النبي محمد قدوة الصديقين - نبی محمد قدوة الصدیقین نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

نبی محمد قدوة الصدیقین - نسخه متنی

سید محمد تقی المدرسی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید






النبي محمد قدوة الصديقين


جوهر الشخصية النبوية


انطلاقاً من قوله - تعالى - : « لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللـه اُسْوَةٌ حَسَنَةٌ » (الاحزاب / 21) نستلهم من سيرة الرسول ( صلى اللـه عليه وآله ) المباركة عبراً ودروساً نستضيء بها في طريقنا الشائك الذي نسلكه الآن من أجل انتصار العدالة والحرية في الارض ، ومـن أجل تحقيق حكم اللـه - عز وجل - تحقيقـاً كامـلاً .

جوهر الشخصية النبوية :


وفي هذا المجال نطرح السؤال المهم التالي : ماهو جوهر هذه الشخصية الرسالية التي لم يخلق اللـه - تعالى - لها مثيلا من قبل ولا من بعد ، وما الذي جعل الرسول ( صلى اللـه عليه وآله ) وهو بشر يقف امام جبروت الطغاة ، وفساد الانظمة ، وانحرافات الجاهلية ، ويــزود البشريــة بزخم قوي هائـل استمــرت على اثــره


بالتصاعد ، وستستمر حتى قيام الساعة ؟


وحتى الامام المنتظر ( عجل اللـه فرجه الشريف ) فانه سوف لا يأتي برسالة جديدة ، بل انما يأتي لتطبيق رسالة جده ( صلى اللـه عليه وآله ) لان هذه الرسالة كاملة ؛ وهو انما يظهر لتطبيقها لا بجهوده فحسب ، ولا بانتصار الغيب له فقط ، وانما ايضا بجهــود النبي ( صلى اللـه عليه وآله ) ومن استلهم منه ، ذلك لان المسلمين الحقيقيين يستلهمون من حياة الرسول ( صلى اللـه عليه وآله ) ، وسيرة الأئمة المعصومين ( عليهم السلام ) الايمان الحق ويطبقون الاسلام وينشرونه ليظهر بعد ذلك الامام المهدي ( عليه السلام ) مطبقا جميع احكام الاسلام ، ومالئا الارض قسطاً وعدلاً .


الاعتماد على الايمان باللـه :


فما هو جوهــر هذه الشخصية ، وما الذي دفعها الى ان تقف امام كل التيارات المادية بكل مالها من عنفوان واندفاع وضغوط ؟


بكلمة واحدة نقول ان الرسول ( صلى اللـه عليه وآله ) اعتمد على الايمان باللـه ، فقد كان عارفاً بخالقه ومن خلال معرفته هذه وايمانه الكامل استطاع ان يقف كالجبـل الاشم امام كل الانحرافات ، ويدفع بسفينة البشرية الى شاطئ النجاة .


وفي تلك اللحظة التي خرج فيها النبي ( صلى اللـه عليه وآله) من


مكة المكرمة فانه خرج منها مهاجراً تاركاً ارضه وبلده ، واعز بقاع الارض الى قلبــه ألا وهـو بيت اللـه الحرام ، فالتاريـخ يروي لنا انه ( صلى اللـه عليه وآله ) عندما خرج من مكة التفت لفتة اليها وقد اغرورقت عيناه الكريمتـان بالدموع ، ولكن جبرائيــل ( عليه السلام ) سرعان ما أوحى الى قلبه قائلا : « إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ لَرَآدُّكَ إِلَى مَعَادٍ » (القصص / 85) ، وهنا اطمأنت نفسه وخرج من مكة مهاجرا تلك الهجرة التي كانت اللبنة الاولى لبناء الامة الاسلامية في التأريخ .


وفي الحروب وقف مع الرسول ( صلى اللـه عليه وآله ) اصحابه الابطال المخلصون وفيهم من امثال علي بن ابيطالب (عليه السلام ) وجعفر ، وأبي ذر وغيرهم من الذين كان الواحد منهم يقف امام الناس جميعاً دون خوف او وجل الى درجة ان علياً ( عليه السلام ) قـــال : " واللـه لو تظاهرت العرب على قتالي لما ولّيت عنها ، ولو امكنت الفرص من رقابها لسارعت إليها .. " [1] ومع شجاعة علي ( عليه السلام ) الفائقة هذه فانه كان يقول : " كنا إذا احمر البأس اتقينا برسول اللـه ( صلى اللـه عليه وآله ) فلم يكن أحد منا أقرب الى العدو منه " [2].

نور وهاج :


ترى ما الذي جعل قلب الرسول ( صلى اللـه عليه وآله ) بهذه الدرجة من الشجاعة والصمود بحيث يلوذ به علي ( عليه السلام ) وأمثاله من الابطال ؟


ان الانسان عندما يـدرس حياة النبي (صلى اللـه عليه وآله) بفكره البسيط والمحدود فانه لا يستطيع ان يستوعب ما أحدث ( صلى اللـه عليه وآله ) من تغييرات جوهرية فــي العالم . لقد كان مبعثـه ( صلى اللـه عليه وآله ) ايذانا بحدوث امواج هائلة القوة ومتصاعدة في حياة البشرية ، فما هو النور الوهاج الذي اضاء قلبه ليضيء معه العالم برمته ؟


انه الايمان باللـه والمعرفة به ؛ ففي كل قضية تلجأ البشرية اليه وهو يلجأ الى اللـه - عز وجل - ، وفي كل ليلة كان ( صلى اللـه عليه وآله ) يقوم ثلاث مرات ليعبد ربه ، ويستلهم من عبادته الشيء الكثير من العــزم والصمــود ؛ في بداية الليل بعد صلاة العشاء كان ( صلى اللـه عليه وآله ) يغفو غفوة ، وفي بداية الثلث الثاني من الليل يقوم من النوم لينحدر الى مناسكه وعباداته ويستمر متعبدا الى الصباح .


انني هنا أريد ان اوجــه انظار القراء الكرام الى هذه النقطة بالذات ، فلقد نسينا اللـه - سبحانه - ، وفي طليعة الاشياء التي نسيناها بعد الله - تعالى - انفسنـا كما قال - عز وجل - : «نَسُوا اللـه فَاَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ » (الحشر / 19) ، وهذا يعني اننا اذا نسينا اللـه فاننا سوف ننسى قدراتنا وطاقاتنا وكرامتنا .. فنحن لم نبتل بما ابتلينا به لحد الآن من مآس وويلات ، ومن تجبر المستكبرين في الارض ، وضغوط الطواغيت ، وفساد المفسدين إلا بعد ان نسينا خالقنا وبارئنا .


حقيقة منسية :


وعلينا الآن ان نعود الى اللـه ، والى عبادته عبادة حقيقية ، والتضرع إليه تضرعاً نابعاً من القلب ، فاللـه - عز وجل - لايمكن ان ينخدع - وحاشاه ان ينخدع - بهذه الصلوات الجوفاء ، والعبادات الفارغة ، والشعائر القشرية . هذه لايمكن ان تنفع امتنا شيئا لا في الدنيا ولا في الآخرة ، والشيء الوحيد الذي ينفعنا هو الحقيقـة واللب ؛ فاللـه - تعالى - لا يطلب منا كثرة الصلاة والصيام ، بل قلبا خاشعا وعينا دامعة وسلوكا مستلهما من ايماننا الحقيقي بـه .


ولذلك فاني الفت الانظار الى هذه الحقيقة المنسية ونحن نعيش المأساة في كل مكان ، فقد تظاهرت الدنيا علينا وكادت المؤامرات تخنقنا ، فهناك الآن اكثر من ألف مليون مسلم يعيشون تحت الوان من العذاب في كل مكان ، ومثل هذه الظروف تدعونا الى ان نعود الى اللـه - تعالـى - ، وان نصفي قلوبنا ، ونطهرها من الاحقاد والضغائن ، ليكون ما بيننا وبين اللـه عامراً ، وهو - عز وجل - بدوره سيصلح ما بيننا وبين الآخرين .


برنامج روحي لتربية النفس :


ولنضع في هذا المجال برنامجا روحيا لتربية انفسنا ، فنحن لو حكمنا البلاد - مثلا - وفي قلوبنا احقاد تجاه بعضنا البعض فسوف ندمر انفسنا ، فلنخرج - اذن - هذه الضغائن من قلوبنا ، ونقتلع جذورها اولاً ، ثم نفكر بعد ذلك في اقامة حكم اللـه ، فان احداً لا يستطيع ان يطبق هذا الحكم إلا من كان يمثل في سيرته وسلوكه وخلقه رسول اللـه ( صلى اللـه عليه وآله ) ، فليس من المعقول ان يستطيع اقامة حكم اللـه من استبد به حب الرئاسة ، ولذلك فاني اوصي جميع الرساليين في كل مكان بأن يبادروا الى تزكية انفسهم ، والتوبة الى اللـه - عز وجل - والانابة اليه وذلك من خلال تطبيق فقرات المشروع التربوي التالية :

1- الدعاء :


ان اهمية الدعاء ليست اهمية مادية فحسب ، كما انها لا تقتصر على اصلاح النفس البشرية ، وتحديد نقاط الضعف فيها ، بل ان اهميته تكمن في انه يربط الانسان بالقدرة الالهية التي لا تنتهي ، فالدعاء يجعل قلوبنا مضاءة بنور الايمان ، فلنتضرع الى اللـه في جوف الليل ، فإن بيده الأمور وهو الذي يرفع من يشاء ويضع من يشاء ويؤتي الملك من يشاء وينزعه ممن يشاء وبيده كل شيء .


ان الدعاء الحقيقي هو الدعاء الذي يدفعنا الى العمل في ايامنا ، أولم يكن اصحاب رسول اللـه ( صلى اللـه عليه وآله ) الذين خرجهم من مدرسته بفضل تعاليم الوحي رهبان الليل وفرســان النهار ؟ لقد كانت ضراعتهم في الليل هي التي تدفعهم الى ان يخوضوا غمار الحرب كالاسود في النهار ، حتى قال ( صلى اللـه عليه وآله ) : " ونصرت بالرعب من مسيرة شهر .. " [3] .


فلنقف لله خاضعين خاشعين بعد صلواتنا ، ونحن نرى ان ائمة الثورة وقادة الرسالة وهداة الامة كانوا يحثون الناس على الدعاء في أشد الظروف واحلكها ، فعندما تنقطع الوسائل ولا تتبقى للانسان وسيلة للدفاع عن نفسه من أجل القيام بالثورة الحقيقية ، فحينئذ تبقى وسيلة اخرى انما هي وسيلة انتماء الانسان الى الثورة ، فعندما تشتد الظروف ، ويتصاعد الارهاب ينقطع انتماء الانسان الى الثورة فــلا يشعر انه جزء منها ، وهنا يلعب الدعـاء دوره ، ليحافـظ علــى


ثورية الانسان ، ويبقيه منتمياً الى مجتمع الثورة ، وأمة الانطلاق .


ولذلك فاننا نؤكد على الاخوة المجاهدين العاملين في الساحة ان لاينسوا هذا السلاح الفعال الذي يقول عنه النبي ( صلى اللـه عليه وآله ) : " الدعاء سلاح المؤمن وعمود الدين ونور السماوات والأرض " [4] .


والدعاء هنا له جانبان ؛ الجانب الأول ان تدعو اللـه - عز وجل - ان ينصرك على عدوك ، والجانب الثاني ان تدعوه لكي يخذل عدوك .


وفي يوم القيامة سوف يحاسب اللـه - سبحانه - الانسان على تركه للدعاء الذي يحارب به الطواغيت ، والظالمين ، ويلعنهم من خلاله ، ويطالب باسقاط دعائم حكمهـــم ، وتقريب آجالهم ، فكل انسان مكلف ومسؤول امام اللـه عن الدعاء وراء كل صلاة ، وفريضة لاسقاط الطاغوت ، فربما تكون هناك آهة حزينة تخرج من قلب مظلوم ومفجوع تستجاب عند اللـه - جلت قدرته - وتقضي على الطاغوت .


صحيح ان هناك في الكون سنناً ومصالح ، وان هناك حقـاً يحكمه ، ولكن من سنن اللـه استجابة الدعاء ، والصلاة التي يأمرنا الخالق بادائها قائلا : « وَاسْتَعِينُوْا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ » ( البقرة /45) جوهرها الدعاء ، وقد روي عن الامام علي ( عليه السلام ) انه كان يدعو في القنوت على اعداء الامة الاسلامية بأسمائهم ، ونحن ايضاً يجب علينا ان ندعو على اعداء الاسلام باسمائهم ومن المؤكد ان اللـه - تعالى - سوف يستجيب لنا لانه رحيم بعباده .

2- الصوم :


علينا بالصوم فان اللـه - عز وجل - يقول : « وَاسْتَعِينُوْا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ » فقدم الصبر الذي هو الصوم على الصلاة ، وعلى المجاهديــن في سبيل اللـه ان يمارسوا الصيام كل اسبوع على الأقل ، لان الصوم من شأنه ان يزيد من ايمانهم ، وصلابتهم ، ويجعل نفوسهم شفافة ، كما يجعل ارادتهم صلبة وقوية ، ويذكرهم دوما بالمأساة التي تعيشها شعوبهم ، وهنا أوكد على المجاهدين البعيدين عن اوطانهم والذين من الممكن ان يفقدوا شيئا فشيئا انتماءهم الى شعوبهم الرازحة تحت نير الطغاة ، ويفقدوا احساسهم بمآسي شعوبهم هذه ، فمن خلال الصوم ، هذه العبادة المهمة سيتذكرون دوماً الآلام والمحن التي يعيشها اخوتهم في السجون والمعتقلات .

3- تصفية القلوب والنوايا :


علينــا ان نصفي قلوبنا ونوايانا تجاه اخوتنا المؤمنين ، فإذا قَسـت


قلوبنا تجاه بعضنا البعض ، واذا لم نشعر بالمسؤولية ، وابعدنا انفسنا عن المعركة فان اللـه - تعالى - سوف ينزل غضبه علينا ، وعندما تكون نياتنا صافية ، واعمالنا خالصة لوجه اللـه فان اعمالنا سوف تؤتي ثمارها ، فالعمل يصطبغ بالنية الصالحة . وهذه هي وصيتي للمجاهدين الرساليين العاملين في الساحة ، فعلى كل واحد منا عندما ينهض من نومه صباحا أن يتفكر في الاعمال التي قــام بها ؛ هل كانت لله - تعالى - أم للشهرة ، ولذاته ؟ ولنحذر من ان ندخل النار - لا سمح اللـه - بالاعمال التي هي صالحة فـي الظاهـر ، فهناك البعض من الناس سيعذبون بالنار بسبب صلاتهم ، وصومهم ، وحجهم وغيرها من العبادات التي ادوها رياءا وسمعة .

4- حسن التعامل :


من الأمور المهمة التي يجب ان نلتزم بها ونحن نخوض الجهاد ، ان نحسن تعاملنا مع بعضنا البعض ، فالتُهم ، والافتراءات ، وسوء الظن ، والغيبة كلها امور من شأنها ان تؤخر انتصار الثورة حتـى وإن قدمنا التضحيات الجسيمة ، وسالت منا الدماء الغزيرة ، لان كلمة السوء تؤثر في القلب والنفس ، وتعتبر من الآثام الكبيرة كما قال - عز وجل - « اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ يَغْتَب بَعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ » . (الحجرات / 12)


وقد نهانا القرآن الكريم عن ان نقول مالا علم لنا به ، وان نتريث قبل اصدار الاحكام كما اشار الى ذلك - تعالى - في قوله : « إن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ » (الحجرات / 6) ، ففي كثير من الاحيان نسمع اشاعة ضد اخواننا المؤمنين فنبادر الى تصديقها دون علم وتثبت ، ونتخذ على أثر ذلك مواقف ارتجالية نندم بعدهــا حيث لا ينفع الندم ، ان علينا ان نأخذ بنظر الاعتبار في هذا المجال ان للسان دوره في الحياة ، واننا يجب ان ننزه السنتنا عن التهمة ، والافتراء ، والغيبة ، وان يكون هدفنا توحيد الصفوف ، ولم الشمل .

5- نشر الوعي القرآني :


يجب ان لايكون همنا ان نحدث الناس عن الثورة دون ان نقوم بدورنا في نشر الوعي الديني والقرآني ، فلو لم نستطع احياء دور القرآن الكريم في مجتمعاتنا ، واعادة الناس الى تلاوة القرآن ، والتدبر في آياته ، والاستلهام من نوره فان الثورة سوف لا تنمو ، ولا تنتصر .


ان الجماهير قد ادركت الآن ان الاسلام حق من خلال ما يجري في الساحة ، لقد جربت الشرق والغرب وعرفت ماذا يجران عليها من ويلات ومآسي ، واكتشفت ان هذه الافكار المادية خاطئة ، وبدأت الآن تتوجـه نحــو الاسلام ، فعلينــا ان نستغل هذه الفرصــة


لتزويدها بغذاء ثقافي لكي نستطيع الاعتماد عليها .


ان تلاوة القرآن ودراسته يجب ان تكونا في طليعة اعمال الثوار ؛ فكل انسان ثوري يجب ان يقرأ يوميا صفحات من القرآن الكريم يتدبر فيها ليعرف طبيعة ثورته ، فالانسان المجاهد عندما يستشهد وهو يتلو القرآن فان درجته ستكون ارفع من سائر الشهداء فقد جاء في الحديث الصحيح عن الامام الصادق ( عليه السلام) : " وعليكم بتـلاوة القرآن فان درجات الجنة على عدد آيــات القرآن ، فاذا كان يوم القيامة يقال لقارئ القرآن اقرأ وارق فكلما قرأ آية رقا درجة .. " [5] ؛ اي اقرأ القرآن وارق الدرجات عند اللـه - عز وجل - ، فالشهيد عندما يكون قارئا للقرآن الكريم فان درجته ستكون مع الصديقين .

6- العمل على تحقيق الوحدة :


علينا ان نعلم ان تحقيق الوحدة عملية صعبة جدا ، فعلى الانسان ان يبني كيان هذه الوحدة لبنة لبنة من القاعدة ، وهذه الوحدة تبدأ من العائلة ، ثم الاصدقاء ، ورفاق الجهاد لتسود المجتمع الصغير ثم الكبير ، ولذلك فان على الامة الاسلامية ان توحد نفسها من القاعدة من خلال تشكيل اللجان الثورية في كل مكان ، وهذه اللجان يجب ان لا تقتصر في نشاطها على الحدود والاطارات التي ينخرط فيها الشباب فقط ، بل يجب ان تشمل الوحدة جميع شرائح الأمة وفئاتها .


وقد أثر عن رسول اللـه ( صلى اللـه عليه وآله ) انه عندما كان يبعث مجموعة صغيرة لاداء مهمة معينة فانه كان يختار لهذه المجموعة قائداً ، وعلينا نحن ايضا ان نوحد انفسنا ، ونستجمع قوانا ، ونخرج من ذاتياتنا ، ونصلح ما بيننا .


ان هذه المرحلة تقتضي ان نخطو خطوات متدرجة لتحقيق اهدافنا ، اما اذا اردنا ان نحقق هذه الاهداف مرة واحدة ، وعلى مستوى واسع فان الفشل سيكون مصير هذه الأهداف .


7- إبداء ردود فعل مناسبة تجاه الأحداث :


على كل واحد منا ان يبدي رد فعل مناسب تجاه الأحداث ؛ فاذا سمع الواحد منا ان اخا له في الايمان قد استشهد ، وان آخر قد اعتقل ، وان مؤامرة قد نفذت ضد اخوان لنا في الدين في هذا البلد الاسلامي أو ذاك ، فان علينا ان نتخذ موقفا ازاء هذه الاحداث كأن نشترك في تظاهرة ، او نكتب كلمة ، او نلقي خطابا .... اما إذا مرت تلك الحوادث دون ان نحرك ساكنا فان هذا الموقف يسبب قسوة قلوبنا .


و فـي هذا المجال يروى عن الامام علي ( عليه السلام ) انه تألـم


كثيراً عندما سمع ان امرأة مسلمة قد أخذت منها زينتها غصبا في احدى الغارات حتى انه قال : " لو ان رجلا مات من ذلك كمدا لما كان عندي ملوماً " ، في حين اننا نرى الآن الكثير من المسلمين يقرأون الأخبار ثم يمرون عليها مر الكرام !


بماذا نجيب الشهداء :


ترى بماذا سنجيب الشهداء غدا عندما يواجهونا ملطخين بدمائهم ، فلا يدعونا نخترق الصفوف للدخول في الجنة ويحتجون علينا قائلين : ان دماءنا في ذمتكم ، وعلى عواتقكم ! ترى بماذا سنجيبهم ؟ ان دماءهم في اعناقنا ، والراضي بالظلم كفاعله ، والساكت عن الحق شيطان اخرس ، واللـه - سبحانه وتعالى - يشمل الناس بالبلاء عندما يعينون الظلمة والمجرمين بالرضا .


ان كل انسان قادر على ان يبدي رد فعل وإن ادعى انه لايستطيع ذلك ، فاذا سمعت - مثلاً - ان الثوار قاموا بعملية ما واستشهدوا فبإمكاني ان ادفع قدراً من المال الى هذه الحركة ، او تلك الجماعة التي قامت بتلك العملية إذا لم استطع الذهاب الى ساحة المواجهة ، والاشتراك الفعلي في القتال ، فعلينا ان نقسم الادوار بيننا ، فالذين لايستطيعون الاشتراك في الجهاد عليهم ان يدعموا الحركة الجهادية بالامــوال والامكانيـات ، ليقوم القادرون على حمل السلاح بدعــم


الحركة الجهادية بدمائهم وتضحياتهم .


ان الشعوب الاسلامية لو قامت بابداء ردود الفعل المناسبة تجاه الظروف والاحداث العصيبة والمأساوية التي تمر بها لاستطاعت ان تزيل حكم الطغاة ، وتقاوم الظلم والفساد والانحراف ، فالحكام المتجبرون لم يستطيعوا التحكم بنا ، والسيطرة على مقدراتنا ، و ابعادنا عن ديننا وعقيدتنا إلا بعد ان خيـم الصمت والسكوت علينا ، واصبحنا لا نبدي اي حراك ازاء ما يجري حولنا ، ولا نشارك في الأحداث مشاركة ايجابية فعالة من شأنها ان تحقق لنا الحياة الحرة الكريمة حيث لا ظلم ، ولا طغيان .


المعرفة المثلى لشخصية النبي (ص)


في العديد من النصوص الاسلامية نلاحظ التأكيد على الفكرة القائلة بأن اللـه - عز وجل - اول ما خلق من الانوار القدسية نور نبينا وحبيب قلوبنا محمد بن عبد اللـه ( صلى اللـه عليه وآله ) ، وانه خلق السماوات والأرض والجنان والكائنات جميعا بهذا النور النبوي .


فلنتعرف ولو بمقدار قليل على حياة نبينا ( صلى اللـه عليه وآله ) وعلى شخصيته الفذة ذلك لأن معرفتنا به هي التي تقربنا اليه ، وكلما اقتربنا من معرفتنا له ( صلى اللـه عليه وآله ) اقتربنا من ربنا ، فدرجات الناس في الآخرة انما هي بقدر عقولهم ومعارفهم ، والاعمال هي بالنيات ، لأن عظمة العمل وعظمة الانسان العامل له تتجليان في الأهداف الكبيرة التي يقوم الانسان بذلك العمل من اجلها ، ومن هنا فكلما كانت معرفة الانسان بربه اسمى ، كانت اعماله اكثر سمواً وعظمة .


العمر ليس مقياساً للايمان :


ان المسافة الزمنية التي يقطعها الانسان من حين ولادته وحتى وفاته ليست ميزانا ومقياسا في ارتفاع درجاته او تسافلها ، ففي لحظة واحدة قد يقطع الانسان عشرات الملايين من الدرجات الى ربه ، وهذه اللحظة هي لحظة المعرفة .


ان البعض يعرف رسول اللـه ( صلى اللـه عليه وآله ) كقائد ، وكرجل عربي انقذ العرب من الجهل والضلالة والتمزق والتجزئة والتخلف ، وبعث فيهم نهضة حضارية متسامية ، والبعض الآخر يسمو على ذلك فيقول انه كان رسول اللـه ، وانه كان يحمل رسالة من الغيب ، وكان الوحي يتنزل عليه ، ولكنه كان في بعض الاحيان يرتكب بعض الأخطاء والهفوات ، وتصورهم هذا ليس بالتصور الذي يليق بشخصية الرسول ( صلى اللـه عليه وآله ) .

معرفة كافية :


وهناك من يعرفه ( صلى اللـه عليه وآله ) باعتباره اماماً للرحمة ، وقائداً للهدى ، وسراجاً منيراً ، ولكن هؤلاء يقتصرون على الكلمات وظواهرها التي جاءت في الذكر الحكيم ، او وردت في الروايات والنصوص ، او في كلمات أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وما أجلها واعظمها من كلمات تصف شخصية الرسول ( صلى اللـه


عليه وآله ) بأعظم الوصف واجله .


ومثل هؤلاء على خير لأنهم عرفوا النبي ( صلى اللـه عليه وآله ) بأدنى ما يمكن ان يعرف به ؛ لقد عرفوه بالتجلي الظاهر له ، وبالبشرية التي جعله اللـه - تعالى - فيها ، وهذه المعرفة كافية ، وصاحبها يكون من اصحاب الايمان .


ولكن السؤال المهم المطروح هنا هو : هل بذلك فحسب تتم معرفة شخصية الرسول ( صلى اللـه عليه وآله ) ؟


كلا بالطبع ، فنحن لو ادركنا بعمق معنى ان اللـه - عز وجل - خلق نور نبينا محمد ( صلى اللـه عليه وآله ) قبل ان يخلق سماءاً أو أرضاً او ملائكة ، ثم اضفنا هذه الفكرة الى الرواية التي وردت عن رسول اللـه ( صلى اللـه عليه وآله ) فيقول : " يا علي ان أول خلق خلقه اللـه عز جل العقل فقال له أقبل فأقبل ثم قال له : أدبر فأدبر ، وقال وعزتي وجلالي ما خلقت خلقاً هو أحب إلي منك ، بك آخذ وبك أعطي ، وبك أثيب ، وبك أعاقب " . [6] لو عرفنا هذه الرواية وقارناها بتلك الفكرة ، وعرفنا ان اللـه - تبارك وتعالى - خلق الكائنات خلال لحظة واحدة ، وان هذه الكائنات بما فيها من شموس ومجرات ماهي إلا جانب من خلق اللـه ، وان البشرية ليس باستطاعتها ان تبلغ آماد وابعاد الكائنات التي يخلقها اللـه في كل لحظة ... لو عرفنا كل ذلك فلعلنا حينئذ نعرف شيئا من عظمة نبينا ( صلى اللـه عليه وآله ) . ولكن هيهات ، فهو ( صلى اللـه عليه وآله ) عندما يقول لعلي ( عليه السلام ) :


" يا علي ما عرف اللـه إلا أنا وأنت ، وما عرفني إلا اللـه وأنت ، وما عرفك إلا اللـه وأنا " فان هذا القول ليس مجرد مبالغات ، ولكن عقولنا هي التي تقصر عن بلوغ وادراك هذه الابعاد .

معارض مترابطة :


تــرى ماذا يعني ان اللـه - تعالى - خلق الكون بنور الرسول (صلى اللـه عليه وآله ) ، وخلق الجنة بنور أبي عبد اللـه الحسين (عليه السلام ) ؟ وهل هي مبالغات وأوهام ؟ اننا لم نعهد في كلامهم ( عليهم السلام ) اوهاماً ومبالغات ، حيث جاء عن رسول اللـه ( صلى اللـه عليه وآله ) يقول في ذلك : خلقنا اللـه نحن حيث لا سماء مبنية ولا أرض مدحية و عرش ولا جنة ولا نار . كنا نسبحه حين لا تسبيح ونقدسه حين لا تقديس ، فلما أراد اللـه بدء الصنعة فتق نوري فخلق منه العرش فنور العرش من نوري ، ونوري من نور اللـه وأنا أفضل من العرش .


ثم فتق نور ابن أبي طالب فخلق منه الملائكة ، فنور الملائكة من


نور ابن أبي طالب ونور ابن أبي طالب من نور اللـه ونور ابن أبي طالب أفضل من الملائكة ، وفتق نور ابنتي فاطمة منه فخلق السماوات والأرض فنور السماوت والارض من نور ابنتي فاطمة ونور فاطمة من نور اللـه ، وفاطمة أفضل من السماوات والأرض ، ثم فتق نور الحسن فخلق منه الشمس والقمر فنور الشمس والقمر من نور الحسن ونور الحسن من نور اللـه ، والحسن أفضل من الشمس والقمر ، ثم فتق نور الحسين فخلق منه الجنة والحور العين فنور الجنة والحور العين من نور الحسين ، ونور الحسين من نور اللـه ، والحسين أفضل من الجنة والحور العين " . [7]


ان ذلك الخلق الأعظم الذي خلقه اللـه - تعالى - مجردا من كل شائبة وتغيير ، والذي بقاؤه مستمد من بقاء الذات الالهية ، هذا الخلق وهبه اللـه للانسان وجعل نوره في قلب محمد ( صلى اللـه عليه وآله ) الذي هو حبيب اللـه - عز وجل - ، وهذا اللقب يعني ان اللـه يحبه ، ويكرمه ، ويعظمه ، وانه قد جعله اقرب الناس إليه . انها كلمة لا يمكن ان نعرف ولو جزءاً بسيطاً من أبعادها ، إلاّ بعد ان نعرف شيئاً ما عن عظمة ربنا - سبحانه وتعالى - .


ترى لماذا سقطت في يوم مولده الاعظم شرفات المدائن ، ولماذا


غاضت بحيرة ساوة ، وفاضت بحيرة السماوة ، ولماذا اطفئت نيران فارس في معابدها ، ولماذا ضربت نجوم السماء بعضها بعضا ، ولماذا حدثت تغيرات هائلة في الكون ؟ كيف ولماذا انبعث النور من بيت آمنة بنت وهب الى عنان السماء ، هذا النور الذي اضيئت به جنبات مكة ، ولماذا جعل اللـه - تعالى - امته افضل امة ، وخير امة أخرجت للناس ؟


اننا إن لم نعرف هذه الحقائق ولم نأخذها بعين الاعتبار فان علاقتنا بالنبي ( صلى اللـه عليه وآله ) ستكون علاقة طفيفة هشة وغير كافية لكي تحملنا الى الدرجات السامية ، وبالاضافة الى ذلك فان معرفتنا بالرسول ( صلى اللـه عليه وآله ) إن لم تتم فان معرفتنا بالأئمة ( عليهم السلام ) لايمكن ان تتم ، ومن لم تتم معرفته بهم (عليهم السلام ) فان دينه سيكون ناقصا كما يشير الى ذلك بصراحة الدعاء المعروف :


" اللـهم عرفني نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف رسولك ، اللـهم عرفني رسولك فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك ، اللـهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني " [8] .

المعرفة حب وسلوك :


فلنكمل معارفنا التي هي درجاتنا الى اللـه - تعالى - ، ولابد ان تتحول هذه المعرفة الى حب ، والحب الى سلوك ، والسلوك الى برنامج ، والبرنامج الى خط نستقيم عليه حتى الممات ، والمعرفة إذا كانت متكاملة ، وكانت معرفة العقل والعاطفة ، ومعرفة اتصال القلب بمن يعرف ، فان هذه المعرفة هي التي ستتحول الى حالة حب ، وفي هذه الحالة سنحب الرسول ( صلى اللـه عليه وآله ) ، والحبيب لمن يحب مطيع - كما يقال - ، فالانسان يتبع ويطيع من يحبه شاء أم أبى ، لان القسم الأكبر من سلوكيات الانسان يمثل الجزء غير الواعي منه .


وعلى هذا فان مجموعة كبيرة مـن سلوكيات الانسان تتبع اللاوعـي ، فالحب والبغض يدخلان في اللاوعي وهما اللذان يقودانــه ، فعندما يجعل الانسان شخصا ما قدوته ، واسوته ، وامامـه ، وقائده ، ويضمر له الحب الكبير فان سلوكيات هذا الشخص سوف تنعكس عليه بشكل لا إرادي .


فإن أحب الانسان شخصا كالنبي ( صلى اللـه عليه وآله ) الذي هو حبيب الله ورسوله ، وصاحب الخلق العظيم ، والآداب الرفيعة ، والسلوك السامي ، فانه - بالطبع - سوف يبرمج فكره ، وسلوكه ، ولاوعيه طبقـاً لحياته ( صلى اللـه عليه وآله ) .


يخطئ من يزعم ان اكثر اعمال الانسان تصدر منه قسريا ، بل انها على العكس من ذلك تأتي بصورة عفوية وبدون تكلف ، ولكن هناك حاجزاً لابد من التذكير به عسى ان يكون هذا التذكير مفيداً ، وهذا الحاجز يتمثل في اننا نحب الرسول ( صلى اللـه عليه وآله ) ، واننا نحرص على ان نربي اطفالنا على حبه وحب الأئمة ( عليهم السلام ) ولكن المشكلة اننا لا نعرف سلوكه ، فعندما نرى ان حياتنا مختلفة عن حياته ( صلى اللـه عليه وآله ) فالسبب في ذلك يعود الى قلة معرفتنا بسيرته .


ان علينا ان ننظر الى حياة الرسول ( صلى اللـه عليه وآله ) ؛ كيف كان يمشي ، وكيف يصافح ، ويبتسم ، ويبكي ، ويقوم ، ويجلس ... فهذه كلها آداب وبرامج نحن بعيدون عنها ولو عرفناها معرفة كاملة لاستطعنا التكيف معها .

لا للمعرفة المجزأة :


وهناك ملاحظة اخرى وهي ان معرفتنا بالرسول ( صلى اللـه عليه وآله ) يجب ان لا تكون معرفة مجزأة فعلينا ان لا نعرفه ( صلى اللـه عليه وآله ) كقائد ، ثم نجهله كمعلم ومرب ، ثم نجزئ هذه المعارف عن بعضها لتكون مجموعة نقاط غير مترابطة مع بعضها ، فمثل هذه المعرفة الناقصة والمشوهة لاتدفعنا الى اتباع النبي ( صلى اللـه عليه وآله ) ، بل لابد ان نجعل معرفتنا بحياته وسيرته معرفة متكاملة ؟ أي ان ننظر اليه ( صلى اللـه عليه وآله ) من خلال معرفتنا بسيرته ، وكأننا ننظر الى شخص حاضر امامنا ، وحينئذ سيصبح النبي ( صلى اللـه عليه وآله ) امامنا حقاً ، ومن اصبح الرسول امامه اهتدى حتى في بعض السلوكيات التي لم نجد الحديث عنها في التأريخ بشكل مباشر ، فنحن في هذا المجال نستطيع ان نتصور ان الرسـول ( صلى اللـه عليه وآله ) لو كان موجـوداً فماذا كان سيفعل ؟ وذلك من خلال معرفتنا بسائر أبعاد شخصيته .

غبن وخسارة :


ان من الغبن والخسارة والحرمان ان يعيش الانسان المسلم سنوات طويلة من عمره وهو لايعرف ائمته ، ولا يعتقد بهم إلاّ اعتقاداً سطحياً وعابراً .


وعلى سبيل المثال فاننا نذكر الامام علي ( عليه السلام ) دون ان نتعمق في شخصيته وهكذا الحال بالنسبة الى سائر الائمة ( عليهم السلام ) فنحن لانعرف عنهم إلا مقتطفات نسمعها من بعض الخطباء الذين لايذكرونا إلا بجانب بسيط من حياتهم ، أفليس من المؤسف ان نكون مقصرين في معرفتهم في حين ان معرفتهم هذه من شأنها أن تنجينا في الدنيا والآخرة كما تؤكد على ذلك الروايات .


فلنحاول - اذن - ان ندرس حياة النبي ( صلى اللـه عليه وآله ) وحياة الأئمة ( عليهم السلام ) دراسة من منظار جديد يعيننا على ان نعيش وفقا لبصائرهم وسلوكياتهم ، ولنعلم ان هذا هو السبيل الوحيد لاحياء الاسلام ، ونشره في ارجاء المعمورة .



النبي محمد (ص) وسيلة الرحمة


حقيقة وجود الانسان ونسبته الى هذا الكون لاتحدّد من خلال نظرة محدودة الى حياته وحياة هذا الكون العظيم من حوله ، لكن نظرة واقعية تنطلق من أفق علمي ربما تكشف للانسان أنه لايتفاعل إلا مع جزئيات محدودة من هذا الوجود وأن حياته ليست إلا لحظة من عمر الزمن إذ الزمن يمتد ويمتد الى مالا نهاية له في علمنا وكذلك الى المسافة التي لا نهاية لها في علمنا ، فقبل عالمنا هذا ألف ألف عالم وقبل أبينا آدم على نبينا وعليه السلام ألف الف آدم .


ولعل مقارنة نسبية تكشف جانباً من واقع حياة الانسان ووجوده بالنسبة الى الكون والوجود كله . فحين يُسائل الانسان نفسه عن نسبته إلى هذه الارض التي يعيش عليها ، بمعنى أنه لو جعل نفسه في كفّة والارض في كفة أخرى سيقف على حقيقة أنه ليس إلاّ كنسبة حصاة صغيرة الى صحراء مترامية الأطراف وليس إلا كقطرة في بحر قمقام ، ولن يجد نفسه إلا حلقة صغيرة في سلسلة بني آدم بل هو بالنسبة الى عمر الدهور والازمان لمحة أو لحظة لا تكاد تذكر .


هذه نسبة الانسان الى الارض وذات النسبة هي نسبة الارض الى العناقيد والمجرات المحيطة بها ، وحين يريد أحد العلماء ان يقرّب لنا هذا المفهوم ويصور لنا هذه الحقيقة يقول : تصور أنك تدخل مكتبة عظيمة تضمّ مليون كتابٍ وأنت تبحث فيها عن اصغر الكتب حجماً ومن ثمَّ تبحث عن أصغر صفحة وعن أصغر سطر في تلك الصحفة وعن اصغر كلمة في ذلك السطر ثمَّ عن أصغر حرف في تلك الكلمة ، فالارض ذلك الحرف بالنسبة الى محتوياتها من الكتب والصفحات والاسطر والحروف . وهذا عالم فلكي آخر حينما يريد أن يحدد لنا العلاقة ويبين لنا النسبة بين حجم الارض وحجم هذا الكون الرحيب يقول : أرضنا هذه وما حولها من كواكب وحتى المنظومة الشمسية هذه جميعها ليست إلا كسمكة من هذه الاسماك الصغيرة التي ترتاد شواطئ البحار وسواحــل المحيطات والى الحيتان الموجودة في هذه البحـار ، ولكي تتكامل الصورة ويتضح هذا التشبيه وهذه النسبة نقول : إن هذه الشمس العملاقة الكبيرة بدرجة أن الارض لو القيت فيها لكانت ككرة صغيرة ترمى في ملعب كبير أو كحجارة في صحراء ، شمسنا هذه لها في هذا الكون مقبرة تدفن فيها ، فاللـه جلّت قدرته جعل في هذا الفضاء الوسيع مقبرة للشموس ، مقبرةً تستوعب كل الشموس حين ينتهي مفعولها ، بل حين يشاء اللـه سبحانه ذلك ، حيث تؤخذ وترمى في هذه المقبرة التـي يطلق عليها الحفرة السوداء أو المظلمة « إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ » ( التكوير / 1-2 ) مقبرة لا تمتلئ بالشموس التي ترمى فيها .


هذا الخلق العظيم حين يتضح للانسان لابد وأنه سيتصور الجانب الآخر ألا وهي الجنة التي وعد اللـه عباده المتقين في الدار الآخرة حيث أن هذا الكون بعظمته ليس بالنسبة للجنة إلا شيئا يسيراً بسيطاً « وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَاْلأَرْضُ » ( آل عمران / 133 ) وهذا انما يعني أن الجنة أوسع من كل هذه السماوات وهذه المجرات وكل الاجرام السماوية التي يعجز الانسان عن تصورها إلا أن يشاء اللـه تعالى بما يهبه للانسان من سلطان العلم « يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوْا مِن أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوْا لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ » ( الرحمن / 33 )


هذا خلق اللـه جلّت قدرته ، ولكن الذي ينبغي لنا هو أن نسأل أنفسنا عن دلالة هذا الخلق العظيم ؛ وعلام خلق اللـه تعالى هذه الكائنات والمخلوقات ، إذ لاشك أن لها دلالة على أمر أساسي حساس ، ووعينا وادراكنا لهذا الامر هو الذي يشكل حجر الزاوية ويضــع لبنة الاساس في بناء معارفنا وتطوير أفكارنا وكياننـا الثقافــي ، وليس ذلك إلاّ رحمة اللـه تبارك وتعالى التي بها خلق الشمس والقمر والنجوم وكل المخلوقات فانه سبحانه وتعالى يقول: « وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ » ( الاعراف / 156 ) .


وهذا يعني أول ما يعنيه أن رحمته تبارك وتعالى واسعة ، فكما أن علم اللـه سبحانه وتعالى نافذ في كل شيء كذلك هي رحمته أحاطت ووسعت كل شيء ، ولعل الواقع المنظور والحقيقة المعلومة بالتفكر العلمي العميق لا تسمح أن نمثل سعة الرحمة الالهية بمثل البحار وأمواج الانوار وما إلى ذلك من المحسوسات المرئية والمتصوّرة في حدود تفكر الانسان إذ هي أمثلة بسيطة ضعيفــة في المقام إذا ما قورنت بما وسعت رحمة اللـه تبارك وتعالى ، وبتعبير آخر يمكن أن نقول أن هذه الآيات والدلالات كخلـق الشمس والقمر والكواكب إن هي إلا رحمة منه تعالى ، لكن الرحمة الربانية أوسع وأكبر وأعظم من هذه الآيات كلّها . فالتعبير القرآني الدقيق يقول : « رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً » (غافر / 7 ) ومنه يتجلى محتوى أبعد وأعمق وتبدو فكرة أدق إذ كل شيء لم يكن مخلوقاً أو موجوداً لولا رحمة اللـه تعالى ، لان اللـه سبحانه هو الرحمن الرحيم ، خلق الاشياء برحمته ، وهنا لابد من الاشارة إلى فكرة أو بصيرة معينة ، وهي أن هذه الرحمة الإلهية لها وسيلتها ، فاللـه عزّ وجلّ عندما أراد أن يبعث النور الى الأرض خلق الشمس وخلق القمر ، وجعل الشمس ضياءً والقمر سراجاً منيراً ، وحين أراد أن يروي هذه الارض من عطشها بعث بالسحب من أقاصي البحار والمحيطات تحمل المياه ، ثم أمر بالرياح المبشرات أن تحمل هذه الملايين من الاطنان من الماء الى أعالي الجو تلك السحب التي قد تبدوا لأوّل وهلة أنها ليست إلاّ قطرات من الماء حملت عبر زجر هذه الرياح لتقطع المسافات الشاسعة وآلاف الكيلو مترات ثم لتهطل على القمم السامقة الشامخة من الجبال وعلى الصحاري والوديان رواءً « وَمِنْ ءَايَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُم مِن رَّحْمَتِهِ » ( الروم / 46 ) ، هذه وما لا يعدّ ولا يحصى مثلها هي وسائل الرحمة الالهية ، فحين أراد اللـه أن يخلق الانسان في هذه الارض جعل لخلقه الوسيلة اذ جعل له أباً وأمّاً وسيلتين لخلقه ولو شاءت الارادة الالهية أن ينبت الانسان من الارض كما ينبت النبات لكان قد جعل في الارض الوسيلة لتحقق ذلك ، وهو جلّت قدرته حين اراد أن يرزق الانسان من الخيرات جعل في الارض وسيلة لنمو الاشجار والنباتات بما هيّأه تعالى من ماء وتربة ومزارعين .


اذن فلله في خلقه وسائل ورحمته لها وسائل ، فماهي الوسيلة الاساسية المثلى التي خلق اللـه بها هذا الكون ؟ ونحن حين نطرح تساؤلاً عن كيفية حدوث الشمس وتكونها على ماهي عليه الآن ، على واحد من علماء الفضاء فانه سيجيب بأدلته الخاصّة بان الشمس كانت مجموعة من غازات مثل الهليوم وغيره ونتيجة جاذبية هذا الكوكب تكثفت هذه الغازات وتكونت الشمس ، بل لعل تصور العلماء عن مستقبل المشتري ، هذا الكوكب العملاق الذي يدور حوله ستة عشر قمراً او سبعة عشر قمراً ؛ بأنه بعد عشرة ملايين أو عشرين مليون سنة أو أكثر أو أقل سيصبح شمساً لما تحدث فيه من التفاعلات والتحولات الذرية التي هي بدورها وسيلة لصيرورته شمساً في المستقبل ، وهذا هو أحد الاحتمالات الهامة التي يطرحها علماء الفضاء ، فهم بتعليلاتهم يطرحون الادلة والوسائل والاسباب التي جعل اللـه تعالى الشمس شمساً والقمر قمراً والأرض أرضاً ، بل ويؤكدون بان كل شيء يخلق بوسيلة ، ومنه يتبادر الى الذهن التساؤل عن وسيلة أصل الخلقة ، وأن اللـه تعالى لما أراد أن يكون هذا الكون وأن يخلق بوسيلة فماهي تلك الوسيلة إذن ؟


إرادة اللـه تبارك وتعالى هي أن يرحمنا ، ومشيئته ان يفيض برحمته على هذا الكون وأن يتجلى بأسمائه الحسنى على هذه المخلوقات ، فقــد شاءت ارادته أن يجعل هذا الخلق وسيلة فخلق نوراً لكنه ربّاه وحسّنه وبلوره ونمّاه فكان وسيلة لخلقة الكائنات ، وذلك النور هو نور نبينا محمد صلى اللـه عليه وآله وسلم ، نور الرحمة . وحين نقول خلقة الكائنات فلا نعني خلقة هذه الارض فحسب إذ هي - كما سبق لنا القول - ليست إلا ذلك الحرف الصغير في المكتبة العظيمة او تلك السمكة الصغيرة على شاطئ البحر ، بل تلك الحصاة في الصحراء المترامية الأطراف ، وانما نعني مئات الملياردات من العناقيد والمجرات التي تضم بدورها الملياردات من الاجرام السماوية ، ولعل كلمة المليارد تبدو للوهلة الأولى بسيطة لن تعدو عن كونها لفظة لسان فحسب لكن الحقيقة أن المليارد الواحد ربما يستغرق المئات من السنين عدّاً ، هذه هي الدنيا ، فما بال الانسان بالآخرة والجنة التي هي أعظم وأوسع ، كل هذه المخلوقات خلقت بأسماء اللـه الحسنى . فكيف إذن خلق اللـه تعالى هذا النور حتى صار رحمة اللـه الواسعة .


هنا لابد وأن يكون الذهن مهيّأً مستعداً لادراك فحوى الرواية عن الامام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، إذ هكذا روايات يصعب عادة فهمها ، لكننا وبما تقدم من التمهيد لعلنا نكون وفقنا لتهيئة المناخ الذهني لاستيعاب بعضاً من جوانب هذه الرواية عن الخصال والمعاني باسنادٍ الى جعفر بن محمد الصادق ( عليه السلام ) عن أبيه عن جدّه علي بن أبي طالب صلوات اللـه عليهم قال : " ان اللـه خلق نور محمد صلى اللـه عليه وآله قبل خلق السموات والأرض والعرش والكرسي واللوح والقلم والجنة والنار ... " أما ماهو اللوح وماهو الكرسي والعرش فهذا بحث آخر لعلنا نأتي عليه مستقبلاً إن شاء اللـه ، " .. وقبل أن خلق آدم ونوحاً وابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب وموسى وعيسى وداود وسليمان ، وكل من قال اللـه عزّ وجلّ : « وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَـانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُـحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ * وإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ * وَمِنْ ءَابَآئِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ » (الانعام / 84 - 87 ) فكان خلق نور محمد ( صلى اللـه عليه وآله ) قبل ذلك باربعمئة ألف واربع وعشرين سنة قبل خلق الانبياء كلهم وقبل الجنة والنار والعرش والكرسي واللوح والقلم ، " وخلق اللـه معه اثني عشر حجابا " ولعــل هــذه الحجب - واللـه أعلـم - هي درجات يرتقي النبي ( صلى اللـه عليه وآله ) عبرها " حجاب القدرة وحجاب العظمة وحجاب المنّة وحجاب الرحمة وحجاب السعادة وحجاب الكرامة وحجاب المنزلة وحجاب الهداية وحجاب النبوّة وحجاب الرفقــة وحجــاب الهيبة وحجاب الشفاعــة ، ثم حبس نور محمد ( صلى اللـه عليه وآله ) فـــي حجاب القدرة اثنتي عشر ألـف سنـة " كان النبي ( صلى اللـه عليه وآله ) نوراً في هذه السنين المتطاولة" يقول : سبحان ربي الأعلى " أي النور في حجاب القدر كان يسبح طول هذه السنين يقترب في كل مرة من رب العــزّة " وفي حجاب العظمة أحد عشر ألف سنة وهو يقول : سبحان عالم السرّ ، وفي حجاب المنّة عشرة آلاف سنة وهو يقول : سبحان من هو قائم لا يلهو وفي حجاب الرحمة تسعة آلاف سنة وهو يقول : سبحان الرفيع الأعلى ، وفي حجاب السعادة ثمانية آلاف سنة وهو يقول : سبحان من هو دائم لا يسهو ، وفي حجاب الكرامة سبعة آلاف سنة وهو يقول : سبحان من هو غني لا يفتقر ، وفي حجاب المنزلة ستة آلاف سنة وهو يقول : سبحان ربي العلي الكريم ، وفي حجاب الهداية خمسة آلاف سنة وهو يقول : سبحان ذي العرش العظيم ، وفي حجاب النبوّة أربعة آلاف سنة وهو يقول : سبحان ربّ العزة عما يصفون ، وفي حجاب الرقعة ثلاثة آلاف سنة وهو يقول : سبحان ذي الملك والملكوت ، وفي حجاب الهيبة ألفي سنة وهو يقول : سبحان اللـه وبحمده ، وفي حجاب الشفاعة ألف سنة وهو يقول : سبحان ربي العظيم وبحمده ، ثم أظهره عز وجل فكان على ساقي العرش سبعة آلاف سنة الى أن وضعه اللـه سبحانه في صلب آدم " فكل حجاب من هذه الحجب هو اسم من اسماء اللـه تبارك وتعالى وكل حجاب من هذه الحجب درجة من درجات القرب الى اللـه سبحانه وتعالى ، والنبي ( صلى اللـه عليه وآله ) في كل حجاب من هذه الحجب وفي كل درجة من هذه الدرجات يسبح اللـه وحده ، يوحّد اللـه عزّ وجلّ يسبح اللـه وينزهه ، فكان النبي ( صلى اللـه عليه وآله ) أول العابدين في ذلك الكون . فاذا كان هناك سماء مبنية وأرض مدحية أو كان فلك يدور وبحر يموج ويمور ومياه تجري في هذا العالم كالنيل والفرات وسيحون وجيحون والدانوب والمسبّي وكل البحار والمحيطات كلها عبر قناة نبي الرحمة إذ هو الوسيلة للرحمة الإلهية ، الوسيلة الى كل الكائنات ، الى الحور العين ، الى الجنة والملائكة جبرئيل وميكائيل وعزرائيل واسرافيل ( عليهم السلام ) ، بل والى اللوح والقلم واكثر من ذلك الى الروح وهو أعظم الملائكة . ونحن ايضاً إذا ما أردنا نعمة أو رحمة ، إذا أردنا فضيلة أو تقوى حب او ود ، إذا أردنا كرامة وتقدم أو قدرة وهيبة انما ذلك بوسيلة الرحمة بنبي الرحمة صلوات اللـه عليه وعلى آله . وهذه كلها حجب النور أو بحار النور كما في رواية أخرى ، إذ كلها أنوار ، فالكرامة نور والهيبة نور والقدرة نور والعزة نور والرحمة نور والشفاعة نور بدورها أيضاً وتلك هي اسماء اللـه الحسنى التي كوّنت النبي ( صلى اللـه عليه وآله ) ، فليس لطالب واحد من هذه الانوار إلا أن يلتمسه عن طريق النبي محمد ( صلى اللـه عليه وآله ) نبي الرحمة ووسيلتها وعن طريق أهل بيته الأطهار صلوات اللـه عليهم أجمعين .


هذا النور الالهي قسّمه اللـه تعالى الى ثلاثة أقسام ، قسم هو نور النبي ( صلى اللـه عليه وآله ) وقسم نور الصديقة الكبرى سلام اللـه عليها والقسم الثالث نور الامام علي ( عليه السلام ) والأئمة عليهم السلام ، ولاريب أن قبساً وومضة من هذا النور كان نصيب المؤمنين فانتشر عليهم ، ودليله الايمان وحب النبي ( صلى اللـه عليه وآله ) وأهل بيته الطاهرين صلوات اللـه عليهم أجمعين وأيضاً هذا الالتزام من المؤمنين بولايتهم بحضور المجالس المعقودة لذكرهم ، إذ هذه المجالس روضة من رياض الجنة ومنهلاً بين يدي الانسان يروي منه ضمأه وعطشه وليس الغرض منها مجرد الحضور البدني والشرود الذهني عن نورها بمغريات الحياة ومشاكلها والخروج منها صفر اليدين ، فالمجالس المعقودة لذكر فاطمة الزهراء ( سلام اللـه عليها ) ولذكر الحسين والأئمة ( عليهم السلام) انما هي البساتين التي يجني منها الانسان ما يلذ له من الثمار وما تصفو به نفسه وتكتمل شخصيّته بتكامل معارفه وبالتالي تغدو سلّماً يرتقي به الى المراتب العليا ، لذا فالحق أن يقال أن المؤمن لايجب أن يكتفي بهذه القطرات من الدموع ، وإن كانت هذه الدموع تطفئ ودياناً من نار جهنم إلا أن الدموع المصحوبة بالمعرفة والبصيرة المستنيرة بالنور النبوي العظيم هي التي تأخذ بيد المؤمن وستكون وسيلة يجتاز بها الحجب وبالتالي الحصول على وسيلة الرحمة ، ومن هنا لابد للانسان المؤمن أن يكمل نوره بنور ولايته فبها تقبل الطاعات والعبادات ، فكم من صلاة مرفوعة وكم من صلاة مدفوعة وكم منها مقبول وكم منها غير مقبول ، ذلك مرتبط ارتباطاً وثيقاً لاينفصم بمقدار النور وبمقدار الولاية وبمقدار التسليم لله تعالى . فصلاة ركعتين يؤديها الانسان لاتستغرق من الزمن إلاّ دقائق هي نفسها الدقائق التي تستغرقها صلاة امام المتقين علي أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، لكن الصلاتين في ميزان الاعمال تختلفا للاختلاف الشاسع في مدى المعرفة ومستوى التسليم لله الواحد الأحد ، بل وهذه المعرفة وهذا التسليم لا يتمّ إلا بآيات اللـه تبارك وتعالى وبأسمائه ومن أسمائه بنوره ، وقد تبيّن لكل ذي لب أن الاسماء الحسنى هم أهل البيت الطاهرين صلوات اللـه عليهم والولاء لهم ، والتمسك بنورهم الذي يزيدنا نوراً ومعرفة بهم وتسليماً لهم وايماناً وتصديقاً بكلماتهم .


وصلى اللـه على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين .


النبي الشاهد


قـال تعالـى - في وصف النبي ( صلى اللـه عليه وآله ) والثناء عليه : -


« الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاَتِ اللـه وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً اِلاَّ اللـه وَكَفَى بِاللـه حَسِيباً * مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللـه وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللـه بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً * يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اذْكُرُوا اللـه ذِكْراً كَثِيراً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلآَئِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِنَ الظُّلُمَاتِ اِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً * تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلاَمٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً * يَآ أَيُّهَا النَّبِيُّ اِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً اِلَى اللـه بِاِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً * وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِاَنَّ لَهُم مِّنَ اللـه فَضْلاً كَبِيراً » . (الاحزاب / 39 - 47)


يصف القرآن الكريم النبي الأعظم ( صلى اللـه عليه وآله ) سيدنا وشفيعنا وقائد مسرتنا محمد بن عبد اللـه ( صلى اللـه عليه وآله ) بصفات كريمة شتى ؛ فهو رحمة للعالمين ، وهو مبشر ونذير ، وسراج منير ، ورسول الى البشرية كافة .


الشهادة في الطليعة :


والصفــة التي اريــد ان اتحدث عنهـا في هذا الفصل هي صفــة " الشهادة " ، ففي اكثر من موضع يؤكد القرآن الكريم على ان النبي ( صلى اللـه عليه وآله ) شاهد : « يَآ أَيُّهَا النَّبِيُّ اِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً » ( الاحزاب / 45) .


بل ان هذه الصفة تأتي في بعض الاحيان في طليعة الصفات الذي يثبتها الخالق - تعالى - للنبي ( صلى اللـه عليه وآله ) كما لاحظنا في الآية السابقة .


ولقد اخترت هذه الصفة لكونها صفة مشتركة بين الرسول وبين من يتبعه من المؤمنين ؛ فالنبي ( صلى اللـه عليه وآله ) شاهد على الأمة ، والأمة الاسلامية المؤمنة - بدورها - شاهدة على الامم الاخرى .


وعلى هذا فان ( الشهادة ) تمثل كلمة ينبغي ان نقف عندها طويلا نتدبر فيها لانها الجسر الممتد بيننا وبين رسولنا ، وبيننا وبين قائدنا ، فماذا يعني هذا المصطلح ، وماهي ابعاده ؟


قبل ان نبين معنى هذه الصفة الكريمة في حياة الرســول ( صلــى


الله عليه وآله ) - أرى - من الضروري ان امهد لذلك بمقدمة تسهل عملية فهم مغزى هذا المصطلح :


من المعلوم ان الانسان يمثل وجوداً ليس كسائر الوجودات ؛ فآفاقه لاتحد ، وحياته ممتدة من الناحيتين ؛ الزمانية والمكانية ، وعلى الواحد منا ان يعلم في هذا المجال انه كان قبل ان يهبط على هذه الأرض في صلب ابيه آدم في الجنة ، والذي كان هو وزوجه حواء ضيفين كريمين على ربهما في مضيف اللـه - سبحانـه وتعالـى - المتمثل في الجنة واكرم بها من مضيف ...


وقبل ان يكونا كذلك كانت البشرية في عالم الذر ، وقبل عالم الذر كانت في عالم الاشباح حيث خلق اللـه - تعالى - الارواح قبل الابدان بألفي عام لا يدرى هل هي من اعوام الدنيا ام الآخرة .


ومن جهة أخرى فبعد حياتنا القصيرة هذه في الدنيا ستكون لنا حياة ممتدة في عالم البرزخ الذي يشير اليه - تعالى - في قوله : « وَمِن وَرَآئِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ » ( المؤمنون / 100) .


وبعد هذا العالم سنمثل للحساب في يوم القيامة لمدة خمسين الف عام ، ونحن لانعلم هل سنبقى في القبر لعشرات السنين ام لمئات ام لآلاف او ملايين السنين لان التاريخ الدقيق لقيام الساعة لايعلمه إلاّ اللـه - عز وجل - لقوله : « يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ اَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمــاوَاتِ وَالاَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْئَلُونَكَ كَاَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا » (الاعراف/187) .


فاللـه هو وحده الذي يمتلك علم الساعة ، فلا يجليها لوقتها إلا هو ..


خلود لا متناه :


وبعد ان تمر الخمسون الف عام في يوم القيامة يأتي الخلود اللامتناهي حيث الزمن المطلق ، وحيث يقف التفكير عاجزاً كليلاً عن اكتناه معنى الخلود ، فهل يستطيع الواحد منا ان يعرف الخلود وان يقيسه حتى لو كانت لديه اضخم الكومبيوترات وأكثرها دقة ؟!


واما عن العمق المكاني فيكفيك ان تعرف انك جزء من ارض هي جزء من منظومة ، والمنظومة بدورها هي جزء من ملايين المجرات التي لا يعرف الانسان عنها شيئا !


ترى ماذا يعني قول اللـه - عز وجل - في القرآن الكريم عندما يقول عن رسوله الكريم : « وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ » (الانبياء / 107) .


فماهو العالمون ؟ انه عالم الوجود بما فيه من ملايين المنظومات والمجرات ، ورسول اللـه ( صلى اللـه عليه وآله ) جاء رحمة لهذه العوالم كلها ، فحدود الانسان - اذن - لا تنتهي .


مخزن طاقات هائل :


وإذا ما غضضنا النظر عن هذا الحساب التجريدي الفلسفي ، وقسنــا الأمور بمقاييس مادية محدودة كما تعودت على ذلك اذهاننا ، رأينا ان الانسان يمتلك من الطاقات والقدرات مالا يمتلكه أي كائن آخر ؛ فهو يستطيع ان يصبر على الحر والبرد اكثر من أي حيوان آخر ، ويستطيع ان يعدو اسرع من الغزلان والفهود ، كما ان هذا الانسان الذي يبدو بسيطا استطاع الآن ان يصنع اسلحة تعمل بأشعة الليزر وبامكانها ان تفني الكـــرة الأرضية ، كما وبعث مركباته الى الكواكب الأخرى ومن جملتها القمر ، وهكذا فقد دخل في أعماق الفضاء ، وهزم حاجز المسافات ...


الشيطان آفة الانسان :


ومع كل ذلك ، ومع وجود هذه القدرات الخارقة فقد سلط على هذا الانسان الشيطان الذي يقيم من حوله جدرانا قد لا يستطيع ان يخترقها ، ترى ماهو هذا الجدار ؟ وماهي تلك الزنزانة التي يعتقل الشيطان الانسان فيها فيوحي له باليأس ، وضعف الارادة وعدم الثقة بالنفس ؟ فالشيطان يوحي للانسان بأنه كائن حقير ، فيمنعه بذلك من التقدم ، والانطلاق ، ومن ان يجعل من نفسه انساناً كاملاً .


هل فكر الواحد منا ولو للحظات لماذا لا يصلي صلاة الليل ، ولا


يكون كأبي ذر ، وسلمان ، وعمار وغيرهم من القمم الشاهقة في البطولة والانسانية ، ولماذا لا يتبع سيرة رسول اللـه ( صلى اللـه عليه وآله ) ؟


ان هذه تساؤلات يستطيع كل واحد منا ان يوجهها الى نفسه ، فلنفكر ولنتدبر في نفوسنا لكي نعرف نقاط الضعف فيها ، والثغرات التي ينفذ من خلالها الشيطان اليها ، فالشيطان يخيفك ، وعندما تريد على سبيل المثال ان تقوم الليل لتبتهل الى اللـه - سبحانه وتعالى - فانه يوحي اليك بانك بحاجة الى الراحة والنوم لان امامك في الغد مشاكل ، واعمالاً ، ودراسة ... ، وهكذا الحال عندما تريد ان تقوم بعمل جبار كأن تتحدى الطغاة وضغوطهم ، فانه يثبط من عزيمتك من خلال اخافتك ...


وعندما تريد ان تصبح انسانا تقيا طاهرا فان الشيطان يقف لك بالمرصاد ايضا ، فيوحي لك بان الناس جميعهم يكذبون ويحتالون ، فلماذا لاتكون مثلهم لكي لاتأكلك الذئاب ؟


اليأس سلاح شيطاني :


ان السلاح الفاعل للشيطان هو ان يبعث اليأس في نفسك ، ويسجنك في زنزانة استصغار واحتقار قدراتك وطاقاتك ، فيوحي لـك بانـك لاتستطيع ان تتبع الشخصيات المثالية العظيمـة ... تــرى


كيف نستطيع ان نقاوم هذا السلاح ونبطل مفعولـه ؟


ان البشرية - مذ ظهرت - كانت تكرم الابطال ، وتقدس البطولات ، لان الابطال هم الذين يخترقون حاجز اليأس ، ويثبتون للناس ان باستطاعتهم ان يبلغوا ما يريدونه ، وهذا هو السبب الذي دفع البشرية الى ان تكرم وتقدر النوابغ ، والعلماء الذين قدموا خدمات جليلة لها وذلك لانهم استطاعوا اختراق الحواجز الشيطانية .


ان اللـه - جلت قدرته - اراد ان يمنح للبشرية القدرة على تحطيم حواجز اليأس والضعف والمسكنة والحقارة ، فبعث رسوله محمد بن عبد اللـه ( صلى اللـه عليه وآله ) ، فاذا به يصبح شاهدا بشهادة قوله - تعالى - : « يَآ أَيُّهَا النَّبِيُّ اِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً » . (الاحزاب / 45)


ماهي شهادة النبي (ص) ؟


ترى ماهي شهادة النبي ( صلى اللـه عليه وآله ) ؟ ان شهادته هذه تتمثل في انه نهض لوحده ضد الجاهلية التي اطبقت على الارض ، فالاصنام كانت تعبد حتى في بيت اللـه الحرام ، فكان الناس يعيشون في الظلم . الامبراطورية الفارسية من جهة ، واليونانية الرومانية من جهة أخرى ، والجهل والمرض والفقر مخيم في كل مكان ... وفي هذه الفترة بالذات بعث اللـه - عز وجل - النبي الأعظم ( صلى اللـه عليه وآله ) لا لكي يحطــم الاصنام في الجزيـرة العربية فحسب ، وانما لكي يؤسس دولة اسلامية تكون القدوة للدول الاسلامية الاخرى في سائر العصور ، وليكون رحمة للعالمين ، ويحرك البشرية باتجــاه الحضارة والرقي والتكامل ، لكي يكون دين اللـه هـو السائد على الدين كله ولو كره المشركون .


وهكذا قدم رسول اللـه ( صلى اللـه عليه وآله ) وكل جزء من اجزاء حياته شاهد على البشرية ، وكل لحظة من لحظات عمره الشريف المبارك كانت سراجا منيرا للبشرية ، ورحمة لها ، وعندما يعود الى مكة بعد هجرته الى المدينة وتأسيسه للمجتمع الاسلامي فيهــا يقول لأهلهــا وقلبه مفعم بالرحمة ، والحـب ، والتسامــح : " اذهبوا فأنتم الطلقاء " [9] رغم انهم قاوموه ، واخرجوه من بلده ، وفرضـوا عليه ذلك الحصار الجائر الذي اودى بحياة اثنين من حماته ، ومن اعز الناس عليه ألا وهما ؛ زوجته خديجة الكبرى ، وعمه ابو طالب ...

اخلاق استوعبت البشرية :


هــذا الخلق العظيم ، وهذه الرحمة التي استوعبت البشرية كلها ،


كانت تجمع الى جانبها الشجاعة الفائقة ، والبطولة العديمة النظير الى درجة ان الامام علياً ( عليه السلام ) الذي يضرب به المثل في الشجاعة كان يقول : " كنا اذا احمر البأس اتقينا برسول اللـه (صلى اللـه عليه وآله ) فلم يكن أحد منا أقرب الى العدو منه " . [10]


وعندما يفقد رسول اللـه ( صلى اللـه عليه وآله ) حاميه المؤمن أبا طالب ( عليه السلام ) ، يخرج ( صلى اللـه عليه وآله ) باسلامه من مكة الى الطائف لعله يجد في هذه المنطقة من يحميه ، ويصطحب ابنه المتبنى زيد بن حارثه ، وإذا بأهالي هذه المدينة يستقبلونه أسوأ استقبال ، فيغرون الاطفال والصبيان به .


ومع كل ذلك فقد " ... قام ( عليه السلام ) عشر سنين على أطراف اصابعه حتى تورمت قدماه واصفر وجهه يقوم الليل أجمع حتى عوتب في ذلك فقال اللـه عز وجل ( طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ) بل لتسعد به ، ولقد كان يبكي حتى يغشى عليه فقيل له يا رسول اللـه أليس اللـه عز وجل قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال بلى أفلا أكون عبداً شكوراً ... " [11] فيضرب بذلك المثل الأعلى في الخلق العظيم الى درجة ان رجلا يأخذ بتلابيبه في احدى المرات ، ويحــاول خنقه ، الا ان الرسول ( صلى اللـه عليه وآلــه )


يضحك في وجهه ، ويصلحه .


وفي مرة أخرى يشهر رجل آخر من المشركين السيف في وجهه الكريم ( صلى اللـه عليه وآله ) قائلا له : من ينقذك مني ؟ ويحاول ان يضربه فاذا بقدمه تزل ، فيقع على الأرض ، فيأخذ رسول اللـه (صلى اللـه عليه وآله ) السيف ، ويقف عليه ، ويقول للرجل المشرك : والآن من ينقذك مني ؟ فيقول الرجل : حلمك يا محمد ، فيعفو عنه ، رغم ان هذا الرجل كان قائدا للجيش المحارب للرسول ( صلى اللـه عليه وآله ) ، وببركة هذا العفو يدخل هذا القائد هو وجيشه الاسلام من دون ان تراق أي قطرة دم .


ومن خلقه العظيم ايضاً انه كان يكرم ابنة حاتم الطائي لان اباها كان كريما ، وكان يقول لها : " لو ان اباك كان مسلماً لاستغفرنا له ، وترحمنا عليه " .


ومن عظيم سجاياه ايضاً انه كان يدعو لقومه قائلاً : " اللـهم اهد قومي فانهم لايعلمون " [12] رغم انهم كانوا يؤذونه ، ويصبون عليه وعلى اصحابه الويلات ، والعذاب .


كل ذلك لكي يصبح الرسول ( صلى اللـه عليه وآله ) شاهداً علينا ، ويكون قدوة لنا كما يقول - تعالى - : « لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللـه اُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُوا اللـه وَالْيَوْمَ الأَخِرَ » (الاحزاب / 21) .


وهذه الشخصية العظيمة انما تكون قدوة لنا إذا سرنا على خطها، وكنا في مستوى التأسي والاقتداء بها .


قدوة المؤمنين


لقد خلق اللـه سبحانه وتعالى الانسان ليكون اشرف واكمل واسمى خليقته على هذه البسيطة ، بل من اجل ان يستضيفه الى دار الخلد والنعيم .. الى الجنة .. كما سخر له كافة الكائنات والمخلوقات الأخرى في خدمته ومن اجله ، حتى جعل الملائكة التي نزهت من كافة الفواحش والذنوب في خدمة هذا الانسان ، بل فوض تعالى الانسان قيادة وخلافة الارض مالم يفوض اي من مخلوقاته .. « إِنِّي جَاعِلٌ فِي الاَرْضِ خَلِيفَةً » (البقرة / 30) .. لماذا ؟ هل لان هذا الانسان اضخم واكبر حجما وطولا من هذه الجبال والكواكب والمعادن و .. ؟ كلا ..


ان اللـه سبحانه فعل ذلك بعد ما زود الانسان بنور العقل وقوة الارادة ، ومنحه قدرة الاختبار والانتخاب ؛ ان شـاء اختـار سبيل الـهدى ، وان شـاء اختـار طريـق الضلال .. « إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً » ( الانسان / 3 ) .


لذا حينما يتجاوز هذا الانسان بارادته العقبة ويقتحمها ويتسامى ، فانه يستحق العظمة ، ومن يباهي ربنا ملائكته به .. وما ادراك ما الملائكة ؟

الانسان اسمى من الملائكة :


انهم بزمام ايديهم ادارة حركة الرياح و الشمس و الارض و السحاب بتوكيل وبقدرة الباري عز وجل ، بالرغم من ذلك فان اللـه يجل شأن عبده الانسان ويفضله على ملائكته .


بلـى .. ان ذلك العبـد الذي ارتخت جوارحه في جوف الليل ، وفي تلك الليلة الباردة التي سكنت فيها الانفاس وهام ظلام الليل على اهله ، وهو يرقد على فراشه الوثير ، ثم تدغدغه ساعة اللقاء والوصل بمقام العزة والربوبية فينتزع نفسه قبل اذان الفجر من فراشه ليتوضأ ، ثم ليستقبل القبلة مناجياً المولى القوي العزيز يطلب منه العون والقرب والكمال .. انه يركع ويسجد ويخشع قلبه خوفاً من غضب اللـه، ورجاءاً في ثوابه وجزيل آلاءه .. هذا الانسان لايحق للملائكة ان تشكو اللـه تفضيله عليها ، وذلك لان هذا الانسان المؤمن قد استجمع كافة عوامل الضعف في وجوده المادي وجسده النحيف ، الا انه قوي بارادته . فلهذا يقتحم كافة عقبات الضعف والهوان المادي بتوكلـه على الله القوي العزيز ليدخل في حصن الرب ، ورياض الرحمة الربانية .

سباق التكامل :


ان الملائكة لم تعان من عوامل الضعف والهوى ، حتى تتسلق مدارج الكمال والرقي والقرب الالهي خطوة .. خطوة ، غير ان الانسان يصارع بارادته كل يوم بل كل لحظة كافة عوامل الضعف الموضوعة امام مسيرته في هذه الحياة كيما يحرز على قصب السبق رجاءاً وطمعاً في رحمة اللـه اللامتناهية .


اذن ؛ ان قصة مسيرة الانسان على وجه هذا الكوكب الارضي ، هي قصة صراع الارادة وسباق التكامل والرقي البشري .. ففي هذه المسيرة ينبغي وجود بعض القدوات والنماذج الطيبة التي تستدعي الاقتداء بها والوصـول الى سلالم الكمالات الانسانية ، وذلك لما تتمتع به هذه القدوات من صفات انسانية عالية تستحق التأمل والاعتبار .


ومن هنا تتجلى احدى جوانب مهام الانبياء والرسل والأئمة المعصومين ( عليهم السلام ) ، كيما يكونوا قدوات واقعية وميدانية ونماذج متحركة وحية ، وترجمان لفحوى التعاليم والقيم الالهية امام انظار الناس .


القدوة .. ضرورة :


ان هؤلاء الانبياء العظام والقدوات المباركة عرفوا قدر حياتهم ووجودهم فتسابقوا صوب نعيم الباري عز وجل ، فكانوا ينظرون الى الحياة باعتبارها جسرا وطريقا للوصول الى الجنة ، بل كانوا يستشعرون الجنة في الدنيا ، وكذلك عذاب النار وهم يعيشون حياة الدنيا .


من هنا يتساءل المرء ماالذي حدى بهؤلاء القدوات العظام الى ان يقضوا كل لحظة من لحظات حياتهم في طاعة وذكر اللـه سواء في نهارهم او ليلهم ؟ لقد كان نهارهم مجالا لهداية الناس ووعظهم وادارتهم ، والدفاع عن حريم القيم الالهية والوقوف امام الاعداء ، وليلهم كان فسحة طيبة لمراجعة الذات والنفس والتهجد لله سبحانه .. انهم استشعروا لذيد نعيم الجنة ومدارج الآخرة ، فأصبحت حياتهم كلها اخروية .


لقـد كانوا على يقين ؛ انما ثمن هذا الجسد وهذه الروح هو الجنة ، لقد عرفوا عظمة الجنة وبيوتها المنيفة التي اعدت للمؤمنين والصالحين .. تلك البيوت التي يمكن لابسط الناس ايمانا ان يقري ويستضيف جميع الخلائق في بيته الذي حباها اللـه جزاءاً على عمله الصالح في الدنيا .


ان بيتاً واحـداً من بيوت الجنة تحوي على بساتين خضراء وموائد


مفروشة وجواري وغلمان مالم يحصي عددهم الا اللـه ، فمن يرغب ان يطلق هذا النعيم الخالد في قبالة لذائذ زائلة في الدنيا يتبعها نار جهنم ؟ .. نار جهنم وبيوتها الضيقة التي لا تتسع الا على قدر مساحة اكوام من لحوم وعظام البشر المتراكمة ، وهي تستغيث وتختنق من شدة العذاب !


لذا يفترض علينا ان نجعل من حياة كافة انبياء اللـه والأئمة المعصومين ( عليهم السلام ) وخاصة نبينا الاكرم محمد ( صلى اللـه عليه وآله ) قدوة في حياتنا ، ونجعل مسيرته خريطة متكاملة امامنا ونسعى من اجل ان نحذو حذوه ونعمل بهداه ، كما فعل الامام علي أمير المؤمنين (عليه السلام ) في اتباعه الكامل لحياة الرســول ( صلى اللـه عليه وآله ) ، فكان يتبعه كما يتبع الفصيل لأمـه .

النبي الأكرم خير قدوة :


ان هذا الرسول الاكرم ( صلى اللـه عليه وآله ) الذي جعله الباري افضل خلقه وخاتم انبيائه ، واعز خلق من مخلوقاته حتى قال تعالى في حديثه القدسي " لولاك لما خلقت الأفلاك " [13] .


نراه يتعب ويرهق نفسه في جوف الليل رجاءا في الثواب والتقرب اليه . فقد كان (صلى اللـه عليه وآله ) يقف متهجداً في الليل حتى تتورم قدماه ، وكان ( صلى اللـه عليه وآله ) له حبل يتعلق به حتى لايقع من شدة التعب ، وإذا جاع ( صلى اللـه عليه وآله ) يشد حجر المجاعة على بطنه , وهو مالك للمال ولكن ينفقه في سبيل اللـه .. هذا ناهيك عن عظيم خلقه وشدة حلمه وصبره على اذى قومه له .


حقا نتساءل : اذا كان الرسول العظيم يفعل هكذا مع جسده طاعة لله ، فماذا سوف يكون حالي وحالك انت ايها المؤمن ؟!


/ 6