والقرآن الكريم يعاتب هذه الأمة ويدعوها الى الايمان والصلاح بعد ان يشير الى سيرتها الأولى في قوله:



« كُنْتُمْ خَيْرَ أمة اُخْرِجَتْ لِلْنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ... » (آل عمران/110).



ثم يشير القرآن بعد ذلك الى اهل الكتاب، ويؤكد لهم ضرورة



الايمان بالرسالات واستمرارها في قوله:



« وَلَوْ ءَامَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرَهُمُ الْفَاسِقُونَ » (آل عمران/110).



فهؤلاء عندما نزل عليهم الكتاب، وعرضت عليهم الرسالة لم يكونوا قد ارتقوا الى مستواهما. فالذين يوفقون للوصول الى هذا المستوى من الايمان والرقي، انما ينالون ذلك عندما يتفاعلون قلباً وروحاً مع الداعي الى الله تعالى، كأن يكون قرآناً، او حديثاً شريفاً، او كلاماً لعالم. وعلى سبيل المثال فان الواحد منهم عندما يحضر درساً في التفسير، فانه لايفهم هذا التفسير عند حدود الدرس فحسب، بل انه يتوسع أكثر من المفسر نفسه.



ومثل هؤلاء -كما سبقت الاشارة - يمثلون فئة قليلة في المجتمع، وفي الآية الكريمة تأكيد لهذة الحقيقة.



ثم يستمر السياق القرآني ليتحدث عن اثر الفاسقين على المؤمنين في المجتمع، فينفي ان يكون لهم ضرر إلاّ في اطار الاذى. فهم لايستطيعون ان يؤثروا على نفوس المؤمنين وقلوبهم، ولايمكن ان ينالوا من ايمانهم؛ اللهم إلاّ مايصيب المؤمنين من الاذى بسببهم كما يؤكد ذلك سبحانه في قولـه: « لَن يَضُرُّوكُمْ إِلآَّ أَذىً وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنْصَرُونَ » (آل عمران/111).



فالامة الملتزمة المؤمنة بكتاب الله ورسالاته لا ريب انها ستهزم الأمة الفاسقة، فلا بد من ان يكتب الذل والمسكنة على الفاسقين في الدنيا قبل الآخرة.



وحالة الذلة والمسكنة هذه تستتبع عادة التبعية والخضوع والعبودية للغير. فالذين تضرب عليهم الذلة والمسكنة يغدون اذلاء اينما ولوا وجوههم ماداموا لايؤمنون برسالات الله تبارك وتعالى، ولايعملون بمسؤولياتهم الايمانية، ولذلك يقول عز من قائل عن اليهود:



« ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلاَّ بِحَبْلٍ مِنَ اللّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَآءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ المَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِاَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِاَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ اْلأنْبِيَآءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ » (آل عمران/112).



والكفران هنا يتمثل في انهم لم يؤمنوا بالرسالات السماوية، حيث حرفوا التوراة ولم يؤمنوا بالانجيل، ومن ثم رفضوا القرآن ورسالة الرسول الخاتم (صلى الله عليه وآله) وراحوا يحاربونها، ويبذلون الأموال الطائلة من اجل هذه المحاربة، والتآمر عليها. فهم يشاهدون الحقائق التاريخية بام اعينهم لكنهم ينكرونها، ويقتلون الدعاة اليها من الانبياء ظلماً وعدواناً. وهذا هو ديدنهم مع الرسالات الالهية، إلاّ فئة قليلــة للغايــة منهم يعبر عنها القرآن


الكريم بالامة القائمة، فيبين تعالى بعد الاستثناء:




« لَيْسُوا سَوَآءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أمة قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ ءَايَاتِ اللَّهِ ءَانَآءَ اللّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ » (آل عمران/113).



ففي هذا المجتمع المنحط، والامة الفاسدة توجد مجموعة صغيرة صالحة تتلوا القرآن في جوف الليل، وتسجد لله تعالى شكراً له، وهؤلاء مؤمنون يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر. والله جل جلاله عندما ينزل العذاب على أمة كافرة فاسدة فان هذا العذاب لايشمل القلة الصالحة فيهم.



ومن هنا يتبين لنا ان المسؤولية ذات اطارين هما؛ المسؤولية في اطار الأمة، والمسؤولية في اطار الفرد. وهذا يعني ان المسؤولية لاتسقط عن الفرد كفرد ان تنصلت الغالبية في المجتمع عن حمل اعباء المسؤولية. فليس للانسان ان ينحرف بذريعة ان الأمة سائرة في سبيل الانحراف والاعوجاج، فلابد للفرد من ان يتحمل مسؤوليته وان تملص المجتمع من حمل اعباء المسؤولية الجماعية. فكلا المسؤوليتان قائمتان، ولكن انعدام احداهما لايعني بالضرورة انعدام الأخرى.



فليصلح الانسان نفسه، وليتحمل ويؤد مسؤولياته، والله سبحانه وتعالى يتكفل بدوره بانقاذه مما يصيب المجتمع والامة الفاسدة من عواقب فسادها. وعلى سبيل المثال فان نوحاً (عليه السلام) واتباعه لم يشملهم الطوفان، فنجوا بسفينتهم، وورثوا الارض بعد ان غرقت كلها، وهلك الكافرون والعصاة بسبب ذلك الطوفــان العظيـم. فالله تقدست اسماؤه يأخذ المذنب فقط حين العذاب والانتقام، اما الانسان المؤمن فلابد من ان يجد لنفسه مخرجـاً وسبيـلاً يقيـه شـر العذاب، وهو ذلك المؤمن الحقيقي الذي يتحمل مسؤولياته، ويعمل بها كما يقول تعالى: « يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ » (آل عمران/114).



ثم يمضـي السياق ليؤكد على حقيقة الجزاء بالاعمال بما يلــي: « وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْــرٍ فَلَن يُكْفَرُوهُ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالمُتَّقِيــنَ » (آل عمران/115).



فالله سبحانه لايضيع عنده عمل عامل؛ فالذي يفعل الخير والصالحات - سواء عاش في مجتمع صالح او طالح - فانه سيجد ثوابه كاملاً عند الله، وينال جزاء عمله دون ان يضيع أجره. فهو سبحانه أعلم بالمتقين الذين يستقيمون، ويثبتون على طول الخط، ولا يسقطهم الانحراف والفساد الاجتماعيان، وهذه سنة الهية ثابتـة.



ومن ذلك كله نستشف حقيقة ان الانسان المؤمن - كفرد -



بامكانه ان يترك من خلال تحمل مسؤولياته أثره في الفعل الاجتماعي، والمسار التاريخي للامة، وبامكانه ان يصبح بمفرده أمـة. فعليه - إذن - ان يعرف قدر نفسه، وقيمتها ليسمو بها في سلم الكمال والرفعة. فليعرف كل منا قيمة نفسه بما آتاه الله سبحانه، لا بما يقوله الناس. فالنبي او الولي او العالم او الرسالي المجاهد لاينقص من قدره ما يقوله الناس عنه من الكلام الساخر الذي يحاولون من خلاله النيل من شخصيته.



وعلى سبيل المثال فان المشركين من اهل مكة وجهوا الى النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) في خلال سني الدعوة الاولى مختلف النعوت والاتهامات الظالمة، ولكن ذلك لم يكن لينال من شخصيته (صلى الله عليه وآله) قيد انملة، ولم يترك اثره عليه في زعزعة ارادته وثباته واستقامته على الطريق الرسالي، بل كان يزيده اصراراً على المضي والاستمرار في دعوته. فلقد نعتوه مرّة بانه ساحر، وأخرى بانه شاعر، ومجنون.. ولكن اين صاروا هم، واين صارت نعوتهم، ثم الى اي مستوى بلغه (صلى الله عليه وآله) من العلو والمجد، والى اي مدى وآفاق بلغ نور دعوته ؟؟ ويكفيه فخراً انه (صلى الله عليه وآله) كلما ذكر اسمه المبارك وجبت الصلاة عليه وعلى آله، ولو كان قد ابه بكلام الناس ولغوهم لكان قد ركن الى زاوية في بيته، وترك الدعوة واعباءها، ولما نال تلك المنزلة الرفيعة، والتجليل العظيم في قلب كل انسان مؤمن.



وأنت أيها المؤمن قد آمنت عندما اتصلت بالقرآن، واستوحيت من الوحي الالهي، وتمسكت بهذا الحبل المتين؛ اي القرآن الذي هو حبل ممدود بين الله سبحانه وبين عباده المؤمنين، فهل وجدت أفضل من التمسك والالتزام به ؟



ان الانسان إذا ما ازداد تمسكه وثباته واستقامته على الطريق الالهي، فانه سيظل يرتقي حتى يبلغ تلك الدرجة العظيمة التي يرسمها لنا الحديث القدسي المعروف: " عبدي اطعني اجعلك مثلي، أنا حي لا أموت، أجعلك حياً لا تموت، أنا غنياً لا أفتقر، أجعلك غنياً لا تفتقر، أنا مهما أشاء يكون، أجعلك مهما تشاء يكون ". ([6])



ومن هنا لابد من ان نعرف وندرك مسؤولياتنا كافراد، فضلاً عنها كتجمعات وتنظيمات وحركات على صعيد الأمة.


السبيل الى النهوض:




فلابـد - إذن - من ان يكون هناك سبيل للنهوض بالامة، وهـو ما نجده من خلال النهوض بذات الفرد مادام جزء لايتجـزأ



من الأمة، فكيف - يا ترى - يتم هذا النهوض ؟



للاجابة على هذا السؤال نقول انه يتم من خلال توفير ثلاثة شروط هي:


1- التكامل الروحي:




فكل انسان مؤمن يحتاج لبناء شخصيته الايمانية الى التكامل، والتكامل هو ان يبلغ الواحد منا قمة التسامي التي توصله الى الجنة مادام هدف المؤمن هو رضا الله تعالى، والخلاص من نار جهنم، والفوز بجنة الخلد.



وعندما نطالع القرآن الكريم ونتصفح الاحاديث النبوية والروايات الشريفة عن أهل البيت عليهم السلام يتضح لنا ان شرط دخول الجنة هو ان ترجح كفة الاعمال الصالحة في ميزان القيامة على كفة السيئات.



ولعل سبيل الجهاد هو اقصر الطرق التي توصل المؤمن الى هدفه الاخروي، كما يشير الى ذلك سبحانه في قوله: « إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِاَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً » (التوبة/111).



ومن شروط التكامل الروحي ان يتطهر قلب المؤمن من الصفات والعوامل السلبية في الاخلاق والسلوك الاجتماعي؛ كأن يطرد الحسد من قلبه، ويبتعد عن الاحقاد، ويميت الانانيات وما الى ذلك من الصفات السيئة. فكل واحدة من هذه الصفات والعوامل قد تكون سبباً في سقوط الانسان وحرمانه من جنات النعيم.


2- التكامل العميق:




وهو ان يستخدم الانسان كل ما لديه من الطاقات والمواهب، ويوظفها في خدمة قضيته، فانه مسؤول غداً امام الله عز وجل إذا ما لم يستخدم ما اعطاه من هذه المواهب كسلاح لمقارعة الطغاة الذين يضطهدونه ويضطهدون شعبه.



3- التكامل التنظيمي:



وهو ان يتعاون الافراد في المجتمع على العمل على الصعيد الاجتماعي. فالقرآن الكريم يقول: « وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ » (المائدة/2).



ونحن كامة اسلامية نتبع الرسول (صلى الله عليه وآله) الذي هو امامنا وقائدنا، عندما نجتمع ونتعاون فاننا سنشكل قوة لاتضاهيها قوة أخرى. فالله سبحانه عندما خلق الناس مختلفين في الوانهم واشكالهم ومواهبهم ونفوسهم، فانه دعاهم في نفس الوقت الى التعاون والتآزر فيما بينهم ليكمل بعضهم البعض، وليسفر عن اجتماعهم وتعاونهم محصلة قوة منسجمة فاعلة تسير



بالمجتمع نحو التطور والرقي، وتحميه من مخاطر الاعداء.



وعلى هذا فلابد من ان نخلق هذه التجمعات والتنظيمات ومختلف التشكيلات الجماعية الفاعلة، ومن الضروري -ايضاً- ان نربي انفسنا على التلاحم، والاتحاد، والانسجام.. فهي الحالة التي تخلق الأمة القوية الرصينة.



وإذا ما استطعنا ان نطور انفسنا من خلال تلك الشروط الثلاثة وهي (التكامل الروحي) و (التكامل العميق) و (التكامل التنظيمي) فاننا سنختصر الزمن في مسيرتنا التكاملية الحضارية، وسيكون بامكاننا ان نحول كياننا الى سلاح حاسم ضد الطغاة.



ولذلك يجب الاعتماد على انفسنا كأفراد وتنظيمات في العمل على انقاذ انفسنا ومجتمعاتنا مما نحن عليه من الظلم والدمار والاوضاع المؤلمة التي نعيشها. فلابد من ان نتحمل مسؤولياتنا في تحرير بلداننا، وعلى كل واحد منا ان يتحمل مسؤوليته، ويدخل الميدان، ويؤدي دوره بنفسه. وليعمل الجميع على تنمية مواهبهم، وتعزيز وتقويـة تنظيماتهم ليـرتفعوا بـذلك الى مستوى التحدي.



ولنعلم ان الكثير من مظاهر التقدم الحضاري اوجدها افراد قرروا ان يوظفوا مواهبهم وينموها، فتقدموا وغيّروا مجرى التاريخ ووجه الحضارة، ولعل في الانبياء العظام، والاولياء أعظم الدروس والعبر، وخير القدوات لنا في هذا السبيل.



/ 4