الإمام المهـدي عجل الله فرجه قدوة الصديقين - إمام المهـدی عجل الله فرجه قدوة الصدیقین نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

إمام المهـدی عجل الله فرجه قدوة الصدیقین - نسخه متنی

سید محمد تقی المدرسی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید






الإمام المهـدي عجل الله فرجه قدوة الصديقين

المقدمة


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين محمد وآله الطيبين الطاهرين.


لأجل أن يرقى الإنسان إلى الأعالي في سلالم التقوى والنجاح، وان يفوز بحياة طيبة.. لابد له من نموذج يتأسى به، وقدوة يقتدي بها.


ونحن نعيش في زمن يصعب على الإنسان اختيار النموذج والقدوة ليكون شاخصا لـه ومقياساً في أفكاره وأعماله وطموحاته، حيث أن وسائل الإعلام في عصرنا الحاضر أخذت تلمع لنا مئات الأسماء والشخصيات، في شتى المجالات، مما جعلت البعض يحتار في اختيار قدوته؛ بل قد يتيه بين الكم الهائل من الأسماء اللامعة فلا يهتدي إلى النموذج الذي يبغيه، فيعيش الضياع.


في ظل هذه الأجواء التي تحكمها الدعاية، وتسيرها وسائل


الاعلام.. ينساب البعض معها دون أي تفكير، مما يجعل قلبه يميـل في كل مـرة مع شخص قد سلطت عليه الأضواء؛ سواء كان بطلاً رياضياً أو نجماً سينمائياً، أو وجهاً سياسياً ..


غير إننا لو دققنا النظر ، نجد كل هؤلاء ؛ إن كانوا حقاً قدوة.فإنما هم قدوة في جانب واحد حسب اختصاصهم وما عرفوا به من إبداع؛ بغض النظر عن أهميته الحياتية، ومكانته الاجتماعية.. وهذا -بدوره- قد لا ينسجم مع واقع كل واحد واحد من الناس، لاختلاف توجهاتهم وأذواقهم..


ولكن إذا ما بحثنا عن قدوة يروي ظمأ كل العطاشى، وينسجم مع الجميع.. لم نجد في زماننا هذا غير شخص واحد، ألا وهو الإمام الحجة بن الحسن المهدي عليه السلام.


ففيه يجد الإنسان بغيته، وعبره يحقق طموحاته، وبواسطته يدخل الجنة.


من هنا يجدر بنا آن لا نحيد النظر عنه، بل لابد أن نقترب منه، وذلك عبر معرفته شخصياً، واستيعاب كلماته، والالتزام بمنهجه.


ويخطأ كل من يولي وجهه إلى غيره، مهما كانت خصوصياته. فالإمام عليه السلام هو قدوة الصديقين، ومنار الصالحين؛ وهو -بكلمة- هدية الرب جل جلاله إلى الناس أجمعين، لينقذهم من الظلم والجور إلى شواطئ القسط والعدل بإذن الله تعالى.


والحديث عن الإمام المهدي عليه السلام - بلا أي مبالغة- إنما هو يجذب القلوب، ويهيمن على النفوس.. لأنه حديث عن شخص كله فضائل، وكله قيم، وكله مكارم.. فإنه بلسم لكل جرح، وشفاء لكل داء، وانه حياة القلوب والأرواح.


وبهدف القرب من الإمام عليه السلام ولو بخطوة، والاهتداء بهداه، والتبصر بأحواله.. قمنا بجمع جملة أحاديث ألقاها سماحة آية الله السيد محمد تقي المدرسي في مناسبات عديدة حول شخص الإمام المنتظر وشخصيته، راجين من الله تعالى أن ينفع بها عباده الصالحين، ويزيدنا بذلك أجراً وثواباً إلى يوم الدين.


القسم الثقافي


مكتب آية الله السيد محمد تقي المدرسي


طهران 2/ ذي القعدة/1421هـ


الفصل الأول:اليوم الموعود في الأفق

- بقية الله خير لكم - البشرية بانتظار الأمل الواعد


- الإمام المهدي عليه السلام أمل الانسانية الأكبر


- اليوم الموعود؛ أمل البشرية ووقود مسيرتها


- انتظار الفرج أفضل الاعمال


بقية الله خير لكم


« بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِن كُنتُـم مُؤْمِنِينَ وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيـظٍ» (هود/86)


يعيش المسلمون في هذا العصر وفي هذا الظرف الحساس تحديات خطيرة، منها ما هي تحديات مادية تحيط بأجسامهم وبلادهم، ومنها ما هي تحديات وأخطار روحية ومعنوية تحيط بقيمهم ورسالتهم..


ولا يغيب عنا ان العديد من البلدان الإسلامية تعاني من خطر الإدمان على المخدرات، هذه اللّعنة التي أخذت وقضت على كثير من شبابنا، حتى أن بلداً إسلامياً واحداً فقط يوجد فيه حوالي خمسة ملايين مدمن..


وتواجـه العديـد من بلدان المسلمين خـطر الحروب حتى قيل مؤخّراً أن الغربيين قد جاءوا بالقنبلة النووية إلى منطقة الخليج، وهم لم يأتوا بها للقضاء على سلطة صدام طبعاً، إذ هي صنيعتهم دون أدنى شك؛ فهي -إذن- موجّهة ضد الشعوب المسلمة في هذه المنطقة، القنبلة التي يزيد تأثيرها على مفعول قنبلة هيروشيما خمسين مرة، علماً أن هذه الأخيرة قد قضت على مائتي ألف إنسان ياباني في مدة لا تتجاوز ربع الثانية وحولتهم إلى رماد ودخان.


ونحن نواجه أيضاً خطر الهجوم الثقافي الغربي الشرس على قيمنا وعقولنا؛ فهذه الأقمار الصناعية بلغ عددها أكثر من خمسمائة قمر صناعي متناثرة في الفضاء، تبث في كل يوم عشرات الآلاف من الأفلام الرذيلة. فهم أدخلوا العهر والفساد والميوعة إلى عقر ديارنا ومخادع نومنا، وأولادنا لم يعودوا أولادنا، بل هم أولاد الغربيين قبل كل شيء، لأنهم هم الذين يربّونهم، وهم الذين يستولون على أرواحهم وعقولهم وإرادتهم.


ونحن نواجه مخاطر الجفاف وشحّة الأمطار والمحاصيل الزراعية، بسبب ضعف البنى التحتية لاقتصادياتنا.


فبماذا نواجـه هذه المخاطـر وغيرها؟ وإلى أي موقـع نلجأ؟


هل نلجأ إلى أميركا أم روسيا أم أوروبا؟


ويجيبنا الله تبارك وتعالــى عن كل ذلك بقولـه الكريــم: « بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ»


فحسب ما نستفيده من بعض النصوص القرآنية وروايات أهل البيت عليهم السلام أن الله عزّ وجل قد نصب الجبال في الأرض لحفظ توازنها ومنعها عن الميلان ، لأنها بمثابة المرساة التي تحافظ على توازن السفينة، ولكن من يحفظ سكان الأرض من الدمار والانهيار والضياع؟


إنه الإمام الغائب؛ الإمام المهدي المنتظر عجل الله فرجه، فهو الإمام لأهل الأرض، ولولاه لساخت الأرض بأهلها، ولتحول كل شيء إلى كثيب مهيل.


ولكن لا يكفي في أي حال من الأحوال الادعاء بالإيمان بهذا الإمام العظيم، بل لابد من التمسّك بحبله؛ تماماً كمن كان غريقاً تتلاقفه أمواج البحر العاتية، لا يكفيه النظر إلى خشبة طافية فوق سطح الماء، وإنما يتوجّب عليه امتطاء تلك الخشبة.


والله جل وعلا قد أمرنا بالتمسك بالقرآن وبأهل البيت عليهم السلام، حيث قال: «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً» وأهل البيت هم لا غيرهم سفن النجاة، مَن ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق وهوى.


فيا ترى كيف نتمسك بحبل الله، وكيف نركب سفينة النجاة؟


ولتعلم - أخي المسلم - قبل كل شيء أن الإمام الحجة المنتظر أقرب إليك مما تظن، وهو عندك وأنت عنده.. ولكنك أنت الذي تحاول التهرب منه بسبب ما تقترفه من ذنوب وأخطاء..


وقد روي عـن سماعة عن الإمام الصادق عليه السلام قال: سمعته يقول: مالكم تسوؤن رسول الله صلى الله عليه وآله؟ فقال لـه رجل: كيف نسوؤه؟ فقال: اما تعلمون ان أعمالكم تعرض عليه، فإذا رأى فيها معصية ساءه ذلك، فلا تسوؤا رسول الله صلى الله عليه وآله وسرّوه ([1])


إذن فالرسول والأئمة يسوؤهم أن يروا في قوائم أعمال محبيهم ذنوباً، كشرب الخمر وسماع الأغاني والغيبة والتهمة والنميمة والتفرقة والعصبية والخمول والتهرب من الجهاد.


إذن؛ فإن ارتكاب الذنوب إذا كان يحجب العبد العاصي عن ربه، فكذلك هو يحجب عن أولياء الله وأحبائه.


إن اختراق الحجب الفاصلة بين المؤمنين وإمامهم يتيسّر عبر الالتزام بهذه النقاط التالية:


1- هجر الذنوب والتوبة إلى الله سبحانه وتعالى منها، وعدم القنوط من رحمة الله، وعدم الاستخفاف بمنزلة أولياء الله.


2- الإكثار من ضمانات الأمن، كبناء المساجد والحسينيات والمدارس العلمية، فهي كما الأعمدة في البناء تحافظ عليه،وهي كالسور الذي يدافع ويحصن المدينة.


3- الاهتمام بتربية الأولاد تربية صحيحة، إذ في ذلك ضمانة لاستمرار الدين في الحياة. فالإنسان مسؤول في الدنيا والآخرة عن تربية أولاده، قبل أن يكون مسؤولاً عن توفير لقمة العيش لهم، لا سيما إذا عرفنا أن الله سبحانه وتعالى يخلق الإنسان ويكتب رزقه له، وبالتالي فإن الوالدين يتوجّب عليهما قبل كل شيء تقريب أولادهما إلى تعاليم القرآن وتعاليم النبي وأئمة أهل البيت عليه وعليهم السلام، ليوفروا بذلك ضمانة عدم انحرافهم أو تقليل فرص الضلال التي يخلقها أعداؤهم لهم.


إننا في عصر الغيبة مدعوون إلى مزيد من التوجه إلى إمامنا الحجة بـن الحسن عليهما السلام، حتى أن في بعض الروايات تأكيد على مخاطبته بلقب بقية الله، ولعل السبب في ذلك يعود إلى أن مائة وأربعة وعشرين ألف نبي قد أدّوا أدوارهم المقدسة ورفعهم الله مكاناً عليّاً، وأن أضعاف هذا العـدد من الأوصياء قد انتهى دورهم، ولم يبقَ لنا من حبل بـين السماء والأرض سوى هذا الإمام العظيم بعد كتاب الله المجيد؛ فلنتمسك به ونتوجه إليه، ونطلب منه أن يكون وسيلتنا وشفيعنا إلى الله سبحانه وتعالى..


البشرية بانتظار الأمل الواعد


«وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ ءَايَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُـهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ *يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُم مُسْلِمُون» (آل عمران/101-102)


مثَلُ الرسالة الإسلامية الخاتمة مَثلُ الثمرات التي أنعم الله بها على الإنسان؛ هذه الثمرات التي إذا اجتمعت صنعت إنساناً متكامل الجسد، صحيح البنية، سوياً مقتدراً.. ولكنها لو اختلفت ولم يحسن الاستفادة منها، لم تعطِ النفع المرجوّ، لاسيما وأن البدن فقير الى جميع ما تحويه تلكم الثمرات، حيث تساهم في صناعة القوة والحيوية والفاعلية، وأن الحكمة الإلهية قد قدرت توزيع احتياجات الجسم الإنساني على خواص الثمرات، حتى أن الإنسان إذا ما استفاد من ثمرة دون أخرى لأحس بالنقص وبالفقر الى ميزات ما لم يتناوله.


أقـول: إن مثل الدين مثل الثمرات، نظراً الى أن الدين عبـارة عن وحدة متكاملة ينبغي الاستفادة منه بعمومه، دون تعمد أخذ نبذة منه وإلقاء الباقي، وإن المجتمع البشري لو انصاع إلى جميع بنود منهجه وتعليماته ووصاياه لسعد كل السعادة.


أما إذا استفاد من جزئه، فإنه سيستفيد في واقع الأمر- من جزئه الذي به عمل.


فصحيح أن المجتمع الذي يترك بعض الوصايا ويعمل بالبعض الآخر لن تتحقق له السعادة المطلقة، ولكنه في الوقت ذاته سوف لن يشقى الشقاء المطلق.


فلو فرضنا أن مجتمعاً ما قد التزم بفريضة الإحسان إلى الوالدين ولم يلتزم بالوصايا الدينية الأخرى، فإنه سيستفيد بمقدار ما التزم. ولو أن أمة عملت بالمبادئ الإسلامية في مجال الاقتصاد، كتحريم الربا والغش والسرقة والكسل، فإنها ستكون أمة سعيدة من الناحية الاقتصادية، أوَلا ترى الشعوب الغربية كيف حققت لنفسها نمواً اقتصادياً مذهلاً حينما عملت بوصايا الإسلام في هذا المجال، رغم أنها قد لا تعلم بالجهة المشرّعة التي تلتزم بتعاليمها، ورغم أنها لا تؤدي التعاليم الإسلامية الأخرى، كالصلاة والصيام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر...


إن الحديث هذا ليس إلاّ تمهيداً لما أريد قوله في مناسبة ولادة الإمام الحجة المنتظر عجل الله فرجه الشريف.


فالإيمان بوجود هذا الإمام العظيم والاهتمام الجدي بعقيدة انتظار ظهوره، يعتبران من أهم وصايا الأنبياء لأممهم على مرّ التأريخ، حيث لم يبعث الله نبياً إلاّ وبيّن لـه ان خاتمة هذه الدنيا ستكون الى خير وسعادة وأن العاقبة للمتقين، وأن الأرض سيورثها الله عباده الصالحين، حيث سيمكّن الله المستضعفين في نهاية المطاف.


ولقد آمن جميع الأنبياء والمرسلين والأئمة والصالحين بحقيقة ظهور الإمام الحجة المنتظر عليه السلام في آخر الزمان، وبحقيقة ان الله سيملأ به الأرض عدلاً وسعادة بعد أن ملأها الظالمون وأتباعهم جوراً وبؤساً. كما ان الأنبياء وعلى رأسهم سيدنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم قد بشروا بذلك الظهور الموعود طيلة حياتهم، كما كان الأئمة من أهل البيت عليهم السلام يبشرون به أيضاً.


ولو أننا افترضنا التزام البشرية بهذه العقيدة -عقيدة انتظار ظهور الإمام المهدي عليه السلام- بغضّ النظر عن إيمانها أو التزامها بسائر العقائد والوصايا الإلهية الأخرى، فإن لنا الجزم بأن هـذه الأمـة ستحقق الفائدة الكبرى من اهتمامها بهذه الوصية المقدسة.


البشرية بين اليأس والأمل


تطالع البشرية أخبار الدمار العالمي والحروب الدولية والمؤامرات السياسية وانتهاك الحقوق، وتفاجأ بأخبار مروّعة في كل صباح ومساء، حيث أنها لتروّع لدى إخبارها بأن الكرة الأرضية قد حزمت بحزام متفجّر اسمه الخطر النووي والكيمائي والجرثومي، وأنواع هائلة ورهيبة من الأسلحة الفتاكة.


وتروّع أيضاً بأخبار اتساع الفجوة الحاصلة في غلاف الأوزون، وأن درجة حرارة الأرض والمحيط الجوي سترتفع إلى حدٍ تطغى فيه البحار على اليابسة، أو تتضاعف لديه احتمالات وقوع الزلازل وانفجار البراكين، أو غير ذلك من أنباء الرعب والهلع؛ بل إن من الدراسات الاستراتيجية تؤكد بأن العالم بما فيه العنصر البشري- سينتهي إلى وقت قريب، إذا ما استمرت وتيرة التدمير هذه، حيث الاستفادة غير المدروسة من النفط والغازات السامة واقتلاع الغابات التي خلقت لنفع الإنسان، الأمر الذي سيؤدي الى انقراضه من على سطح الأرض.


إن مثل هذه الأخبار التي تطالع البشرية في كل صباح ومساء، تؤدي إلى انكماشها على نفسها، وإلى يأسها من الحياة والحركة، حتى أنها - في هذا الجو المفعم بالتطيّر والتشاؤم- ستتمنى الموت قبل أن يحلّ بها، باعتبار ان القلب البشري المجبـول على التقلـب والتحول يعجز عن الصمود بوجه موجات الرعب المشار إليها.


ولكن البشرية نفسها إذا طالعهـا قول الله سبحانه وتعالــى: ]وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الاَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ[ (الانبياء/105) فحدثت نفسها وآمنت به على اعتبار ان الله لن ينهي العالم إلاّ الى الخير والسعادة والصلاح، وأن هذه السفينة التي تعصف بها الأعاصير وتتقاذفها الأمواج العاتية سوف تعود الى المرفأ الآمن، وأنه من المتوقع بين لحظة وأخرى حدوث المعجزة الإلهية الكبرى، حتى ولو كان ذلك سيتحقق للأجيال القادمة فهي البشرية- ستعيش حياة الأمل وواقع النشاط والحيوية، والإصرار على تحدي اليأس والخضوع دون شك.


إذن؛ فالدعوة الإسلامية ينبغي أن تتوجه الى جميع الناس، بمن فيهم المسيحيون واليهود والكفار وعبدة الأوثان، وأن تصطبغ هذه الدعوة بصبغة التبشير بحقيقة أن الله عز وجل لم يخلق الخلق من الناس ليعذبهم أو ينهي وجودهم على الأرض وهم تعساء. ولم يرض عن الظلمة والمترفين الذين يعيثون في الأرض الفساد. وذلك لأن الرب هو قائد العالم والمسيطر على مقدّراته، فهو الرحمن الذي لا حدود لرحمته، وقد أبت هذه الرحمة والإرادة الإلهية أن يكون مصير الأرض بيد الظالمين، مهما أفسدوا.


لقد يتذكر العالم تطورات الحرب الباردة بين الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، وبين الشرق بقيادة الاتحاد السوفياتي السابق، وكيف أن الأرض صارت آنذاك على حافة حرب نووية، وذلك في أزمة خليج الخنازير المعروفة في عهد الرئيسين المتجبرين خروشوف وكندي في عقد الستينات، إذ هددت الولايات المتحدة بإعلان الحرب الذرية إذا ما لم يسحب الاتحاد السوفياتي صواريخه النووية من الأراضي الكوبية؛ الأراضي التي تعتبرها الولايات المتحدة حدوداً استراتيجية وأمنيةً لها. وهناك أزمات عالمية أخرى قد لم تتابعها البشرية بصورة دقيقة، أو إنها لم تعلم بها أبداً. فيا ترى من منع وحال دون وقوع الكارثة الكبرى، لاسيما وأننا والعالم أجمع يعرف أن من يصنع مثل هذه الأسلحة المدمرة لا يمكن بحال من الأحوال ان يمتلك العقل الكافي والإرادة اللازمة لضبط النفس لدى هذه الأزمة وذلك التحدي الكبير، نظراً إلى أن الانفجارات النووية لا تعرف، أو لا تميز بين الطرف المهاجم أو الطرف المدافع، فالجميع سينتهي في حالة اندلاع الحرب النووية.


ولنضرب مثالين آخرين على حقيقة ما نذهب إليه، وهما حادثة الغواصة الروسية الغارقة في بحر النرويج، والتي ظلت عالقة في قاع هذا البحر، حيث يجهل الجميع سبب تعطلها وغرقها، بل ويجهل الجميع مصير الصواريخ النووية التي تقلها. أما المثل الثاني فهو تعرض المدمرة الأميركية للهجوم الانتحاري قرب ميناء عدن، وهي مدمرة نووية، كاد القارب الانتحاري أن يصطدم بها، وكادت أن تحل كارثة كبرى ومأساة عالمية لو أن القارب المذكور قد اصطدم بها، لولا أنه قد تفجر على بعد ما لا يزيد على مسافة متر ونصف المتر منه.


وما بال العالم لو قرر مجنون من المجانين المسؤولين عن الأسلحة الذرية في هذه الدولة الكبرى أو تلك، بالضغط على أحد أزرار الرعب بداعي تخليص البشرية من عذابها وقلقها؟!!

الرحمن على العرش استوى


ولكن القرآن الذي هو رسالة الخالق الى مخلوقه الإنسان يؤكد بطلان هذا الاحتمال وخطأ هذا الاعتقاد، وأن ]الرَّحْمن عَلَى العَرْشِ اسْتَوى[ (طه/5) وان الله لن يترك البشرية تحترق، بل هو الحافظ لها ليوم موعود، وهو يوم خلاص البشرية والعالم أجمع من الظلم والطغيان.


ولعل قراءة دقيقة في الآيات القرآنية الخاصة بالحديث عن الأمم السالفة، تكشف أن طواغيت الأرض كفرعون ونمرود وقارون وهامان وسلالاتهم وأتباعهم لم يموتوا الموتة الطبيعية التي يقضي لها بها على كل إنسان، وإنما قد أزيحوا وأزيلوا من عروشهم، ذلك لأن الله الرحمن كان قد أمهلهم وقدّم لهم العذر ليكون ذلك امتحاناً لهم وللناس على حدٍ سواء. ولكن تلك المهلة وذلك العذر لم يكونا أبديين، بل كان لكل اجلٍ كتاب.


أما الوحشية الصهيونية التي لا تستثني صغيراً أو كبيراً إلاّ ووجهت لـه رصاص الظلم والإبادة، أو هذه الهمجية التي يمارسها صدام وأعوانه ضد المواطنين في العراق، وغيرهما من نماذج الطغيان، لا يمكن تصور خلودها أبداً، ومَن تصور ذلك فإنه سيحكم على نفسه بالفناء قبل ان يلحقه ظلم الظالمين..

الأمل الصادق


لقد بشرنا القرآن وأحاديث الرسول وأهل البيت عليهم الصلاة والسلام، وبشرتنا ضرورات العقل بأنه سيأتي ذلك اليوم الذي سيظهر فيه الإمام المهدي عليه السلام حاملاً راية القرآن والرسول، وأنه سيستجيب لندائه العالم أجمع، وذلك بعد يأس الأمم والشعوب من تجاربها الفاشلة على مر التأريخ، وبعد أن وصلت إلى نقطة الصفر، فلا تجد في الإمام الظاهر إلاّ الأمل الإلهي ، وإلاّ المنقذ الأوحد الذي حفظ الله الأرض من أجله ومن أجل يومه الموعود ذاك.


فجدير بنا نحن الذين نسعى الى نشر رسالة القرآن، ألا نتوقع تسليم الناس لهذه الرسالة عبر تعليمهم صلاة الليل مثلاً ثم نعدهم ونبين لهم فكرة ظهور المنقذ، بل العكس هو الصحيح. إذ لابد أن نبين للعالم بادئ بدء حقيقة البشرى القرآنية الخاصة بظهور مصداق العدل والخير والرفاه والسلام، وأن هذه البشرى تعتبر صميم المذهب الشيعي، وهي تمثل الذروة في خط وسيرة أمير المؤمنين الإمام علي وولديه الإمامين الحسـن والحسين عليهما السلام وسائر أئمة الخير والهدى عليهم صلوات الله وسلامه. وبهذا يكتشف العالم طريق الحق. ويلمس الناس بعقولهم وقلوبهم أحقية العقيدة الإسلامية التي تدفع بهم نحو الأمل والحياة.


إن التبشير بهذا الأمل، يختلف اختلافاً جذرياً عن سائر أنواع التبشير الذي شهدته البشرية على مرّ التأريخ، فتلك الأنواع لم تكن سوى وعود كاذبة اختلقها هذا الإنسان أو ذاك لتحقيق مصالحه الشخصية، أو لتمرير ظلم الظالمين وبقائهم في عروشهم التي يعلمون أنها خاوية وزائلة في يوم من الأيام.


ولكن هذه البشرى بظهور الإمام الحجة بن الحسن عليهما السلام لا تنفصل عن الواقع أبداً. فهي قد صدرت عن خالق البشرية والأنبياء والأئمة من جهة، وهي أيضاً ترجمة صادقة للحاجة الإنسانية والتاريخية من جهة أخرى.

قتل الخرّاصون


لقد ابتلي المؤمنون خاصة، والمسلمون عموماً بأنصاف المثقفين الذين يصبون كل جهودهم للتدخل فيما لا علم لهم به، وللتجاوز على قدّسية العلم والاختصاص، وذلك لزعزعة موقع الإيمان والإسلام في القلوب، سواء علموا بتأثير ما يخرّصون أم لم يعلموا.


فكم من صحيفة وكتاب وإذاعة وبوق إعلامي يحرض الناس على الشك بالعقيدة واليأس من التغيير والتغيّر، جاهلين بأن الشك واليأس والتشكيك والتأييس ليس إلاّ شكلاً رهيباً من أشكال الشرك والنفاق.


وإذا راجعنا كتاب الله وهو عين الحق - لوجدنا ان المستهزئين بالمؤمنين والعقيدة سوف يلقون أشد العذاب وأقسى التنكيل في يوم القيامة؛ بل إن عذابهم سيكون أشد من عذاب الكافرين، لأن الكافر قد يكفر ولا يهمه من آمن، ولكن المستهزئ من طبيعته الكفر والكيد والأذى. ولقد ورد في الأحاديث الشريفة أن جزاء المستهزئ بحقائق القرآن وعقائد المؤمنين سيكون جهنم خالداً فيها أبداً، حيث يلقى فيها من مكان سحيق، ولكنه يرى في الطرف الآخر الذي قد يبعد عنه مسيرة ألف سنة بصيصاً من نور الجنة، فتراه يعمل المستحيل للوصول إليه، مارّاً بلهب النار العملاقة وما تحويه من ناس وأجنة ووحوش وعنت وعذاب، حتى إذا وصل إليه إنطفأ دونه، وإذا بباب الجنة يغلق بوجهه، ولكنه يرى مرة أخرى بصيص نور وباباً آخر فيهرع إليهما لعلّه ينقذ نفسه أو يجد من العذاب مهرباً، فيلقى المصير نفسه، وهكذا يظل في جهنم خالداً..


أقـول: سمعنا وتسمعون أكاذيب وافـتـراءات من يستهــزئ - وبأعصاب باردة لها ما يبررها من مصالح ودوافع، كالجهل والطمع والكفر- من الحركات الإسلامية والثقافة الدينية والمقدسات، فلا يكون موقفنا منهم إلاّ التوجيه لهم أو الابتعاد عنهم والاستعاذة بالله القدير منهم فيما لو لم يثمر التوجيه أو ينفع النصح، لأنهم ليسوا إلاّ موجودات جهنّمية يحرقون كل من يقترب أو يركن إليهم. فالحذر كل الحذر منهم، ذلك أنهم آمنوا ثم كفروا وأنهم لن يضروا المؤمنين الصادقين شيئاً.


إن الجدير بالإنسان المؤمن البحث عن ثقافة الأمل وإثارة الطموح والجد والاجتهاد، وهذا ما يجده في القرآن وكلمات النبي وأهل بيته عليهم السلام.


فإن كان البحث فيما يخص وجود وظهور الإمام الحجة عليه السلام، فليعلم الإنسان المؤمن ان الله قد عاب في كتابه على من يكفر بالعقيدة الإسلامية سيرته هذه فقال: ]وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ ءَايَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُه[..؟ بمعنى أن الرسول وإن مات جسداً، ولكنه حيٌّ يرزق بين أظهر المسلمين، وذلك عبر خليفته ووصيه الذي هو القرآن الناطق، وهو الأمان لأهل الأرض، وهو الأمل التاريخي للبشرية جمعاء، وهو الإمام الحجة بن الحسن المهدي عليه السلام. ومن هنا ينبغي الاعتصام به والتسليم إليه وتوطيد العلاقة الإيجابية، لأن في ذلك فقط ضمان طرد اليأس من القلب والسير في طريق التقدم والازدهار.


الإمام المهدي عليه السلام أمل الإنسانية الأكبر


ترى من لهذه القافلة الإنسانية المنحدرة باتجاه الهاوية، ومن لهذه المجتمعات البشرية التي تهوي إلى الحضيض؟


إن جميع الآمال التي عُقدت على مختلف العلاجات الجزئية تبدو اليوم واهية وباطلة؛ فلقد حاولوا أن يوقفوا انحدار الإنسان ببعض التعاليم ، والإرشادات الأخلاقية الفوقية، ولكنّهم فشلوا؛ وبذلوا جهودهم من أجل إيقاف عمليّات الإبادة الجماعية التي سببتها الحروب العالميّة والإقليمية المدّمرة بواسطة منظمات من مثل منظمة الأمم المتحدة، ومجلس الأمن الدولي، ومحكمة العدل الدولية، ولكنّ جهودهم هذه باءت بالفشل الذريع.


ففي ظل عصبة الأمم نشبت الحرب العالمية الثانية، وفي ظل الأمم المتحدة اندلعت حروب إقليمية مدمّرة، وفي ظل مجلس الأمن الدولي احتلت قوّة كبرى كالاتحاد السوفياتي دولتين مستقلتين هما: المجر وتشيكوسلوفاكيا، وهدّدت دولة مستقلة أخرى هي بولندا بالاحتلال ، ثم احتلت بلداً ثالثاً هو أفغانستان!


وفي ظل مجلس الأمن الدولي أيضاً اعتدت الولايات المتحدة الاميريكية على كثير من الدول، وفي أكثر من موضع في العالم!


أوضاع العالم تنذر بالدمار


وعلى هذا؛ فإن هذه الأنظمة، وتلك القوانين لا تستطيع أن تمنحنا ضماناً بعدم الانحدار إلى الهاوية، ففي كل دقيقة واحدة ينفق العالم أكثر من مليون دولار على أسلحة التدمير، ومن أجل أن نبيّن المخاطر الهائلة التي تحدق بالبشرية يكفينا أن نقول أن نصيب كل إنسان على هذه الأرض من أسلحة التدمير وخصوصاً مادّة ألـ (تي. أن . تي) يبلغ درجة بحيث أنه يكفي لئن يقتله خمس عشرة مليون مرّة.


وهناك أيضاً الأسلحة الكيمياوية التي يكفي مائة مليون طن منها لإبادة من على سطح الأرض، علماً أن بلدان العالم المختلفة - وخصوصاً البلدان الغربيـة- تملك آلاف الملايين من الأطنان منها!


وبنـاءً على ذلك ؛ فإن المجتمعات البشرية تنحدر بسرعة جنونية نحو هاوية الانتحار الجماعي.


والسؤال المصيري المطروح في هذا المجال هو: من ينقذ الإنسان من الإنسان؟


ضرورة الاعتقاد بالوحي


إن هذا المنقذ هو إمامنا، وسيدنا، وقائدنا الإمام الحجة بن الحسن المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف .


ولكي لا يبقى ثمة شك في التسليم لهذه الحقيقة، نقول: إن من الضروري أن يعتقد الإنسان بالوحي الذي يمثل أعظم عقيـدة يمكن أن يصل إليها الإنسان، والذي يمثـل أسمى قمة في الكمال الإنساني.


والوحي يعني الاعتقاد الراسخ بوجود العلاقة بين السماء والأرض، وأن ربّ السماوات والأرض رحيم رؤوف بعباده، وأنه وانطلاقاً من هذه الرحمةيبعث إليهم الأنبياء والرسل ليهديهم، وينقذهم من الضلالة..


إن الإنسان الذي يعتقد بـ(الوحي) الذي هو تجلٍ من تجليات قدرة الله تعالى ورحمته بالإنسان، لابد له أن يعتقد بالإمام الحجة عليه السلام، لأن الذي ربط الأرض بالسماء بفضل الوحي تأبى رحمته ، ويأبى فضله العميم على الإنسان ، ويأبى لطفه أن يترك البشرية دون رابط يربطها بالسماء بعد وفاة خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وآله .


فالأرض ومنذ أن وُجد فيها الإنسان وحتى مبعث النبي الأعظم صلى الله عليه وآله لم تخلُ من حجّة إلهية، فكيف يترك الله جلّت أسماؤه، هذه الأرض من غير حجة، وهل كانت البشرية في السابق أقرب إليه تعالى لكي يبعث لها مائة وأربعـة وعشرين ألف نبي عدا الأوصيـاء وثم يتركنا بعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وآله دون أن تكون له حجة عليها؟

الإيمان بامتداد الوحي


إنّ الإنسان الذي يعتقد بالوحي لابد أن يؤمن أيضاً بامتداد هذا الوحي المتمثل في الأئمة عليهم السلام ، وانّ هذا الامتداد يتجسد، بل يرتفع، وينمو حتى يصل إلى قمته، وإلى ذروة امتداد الرسالة الإسلامية المتمثلة في الإمام الحجة المنتظر عجل الله تعالى فرجه.


إن مثل هذه الفلسفة يطول شرحها، وتبيانها، وأنا أريد في هذا الفصل أن اقتبس من هذا النور حزمة ضوء تنفعنا في حياتنا، وتنير لنا الدروب المظلمة خصوصاً وأننا نمثل مجتمعات جريحة مستضعفة.

كيف نكرس الأمل في نفوسنا؟


إننا بحاجة إلى أن نستوحي من فلسفة وجود الإمام الحجة عليه السلام فكرة مهمة لنرى هل نجد في اعتقادنا بالإمام المنتظر الأمنية، أو النقص الذي نعاني منه.


إن من طبيعة الإنسان أنه يميل إلى اليأس من الحياة، والطغاة يحاولون دوماً تكريس هذه الصفة في الإنسان، فهم يوحون لـه بشكل مستمر بأنه موجود تافه لا قيمة له.


وفي المقابل فإن أنبياء ورسل الله جل وعلا يحاولون دائماً أن يزرعوا الأمل في قلب الإنسان، فيؤكدوا لـه أنه مخلوق ذو كرامة، وأنه عظيم عند الله وأنه أكرم الكائنات، وأن الله قد خلقـه في أحسن تقويم، وهذه المفردة هي من جملة البنود الرئيسية في رسالات الأنبياء عليهم السلام، في حين أن تكريس اليأس والقنوط هو من جملة المخططات الرئيسية في سياسات الطغاة.


ترى كيف نستطيع أن نحمل الأمل، وان لا يحيط بنا اليأس، خصوصاً وأن الظروف المحيطة بنا تدعونا كلها إلى السقوط في مستنقع اليأس، والشعور القاتل بالقنوط والإحباط؟


للجواب على هذا التساؤل نقول: إن الإنسان المسلم المعتقد بالوحي يدرك أن وراء هذه الظواهر المادية، والعوامل المؤثرة في الظروف غيباً يجعل الأمور لا تجري كلها حسب الظواهر .


صحيح أن الطغاة يتحكمون بالمستضعفين ، ويسومونهم سوء العذاب، ولكن هل من المعقول أن يترك الإمام الحجة هذه البشرية المعذّبة دون أن يتدخل في الأمور لصالح هؤلاء المستضعفين؟ فأين رحمة الله -إذن- وأين فضله؟


إننا م مطمئنون لرحمته تعالى، وواثقون من لطفه وفضله، ولذلك فإن اليأس لا يمكن أن يداخل قلوبنا، ولا يمكن أن يستبدّ بنا. فنحن نرجو، وعندما نرجو نتحرك ، وعندما نتحرك نصل إلى بغيتنا ، لأن الله عز وجل يقول: ]وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى[ .

حاجتنا إلى الأمل


وهكذا فإننا الآن بحاجة إلى الأمل، وهذا الأمل ينبعث من إيماننا بالإمام المنتظر عجل الله فرجه، وأن ما يجري حولنا من أحداث ليست بعيدة عن علم الإمام وإشرافه، بالإضافة إلى أن هناك ليلة القدر، حيث يتنزّل الروح من السماء مع الملائكة الآخرين ليعرضوا على إمام عصرنا صحيفة أعمال كل واحد منا. وإلى هذا المعنى يشير قولـه تعالى: ] وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُون[ وهذا ما يهدينا إلى ان الإمام المهدي عليه السلام ناظر على أعمالنا، سواء كانت حسنة أو سيئة، ولا ريب انه عليه السلام يسر بعمل الحسنات، وينزعج من عمل السيئات.


وليس من باب الصدفة أن تهبط علينا النفحات الإلهية، ويشملنا الله تعالى بألطافه بين الحين والآخر، فهناك مكونات نفسية وعقائد امتزجت بدماء المسلمين ، ومن ضمن هذه العقائد الإيمان بضرورة وحتمية ظهور الإمام المهدي المنتظر عجل الله فرجه، وأنا شخصياً يغمرني الاعتقاد الراسخ والإيمان العميق بأن عُقد مكارهنا ستحل من خلال هذه المعتقدات ، ذلك لأن العقد النفسية للإنسان وما يعاني منه من حالات سلبية يقف في مقدمتها اليأس والقنوط ستحل ، لأنه سيتفجر أملاً ووعياً. ومن يتحلى بهذه الصفات سيصل لا محالة إلى غاياته بإذن الله .


اليوم الموعود؛ أمل البشرية ووقود مسيرتها


تعج مسيرة البشرية بمنعطفات كثيرة وخطيرة حتى تكاد النفوس تتلبد بسحب اليأس وغيوم التشاؤم، هذا التشاؤم وذلك اليأس اللذان بدءا يهيمنان عليها؛ فبات الكمد يقتلها، والضغينة والبغضاء يحيطان بها من كل جانب.


كما إن الإنسانية قد عميت عن حقيقة وجودها، وسرّ قدومها إلى الحياة الدنيا واستقرارها على هذه الأرض. فالهدف الحقيقي والغاية النهائية ليست الأعمار أو البحث عن أسباب السعادة والراحة فحسب، بل لابد أن تجتاز هذه الأهداف الثانوية المحدودة إلى الهدف الأسمى والأعلى،إلى تلك المحطة الأبدية الرحيبة، حيث رضوان الله تبارك وتعالى، وحيث فسيح جناته ونعيمه الأبدي.

منعطفات خطيرة


وقد جعلت المنعطفات الخطيرة، البشرية في أوضاع مظلمة ورهيبة، فمن خلال قراءة سريعـة لتأريخها المليء بالمآسي والعذاب والويلات، نلمح أكثر من طاغية وأكثر من مستبد وجلاد دموي . وهذه الويلات لم تقتصر على نيرون واحد، ولا هولاكو ، أو هتلر أو موسوليني واحد، بل إن تأريخ البشرية شهد حروباً، وصراعات جمّة كانت في حد ذاتها تجسّد المأسات والآلام والدمار التي نزلت على البشرية طيلة تأريخها الطويل، فيما كانت أعداد الضحايا في تصاعد وارتفاع حتى بلغت عشرات الملايين بسبب ما ارتكبه أولئك الطغاة من جرائم فظيعة وممارسات رهيبة.


وأما الوجود الحضاري فقد بات طيلة العصور طعمة الدمار الذي كان يصبّه طغاة التاريخ، وفي هذا المجال يحدثنا بعض مؤرخي التاريخ اليوناني القديم أنّ الإمبراطور الطاغية (نيرون) كان هو وزوجته يجلسان على شرفة قصرهما، ويتفرّجان على مدينة روما كيف تحترق وتلتهمها النيران، فيما كانا يضحكان ويقهقهان بصوت عال، ساخرين ومستهزئين بالأرواح التي كانت تُزهق في تلك اللحظات الرهيبة.


إن التاريخ يحدثنا في صفحاته السوداء الملطخة بالدماء عن مدن وحضارات كانت عامرة زاهرة في الليل، فما أصبح عليها الصبح حتى تحولت إلى ركام وأنقاض يتصاعد منهما الدخان وألسنة اللهب؛ ومثال ذلك ما نتج عن الحرب العالمية الثانية حين قدرت الإحصاءات ضحايا هذه الحرب القذرة المدمّرة بستين مليون إنسان، ناهيك عن الأعداد الهائلة من المشردين والمعوّقين والخسائر والأضرار المادية التي لا يمكن لأحد أن يعدّها، وإن عدّت فهي تبلغ آلاف المليارات من الدولارات!

شحنة الأمل والتفاؤل


ولكي لا يلين عزم الإنسان ولا تتوقف حركته التكاملية في هذه الحياة بفعل اليأس والتشاؤم وبسبب تلك المنعطفات الخطيرة. ومن أجل أن يمضي إلى الأمام باستمرار، لابد أن يحدوه الأمل، وتغمر نفسه الثقة بحلول المستقبل الزاهر المشرق الذي تنعدم فيه تلك الويلات والمآسي، وترفرف راية العدل على ربوع العالم، وينتهي عهد الظلم والاعتداء ونهب الثروات، والاعتداء على الحقوق والكرامة الإنسانية.


والسبب في ذلك أن الإنسان الذي يتغلّب عليه اليأس ويستولي على كيانه ، يصبح عاجزاً تماماً عن إنجاز أي عمل، وعن تحقيق أي هدف سامٍ، بل إنه لا يستطيع أن يقدّم شيئاً ، ويتقدم به على طريق ذلك الهدف، فاليأس هو قرين الانتحار، والإنسان اليائس هو الذي أمات نفسه بيديه قبل أن يموت على يد الآخرين، أو يموت موتته الطبيعية.

أمل البشرية


وبناءً على ذلك؛ يطرح السؤال المهم التالي نفسه في هذا المجال: ترى ما هو الأمل الذي يجعل البشرية تتحرك وتنساب إلى الامام، نابذة وراءها حجب اليأس وسحابات القنوط؟


إن هذا الأمل يتلخص -من منظورنا الإسلامي الأصيل- في أن الله تقدست أسماؤه قطع لبني الإٍنسان عهداً ووعداً صادقين لا سبيل إلى التراجع عنهما، يتمثلان، في أن مسيرتهم لابد لها من أن تنتهي إلى السعادة الحقيقية واستتباب العدل والقسط بين الناس.


ونحن نجد هذا الوعد الإلهي مدوناً بصراحة ووضوح لا سبيل الى الشك فيه؛ في التاريخ، وبالتحديد في الكتب والرسالات السماوية بلا استثناء، وقد أكدت عليه بالخصوص الرسالة الإسلامية، وصاحبها سيدنا وحبيب قلوبنا محمد صلى الله عليه وآله، حيث نقرأ في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة، وتلك التي رويت عن الأئمة الأطهار عليهم السلام، التأكيد المتواصل والمستمر على هذه الحقيقة، كقول الله تعالى : ]وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الاَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ[


وكقول النبي صلى الله عليه وآله في حديثه المعروف: "لو لم يبق من الدنيا إلا ليلة لطوّل الله تلك الليلة حتى يملك رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم ابي يملأها قسطاً وعدلا كما ملئت ظلماً وجورا... ([2])

سنّة لابّد منها


وهكذا فإن الرسول صلى الله عليه وآله يريد من خلال بياناته الشريفة في هذا الحديث أن يؤكد لنا أن سنة ظهور الإمام، وتحقق العدالة الإلهية، وامتلاء الأرض بالقسط والعدل. كلّ ذلك إنما يمثل سنة ثابتة لا يمكن أن تتغير، ولابد لها من أن تتحقق وتقع، وإن تطلّب ذلك واستوجب حدوث تغيير في طبيعة الكون؛ كأن يطول اليوم الأخير من الحياة الدنيا، ويمتد إلى اكثر مما هو مألوف ، وهو الأربع والعشرون ساعة.


فالرسول صلى الله عليه وآله يريد التأكيد هنا بقوة وشدّة على هذه الحقيقة الكبرى، وعلى تحقق ذلك الأمل المنشود من قبل جميع الرسالات الإلهية، ومن قبل جميع الأمم والشعوب، فالله سبحانه وتعالى لابد من أن يظهر مهدي هذه الأمة، وإن استلزم هذا الظهور تغيير السنن الطبيعية في الكون، نظراً إلى أهمية هذا الظهور وإلى كونه يمثل السنة الكبرى التي تفوق أهميتها سائر السنن في الكون.

البشرية في الانتظار


وبالطبع؛ فإن الحديث الشريف لا يعني أنه سيبقى يوم واحد من عمر هذه الدنيا، ثم يطوّل الله تعالى هذا اليوم، بل إنه بصدد بيان الأهمية الفائقة التي يتمتع بها هذا الحدث العظيم، وكونه من الحتميات التي لابد من حدوثها ، لأنه يمثل حقيقة ثابتة خلقت من أجلها البشرية، حيث أن هذه البشرية المنهكة المعذبة التي عانت الأمرّين من نزوات حكّامها وطغاتها، وقاست الويلات والمآسي والمحن بفعل شهوات طغاتها، تنتظر على أحرّ من الجمر هذا اليوم الموعود الذي ستذوق في ظله الطعم الحقيقي للسعادة، حيث سيظهر الإمام المهدي عجل الله فرجه ، ومن بعده عيسى بن مريم عليه السلام الذي سيبادر إلى الائتمام بالإمام المنتظر، والصلاة خلفه، ليدفع أهل الأديان وأصحاب الشرائع السماوية الأخرى إلى الإيمان بالإمام واتباعه، والدخول في الدين الإسلامي الذي سيجمع الديانات جميعاً، ويوحد تحت رايته التوحيدية جميع القوميات والطوائف البشرية بجميع ميولها وانتماءاتها الدينية والقومية ، ليحكم الكرة الأرضية دين واحد، هو الدين الذي جاء به نبينا الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وأحياه ولده الإمام المهدي عجل الله فرجه.


وإننا لنلمس اليوم من خلال الحركة الراهنة للبشرية أنها كلما خطت خطوة الى الأمام ، كلما اقتربت من حالة الاندماج، والاتحاد والتلاحم بين مختلف فئاتها وقومياتها وأقاليمها، وهذا دليل على أن ما أكده الرسول صلى الله عليه وآله في أحاديثه الشريفة بخصوص الفرج إنما هو الحق الصريح الصادق والوعد الذي لابد أن يتحقق. فمسيرة البشرية متجهة لا محالة باتجاه ذلك اليوم الموعود بإذن الله تعالى.


انتظار الفرج أفضل الأعمال


الحديث عن الإمام الحجة عجل الله فرجه، حديث عذب ذو شجون، ولذلك سأحاول مراعاة الاختصار والإيجاز ما أمكنني ذلك، واستلال ما أستطيع استلاله من عبر ودروس من مجمل ماله صلة بواقعنا ومواقفنا وسلوكياتنا في حياتنا المعاصرة.

علاقة الانتظار بواقعنا


وسأبدأ بحثي هذا بطرح سؤال في غاية الأهمية، وهو: ما هي علاقة الانتظار وفكرته والعقيدة به، وإيماننا بالإمام الحجة المنتظر بواقعنا المتدهور الذي نعيشه في عالمنا الإسلامي، وهل باستطاعتنا الاستفادة من هذه الفكرة والعقيدة والبصيرة الإلهية لكي نغيّر بها واقعنا السيء الى واقع افضل، وكيف السبيل إلى هذا التغيير؟


قبل الإجابة على هذا التساؤل المهم والحساس لابـد ان نضرب مثلاً من واقع رجل لم يكن يمتلك بيتاً، فسعى وجهد من اجل ان يكون له ذلك، وجهد في توظيف كل إمكانياته وطاقاته المادية والمعنوية من اجل اقتناء البيت كأن يشتريه جاهزاً أو يبنيه؛ وهكذا الحال بالنسبة إلى الذي يريد أن يبني حياة زوجية فإننا سنجده يحاول ان يختصر الزمن والمسافة في سبيل توظيف كل ما يملك من رصيد اجتماعي واقتصادي في سبيل تحقيق طموحه في إقامة حياته الزوجية التي يطمح إليها.


وإذا كان الأمر يتطلّب كل هذا البذل والمجهود والسعي من اجل بناء بيت أو حياة زوجية ، فما بالك بمن يريد تحرير بلده أو إنقاذ أمته او خلاص شعبه، أليست القضية اخطر واهم من ذلك؟


ولذلك فان على مثل هذا الإنسان او الجماعة او الأمة إن أرادوا تحقيق أهداف كهذه الأهداف العظيمة، أن يختصروا هم أيضاً كل مسافة بعيدة تحول بينهم وبين مرامهم، وان يبذلوا كل ما يملكون، ويجهدوا أنفسهم ما استطاعوا لكي يبلغوا تلك الأهداف المتمثلة في بناء وطن شامخ يليق بمكانتهم ومنزلتهم.


ونحن اليوم في هذا الزمن المصيري الذي نعيش فيه صراعاً مريراً، ومعركة الموت والحياة مع الأنظمة الطاغوتية، فإن قضيتنا عظيمة ومهمـة للغايـة، وأن أولئك الذين يستهينون بها إنما يحتقرون أنفسهـم - من حيث لا يشعرون- ويستهينون بكرامتهم وتاريخهم وقيمهم.

أزمة الأنظمة الطاغوتية


ان قضية هذه الأنظمة الطاغوتية ليست بالقضية الهينة، ولذلك لابد لنا في مواجهتها من استخدام كل عناصر قوتنا ، وجميع إمكانياتنا، ولعل أبرزها جميعاً وأكثرها قوة، تلك القوة الكامنة في عقيدة (انتظار الفرج ) التي هي إحدى ابرز عقائدنا.


فلولا هذا الأمل الذي تلوح اشراقته على آفاق الزمن، ولولا ومضة النور التي أوجدها هذا الأمل في قلوبنا رغم ما عانيناه ونعانيه من عصور الاضطهاد والقمع والآلام وما فيها من ظلام حالك يبعث على اليأس والإحباط المحدقين، لكان الانهيار والزوال من نصيب وجودنا وهويتنا، ولكن الله تبارك وتعالى شاء لنا الامتداد والبقاء بنور بقيته في الأرضين كما يقول - عز من قائل- : ] بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِن كُنتُم مُؤْمِنِينَ[.


فالظلم والإرهاب والاضطهاد الذي لحق بنا، لو كان نزل علــى الجبال لهدّها ولانصهرت منه زبر الحديد وعلينا ان لا نظن ان العالم يغفل سرّ قوتنا، بل ان الأحداث - التي نعيشها اليوم وفي التاريخ- أضحت محور تساؤل الغرب وغيرهم عن سرّ هذه القوة.


وأنا اذكر في هذا المجال انَّ أحد الصحفيين الفرنسيين التفت إلى الظاهرة الثورية التي نمتاز بها نحن الشيعة في تحركنا وعملنا الجهادي، فسألني عن السبب أو السر الذي جعل الشيعة مستقيمين وصامدين رغم مالاقوه من قبل الأنظمة الطاغية مــن قهر وقتل وتغريب ومطاردة؟ فأجبته على سؤاله هذا قائلاً: إننا -نحن الشيعة- أهل توكل على الله تعالى ، وأمل بالمستقبل.

انتظار الفرج افضل الأعمال


أن تاريخ الشيعة هو تاريخ العطاء والتضحيات الجسام، وتاريخ الآلام والمعاناة والمطاردة، والسجون، انه تاريخ الإمام الحسين والإمام موسى ابن جعفر عليهم السلام؛ ومع ذلك كلّه لم نتحطم، ولم نستسلم لليأس ، بل ازددنا رغم قوة الدمار تألقاً وصلابة وقوة وإظهاراً لحقّنا وحقوقنا المهدورة المغصوبة.. وكل ذلك يعود الفضل فيه إلى ذلك الأمل العظيم الذي كان الطاقة التي حركت عجلة مسيرتنا في التاريخ؛ أنه انتظار الفرج، الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وآله: "افضل أعمال أمتي انتظار الفرج".


ونحن كلما عمّقنا هذه الفلسفة الإيمانية الحقة في الأجيال المتلاحقة من أبنائنا وأحفادنا، استطعنا أن نصل إلى الأهداف المرجوة، والغايات المنشودة. والذي يذهب منّا إلى الشك في هذه العقيدة الراسخة بسبب وطأة البلاء، والمصائب الشديدة القاسية التي تبعث على اليأس، فان مثله كمثل الذي يجلس على غصن شجرة ثم ينشر جذعها بمنشار، فهو سرعان ما يهوي إلى الأرض.


أن كياننا قائم على مجموعة من الركائز القوية المتينة، من أبرزها هذه العقيدة الراسخة في قلوبنا؛ أي فكرة ظهور الإمام المهدي عجل الله فرجه، وليس هناك فوق هذا الكوكب الذي نحيا عليه ورغم ما تزدحم وتتصارع فيه آلاف الأديان والمذاهب، بالإضافة إلى الأفكار والمبادئ والنظريات والفلسفات العديدة المنتشرة هنا وهناك؛ أقول ليس هناك دين أو مذهب أو مبدأ واحد يقول أن العلاقة بين الأرض والسماء، أو بعبارة أخرى؛ بين الإنسان وخالقه هي علاقة مستمرة كما هي عقيدة الشيعة، فنحن نؤمن باستمرار ودوام هذه العلاقة بين الإنسان وبارئه، ولا نرى انقطاعها كما هو الحال لدى اتباع المذاهب الإسلامية الأخرى ، حيث يقولون إنها انقطعت بوفاة النبي صلى الله عليه وآله وانقطاع الوحي ، ولا يعترفون بوجود إنسان يحيى على هذه الأرض ذي صلة بالله سبحانه، إلا أنه ليس بنبيّ.

عقيدتنا بالمهدي سرّ قوتنا


أما الشيعة فانهم يعتقدون اعتقاداً راسخاً، ويؤمنون تمام الإيمان بوجود هذا الإنسان الغيبي الإلهي الذي ينزل عليه الروح الأعظم في ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر.


والروح الأعظم هذا هو كيان اعظم من الملائكة، ومن جبريل وميكال، ينزل على الحجة عليه السلام، وهذا هو فخرنا وعزنا، وفيه تكمن قوتنا ، وصلابة عقيدتنا، وسلاحنا الفاعل في معركتنا، وصراعنا ضد الباطل وأهله مهما اختلفت أشكاله وألوانه، ووقوفنا بوجه أهل الظلم والجور والفساد في الأرض. وهل من الممكن أن يتخلى المقاتل عن سلاحه في الميدان حتى نتخلى نحن الشيعة عن عقيدتنا هذه وسلاحنا وقوتنا التي لا تنضب؟


ومن هنا أرى إننا لابد من ان نوظف ما أمكننا من إيماننا ، وعقيدتنا هذه بالإمام المهدي عليه السلام، في مقارعتنا، وصراعنا الطويل مع قوى الظلم والفساد والطغيان، ولابد من ان نزداد استلهاماً من إيماننا به عليه السلام وانتظار فرجه في صراعنا الحضاري، وذلك بأن نربط القضية التاريخية أو القضية العقائدية بقضايانا الراهنة التي نشهدها.

أهمية الأمل والتفاؤل


ويا حبذا لو أكد المفكرون والأدباء وأصحاب الأقلام في مقالاتهم ونتاجاتهم الأدبية الفكرية والثقافية على قضية منح الأمل ، وتعزيز ثقة الناس به بأن يبينوا أهمية الانتظار، والآثار العظيمة بل والبركات والخيرات التي تنهمر علينا بفضل دعاء الإمام عليه السلام لنا، ثم يتناولوا بالبحث والدراسة والبيان الواضح قضية الظهور، ودورنا نحن في التمهيد، والتعجيل لهذا الظهور . فلماذا هذا التخوّف والتردد وعدم الاهتمام في بيان قضية الإمام وانتظاره وظهوره من أقوال المتقولين ، وسخرية الساخرين الذين لا يؤمنون بالإمام المهدي؟ أليس هذا التخوّف والتردد دليلاً على ضعف العقيدة به عليه السلام؟ علماً ان هذا الضعف لربما يخلّ بمجمل الكيان العقائدي؟


فلنوضح عقيدتنا ونتحدث عنها بكل صراحة ليكون الناس على علم بها، كما يقول الله تعالى في محكم كتابه الكريم: ]وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَبِّكُمْ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكفُرْ إِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا [ .

فكرة الانتظار ترعب المستكبرين


أن هذه العقيدة التي يسخر منّا بسبها بعض طوائف المسلمين لجهلهم، باتت تؤرق أعداء المسلمين من الصهاينة والمستكبرين الذين يحسبون لها منذ الآن ألف حساب وحساب، ويعدون العدة لمواجهة صاحب لواء الخلاص، والمنقذ العظيم الذي سيقضي بظهوره المبارك عليهم، وعلى كفرهم وضلالهم وفسادهم في الأرض.


وتأسيساً على ما سبق فلنعّمق هذه الروحية، ونعززها في أعماق أولادنا وأجيالنا القادمة، ولنقرأ المهدي عجل الله فرجه السلام في كل صباح ومساء، ولندع له. ففي هذا الدعاء، وتلك التحية كل البركة والخير، ولنجدد العهد معه كل يوم وإن طالت ، وتعقّدت مشاغلنا الحياتية، ولنبايعه في كل يوم جمعة عندما نقرأ دعاء الندبة قائلين: " اين معزّ الأولياء ومذّل الأعداء، أين قاصم شوكة المعتدين" ؟


فهذا الدعاء وغيره من شأنه ان يعزز علاقتنا به عجل الله فرجه ، ويعمق إيماننا بالانتظار ونعطي مفهومه حقه، من التجسيد العملي المتمثل في العمل على تربية نفوسنا اولاً، ثم المبادرة الى تغيير الواقع الفاسد .



الفصل الثاني:في انتظار الامام المهدي عليه السلام

- الابعاد الحياتية للعقيدة بالامام المهدي عليه السلام - فوائد عصر الغيبة الكبرى

- المفهوم الحقيقي لانتظار الامام المهدي عليه السلام


كيف ننتظر الامام المهدي عليه السلام


في استقبال الامام المهدي عليه السلام


/ 5