الامــام الهــادي ( عليه السلام )قدوة وأسوة - إمام الهادی (ع) قدوة و أسوة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

إمام الهادی (ع) قدوة و أسوة - نسخه متنی

سید محمد تقی المدرسی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید




الامــام الهــادي ( عليه السلام )قدوة وأسوة

تمهيــد



الحمد لله رب العالمين . والسلام على النبيّين والصديقين ، وصلوات اللـه وبركاته على خاتم المرسلين محمد وآله الهداة الميامين .



أفكر في نفسي أحياناً : هل تكفي أحدنا صلة بالأئمة هذه المعرفة البسيطة بأسمائهم وتواريخ ميلادهم وشهادتهم ؟



وهل بمجرد ذلك يصبح الواحد منا تابعاً للأئمة بحيث يكون مأموماً لهم ، وما علامة الائتمام إذاً ؟



وإذا مثل الواحد منا أمام رب العزة فسأله : من إمامك أو من هم أئمتك ؟ فعرّفهم بأسمائهم دون صفاتهم وأفعالهم فلم يعرفوه بل أنكروه وأنكروا أن يكون من شيعتهم فهل له عذر مقبول عند اللـه يومئذ ؟



أشك في ذلك ، وأحتمل أن يكون على موالي أهل البيت الذي يدعي الإنتماء إليهم ، والتشيع لهم واتباع منهجهم أن يعرفهم معرفة تنشئ بينه وبينهم صلة الإئتمام ، وهي معرفة تتجاوز كثيراَ حدود الأسماء والألقاب ، حتى تبلغ - على الأقل - إلى معرفة نهجهم العام في الحياة ، وبعض ما أمروا به شيعتهم .



وإذا كان هذا الإحتمال صحيحاً يجب أن يجعل الشيعي في برنامج دراسته معرفة تاريخ الأئمة ولو بصورة موجزة .



على أن الإستزادة من معرفتهم (ع) ، ودراسة أقوالهم ترفع درجات الإنسان عند ربه ، كما ترفع قيمة أعماله الصالحة .



وما نقدمه خلال الصفحات التالية بضاعة مزجاة إلى أئمة الهدى ، أرجو أن يتقبلها اللـه قبولاً حسناً ومنةه ..



وإذا وفقنا اللـه لإكمال هذا الكتاب الذي يتشرف بتاريخ حياة الإمام العاشر (ع) ، فإن مشروع التآليف عن تاريخ المعصومين الأربعة عشر يكون قد أنجز بفضل اللـه بالرغم من أنه قد تكون الفاصلة الزمنية بين الكتاب والآخر تبلغ ثلاثا وعشرين عاماً من سني المحن والفتن ، وإذا وجد القارىء اختلافاً بين أساليب التأليف ، فهو الإختلاف بين شاب عمره 23 عاماً ومن بلغ الخامسة والأربعين من حياته التي أسأل اللـه تعالى أن يختمها بالشهادة في سبيله وحسن العاقبة بحق أوليائه المعصومين محمد وآله الطاهرين .



الفصل الاول : منعطفات الحركة الرسالية



منذ أن هبط آدم أبو البشر (ع) أرض الفتن والإبتلاء ، ومن قيام الساعة تجري سنّة الصراع بين الأبرار الذين ابتغوا رضوان اللـه ، والضّالين الذين اتبعوا خطوات الشيطان .



ولم تخل الأرض - في أية حقبة - عن أولي بقية من سلالة النبيين واتباعهم ينهون عن الفساد في الأرض ، ويقيمون حجة اللـه على العباد .



وقد قال ربّنا سبحانه : « فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ اُولُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَآ اُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ » (هود/116)



وكان يقود أولئك البقية الصالحة نبي مرسل ، أو وصي نبي ، أو عالم رباني ، يتوارثون الدعوة إلى اللـه، والقيام بامره . وورث الإمام الهادي (ع) هذه القيادة الرشيدة من والده الجواد (ع) الذي انتهى إليه ميراث رسول اللـه خاتم الأنبياء والمهيمن على رسالات اللـه جميعاً ! فالإمامة الربانية ورثها المصطفون من عباد اللـه ، وان نهج الحق توارثه العلماء الربانيون ، وأهل الزهد والصلاح من شيعة الحق واتباع نهج الأنبياء .



وكان هدف هذا الخط الميمون تحقيق ذات التطلعات التي سعى إليها الأنبياء والصالحون عبر التاريخ والتي يوجزها ربّنا سبحانه في كتابه حين يقول : « لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللـه مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللـه قَوِيٌّ عَزِيزٌ » (الحديد/25)



ان ما تهدينا اليه سائر الآيات القرآنية ومنها هذه الآية المباركة هي الغايات السامية لابتعاث الرسل وهي التالية :



ألف : الدعوة إلى اللـه بالبينات ، التي تتمثل في كلمة الإمام أمير المؤمنين (ع) :



ليستــــأدوهـم ميثاق فطرته ويذكروهم منسي نعمته ، ويقدروا لهم بالبينات ، وليثيروا لهم دفائن العقــــول ... .



هكذا بإيقاظ العقل من سباته ، وإثارة الوجدان من تحت ركام الغفلة ، وتنقية الفطرة من الشوائب ، والحجب ، بذلك كله تتم حجة اللـه على عباد اللـه عبر رسله الكرام !



باء : تـــــلاوة كتاب اللـه الذي فيه تبيان كل شيء مما يحتاجه الخلق ، وعبر تــــــلاوة الكتاب وآياته الكريمــــة



كان الأنبياء (ع) يقومون بتزكية الناس وتعليمهم وقد قال ربنا سبحانه :



« هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءَايَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ » (الجُمُعَة/2)



جيم : توفير الميزان : والذي يعني ولي الأمر الذي يقضي بين الناس بالعدل ، وقد قال ربنا سبحانه :



« فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً » (النساء/65)



وهكذا كل من يستلم منصب الخلافة الإلهية يكون ميزاناً للحق وفرقاناً ونوراً ، ليعلم الناس إذا تشابهت المذاهب ، واختلفت الآراء ، أي سبيل يهديهم إلى ربهم ، وأي نهج يرضاه خالقهم .



دال : والهدف الأسمى لكل تلك التطلعات السامية تحقيق أقصى درجات العدالة بين الناس وهي القسط ، والتي لا تتم إلاّ بإيمان الناس بالرسل واتباعهم للكتاب وتسليمهم للميزان - لذلك قال ربنا سبحانه : « ليقوم الناس بالقسط »



ومعلوم : أن هذا القسط لا يتحقق بالتمام إلاّ بقوة مادية رادعة تتمثل بالحديد الذي أنزله اللـه .. وجعل فيه بأساً شديداً .



والحديد بدوره لا يعني شيئاً لو لم تحمله أيادي شجاعة متفانية في سبيل اللـه ونصر دينه ورسله .



فإذا حملوا الحديد دفاعاً عن وحي اللـه ونهج رسل اللـه ، نزل عليهم نصر اللـه إن اللـه قوي عزيز ، كما قال سبحانه :



« وَلَيَنصُرَنَّ اللـه مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللـه لَقَويٌ عَزِيزٌ » (الحَج/40)



تلك كانت تطلعات الخط الرسالي الذي قاده في عصره الإمام النقي علي بن محمد الهادي (ع) ، فماذا كانت منعطفات هذا الخط منذ تبلوره في عصر الإمام أمير المؤمنين (ع) حتى ذلك اليوم .



بعد رحيل النبي إلى الرفيق الأعلى كانت الأمة الناشئة بحاجة إلى إمام يحافظ على تراث الرسول ، ويدافع عن خطه الأصيل ان يزمع الناس عنه يمنة ويساراً ، ويكرس تلك القيم السامية التي نزل بها الوحي في واقع الأمة .



وقد قام الإمام أمير المؤمنين (ع) بذلك خير قيام والتف حوله الاصفياء من الأمة الذين



أصبحوا تلك البقية الصالحة الذين حافظوا على الخط الأصيل للرسالة الإلهية !



وعندما وقعت معركة صفّين ازداد الفرق بين هذا الخط وبين سائر الخطوط وضوحاً ، وانحاز الأبرار كلياً إلى الإمام (ع) وبينهم بقية السلف الصالح من أصحاب النبي (ص) ، وبقي هذا الخط في تصاعد رغم إرهاب الحزب الأموي الحاكم ، ولكنه لم يشتهر في أرجاء الأرض إلاّ بعد أن اصطبغ بلون الدم ، واكتسب حرارة المأساة بعد واقعة الطف ، فإذا كانت بلورة الخط في صفّين ، فإن رشده وتكامله كان في يوم عاشوراء .



وعلى عهد الإمام زين العابدين تضاعفت صبغته الإلهية . وفي عهد الإمام الباقر تبلور فيه المنهج التوحيدي حيث يلتقي في ذروته العقل النير بالوحي المنزل . أما في عهد الإمام الصادق (ع) فإن تفاصيل هذا المنهج في الأحكام والأخلاق والآداب والمواعظ كانت قد رسمت بصورة تامة .



أما في عهد الإمام الكاظم (ع) فإن الخط قد اتخذ الصبغة السياسية في صورتها حيث التخطيط لثورة جماهيرية ، أما على عهد الأئمة من بعده - الإمام الرضا وأبنائه الثلاثة - فإن الخط الرسالي قد أصبح قوة سياسية وأجتماعية متداخلة مع السلطة الحاكمة مؤثرة في قراراتها مهيمنة على الحياة الدينية .



وهكذا كان عهد الإمام الهادي (ع) يتميز بقدرة الخط الرسالي على جميع الأصعدة بالرغم من الإرهاب الذي كان يتميز به النظام العباسي ، وبالذات على عهد المتوكّل العبّاسي .



ولعلنا نجد في الشواهد التاريخية التالية بعض الملامح لوضع الطائفة في عصر الإمام (ع) .



1 - في حديث مفصل رواه الشيخ الكليني رضوان اللـه عليه عما جرى بعد وفاة الإمام الجواد (ع) جاء فيه :



فلما مضى أبو جعفر ( الإمام الجواد (ع) ) لم أخرج من منزلي حتى علمت أن رؤوس العصابة قد اجتمعوا عند محمد بن الفرج ( الرخجي وكان ثقة من أصحاب الرضا والجواد ووكيلاً عن الإمام الهادي عليه السلام ) يتفاوضون في الأمر [1] .



وهكذا كان للشيعة يومئذ مجالس للتفاوض في الأمور المهمَّة ، ومن أبرزها معرفة الإمام والبيعة له والتسليم لأوامره ، وقد أجمعوا بعد الإمام الجواد على الإمام الهادي ، بما تناهت إليهم من الإخبار الصحيحة بذلك حيث جاء في نهاية هذه الرواية : فلم يبرح القوم حتى سلموا لأبي الحسن (ع) ، وأضاف الشيخ المفيد في كتابه الإرشاد : والأخبار في هذا الباب كثيرة جداً إن عملنا على إثباتها طال الكتاب ، وفي إجماع العصابة على امامة أبي الحسن وعدم من يدعيها سواه في وقته ممن يلتمس الأمر فيه ، غني عن إيراد الأخبار بالنصوص على التفصيل [2] .



وهكذا ترى الشيخ المفيد يقول بإمامة الهــادي (ع) بإجماع العصابة ، بلى وهو صفوة الأمة وكبار فقهائها ، فمعرفتهم بالإمام الذي عاصروه وعاصروا والده وجدَّه ، سبيل عقلائي إلى معرفة الإمام بعدهم .



والأمـــر الذي نستفيده من كلام الشيـــخ المفيد ومن الحديث الذي يرويه هو وضع الطائفة في ذلك اليـــــوم .



2 - وكان فتح بن خاقان وزيراً عند المتوكل ، ولكنه كان يتحبب إلى الإمام الهادي ، إما لميله النفسي إليه أو لأنه كان من رجاله في البلاط ، ولكن ورد من الإمام بحقه الذم حفاظاً عليه ، دعنا نستمع معاً إلى الحديث التالـــي الذي يحكي مكرمة من مكارم الإمام ، وفي ذات الوقت يعكس جانباً من وضع الطائفة فـي تلك الأيــام !



قصدت الإمام (ع) يوماً فقلت : يا سيدي إن هذا الرجل قد اطّرحني ، وقطع رزقي ، ومللني ، وما أتهم في ذلك إلاّ علمُه بملازمتي لك ، وإذا سألته شيئاً منه يلزمه القبول منك فينبغي أن تتفضل عليّ بمسألة ، فقال : تكفى إن شاء اللـه .



فلما كان في الليل طرقني رسل المتوكل رسول يتلو رسولاً فجئت والفتح على الباب قائم فقال : يا رجل ما تأوي في منزلك بالليل كدني هذا الرجل مما يطلبك ، فدخلت وإذا المتوكل جالس على فراشه فقال : يا أبا موسى نشغل عنك وتنسينا نفسك أي شيء لك عندي ؟ فقلت : الصلة الفلانية والرزق الفلاني وذكرت أشياء فأمر لي بها ويضعها .



فقلت للفتح : وافي علي بن محمد إلى ههنا ؟ فقال : لا ، فقلت : كتب رقعة ؟ فقال : لا فوليت منصرفاً فتبعني فقال لي : لست أشك أنك سألته دعاء لك فالتمس لي منه دعاء .



فلما دخلت إليه (ع) فقال لي : يا أبا موسى ! هذا وجه الرضا ، فقلت : ببركتك يا سيدي ، ولكن قالوا لي : إنك ما مضيت إليه ولا سألته ، فقال : إن اللـه تعالى علم منا أنا لا نلجأ في المهمات إلاّ إليه ولا نتوكل في الملمات إلاّ عليه وعودنا إذا سألناه الإجابة ، ونخاف أن نعدل فيعدل بنا .



قلت : إن الفتح قال لي كيت وكيت ، قال : إنه يوالينا بظاهره ، ويجانبنا بباطنه ، الدعاء لمن يدعو به : إذا أخلصت في طاعة اللـه ، واعترفت برسول اللـه (ص) وبحقنا أهل البيت وسألت اللـه تبارك وتعالى شيئاً لم يحرمك [3] .



3 - وكان الإمام الهادي يسكن سامراء في عاصمة الخلافة وكان يدخل على المتوكل وينقل الرواة في صفة دخوله عليه أنه كان لا يملك من يحضر باب الخليفة أن يترجل إذا طلع عليه الإمام ، يقول محمد بن الحسن بن الأشتر العلوي .. قال : كنت مع أبي بباب المتوكل ، وانا صبي في جمع الناس ما بين طالبي إلى عباسي إلى جندي إلى غير ذلك ، وكان إذا جاء أبو الحسن (ع) ترجل الناس كلهم حتى يدخل . فقال بعضهم لبعض : لم نترجل لهذا الغلام ؟ وما هو بأشرفنا ولا بأكبرنا ولا بأسننا ولا بأعلمنا ؟ فقالوا : واللـه لا ترجلنا له فقال لهم أبو هاشم : واللـه لترجلن له صغاراً وذلة إذا رأيتموه ، فما هو إلاّ أن أقبل وبصروا به فترجل له الناس كلهم فقال لهم أبو هاشم : أليس زعمتم أنكم لا تترجلون له ؟ فقالو : واللـه ما ملكنا أنفسنا حتى ترجلنا [4] .



وكان الإمام إذا دخل على المتوكل رفعوا له الستر واحترموه بكل وقار ، تقول الرواية : إن أحد الأشرار قال للمتوكل العباسي يوماً ما يعمل أحد بك أكثر مما تعمله بنفسك في علي بن محمد ، فلا يبقى في الدار إلاّ من يخدمه ولا يتعبونه بشيـــــل ستر ولا فتح باب ولا شيء ، ولهذا كان الناس يقولون : لو لم يعلـــم



استحقاقه للأمر ما فعل به هذا [5] .



ويظهر من هذا الحديث المفصّل الذي أخذنا منه موضع الحاجة أنه (ع) كان مهيباً مبجلاً حتى في بلاط أشد الخلفاء العباسيين إرهاباً في عصره وهو المتوكل العباسي .



وكان (ع) إذا دخل على الخليفة جابهه بالحق ، فقد دخل يوماً عليه فقال ا لمتوكل : يا أبا الحسن من أِشعر الناس ، قال الإمام فلان ابن فلان العلوي حيث يقول :



لقــــــــــــــــــــد فاخرتنــــــــــــــــا من قريـــــــــــش عصابـــــــة بمــــــط خـــــــــــــدود وامتـــــــــــــــــداد أصـــــــــــابــــــــــــع



فلمــــــــــا تنازعنــــــــــا القضـــــــــــــاء قضـــــى لنـــــــــــــــــــــا عليـــــه بمــــــا فـــــــــاهـــــوا نــــــــــــــــداء الصوامــــــــع



قال وما نداء الصوامع يا أبا الحسن ؟



قال : أشهد أن لا إله إلاّ اللـه وأشهد أن محمداً .. جدي أم جدكم ، فضحك المتوكل كثيراً ثم قال : هو جدك لا ندفعك عنه [6] .



ومرة أخرى أدخل المتوكل الإمام (ع) إلى مجلس لهوه وطلب منه المشاركة فيما كان فيه ، فوعظه الإمام عظة بليغة تعالوا نستمع إلى قصة ذلك حسبما ينقلها المسعودي ، قال : سعي إلى المتوكل بعلي بن محمد الجواد (ع) أن في منزله كتباً وسلاحاً من شيعته من أهل قم ، وأنه عازم على الوثوب بالدولة ، فبعث إليه جماعة من الأتراك ، فهجموا داره ليلاً فلم يجدوا فيها شيئاً ووجدوه في بيت مغلق عليه ، وعليه مدرعة من صوف ، وهو جالس على الرمل والحصى وهو متوجه إلى اللـه تعالى يتلو آيات من القرآن ، فحمل على حاله تلك إلى المتوكل وقالوا له : لم نجد في بيته شيئاً ووجدناه يقرأ القرآن مستقبل القبلة ، وكان المتوكل جالساً في مجلس الشرب فدخل عليه والكأس في يد المتوكل . فلما رآه هابه وعظمه وأجلسه إلى جانبه ، وناوله الكأس التي كانت في يده فقال : واللـه ما يخامر لحمي ودمي قط ، فاعفني فأعفاه ، فقال : أنشدني شعراً فقال (ع) : إني قليل الرواية للشعر فقال : لابد ، فأنشده (ع) وهو جالس عنده :



بــــــــــــاتـــــــوا علـــــــى قـلــــل الأجبـــــال تحـــــــرسهـــــــــــم غلـــــب الـــــــــرجـــــــال فلـــــم تنفعهــــــــــم القــــــــــلل



واستنزلــــــــــــــوا بعـــــــــــد عـــــــــز مـــــــــن معــاقلهــــــــــم واسكنـــــــــــوا حفـــــــــــــــراً يــــا بئسمــــــا نــزلــــــــــــــوا



نــــــــاداهـــــــم صــــــــــارخ مــــن بعــــــد دفنهـــــــــــــــــــــــــــم أيـــــــــــن الأســـــــاور والتيجــــــــــــــــــان والحـــــــــــــــــلل



أيـــــــــــن الوجــــــــــــــوه التـــــــــــــــي كانــــــــــت منعَّمـــــــــة مــــــن دونهـــــا تضــــرب الأستــــــــــــار والكـــــــــــلل



فأفصــــــح القبـــــــر عنهــــم حيــــــــــــن ســـــاءلهــــــــــــــم تلــــــــك الوجـــــوه عليهـــــــــا الــــــــــــــدود تقتتــــــــــل



قـــــــد طــــال مـــــا أكلـــــــــــــوا دهــــراً وقـــد شربــــــــــوا وأصبحــــــوا اليـــوم بعــد الأكـــــل قــــد أكلــــــــــــوا



قــــال : فبكى المتوكل حتى بل لحيتــــــه دمــــــوع عينيـه ، وبكى الحاضرون ، ودفع إلى علي (ع) أربعـة آلاف دينار ، ثم رده إلى منزله مكرّماً [7].



وحسبما نقرأ في المصادر التاريخية ، كان الكثير من بطانة الخليفة يتشيع للإمام ، أما واقعاً أو لما يجد عند الشيعة من ثقل سياسي ، مثل الفتح بن خاقان الذي كان من أعظم وزراء المتوكل ، والذي قتل معه عندما انقلب عليه عسكره من الأتراك ، كان يحاول التقرب إلى الإمام ، ويظهر من بعض الروايات أن المتوكل كان يتهمه بذلك مما يدل على أنه قد أحسَّ بأمره [8] .



وجاء فيه فقال المتوكل : يا فتح هذا صاحبك وضحك في وجه الفتح وضحك الفتح في وجهه . كما يظهر من القصة التالية أن بعض قادة النظام العسكريين كانوا يكنون للإمام الحب وربما الولاء ، كما أن القصة تعكس جانباً من انتشار حب الإمام واحترامه بين عامة الناس لا سيما في الحرمين الشريفين .



ينقـل عـن القائـد العباسي يحيى بن هرثمة قال : أرجعني المتوكل إلى المدينة لإشخاص علي بن محمد (ع) لشيء بلغه عنه ، فلما صرت إليها ضج اهلهـا وعجـوا ضجيجاً وعجيجاً ما سمعت مثله ، فجعلت أسكنهم وأحلف أني لم أومر فيه بمكروه ، وفتشت منزله ، فلم أصب فيه إلاّ مصاحف ودعاء وما أشبـــه ذلك ، فأشخصته وتوليت خدمته ، وأحسنت عشرته .



فبينما أنا في يوم من الأيام والسماء صاحية والشمس طالعة ، إذ ركب وعليه ممطر عقد ذنب دابته فتعجبت من فعله ، فلم يكن من ذلك إلاّ هنيئة حتى جاءت سحابة فأرخت عزاليها ، ونالنا من المطر أمر عظيم جداُ فالتفت إليّ فقال : أنا أعلم أنك أنكرت ما رأيت ، وتوهمت أني أعلم من الأمر ما لم تعلم ، وليس ذلك كما ظننت ولكني نشأت بالبادية ، فأنا اعرف الرياح التي تكون في عقبها المطر فتأهبت لذلك .



فلما قدمت إلى مدينة السلام بدأت بإسحاق بن إبراهيم الطاهري وكان على بغداد ، فقال : يا يحيى إن هذا الرجل قد ولده رسول اللـه (ص) والمتوكل من تعلم ، وإن حرضته عليه قتله ، وكان رسول اللـه (ص) خصمك ، فقلت : واللـه ما وقفت منه إلاّ على أمر جميل .



فصرت إلى سامراء فبدأت بوصيف التركي وكنت من أصحابه ، فقال لي : واللـه لئن سقط من رأس هذا الرجل شعرة لايكون الطالب بها غيري ، فتعجبت من قولهما ، وعرَّفتُ المتوكل ما وقفت عليه من أمره ، وسمعته من الثناء فأحسن جائزته ، وأظهر بره وتكرمته [9] .



وكان عصر الإمام (ع) قد تميز بالتحولات السياسية حيث تنامى بعودة الأتراك في بلاط العباسيين ، وكان كل قائد منهم يميل إلى واحد من المرشحين للخلافة ، فيتحين الفرص لدفعه إلى واجهة السلطة وتسميته باسم الخليفة ليلعب ما يشاء في امور البلاد باسمه . فبعدما مضى المعتصم ملك الواثق ابنه واستوزر ابن الزيات ، وغضب على جعفر بن المعتصم أخيه ، وما لبث أن مات واستخلف المتوكل وقتل ابن الزيات ، وشهد عصره قدراً من الإستقرار ، وقبل أن يموت الواثق سئل عن الخليفة بعده فقال : لا يراني اللـه أتقلدها حياً وميتاً ، ويبدو من هذه الكلمة : أنه كان يعرف ماذا تعني الخلافة في عصره أو ليست تعني القمع والدجل والمؤامرات والإنغماس في الشهوات ، ثم أليس أنه نفسه قد سجن أخاه المتوكل بعد أن ولاّه إمارة الحج لمّا عرف أن ينافسهم الأمر ولم يقبل فيه شفاعة أحد ؟ .



وبعد الواثق وُلّي المتوكل الذي شهد عصره قدراً من الإستقرار ولكنه كان استقراراً قائماً على العنف والتضليل .



وأبرز مظاهر عنفه سياسته الإرهابية تجاه البيت العلوي وأمره بهدم قبر سيد الشهداء أبي عبد اللـه الحسين (ع) حيث أمر سنة 236 بهدم قبر الإمام وما حوله من الدور ، وأن يحرث ويبذر ويسقى موضعه ، وأن يمنع الناس من إتيانه ، فذكر أن عامل صاحب الشرطة نادى في الناحية من وجدناه عنده بعد ثلاثة أيام بعثنا به إلى المطبق ( السجن ) ، فهرب الناس وأشنعوا من المصيد إليه ، وقد أثار المتوكل بهذه السياسة حفيظة المسلمين وخاصة أهل بغداد الذين ردوا على الإهانات التي ألحقها بالعلويين بسبه في المساجد والطرقات [10] .



ووقعت في عهده مجاعة رهيبة في العراق وهلك كثير من الناس ، وقد طمع الروم في بلاد الإسلام بسبب ضعف الدولة العباسية فاستأنفوا غاراتهم على أراضي قاليقلا جنوبي آسيا الصغرى وهزموا أهلها هزيمة منكرة [11].



وتظهر من القصة التالية صورة عن طبيعة حكم المتوكل ، وما بلغ من إرهابه ضد العلويين ومن ثورة هؤلاء ضده .



قال البختري : كنت بمنبج بحضرة المتوكل ، إذ دخل عليه رجل من أولاد محمد بن الحنيفة حلو العينين ، حسن الثياب ، قد قرف عنده بشيء فوقف بين يديه والمتوكل مقبل على الفتح يحدثه .



فلما طال وقوف الفتى بين يديه وهو لا ينظر إليه قال له :



يا أمير المؤمنين إن كنت أحضرتني لتأديبي فقد أسأت الأدب ، وإن كنت أحضرتني ليعرف من بحضرتك من اوباش الناس استهانتك بأهلي فقد عرفوا .



فقال له المتوكل : واللـه يا حنفي لولا ما يثنيني عليك من أوصال الرحم ويعطفني عليك من مواقع الحلم لانتزعت لسانك ، ولفرقت بين رأسك وجسدك ، ولو كان بمكانك محمد أبوك ، قال : ثم التفت إلى الفتح فقال : أما ترى ما نلقاه من آل أبي طالب ؟ إما حسني يجذب إلى نفسه تاج عز نقله اللـه إلينا قبله ، أو حسيني يسعى في نقض ما أنزل اللـه إلينا قبله ، أو حنفي يدل بجهله أسيافنا على سفك دمه .



فقال له الفتى : وأي حلم تركته لك الخمور وإدمانها ؟ أم العيدان وفتيانها ومتى عطفك الرحم على أهلي وقد ابتززتهم فدكاً إرثهم من رسول اللـه ( صلى اللـه عليه وآله وسلم ) فورثها أبو حرملة ! وأمّا ذكرك محمداً أبي فقد طفقت تضع عن عز رفعه اللـه ورسوله ، وتطاول شرفاً تقصر عنه ولا تطوله ، فأنت كما قال الشاعر :



فغــــــــــــض الطــــــــــــــــــرف إنــــــــــــــــك مــــــن نميـــــــــــــــــر فــــــــــــــــلا كــــعـــــبــــــــــــــــاً بـــــلــــــــــغت ولا كـــــلابـــــــــــا



ثم ها أنت تشكـو لي علجـك هذا ما تلقاه من الحسني والحسيني والحنفي فلبئس المولى ولبئس العشيـر .



ثم مد رجليه ثم قال : هاتان رجلاي لقيدك ، وهذه عنقي لسيفك ، فبؤ بإثمي وتحمَّل ظلمي فليس هذا أول مكروه أوقعته أنت وسلفك بهم ، يقول اللـه تعالى « ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللـه عِبَادَهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُل لآ أَسْاَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَــ ى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللـه غَفُورٌ شَكُورٌ » (الشّورى/23) [12] فواللـه ما أجبت رسول اللـه (ص) عن مسألته ولقد عطفت بالمودة على غير قرابته فعما قليل ترد الحوض ، فيذودك أبي ويمنعك جدي صلوات اللـه عليهما .



قال : فبكى المتوكل ثم قام فدخل إلى قصر جواريه ، فلما كان من الغد أحضره وأحسن جائزته وخلى سبيله .



وكانت قبضة المتوكل الحديدية وإرهابه الشديد سبباً لسخط الناس عليه ، والذي تنامى حتى بلغ الجيش الذي ثار عليه بقيادة بغا الصغير وباغر ، وقتل المتوكل ووزيره الفتح بن خاقان وخلفه ابنه المنتصر في شوال عام 247 الذي أخذ يخالف أباه في كل شيء ، وبالذات فيما يتعلق بالبيت العلوي وحتى أنشد يزيد المعلبي يقول :



ولقـــــــــــــــد بــــــــــــــــــــــرزت الطــــــــــالبيـــــــــــــــــة بعدمـــــــــــا ذمــــــــــــــــــوا زمــــــــامـــــــــــاً بعــــدهـــــــــا وزمــــــانـــــــــــــــا



ورددت ألفــــــــــــــة هـــــــــــــاشــــــــــــــــم فــــــــــــــــرأيتهــــــــــــــــم بعـــــــــــــــــد العــــــــــــــداوة بينهــــــــــم إخـــــــــــوانـــــــــــــــا [13]



ولم يدم عهد المنتصر الذي وصفه بعض المؤرخين بالحسن ، وقالوا : كان عظيم الحلم ، راجح العقــــل ، غزير المعروف راغباً في الخير جواداً كثير الإنصاف حسن العشرة [14] .



فقد مات بعد ستة أشهر وذلك سنة ( 248 ) وبايع الناس أحمد بن محمد المعتصم ( 248 / 252 ) وأعطوه لقب المستعين باللـه ، ويبدو أن المستعين أراد أن يحدّ من نفوذ الأتراك الذين تحولت قوتهم العسكرية إلى قوة سياسية متنامية في البلاد ، فواجه تحدياً من قبل بعضهم وبالذات من بغا وباغر الذين تمردا عليه وبايعا المعتز بن المتوكل وقامت حرب ضاربة بين أنصار الخليفتين حيث استقر الأول ببغداد والثاني بسامراء ، وأثّرت الحرب على الحالة الإقتصادية للبلاد وبعد أن تم الأمر للمعتز تم إبعاد المستعين إلى واسط ولكنه قتل بالتالي على يد عصابة سيرها بقيادة سعيد الخادم [15] .



ولكن المعتز بقي يخشى جانب الأتراك الذين قتلوا أباه وخلعوا ابن عمه ، وهكذا لم تصفو له الخلافة بل قتل بصورة شنيعة يصفها المؤرخون بما يلي .. قد حل إليه جماعة من الأتراك فجروه برجله إلى باب الحجرة وضربوه بالدبابيس وخرقوا قميصه وأقاموه في الشمس في الدار فكان يرفع رجلاً ويضع اخرى لشدة الحر وكان بعضهم يلطمه وهو يتقي بيده ثم اشهدوا على خلعه بعض علماء البلاط وادخلوه سرداباً وحَصوا حصْوا عليه وسدوا عليه الباب حتى مات [16] .



وبعده استخلفوا المعتدي بن واثق عام 255 واضطربت البلاد في عهده فمن ثورة ببغداد إلى تمرد في الجيش ، إلى انتفاضات للعلويين هنا وهناك .



وهكذا أصبحت الخلافة العباسية شعاراً لكل الطامعين في السلطة ، وأصبحت المؤامرة والدجل سمة بارزة للسياســة .. وكل ذلك كان نهاية طبيعية للإرهــــاب والدجل الذي مارسه الرواد الأوائل لهؤلاء الخلفــــاء .. حيث أن المعتصم مثلاً حينما استقدم الأتراك وجعل منهم قوة عسكرية ضاربة ، وأرهب بهم الناس وأخمد الإنتفاضات والثورات ، كان من الطبيعي أن تتحول هذه القوة ضد أسرته وأن تستبد بالأمر دونهم . حتى حكى بعض المؤرخين أنه لما جلس المعتز على سرير الخلافة قعد خواصهم وأحضروا المنجمين وقالوا لهم انظروا كم يعيش وكم يبقى في الخلافة ، وكان بالمجلس بعض الظرفاء فقال : أنا أعرف من هؤلاء بمقدار عمره وخلافته فقالوا : فكم تقول أنه يعيش وكم يملك ؟ قال : مهما أراد الأتراك ، فلم يبق في المجلس إلاّ من ضحك [17] .



وهكذا كان الإنحراف يبدأ في الظاهر قليلاً وسرعان ما يجرف كل خير وصلاح ، وإنما كان الأئمة (ع) وأنصارهم يدافعون عن قيم الحق والعدل والحرية ، لكي لا تنتهي أمور الدين وشؤون الملة إلى مثل هذه المآسي الفظيعة .


الفصل الثاني : سيــرة الإمـام الهــــادي (ع)



في الثاني من رجب من عام 212 هـ ، استقبلت المدينة المنورة ميلاد أول أبناء الإمام الجواد (ع) ، و عمَّ البيت الهاشمي فرح عظيم ، فسمّاه والده علياً باسم جده الرضا وجده الأكبر أمير المؤمنين ، وكناه بأبي الحسن ومشت ألقابه الكريمة تعبر عن محياه الكريم وسيرته الزكيّة ، فكان النجيب والمرتضى والهادي والنقي والعالم والفقيه والأمين والمؤتمن والطيب والمتوكل .



وعندما انتقل إلى مدينة سامراء وسكن محلة كانت تسمى عسكر سمي أيضاً العسكري أو الفقيه العسكري .



وقيـل بل كان اسـم سـامراء العسكر لأنها كانت حاشيـة الجيـش ولذلك سمي الإمام بـ (العسكري) .



أما أمّه فكانت سماته الغربيبة ، وترعرع الوليد في ظل أبيه يربيه بعلم الإمامة ، ويرفع له من معارف الدين كل يوم علماً ويامره بالاقتداء به ، وفي الثامن والعشرين من محرم عام 220 هـ حيث استقدم المعتصم والده الإمام الجواد (ع) إلى العراق ، أجلسه في حجره وقال له : ما الذي تحب أن أهدي إليك من طرائق العراق ؟ فقال سيفاً كأنه شعلة نار [18] .



ولكنه لم ير ذلك االسيف ولم يعد يرى والده الكريم لأنه لم يعد من تلك الرحلة أبداً . فلعله كان في يوم 29 / ذي القعدة من عام 220 حيث رأت عائلة الإمام أنه قد رعب ، وكان عمره يومئذ ثمانية أعوام فسألوه ما به فقال : مات أبي واللـه الساعة ، فقالوا له : لا تقل هذا قال : هو واللـه كما أقول فكتبوا ذلك اليوم فكان كما قال [19] .



وكان قد سبقت وصية أبيه إلى زعماء الطائفة فاجتمعوا وسلموا إليه الأمر .. كما سبق الحديث عن ذلك بتفصيل .



وبقي في مدينة جده بقية خلافة المعتصم وأيام خلافة الواثق ، حيث اشتهرت مكارمه في الآفاق ، فلما ملك المتوكل ، خشي منه القيام ضده فاستقدمه ، ليكون قريباً منه يراقبه ويسهل الضغط عليه .



ويبــدو أنه لم يستقدمه إلاّ بعد أن توالت عليه الرسائل من الحجاز تخبره بأن الناس في الحرمين يميلون



إليه ، وكانت زوجة المتوكل التي يبدو أنه أرسلها لاستخبار الأمر ممن بعثوا الرسائل .



ويبدو من طريقة استقدام الإمام أن المتوكل كان شديد الحذر في الأمر ، حيث بعث بسرية كاملة من سامراء إلى المدينة لتحقيق هذا الأمر .. كما سبق . وقد كتب المتوكل إلى الإمام رسالة رقيقة جاء فيها :



فقد رأى أمير المؤمنين صرف عبد اللـه بن محمد عما كان يتولى من الحرب والصلاة بمدينة الرسول إذ كان على ما ذكرت من جهالته بحقك ، واستخفافه بقدرك ، وعندما قرنك به ونسبك إليه من الأمر الذي قد علم أمير المؤمنين براءتك منه وصدق نيتك وبرك وقولك وأنك لم تؤهل نفسك لما قرفت بطلبه [20] .



وكان هذا الرجل قد كتب رسالة إلى المتوكل يتهم الإمام فيها بانه ينوي القيام ضده ، وكتب الإمام رسالة إلى المتوكل ينفي تلك التهمة ، ثم أضاف :



وقد ولى أمير المؤمنين ما كان يلي من ذلك محمد بن الفضل وامره بإكرامك وبتجليك والانتهاء إلى أمرك ورأيك والتقرب إلى اللـه وإلى أمير المؤمنين بذلك .



وأمير المؤمنين مشتاق إليك يحب إحداث العهد بك والنظر إلى وجهك [21] .



وعندما نزل الإمام مدينة سامراء أراد المتوكل النيل من شخصيته عند الناس فامر أن يسكن دار الصعاليك لمدة أيام ثلاث ، قبل أن يدخل عليه وهو لا يعلم أن قدر الإمام عند اللـه ، أو عند عباد اللـه الصالحين ليس بما يسكنه من دار أو يحوزه من ثروة ، وإنما بزهده في درجات الدنيا ورغبته فيما عند اللـه ، فلا يزداد بتواضعه وصبره على الأذى في جنب اللـه إلاّ زلفى من اللـه .



وهكذا دخل عليه بعض شيعته ( صالح بن سعد ) في ذلك المكان المتواضع وقال له : جعلت فداك في كل الأمور أرادوا إطفاء نورك والتشهير بك حتى أنزلوك هذا الخان الأشنع خان الصعاليك ، ولكن الإمام أراه بعض مكرماته ثم قال له : حيث كنا فهذا لنا عتيد ولسنا في خان الصعاليك [22] .



وقد فتش الموالون لأهل البيت عن موضع ذلك الخان فاشتروا مكاناً معيناً قريباً من مرقد الإمام الهادي (ع) وحولوه إلى مركز ديني بأمل أن يكون هو موضع ذلك الخان الذي تشرف بمقام الإمام فيه برهة من الوقت .



ويبدو أن الإمام كان يقود في تلك الفترة من مقامه في سامراء الخط الرسالي وبطرقه الخاصة ، وقد استطاب السكن فيها حتى قال (ع) :



أخرجت إلى سر من رأى كرهاً ولو أخرجت عنها ، أخرجت كرهاً ، قال الراوي : ولِمَ يا سيدي ؟ قال : لطيب هوائها وعذوبة مائها وقلة دائها [23].



والمتوكل العباسي المعروف بشدَّة بطشه وبغضه لأهل البيت ، وإرهابه ضد الشيعة ، أراد أن يبقى أعظم وأقوى معارضيه قريباً منه حتى يسهل عليه القضاء عليه أنى شاء . إلاّ أن الإمام قد كاد بإذن اللـه كيداً ، حيث أخذ ينفذ إلى عمق سلطته ، ويمد نفوذه إلى أقرب أنصاره ، وهكذا فعل .



في هذا الوقت كانت أم المتوكل تنذر للإمام ، ولعل القصص التالية تعكس جانباً من تأثير الإمام في بلاطه .



( مرض المتوكل من خراج خرج به ، فأشرف منه على التلف ، فلم يجسر أحد أن يمسه بحديدة ، فنذرت أمه إن عوفي أن يحمل إلى أبي الحسن علي بن محمد (ع) مالاً جليلاً من مالها ) .



وقال له الفتح بن خاقان : لو بعثت إلى هذا الرجل يعني أبا الحسن فسألته فأنه ربما كان عنده صفة شيء يفرج اللـه به عنك ، قال : ابعثوا إليه فمضى الرسول ورجع ، فقال : خذوا كسب الغنم فديفوه بماء ورد ، وضعوه على الخراج فإنه نافع بإذن اللـه .



فجعل من بحضرة المتوكل يهزأ من قوله ، فقال لهم الفتح : وما يضر من تجربة ما قال فواللـه إني لأرجو الصلاح به ، فأحضر الكسب ، وديف بماء الورد ووضع على الخراج ، ، فانفتح وخرج ما كان فيه ، وبشرت أم المتوكل بعافيته فحملت إلى أبي الحسن (ع) عشرة آلاف دينار تحت ختمها فاستقل المتوكل في علته [24] .



2 - روي عن الصقر بن أبي دلف الكرخي ، قال : لما حمل المتوكل سيدنا أبا الحسن العسكري (ع) جئت أسأل عن خبره ، قال : فنظر إلى الزرافي وكان حاجباً للمتوكل ، فأمر أن أدخل إليه فأدخلت إليه ، فقال : يا صقر ما شأنك ؟ فقلت : خير أيها الأستاذ ، فقال : أقعد فاخذني ما تقدم وما تأخر ، وقلت : أخطئت في المجيء .



قال : فوحى الناس عنه ثم قال لي : ما شانك وفيم جئت ؟ قلت : لخبر ما فقال : لعلك تسأل عن خبر مولاك ؟ فقلت له : ومن مولاي ؟ مولاي أمير المؤمنين ، فقال : أسكت ! مولاك هو الحق ، فلا تحتشمني فإني على مذهبك ، فقلت : الحمد لله .



قال : أتحب أن تراه ؟ قلت : نعم ، قال : أجلس حتى يخرج صاحب البريد من عنده .



قـال : فجلست فلما خرج قال الغلام له : خذ بيد الصقر وأدخله إلى الحجرة التي فيها العلوي المحبوس ، وخل بينه وبينه ، قال : فأدخلني إلى الحجرة وأومأ إلى بيت فدخلت فإذا هو جالس على صدر حصير وبحذاه قبر محفور ، قال : فسلمت عليه فرد عليّ ثم أمرني بالجلوس ثم قال لي : يا صقر ما أتى بك ؟ قلت : سيدي جئت أتعرف خبرك ؟ قال : ثم نظرت إلى القبر فبكيت فنظر إليّ فقال : يا صقر لا عليك لن يصلوا إلينا بسوء الآن ، فقلت : الحمد لله [25] .



3 - قال أبو عبد اللـه الزيادي :



لما سمَّ المتوكل ، نذر لله إنّ رزقه اللـه العافية أن يتصدق بمال كثير ، فلما عوفي اختلف الفقهاء في المال الكثير فقال له الحسن حاجبه : إن أتيتك يا أمير المؤمنين بالصواب فما لي عندك ؟



قال : عشرة آلاف درهم وإلاّ ضربتك مائة مقرعة قال : قد رضيت فأتى أبا الحسن (ع) فسأله عن ذلك فقال : قل له : يتصدق بثمانين درهماً فأخبر المتوكل فسأله : ما العلة ؟ فأتاه فسأله قال : إن اللـه تعالى قال لنبيه (ص) : « لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللـه فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ » (التوبة/25) فعددنا مواطن رسول اللـه (ص) فبلغت ثمانين مواطناً ، فرجع إليه فأخبره ففرح وأعطاه عشرة آلاف درهم [26] .



4 - وهكذا كان الإمام (ع) يحل المعضلات فيزداد الناس إيماناً به ، ومعرفة بمقامه وبمدى جهالة خصمه المتوكل ، فكثيراً ما كان المتوكل يوعز إلى بعض أصحابه بأن يسألوا الإمام أسئلة صعبة لعله يتوقف فيها ، فمثلاً قال المتوكل لابن السكيت : سل ابن الرضا مسألة عوصاء بحضرتي فسأله فقال : لم بعث اللـه موسى بالعصا وبعث عيسى (ع) بإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى ، وبعث محمداً بالقرآن والسيف ؟



فقال أبو الحسن (ع) :



بعث اللـه موسى (ع) بالعصا واليد البيضاء في زمان الغالب على أهله السحر ، فأتاهم من ذلك ما قهر سحرهم وبهرهم ، وأثبت الحجة عليهم ، وبعث عيسى (ع) بإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن اللـه في زمان الغالب على أهله الطب فأتاهم من إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن اللـه فقهرهم وبهرهم، وبعث محمداً بالقرآن والسيف في زمان الغالب على أهله السيف والشعر فأتاهم من القرآن الزاهر والسيف القاهر ما بهر به شعرهم وبهر سيفهم وأثبت الحجة به عليهم .



فقال ابن السكيت : فما الحجة الآن ؟ قال :



العقل يعرف به الكاذب على اللـه فيكذب .



وقد كان ابن السكيت هذا عالماً كبيراً في النحو والشعر واللغة وقالوا عن كتابه المنطق أنه أفضل كتاب في اللغة كتبه علماء بغداد ، وكان المتوكل قد عهد إليه بتربية ابنيه المعتز والمؤيد ، فسأله يوماً أيهما أحب إليك ابناي هذان أم الحسن والحسين فقال ابن السكيت واللـه إن قنبراً خادم علي بن أبي طالب خير منك ومن ابنيك ، فقال المتوكل للأتراك سلوا لسانه من قفاه ففعلوا فمات ( رضوان اللـه عليه ) .



4 - وفي بعض أيام الربيع حيث كان الجو صحواً وحاراً خرج الناس في مناسبة رسمية صائفين ، وخرج الإمام الهادي (ع) في ثياب شتوية فلما توسطوا الصحراء خرجت عليهم سحابة ممطرة وفاضت عليهم الوديان ولم يسلم من أذى المطر والطين إلاّ الإمام فاهتدى إليه وإلى علمه الكثير من الناس .



وهكذا تكيف الإمام (ع) مع الواقع المر لعهد المتوكل حتى استفاد منه إيجابياً لمصحلة الدعوة الإلهية ، وذلك بحكمته الرشيدة وباستقامته وصبره في اللـه .



ولكن المتوكل عقد العزم على الإيقاع به في أيامه الأخيرة فلم يأذن له اللـه بذلك بل أطيح به في إنقلاب دموي .



فقد جاء في الجزامة : لمّا حبس المتوكل أبا الحسن (ع) ، ودفعه إلى علي بن كركر قال أبو الحسن : أنا أكرم على اللـه من ناقة صالح « تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ » (هود/65) ، فلما كان من الغد أطلقه واعتقد إليه ، فلما كان في اليوم الثالث وثب عليه ياغز وتاشى ومعطوف فقتلوه واعقدوا المنتصر ولده خليفة [27] .



ولعل المتوكل اعتقل الإمام أكثر من مرة ولكن اللـه أنقذه من شرّه ، ولعله كان يخشى كل مرة من ثورة جماهيرية عارمة ضده بالإضافة إلى أنّه لم يجد مبرراً للقضاء على الإمام مع أنه كان يعرف أن في أصحابه من يتشيع له .



فمثلاً عندما سعى البطحاني إلى المتوكل وكان من أولاد أبي طالب ولكنه يتشيع للبيت العباسي ، وقال له أنّ عنده سلاح وأموال ، فتقدم المتوكل إلى سعيد الحاجب وامره أن يهجم ليلاً عليه ويأخذ ما يجد عنده من الأموال والسلاح ويحمل إليه .



فقال إبراهيم بن محمد : قال لي سعيد الحاجب : صرت إلى دار أبي الحسن (ع) بالليل ، ومعي سلم، فصعدت منه إلى السطح ، ونزلت من الدرجة إلى بعضها في الظلمة ، فلم أدر كيف أصل إلى الدار فناداني أبو الحسن (ع) من الدار : يا سعيد مكانك حتى يأتوك بشمعة .



فلم ألبث أن أتوني بشمعة ، فنزلت ووجدت عليه جبة من صوف وقلنسوة منها وسجادته على حصير بين يديه وهو مقبل على القبلة فقال لي : دونك بالبيوت .



فدخلتها وفتشتها فلم أجد فيها شيئاً ، ووجدت البدرة مختومة بخاتم أم المتوكل وكيساً مختوماً معها ، فقال أبو الحسن (ع) : دونك المصلى فرفعت فوجدت سيفاً في جفن غير ملبوس ، فأخذت ذلك وصرت إليه .



فلما نظر إلى خاتم أمه على البدرة بعث إليها ، فخرجت إليه ، فسألها عن البدرة ، فأخبرني بعض خدم الخاصة أنها قالت له : كنت نذرت في علتك إن عوفيت أن أحمل إليه من مالي عشرة آلاف دينار فحملتها إليه ، وهذا خاتمك على الكيس ما حركها .



وفتح الكيس الآخر وكان فيه أربع مائة دينار ، فامر أن يضم إلى البدرة بدرة أخرى وقال لي : إحمل ذلك إلى أبي الحسن واردد عليه السيف والكيس بما فيه ، فحملت ذلك إليه واستحييت منه ، وقلت : يا سيدي عزَّ علي دخول دارك بغير إذنك ، ولكني مأمور به ، فقال لي : « سيعلم الذين ظلموا أيَّ منقلب ينقلبون » [28] .



والواقع أن الشيعة كانوا يحملون إلى الإمام الأموال ولكنهم كانوا قد أتقنوا أساليب الكتمان ، وكانت لديهم عناصرهم في البلاط العباسي مما يجعلهم عارفين بمواقع الخطر وكيفية اجتنابها ، والحديث التالي يكشف لنا جانباً من ذلك .



فعن المنصوري ، عن عم أبيه قال : دخلت يوماً على المتوكل وهو يشرب فدعاني إلى الشرب فقلت : يا سيدي ما شربته قط ، قال : أنت تشرب مع علي بن محمد ، قال : فقلت له : ليس تعرف من في يدك إنما يضرك ولا يضره ولم أعد ذلك عليه .



قال : فلما كان يوماً من الأيام قال لي الفتح بن خاقان : قد ذكر الرجل يعني المتوكل خبر مال يجيء من قم ، وقد أمرني أن أرصده لأخبره له فقل لي من أي طريق يجيء حتى أجتنبه ، فجئت إلى الإمام علي بن محمد فصادفت عنده من أحتشمه فتبسم وقال لي : لا يكون إلاّ خيراً يا أبا موسى لِمْ لمْ تعد الرسالة الأولى ؟ فقلت : اجللتك يا سيدي ، فقال لي : المال يجيء الليلة وليس يصلون إليه فبت عندي [29] .

الإمام بعد عهد المتوكل :



بعد أن قتل المتوكل بدعاء الإمام الهادي وبسبب مؤامرات قواته التركية ، انقشعت عن آل أبي طالب والموالين لأهل بيت الرسول سحابة الإرهاب إذ كان المنتصر بن المتوكل يخالف أباه في كل شيء ويظهــر الحب والإحترام لآل الرسول وشيعتهم ، حتى أنه عزل والي المدينة الذي نصبه أبوه واسمه صالح بن علي ونصّب مكانه علي بن الحسين ، فدخل عليه يردعه فقال : يا علي إني أوجهك إلى لحمي ودمي ، ومد جلد ساعده وقال : إلى هذا وجهتك فانظر : كيف تكون للقوم ، وكيف تعاملهم - يعني آل ابي طالب [30].



أما الخلفاء العباسيون الذين تعاقبوا بعد المتوكل وابنه المنتصر لم يكونوا في قوة المتوكل ولا في لين المنتصر ، ولم نجد في التاريخ حوادث مهمة تتصل بحياة الإمام الهادي (ع) ، الذي يبدو أنه تفرغ لتربية وقيادة الربانيين من العلماء وإدارة الشؤون العامة لمواليه وشيعته ، كذلك في ملاحقة بعض الغلاة والمشعوذين الذي أرادوا التسلل إلى صفوف الخط الرسالي مثل الذي اغتاله بعض الموالين وربما بعد صدور الفتوى الشرعية بإعدامه !!



والكتاب التالي نموذج لمنهجية إدارة الإمام (ع) للشيعة ، قال : ( نسخة الكتاب مع ابن راشد إلى جماعة الموالي الذين هم ببغداد المقيمين بها والمدائن والسواد وما يليها :



أحمــد اللـه إليكم ما أنــا عليه من عافية وحسن عائدته ، وأصلي على نبيه وآله أفضل صلواته وأكمــــل رحمتـــه



ورأفته ، وإني أقمت أبا علي بن راشد مقام الحسين بن عبد ربه ومن كان قبله من وكلائي وصار في منزلته عندي ، ووليته ما كان يتولاه غيره من وكلائي قبلكم ، ليقبض حقي وأرتضيته لكم ، وقدمته في ذلك وهو أهله وموضعه .



فصيروا رحمكم اللـه إلى الدفع إليه ذلك وإليَّ ، وأن لا تجعلوا له على أنفسكم علة ، فعليكم بالخروج عن ذلك ، والتسرع إلى طاعة اللـه وتحليل أموالكم والحقن لدمائكم « وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ » « وَاتَّقُوا اللـه لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ » « وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُم مُسْلِمُــ ونَ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللـه جَمِيعاً » فقد أوجبت في طاعته طاعتي ، والخروج إلى عصيانه الخروج إلى عصياني ، فالزموا الطريق يأجركم اللـه ويزيدكم من فضله ، فأن اللـه بما عنده واسع كريـم ، متطـول على عبـاده رحيم ، نحن وأنتـم في وديعة اللـه وحفظته وكتبته بخطي والحمد لله كثيراً .



وفي كتاب آخر : وأنا آمرك يا أيوب بن نوح أن تقطع الإكثار بينك وبين أبي علي وأن يلزم كل واحد منكما ما وكل به وأمر القيام فيه بامر ناحيته ، فإنكم إن انتهيتم إلى كل ما أمرتم به استغنيتم بذلك عن معاودتي وآمرك يا أبا علي بمثل ما آمرك به أيوب أن لا تقبل من أحد من أهل بغداد والمدائن شيئاً يحملونه ولا تلي لهم استئذاناً عليّ ، ومر من أتاك بشيء من غير أهل ناحيتك أن يصيره إلى الموكل بناحيته ، وآمرك يا أبا علي بمثل ما أمرت به أيوب وليقبل كل واحد منكما ما أمرته به [31] .



وبالتالـي وبعد ثلاثة وثلاثين عاماً من الإمامة ، وقيادة طليعة الأمة أحضر الإمام الهادي (ع) نجله الإمام الحسن العسكري وأوصى إليه وأشهد خيرة الطائفة بذلك واستعد للرحيل .



وفي الثالث من رجب وفي ملك المعتمد باللـه فارقت روحه النقية الدنيا ونقل عن العالم الكبير ابن بابويه أن المعتمد قد دس إليه السم فمضى شهيداً !



وقال المسعودي : ولما توفي اجتمع في داره جملة بني هاشم من الطالبيين والعباسيين ، واجتمع خلق كثير من الشيعة ، ثم فتح من صدر الدار باب وخرج خادم أسود ، ثم خرج بعده أبو محمد الحسن العسكري حاسراً مكشوف الرأس ، مشقوق الثياب ، وكان وجهه وجه أبيه لا يخطى منه شيئاً ، وأضاف : وكانت الــدار كالسوق بالأحاديث ، فلما خرج وجلس أمسك الناس وكنا لا نسمع إلاّ العطسة والسعلة وقــــال : وصاحت سر من رأى يوم موته صيحة واحدة [32] .



ويظهر من المسعودي أن وفاة الإمام كانت في عهد المعتمد الذي استهل بعام 256 هـ ، وحيث كان أخوه الموفق الغالب على السلطة وهو الذي حضر جنازة الإمام ، ويقول المسعودي في ذلك : ووثب إليه



( الإمام الحسن العسكري ) أبو أحمد الموفق فعانقه ثم قال له : مرحباً يابن العم [33] .



وهكذا يظهر من الشيخ ابن بابويه الذي يرى أن المعتمد قد سم الإمام ، وعلى هذا فلا بدَّ أن تكون وفاته بعد عام 256 وليس كما قالوا عام ( 254 ) ، ويظهر ذلك أيضاً من كشف الغمة إذ قال : وفي آخر ملك المعتمد استشهد مسموماً [34] .



ولعل هناك اشتباهاً عند النسّاخ بين المهتدي والمعتمد ، إذ أن آخر ملك المعتمد يصادف عام 279 ، ولعل الذي استشهد في أيام المعتمد هو الإمام الحسن العسكري الذي استشهد عام 260 واللـه العالم .



/ 3