فاطمة الزهراء عليها السلام - هذه هی فاطمة علیها السلام نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

هذه هی فاطمة علیها السلام - نسخه متنی

سید محمد تقی مدرسی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید







آية الله السيد محمد تقي المدرسي


فاطمة الزهراء عليها السلام



قدوة الصديقين





«بسم الله الرحمن الرحيم*إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الاَبْتَرُ» صَدَقَ اللهُ العَليُّ العَظيمْ





المقدمة





الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا الأكرم محمد وآله الطيبين الطاهرين .




تتوالى الأيام ، وتتقادم الليالي ، وفاطمة الزهراء عليها السلام قمر يشع ، ولا يبلى بهاؤه .. إنها كلمة طيبة ترددها شفاه المؤمنين، ومنهاج يقتدي به الصالحون .. إنها شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء ، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها .




صحيح إن فاطمة رحلت عن هذه الدنيا إلى عالم الآخرة قبل أكثر من ألف وأربعمائة عام ، إلا أنها لم تسكن في زاوية من زوايا التاريخ ، ولم ينحصر ذكرها في أسطر مكتوية في صفحات مطويات ، بل هي حاضرة في ضمائر المؤمنين في كل عصر ومصر ، كما هي حاضرة في ضمائر الأحرار والحرائر من أبناء آدم وبنات حواء . ذلك لأنها نموذج الحق ، وقمة الإيمان ، ورمز تحدي الظلم ومواجهة الطغيان ..




ومن الملفت للنظر ؛ أن المؤمنين عـاشوا حياة فاطمة عليها السلام في عقولهم، في سلوكياتهم ، في عواطفهم ، في طموحاتهم ..دون أن يتثاقلوا منها يوما،بل لم يمل منها أحد ، وإنما تجد الأرواح تتلهف إليها حبا، والقلوب تهوي إليها شوقا .. دون أن ينصرفوا عنها إلى غيرها، لأنهم وجدوا فيها وعندها كل خير ؛ كما الشمس تشرق كل يوم ، والناس لا ينظرون إليها إلا حنانا وعطفا ورغبة ، لأنها مصدر كل خير ومعدن كل عظمة .




هذا الذي جعل الزهراء عليها السلام عنوان كبير لتأليف مئات الكتب من قبل كبار علماء الأمة وأدبائها .. ولم يتوقف قلم التأليف عنها ، بل وهو بذكرها ينعم ، وبمآثرها ومواقفها يفتخر.




وها نحن أيضا نكتب عن فاطمة عليها السلام ، وقد وجدناها معين ثر، لا ينقص منه شيء مهما غرفت منه .




وقد يقف البعض حائرا أمام شخصية الزهراء عليها السلام، متسائلا ً: كيف دخلت فاطمة التاريخ من أوسع أبوابه ، فسجل اسمها على جبين الدهر ، وحفظ حبها في قلوب المؤمنين ..ووقف الزمان لها إجلالا بكل لحظاته وعلى امتداد أيامه ، وهي لم تعش في هذه الدنيا أكثر من ثمانية عشر سنة وأشهرا ؟ فما أقصره من زمن ، وما أعظمه من بركة .فيا ترى بماذا صارت فاطمة فاطمة ؟




إنها ما نالت هذه العظمة إلا من عظمة الإسلام ، وقد تجلى الإسلام في كلماتها وشخصيتها وسلوكياتها ، حتى أن من يقرأ حياتها يتصور أنه قرأ الإسلام في أفكاره ومعتقداته.. ولم تبخل فاطمة بلحظة من حياتها لتكون في خدمة الإسلام . فمنذ أن فتحت عينيها على الحياة وإذا بها في شعب أبي طالب تعاني مع الرعيل الأول من المسلمين برفقة رسول الله صلى الله عليه وآله وأم المؤمنين خديجة سلام الله عليها من حصار مشركي قريش ، الذي أذاقهم الجوع والعطش ، وأبعدهم عن الناس .. عند ذاك لم تنتظر فاطمة أن تكبر حتى تلتحق بصفوف المناصرين للرسول والرسالة ، والمجاهدين في سبيل الله ، وإنما على صغر سنها بادرت بأعمال كبيرة ، مما دعا رسول الله أن يناديها بأم أبيها .




ولم ينته دور فاطمة عليها السلام في مكة المكرمة ، وإنما امتد مع هجرتها إلى المدينة المنورة ، حتى آخر لحظة من حياتها الشريفة، حيث لم تتوان في الدفاع عن إمام زمانها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وقد نصرته بكل وجودها حتى استشهدت وهي تحمل معها إلى الآخرة آثار الظلم الذي أصابها ؛ الضلع المكسور ، والوجه الملطوم ، والمتن المسود من الضرب ..




وبالرغم من القساوة التي واجهتها الزهراء عليها السلام ، وشدة الظلم الذي تحملته ..غير إن هذا لم يعد عليها وعلى أبنائها ومواليها .. إلا بالروح الوثابة ضد الظالمين ، والإصرار على مواصلة المسيرة الرسالية في الدفاع عن الحق المبين .




وبذلك صارت فاطمة مدرسة عبر التاريخ ، يتعلم منها الناس الشجاعة والشهامة ، والإباء والتحدي ..




وبقيت فاطمة قمرا منيرا لا يأفل ، يستضيء بها كل من يرفض الظلام، ويستهدي بها كل من يرفض الضلال .




ولأجل أن نحصل على شيء من نور فاطمة ، من معارفها ، من أخلاقها .. اقتطفنا بعضاً من محاضرات سماحة آية الله السيد محمد تقي المدرسي التي ألقاها في مناسبات عديدة فيما يخص السيدة فاطمة عليها السلام، ووضعناها في كتاب تحت عنوان : فاطمة الزهراء قدوة الصديقين. راجين من الله تعالى أن يعم نفعها المؤمنين ، والله من وراء القصد .


القسم الثقافي





في مكتب آية الله السيد محمد تقي المدرسي




5 / جماد الثاني / 1421 هـ




هذه هي الزهراء عليها السلام




* عن الامام الصادق عليه السلام: هي فاطمة الصديقة الكبرى وعلى معرفتها دارت القرون الأولى. ([1])




* الامام الحسين عليه السلام: أمي -فاطمة- خير منّي. ([2])




* الامام الحسن العسكري: وهي -فاطمة- حجة علينا. ([3])




* عن علي عليه السلام: دخلت يوماً منزلي فاذا رسول الله صلى الله عليه وآله جالس والحسن عن يمينه، والحسين عن يساره، وفاطمة بين يديه، وهو يقول: يا حسن ويا حسين، انتما كفتا الميزان وفاطمة لسانه، ولا تعدل الكفتان إلاّ باللسان، ولا يقوم اللسان إلاّ على الكفتين أنتما الامامان ولأمكما الشفاعة. ([4])




* روي عن مجاهد، أنه قال: خرج النبي صلى الله عليه وآله وهو آخذ بيد فاطمة، فقال: من عرف هذه فقد عرفها، ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمد، وهي بضعة مني، وهي قلبي وروحي التي بين جنبي، فمن آذاها فقـد




آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله.([5])




* قال رسـول الله صلى الله عليه وآله وسلم: فاطمة بهجة قلبي، وأبناها ثمرة فؤادي، وبعلها نور بصري، والائمة من ولدها أمناء ربي وحبله الممدود بينه وبين خلقه، من اعتصم به نجا، ومن تخلف عنه هوى.([6])




* روي عن سعد بن أبي وقاص، أنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول: فاطمة بضعة مني، من سرها فقد سرني، ومن ساءها فقد ساءني. فاطمة أعز البرية عليّ. ([7])




* قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن فاطمة ابنتي خير أهل الأرض عنصراً وشرفاً وكرماً .([8])




* قال النبي صلى الله عليه وآله: يا فاطمة؛ ابشري فإن الله تعالى اصطفاك على نساء العالمين، وعلى نساء الإسلام وهو خير الدين.([9])




* قال رسول الله صلى الله عليه وآلـه: فاطمة سيدة نساء أهل الجنة. ([10])




* قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنما سميت ابنتي فاطمة، لأن الله فطمها وفطم من أحبها من النار. ([11])




* قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: يا سلمان؛ من أحب فاطمة بنتي فهو في الجنة معي، ومن أبغضها فهو في النار.




يا سلمان: حب فاطمة ينفع في مأة من المواطن أيسر ذلك المواطن: الموت والقبر والميزان والمحشر والصراط والمحاسبة، فمن رضيت عنه إبنتي فاطمة رضيتُ عنه ، ومن رضيتُ عنه رضي الله عنه، ومن غضبت عليه غضبتُ عليه، ومن غضبتُ عليه غضب الله عليه.




يا سلمان؛ ويل لمن يظلمها ويظلم بعلها أمير المؤمنين علياً، وويل لمن يظلم ذريتها وشيعتها. ([12])




* قال الإمام علي عليه السلام عن فاطمة عليها السلام: فو الله ما أغضبتها ولا أكرهتها علـى أمر حتى قبضها الله عز وجل، ولا أغضبتني ولا عَصَت لي أمراً، ولقد كنت أنظر إليها فتنكشف عني الهموم والأحزان. ([13])




* وروي عن عائشة زوجة النبي إنها قالت: ما رأيت أحداً أشبه سمتاً ودلاً وهدياً وحديثاً برسول الله صلى الله عليه وسلم في قيامه وقعوده من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.




قالت: وكانت إذا دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قام إليها فقبلها وأجلسها في مجلسه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل عليها قامت من مجلسها فقبلته وأجلسته في مجلسها. ([14])




* وروي عن عائشة أيضاً أنها قالت: ما رأيت أحداً كان أصدق لهجة من فاطمة إلا أن يكون الذي ولدها صلى الله عليه وسلم. ([15])





الزهراء عليها السلام مدرسة متكاملة





جاءت النظرة الإلهية لتنسف روح الاستعلاء، والسيطرة العنصرية للرجل على المرأة، هذه السيطرة التي ظلت سائدة في مجال التعامل الاجتماعي مع المرأة طيلة قرون عديدة، وهي للأسف مازالت سائدة حتى في المجتمعات الغربية التي تدّعي تحرير المرأة، وإعطائها حقوقها.




وكان من نتيجة تلك النظرة العادلة ان ظهرت نساء ارتفعن وسمون الى منازل القدوة في جميع الخصال والصفات الرفيعة السامية ، فتراهن مثال الشجاعة والصبر والمقاومة والتحمل حين الإقدام، والمبادرة الى رفض الظلم والتجبر والطغيان.. فإذا بهن قمم شامخة في الشجاعة والجرأة والعلم والتقوى، وكل معالم الفضيلة، والأخلاق الرفيعة، وآفاقها الواسعة.




ولا شك ان فاطمة الزهراء عليها السلام تقف في مقدمة هؤلاء النساء الرافضات للظلم والطغيان ، والمعلمات للمرأة دروس الجهاد والمشاركة في تحمل اعباء المسؤولية الرسالية.




والسؤال المهم المطروح في هذا المجال هو : لماذا كان هذا النور الإلهي الذي انبثق من صلب خاتم النبيين والرسل محمد صلى الله عليه وآله، فتجسد في شخصية فاطمة الزهراء عليها السلام، وامتد في حياة ووجود الرسالة، وكان ركنا أساسيا في بقائها واستمرارها الى يومنا هذا ، ولماذا اقتصرت ذريته الكريمة صلى الله عليه وآله على هذه الريحانة الطاهرة المباركة ؟




السبب في ذلك دون شك أن فاطمة ، هذه الصديقة الطاهرة ، هي جزء لا يتجزأ من نور الرسالة، ودعامة أساسية من دعامات الإيمان. فالزهراء البتول عليها السلام غدت من خلال سيرتها الطاهرة، وظلامتها التي تتصدر كل ظلامة في التاريخ البشري؛ غدت مسيرة رسالية جهادية، وملاك رحمة للعالمين. فهي بذرة الشجرة الطيبة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء، وهي جوهر أهل البيت الطاهر الذي شاء الله عزّ وجلّ له أن يكون مشكاة لنور يسطع وهاجاً في ضمير الزمان، وعلى امتداد الدهور. ففاطمة عليها السلام هي أم أبيها قبل أن تكون أما لأحد عشر كوكبا يسطع في سماء الإمامة، وعالم الرسالة .


منطلق ذرية الرسول





فما هي الحكمة -يا ترى- في ان تشاء الإرادة الإلهية أن تكون ذرية الرسول صلى الله عليه وآله منطلقة من ريحانته الزهراء عليها السلام ؟




أن هذه الحكمة تتضح لنا اذا ما عرفنا أن المرأة التي أصبحت في أحيان كثيرة عرضة للاستضعاف والاستغلال وسلب حريتها وكرامتها، هي أحوج ما تكون الى من تقتدي بها في سلوكها وتصرفاتها في نطاق المجتمع والأسرة، لتكون هذه القدوة هي المدافعة عن حقوقها وكرامتها من الإجحاف والتطاول، ولتبثّ في النسوة كافة المعنوية العالية، والثقة بالنفس للدفـاع عـن كرامتهن، والمطالبة بحقوقهن، واستنكار الانحراف والاعوجاج في التعامل الاجتماعي معهنّ، وخصوصا فيما يتعلق باستبداد الرجال واستضعافهم لهنّ .




فلو تعرضت المرأة للظلم الاجتماعي ولم يكن بمقدور أي احد ان يطالب بحقوقها لأسباب قاهرة ، فما الذي تصنعه المرأة في هذه الحالة، وكيف تواجه هذا الظلم والإجحاف، وهل تتخذ موقف السكوت والصمت فتتنازل وتتراجع وتستسلم للهزيمة ؟




أن ذلك لا يمكن مادامت هناك فاطمة في التأريخ تتحدّى، وتقف في وجه الانحراف والظلم. فهي القدوة التي وقفت تطالب بحقها، لا طمعا فيه، بل لانه حق يجب أن لا تسكت عنه. وفي نفس الوقت فان مطالبتها هذه هي درس لكل الاجيال، وخصوصا الشطر النسوي من المجتمع بأن لا يسكتن عن المطالبة بالحق ، وتحقيق العدالة عندما ترتكب المظالم ، وتسحق الكرامات .




فالزهراء عليها السلام نزلت الى الساحة السياسية ودافعت عن حقها الذي كان ينطوي في حقيقته على الدفاع عن الإمامة، والتراث النبوي، وأولوية أهل بيت العصمة عليهم السلام في الإمساك بزمام أمور الأمة .




والمهم في قضية الزهراء عليها السلام تصدّيها بنفسها للدفاع عن الحق، حيث ان هذا الدفاع يمثل في حد ذاته قيمة إلهية، ولاسيّما عندما تنطلق صرخات الاحتجاج والمعارضة من فم امرأة مظلومة كفاطمة .




ومن ذلك كلـه تتجلـى أمامنـا الحكمة الإلهيـة التـي اقتضت أن تكــون




الصديقة الطاهرة عليها السلام هي العقب الطاهر ، والامتداد الكريم لرسول رب العالمين. فقد شاء الله تبارك وتعالى أن يمنّ على البشرية في آخر عهد من عهود الرسالات الإلهية برجل فوق كل الرجال سموّاً وعلوّاً وأخلاقاً رفيعة، وهو محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله؛ وبامرأة هي سيدة نساء أهل الدنيا والآخرة، ورثت علم النبوة والرسالة من أبيها، فكانت المدافعة عن تراثه صلى الله عليه وآله حتى آخر رمق من حياتها الشريفة .




وهكذا لم يكن من اللهو والعبث أو العاطفة الأبوية المحضة قوله صلى الله عليه وآله: فاطمة؛ أم أبيهـا ([16])، وحاشاه من ذلك وهو كما قال تعالى: « ما ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى » (النجم/2-5)، فقوله ذلك وقوله الآخر الذي اجمع عليه أهل القبلة كما في موسوعة بحار الأنوار: الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا ([17])لم يصدرا منه اعتباطا، بل هما تأكيد على الامتداد والبقاء الرسالي في فاطمة وعلي والذرية الطاهرة من أبناء الحسين عليهم السلام أجمعين.




وهذه الأحاديث وغيرها تعني ان قيم ومفاهيم وتعاليم الإسلام وتشريعاته كادت ان تمحى لولا الجهود التي بذلتها فاطمة الزهراء عليها السلام، ولولا تصدّيها، وهدير خطبتها التاريخية في نساء الأنصار عندما وضعت النقاط على الحروف ، وأبانت الحقائق لكل ذي لبّ .




وهكذا فمن أجل أن تدفع المرأة عن نفسها التردي والابتذال الرخيص اللذين ابتليت بهما في العصر الراهن ، فانها لابد لها ان تدافع عن نفسها، وتستنكر التيارات الجاهلية التي تستهدف النيل من عفّتها وكرامتها ، وذلك من خلال الاقتداء بالزهراء عليها السلام المرشدة والمعلمة الاولى لكل نساء العالم وعلى امتداد التأريخ. فقد علّمت هذه المرأة العظيمة النساء درس العفاف ، وصيانة الشرف والكرامة ، وحذّرتهن من الوقوع في شرك الشهوات الرخيصة، وسدّت عليهن عبر سيرتها المباركة أبسط منفذ من الممكن ان يؤدي بهنّ الى الانحطاط والابتذال.. فدعت المرأة الى ان تحفظ كرامتها وعزّتها ، وتصون استقلالها وشخصيتها ، وان لاترتضي لنفسها ان تكون دمية واداة بيد طلاّب الشهوات ، وحذّرتها من التبرج والتهتك المؤديين الى الانحلال والفساد والانحطاط الأخلاقي.


حجة اللـه على النساء





وهكذا فان هذا الامتداد الرسالي الذي تمثله سيدة نساء العالمين عليها السلام، هو مصداق قول النبي صلى الله عليه وآله: فاطمة أم ابيها ، وبذلك فإنها عنوان المرأة المتكاملة، والقدوة والمثل الأعلى لكل النساء اللاتي يردن لأنفسهن الشرف والاستقلال والحشمة، وعدم الابتذال والتهتك. ومن ذلك يتضح أن حق فاطمة عليها السلام على النساء هو حق عظيم. فهي الحجة عليهنّ أولاً، قبل ان تكون حجة بالغة على المؤمنين .




وعلى هذا الصعيد نشاهد اليوم بوضوح موجة العودة الى العفاف والتمسك بالحجاب، وفي المقابل نجد أذيال الاستكبار ورواد الفساد والتحلل واتباعهم يحاولون التصدي لهذه الموجة من خلال محاربة الحجاب، وشنّ الحملات الإعلاميّة الظالمة ضدّه. ولا غرابة في ان يصدر ذلك منهم، لأن انتشار هذا المدّ المبارك يعني انهدام ركن أساسي من أركانهم التسلّطية التي يقومون عليها، وبالتالي فانه سيؤدي إلى دمارهم ونهايتهم .




انهم يشجّعون التهتك والفساد بمختلف وسائلهم الدنيئة، بغية إلهـاء الشعوب المسلمة، وصرفها عن التفكير في مصائرها، واغفالها عما يجري من نهب لثرواتها، وسحق لكراماتها.. وعلى هذا فان نشر الفساد، والخلاعـة، ومظاهر التبرج انما هو هدف سياسي استعماري قديم. ومن هنا يجب على المرأة ان تعي هذه الحقيقة لكي لا تتحول الى وسيلة لتحقيق تلك الأهـداف، وبالتالي تكون السبب في نزول الضرر والدمار عليها وعلى أبناء جيلها .




الحجاب سيف في وجه الطغيان




لقد أصبح الحجاب اليوم سيفاً مشهوراً في وجه الطغيان والفساد ، واذا ما حملته المرأة المسلمة بشكل متواصل فانه يعني الإحباط والهزيمة والزوال للمستكبرين ، وشياطين الإنس المفسدين. فالحجاب يعني بالنسبة الى المرأة الاستقـلال الذاتي والعزة والكرامة، وهذه الحقيقة يجب أن تفهمها كل نساء الدنيا.




والحجاب ليس أمراً مفروضاً على إرادة المرأة، بل انه من جملة التشريعات التي تنسجم مع طبيعتها التكوينية التي هي أحوج ما تكون الى الستر والحشمة والعفاف، فهذه الأمور مما تناسب المرأة، وتجعلها تبدو اكثر هيبة وعظمة. ومحافظة على المواهب الطبيعية التي وهبها الخالق عزّ وجلّ لها.




فالحجاب هو من باب حفظ المرأة من التهتك والابتذال والخلاعة والميوعة، وهو لا يمكن ان يتعارض مطلقاً مع دورها الاجتماعي، بل انه يزيد من مسؤوليتها في تحمل أعباء هذه الأدوار، لان الحجاب هو بالنسبة الى المرأة شعار الالتزام بالمبادئ ، ورفض الوقوع في فخّ دعوات الابتذال والفجور والخلاعة ، وصرخة احتجاج تطلقها المرأة ازاء أعداء الإسلام الذين يحاولون تجريدها من مسؤوليّاتها الرسالية لتنشغل في توافه الأمور وسفاسفها. فالحياء يمثل جزءً لا يتجزء من الطبيعة التي فطرت عليها المرأة، وجزءً من كيانها الذاتي. وهذه الحقيقة لا يخالفها إلاّ الإنسان الجاهل، الذي لا يريد الانصياع لنور الحقائق الواضحة .




وليس ثمة مبالغة إن قلنا إن المرأة المسلمة اليوم وبفضل سيرة الزهراء الطاهرة أصبحت مستعدة لأن تضحّي بكل أتعابها وجهودها التي بذلتها خلال دراستها او عملها في سبيل ان تحافظ على كرامتها الإنسانية واستقلالها المتمثل في الحجاب والعفاف والإصرار على العودة الى الذات المصونة ، والفطرة النقية السليمة ، والقيم الإنسانية النبيلة التي رفعت رايتها عالياً أم الرسالة الإسلامية، وربّة النجابة والعفاف، وسيدة الطهر، ومعدن التقوى والعلم والهدى والإيمان؛ ألا وهي الراضية المرضية الزهراء البتول التي لا تتّسع صفحات الكتب لوصفها لأنها الكوثر، وكلمات الله التي لا تنفد، والقمة والذروة والمثال والمقتدى لجميع النساء في العالم، وخصوصا النساء المسلمات اللاتي يجب أن يتخذن من هذه المرأة العظيمة قدوة لهنّ وهنّ يواجهن، ويتصدّين لأعداء الإسلام الذين يحاولون حرفهنّ عن المسيرة التي سارت فيها من قبل الزهراء عليها السلام. وبذلك ستبقى فاطمة الزهراء عليها السلام مدرسة ينهل منها -جيل بعد جيل- كل القيم الرسالية والتعاليم الإسلامية.





الزهراء عليها السلام تجسيد الرسالة الإلهية





لابد للمبادئ من ان تتجلى في واقع حي، وعندما هبطت الرسالة الخاتمة على قلب نبينا الأعظم ، إمام الهدى، وقدوة الصديقين محمد صلى الله عليه وآله، تجلت هذه الرسالة بعد هذا النبي العظيم في شخصية من الرجال، وأخرى من النساء؛ فتجلت في علي ابن ابي طالب عليه السلام الذي كان المثل الأعلى للقرآن ، وتجسدت كذلك في فاطمة الزهراء عليها السلام .




ان تجلي الرسالة في شخصية الرجل هي عملية يمكن فهمها واستيعابها، لان الرجل يمتلك بحد ذاته قوة الكمال والاستعداد. ولكن عندما تصوغ رسالات الله عز وجل امرأة لتضعها في الذرى العالية، والقمم السامقة، فان هذا لمعجزة دونها كل معجزة .




وهكذا فإذا كان علي بن أبي طالب عليه السلام معجزة رسول الله صلى الله عليه وآله، والدليل الى الإسلام، والهادي الى حقائق القرآن وعلومه.. فان فاطمة الزهراء عليها السلام ستكون الشاهدة الكبرى، والدليل الأعظم. والى هذه الحقيقة يشير الحديث القدسي المروي عن جابر بن عبد الله الأنصاري عـن رسول الله صلى الله عليه وآله عن الله تبـارك وتعالى انه قال:




يا احمد لولاك لما خلقت الأفلاك، ولو لا علي لما خلقتك ، ولولا فاطمة لما خلقتكما ([18])




ان امرأة -رغم ما جعل الله في طبعها من عوامل الضعف البشري- تتحدى كل هذه العوامل، وتقطع كل صلة لها بالتراب، وتقف من أول الليل وحتى الفجر لتدعو ولكن ليس لنفسها وإنما للآخرين، وتقول لابنها الحسن المجتبى عليه السلام توصيه بالإحسان الى الجيران : يا بنيّ الجار ثم الدار ([19]). هذه المرأة قد وصلت الى مرحلة من السمو والكمال، بحيث إن الله تعالى باهى بها ملائكته ، وأولياءه ، وحملة العرش .




فاطمة عليها السلام مجد الرسالة الإلهية




إن فاطمة عليها السلام هي مجد الرسالة الإلهية، وتجسيد لكل ما في القرآن الكريم من لطائف العبر، ودقائق الفكر، وعظمة الحق.. فلابد لكل رسالة من ان تقدم نموذجا، ورسالة الإسلام هي أعظم رسالة، فلابد أن يكون الأنموذج الذي تقدمه هذه الرسالة هو الأنموذج الاعظم، فكانت فاطمة الزهراء عليها السلام التي هي قدوة لكل إنسان؛ ذكرا كان أم أنثى.




وهكذا تسامت هذه المرأة العظيمة نحو معالي القيم والأخلاق، وذابت في الرسالة، وتحولت من مجرد شخص إلى نموذج رسالي.




ان رسول الله صلى الله عليه وآله الذي جاء سراجاً منيراً، وبشيراً هادياً، ورحمة للعالمين.. كان يركز كل تعاليمه، وبرامجه التربوية في ابنته فاطمة عليها السلام، وعلي بن أبي طالب الذي ربّاه على يديه الكريمتين، وإلا فكيف يمكن ان لا ينجح صلى الله عليه وآله في تربية فاطمة عليها السلام وهو الذي أثر في التاريخ، وصنع أجيالا من المؤمنين الرساليين يعجز اللسان عن وصف سموّهم وطهارتهم ونقائهم. ولذلك فقد كانت الزهراء عليها السلام مقياسا وميزانا للعفاف ، ومثالا لتجلي الأخلاق الحسنة، لأنها خلاصة التربية القرآنية، وعصارة شخصية تمثل القرآن الكريم .




والقرآن الكريم ينقل لنا جانباً من حياة فاطمة وسلوكياتها في سورة كاملة، هي سورة الانسان ، حيث تثني على فاطمة الزهراء لأنها -وهي ربّة العائلة وسيّدة البيت - هي التي حملت رغيفها في البدء ، ثم جمعت أرغفة أطفالها الصغار وهم صائمون لتعطيها خلال ثلاثة أيام متتالية الى المسكين واليتيم والأسير، متجاوزة بذلك -في سبيل العقيدة- عواطفها وطبيعتها كأمّ تفضّل أطفالها على غيرهم، وضاربة بذلك أروع الأمثلة في الذوبان في الرسالة الإلهية، والاندماج فيها، وتفضيلها على كل العلائق الدنيوية، ولكي تقول للمرأة المسلمة، ان المرأة بإمكانها اذا ما تربّت في أحضان الرسالة، وعاشت في أجواء القرآن والوحي أن تتحول الى أنموذج في التسامي والتكامل وتحدي غرائز وعوامل الضعف في النفس البشرية .




بمثل هذه المواقف الرائعة جسدت فاطمة الزهراء قيم الرسالة ومبادئ الدين، وبذلك أصبحت حجة بالغة على البشرية جمعاء.




الزهراء عليها السلام خلق عظيم




« إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى ءَادَمَ وَنُوحاً وءَالَ إِبْرَاهِيمَ وءَالَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ اِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ اِنِّي وَضَعْتُهَآ اُنْثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي اُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ » (آل عمران/33-37)




ونحن في رحاب الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء سلام الله عليها، ينبغي أن نتعرف على مدى علاقتنا بسيدتنا الكبرى عليها السلام. بل وكيف نستطيع أن نكون من شيعتها حقيقة وقد فطم الله شيعتها من نار جهنم؟ إذ جاء في حديث شريف: إنما سميت ابنتي فاطمة لأن الله سبحانه وتعالى فطمها وفطم من احبها من النار ([20]) . فإن لها سلام الله عليها وقفة على باب الجنة، -كما في الرواية-. فإذا صارت عند باب الجنة تلتفت، فيقول الله: يا بنت حبيبي ما التفاتك وقد أمرت بك إلى جنتي ارجعي فانظري من كان في قلبه حب لك أو لأحد من ذريتك خذي بيده فأدخليه الجنة؛ قال ابو جعفر عليه السلام: والله يا جابر إنها ذلك اليوم لتلتقط شيعتها ومحبيها كما يلتقط الطير الحب الجيد من الحب الرديء، فإذا صار شيعتها معها عند باب الجنة يلقي الله في قلوبهم أن يلتفتوا، فإذا التفتوا يقول الله: يا أحبائي ما التفاتكم وقد شفعت فيكم فاطمة بنت حبيبي؟ فيقولون: يا رب أحببنا أن يعرف قدرنا في مثل هذا اليوم، فيقول الله: يا أحبائي ارجعوا وانظروا من أحبكم لحب فاطمة، انظروا من اطعمكم لحب فاطمة، انظروا من كساكم لحب فاطمة، انظروا من سقاكم شربة في حب فاطمة، انظروا من رد عنكم غيبة في حب فاطمة فخذوا بيده وادخلوه الجنة؛ قال أبو جعفر عليه السلام: والله لا يبقى في الناس إلا شاك أو كافر أو منافق.([21])




وهنا يبرز سؤال مهم، بل وخطير بالنسبة لنا كموالين ومحبين لأهل البيت عليهم السلام، سؤال يرتبط ارتباطاً بمصيرنا وبمستقبلنا، ألا وهو ما المطلوب منا، بل ما الذي ينبغي علينا فعله في هذه الدنيا كي نكتب في الآخرة من شيعة فاطمة الزهراء عليها السلام، ومن الموالين لها؟


التاريخ واقع يروى والحاضر تاريخ يرى





لعل التمهيد للإجابة عما يرتبط بمستقبل الإنسان يتطلب منا معرفة أمور شتى، منها أن التاريخ هو واقع مضى لكنه اليوم يروى. وأن الحاضر الذي نعيشه إنما هو تاريخ يرى. إذ ليس من شيء في هذا العالم ينقضي أثره، بل هي الصورة التي تتبدل. فما مضى من التاريخ ما زال يتفاعل مع الحاضر، وليس هو الا جذور لهذا الحاضر والمستقبل. ومثل هذه الحقيقة مثل شجرة امتدت أغصانها وفروعها في الفضاء، فهي وان تبدو للعيان كيانا قائماً بذاته، لكنها في الحقيقة ترتبط ارتباطاً وثيقاً حياتياً بما لها من جذور امتدت وتغلغلت في أعماق الأرض. كذلك هو الإنسان بكيانه المشاهد للعيان، فأي فرد يعيش الآن إنما يحمل معه حقائق تاريخية وصلت إليه عبر أجداده، وتلك التي تبدو عليه بشكل أو بآخر من خلال أفكاره وتحركاته وتصرفاته أحياناً، بل وحتى في ملامحه الشخصية الظاهرية. فلو تسنى للإنسان أن يرى صورة جده الرابع مثلاً، لا شك أنه سيلحظ فيه ولو بعضاً من ملامحه الخاصة.




ونحن حين نحترم السا دة من ذرية الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم. لأن جذورهم تتصل بشكل ما بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولان دم الرسول الطاهر ما يزال يجري في عروقهم، ولان أخلاقه مازالت موجودة فيهم ولو بنسبة ضئيلة جداً قد لا تتجاوز الواحد من المليون. لذا فما روي في الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: احترموا أولادي وذريتي. الصالحون لأنفسهم والطالحون لي يعمّ كل سيّد من ذرية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فمن كان منهم صالحاً يحترم لنسبه ولصلاحه، ومن كان طالحاً منحرفاً يحترم لنسبه لجده.




وحين يقف الإنسان أمام مرقد أحد من ذرية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهو لا يعرفه لافتقاد شجرته، أو يقف في أحد أضرحة ذرية الأئمة عليهم السلام ليسلم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويبسط حوائجه في حضرة الباري عز وجل متوسلاً بالرسول وبذريته، إنما يعني ذلك احتراماً للرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، في ذريته وعترته وإطاعـة لأمره.




ونحن إذ نقتدي ونسترشد فإنما نسترشد بالإمام علي عليه السلام فانه وبعد وفاة الصدّيقة فاطمة الزهراء عليها السلام كان يبكي كثيراً، وحين يسأله عمار عن هذا الجزع، يقول عليه السلام لعمار: كان مشيها مشي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. كذلك كانت حركاتها وصورتها. فهو عليه السلام كان يرى فيها شخص الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم فلم يعد يصبر بفقدها.




فالتاريخ إذ يتمثل بالحاضر، وليس الحاضر إلاّ وليد الماضي وابن للتاريخ، بل الحاضر ليس إلا صورة له، وإنما الفرق أن ذلك حديث يروى وهذا واقع يرى. وانطلاقاً من هذه الزاوية فإننا حين نمحّص أنفسنا لنعرف مدى ولائنا لسيدتنا الزهراء عليها السلام، نقف على حقيقة أن موالاتنا لابد وان تكون بالشكل وبالطريقة التي نجعل من ذلك التاريخ وتلك السيرة العطرة الوضاءة الزكية واقعاً تنبض به الحياة الحاضرة.


الصدّيقة قدوة الرجال والنساء





عندما يطلب من المرأة أن تكون قدوة للنساء، إنما يكون باعتبار الجنس وبملاحظة التقارب في السلوكية والتشابه في الخلقة. فتقول على النساء أن يقتدين بالسيدة زينب عليها السلام باعتبارها نموذجاً وقدوة لكافة النساء، ولأنها امرأة والنساء نساء فعليهن أن يقتدين بها ويجعلنها أسوة لهن. لكن القول في الصدّيقة الكبرى لعله يأخذ صورة أخرى. فهي ليست قدوة للنساء فحسب، بل وقدوة للرجال أيضاً، بل هي قدوة للرجال ومن ثم النساء. ذلك لان الله تعالى خلق نوراً واحداً ثم قسمه ثلاثة أقسام؛ قسم منه هو نور نبينا الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، الثاني هو نور الإمام علي عليه السلام والأئمة من ولده، وأما الثالث من الأقسام فهو نور فاطمة الزهراء عليها السلام الذي خلق الله منه السموات والأرض.




وهذا يعني فيما يعني أنها سلام الله عليها كانت في رتبة قريبة من رتبة أبيها سيد البشرية جمعاء رجالاً ونساء. كيف لا وهي بضعة منه، وليس بعدئذ لقائل أن يزعم إنها امرأة فحسب فيختص كونها قدوة للنساء دون الرجال، لانها شطر وقسم من نفس النور الإلهي. فلابد للرجل وللمرأة على السواء أن يتخذن منها بخلقها الكريم وسيرتها العطرة الزكية قدوة ومناراً يهتدي به، ويرسم الإنسان به شخصيته ويحدد معالمها.




كيف نقتدي بفاطمة عليها السلام؟




الاعتقاد بولاية أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين انما يعني فيما يعنيه الاعتقاد بولايتهم في نهجهم وسيرتهم ، بل ويعني موالاتهم في رؤاهم وبصائرهم والتخلق بأخلاقهم واخذ المعارف والعلوم عنهم عليهم السلام. ومن هذا المنطلق يجدر بالإنسان أن يسأل نفسه عن مدى معرفته بثقافة الصديقة الكبرى سلام الله عليها، وعن حدود اطلاعه على معارفها وكلماتها . فقد يتعلل البعض بالافتقار لصحيفتها التي كانت بإملاء جبرائيل عليه السلام، بإملاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكتابة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، وإنها ليست موجودة فعلا بين ظهرانينا بل هي موجودة عند الإمام الحجة سلام الله عليه. الكتاب الذي ضم - كما في أحاديثنا - حتى اصغر الأمور في الشرائع. لكن هذا تعلل مرفوض وعذر مردود، فكلماتها المضيئة مازالت وستبقى تفيض بالحياة وترسم لشيعتها بل وللناس أجمعين مسار الإنسانية القويم من خلال خطبتها التي تلألأت بين خطب الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم والإمام علي والإمام الحسين وسيد الساجدين عليهم افضل الصلاة والسلام.




فالصديقة الكبرى المفجوعة بفقد أبيها، تقف والحال هذه أمام رجال خذلوها وغصبوا حقها ولم ينصروها، وترتجل في مسجد أبيها خطبة عصماء ، تلك الخطبة المعروفة بـ الخطبة الفدكية . والتي هي خلاصة للفكر الإسلامي والمعارف الإلهية بما انطوت عليه كلماتها من سلاسة في الأسلوب وعمق في المحتوى، قد يعجز المتخصصون عن كشف مضامينها والوقوف على خصائصها، لما احتوته من بيان فلسفة الخلق وحكمة خلق الإنسان وحكمة الشرائع الإلهية وبيان الواقع الاجتماعي قبل البعثة وأبانهـا وبعدها.




ولعلنا لا نتجاوز الحقيقة حينما نذكر انه كانت لنا جلسات عديدة سادتها مناقشة واسعة مفتوحة مع العشرات من علماء طهران وخطبائها.. لكننا ومع بذل الساعات العديدة والليالي المديدة لم نستطع ان نفسر الا القليل اليسير الذي لم يتجاوز عُشر خطبة الصديقة سلام الله عليها، تلك الخطبة العصماء التي روتها سيدتنا زينب عليها السلام وعمرها الشريف آنذاك لم يكن يتجاوز السادسة ، ولعله مما يثلج قلوبنا ويقع موقع الاعتزاز والفخر ان نرى اليوم فقيها ومرجعا كبيرا وقد انبرى لكتابة كتاب وسماه بـ فقه الزهراء ([22]) استنبط فيه الفروع الفقهية الغزيرة التي تضمنتها كلمات السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها، فليس بعد هذا وذاك من الإنصاف ولا المروءة بمكان ان يركن من يدعي ولايته للصديقة الكبرى سلام الله عليها إلى إضاعة هذه السويعات الثمينة من حياته وحياة أبنائه بالجلوس أمام التلفاز لمشاهدة قصص خيالية من الصين أو اليابان ، بما فيها من الترهات، مبرراً عزوبه عن هذه الفضائل والحقائق المتمثلة بتعاليم فاطمة الزهراء سلام الله عليها بضعف في حافظته مثلا أو ما شابه ذلك من التبريرات الواهية، بدلا من ان يسعى لتحفيظ أبنائه إياها وان لم يدركوا معانيها وحقائقها لتكون زادهم في الدنيا والآخرة، وتلك هي الخطوة الأولى لمن أراد ان يتمثل بالصديقة عليها السلام .


من أخلاق الصديقة الكبرى





وصف الله تعالى نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فقال عزّ من قائل: « وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ »، وفاطمة سلام الله عليها نشأت متخلقة بخلق ابيها ذلك الخلق السامي العظيم ، ولعلنا ومهما حاولنا إيفاء جميع جوانب تلك الأخلاق السامية او ان نستوعبها خلال وريقات قليلة نجد أنفسنا قاصرين عاجزين عن إداء كل معانيها ، لذا فان بيان ثلاثة جوانب من ذلك السمو الخلقي ربما يفي بما نحن فيه.




عبادة فاطمة الزهراء عليها السلام




تجد في صلاتها الخلوص للواحد الأحد، والخشوع والخضوع والاعتراف بالعبودية لله تبارك وتعالى. حيث كانت عليها السلام وكما قال الامام الحسن عليه السلام: رأيت أمي فاطمة عليها السلام قامت في محرابها ليلة جمعتها، فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتضح عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسميهم وتكثر الدعاء لهم ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت لها: يا أماه لِمَ لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت: يا بني! الجار ثم الدار.([23]) ومن يدري لعلها سلام الله عليها كانت تدعو في جوف الليل والاسحار لشيعتها ومواليها، لانها كانت تجسد معنى الانسانية بخلقها الكريم ، اذ هي سيدتنا وسيدة نساء العالمين وقدوة المؤمنات والمؤمنين.




وهذا الخلق المتجسد في صلاتها وتعقيباتها إن هو إلاّ مثلاًً يقتدي به كل موالٍ لها، لان الصلاة سمة المؤمن ومعراجه، بل هي الرابطة بين العبد وربه، فالله سبحانه وتعالى يقول:« وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي » وبذكره تنجلي النفوس وتسموا وترتفع وتنتهي عن كل فاحشة ومنكر « إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَآءِ وَالْمُنكَرِ » .




ثم ان الإنسان العاقل يجد في ذاته القدرة على ان يحدد موقعه في مختلف مناحي حياته ، فهو ولا ريب يمكنه ان يتعرف بذاته على مدى إيمانه من قوة وضعف، ميزانه في ذلك صلاته. فالخلوص والإحساس بالخضوع والخشوع لله جلّ وعلاّ أثناء الوقوف بين يديه للصلاة علامة للإنسان بان إيمانه بخير، كما ان الاستعداد والتهيؤ للصلاة بقلب ينبض بالحيوية والشوق عند سماع المؤذن ينادي حي على الصلاة إن هو إلا دلالة وعلامة يستدل بها ويتعرف على قوة إيمانه ورسوخه في قلبه، والعكس صحيح هنا أيضا، فلا يدل التثاقل والتكاسل عن تلبية نداء الرب، الا على عدم رسوخ الإيمان. كما ان من علامات تزلزل الإيمان وعدم رسوخه، أداؤها باعتبارها واجبا فحسب يتخلص منه الإنسان، فيقف راكعا ساجدا دونما خلوص او خشوع، كصلاة ذاك الإعرابي حين وقف يصلي في المسجد والنبي صلى الله عليه وآله جالس مع أصحابه، فقال متعجبا من صلاة الإعرابي: نقر كنقر الغراب ، لو مات هذا وهذه صلاته لم يكن من امتي ([24]) .




القدرة على اكتشاف مواطن الضعف وبالتالي اصلاحها هي من سمات الإنسان اللبيب، فهو حين يشعر بضعف ما كأن يصيبه دوار في رأسه او ألم في موضع من بدنه، لا شك انه سوف يبحث عن العلاج فيسارع الى الطبيب ليشخص الداء ويصف له الدواء. كذلك الحال حينما يتبين له ان إيمانه لم يترسخ بعد في قلبه، او أنه يعاني من ضعف في الإيمان، لابد وان يبحث عن مكمن هذا الضعف ومنشئه بميزان عقله الذي وهبه الله إياه، وان يتفحص موضع المشكلة والخطأ ليشخص موضع الصواب، وبالتالي ليصلح نفسه. وبتعبير آخر؛ متى أراد الإنسان ان يعرف ميزان الإيمان في قلبه وان يعرف حدود تكامل شخصيته وهل هي قوية صابرة إيمانية ، لابد له ان ينظر إلى صلاته ، لان الصلاة قربان كل مؤمن، وهذه الوسيلة للنجاة وهذه الرابطة بين العبد وربه إن هي الا سبع عشرة ركعة بالضرورة، والصلاة الحقيقية إحدى وخمسون ركعة ، منها إحدى عشرة ركعة نافلة الليل ، وركعتان نافلة الصبح . وثماني ركعات نافلة الظهر قبل الفريضة، وثماني ركعات نافلة العصر قبل الفريضة أيضا وأربع ركعات نافلة المغرب بعد الفريضة ، وركعتان من جلوس نافلة العشاء ؛ تحسب بركعة من قيام، هذه النوافل مع الفرائض إن هي الا إحدى وخمسين ركعة هي من علامات المؤمن، بل وبركة لعمره يرتقي الإنسان الى مراتب السمو والعروج الى الله تعالى والقرب منه .




وربما يتساءل البعض عن إمكان أداء نافلة الليل قبل الذهاب إلى النوم متعللا بأسباب قد تبدوا من وجهة نظره وجيهة، إذ ان وقت صلاة الليل من بعد صلاة العشاء الى الفجر ، والواقع كذلك ، فهناك من لا يستيقظ لصلاة الليل لعلة او أخرى ، ولكن الأفضل ان تصلى النافلة بعد منتصف الليل والأفضل ان تصلى في الثلث الأخير منه ، وأداؤها كذلك ربما يصعب على البعض او يمنعه الشيطان عن أدائها ، لكن الإرادة الإيمانية القويمة هي التي تنتشل المؤمن من هذه المعاناة ، وليست هي الا تجربة وتمرين، فالإنسان إذا ما صلى في ليلة ركعتين هدى ثوابها للصديقة الكبرى سلام الله عليها، ومرّن نفسه على ذلك ليال ثم يزيدها إلى أربع ركعات ومن بعدها إلى ست ركعات ثم ثمان ثم عشرة ثم إحدى عشرة، وبمرور الليالي سينهض في الثلث الأخير من الليل وكأن أحدا يوقظه، بل سيكون في موقع جدير بأن يوكل الله تعالى ملكا خاصا به ينهضه للصلاة ، وتلك سجية المؤمن بالله تعالى وخلق الموالي للصديقة سلام الله عليها .




ونحن اذ ندعو الى الصلاة نعلم يقينـا ان من ندعوه من اهل الصلاة، لكننا بدعوانا نود ان نؤكـد على ضرورة التعمق بالصلاة أولاً، ولان النوافل تجبر الفرائض ثانياً، ففي حديث للامام الصـادق عليه السلام ما معناه ان الانسان إذا اراد ان تكون صلواته اليومية المفروضة صحيحـة لابد ان يجبرها بالنوافل .




تصدي الصديقة الكبرى لشؤون الأمة




تصدي الصديقة فاطمة الزهراء سلام الله عليها سمة من سمات خلقها العظيم. فلم تكن يوما ما بمعزل عن أمة أبيها، سيما وهي التي نشأت وترعرت في بيت الرسالة المحمدية السمحاء التي جاءت لإنقاذ مجتمع خيم عليه ظلام الجهل واستحوذت عليه العصبية القبلية، وليس ادل على ذلك من وقوفها سلام الله عليها إلى جنب الرسالة وحضورها في الساحة ابان البعثة وفيما بعدها في كل قضية وكل موقع وموقف، فقد كانت ومنذ صغرها خير مواسي لأبيها وهو يتعرض لأذى الحاقدين على الرسالة الجديدة ، فتراها تمسح جبينه الشريف بيديها الشريفتين الصغيرتين ، وبعد رحيله صلى الله عليه وآله ما فتأت تدافع عن الدين وتدافع عن الرسالة والقيم، وكان وقوفها الى جنب إمامها وقسيمها في النور الإلهي حين أنكر عليه وعليها المنكرون، وجحدهما الجاحدون، وراحت تتصدى لشؤون أمة أبيها. ولعل آخر موقف بينها وبين أمير المؤمنين عليه السلام بكاؤها، حيث يقول لها الإمام عليه السلام: يا بنت رسول الله لم بكاؤك ؟ فتقول عليها السلام: أبكي لما تلقى أنت يا علي من بعدي. وهذا يعني فيما يعنيه تصديها لشؤون الأمة واهتمامها بمستقبل الإسلام والمسلمين بعد رحيلها لما سيلقاه أمامها عليه السلام من المتاعب والمصاعب.


ولاية الصديقة لإمامها مطلقة





معرفة ما هو حق والاعتراف والإذعان بهذا الحق من الأخلاق السامية النبيلة التي يتحلى بها الإنسان، وفاطمة عليها السلام أولى بهذه السمة وهذا الخلق الرفيع، لانها نشأت على الحق.




فهي أول من كان على حق ومع الحق، وأول من كان ينتفض على الباطل. ومن هنا كانت ولايتها للإمام أمير المؤمنين عليه السلام مطلقة لا تشوبها شائبة، ثم ان مقام الصديقة الكبرى سلام الله عليها هو مقام الكفء للإمام علي عليه السلام، ولولا علي لما وجد كفء لها. وهي سلام الله عليها شطر النور الذي قسمه الله تبارك وتعالى على نبيه ووصيه والأئمة من ولده وعلى فاطمة الزهراء صلوات الله عليهم أجمعين، ومع ذلك كله ومع هذه المرتبة السامية للصديقة سلام الله عليها كانت موالية ولاية مطلقة لأمير المؤمنين عليه السلام، فهي حينما تعود من إلقاء خطبتها تستحث الإمام لطلب حقها من الغاصبين، فيقول لها: احتسبي الله- وما يكون منها سلام الله عليها الا ان - قالت: حسبي الله، وأمسكت. ([25]) ولم تنبس ببنت شفة بعدئذ. فهي بذلك جسدت موقفا جليلا بحد ذاته عظيما في معناه ومحتواه، فلقد جسدت معنى الطاعة والخضوع لإمامها وأظهرت معنى الولاية، وهي ابنة سيد الخلائق أجمعين، ذلك الخضوع والتسليم للإمام الذي رافقها حتى بعد وفاتها سلام الله عليها، وبعد ما وضعت في قبرها الشريف ودفنت حيث سألوها عن إمامها فقالت: إمامي هذا الجالس على القبر. وتلك هي سمات علو المرتبة وصفات المؤمن التي ينبغي ان يتصف بها ويتحلى بها كل موالي للصديقة الكبرى سلام الله عليها، وتلك هي الأخلاق السامية التي لابد ان نتمثلها في حياتنا، وحينها تقوى أواصرنا وتتوثق علاقتنا بسيدتنا الزهراء سلام الله عليها، فننال شفاعتها يوم القيامة« يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ * إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ». بقلب خالص يحب أهل البيت ومتخلق بأخلاقهم صلوات الله عليهم أجمعين .


عظمة فاطمة عليها السلام





القرآن الكريم يحدثنا عن مريم ابنة عمران عليها السلام وهي ما زالت موجودة في بطن أمها، وذلك قبل ما يقارب الألفي عام ، والله سبحانه وتعالى انما ذكر قصة مريم لانها قصة حية مازالت تحيا في الأمة الإسلامية مفسرة بفاطمة الزهراء سلام الله عليها، واختيار الله الواحد الأحد لمريم وتقبله إياها وهي في بطن أمها، حيث يقول القرآن الكريم: « فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ » وكان ذلك عندما دعت أمها وقالت : « وَإِنِّي اُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ » حينما جعلت ام مريم ما في بطنها محرراً لله تعالى، فتقبلها واصطفاها وهي صغيرة ، وكان ذلك قبل قرون مديدة من بزوغ نور الإسلام.




والاية الكريمة وردت تفسيرها في مريم عليها السلام، وتأويلها وحقيقتها وجوهرها وعمقها في سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء سلام الله عليها، جعلنا الله من شيعتها ومواليها وأنالنا شفاعتها يوم الدين، سائلين ان يقيض لنا ابنها الإمام الحجة المنتظر سلام الله عليه ليثأر لها ويأخذ بظلامتها ويعرّف الناس بعض حقها .





الزهراء عليها السلام نموذج الفضائل





« إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى ءَادَمَ وَنُوحاً وءَالَ إِبْرَاهِيمَ وءَالَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ اِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ اِنِّي وَضَعْتُهَآ اُنْثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي اُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ » (آل عمران/33-37)




في ذلك اليوم ؛ حيث كان الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم قد جمع حوله علياً وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم أجمعين، كان النبي إذ ذاك يملؤه الفرح والسرور وتبدو على وجهه ابتسامة الرضا والبهجة ، حيث كان يتنقل بنظره بين أفراد أسرته النبوية الشريفة.




قالت أم أيمن: ثمَّ نظر إلى علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام نظراً عرفنا فيه السرور في وجهه، ثم رمق بطرفه نحو السماء ملياً ثم وجه وجهه نحو القبلة وبسط يديه ودعا، ثم خر ساجداً وهو ينشج فأطال النشوج وعلا نحيبه ، وجرت دموعه ثم رفع رأسه وأطرق إلى الأرض ودموعه تقطر كأنها صوب المطر. فحزنت فاطمة وعلي والحسن والحسين وحزنت معهم لما رأينا من رسول الله صلى الله عليه وآله وهبناه أن نسأله حتى إذا طال ذلك، قال له علي وقالت له فاطمة: ما يبكيك يا رسول الله لا أبكى الله عينيك، فقد أقرح قلوبنا ما نرى من حالك؟




فقال: يا أخي سررت بكم سروراً ما سررت مثله قط وإني لأنظر إليكم وأحمد الله على نعمته عليَّ فيكم، إذ هبط عليّ جبرائيل فقال يا محمد إن الله تبارك وتعالى اطّلع على ما في نفسك وعرف سرورك بأخيك وابنتك وسبطيك، فأكمل لك النعمة، وهناّك العطية بأن جعلهم وذرياتهم ومحبيهم وشيعتهم معك في الجنة لا يفرق بينك وبينهم يحبون كما تحبى، ويعطون كما تعطى، حتى ترضى وفوق الرضا، على بلوى كثيرة تنالهم في الدنيا، ومكاره تصيبهم بأيدي أناس ينتحلون ملّتك ويزعمون أنهم من أمتك براء من الله ومنك خبطاً خبطا وقتلاً قتلا شتى مصارعهم، نائية قبورهم خيرة من الله لهم، وانك فيهم ، فاحمد الله جل وعز على خيرته وارض بقضائه، فحمدت الله ورضيت بقضائه بما اختاره لكم. ([26])







  • بعدئذٍ أخذ الأمين جبرائيل يقصّ عليَّ
    وإذ ذاك تحول اجتماع الفرح الى
    عزاء شارك فيه أفـراد البيت النبــوي



  • ما سيحدث عليكم من بعدي يا عليّ
    عزاء شارك فيه أفـراد البيت النبــوي
    عزاء شارك فيه أفـراد البيت النبــوي






الكريم بأجمعهم.




ولكن لنا ان نتساءل -إزاء هذه الرواية وما تلتها من وقائع مأساوية مؤكدة لها- عن ان النبي الاكرم الذي هو سيد خلق الله ومحور خليقته وحكمتها الربانية، ألم يكن له الحقّ في ان يتمتع- ولو للحظات- برؤية آل بيته الكرام في ظلّ اجواء من السرور ليتساوى مع ما يتمتع به أرباب العوائل الاخرى؟ وما هي الحكمة في أنّ هذا البيت النبوي ، وهو الذي قال عنه تعالى: « فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ » ان يكون محطّة للمصائب والمحن والملمّات؟ ثم إننا إذا طالعنا سيرة سيّد الانبياء والمرسلين، قلّما لحظنا ساعة راحة او فرحة، بدءاً بولادته فترعرعه يتيماً ثم فقده لجدّه عبد المطلب وحاميه أبي طالب، ثم الاذى الذي تعـرّض لـه في مطلع البعثة والحصار الرهيب في شعب ابي طالب، ومن ثم تشكيل الدولة الإسلامية في المدينة المنورة وحوادث ووقائع اثنتين وثمانين معركة وغزوة وسرية؟ فما هي الحكمة التي تقف وراء كل تلك الآلام؟




يبدو ان الحكمة من كل ذلك ان الله تبارك وتعالى حينما خلق الناس، اراد لهم ان يهتدوا الى رحمته في الدنيا قبل الآخرة، وفي الآخرة بعد الدنيا، ولكي يصل هؤلاء الى الرحمة الإلهية فهم بحاجة الى قدوات صالحة تضيء لهم الطريق المظلم، وتعلمهم كيف يتجاوزون المصاعب ويرفعون العقبات. ولكنّ تلكم القدوات لم تخلق للدنيا، وإنما خلقت للآخرة ؛ مثلها مثل الشمعة التي تحترق لتضئ ما حولها. فتلك القدوات طرق الله وآياته للخلق منذ اليوم الاول للميثاق الاول، ثم الميثاق الثاني في عالم الذر، حيث شرط الله عليهم الزهد في الدنيا ، فلمّا شرطوا له ذلك وعلم بأنهم سيفون بهذا الشرط أعطاهم الولاية.




إنّ النخبة المصطفاة تختلف عن سائر البشر، من حيث ان امتحان الناس يختص في دار الدنيا، وإذا ما أراد أحدهم التقدم في طريق المجد، فلابدّ له من السعي والاجتهاد لإثبات جدارته. ولكنّ انبياء الله والأئمة المعصومين عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه لم يبعثوا ليمتحنوا في هذه الدنيا، وذلك لأنّ الله كان قد امتحنهم في عالم آخر. ولأنّه قد امتحنهم من قبل، فقد بعثهم الواحد تلو الآخر، حتى انك لترى أحدهم قد بعث في المهد صبياً وأوتي العلم والحكم، ولم تكن أمامه ثمة فرصة للإعداد والاستعداد..




والآية الأوضح في قضية كون الانبياء والائمة المعصومين عليهم السلام يختلفون عن سائر البشر، هي أنّ مهمة النبوة او خلافة الانبياء - كما في أئمة اهل البيت- تخلو عن إثبات الجدارة في الدنيا والخروج منها بنجاح. فالمسألة منتفية أساساً ، تبعاً لما تقدم في هذا المقام.




اما الفكرة القائلة بأن الانبياء كسائر البشر او انّ الائمة كسائر الافراد وان عليهم ان يجربوا ويمتحنوا ، فهي فكرة ضلالة ، مخالفة لآيات القرآن الكريم، ومخالفة لحكمة الخلق. فالله سبحانه وتعالى لم يخلق الشمس كرة ثم أمرها ان تلهب نفسها، أو ان تتعلّم كيف تصبح شمساً ، بل الله خلق الشمس شمساً، وجعل القمر قمراً، وذلك لحكمة هو ادرى بها.




كذلك الله خلق الرسل رسلاً وجعلهم افضل خلقه منذ اليوم الاول. والآيات القرآنية الكريمة التي ذكرناها في بداية الموضوع تبين وتصرّح بهذه الحقيقة، حيث تقول: « إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى ءَادَمَ وَنُوحاً وءَالَ إِبْرَاهِيمَ وءَالَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ » وعملية الاصطفاء هذه شملت الذرية التي بعضها من بعض، وفي روايات اهل البيت عليهم السلام فسرت عبارة آل إبراهيم بـ آل محمد ، و آل عمران بـ آل علي . وعملية الاصطفاء قد تمت منذ اليوم الاول. وعليه؛ فلا يجوز لأحد ان ينكر ذلك او يستنكره او يتعجب له، والاّ لكان عليه التعجب لشرف الرأس على الرجل، او العين على اليد، او العقل على الحواس .. فهذه قضايا تتعلق بإرادة الله في خلقه. وما يكفينا معرفته، هو ان الله عزّ وجلّ كان يعلم بأن الذين اصطفاهم او سيصطفيهم سيفون بعهد الله ويؤدّون وظائفهم على الوجه المطلوب، وأن غير المصطفين ليس بإمكانهم الوفاء ما لم يمتحنوا او يمحصوا في الدنيا بأنواع التمحيص.




والأئمة المعصومون وفاطمة الزهراء سلام الله عليهم، حينما خلقوا أئمّة وجعلوا أنواراً محدقين بعرش الرحمن، حتى منّ الله على البشرية بهم فأنزلهم، حينما فعل ذلك شرط عليهم الزهد في الدنيا، لأنهم ليسوا من هذه الدنيا ولا لها.




وفاطمة الزهراء عليها السلام منذ أن كانت في بطن امها- كما هي مريم- تحررت ؛ أي تحررت من القيود والأمور الدنيوية. ومريم التي صيغت شخصيتها وصيغ وجودها منذ كانت في رحم امها وكانت سيدة نساء عالمها، كذلك هي فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين.




فهل يمكننا تصور ان الله سبحانه لم يفعل بفاطمة الزهراء ما فعله بالصديقة مريم؟ عقلاً لا يمكن تصور ذلك بوجه من الوجوه، فالروايات الموثّقة توضّح وتشير الى وجه التشابه هذا، بل وتفضل مقام الصديقة الزهراء على غيرها من النساء على مرّ التاريخ الإنساني عموماً.




امّا الحديث الخاص بشأن فاطمة الزهراء عليها الصلاة والسلام، فيمكن التقديم لـه بالقول؛ بأن هناك ثلاث فترات او لحظات لها اهمية قصوى في حياة الانسان ووجوده، وهي: لحظة الولادة ، ولحظة الوفاة، ولحظة البعث.




فكل إنسان لابد ان يتمتع بولادة هادئة وسليمة. ولكن كيف ولدت الزهراء؟ إنّها ولدت مظلومة، بل هي ظُلمت حتى قبل ولادتها، وذلك حين هجرت نساء قريش امّها خديجة الكبرى عليها السلام بداعي إسلامها ونصرتها لزوجها رسول الله، فظلت وحيدة تحدثها ابنتها الزهراء من رحمها وتسلّيها. فإذا كانت فاطمة أم ابيها باعتبارها كانت تهدّئ عليه مصائبه وآلامه في مكة حين البعثة، او في المدينة جرّاء الحروب والمعارك، فترى كم كان عمرها حينئذ لتقوم بهذه المهام الجسيمة؟




وقد يتساءل البعض عن العلاقة بين واقع الذرية الطيبة المصطفاة، وواقع المأساة والشظف في العيش؟




والجواب: هو انّ حكمة الله اقتضت أن تكون الزهراء رمز الفضيلة في المجتمع الجاهلي الذي كان يكيل للمرأة انواع الظلم والكبت والقهر؛ الظلم الذي كان يعبر عن فلسفة الحياة الجاهلية وانتكاسته الفكرية آنذاك ، فإذا قرأت الشعر والقصص الجاهلية تجد صفحات الافتخار والتشرف بظلم المرأة ووأدها، حتى جاء في الرواية أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبّل الحسن والحسين عليهم السلام فقال الأقرع بن حابس: أن لي عشرة من الأولاد ما قبّلت واحداً منهم -كأنه يتفاخر بذلك- فقال صلى الله عليه وآله: ما عليَّ إن نزع الله الرحمة منك. ([27])




انّ ظلم المرأة اصبح قاعدة اساسية لدى العرب في ذلك اليوم، فكان ان خلق الله سبحانه فاطمة الزهراء لتكون النموذج الأعلى للأخلاق والفضيلة، حتى قال عنها النبي: ولو كان الحُسن شخصاً لكان فاطمة، بل هي أعظم، ان فاطمة ابنتي خير أهل الأرض عنصراً وشرفاً وكرماً . ([28])




فالكمال الإنساني تجسد بصورة مباشرة في وجود الزهراء، وعبرها تمكن الرسول الاكرم هدم قلعة الظلم وتغيير القلوب الفظّة القاسية.




لقد أصبحت الزهراء قدوة أبديّة في إطار تحطيم الصنمية والعنصرية الجنسية، وهي النموذج الأعلى للمرأة، كيلا تصبح موجوداً مقهوراً. امّا المرأة التي تقهر في البيت وهي بنت او اخت او زوجة او أم، فإنها تعجز عن انجاب او تربية رجال افذاذ، بل ينبغي توقّع ان يكونوا محطّمين مقهورين. وعليه فإنك إذا اردت تربية مجتمع شجاع مجاهد متحدٍ للظلم مقاوم للجريمة، فلابد ان تربي المرأة والزوجة على هذه الصفات، وتجعل منها كائناً حيّاً مؤثراً.




وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكن المزيد من الاحترام والتعظيم لابنته الزهراء ، لانّه كان يعرف جدارتها التامة في التربية وانجاب الرجال الافذاذ في مدرسة أهل البيت، التي حفظت الإسلام على اسنى وجه.




ولطالما قبّل النبي يد ابنته، وكذلك كان عليّ زوجها يفعل، ولطالما كان علي لايولّيها ظهره إذا اراد مغادرتها.




ففاطمة الصديقة حجة الله في زمانها وحجته في كل زمان، وهذه هي فلسفة قول الرسول الكريم: وأما ابنتي فاطمة سيدة نساء العالمين ([29]).




وإن قال قائل بأن الزهراء كانت إنساناً معصوماً ، وهذا ما قد يفصل بينها وبين البشر العاديين، فإنني اجيبه بوضوح بأن وظيفة المسلمين تجاه الزهراء الأخذ من نورها ما يستطيعون استيعابه. فليس لهذا القائل ان يدّعي بأنّه لا يستضيء بنور الشمس ، لأنّ كتلة الشمس محرقة...




ثم إنّ المرأة المسلمة إذا طالعت سيرة الزهراء وتبينت لها شخصيتها من خلال تدبر معاني الآيات والروايات، ستجد نفسها ملزمة بالصعود الى مقام شخصيتها الحقيقية، وكذلك ستجد نفسها ملزمة بأداء وظائفها الشرعية الحقيقية ، من امر بمعروف أو نهي عن منكر او دفع زوجها وأولادها نحو ان يكونوا شخصيات اجتماعية فذة.




وفاطمة الزهراء سلام الله عليها حجة على الرجال ايضاً؛ فالزهراء التي قاومت أعتى الدكتاتوريات في زمانها، ودافعت عن حقوقها وحقوق زوجها وحقوق الاسلام عموماً.. حجة على الرجال الذين ينهارون ويتنازلون عن شخصياتهم وحقوقهم.




إذاً ؛ فراية الزهراء هي راية الدفاع عن المظلوم ومقاومة الظلم في كل زمان ومكان.




إنّ الزهراء التي خلقها الله امرأة كانت حجّة على الائمة انفسهم، حتى ان الامام الحجة ارواحنا فداه قال لشيعته: ولولا ما عندنا من محبة صلاحكم ورحمتكم والانشقاق عليكم لكنّا عن مخاطبتكم في شغل، مما قد امتحنا من منازعـة الظالم العتلّ، الضال المتاع في غيه، المضاد لربه، المدّعي ما ليس لـه، الجاحد حق من افترض الله طاعته، الظالم الغاصب. وفي ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله لي أسوة حسنة، وسيردي الجاهل رداءة عمله، وسيعلم الكافر لمن عقبى الدار . ([30])




فهي كانت امرأة، ولكنها في الوقت نفسه كانت شرفاً للرجال وشرفاً للمجاهدين وقدوة للصدّيقين وحجة الله على الائمة المعصومين. وهذا كلّه يمثل الحكمة من خلقها ووجودها؛ الوجود الذي امتلأ بالمأساة منذ اللحظة الاولى لولادتها، وحتى آخر لحظة من حياتها، بل إنّها في القيامة ستدافع عن حقوقها وحقوق شيعتها أمام محكمة العدل الالهي، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.





الزهراء عليها السلام وتر لايغمد





« وَلَقَدَ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ ءَايَات مُّبَيِّنَات وَمَثَلاً مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ * اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالاَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَاَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ ٌّيُوقَدُ مِن شَجَرَة مُبَارَكَة زَيْتُونَة لاَّ شَرْقِيِّة وَلاَ غَرْبِيَّة يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الاَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَآءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالاَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ » (النور/34-38)




لم يكن خلق الإنسان عبثاً، فحاشى لله الحكيم العليم. كذلك السماوات والأرض هي الأخرى ما صنعت لهواً ولا عبثاً، بل خلقت مرتبطة بمصير الإنسان وحياته على هذا الكوكب البسيط. لذا لما كانت لهذا الخلق وهذه الصنعة والحياة هدفيّة، فكان لابد للنظم من أن يوكل إلى الإنسان حين الخلق، ولم يكن هذا أن يكال إكراهاً، ذلك لأن الله سبحانه وتعالى جعل الاختيار والحرية للإنسان في اتخاذ مسالكه ومناهله، وفي ذات الوقت بيّن له -إلى جانب ذلك- سبيل الهدى والرشاد والصلاح عن طريق الآيات الإلهية والرسل والأنبياء.




وفيما يخص بحثنا هذا، نشير إلى أن واحدة من تلكم النظم نظام الأسرة، كأحد أهم نظم الاجتماع؛ الأسرة التي تجسد اللبنة الأولى والركيزة الأساسية في هيكل البناء الاجتماعي للإنسان، حيث يشمخ هذا البناء برصانة بالغة إذا ما كانت نواته وخليته الأسرية تشدها أواصر المحبة، وقائمة على أسس التعاون والإخلاص والتنسيق وتبادل العمل وروح النشاط والمثابرة.




فلقد أراد الله تبارك وتعالى أن يكون الصرح الاجتماعي الفاضل مقاماً على أساس الأسرة الذي هندسته وخططته الرسالة الإسلامية الرشيدة، ومن مجموع الأسر المتينة المتماسكة يكوّن ويتألّف البناء الأسري الرصين، وتتكامل مناحي الحياة الطبيعية بأنسياب نحو تحقيق الكمال وعبادة الكامل المطلق.




ولعل أبرز وأعظم ما خطط لـه الإسلام العظيم وأمر بامتثاله هو التنظيم الأسري القائم والمنطلق من أعماق الفطرة الإنسانية؛ أي تلك المجموعة من السنن والقوانين والأنظمة الإلهية والغرائز المهّذبة الموجّهة بالنحو الإيجابي والسليم، التي أودعها الله سبحانه في ذات الإنسان، سواء كان ذكراً أم أنثى.




ولو أمعنا النظر وتدبّرنا في مصدر الرقي والتقدم الحضاري لرأينا ذلك كله ينطلق من التنظيم الأسري المتماسك. فالأسرة هي التي تحمل هوية المجتمع وسمات الأمة. ولو مثلناها بشكلٍ هرميِّ لوجدنا أن الأب يمثل القمة، باعتباره المسؤول عن رعاية وحماية الزوجة -الأم- الركيزة الثانية للأسرة كمسؤولة عن رعاية وحماية وتربية الأولاد، فالرجل موظف بمعاملة المرأة بلطف ورقّة، وهو مسؤول عن الإنفاق عليها والوفاء بحقوقها، حيث أن الرجل الأب يحتل موقع القيادة والقيمومة التي جاءت في قوله تعالـى: « الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَآءِ »، وهذه القيمومة ليست أمراً مفروضاً أو دخيلاً، بل إنها تجسيد للفطرة والغريزة المنسجمة وطبيعة التكوين الأسري، حيث تبعث على الرضا والطمأنينة والسكينة بين أعضاء الخلية الاجتماعية الأولى.




إن هذه القيمومة هي التي تثير الإحساس وتدفع بالرجل إلى التضحية بأعز ساعات نومه وراحته، وإلى النهوض وظلمة الليل لا تزال تخيّم على الأفق، فتراه يخرج في البرد القارص وربما أثناء هطول المطر والثلج، طلباً للرزق ولقمة العيش، في كد وكدح وبذل الجهد طيلة ساعات النهار، وهذا كلّه انطلاقاً من الشعور بالمسؤولية تجاه عائلته، فهو المحكوم أوّلاً وآخراً بتوفير الرزق والأمن، وهما العاملان الأساسيان في مصداقية الحياة للأسرة..




وهذه الفطرة والسنّة الإلهية لا تجدها مقتصرة على ابن آدم، بل هي تعم معظم الكائنات الحيّة.. فالأمومة والأبوة تلحظها في سيرة جميع الحيوانات ولو لمدة زمنية محدودة. فالله سبحانه وتعالى قد ألهم الكائنات فطرة من شانها تنظيم واقع وشؤون الأسرة، ولا يمكن بحال من الأحوال إلغاء هذا الإلهام السماوي والاستعاضة عنه بنحو آخر ببساطة، إذ الأمر ليس هيناً كما يتصور البعض، فالتغيير والتبديل القهري المناقض لفطرة الإنسان وطبيعته الغريزية يكلّف فرضُه الكثير من الخسائر، حيث تكون على حساب كرامة الإنسان وحريته. بل ويخرجه من عالم الآدمية إلى دنيا أحط وأردأ من الحيوانيّة .


بين القيمومة والاستبداد





حينما سُنَّتْ القيمومة للرجل على المرأة وكيان الأسرة عموماً، برز إلى جانب ذلك الفهم السلبيّ المتجسّد بالاستبداد، حيث يفرض الرجل -علناً أو خُفيةً- آراءه وأحكامه الصارمة الظالمة على أعضاء أسرته.




فاليونانيون القدماء اعتبروا المرأة مجرد آلة يستخدمها الرجل.




والهند لم يتصوروا المرأة إلاّ جزءاً حقيراً من الرجل؛ ينبغي القضاء عليه فور وفاة الرجل.




والعرب قبل الإسلام اعتبروا الأنثى عاراً لابد من دفنه ولمّا يرى نور الحياة بعد، تبعاً للجهل والعواطف البليدة وضنك العيش وعدم الإيمان بالخالق الذي تكفّل بإيصال الرزق إلى مخلوقه.




ومقابل هذه الرؤى الضيقة الفاسدة والصناعة الفلسفية الفاشلة وغيرها من التشريعات، جاءت النظرة الإلهية والحكمة الربانية لتنسف روح الاستعلاء والسيطرة العنصرية، فاقتضت تلك الحكمة الحقّ أن تبرز بين فترة وأخرى فتيات ونساء يرتفعن ويسمون إلى منازل القدوة والنموذج الطيّب في شتى الخصال الرفيعة، فتراهن مثال الشجاعة والصبر والمقاومة.




نماذج المرأة الصالحة




وإذا ما أشرنا إليهن فبدأنا من عمق التاريخ والعصور الغابرة، فإن آسيا بنت مزاحم ثم مريم بنت عمران وأم المؤمنين خديجة الكبرى سلام الله عليهنّ، ثم سيدّتهن وقدوتهن جميعاً الطاهرة البتول والراضية المرضية فاطمة الزهراء سلام الله وصلواته عليها.




فترى لماذا كان هذا النور الإلهي الذي انبثق من صلب خاتم النبيين صلى الله عليه وآله فتجسد بشخص فاطمة الزهراء عليها السلام، وامتد في حياة ووجود الرسالة، وكان ركناً أساسياً في بقائها إلى يومنا هذا؟ ولماذا كان عقب وذرية الرسول الأكرم المباركة قد اقتصر على ريحانته الصديقة الطاهرة المطهرة الزهراء سلام الله عليها، ولم يكن في أحد أبنائه؟




إن الزهراء البتول وُلدت كبرعم تفتّح في ربيع الحياة، أو كنسمة فوّاحة انسابت على سهل الحياة، أو كسحابة خير هطلت فاهتزّت لها صحراء الوجود، أو كومضة سطعت على آفاق العالم المظلم، ذلك لأن الزهراء جزءٌ لا يتجزّأ من نور الرسالة، وركن أساسي من الإيمان، حيث عاشت صلوات الله عليها كربيع عجّل انقضاؤه قيض الحقد اللئيم، لكنها -رغم ذلك- بقيت عطراً ممتداً وبركة لا تنقطع، فهي بذرة الشجرة الطيبة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، وهي جوهر أهل البيت الطاهر الذي شاء الله له أن يكون مشكاة لنور يسطع وهّاجاً في ضمير الزمن وعلى امتداد الدهور.




وهذه الحكمة هي التي كانت وراء أن تكون الزهراء القدوة الأولى لنساء العالم ليقمن بوجه الاستبداد والظلم وسلب الحقوق والإجحاف والتطاول الذي يتعرضن له من قبل الظالمين والمستبدين على اختلاف أنواعهم وأشكالهم.




فلو كانت المرأة تتعرض للظلم الاجتماعي، ولم يكن بمقدور الزوج أو الابن أن يأخذوا لها حقّها، فما الذي تصنعه هذه المرأة؟ هل تتخذ موقف الصمت فتتنازل وتقبل بالهزيمة؟




الجواب: كلا؛ لن يكون ذلك منها مادامت هناك فاطمة الزهراء عليها السلام تقف على قمـة الزمن تتحدى وتصرخ بوجه الظلم والإنحراف، فهي القدوة التي وقفت تطالب بحقها؛ لا طمعاً بما ينطوي عليه هذا الحق، بل لمجرد كونه حقّاً، حيث لا ينبغي لها أن تسكت، وكانت مطالبتها تلك - من ناحية أخرى- درساً لكل الأجيال، لا سيما الشطر النسوي منه.




فالزهراء عليها السلام دخلت الساحة السياسية مدافعة عن فدكها الذي كان يتضمن في حقيقة الأمر الدفاع عن الإمام علي عليه السلام ومجمل التراث النبوي الشريف، فهي دافعت في الواقع عن أحقيّة أهل البيت في تولي قيادة الأمة، إنها نزلت إلى المعترك رغم المصائب الجسدية والنفسية التي تعرضت لها وهدّت قواها، فقد تراكم على قلبها هموم الأيام بفقدانها أباها النبي الأكرم، فعاشت في تلكم الأيام بعد رحيل النبي وهي ترى تراثه نهباً يتلاقفه القوم، وهي ترى زوجها الذي قام الإسلام بجهوده الجبّارة، تراه يضطهد ولا من مدافع، وترى الإمامين السبطين الحسن والحسين عليهما السلام لا حول ولا قوة لهما في إصلاح ما أفسدته الجاهلية الثانية التي اختلقها الطامعون. إنها رغم كل ذلك تقف شامخة كالطود العظيم تدافع عن الحق والحقوق المهدورة؛ تلقي بالحجج البالغات والدلائل الدامغات وتشهّدُ من شاهد وشهد، تدافع عن القضية التي كانت فدك عنواناً ومفتاحاً لها.




وجذوة القول؛ إن المهم في سيرة الزهراء سلام الله عليها هو تصدّيها بنفسها للدفاع عن الحق، فهو -الدفاع- قيمة إلهية عظمى، وهو قمة الخلق السامي والرفعة الإنسانية. ومن هذا كله تتجلّى أمام أنظارنا الحكمة الربانية القاضية بأن تكون الصديقة الزهراء هي العقب الطاهر والامتداد الكريم لرسول ربِّ العالمين، فلم يكن من العبث بمكان أبداً أن يقول الرسول الأكرم : فاطمة أمَّ أبيها وهو الذي لا ينطق عن الهوى إن هو -نطقه- إلاّ وحيٌ يوحى. وهذا يعني أن قيم ومفاهيم الرسالة كادت تتلاشى لولا وجود وجهود الزهراء، حيث أوضحت الحقائق وكشفت عن خفايا الطمع والجاهلية لكل ذي سمع ونظر وعقل.




درس من الزهراء عليها السلام




لعل النظرة إلى المرأة من منظار الجاهليتين؛ الأولى والحديثة قد تكون واحدةً، وهي نظرة التشاؤم والاستبداد، إلاّ أنهما تختلفان في أسلـوب التعامل معهـا.




فالجاهلية الأولى كانت تدفع بالرجل للتخلص من المرأة باعتبارها نذير شؤم له، فكانت المرأة تتعرض للوأد أو التشريد أو الحرمان أو الاستعباد. أما الجاهلية الثانية المعاصرة فهي تتعامل مع المرأة على أنها مجرد دمية ووسيلة ترفيه، وكأنها خلقت دونما كرامة واحترام وشخصية.




فهي إذا كانت في الجاهلية الأولى تستعبد في خدمة الرجل، فهي اليوم لا همَّ لها إلاّ الاهتمام بمنظرها وزينتها، وكل ذلك يصبّ في مصلحة الرجل بصورة أنانية مباشرة أيضاً. فهي -حسب الجاهلية الثانية- ليست إلاّ سلعة عامة تجتذب الرجال عن طريق عرض المفاتن، وبين هذا وذاك أضحت دون كرامة أو إنسانية؛ فإمّا تراها في حالة إشباع الغرائز الرخيصة، وإما تراها في حالة الانتقام الوحشي من ذلك الاستغلال البشع.




ولكننا نرى الزهراء سلام الله عليها تجيب عن التساؤل عما هو خير للمرأة، فتقول: خير لهن أن لا يرين الرجال ولا يرونهن ([31]) أي أن على المرأة أن تصون كرامتها وعزتها بما استطاعت من العفاف.




لا شك في أن أعظم دورٍ وأفضل نشاط تقوم به المرأة بحيث ينسجم وطبيعتها التكوينية والنفسية، هو ما تؤدّيه في محيط بيتها وأسرتها. يشاطرنا في ذلك كل منصف لم يتأثر بأبواق الدعاية المفسدة، ولم ينجرف مع التيارات المنحرفة التي تريد للمرأة الضياع في عوالم الانحلال والفساد.




ويعتقد الكثير منّا أن الرجل هو الخيمة، وهذا هو ظاهر الأمر، ولكنني اعتقد بأن المرأة هي عمود هذه الخيمة، وهي المحور الذي تلتفّ حوله الأسرة وينجذب نحوه أعضاؤها. فالمرأة - على هذا الأساس -تمثل مركز انسجام الأسرة، بينما الرجل يأخذ منصب الراعي والحامي والمدبّر والمسؤول عن توفير ضرورات العيش والاستمرار.




وإذا كان ليس خافياً تأثير الأم على أولادها من حيث التربية والرعاية العاطفية والتنمية الإنسانية، فإنه لابد من الإشارة إلى قضية لا تقل أهمية عن ذلك، وهي تاثير الأمّ على جنينها الذي هو في بطنها، وقد فصّل العلم الحديث مصداقية قول الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، حيث قال: السعيد من سعد في بطن أمه والشقي من شقى في بطن أمه ([32]) نظراً إلى ما تتركه الأم من آثار لا تنكر على جنينها، وهو خاضع بصورة مباشرة منذ كونه نطفة في الرحم وحتى بلوغه الخامسة عشرة من عمره على أقل التقادير، مما يحمل المرأة على ضرورة وعي موقعها ومكانتها تجاه أسرتها، ويحملها أيضاً على النهوض بمستواها العاطفي والثقافي حتى تكون في موضع يؤهلها لتكون مركزاً ومحوراً لحركة أسرتها.




وليس بخافٍ على أحد من المسلمين أن فاطمة الزهراء سلام الله عليها كانت الرمز الأوضح في النبل والعفة والطهارة، حتى أنها استطاعت عبر ذلك إنجاب ذرية كالإمامين الحسن والحسين وزينب عليهم السلام، وكفاها بذلك فخراً، وكفاهم بأمّهم فخراً، حيث حفظ الإسلام بوجود وجهود هذا البيت الطاهر.





الزهراء عليها السلام محور بيت الرسالة





« فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَآءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالاَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْاَنُ مَآءً حَتَّى إِذَا جَآءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ * أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَآ أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ » ( النور/36-40)




من المؤكد انّ الله تبارك وتعالى قد خلق الخلق برحمته، وأنّ رحمة الله هي الغاية والهدف الذي تتكامل عنده معالم الخلق. فترى ما هي هذه الرحمة؟ وأين هي ؟ وكيف تجلت ؟ ..




/ 4