أسباب وأهداف وتوجيهات بعثة الأنبياء - عاشوراء امتداد لحرکة الأنبیاء نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

عاشوراء امتداد لحرکة الأنبیاء - نسخه متنی

سید محمد تقی مدرسی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

ثورة الامام الحسين (ع) دروس وعبر


انها ((كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء)).


ها كلمة تعبّر عن حقيقة تاريخية هامة لا مجال فيها للشك والارتياب، كما انها قابلة للتكرار دوماً في كل واقع وزمان.. وهذا ما أثبته لنا التاريخ.


فلقد تحولت ملحمة كربلاء الى مسيرة ثورية امتدت مع الزمن، كما أمتدت الى آفاق بعيدة، وذلك لان لكل شعب أو أمة رموزاً في مختلف مرافق حياتها.. وكل رمز من هذه الرموز يقوم بوظيفة تجميع وتركيز التجربة في المرفق الخاص به. وملحمة كربلاء تحولت الى رمز للثورة الأصيلة التي جمعت في واقعها كل شروط وعوامل وخصائص الثورة الاسلامية، بل لقد استوعبت هذه التجربة كل دروس الرسالة السماوية عبر التاريخ، حتى في غير مجال الثورة فيما يتعلق بسائر مجالات الحياة، والسبب في ذلك بسيط وواضح جداً، وهو أن قلم الصراع هو أفضل قلم يكتب بحبر الدم على لوح الزمن ما لا يمكن للمتغيرات أو تصفيها أو أن تنال منها شيئاً.وحينما يترسخ مبدأ وتتكرس عقيدة تتجذر قيمه بدماء الشهداء في أوج المعركة بين الجاهلية والاسلام، فلابد أن يبقى ذلك المبدأ وتبقى تلك العقيدة راسخة شامخة دائماً.


وكربلاء ليست مدرسة للبطولة الثورية فقط، وانما هي أيضاً مدرسة لبطولة الانسان حينما يخرج من ذاته، من شح نفسه من حدوده الضيقة ليملأ الدنيا شجاعة وبطولة.. كربلاء مدرسة الوفاء، مدرسة التبتل والضراع، مدرسة الحب والتضحية، مدرسة العلم والتقوى، بالإضافة الى أنها مدرسة الجهاد والاستشهاد.


وبالتالي فان كربلاء رمز لكل ملحمة.. وبذلك أصبحت مسيرة. إذ أننا حينما نجدد ذكرى الامام الحسين (ع) وأهل بيته وأصحابه المستشهدين في أرض كربلاء في سنة (61) من الهجرة، فاننا نتذكر ايضاً ملحمة مسلم بن عقيل في الكوفة، وملحمة الحسين الشهيد، صاحب فخ بين مكة والمدينة، وجهاد الابطال من أبناء الامام الحسين، وأبناء زيد بن علي بن الحسين، وبالتالي فاننا نتذكر مكابدة كل الثائرين عبر تاريخنا المليء بدم الثوار، والمضوّع بأجساد شهدائنا الطاهرة.


من هنا أصبحت [كل أرض كربلاء] و[كل يوم عاشوراء]، لان كليهما قد استوعب تجربتنا. وتعظيمنا نحن الامة الاسلامية الثورية وتقديرنا وتكرينما لهذه الملحمة، انما هو تكريم لكل ثورة رسالية أصيلة، ولكل دم زكي طاهر أريق في أية ثورة.


ولذلك وفي بداية هذه السنة الهجرية الثامنة بعد الاربعمائة والالف نعزي أمتنا الاسلامية تعزية تحمل في طياتها البشارة بالنصر، فبكاونا ليس وسيلة للعجز. وحزننا ليس يأساً وأداء للانطواء إنما هو أمل يفتح لنا الطريق واسعاً، ويسد أمامنا أبواب الخزي والتخاذل والغرور والخداع الذاتي. وتجديدنا لذكرى الشهداء ليس طريقاً للتعويض بهم عن شهادتنا وعن تضحياتنا.. ان بكاءنا تنديد بالظلم، وعويلنا وصراخنا انما هو صراخ الضمير الحر والحي النابض في وجدان أمنتا، وصراخ النفس الابية ضد العبودية والطغيان. وبالتالي هو وسيلتنا للتعبير عن سخطنا وأعتراضنا المغلف بالحزن والاسى على الفساد المنتشر في أنحاء الارض.. وتكريمنا للشهداء معراجنا الى ذلك المستوى الاسمى الذي بلغه هؤلاء الابرار.


انهم مدرّسونا، فنتعلم منهم كيف ننتصر على ذواتنا، ونصل الى مستوى آبائنا وأسلافنا الذين ذهبوا شهداء في طريق الحق.


وهنا ألخّص بعض العبر والدروس التي نستوحيها من هذه الذكرى العظيمة.. ذكرىعاشوراء الدم والتضحية:

أولاً: خط الثورة والنظام المضاد:


خط الثورة كان أبداً قاطرة التقدم للامم، وطريقاً لتبديد سبات الانسان، وخروجاً عن الجمود، وانطلاقاً نحو بناء المستقبل، بينما كان خط الانظمة الفاسدة خطاً مضاداً لهذه الحركة التقدمية عبر التاريخ، ومن هنا فإن هناك ثقافتين تتراوحان في الحركة الاجتماعية..


ثقافة الانظمة التي تتمحور حول شرعية المؤسسات الجامدة الرجعية القائمة، وثقافة الشعوب.. ثقافة الثورة التي تعطي الشرعية لبناء المستقبل. وعاشوراء في تاريخنا الاسلامي تؤكد شرعية الثورة، وتعطينا بداية للعمل الثوري كون الحق لا يبتدأ مرحلته بالاستسلام والسكوت، والذل والخنوع، وانما يبدأ بالرفض.. كلمة التوحيد تبدأ بحرف [لا]


ونقول:


((لا إله إلا الله)).


هذه العبارة التي تجسد تكريساً للرسالات السماوية، فكل الانبياء عليهم صلوات الله قد جاءوا لكي يكرسوا خط الحنفية البيضاء. أي: الرفض لكل ما هو شرك وفساد وانحراف، وخط الرفض هذا الذي انبعث في الامة الاسلامية كان موجهاً ضد الخارج، أي ضد من سموا بالكفار والمشركين والجاهلين، لان حركة الفتح الاسلامي المتصاعدة منذ بداية الهجرة تقريباً وحتى سنة (61) والتي كانت كأمواج البحر تتوسع في سرعة هائلة، وجهت رفض الامة وتمرد الجماهير وثورة الشعب ضد الاجنبي، ولذلك كانت كل البطولات التي سجلت في تاريخنا الاسلامي قبل ملحمة كربلاء موجهة لاعداء الامة الخارجيين، وليس ضد الانحراف الداخلي الذي كان ينخر في أعماق الامة الاسلامية، وفي نفس الوقت كانت النفوس الابية والروح المتعطشة للشهادة والقلوب الملتهبة ايماناً وحماساً من أجل الدين، كانت تترك داخل البلاد وتتوجه الى الفتوحات الاسلامية خارج البلاد حتى أصبح المثل الاعلى للشهيد هو أن يقتل في حدود الامة الاسلامية، أما داخل الدولة فكانت عربدات معاوية ومفاسد يزيد، وجرائم زياد وابن زياد، وتحريفات سمرة بن جندب، ومن أشبه هي الرائحة، وبلغ الانحراف الذروة داخل كيان الأمة الاسلامية العملاق والعظيم حتى يكاد يسقط بسبب تلك الارضة التي كانت تنخر في العصى التي تعتمد وتتكيء عليها لولا ملحمة الامام الحسين وشرعية الثورة.


بلى لولا أبوا الشهداء الامام الحسين بن علي الذي بعث من وادي كربلاء صرخة دوت عبر التاريخ الاسلامي، وصنعت بطولة من نوع جديد جسدت فلسفة الشهادة وروح الرسالة وحماس التضحية من أجل الله في الثورة التحررية داخل الامة الاسلامية في مقاومة الانحراف الداخلي. وبالتالي حافظت على عمق هذه الشجرة. لذلك لو قيل أن شجرة الاسلام قد سقيت بدم الشهيد وأبي الشهداء الامام الحسين بن علي (ع)، فان ذلك ليس جزافاً، فلولا هذا الدم لما قام للاسلام عود،وبيد ان الشجرة قد نمت بدماء الشهداء الاولين كجعفر بن أبي طالب وحمزة سيد الشهداء في عصرهم، إلا ان أرضة الفساد في هذه الامة كاد يؤدي بهذه الشجرة الى السقوط، فجاء دم الامام الحسين ليصحح هذا الخلل.


البطولة الاسلامية وملحمة كربلاء:


من هنا جاءت ملحمة كربلاء لتقسم البطولة الى قسمين:-


النوع الاول: البطولة في الدفاع عن الثغور:


الدفاع عن الامة الاسلامية خارجياً حيث صبغت البطولات الافق بالدم لتحرر البشرية من نير الاستعباد وتدافع عن نبتة الاسلام الوليدة، وكانت هذه التضحيات تقع على تخوم ومشارف وثغور الدولة الاسلامية.


النوع الثاني: بطولة التصحيح الداخلي:


التضحية لزرع الثقافة الرسالية الثورية في العمق الاسلامي.


فبطولة من أجل تحرير الآخرين. وبطولة أخرى من أجل حرية الامة الاسلامية ذاتها.


ومن هنا نستطيع ان نؤكد بأن ملحمة كربلاء أعطت شرعية للثورة ولبطولاتها وللشهادة من أجلها. وبعد كربلاء وجدنا بأن كل الحركات التحررية بلا أستثناء من الخوارج الى حركة الزيدية، الى حركة الاسماعيلية والى حركة القرامطة والى كل الحركات داخل الامة الاسلامية كانت تحاول أن ترتبط بخيط يمدها الى كربلاء. وأن تستلهم من معركة الامام الحسين (ع) دروسها. وأن تغذي أبناءها بروح البطولة المنبعثة من وادي كربلاء، هكذا كانت ثورة الامام الحسين تمتاز بصفة العطاء وهكذا أصبحت مسيرة ثورية أخترقت حاجزالزمان والمكان.

ثانياً: الضغوط الحضارية على الامة الاسلامية:


على طول تاريخ الامة الاسلامية التي دخلت الآن في السنة الثامنة بعد الاربعمائة والالف من بداية انطلاقها بعد الهجرة، على طول هذه الحقبة الزمنية تعرضت أمتنا لضغوط حضارية شديدة جداً كادت تذوب بسببها.


إن هذه الضغوط الحضارية لم تكن خطيرة في الجانب العسكري، لان أمتنا قد تحصنت منذ البدء بفلسفة الشهادة التي لا يخشى عليها من الذوبان العسكري، ولم تكن اقتصادية الاتجاه، لان أمتنا لم تعتمد على محور المال والثروة والاقتصاد. بل تمحورت حول قيمة الحق. لذلك لم تكن الضغوط الاقتصادية قادرة على تذويب أمتنا عبر التاريخ، ولم تكن الضغوط الاجتماعية كذلك، لان امتنا تدرعت بدرع حصين من الروابط الاجتماعية المتينة. بل كانت تلك الضغوط ثقافية، الثقافة التي تتسرب كالماء تدخل في عمق القواعد الارضية للامة، وتفسد جماهيرها ثقافياً وفكرياً بطريقة أو بأخرى. هذا الضغط كان أشد خطراً من ألف سيف بل مئة ألف سيف بل مليون سيف.


إذن كيف نحافظ على أمتنا من خطر الغزو الثقافي عبر التايخ. امتداداً من حركة الترجمة اليونانية في البلاد الاسلامية ايام يزيد بن معاوية أول من حاول أن يترجم الكتب الفلسفية الالحادية الى اللغة العربية، امتداداً من ذلك اليوم وانتهاءاً بانتشار الافكار الديصانية، والافكار الافلاطونية الحديثة، والافكار الهندوكية والافكار المجوسية!!


الجواب: هو مجالس الذكر.


لا ريب ان العلماء الأمناء على حلال الله وحرامه هم أول من حافظ على هذه الثقافة، وأول من ضحى من أجلها.


فحينما كانت ورقة الكتاب تهمة تكفي لاعدام كاتبها، وحينما كانت الدنيا تضيق بأهل العلم الحقيقيين ولا تزال. حينئذ كان المنبر الحسيني وجلسات الذكر ومواكب العزاء ومسيرات التعزية، كلها كانت أداة لتزريق الجماهير بثقافة رسالية حية صافية نقية بعيدة عن الرواسب الجاهلية وعن الافكار المستوردة.


لقد قلت-آنفاً-أن كربلاء ليست ملحمة للبطولة، وانما هي مدرسة لرسالة كلها بما فيها البطولة وبما فيها سائر عناوين الحياة. وحين دخلت ملحمة عاشوراء وعي الامة الاسلامية، فاننا لم نكن نخشى من انهيار ثقافي لان ركيزة ثقافية قوية قد تركزت في عمق الانسان المسلم بسبب كربلاء المقدسة، كون كل انسان مسلم لا سيما الفرد الرسالي يعيش في قلبه خريطة مصغرة لكربلاء ومنذ نعومه أظفاره. ويحمل في قلبه شخصية الامام الحسين عليه السلام، ليس الامام الشهيد فقط وانما كبار أصحابه وابناءه، فالعباس له مكانة خاصة في قلوب الموالين.. وعلي الاكبر، وحتى ذلك الطفل الرضيع الذي أعدم رمياً بالسهام في أرض كربلاء بعد أن ذاق الامرين من العطش والحر، انه هو الآخر يعيش مثلاً للبراءة.. ومثلاً للبطولة في قلب كل انسان مسلم، أليس كذلك؟!


فكيف يمكن لهذا المسلم الذي يعيش كربلاء ويذوب في ملحمة الحسين عليه السلام وتبقى مأساة أطفال الامام الحسين عليه السلام في قلبه أن ينسى رسالة الاسلام؟ رسالة هذه رموزها هل تنسى؟! وأساساً هناك ما يدغدغ حلم الانسان ويحرك أطيب مشاعره اذا لم تدغدغها ملحمة كربلاء؟!


الجواب: كلا.


ومن هنا أصبح المنبر الحسيني وما يرافقه من وسائل اعلامية -وأستخدم هنا كلمة المنبر بمفهومه الشامل- أصبح درعاً للامة الاسلامية من الهجمات الثقافية الخطيرة ولا يزال. وهنا نتسائل على ماذا تعتمد ثقافة أمتنا الاسلامية اليوم في العراق؟


فهل تعتمد على الصحافة التي تسود الاوراق كما تسود وجه التاريخ ووجه الانسانية البيضاء، حيث تراها كل صباح ومساء تمجد خطوات كل مجرم وكل سفاك معتد أثيم، وكل زنيم، هذه الصحف التي يكتب فيها المرتزقة أقاويل ملفقة. فقد كنت أقرأ العدد الاخير الذي سجل بتاريخ [30/أكتوبر] من مجلة الحوادث احدى المجلات السائدة في فلك الرجعية السعودية_وقرأت الواقفين ببلاط الرجعية السعودية كالخدم المهنيين قرأتها فلم أجد كلمة واحدة عن الحج، بالرغم من أن الحج كان أقوى حدث وبارز وأكبر مؤتمر واعمق مسيرة وأشد تأثيراً وفعاليه، ولكن مع ذلك نرى بوضوح مرتزقة الرجعة السعودية-تدعي أنها حامية الحرمين الشريفين-لم يكتبوا ولا كلمة واحدة عن الحج. لانهم قد نذروا أنفسهم للفساد وللجريمة ولبيان كل فكرة ملتوية رجعية متوغلة في التبعية والعبودية للغرب ولاميركا بالذات، وهم نظراً لذلك لا يسجلون تطلعات الامة، ولا يكتبون مسيرتها الحقيقية لا يوضحون الوحدة الاسلامية في الحج، وبدلاً من ذلك يذهبون ويسجلون مؤتمر الشمال والجنوب في المكسيك، ويكتبون تقريراً عن جنازة السادات صاحب معاهدة الكامب الخيانية، كل هذا يسجلونه في عشرات صفحات الصحف التابعة للرجعية السعودية.. هذه الأدارة العميلة التي عبئت لذلك الهجوم البربري الثقافي من قبل الغرب ضد أصالة امتنا الاسلامية وضد كرامة أمتنا الانسانية!! ومقابل ذلك يأتي المنبر الحسيني، وبطل عاشوراء الحسين، ليزود الامة بالطاقة والحيوية والاندفاع والحماس، وأيضاً بالفكر الاسلامي، الثوري الرصين والتقدمي.

ثالثاً: الثورة انتفاضة انسانية وحقيقة تاريخية:


ان قيمة كربلاء وملحمتها الثورية ليست فقط في انها كانت ثورة، بل لانها ثورة في ثورة، وتغيير وتصحيح لمسار الثورات وحركات التغيير، انظروا الى التاريخ الاسلامي لتجدوا كم من ثورة انحرفت الى فوضى، وكم من ثورة تحولت الى حزبية ضيقة، والى ديكتاتورية ارهابية، وكم من ثورة نسيت أهدافها وتحولت الى ثورة مضادة حينما وصلت الى السلطة.


ضمانات استقامة الثورة:

أولاً: الابتعاد عن الانحرافات النفسية والأهداف الدنيوية:


انني أدين وبشدة ما فعلته القرامطة في العالم الاسلامي، إذ انهم كانوا ثوريين، لكن ثورتهم انطلقت من دوافع الثأر والانتقام والبغضاء والحقد، ولكن أنظروا الى الامام الحسين عليه السلام في كربلاء، كيف يعلمنا دروس الثورة، قل لي أيها الانسان: أصحيح انك تثور لكرامتك دون أن تحقد؟!


يأتي الامام الحسين (ع) في كربلاء ويبكي بكاءاً عالياً وينشج بصوت رفيع، فيسأله أحد أصحابه، يابن رسول الله لماذا تبكي هذا البكاء العالي وأنت أنت الحسين بن علي البطل الشجاع الذي خططت من أجل أن تستشهد في سبيل الله؟


قال: نعم ليس بكائي لنفسي ولا لاهل بيتي، وليس لهؤلاء القتلى من حولي. وإنما بكائي لأجل هؤلاء القوم الذين سيدخلون النار بسببي!!


كان يبكي لاعداءه، ويحاول قدر جهده أن ينصحهم ويهديهم طريق السبيل والرشاد، وكان من أجلهم يحارب، ولو تسنى للحسين (ع) أن ينتصر لفعل بهم ما وعد والده الامام علي بن أبي طالب (ع) أن يفعل بمن أرادقتله وهو ((ابن ملجم)) قال اذا أنا شفيت من هذه الضربة فسوف أعفو عنك.


الثورة يحب أن تكون بعيدة عن الحقد الاسود، وإلا فانها تتحول الى ثورة مضادة، لان الثورة يجب أن تقوم على منهج الله الحكيم، وإلا ستصبح شركاً!! الثورة يجب ان تكون من أجل الله لا من أجل الذات ولا من أجل الشهوات.

ثانياً: الهدف الأخروي:


الامام الحسين عليه السلام سار وهو يعلم انه سيقتل، ومن كان هذا أصلاً من أصول مسيرته، فإن ثورته لم تكن طلباً للمنصب. ولا بحثاً عن سلطان ولا من أجل العلو في الارض، وهو الذي كان يكرر قوله تعالى:


((تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين)) القصص (83).


خرج الامام الحسين عليه السلام، من مكة المكرمة الى أرض كربلاء كان يذّكر من حوله بقصة النبي يحيى، ويؤكد ويقول:


((من هوان الدنيا على الله أن يهدى رأس يحيى بن زكريا الى بغي من بغايا بني اسرائيل)).


لماذا؟


لكي يذّكر من حوله ويؤكد لهم ان حركته ليست لتنصيبه على رأس السلطة، أو للحصول على شهرة، وإنما كان يريد الآخرة وان الدنيا هينة، ولذا يسعى الى ما سوف يسبب ذبحه كما ذبح يحيى بن زكريا، ونحن هنا نتعلم من ثورة الامام الحسين عليه السلام ليس درساً واحداً فقط، وانما درسين:


1-درساً في أصل الثورة.


2-درساً في منهجها الرسالي.

رابعاً: الثقافة الرسالية قاعدة الثورة:


ان الثقافة الرسالية التي حاول الامام الحسين عليه السلام وسعى من أجل بثها في الامة الاسلامية عشر سنوات قبل قيامه عليه الصلاة والسلام بثورته المباركة. كانت القاعدة التي يجب أن تنبعث منها الثورة. ولو انبعثت من غيره هذه الثقافة الرسالية لتعرضت لانحرافات ونكسات خطيرة.


جاء شمربن ذي الجوشن يقود حملة ضد الامام الحسين عليه السلام في عشية يوم تاسوعاء.. فبعث الامام الحسين أخاه العباس ليستكشف أهدافهم؟


فاذا هم يريدون قتله فاستمهلهم سواد تلك الليلة فقال بعض أصحاب الامام الحسين (ع) يابن رسول الله ولماذا؟


الحرب هي الحرب سواءاً اليوم أو غد. قال: لا، أريد أن اجدد ذكراً مع ربي له هذه اليلة، وأسكنه بقراءة القرآن.


لماذا؟


لا لكي يرتاح.. أو يكتب وصاياه الاخيرة.. كلا وانما ليزداد قرباً الى الله سبحانه وتعالى، وهذا درس في أن للثقافة الرسالية ضرورة قصوى في الثورة الصحيحة.


قبل فترة أكد الامام الخميني (حفظه الله) لوفد من قادة الحرس الثوري زاروه: (على الحركات التحررية في العالم ان تتعمق في الثقافة الرسالية) والواقع أنها وصية حسنة لكي نتحصن ضد مخاطر تحول الثورة الى الثورة المضادة، وان هذه المخاطر لا ينفعها سوى التحصن بالثقافة الرسالية الاصيلة.


ومن هنا تجد في خطب الامام الحسين (ع) وأدعيته يوم عاشوراء-قد كررها أكثر من خمس مرات-انه لم يكن يتحدث عن القضايا السياسية فحسب، وانما كان يركز على القضايا الايدلوجية، وعن التوحيد، وعن الاتصال بالله سبحانه وتعالى.. لان هذا هو الاساس وهذا هو الهدف.

خامساً: تجديد ذكر الامام الحسين (ع):


اننا يجب أن نحيي ذكر الامام الحسين، لان اية أمة اذا أرادت النجاح والانتصار، فلابد أن تحضر في تاريخها، وأن يكون تاريخها حاضراً في واقعها.


يحب أن نكون نحن في تاريخنا، لنكتب بروح عصرنا بمشاكلنا وبأوضاعنا وبتطلعاتنا السامية، وبمعنى نكتب من جديد، ونكتب حياتنا به.


لذلك نحيي ذكر الامام الحسين (ع) لتكون نوراً على مر كل السنين، ولتكون بطولاته نبراساً مضيئاً ولتكون حياتنا-اليوم-ومشاكلنا طريقاً لفهم ثورة الامام الحسين عليه السلام وحياته وثورته.


انك لا تستطيع أن تفهم ثورة الامام الحسين إلا بعد أن تفهم شبكات المؤامرات التي أحاطت اليوم بنا، لان هذه الظروف هي التي توضح لنا كيف قام الامام الحسين (ع)، كما أننا لا نستطيع ان نكسر الطوق المحيط بنا إلا اذا عرفنا كيف نستطيع تجديد وأعادة ملحمة كربلاء الى واقعنا.. نحن اليوم في عالمنا الاسلامي وبالذات في العراق نحتاج الى ملحمة من نوع ملحمة كربلاء، وإلا فان هذا الارهاب ووسائل القوى الوحشية ستنال من ثورة هذا الشعب.


وإن لم تكن الضربة من النظام العراقي، فانها ستكون من التكاتف الاستكباري ضد عموم الحركات الاسلامية ، وقد أكد هذا التوجه التقريرات الخاصة التي رفعت الى رئيس الطغيان العالمي-ريغان-تدعوه فيها الى الاخذ بزمام المبادرة في ضرب حركات التحرر الاسلامية .


وخوفاً من المعادلة الجديدة التي سوف يسطرها الاسلامين بسواعدهم العاملة، فإنهم دأبوا على تزويد بعض الانظمة العربية بالسلاح لإرهاب واخماد هذا الصوت المعارض فبعثوا بالاواكس الى مصر من أجل مراقبة الخطوط الداخلية في مصر، ووافق مجلس الكونغرس الامريكي على بيع السعودية طائرات أواكس لذات الهدف. ثم يؤكد ريغان بكل صراحة: [انها لمصلة أمريكا]!! وما هي مصلحة أمريكا في الجزيرة العربية؟


بالطبع، ان مصلحتها في الجزيرة العربية هي منع تغيير النظام الحليف والصديق لهم!


إن شياطين الارض تجتمع-الآن-من أجل محاصرة الثورة الاسلامية، ومن أجل تصفية الحركات الاسلامية. هذه الحركات المستضعفة النابعة من وضع اقتصادي، ثقافي، اجتماعي، سياسي، عسكري.. متخلف، فكيف يمكن لهذه الحركات أن تنتصر على تلك المؤامرات، وتلك الشبكة الواسعة من الخطط الاستعمارية؟


انها تستطيع الانتصار فقط بالطريقة الحسينية.


ان شعبنا في العراق الذي يتجدد حزننا في كل سنة جديدة، تتوالى عليه صنوف الويلات والمآسي خوفاً من أن يجدد ذكرى سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين (ع) ويعلنها تجربة حية في أرض كربلاء بأرض العراق وفي أيام عاشوراء.


1-السبيل الوحيد للتخلص من قبضات الكبت والارهاب الوحشية، انما يتسنى بتفجير ثورة دائمة.. هي الثورة الحسينية..


يجب أن يضحي اثنان وسبعون انسان من أجل بقاء ((14)) مليون يخرجون الى الشوارع ويكسرون طوق الارهاب، فيهب الجنود البواسل للانتفاضة والتمرد على القرارات العسكرية التي تأمرهم بالذهاب الى الجحيم.


اننا نستطيع أن نكتشف في يوم عاشوراء المؤمن الحقيقي الصادق الذي يذرف دمعه للحسين عليه السلام احتجاجاً على يزيد العراق صدام، وباكتشافنا لهذا المؤمن يجب أن نلتحق به، إذ ليس كل انسان في العراق مخبراً بعثياً كما يشيع البعثيون.. المباحث قليلون.. والأمن كذلك، وانما هذه خطة ارهابية من قبل صدام لزرع الشك بين المسلم وأخيه، ألا فليلتحم المسلمون في العراق! ألا فليتخذوا من ثورة الامام الحسين (ع) درساً في الالتحام البطولي الثوري، وليكونوا خلايا المقاومة الرسالية.. ألا فليتكل كل خمسة رجال أمثال أصحاب الامام الحسين (ع) أنى تسنى لهم في تأسيس حركتهم المستقلة من أجل تحريرالعراق. وبامكان كل انسان أن يتحرك اذا أراد، وبالتالي تستطيع كل خلية أن تقوم بدور نضالي في ضد هذه الطغمة الحاكمة، والى متى تبقى هذه الاصنام فوق رؤوسنا؟


ليتخذ الخطباء والقراء من الاماكن الحسينية في كل مكان، وليتخذ أصحاب المجالس، بل أقول لتتخذ الامهات الحواضن في البيوت والآباء والاخوات من قضية الامام الحسين (ع) منبراً ومنطلقاً لتعميق جذور الثورة في نفوس الابناء. لنقل لأولادنا: الامام الحسين (ع) قتل في ثورته ضد يزيد، ويزيدنا صدام الطاغية، فأين هو حسيننا؟


نقول ذلك للطفل لينشاً حسينياً، أولا أقل يحتذي بعلي الاكبر.. العباس.. حبيب ابن مظاهر. أو ليمثل الطفل دور عبدالله بن الحسن الذي قتل على جسد عمه الحسين (ع)، وكان آخر من استشهد من آل بيت رسول الله (ص) في واقعة الطف.


لنقل ونبين هذه الدروس لأولادنا، لاننا مسؤولون عن ذلك أمام الله سبحانه وتعالى ان لم نوضح هذه الحقائق لابنائنا، ونخلق منهم جيلا ثورياً يحمل مشعل الثورة من بعدنا. ولنتخذ من ملحمة عاشوراء درساً ونبراساً نستضيء به في ظلمات العصر اليزيدي الصدامي.


الامام الحسين (ع) وارث أنبياء الله


حديث الامام الحسين يمتد مع الزمان الى كل عصر وكل مرحلة، ويمتد مع المكان الى كل موقع وكل مصر، لانه حديث الانسان بما له من تحدي وإرادة، وحديث الانسان بما فيه من ضعف وعجز، والانسان بارادته وبايمانه ويقينه يتحدى كل ضعف وعجز في وجوده أو في كيان الآخرين.


ان الحديث عن عاشوراء حديث ذو شجون وذو أبعاد مختلفة نتناول منه ما يكون أنفع وأحسن دواء لمشاكلنا، ولأمراضنا.

بين الحسين والأنبياء (ع):


ان قيام الحسين (ع) بحقيقته كان امتداداً لقيام الرسل من قبل الله في الأرض وكان تجلياً لروح الرسالة الاسلامية في أبهى مظاهرها.


ومن أجل توضيح هذه الفكرة لابد أن نمهد لها بثلاث مقدمات أساسية، هي:

أولاً: التوجه الاجتماعي الشامل لرسالات الأنبياء


ان الذي يقرأ القرآن الحكيم بتدبر، يفهم ان رسالة الانبياء (ع) لم تكن دائماً موجهة ضد الكفار والمشركين بالمعنى الضيق للكلمتين، أي لم تكن موجهة ضد أولئك الذين يكفرون أساساً برسالة الله، أو يجحدون وجود الله بصورة علنية وواضحة، وانما اكثر رسالات السماء كانت موجهة أيضاً ضد أولئك الذين حرفوا رسالات السماء ونافقوا وفسقوا.. نعم ان نمرود كان ينكر وجود الله من الاساس وحينما قال له ابراهيم (ع) اعبد الله تراه، يقول: من هو الله، فلما قال له:


((رب السماوات والأرض الذي يحيي ويميت)).


قال انا أحيي وأميت: قال: ابراهيم (ع):


((فان الله ياتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر)) (258) البقرة.


وفرعون كذلك، قد يكون ممن ينكر الله انكاراً تاماً فحينما جاءه موسى وهارون لكي ينذراه قال لهما: من ربكما يا موسى؟


قال موسى:


((ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى)) (50) طه.


ان الرجل كان يزعم بأنه كان هو الرب الاعلى لمصر ولشعب مصر.


((أنا ربكم الأعلى)) (24) النازعات.


ولكن ليست كل المجتمعات التي أرسل اليها الانبياء عليهم الصلاة والسلام كانت من هذا النوع، إنما الكثير منهم كانوا من الذين بدلوا حقائق الحياة، وحرفوا رسالات السماء وفسقوا وأجرموا، وقد استخدمت كلمة الشرك والكفر وكلمات من هذا القبيل في القرآن الحكيم مرة في النوع الاول، ومرة في النوع الثاني، لانه حسب البصيرة القرآنية لا فرق بين النوعين فكلاهما شرك وكفر عند الله.


لا فرق بين أن تدعي انك تؤمن بالله ثم تكفر به عملياً، أو تدعي ذلك رأساً، ولا فرق بين أن تعتقد بأنك تؤمن بالله ثم تشرك به عن طريق خضوعك وسجودك لصنم وبين أن تشرك بالله عن طريق خصوعك لطاغوت، فان ذلك صنم وهذا هو الآخر صنم، أحدهما صنم حجري، والآخر صنم بشري ولا فرق بينهما.


ولذلك التبست الامور على طائفةً من الناس ففسروا القرآن وزعموا ان كلمة الشرك والكفر والفسق، إنما هي مخصوصة باولئك الذين كانوا يعلنون الشرك ويجحدون بالله بصورة واضحة.

أسباب وأهداف وتوجيهات بعثة الأنبياء


لنعد الى القرآن ونتدبر في آياته لنرى من الذي أرسل اليهم الانبياء، وبالتالي لنعرف لماذا كان قيام الانبياء (ع)، وماذا كان هدف الانبياء (ع) من ثورتهم، ومن حركتهم التصحيحية في مسيرة الكون.


القرآن الكريم يقول:


((كذبت قوم نوح المرسلين إذ قال لهم أخوهم نوح ألا تتقون*اني لكم رسول أمين*فاتقوا الله وأطيعون*وما أسئلكم عليه من أجر ان أجري إلا على رب العالمين فاتقوا الله وأطيعون)) (105/110 الشعراء)


في هذه الآيات نرى بصورة واضحة ان النبي نوح (ع) وهوشيخ المرسلين كان يأمر قومه بالتقوى وبالطاعة مما يدل على ان مشكلتهم كانت الفسق، ومعصية الرسول، فلننظر ماذا أجابه قومه قالوا:


((أنؤمن لك واتبعك إلا الارذلون)) 111/الشعراء


هذا هو الجواب الذي يدل على نوعية المشكلة، فما هي مشاكل مجتمع النبي نوح عليه الصلاة والسلام؟.


المشاكل الاجتماعية في عهد نوح (ع) آنذاك كانت الطبقية، والنبي نوح (ع) إنما جاء لحل هذه الاشكالات من مجتمعه، فقالوا أنؤمن لك، واتبعك الارذلون.


وناتي على طائفة أخرى من الاقوام البشرية وهم عاد وجاء في القرآن الحكيم:


((كذبت عاد المرسلين*إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون*اني لكم رسول أمين*فاتقوا الله وأطيعون*وما أسئلكم عليه من أجر ان أجري إلا على رب العالمين*أتبنون بكل ريع آية تعبثون* وتتخذون مصانع لعلّكم تخلدون*واذا بطشتم بطشتم جبارين*فاتقوا الله واطيعون*واتقوا الذي أمدّكم بما تعلمون*أمدّكم بأنعام وبنين*وجنات وعيون*اني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم*قالوا سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين*ان هذا إلا خلق الاولين*وما نحن بمعذبين*فكذبوه فأهلكناهم ان في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين)) (123/139/الشعراء)


في هذا الموقف نتسائل ونقول: ماذا كانت دعوة هود لقوم عاد، والى ماذا دعاهم؟


الجواب:


دعاهم الى التقوى والطاعة، ودعاهم الى ترك السلبيات التي تورطوا فيها، سلبية الغرور والبطش والاعتماد على الامور المادية. فماذا كان رد عاد، وماذا قالوا له؟


قالوا: لا، نحن لا نؤمن بالرجعية، ولا نؤمن بالافكار المتخلفة التي يدعوها نبي الله هود-عليه الصلاة والسلام-.


إذاً فالمشكلة بين هود وقومه عاد لم تكن مشكلة في أصل الايمان، وإنما المشكلة الاساسية فيما يترتب على الايمان من السلوك الحسن، ومن التواضع، ومن التسليم لأمر الله، ومن التقوى والطاعة.


*يقول القرآن الحكيم:


((كذبت ثمود المرسلين*إذ قال لهم أخوهم صالح ألا تتقون*اني لكم رسول أمين*فاتقوا الله وأطيعون*وما أسئلكم عليه من أجر ان أجري إلا على رب العالمين*أتتركون في ما ها هنا آمنين*في جنات وعيون*وزرع ونخل طلعها هضيم*وتنحتون في الجبال بيوتاً فارهين فاتقوا الله وأطيعون*ولا تطيعوا أمر المسرفين*الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون*قالوا إنما أنت من المسحرين*ما أنت إلا بشر مثلنا فات بآية ان كنت من الصادقين*قال هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم*ولا تمسّوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم عظيم*فعقروها فأصبحوا نادمين*فأخذهم العذاب أنّ في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين)) (141/158/الشعراء).


وهكذا كانت ثمود حيث جاء شعيب الى قومه اصحاب الايكة ودعاهم بنفس الفكرة وذات النغمة:


((فاتقوا الله وأطيعون)).


إذن فكل ذلك يدل على فكرة واحدة هي ان الانبياء عليهم الصلاة والسلام، لم يكونوا مرسلين الى قوم يجحدون بالله جحداً تاماً إلا في بعض الفترات اما في الاغلب فكانت رسالتهم موجهة ضد أولئك الذين جحدوا بالله عملياً وسلوكياً، ونقرأ في سورة أخرى وهي سورة العنكبوت آيات توضح لنا هذه الفكرة أكثر فالقرآن الحكيم يقول:


((وعاداً وثمود قد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين*وقارون وفرعون وهامان ولقد جاءهم موسى بالبيانات فاستكبروا في الارض وما كانوا سابقين*فكلاً أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الارض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون)) (37/40)


أنظروا.. ماذا تقول هذه الآيات الكريمة، تقول ان هؤلاء استكبروا في الارض فزين لهم الشيطان أعمالهم وصدهم عن السبيل، وكانوا أصحاب بصيرة وكان طريقهم قويماً، وبعد أن كانوا مهتدين بهدى الحق، ولكن ضلوا عن هذا الطريق بسبب أعمالهم التي زينها الشيطان لهم .


فالمشكلة اذا كانت مشكلة سلوكية قبل أن تكون مشكلة عقائدية بالمفهوم الضيق لكلمة العقيدة، ان الانبياء بعثوا في الاغلب الى أولئك الذين أنكروا الرسالات بأعمالهم ففسروها تفسيراً خاطئاً، وفسقوا ولم يأتمروا بأوامرها، ولم يلتزموا بالتزاماتها كقوم صالح (ع) أو انهم لم يطيعوا القيادات الرسالية التي بعثت اليهم. هذه كانت خلاصة الانحراف، الذي جاء الانبياء من أجل اصلاحه في المجتمعات الانسانية.

ثانياً: التوجه الجزئي للرسالات عائق للتفاعل الحياتي مع القرآن.


لو اننا زعمنا بأن الانبياء إنما أرسلوا الى قوم أنكروا الله انكاراً تاماً، وبصورة علنية كالذين قالوا ان الله غير موجود، مثل نمرود، لو قلنا هذا الكلام لفصلنا جزءاً كبيراً من القرآن الحكيم عن التفاعل في حياتنا، لماذا؟


لان الناس في الارض عادة على مرّ التاريخ خصوصاً-الآن-لا ينكرون الله انكاراً تاماً وصريحاً واذا سألتهم من ربكم؟ قالوا الله فاطر السماوات والارض، وحتى المشركين في مكة المكرمةكانوا يطوفون حول البيت، ويرددون هذه الكلمة، [لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك لبيك]، يعني لا شريك لك إلا شريك واحد، وهذه الكلمة كان يرددها المشركون حول الكعبة كثيرا، وهم كانوا يؤمنون بالله ولا ينكرون وجوده.


ان الشرك يعني عبادة الاصنام أيضاً، هذا شرك يمكن تفسيره تفسيراً معيناً، إذ أن هؤلاء الذين كانوا يعبدون الاصنام كانوا يقولون لا نعبدهم إلا لتقربنا الى الله زلفى، ومن ثم اتخذوا الاصنام وسيلة، وأحد شعراء الصوفية يقول في شعره الفارسي: المشكلة بين فرعون وموسى لم تكن مشكلة توحيدية، إنما مشكلة من نوع آخر، موسى كان يقول لفرعون، لماذا أنت فقط الا له؟ لكل أناس آلهة فالشمس إله، والقمر إله، والارض إله.

المشكلة الحضارية للعالم..


المشكلة الحيققية التي لا تزال موجودة في العالم هي مشكلة الانحرافات السلوكية، والانحرافات الحضارية، أي انحراف الانسان عن القيادات الصحيحة والرسالية، هذه المشكلة التي لا تقبل الحل، أما مشكلة أن تقول للناس قولوا لا إله إلا الله، فالناس يقولوا ألف مرة، والصلاة يصلونها في وقتها، وكذلك الصوم يصومون، وسائر ما عليهم من العبادات يؤدونها، فماذا تريد؟


ان هذا ليس فيه أدنى اشكال، أنما الاشكال الذي نحن فيه والمشاكل التي نحن فيها، هي من نوع آخر، من نوع انحراف الانسان النفسي بالاضافة الى الامراض الاجتماعية، والامراض الاقتصادية، والامراض السياسية الموجودة عند البشرية، ولو قلنا بأن الانبياء لم يأتوا لمعالجة هذه الامراض، فان ذلك يعني فصل القرآن عن المجتمع، وقد لا يكون الانفصال تاماً، وإنما يمارس البعض منا تلاوة القرآن الغير واعية مع اعتقاده الراسخ بأن هذه الآيات لا تخصه ، لان النبي الذي جاء ليس من أجل هذه الامراض التي نعانيها، وإنما جاء من أجل مرض آخر لا نعاني منه شيئاً ، ربما كان هذا الهدف الوهمي ضيق من حدود القرآن الكريم، وحجم آفاق رسالة الانبياء في بؤرة صغيرة وهي مقاومة الشرك العلني أو الكفر الصريح، وكما قلنا ان هذا الهدف بعيد عن روح القرآن، بل هو صريح في آيات البعد عن آيات القرآن التي تأتي لتبين بأن الانبياء يذهبون لاداء رسالتهم وهم يركزون على سلوكيات معينة في المجتمع وعلى انحرافات خاصة.. أنظروا في سورة يونس، وسورة الانبياء، وسور الشعراء والقصص والروم والعنكبوت، هذه السور القرآنية توضح كيف ان رسالة الانبياء، كانت موجهة لانحرافات معينة، بعضها اقتصادية، وبعضها اجتماعية، والاخرى خلقية، فلماذا رفض قوم لوط رسالة الله التي جاءتهم على يد لوط؟


القرآن بجيب:


لانهم كانوا منحرفون خلقياً، ولان لوط عليه الصلاة والسلام كانت رسالته موجهة بصورة مباشرة ومركزة ضد هذا الانحراف، لذلك لم يقبلوه، ورفضوه، وبالتالي عذبهم الله. ومن أجل سائر الانحرافات الاجتماعية جاءت رسالات السماء.

ثالثاً: فهم القرآن بالقرآن.


ان الكمات القرآنية يجب أن تفهم بالقرآن ذاته، وذلك لعدة أسباب منها:


1-لانه خلال أربعة عشر قرن تغيرت أشياء كثيرة ومن ضمنها اللغة، فالكلمات التي كانت تعني شيئاً في عهد الرسول (ص) أو قبل عهده في أيام الجاهلية، لم تعد بذلك المعنى وتلك الظلال وبتلك الابعاد والخاصية التي كانت في عهد الرسول (ص).


كان للكلمات جرس وايحاءات خاصة، وقد يكون المعنى الاساسي للكلمة لا يتغير، ولكن ايحاءاته واشاراته وظلاله تتغير حسب الظروف، وحسب المتحدث والسامع وما أشبه. لذلك تجد الآن في العالم حينما يكتبون القاموس يكتبون القاموس هكذا:


يقولون الكلمة كانت في القرن كذا تدل على هذا المعنى، وفي القرن الثاني تدل على هذا المعنى، وفي القرن الثالث تدل على هذا المعنى، لماذا؟!


لانه حسب القرون تختلف ايحاءات الكلمة، وهكذا تبدلت ايحاءات الكلمات خصوصاً الكلمات الاساسية.


معنى كلمة الشرك.


وكلمة الشرك يختلف معناها بين أمرين:


الأمر الأول:


السجود لصنم حجري.

الأمر الثاني:


الخضوع لصنم بشري.


هناك فرق كبير وعظيم بين الامرين. لانه بالامر الاول لا يشمل هذا اللفظ إلا مجموعة بسيطة من الناس، بينما الامر الثاني يشمل الملايين الذين يخضعون للانظمة الفاسدة.


إذن هذه الكلمة حساسة وترتبط بمصالح الانسان وأهواءه، ولها اتصال بتزيين الشيطان للإنسان أعماله، وبتسويل النفس الامارة بالسوء.


لو كان الانسان يغير شيئاً، ويؤول فكره، ويحرف ديناً، لعرف هذه الكلمة. لان هذه الكلمة هي الاساسية. ونحن نعلم بأن الانسان في التاريخ حرّف وبدّل وأوّل، وحاول أن يتهرب من رسالات السماء بألف طريقة وطريقة، وقد فعل ذلك، وفعله هذا تركز في كلمة الشرك في الاسلام.


إذن لا يمكن أن نفهم الكلمات القرآنية حسب القواميس التي تكتب في القرن الرابع عشر. والقواميس التي تخضع للوسط الاجتماعي والثقافي علماً وثقافة، لانها تخضع لذلك الوسط إلا ما عصمه الله.


تغيرت القواميس والافكارومن هنا لابد أن نجد ينبوعاً آخر لفهم القرآن الحكيم، ذلك الينبوع هو القرآن بذاته. لذلك جاء في الحديث الشريف عن الامام أميرالمؤمنين (ع):


((كتاب الله تبصرون وتنطقون به. وتسمعون به ينطق بعضه ببعض ويشهد بعضه على بعض..))[1]


وكما جاء في الحديث الشريف:


((من فسر القرآن بعضه ببعض هدي الصواب)).


ولم يدع القرآن كلمة ذكرها في آياته إلا وفسرها في آيات أخرى، ولكن الناس لا يبصرون، لأنهم لا يتدبرون في القرآن، ولو تدبروا لعرفوا كلمة الشرك ومعنى الكفر وكلمات أخرى مرتبطة بها، مثل الفسق.


هذه الكلمات والمصطلحات القرآنية في القرآن الحكيم، اشارات واضحة الى معانياها والآن لنبحث عن معنى الكفر.


قال الله تعالى:


((ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا ومن كفر فان الله غني عن العالمين)) (97/آل عمران).


ماذا يعني هذا؟


يعني ان الكفر قد يتجسد في عدم الحج، وهناك آية ثانية يقول القرآن الحكيم:


((والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين)) (9/عنكبوت).


يعني هذا ان الكافر هو الذي لم يعمل الصالحات والذي لم يؤمن هو الآخر.


وآية أخرى تقول:


((ما سلككم في سقر*قالوا لم نك من المصلين)) (42/43/المدثر)


وهذه الآية الكريمة تبين لنا معنى ثالثاً، وهو ان ترك الصلاة هو الذي يسلك الانسان في سقر وقبل هذه الآية دلالة على ان المخاطبين هم كفار، وكذلك الشرك وكذلك الفسق، وكذلك سائر المصطلحات القرآنية. إذن استطعنا أن نفهم هذه المصطلحات وتلك الكلمات.


الى ماذا كانت تهدف رسالة الأنبياء.


لنعرف ان الامام الحسين-عليه الصلاة والسلام-ثار لذات الخط. وان الانحراف الذي مالت اليه الامة الاسلامية في عصر الامام الحسين (ع). هل كان يشبه الانحراف الذي كان عند الناس الذين بعث اليهم الانبياء (ع) أم لا. وكيف؟


وكيف نستطيع أن نقول ونحن نقرأ زيارة الامام الحسين (ع)-السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله، والسلام عليك يا وارث نوح نبي الله، السلام عليك يا وارث ابراهيم خليل الله، السلام عيلك يا وارث موسى كليم الله، السلام عليك يا وارث عيسى روح الله، السلام عليكم يا وارث محمد حبيب الله- وكيف؟


وكيف كان الامام الحسين عليه الصلاة والسلام وارثاً لهؤلاء. ولماذا لا نقرأ هذه الزياة إلا عندما نقف عند ضريح سيد الشهداءأبي عبد الله الحسين (ع)؟


إن قيام الامام الحسين (ع) كان امتداداً لقيام حركة الانبياء عليهم الصلاة والسلام، ورسالة الامام الحسين (ع) كانت هي رسالة الانبياء (ع). وبالتالي فاننا بدورنا نستطيع أن نقوم بنفس الدور اذا استلهمنا عبر التاريخ وجسدنا دور الانبياء في أنفسنا وجعلنا الامام الحسين (ع) اماماً لنا، خاصة ونحن نعتقد بأن الامام الحسين (ع)هو امامنا الثالث ولكن ما هو معنى الامام؟


ان يد التحريف البشرية قد غيرت حتى هذه الكلمة وهذه مشكلة الانسان. إذ حجّمت إشعاعات الامام بجماعة مخصوصة نقول ان الامام هو أمامنا.


ان الامام الحسين (ع) هو امام الامة والطلائع، فأي صفة كانت في الامام الحسين (ع) واقتبستها انت، وأي سلوك كان للامام الحسين (ع) وتخلقت به أنت، وأي عمل قام به الامام الحسين (ع) وعملت به أنت، صرت من أتباعه وشيعته ومواليه.


ولماذا نقف أمام ضريحه ونقول (أنا سلم لمن سالمكم، وحرب لمن حاربكم) ومن الذي سالم الامام الحسين، ومن الذي حاربه.


حبيب بن مظاهر سالم الامام الحسين (ع)، ومسلم بن عوسجة، وعابس بن شبيب، وعلي الاكبر، والعباس،والقاسم هؤلاء هم الذين سالموا الامام الحسين عليه الصلاة والسلام فهل أنت مثلهم، ومن الذي حارب الامام الحسين عليه الصلاة والسلام، انه يزيد، وابن زياد، وصدام، وفهد، وآل خليفة وكل طاغية باغي، ناشر للفساد، محب الدمار والخراب.


لماذا تقف وتقول ياليتنا كنا معكم؟


ولماذا تدعي انك من شيعة الامام الحسين عليه الصلاة والسلام اذا لم تعرف من الذي حارب الامام الحسين؟


ومن هو الذي قاومه.. ولماذا؟


ان هذه الاسئلة يجب علينا أن نفكر فيها، ونحن ندخل هذا الموسم المبارك، لا لكي نجلس عاجزين، ونقول بأننا لا نستطيع أن نقلد الامام الحسين (ع).


كلا.. ان الذي خلق الامام الحسين (ع) خلقك، والذي أودع في الامام الحسين (ع) تلك الصفات الخيرة أودع شيئاً منها فيك كأنسان، وجعل الامام الحسين (ع) أمامك لكي تقتدي به في تلك الصفات بالذات.


إذن رسالة الحسين (ع) ورسالة الانبياء (ع) لا تزال موجودة في الارض، إنما علينا أن نجسدها في أنفسنا ونبدأ بالتحرك عبر تلك المسيرة الثورية التي كان الامام الحسين عليه الصلاة والسلام أحد أبرز أبطالها وأئمتها.


السلام عليك يا وارث موسى كليم الله


ان قيام الامام الحسين (ع) ونهضته الالهية هي امتداد لرسالة الانبياء، وفي كل فصل من فصول كربلاء درس وعبرة قد استلهمت من تاريخ الرسل والانبياء والمصلحين.


بين حركة موسى وحركة الامام الحسين:


وما أشبه قيام سيد الشهداء الامام الحسين عليه الصلاة والسلام برسالة موسى (ع) من عدة وجوه ومن عدة نواحي.


الوجه الأول: الانقسام والتنازع الاجتماعي


ان رسالة موسى (ع) كانت قد هبطت على قوم كانوا قد انقسموا على أنفسهم فريقين، فالفريق الاول هو فريق المستكبرين الذين يسعون في الارض فساداً، والفريق الثاني هو فريق المستضعفين الذين يقاومون ذلك الفساد بقيادة رسول الله (س)، وحسب منهج سماوي.


وهكذا كان قيام الامام الحسين (ع)، تعبيراً حقيقياً عن ضمير الجماهير المستضعفة التي حاول الفريق المستكبر الحاكم المتمثل في بني أمية، أن سلبهم حريتهم وكرامتهم ودينهم.


على الرغم من أن هناك رسالات سماوية تختلف شيئاً ما عن ثورة الامام الحسين، حيث يقف الاغلبية المضلة من الناس في مواجهة الرسالة التي جاءت لانقاذهم، ويتدخل عامل الغيب في انقاذ الاقلية المؤمنة من الاكثرية الضالة المضلة، وتنتهي حضارة تلك الاكثرية أو ينتهي مجتمعهم وتهلك قريتهم، بصورة غيبية.


/ 10