فاطمـة الزهـراء (سلام الله عليها )قدوة وأسوة - فاطمه الزهراء سلام الله علیها قدوة و أسوة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

فاطمه الزهراء سلام الله علیها قدوة و أسوة - نسخه متنی

سید محمد تقی مدرسی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید





فاطمـة الزهـراء (سلام الله عليها )قدوة وأسوة


تمهيـــد




القدوة هو ذلك الإنسان الذي يقود ركب البشرية إلى سبيل السلام . والأسوة هو ذلك المثل الأعلى لكل القيَم .



فالأسوة تعني النموذج الكامل ، لأفضل ما يفكر فيه الإنسان من خُلق وعمل ، بينما القدوة تعني الهاديَ إلى السبيل . بين سبل الحياة المتفرقة .



وإذ نكتب هذه السلسلة . باسم القدوة والأسوة فإنما نريد أن نشير إلى أن القادة الذين نشرح سيرة حياتهم ليسوا فقط قدوة الأمة بل هم أسوة الأمة أيضا .



فكما يجب أن نستنير بهداهم الذي خلّفوه لنا في أقوالهم ، فكذلك يجب أن نتأسى بهم في أعمالهم التي عملوها وكانت سنّة للبشر .



ويعتبر من ميزات الرسالات الإلهية أنها تصوغ ، جميعا ، أشخاصاً مثاليين ليكونوا النموذج الذي يجب أن يعجعله الفرد نصب العين ، فيطبق جميع شؤونه وفقه ليتخرج طبقاً لأفضل حياة كريمة .



أما سائر المبادئ فإنها حينما يفشل المنتمون إليها في صياغة نماذج مثاليين ، فإنهم يعمدون إلى أحجار جامدة .. وأخشاب صامتة . فيجعلونها الأسوة الرمزية التي يجب عندهم اتِّباع ما يُنسب إليها من الأساطير . وهكذا يحاولون سد الفراغ .. ومن ذلك كانت قديما أنصاف الآلهة التي كانت الشعوب المتخلفة تزعمها نماذج للبطولات الخارقة والأمجاد العظيمة .. ومن ذلك - حديثا - الجندي المجهول ، الذي يعتبر رمزاً للفدائي الذي يجب أن يتبع من قِبَلِ سائر المواطنين .



أما في الإسلام ، فقد جعل اللـه سبحانه حامل رسالته ، أسوة للأمة فقال : « لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللـه اُسْوَةٌ حَسَنَةٌ » (الاحزَاب/21) حيث اعتبر الأسوة معصوماً ، وقال : « وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى » (النجم/3-4) . وهو يعني كونه ، لايرتكب أي خطأ ولا يميل إلى أي انحراف . وإن لم يكن كذلك ، لبطل كونه أسوة ، ولم يصح ان يجعل الرسول سيداً مطاعاً في الخلق إذا أمكن أن يخطئ فيجر إلى تابعيه الويل ، وأمكن أن ينحرف فينكب بتابعيه الطريق ، وأمكن أن ينجرف إلى الأهواء ويتبع الشهوات فيهوي بالخلق إلى المهاوي بعد أن يبدل حكم السماء ويحرّف كلماته .



ولم تقتصر نعمة اللـه على المسلمين بجعل النبي أسوة ، إذ جعل لهم خلفاء للنبي ، وجعل كلاًّ منهم أسوة تتبع ، بعد ان جعلهم معصومين عن الزلل .. بل جعل للنساء من الأمة أسوة من جنسهن ، تكون رمز الفضائل والقيم ، وشاهدة على مدى صلاحية تعاليم السماء للتطبيق العملي بكلّ تفاصيلها ، وفي كلّ المجالات ... وتلك هي فاطمة الزهراء (ع) .



ففاطمة الزهراء التي أُضيئت هذه الأسطر بقبس من سيرتها الوهّاجة ، معصومة شأن سائر الأئمة والأنبياء عليهم صلوات اللـه . فهي إذاً ، لاتفعل سوى الحق ، ولا تتبع غير الحق ، وهي إذاً ، قد طبقت تعاليم السماء على نفسها تطبيقاً كاملاً . وهي - إذاً - قد أصبحت المثل المحتذى في جميع الفعال والخصال ، وهي لذلك كله القدوة ، والأسوة .



فإذا كيَّفنا حياتَنا وفق سيرتِها ، وأفكارَنا وفق أفكارها ، وتخلَّقنا بمثلِ خُلقها ، فقد بلغنا الصواب . لأنها كانت نسخة ناطقةً عن القرآن الكريم ، وشاهدة صدقٍ على واقعية تعاليمه الحياتية .



أقول ذلك في مقدمة هذه الصفحات - لكي نعرف أهمية البحث عن الصِّديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (ع) . لأنها تتصل بحياتنا بصورة مباشرة .




الفصل الأول: الأصل الكريم




« وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بإِذْنِ رَبِّهِ » (الاعراف/58)



محمد بن عبد اللـه ( صلى اللـه عليه وآله ) رسول اللـه وخاتم النبيّين وسيّد المرسلين ، هو والد فاطمة (ع) ، وأَعْظِمْ به رسولاً ، وأَكْرِمْ به أبّاً .



وخديجة بنت خويلد ، أم المؤمنين ، والسابقة إلى الإسلام والمحامية عن دين اللـه والمضحية في سبيل الرسالة ، هي أمّ فاطمة (ع) .



في أجداد النبي ( صلى اللـه عليه وآله ) شخص يُسمى ( لؤي بن غالب ) إليه يسمو نسب خويلد ، والد خديجة . فهو ابن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن كعب بن غالب .



ولقد كان خويلد من سادة قريش ومن أثرياء مكة ، وكان له من الأبناء ثلاثة : العوّام وهالة وخديجة .



العــوّام هو والد زيد بن العوّام .. وصهر سيد قريش ، عبـــد المطلب - جدَ النبي ( صلى اللـه عليه وآلــه ) - فمن ذلك كان لزيد صلتان بفاطمة عليها السلام في النسب . فهو من جهة ابن خال ، ومن جهة ابن عمّة فاطمة (ع) .



وأما هالة بنت خويلد ، أخت خديجة (ع) فإنها بقيت في الحياة إلى ما بعد الهجرة ، وكانت تتردد أحياناً على النبي ( صلى اللـه عليه وآله ) في المدينة ، فكان الرسول ( صلى اللـه عليه وآله ) يبدي لها احتراماً بالغاً نظراً إلى نسبتها إلى خديجة - الزوجة الحانية والحامية - للرسول وكان يأخذ عائشة زوجة الرسول ما يأخذ النساء من أمر ضرّاتهن . بيد أن النبي ( صلى اللـه عليه وآله ) كان ينهرها ، مشيداً بمواقف خديجة ومآثرها التي تقتضي تكريم النبي ( صلى اللـه عليه وآله ) لها في احترام أختها .



كان من المنتظر أن تتزوج خديجة في شبابها بابن عمها نوفل بن أسد ولكنّ الزواج لم يتم ، لأن نوفل كان من الحكماء في الجزيرة فشغله البحث عن الحقيقة عن الزواج . وتقدم بعد نوفل سيد من زعماء بني تميم للزواج بخديجة وكان يسمى بـ هند بن بناس . ولكن هذا الزواج لم يسعد إذ توفّي هند في شبابه ، وترك خديجة أرملة غنيّة .



وكــان عتيـــــق بن عابد من مشاهير كرماء العرب ، فتقدم إلى الزواج بخديجة ، ورزق منها ابنـة سماهـــا بـــ



هند غير أنه مات هو الثاني وترك هنداً ابنته يتيمة في بيت خديجة .



وكان مولد خديجة خمسة عشر عاماً قبل الحدث التاريخي لهجوم أبرهة على مكة ، الذي كان مبدأ تاريخ العرب . واشتهرت تلك السنة بـ عام الفيل .



ومع ذلك فقد تزوجها النبي ( صلى اللـه عليه وآله ) ثالث ثلاثة ، نظراً لرغبتها في ذلك ، ولِمَا عرفه الرسول في نفس خديجة من حب الخير والدفاع عن الحق ، ولٍمَا اتَّصــف به من الحكمة ، والخلق الفاضل . أمّا هي فقد أحبت النبيَّ ( صلى اللـه عليه وآله ) بعد سفرة تجارية ارتحل بها النبي ( صلى اللـه عليه وآله ) إلى الشام في مال خديجة ، لِما رأت هي وأخبرها عبدُها الذي رافق النبي ( صلى اللـه عليه وآله ) - في الرحلة - من مكارم الخلق ، وبشائر النبوغ ، والعظمة . ولعلها كانت قد علمت بنبوة الرسول ، فرغبت في الزواج به .



وتمّ وسعد الزواج الجديد بين محمد بن عبد اللـه ( صلى اللـه عليه وآله ) وبين خديجة .. وكان من أكثر الزيجات بركة في الإسلام ، وقد أنجبت خديجة للنبي أولاداً صالحين ، هم :



1- القاسم : الذي ولد قبل البعثة . وتوفي قبلها أيضاً . وبه كُنّي النبي ( صلى اللـه عليه وآله ) بأبي القاسم .



2- عبد اللـه : الذي كان كأخيه ، في الميلاد والوفاة قبل البعثة . على القول المشهور .



3- الطاهر : الذي ولد في الإسلام . وبذلك سمّي الطاهر ولكنه توفي أيضاً .



4- زينب : وكانت أكبر بنات الرسول .. وتزوجت بابن خالتها أبي العاص بن الربيع ، وأنجبت له بنتاً ، وولداً . وهما أمامة وعلي . أما أمامة فقد حظيت - في يوم من الأيام - بالزواج من الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بعد فاطمة الزهراء (ع) وبوصية منها . وأمّا عليّ فقد وافاه الموت طفلاً .



وتوفيت زينب - أكبر بنات النبي ( صلى اللـه عليه وآله ) في السنة الثامنة للهجرة .



5- رقيّة : وتزوجت بابن عمها عتبة بن أبي لهب . ولكنه كان عدوّاً شديد العناد للإسلام . مثل والده أبي لهب المعروف بعدائه الشديد للدِّين الجديد . وحيث إنه سبّب مشاكل للنبي ( صلى اللـه عليه وآله ) ولسير الدعوة الإسلامية فقد دعا عليه الرسول .. واستجيبت دعوته حين مزقته أسود الحجاز ، وظلّت رقيّة أرملة .



ثم تزوجها عثمان بن عفان ، ورزق منها ولداً سماه عبد اللـه إلا أنه توفي في الطفولة . ولم يرزق منها ولداً غيره . حتى لـبَّـت رقيّة دعوة ربها . فماتت في نفس الوقت الذي كان الرسول يجاهد كفار قريش عند آبار بدر .



6- أم كلثوم : التي سميت آمنة باسم أمّ النبي ( صلى اللـه عليه وآله ) آمنة بنت وهب ، وتزوجت بابن عمها أبي لهب الذي كان يدعا بـ عُتيبة ولكن الزواج لم يسعد . نظراً للخلاف القائم بين الزوجين حيث أصرَّ أبو لهبٍ على عناده ، وأجبر ولده على طلاق زوجته ، بنت النبي ، أذيّة له وتنكيلاً به .



وتزوجها بعد فراق عُتيبة - عثمان بن عفان - لأن رقية كانت قد توفيت في ذلك الوقت .. ولكن أمّ كلثوم ماتت هي الأخرى في السنة التاسعة للهجرة .



7- فاطمة الزهراء (ع) :



كانت خديجة ملكة الحجاز ، في ثرائها العريض ، وتجارتها الواسعة . وكانت مشهورة بحسن الخلق ورجاحة العقل ، وحينما تزوجت بالنبي ( صلى اللـه عليه وآله ) كانت الزوجة المثالية في إدارة الحياة داخل البيت وخارجه وفي تربية السلالة الطيبة .



وحينما بُعث النبي ( صلى اللـه عليه وآله ) بالرسالة ، استجابت للدعوة ، قبل كل أحد ، ورضخت لتعاليم الإسلام ، وطبّقتها على نفسها ، وأبدت نشاطاً واسعاً في تبليغها ونشرها ، كما أنها جعلت كلّ ثروتها في خدمة النبي ينفقها في سبيل اللـه حيث يشاء ، وحيث وجد الإسلام - أول الأمر - أُذناً واعية بين أبناء الطبقة الفقيرة ، وفي تحرير العبيد سواء بصورة مباشرة أو عبر وسطاء كأبي بكر الذي كان ثرّياً ولم يكن شراؤه للعبيد يثير شبهة عند أثرياء قريش . لأنه إنما كان يفعل ذلك من أموال خديجة وبأمر الرسول ( صلى اللـه عليه وآله ).



وقد حدا هذا العطاء اللامحدود من خديجة للإسلام ، حدا بالنبي ( صلى اللـه عليه وآله ) الذي لم يكن ينطق عن الهوى ، بكلمة واحدة إلى أن يبيِّن الحقيقة التي أصبحت وساماً على كتف التاريخ الرسالي بأنه : قام الإسلام بسيف علي ومال خديجة . فلقد كانت ثورة خديجة المالية ، بمثابة الحجر الأساس لبناء الأمة إقتصاديّاً ، كما كان سيف عليّ بمثابة الدرع الحصين لبنائها السياسي .. فإذا اجتمعا إلى جانب الرسول ( صلى اللـه عليه وآله ) الذي كان صاحب الوحي ، ومهبط الرسالة الإلهية ، تكاملت شروط بناء الأمة الرسالية الحنفية ثقافيّاً واقتصاديّاً وسياسيّاً .



كما أن تكامل خديجة النفسي وتفاعلها الفكري مع الرسالة الإسلامية . في كل بنودها النازلة حتى ذلك الوقت على الرسول ( صلى اللـه عليه وآله ) ، حدا بالنبي الكريم ( صلى اللـه عليه وآله ) إلى أن يجعل خديجة في مصاف النساء الأربع الكاملات كما جاء عنه عليه الصلاة والسلام إذ قال :



كُمل من الرجال كثير ، ولم يكمل من النساء إلاّ أربع :



- آسية بنت مزاحم .



- مريم بنت عمران .



-خديجة بنت خويلد .



- فاطمة بنت محمد . [1]



وكان ذلك أيضاً سبباً في ان يكون لموت خديجة أثر بالغ في فؤاد النبي ( صلى اللـه عليه وآله ) لتأثيره في انتشار الدعوة ، تأثيراً بالغاً ، حتى سمي ذلك العام الذي توفيت خديجة فيه بـ عام الحزن فقد ورد على النبي ( صلى اللـه عليه وآله ) فيه مصيبتان كبيرتان : وفاة أبي طالب كفيله ونصيره في كل موقف ، وموت خديجة بنت خويلد زوجته المدافعة عنه وعن دعوته .


الفصل الثاني: الشجرة المباركة




( عن أبي جعفر عليه السلام عن جابر بن عبد اللـه قال :



قيل يا رسول اللـه انك تلثم فاطمة وتلزمها وتدنيها منك وتفعل بها مالا تفعل بأحد من بناتك ؟



فقال : إن جبرائيل أتاني بتفاحة من تفاح الجنة فأكلتها فتحولت ماءً في صلبي ثم واقعت خديجة فحملت بفاطمة فأنا أشم منها رائحة الجنة ) . [2]



ولا زالت تحفها هالة من المعاجز الخارقة ، وهي في بطن أمها تكبر ساعة بعد ساعة حتى أنها كانت تحدث أُمها وهي في بطنها ، فتؤنسها بذلك ، حتى وُلدت وكان لميلادها ميزة تدل على اهتمام الخالق بها اهتماماً بالغاً .



وقد يتملكنا العجب حين نرى مثل ذلك مخصوصاً بميلاد فاطمة ، مع أنها لم تكن بالبنت الوحيدة لنبي الإسلام ( صلى اللـه عليه وآله ) ، ولا بالبنت الكبرى ، كما أنها لم تكن من الذكور .



ولكن يجب أن نعرف أن الكبر والصغر لايعترف بهما الإسلام كمقياس .. كما أنه لايعترف بمقياس الأنثى والذكر بصفة عامة ، بل المقياس المعترف به في الإسلام إنما هو الحكمة البالغة التي يفعل اللـه بحسبها ما يشاء . كما أن هناك مقياساً آخر معترفاً به في الإسلام ، وهو مقياس العمل الصالح ، وكلاَّ من المقياسين له موقعه .



فالمقياس الأول : يتحكم في الشؤون الكونية . أي في مرحلة التكوين ، فخلق الشمس والقمر والأرض وو.. ، إنما هو خاضع لمقياس الحكمة .



وأما المقياس الثاني : فهو يجري في الأمور التشريعية ، أي في جانب الاختيار الذي اصبح الإنسان بسببه مختاراً مريداً .



فـــإذا أردنا أن نعرف الرجل الطيب الذي يحبه اللـه ، وجب علينا أن نقيسه وفق المقياس الثاني ، فننظر



إلى أعماله وإلى الأمور التي فعلها هذا الفرد نفسه بإرادته وبمشيئته الخاصة . أما مقياس النسب أو العنصر أو البلد أو ما اشبه ذلك ، فليست هذه المقاييس معترف بها في الإسلام ، أبداً .



فالإسلام لايعترف بألف أبي لهب ، في مقابل سلمانٍ واحد ، مع كون أبي لهب عمّ النبي ( صلى اللـه عليـــه وآلــــه ) وابن سيد قريش عبد المطلب ، ومن الأسرة المختارة ، بني هاشم . مَن بأيديهم رفــادة البيت ، وسقاية حجاجه ، وكون سلمان عبداً أعجمياً ، لفظَته البلاد ، ونقضت قواه السنين .



كما لايعترف الإسلام بألف عتبة وعتيبة . وهما صهرا النبي ( صلى اللـه عليه وآله ) الثريَّين ، في قبال بلال الرجل الأسود ؛ وإن كانا ابنا أبي لهب من أشد الناس بياضاً ، وكان بلال من أشدّهم سواداً .



وهكذا الإسلام لايعترف بألف أبي سفيان ، وهو قائد قوات مكة العربية ، في قبال صهيب وهو مستضعف من بلاد الروم البعيدة .



وفاطمة الزهراء (ع) يلفتنا من حياتها جانبان كلّ منهما يرضخ لمقياس ، وهما :



الأول : ما نراه يحدث قبل ميلادها . من تكوينها عن فاكهة الجنة وحديثها لامها وهي جنين ، ومرافقة ميلادها حوادث خارقة ، مما يدل على أن لله تعالى عناية خاصة بها من جميع الجوانب ، أترى ذلك بأي مقياس ؟.



إنه وفق المقياس الأول - أي الحكمة البالغة التي يفعل اللـه حسبها ما يشاء سبحانه وتعالى - .



فلحكمـــةٍ خص اللـه فاطمة عليهــا السلام بهذه المزايـــا دون سائر النســـاء جميعـــاً ، وبينهن بنات النبـــي ( صلى اللـه عليه وآله ) وزوجاته .. وبنات المهاجرين والأنصار وزوجاتهن ، وذلك لمصحلة شاء اللـه أن يجعل بين الأمة الإسلامية مَن تَفوق درجةً على مريم عليها السلام سيدة نساء عالمها أي جميع نساء زمانها .



ولأمر خلق اللـه فاطمة عليها السلام من ثمر الجنة . بينما كان للنبي ستة أولاد آخرين لم يخلقوا من ثمر الجنة .



ولسبب رافقت فاطمة سلام اللـه عليها حوادث خارقة لم ترافق ميلاد سائر أولاد النبي ( صلى اللـه عليه وآله ) .



ونحن لانعرف كل شيء عن الحكمة الإلهية البالغة ، أكان ذلك لكي تضاهي الأمة الإسلامية الأمم السابقة ، فإذا كانت مريم (ع) سيدة نساء عالمها في أمة عيسى ، تكون فاطمة (ع) سيدة نساء العالَمين في أمة محمد ( صلى اللـه عليه وآله ) .



أجل ، لانعرف أكان ذلك من أجل ذلك ، أم كان لأن العرب مثل سائر الأمم ، كانوا يبالغون في النيل من المرأة . والحط من شأنها حتى جعلوها حيواناً خلق على صورتهم ليخدمهم وليقضي حوائجهم الجنسية ، فأراد اللـه ان يقتلع هذا المفهوم الخاطئ المخالف للواقع عن أفكارهم وينقذ البشرية من آثاره السيئة فجعل



للنساء سيدة يفتخرن بها ويتطاولن على الذكور ؟



أم كان ذلك لأن اللـه تعالى أراد ان يجعل لهذه الأمة أئمة يهدون بأمره ويرشدون إلى سبيله ، فقدر كونهم من خير سلالة ، وأفضل ذريّة ، من النبي خاتم الأنبياء والوصي سيد الأوصياء ، فخلق فاطمة (ع) لتكون الصلة الرابطة بين نور الجانبين ؟ نور النبي ونور الوصي ؟!



كل ذلك ممكن . ولكن الأمر الذي يطمئن إليه الباحث بعد مطالعة دقيقة لجميع جوانب حياة فاطمة الزهراء عليها السلام ، هو أنَّ اللـه تعالى كما أراد أن يجعل للأمة قادة من الذكور ، شاء أن يخلق لها قدوة من الإناث ، لكي لايبقى للنساء مجال للعذر عن التمسك بتعاليم الإسلام ومُثله وَقيِمه بصورة مجتمعة ، بحجة أن الذين تمسكوا بكل ما في الإسلام إنما كانوا من الرجال وليس من النساء ، وأن قوى الرجل ومواهبه وكفاءاته أكبر من المرأة .



لقد تلطف اللـه سبحانه في دعوة عباده إلى نفسه ، حتى لم يُبق عذراً لمعتذر ، ولا حجة لمن يريد التبرير . فجعل للنساء أسوة تشاركهن في المسؤوليات العامّة ، كالشؤون المنزلية ، مثل الحمْل والوضع والتربية . والأعمال البيتية من طبخ وتنظيف ، والوظائف الشرعية ، مثل الحجاب وإطاعة الزوج ، وقلّة الحظ في الميراث والشهادة ، وما إلى ذلك ..



ان ما تختص به المرأة من المسؤوليات الفطرية أو غير الفطرية ، قد تصبح عند البعض داعيا إلى انسحابها من ميادين العمل الديني والتواني عن بعض التكاليف الشرعية . ولكن اللـه حيث جعل فاطمة (ع) مثالاً لكل الفضائل والقيم ، مع ما كانت عليها من المسؤوليات الخطيرة في تلك الظروف العصيبة ، لعله أراد - سبحانه - قطع حجة أية امرأة تبرر تقاعسها عن واجباتها أنها من الجنس الضعيف .



فما حكمة خلق فاطمة عليها السلام بهذه الكيفية ، إلاّ كحكمة خلق الأنبياء والأوصياء ، بما فيهم رسول الإسلام محمد ( صلى اللـه عليه وآله ) والأئمة المعصومين عليهم جميعاً الصلاة والسلام ، خلقهم بتلك الكيفية مفضلين على سائر الناس درجات ، ومخصوصين بمواهب وكفاءات .



فليست حكمة عصمة الأنبياء والأوصياء وتفضيلهم ، إلاّ أنهم أسوة وقدوة للناس ، وأنّ على الخلق اتِّباعهم واتخاذهم مثالاً لحياتهم . وكذلك حكمة خلق فاطمة عليها السلام من بين النساء . وإذا كان النبيّون والأوصياء سادة الخلق ، فإن فاطمة (ع) سيدة نساء العالمين .



الثاني : والجانب الآخر من حياة فاطمة الزهراء عليها السلام ، يتعلق بالآيات النازلة في حقها ، والأحاديث المروية فيها عن النبي ( صلى اللـه عليه وآله ) . ونتسائل لماذا وردت هذه النصوص بشأن فاطمة (ع) دون غيرها من النساء ؟ ولماذا جاءت هذه النصوص بحقها دون سائر أخواتها من بنات النبي ( صلى اللـه عليه وآله ) .



والجـــواب : إنمــــا وردت هـذه النصوص وفقاً للمقياس الثاني المذكور آنفاً ، وهو : أنَّ اللـه جعـــل مقيـــاس



الفضيلة والرفعة عنده العمل الصالح دون النظر إلى شخص العامل وجنسه . وفاطمة الزهراء عليها الصلاة والسلام ، حيث أدركت هذه الحقيقة ، لم تعتمد على مكانتها عند الناس بقربها إلى النبي ( صلى اللـه عليه وآله ) والوصي (ع) نسباً وسبباً ، كما لم تعتمد على مكانتها عند اللـه تبعاً للمقياس الأول الذي اشرنا إليه ، بل راحت تجتهد بنفسها لبلوغ الكمال العظيم .



ولقد كان المفروض أن توثق فاطمة عليها الصلاة والسلام صلتها القريبة برسول اللـه ( صلى اللـه عليه وآله ) فتعتمد عليها ، ولكنها أوثقت صلتها باللـه الذي بعث هذا الرسول ، وجعله نبيّاً ، وأعطاه ما أعطاه مـــن الرفعة والسناء . وسوف تظهر في خلال الاسطر الآتية ، هذه الحقيقة بصورة أوضح إن شاء اللـه تعالــى .



كان ذلك اليوم ، يوم العشرين من شهر جمادي الثانية بعد المبعث النبوي بسنتين أو خمس سنين - وكانت شقة الخلاف تزداد بين النبي ( صلى اللـه عليه وآله ) وبين قريش كل يوم ، وكانت أموال خديجة تُنفق في سبيل الدعوة ، فلا يبقى لها ، ذلك الثراء العريض ، ولا تلك التجارة الواسعة ، بل اقتربت من الفقر ، من جانب ، وتصلّب موقفها للدعوة ضد الأفكار الرجعيّة التي كانت نساء قريش قد تعودت عليها ، وتبنّت الدفاع عنها من جانب آخر ، فقد تخلت عنها نساء قريش مرة واحدة .



كانت رقعة الخلاف تتسع بين قريش والمسلمين . وكان عداء قريش وحسها بضرورة الإنتقام يتطور من سيئ إلى أسوأ ، إذ أرسلت خديجة - تماماً في العشرين من شهر جمادي الثاني - أرسلت إلى نساء قريش تطلب منهن العون في أمر الولادة . ولكنهن جابهناها بالرد المشوب باللوم ورفضن التعاون معها .



جلست خديجة كئيبة حزينة ، إذ لم تكن هناك نساء يستأجرن لهذا الغرض مثلما هو موجود الآن . كما لم تكن هنالك مستشفيات للولادة . ومن المعلوم أن المرأة تحتاج في مثل هذه الحالة إلى من يلي أمرها .



جلست كئيبة ، وحق لها ذلك . ألم تكن بالأمس سيدة قريش ، وملكة الحجاز ، تقوم على أموالها تجارة الجزيرة شمالاً ، وجنوباً ؟ ولكنها حين أنفقت أموالها في سبيل اللـه ، بقيت مضطرة منفردة مُعرض عنها حتى من تلك النسوة اللاتي كنّ خدمها بالأمس القريب .



وإني هنا أسأل القارئ الكريم ، ماذا كان ينبغي لجلال اللـه ورحمته الواسعة أن يفعل بخديجة التي لولا أنها تبنت الدعوة إلى الإسلام ، وصرفت أموالها في سبيلها لكان وضعها مختلفاً جداً ؟



ماذا ينبغي لكرم اللـه الودود الرحيم الذي خاطب مريم الصديقة عليها السلام - في حالة متشابهة - بأن تهز جذع النخلة لِتُساقِطَ عليها رطباً جنياً . اللـه الذي فلق جدار البيت لفاطمة بنت أسد ، في حالة مماثلة لتدخل البيت ، وتلد علي بن أبي طالب (ع) ؟



ماذا ينبغي لكرم وجهه أن يفعل في هذه الساعة ؟. لقد كانت خديجة جالسة في حالتها الكئيبة ، إذ رأت نساءً سمراً طوالاً وردن عليها البيت ، وقالت إحداهن : لا تخافي ولا تحزني ، فانا معك ، جئناك لنلي منك ما تلي النساء من مثلك في هذه الحالة . ثم أضافت تقول : أنا سارة زوجة إبراهيم ، وهذه آسية بنت مزاحم ، وهذه مريم بنت عمران ، وهذه كلثم أخت موسى .



ثمَّ أخذن يتعاونّ في أمر المخاض ، حتى ولدت فاطمة عليها الصلاة والسلام ، قالت وهي تستهلّ الكلام في هذه الحياة :



( أشهد أن لا إله إلاّ اللـه ، وأن أبي رسول اللـه ، سيد الأنبياء ، وأنّ بعلي سيّد الأوصياء ، ووُلْدي سادة الأسباط ) .



ثم أخذت تنشأ نشأة مباركة .



وقد ابتدأت حياة فاطمة عليها الصلاة والسلام ، في الوقت الذي كانت قد ابتدأت للنبي ( صلى اللـه عليه وآله ) حياة الجهاد والمقاومة الفكرية العنيفة تماماً ، وفي تلك السنين التي كان النبي يتلقى الوحي الإلهي ، يأمره بأن يصرح بالرسالة دُون أن يعبأ بما في طريقه من أشواك دامية ، وعقبات كأْداء ، فقام النبي ( صلى اللـه عليه وآله ) بأعباء الرسالة الإسلامية ، وقامت ضده قوى الضلال تهدف إلى إحباط جهوده ( صلى اللـه عليه وآله ) وصده عن الدعوة بكل وسيلة .



وكانت فاطمة تترعرع في تلك الظروف المتأزمة التي كان النبي ( صلى اللـه عليه وآله ) كلما بالغ في الدعوة إلى اللـه والحق ، بالغ أعداؤه في التنكيل به وتعذيب أصحابه .



لقد عاشت فاطمة عليها الصلاة والسلام مأساة الشِّعب ( شِعب أبي طالب ) حيث كانت ضمن صغار السن الذين منعت قريش عنهم الطعام .. فكانوا يتضوّرون جوعاً ، وكانت ذئاب قريش تحرس باب الشِّعب لكي لا يتسرب إلى المسلمين شيء من الطعام .



ولقد شاهدت فاطمة عليها الصلاة والسلام بعدما أفرج عن المسلمين من حصار شِعب أبي طالب ، شاهدت أباها ذات مرة ، وقد ألقت قريش سَلا الجزور على رأسه ، وهو ساجد يصلي لربّه ، فجاءت وطرحت السلا عن رأس والدها ، وقد أخذ منها الحزن والتأثر ، مأخذاً بليغاً .



ولقد شاهدت أباها أيضاً وهو مهاجر إلى الطائف ، مبلِّغ في أهلها دعوة اللـه ، ولم يستجب له أحد .



كما شاهدت ذلك اليوم الذي كانت أمها خديجة (ع) تضطرب على فراش الموت وتلفظ أنفاسها الأخيرة وهي لا تملك من مال الدنيا شيئاً . بعدما كانت تجارتها تملأ سهول الحجاز وبطاحها . حتى إذا استجابت دعوة ربها ، لم تملك حتى ما تكفَّن به .



نعم لقد لاحظت فداء أمها خديجة للدِّين ، وتفانيها في سبيله ، ودفاعها عنه بكل ما كانت لديها من القوة والإمكانات ، فتأثرت بذلك ، وطُبعت في نفسها معانٍ حيّة .. بقيت في ضميرها تبعث الحيوية والنشاط في سبيل الدين .



فكانت كآبة وفاة أمهـا ، تمتزج في قلبها ببطولات خديجة ، لا كأمٍّ لها فقط ، بل كأم للمؤمنين والمؤمنات



أيضاً ، وكمدافعة عن الحق ، ومضحية في سبيله بكل شيء .



ولقد كانت فاطمة عليها الصلاة والسلام تعيش في السنين الأولى من حياتها ، التجارب التي قلَّما اتفقت لأحد أن يعيشها في التاريخ .



إنها سايرت الدعوة ، في معركتها العنيفة ، وهي في قلب المعركة . لأنها كانت ، بنت قائد المعركة ، وهو النبي (ص) ، فلذلك كانت تدور اينما دارت المعركة وتعيش وفق ما عاشت .



لم يذكر التاريخ عن حوادث تتعلق مباشرة بفاطمة عليها الصلاة والسلام أثناء وجودها في مكة ، إلاّ أننا واثقون من أن حياتها فيها لم تكن خالية عن الأذى . ولقد بغلت الصلافة بقريش الكافرة مبلغاً يدل على أنهم كانوا يتعرضون لاذى أهل النبي (ص) كتعرضهم لأذى النبي ( صلى اللـه عليه وآله ) نفسه وكتعرضهم لأذى أهل بيت سائر المسلمين .



فمن الموثوق به أن فاطمة عليها الصلاة والسلام ابتليت باذى قريش كثيراً . كما أنَّ حياتها ، كانت محفوفة بالمخاطر . هذا كله إلى جانب ما كان يصيبها من الأسى ، بصورة غير مباشرة ، إذ أن كل صدمة كانت ترد على النبي (ص) فإنما كانت صدمة بالغة الأثر بالنسبة إلى فاطمة عليها الصلاة والسلام .



وحينما أُحيط بيت محمد (ص) وقد أرادوا قتله كانت فاطمة عليها الصلاة والسلام تلاحظ ذلك .. وحينما هاجر النبي (ص) إلى المدينة كانت فاطمة عليها الصلاة والسلام تشعر بمرارة الفراق .. وكانت كذلك حينما كُلِّف الإمام أمير المؤمنين (ع) من قِبَلِ النبيّ (ص) بأن يهاجر مع من بقي من أهل بيت النبي . الذين كانوا يتألفون من الفواطم .



فاطمة بنت اسد . أم الإمام وزوجة سيد الأباطح أبي طالب ، فاطمة بنت الزبير بن عبد المطلب ، فاطمة بنت محمد عليها الصلاة والسلام . [3]



وسار الركب إلى المدينــــة . ولحقتها سريّة مسلحة من قِبَلِ قريش لكي تمنع لحوق أهل النبــي (ص) بـــه ، فاشتدت المعركة بين الإمام علي (ع) وبين تلك السريّة ، حتى هزمها الإمام ، وبعد ان كبدهــا خسائــر .. كانت فاطمة عليها الصلاة والسلام حينذاك ، في الركب المهاجَم عليه .



وكان النبي (ص) ينتظر قدوم ابنته فاطمة عليها الصلاة والسلام والإمام (ع) ، فلم يدخل المدينة حتى لحقا به .



وكانت فاطمة في المدينة ، ترافق الأحداث .. وتراقبها فتنصقل شخصيتها وتكتمل يوماً بعد يوم ، ففي يـــوم أُحـــد إذ دارت الحرب على المسلمين جاءت فاطمة عليهـــا الصـــلاة والســـلام تضمّد جراح والدها برمـــاد



حصيرة أحرقتها وأخذت سيفي النبي والوصي عليهما السلام وغسلتهما ونظفتهما .



وكان لزواج فاطمة من بين أحداث حياتها قصة تُروى ، فتأخذ جانباً عظيماً من حياتها . والواقع أن زواجها تمَّ وفق القيم الإسلامية ، في كل جوانبه ، ولذلك فقد أصبح النموذج والمثل لكل زواج لابد منه لكل إنسان .



ولقد جعل الفقه الإسلامي الطريقة التي اتبعت في زواج فاطمة عليها الصلاة والسلام سنّة مندوبة ، لأنها كانت صورة مجسدة لتعاليم الإسلام . وإليكم شرح هذا الحدث ، بإشارة إلى المواقع الحساسة منه .



أوّلاً : الخطبة



كان الزواج يتحقق في بساطة ، ودون أن يُغالى فيه أو يُنقص من شأنه ، وكان مفهوم الزواج الإسلامي ، مفهوماً نابعاً عن واقعه وطبيعته ،من أنَّه ظاهرة فطرية ، جُعلت في الإنسان لبقاء النوع واستمرار الحياة . هكذا قرر الإسلام الزواج ، وهكذا وضع تعاليمه بالنسبة إليه .



ولذلك فلم يكن بحاجة إلى ما نعرفه في بعض المجتمعات المسلمة من مقدمات ومؤخرات لا فائدة منها .



كان يُبتدأ الزواج بخطبة الرجل للمرأة التي تعجبه من حيث الحسب والنسب ، ثم ينظر أهل المرأة في الزوج ، فإن رأوه صالحاً ، عينوا مهراً بسيطاً وأنكحوه ابنتهم بدون لف ودوران ، وبدون أن تمشي إلى بيت الطرفين طائفة من هؤلاء ، وطائفة من هؤلاء . ثم يبدأون محادثات طويلة ، بدون جدوى ، وكأن الزواج تحديد للعلاقات الدولية بين الشعوب ، كما هو الموجود في بعض البلاد .



ولذلك نرى أمير المؤمنين ، علي بن أبي طالب عليه السلام يأتي إلى النبي (ص) فيسلم عليه . ويتّخذ موقعه .. فيسأله النبي (ص) عن سبب مجيئه ، فيعرض عليه أمر الزواج بفاطمة (ع) فيقول النبي (ص) له بكلّ بساطة : أهلاً ومرحباً .



ثانيا : القبول



ولا يبت النبي (ص) الأمر إلاّ بعد أن يَعرض على فاطمة عليها الصلاة والسلام ذلك ، بكل تفاصيله ، يذكر لها موجزاً من تاريخ علي عليه السلام وشيئاً من فضائله ومناقبه ، وفاطمة تسكت مشيرة إلى رضاها بذلك ، فيقول النبي (ص) في هذا المجال : اللـه أكبر ، سكوتها رضاها .



إن الإسلام يعتبر المرأة إنسانة لها كرامتها ، ولها حقها في اختيار المصير . ورغم أن لوالدها أيضاً الحق في المساهمة في الإختيار ، لأن الأب أعرف بمواقع الخير لابنته . وإلاّ فإن أجحف الوالد ، وتطرف في استغلال هذا الحق ، فإن الشرع سوف يحدّد سلطته ويضع كل الحق بيد المرأة . وبهذا يتخذ المنهج الإسلامي في اختيار الزواج بلا إفراط ولا تفريط ، فلا يتفق مع الاسلوب الأوروبي الذي يفصل المرأة عن أسرتهـــا ، ويجعـــل لها وحدها الحق في اختيــــار زوج قد يسبّب انفصالها عن سائـــر أفراد أسرتهــا . ولا يوافــق



على منهج الجاهليين الذين كانوا يبتاعون ويبيعون المرأة ، كما يتعاطون الأمتعة والسلع .



ثالثا : الكفاءة



لقد بلغت فاطمة عليها السلام مبلغ النساء في الوقت الذي بلغت قوة المسلمين مبلغاً استطاعوا به ان يتحدوا أكبر قوة في الجزيرة .. وهي قريش مكة وتسابُق الرجال يريدون أن يكتسبوا شرف الزواج ببنت رسول اللـه (ص) فاطمة الزهراء عليها الصلاة والسلام التي كانت قد اشتهرت مآثرها ومناقبها ، وما لها من عفة ، وحياء وحكمة ، وسداد ، وورع واجتهاد ، وعلم ومعرفة .. هذا من جانب ، ومن جانب آخر ، كان المسلمون يعرفون مدى حب النبي صلى اللـه عليه وآله لفاطمة عليها الصلاة والسلام فلذلك تعرّض الكثير من ذوي الجاه والمال والشرف ، في ذلك ، ولكن النبي (ص) كان يردهم رداً لطيفاً لما كان يعرف من عدم صلاحيتهم لزواج فاطمة عليها الصلاة والسلام ، وعدم كفاءتهم لها . مضافاً إلى ما كان يعرفه النبي (ص) عن الوحي من أن زواج فاطمة ، المرأة المفضلة المعصومة في الإسلام ، والتي كان المقرر أن يكون منها نسل النبي (ص) وذريته ، وأوصياؤه وخلفاؤه ، إن زواجها يجب أن يكون بالرجل الذي يختاره اللـه سبحانه وتعالى .



ولذلك كان يقول لكلّ من يتعرض لهذا الأمر : إني أنتظر القضاء أي قضاء اللـه تعالى وحين جاء عليّ يعرض عليه ذلك ، أخبره بأن جبرائيل عليه السلام قد سبقه بذلك وهو يخبر بأن اللـه ، قد زوجها في السماء وأشهد على ذلك الملائكة .



كل ذلك لان عليّاً عليه السلام أفضل مَن مشى على الأرض بعد محمد (ص) وقد عرفه النبي (ص) بذلك كما عرفته فاطمة ، فهو الكفء الوحيد لفاطمة ، ولا يجوز تزويج البنت بغير الكفء . وبذلك يصرح الحديث المأثور عن أبي عبد اللـه عليه السلام أنه قال :



لـــولا أن اللـه تبارك وتعالى خلق أمير المؤمنين لفاطمة ما كان لها كفء على وجه الأرض آدم فمن دونــه [4] .



رابعاً : المهر والتجهيز



كلما تكلف المرء في العيش كلما ازداد تعباً . بينما البساطة والزهد يعطيانه الراحة . وكما يقول الإمام علي (ع) في حديث يصف فيه المؤمنين :



( أصابوا لذة زهد الدنيا في دنياهم ) [5] .



وتزداد أهمية هذه المعادلة عند الزعماء ، وبالذات عند الأئمة والهداة الربانيين .



ولعل بساطة مهر سيدة النساء وتجهيز بيتها كانت - بالإضافة إلى الزهد في درجات الدنيا - تهدف إلى تيسير قضية الزواج ليصبح زواج فاطمة مثالاً يحتذى لكل زواج رسالي . أَوَليست فاطمة بنت محمد بن عبد اللـه ، رسول اللـه صلَّى اللـه عليه وآله ، وهي صدِّيقة وزوجها سيد الوصيين الإمام عليّ ؟. فَلِمَ لا يصبح زواجها الرمز والنموذج .



وفعلاً إِنك تجد الأئمة (ع) لايتجاوزون في زيجاتهم هذا المثل بل يحددون أنفسهم ضمن مهر السنّة وهي قيمة مهر علي لفاطمة (ع) .



لقـــد كان المهر مقدار 480 أربعمائـــة وثمانين درهماً ، وفي بعض النصوص أنه كان خمسمائة درهــم .



أما التجهيز الذي قام بإعداده النبي (ص) فهو كالآتي :



1- قميص بسبعة دراهم .



2- خمار بأربعة دراهم ( وهو بمنزلة العباءة ) .



3- قطيفة سوداء خيبرية ( وهي دثار له خمل ) .



4- سرير مزمّل .[6]



5- فراشان من خيش مصر ( وهو قماش في نسجه رقة وخيوطها غلاظ ) . حشو أحدهما ليف ، وحشو الآخر صوف الغنم .



6- أربع مرافق من أدم ( وهي بمنزلة المخدّة ) حشوهما أذخر ( وهو نبت طيب الرائحة ) .



7- ستر رقيق من صوف .



8- حصير هجري ( أي مصنوع في هجر وهو بلد في اليمن ) وقد يكون الحصير من العلف .



9- رحى يدوية .



10- مخضب من نحاس ( أي إناء تغسل فيه الثياب مثل الطشت ) .



11- سقاء من أدم .



12- قدح ( كعب ) من خشب .



13- قسنّ ( سقاء ) .



14- مطهرة .



15- كيزان خزف .



16- نطع ( وهو بساط من أدم كان يستعمل لمائدة الطعام ) .



17- عباءة من صنع الكوفة .



18- قربة ماء .



19- شيء من الطيب .



ولقد جهّز الإمام بيته بافتراش صحن داره بالرمل الناعم ونصب خشبة طويلة بين جانبي الحائط لغرض تعليق الثوب عليه ( كالعلاقة ) . وافتراش غرفته بأهاب كبش ومخدة ليف فقط .



خامسا : الخطاب



وقال النبي (ص) للإمام تكلم لنفسك خطيباً ، فقال الإمام (ع) :



( الحمد لله الذي قرب من حامديه ، ودنا من سائليه ، ووعد الجنة لمن يتقيه ، وأنذر بالنار من يعصيه . نحمده على قديم إحسانه وأياديه ، حمد مَن يعلم أنه خالقه وباريه ، ومميته ومحييه ، وسائله عن مساويه . ونستعينه ونستهديه ، ونؤمن به ونستكفيه .



ونشهد أن لا إله إلاّ اللـه وحده لاشريك له ، شهادة تبلغه وترضيه ، وأنّ محمداً عبده ورسوله (ص) صلاةً تزلفه وتحضيه ، وترفعه وتصطفيه ، وهذا رسول اللـه (ص) زوجني ابنته فاطمة على خمسمائة درهم ، فاسألوه وأشهدوا ) .



فقال رسول اللـه (ص) :



( قد زوجتك ابنتي فاطمة على ما زوّجك الرحمن ، وقد رضيت بما رضي اللـه فنعم الختن [7] أنت ، ونعم الصاحب أنت ، وكفاك برضى اللـه رضىً ) .



ثم أمر رسول اللـه (ص) بطبق بسر أو تمر وأمر بنهبه .



وهناك حديث آخر يروي قصة الزواج عن لسان الإمام أمير المؤمنين (ع) ، سوف نثبته فيما يلي لأهمية هذه الزيجة في الإسلام . ويدل على هذه الأهمية أننا نجد في كتب الحديث والتاريخ حشداً ضخماً من الأخبار التي تتناول بتفصيل أو بإيجاز زواج علي من فاطمة عليهما السلام ، مما يعكس اهتمام السابقين من المسلمين بهذه الزيجة .



والحديث مروي عن الضحاك بن مزاحم قال : سمعت علي بن أبي طالب (ع) يقول :



( أتاني أبو بكر وعمر فقالا : لو أتيت رسول اللـه فذكرت له فاطمة .



قال : فأتيته فلما رآني رسول اللـه (ص) ضحك ثم قال : ما جاء بك يا ابا الحسن ، حاجتك ؟



فذكرت له قرابتي ، وقدمي في الإسلام ، ونصري له ، وجهادي ، فقال : يا علي صدقت ، فأنت أفضل مما تذكر .



فقلت : يا رسول اللـه ، فاطمة تزوجينها ؟



فقال : يا علي ، إنه قد ذكرها قبلك رجال فذكرت ذلك لها فرأيت الكراهة في وجهها ، ولكن على رسلِك حتى أخرج إليك .



فدخل عليها فقامت فأخذت رداءه ونزعت نعليه وأتته بالوضوء فوضأته بيدها وغسلت رجليه ، ثم قعدت،



فقال لها : يا فاطمة ! فقالت : لبيك لبيك ، حاجتك يا رسول اللـه ؟



قال : إن علي بن أبي طالب مَن قد عرفت قرابته ، وفضله ، وإسلامه ، وإني قد سألت ربي أن يزوجك خير خلقه وأحبهم إليه ، وقد ذكر من أمرك شيئاً ، فما ترين ؟



فسكتت ولم تحوّل وجهها ، ولم يَرَ فيه رسول اللـه (ص) كراهة ، فقام وهو يقول : اللـه أكبر ، سكوتها إقرارها .



فأتاه جبرائيل (ع) فقال : يا محمد زوجْها علي بن أبي طالب ، فإن اللـه قد رضيها له ورضيه لها فقال علي : فزوجني رسول اللـه (ص) ثم أتاني فأخذ بيدي فقال : قم بسم اللـه ، وقل على بركة اللـه ، وما شاء اللـه ، لا قوة إلا باللـه ، توكلت على اللـه . ثم جاء بي حتى أقعدني عندها ( عليه السلام ) ، ثم قال : اللـهم إنهما أحب خلقك إليّ فأحبهما ، وبارك ذريتهما ، واجعل عليهما منك حافظاً ، وإني أعيذهما بك وذريتهما من الشيطان الرجيم .[8]



سادساً : الزفاف



وركبت فاطمة على بغلة أبيها الشهباء ؛ وحفّت بها نساء النبي ينشدن أهازيج الفرح . وقد أخذ سلمان بلجام البغلة . وتقدم عليها النبي (ص) في وسط فتيان بني هاشم الذين كانوا قد جردوا السيوف وهم يلوحون بها ، إيماء بدفاعهم عن العرض والزمام .



/ 4