العباس بن علي - عليه السلام - نصير الحسين - عليه السلام - - عباس بن علی علیه السلام نصیر الحسین علیه السلام نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

عباس بن علی علیه السلام نصیر الحسین علیه السلام - نسخه متنی

سید محمد تقی مدرسی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید




العباس بن علي - عليه السلام - نصير الحسين - عليه السلام -


المقدمة




الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمد وآله الميامين .



كنت اتحين الفرصة للوفاء بنذر كان لله علي منذ عهد ان أكتب موضوعا حول سيدنا العباس سلام الله عليه ، والذي بالرغم من قلة المصادر عن حياته يفرض نفسه على المؤمنين الموالين لأهل البيت فرضا لانه قد جسد في ساعات كل مثل الخير والفضيلة ولكل فرد فرد من الموالين علاقة خاصة بالعباس من خلال استجابة الله دعاءه عند التوسل به ثم حانت لي تلك الفرصة وذلك خلال سفرة عائلة اغتنمتها وأمليت الكتاب لزوجتي عبر الكاسيت وهي بدورها قامت بتحريره ثم صححته ووثقته ، واليوم حيث يتخذ الموضوع طريقه الى النشر . أسال الله العلي ان يتقبله مني ، وممن ساهم او يساهم في اعداده ونشره ، انه نعم المجيب .



7 / صفر الخير / 1416 هـ



محمد تقي المدرسي


الدرجة العالية




في تلك الايام المبكرة من عمرنا حيث كنا ننظر الى الحياة بعين واسعة بريئة ، ونشم عبق المثل باحساس مرهف وروح شاعرية ، في تلك الايام كنا نتوجه - في ليالي الجمعة - تلقاء حرم أبي الفضل العباس ابن علي عليه السلام في وطننا الجريح في كربلاء المقدسة ، فندلف الى الصحن الشريف بشوق ، وندخل الرواق برهبة . فاذا اقتربنا الى ضريحه الميمون ، ارتسمت في اذهاننا صورة ذلك البطل العظيم ، ممتطيا صهوة جواده المطهم ، ورجلاه تخطان الأرض ، ووجهه كفلقة بدر (1) ، وفي يمينه الحسام وقد حمل القربة يريد المشرعة التي حاصرها اربعة آلاف مقاتل وكلهم بها عمر ابن سعد بقيادة عمرو بن الحجاج . وذلك منذ يوم تاسوعا من عام 61 للهجرة ، حيث قدم شمر ابن ذي الجوشن الى وادي كربلاء ، ومعه رسالة من عبيد الله ابن زياد ( المتسلط على الكوفة من قبل يزيد بن معاوية ) في تلك الرسالة أمر ابن زياد قائد جيشه عمر ابن سعد بأن يمنع على الحسين وأهل بيته واصحابه - عليهم السلام - ماء الفرات .



فلما انتصف النهار من اليوم العاشر ، وسقط العديد من اصحاب الحسين - عليه السلام - ومن أهل بيته ، صرعى أثر العطش بأهل البيت ، وبالذات بالاطفال الصغار ، وارتفعت صيحات العطش ، العطش فكادت تمزق قلب سقاء كربلاء أبي الفضل العباس ، صاحب لواء العسكر الحسيني . والذي لقب بهذا اللقب بعد ان قاد حملة ناحجة الى الفرات وجاء بالماء الى المخيم قبل يوم عاشوراء حسب بعض التواريخ .



لقـــد كان العباس بطلا شهدت له المواجهات العسكرية التي كانت بين الامام أمير المؤمنين علي - عليه السلام - وبين اصحاب الردة ، ولعله اشترك في فتح المشرعة مع أخيه الحسين - عليه السلام - في بعض المعارك عندما سيطر اصحاب معاوية على الفرات ومنعوا اصحاب أمير المؤمنين منه . فلما تمادى في غيه ، ولم يقبل نصيحة الامام عليه السلام بفتح الشريعة سلميا خطب الامام علي عليه السلام في أصحابه خطابا حماسيا ، وكان فيما قال : أرووا السيوف من الدماء ، ترووا من الماء . وحمل أصحابه على المشرعة بقيادة السبط الشهيد وأخيه العباس حسب هذه الرواية ، فلما فتحوها أباحها الامام لاعداءه كما جاء في بعض الروايات ، بيد ان أهل الكوفة الذين حاربوا معاوية بالأمس تحت راية الامام علي ، انضووا اليوم تحت راية يزيد بن معاوية وعدو يحاربون سيد شباب أهل الجنة وأصحابه وأهل بيته ، ويمنعونهم عن الفرات .



وها هو سيدنا العباس يجد نفسه محاطا بأكثر من أربعة آلاف من الاعداء الشرسين ، فهل يمنعه ذلك من اقتحام المشرعة ؟



كلا .. ان اصوات الاستغاثة التي ارتفعت من حناجر آل الرسول منادية بالعطش ، استنهضت البطل الأبي ، فتقدم الى الامام الحسين - عليه السلام - واستأذنه في المبارزة ، بيد ان الامام الحسين عليه السلام لم يأذن له في البدء قائلا : أنت صاحب لوائي ، والعلامة من عسكري .



فقال أبو الفضل : يا أبا عبد الله ؛ لقد ضاق صدري .



فأذن الامام الحسين - عليه السلام - له ، وقال : اطلب لهؤلاء الاطفال قليلا من الماء .



حينما كنا صغارا ، ونقف امام ضريح أبي الفضل العباس ، كانت بصائرنا تتجه الى مخيم الحسين ، حيث لاتزال كربلاء تحتفظ بآثاره وبذكريات العطش لاولئك الصبية الصغار ، والنساء الارامل والثكالى . فتكمل الصورة لذلك البطل واقفا على المشرعة يطلب الماء لاولئك الأبرياء ، التي كانت تلك الصورة ذات أثر بالغ على افئدتنا حتى لكأننا نجد حوادث واقعة الطف ماثلة امامنا بكل لمساتها المثيرة . فها هو العبـــاس واقف على المشرعة ، وقد اقحم فرسه في الماء ، ثم مد يديه واغترف غرفة من الماء ، وقربها الى فمه الذابل من العطش ، فإذا به يتذكر عطش أخيه ، فيرمي الماء على الماء ، ثم يخاطب نفسه بكلمات لاتزال العصور ترددها قائلا :





  • يا نفس من بعد الحسين هوني
    هذا الحسين وارد المنون
    هيهات ما هذا فعال ديني
    ولا فعال صادق اليقين



  • وبعده لا كنت ان تكوني
    وتشربين بارد المعين
    ولا فعال صادق اليقين
    ولا فعال صادق اليقين





وهكذا ترتسم امامنا صورة العباس عند زيارة مرقده وحيث كنا نسلم عليه بتلاوة تلك الزيارة التي تنضح بصائر وهدى ، ثم نصلي لربنا ركعات ، ندعوه بدعوات ، نعود بعد ان نرتشف من نمير وفائه كأسا ، ونغترف من بحر بصيرته غرفة ، ونقتبس من نور ايمانه هدى .



تلك كانت مثلا لزيارة محبي أهل البيت - عليهم السلام - لمشهد أبي الفضل العباس عليه السلام في كربلاء المقدسة ، حيث يتقاطر اليه الآلاف من كل مكان ، وحيث تجد بينهم اصحاب الحوائج يدعون الله سبحانه متوسلين اليه بالعباس ، او المتنازعين يحلفون عند ضريحه فلا يجرأ احد منهم بالكذب ، لاعتقاد الجميع ان الله يعجل عليهم بالعذاب لو كذبوا كما تجد المجاهدين الذين يتزودون من مرقد العباس العزيمة والاستقامة ..



واني اذ رسمت لك هذه الصورة أيها القارئ الكريم ، في مستهل حديثي عن أبي الفضل العباس - عليه السلام - فانما لكي نبحث من خلالها عن السر الكامن وراء هذه الحب والاحترام البالغين من قبل الملايين من المسلمين تجاه سيدنا أبي الفضل العباس - عليه السلام - حتى اننا نستطيع انه نؤكد بأنه لا يحظى أحد من أهل بيت النبوة ، بعد الائمة المعصومين - عليهم السلام - باهتمام المؤمنين بقدر أبي الفضل العباس - عليه السلام - . فان له مكانة عظيمة في قلوب المؤمنين ، حتى انه بمجرد ما يذكر اسم هذا البطل العظيم ، تتداعى لديهم مثل الوفاء والمواساة ، والبطولة والاباء ، والبصيرة النافذة والايمان الصلب ..


ماهو السر في ذلك ؟




لقــد حملت هذا السؤال الى بعض الاخوة هنا وهناك قائلا : انه هناك قمما مضيئة في تأريخنا - نحن الموالين لأهل بيت الرسالة - ، ابتداءا من اصحاب الرسول - صلى الله عليه وآله - الى انصار الامام علي - عليه السلام - الى حواري الامام الحسن - عليه السلام - ، والى اصحاب سائر الائمة المعصومين - عليه السلام - ، وان بينهم الفقهاء والقادة والابطال ، ولكن نور اولئك يخبو إذا سطع أبو الفضل العباس - عليه السلام - . لماذا ؟ كان جواب الأفاضل متقاربا حيث قالوا : ان السر في ذلك ان العباس - عليه السلام - باب الحوائج ، فما من احد طرق هذا الباب إلا قضيت حاجته . وهناك الدعاء المعروف الذي يتلوه المؤمنون حينما تصيبهم ضائقة ، وتحيط بهم بائقة ، يقولون : الهي بحق كاشف الكرب عن وجه اخيه الحسين - عليه السلام - اكشف كربي .



قلت بلى .. واني شخصيا اجرب ذلك دائما ، بل لا يمر علي يوم إلا واشاهد هذه الحقيقة . فكلما اصابتني ازمة ، دعوت الله سبحانه وتعالى ، وتوسلت اليه بأبي الفضل العباس باب الحوائج ونذرت له علي مئة صلاة على النبي وآله لاهدي ثوابها الى روحه الكبير ، فإذا بالكربة تنكشف ، والازمة تتفرج .



ولكن السؤال العريض لماذا خص الله سبحانه وتعالى أبا الفضل عليه السلام بهذه الميزة العظيمة ؟ فما من احد في شرق الارض وغربها ، يدعو الله بكربة أبي الفضل ، إلا ويفرج الله كربته ؟ لماذا ، ماهو السر في ذلك ؟



كان الجواب ما يلي :



لعل احدا من اصحاب الحسين وأهل بيته - عليه وعليهم السلام - لم يمر بلحظة حيرة ، كما عاناها سيدنا العباس في وسط المعركة . حيث كانت امنيته الوحيدة ايصال الماء الى المخيم ، حيث يتلظى الأطفال عطشا . لقد كانت القربة التي حملها ببقايا يديه النازفتين ، كانت أغلى عنده من حياته . وكان عشرات المئات من الرماة يمطروه بوابل من السهام ، فاختار العباس طريقا قريبا الى المخيم بين النخيل ، لعله ينجو من الأعداء بالقربة . ولكن الخيبة الكبرى كانت عندما وجد العباس سهما يخترق القربة ، ويسيل ماءها ، هنالك سالت نفسه مع ذلك الماء فوقف وسط المعركة فلا يدين يذب بهما عن امام زمانه الحسين - عليه السلام - ، ولا أمل له في الحياة . فوقف آيسا من الحياة عازما على الموت .



بلى .. لعل تلك اللحظة التي عاشها أبو الفضل بكل صبر ويقين كانت عظيمة عند الله فعوضه الله عنها بأن جعله بابا للحوائج أوليس قد خابت حاجته في الدنيا .



بلى .. كذلك كان أبو الفضل ، وكذلك يعطي الله سبحانه عباده الصالحين الذين يخلصون العمل له ، يعطي لهم أجرا جزيلا وفضلا كبيرا ، وقد قال تعالى :



انه من يتق ويصبر فان الله لا يضيع اجر المحسنين (2)



وقال سبحانه :



سلام على ابراهيم كذلك نجزي المحسنين (3)



فاذا اخلد الله ذكر الانبياء ، وجعل السلام عليهم في العالمين ، لانهم كانوا محسنين ، ولانه لا يضيع أجر المحسنين فلم تستغرب اذا أكرم أبا الفضل العباس على موقفه العظيم .



عندما جعل أمنيته سقاية أهل بيت الرسالة ، ولم يبال بقطع يمينه في سبيل الله ، بل قال وبكل صراحه :






  • والله ان قطعتم يميني
    وعن امام صادق اليقين
    ثم قطعت شماله فلم
    يا نفس لا تخشي من الكفار
    مع النبي السيد المختار
    قد قطعوا ببغيهم يساري



  • اني احامي أبدا عن ديني
    نجل النبي الطاهر الأمين
    يبال ، بل انشد يقول :
    وابشري برحمة الجبار
    قد قطعوا ببغيهم يساري
    قد قطعوا ببغيهم يساري





لقد اختصر ذلك الموقف حياة أبي الفضل ، واظهرت شخصيته الرائعة التي كانت نتيجة جملة عوامل تكاملت وتسامت .



ماذا كانت تلك العوامل ؟ وكيف صاغت شخصية أبي الفضل العباس - عليه السلام - ؟ وكيف نقتبس منها لحياتنا لكي نتجاوز ذواتنا المحدودة ؟ ونحلق في آفاق سامية من المثل العليا ؟



نجيب عن هذه الاسئلة انشاء الله في الفصل التالي .



النشأة الهادفة



الربانيون من عباد الله يتميزون بانهم لا يمارسون نشاطا ، إلا ابتغاء مرضاة ربهم . قال الله سبحانه :



قل ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين (4)



حركات عباد الله الربانيين تتجه الى قبلة واحدة ، هي رضوان الرب ، وهكذا تجدهم إذا تزوجوا او ابتغوا ذرية فلغاية ربانية . فمثلا أمرأة عمران تنذر ما في بطنها محررا لله سبحانه ، فيتقبل الله سبحانه مريم بقبول حسن ، وينبتها نباتا حسنا ، ويكفلها زكريا .



وكانت تلك الدعوة ذات أثر بالغ على مستقبل جنينها ، فاذا بها تلد مريم ، التي جعلها الله تعالى وابنها المسيح - عليه السلام - آية للعالمين .



وكان الهدف الأسمى للامام علي - عليه السلام - من زواجه من فاطمة بنت حزام الكلابية - أم العباس - ان يرزقه الله منها ولدا ينصر نجله الحسين - عليه السلام - في كربلاء .



تقول الرواية التأريخية ؛ لقد قال الامام أمير المؤمنين علي - عليه السلام - لاخيه عقيل - وكان عالما بالانساب - : انظر لي امرأة قد ولدتها الفحولة من العرب لأتزوجها فتلد لي غلاما فارسا .



فقال له : تزوج بأم البنين الكلابية ، فانه ليس في العرب اشجع من آبائها . (5)



واضافت رواية اخرى بعد قوله ؛ فتلد غلاما فارسا ، هذه الكلمة : ينصر الحسين بطف كربلاء . (6)



لقد رسم الامام صورة واضحة لهدفه من الزواج حتى قبل انتخاب الزوجة ، وهكذا رزقه الله سبحانه ذلك البطل الوفي المواسي لأخيه ، والناصح لامام زمانه .



اما فاطمة الكلابية فقد كانت مثلا رائعا في المثل الاخلاقية ، فعندما دخل بها الامام علي - عليه السلام - سألها حاجتها ، حسب عادة الزيجات يومئذ ، طلبت حاجة وحيده - حسب رواية تاريخية - بألا يناديها باسمها فاطمة !



لماذا وقد سمتك أمك فاطمة ؟!



قالت بلى .. أخشى انه كلما تناديني بهذا الاسم ( فاطمة ) ان يتذكر اولاد فاطمة الزهراء - عليها السلام - أمهم فتتجدد احزانهم . فكناها الامام بأم البنين .



ثم بعد عشرات السنين وبعد واقعة كربلاء تقول الرواية التاريخية حينما قدم الامام زين العابدين - عليه السلام - وسائر الاسارى الى المدينة المنورة ، أمر بشرا وكان شاعرا ان يتقدم الركب وينعى الحسين - عليه السلام - لأهل المدينة فاستقبلته أم البنين وأخذت تسأله عن الامام الحسين - عليه السلام - .



اما بشر فقال لها : يا أم البنين ؛ آجرك الله في ولدك عبد الله .



قالت : اخبرني عن الحسين ؟



فقال بشر : آجرك الله في ولدك جعفر .



قالت أم البنين : اخبرني عن الحسين يا بشر ؟



قال بشر : آجرك الله في ولدك عثمان .



عادت أم البنين تسأل بشرا : اخبرني عن الحسين يا بشر ؟



فقال بشر : آجرك الله في ولدك العباس ..



وبالرغم من الحب العظيم الذي كانت تكنه أم البنين لولدها البكر أبي الفضل العباس ، فان بشرا عندما أخبرها عن مقتل العبــاس عادت وسألت عن الحسين ، وهي تقول اخبرني يا بشر عن سيدي ومولاي الحسين . فلما قال بشر آجرك الله يا فاطمة في الحسين ، هنالك انهارت ولطمت وجهها وصاحت واويلاه واحسيناه .



ان هذه المرأة كانت تحب ابناءها أشد الحب كأي امرأة مؤمنة ، ولكنها كانت أشد حبا لله ولامامها الحسين - عليه السلام - وهكذا تفتديه باولادها . هذه الأم وذلك الأب ربيا معا العباس منذ نعومة اظفاره ، وذلك لتحقيق تلك المسؤولية ، ألا وهي الدفاع عن الحسين - عليه السلام - .



واذا كانت واقعة الطف مقدرة معروفة في بيت الرسالة ، فلابد ان تكون أم البنين ممن تعرف عنها شيئا . فتعرف - مثلا - ان العباس سيكون نصير الحسين الأول ، ولابد ان ارهاصات كانت تبدر في الافق تدلها على ذلك ، وهي تلك المرأة الحكيمة الشجاعة فتعد أبناءها لها .



من ذلك - مثلا - ما ذكره البعض من ان أم البنين رأت أمير المؤمنين - عليه السلام - في بعض الايام قد أجلس أبا الفضل - عليه السلام - في حجره ، وشمر عن ساعديه ، وقبلها وبكى ، فتعجبت وسألت زوجها الامام عن سبب بكاءه ؟ فأخبرها بإن هاتين اليدين سوف تقطعان في سبيل الحسين - عليه السلام - فبكت ثم بشرها بمقام ولدها عند الله ، وان الله سوف يعوضه عن يديه جناحين يطير بهما في الجنة - كما فعل بعمه جعفر الطيار - ، فاطمأنت نفسها . (7)



وقد ذكر البعض صورا شتى لمدى تعلق العباس بالحسين - عليه السلام - ، وانه منذ الطفولة كان سريع الاستجابة لطلبات أخيه . فإذا أبدى الحسين - عليه السلام - العطش ، انطلق العباس يسرع الى كأس ماء ويأتي به ويقدمه اليه . وفي طول حياته لم يخاطب أخاه بالأخوة . لماذا ؟ أوليس العباس ابن أمير المؤمنين وهو الشجاع البطل ، فلماذا لا يخاطب أخاه بكلمة يا أخي ؟



ان العباس ليعلم ان الحسين ابن بنت رسول الله ، ابن فاطمة وما ادراك مافاطمة ، وانه حجة الله عليه وعلى العالمين ، وانه سبط الرسالة ، وسيد شباب أهل الجنة . فلذلك لم يكن يخاطبه إلا باحترام بالغ ؛ يقول مثلا يا ابن رسول الله ، يا سيدي ، يا مولاي ..



بلـى .. انه نادى أخاه بالاخوة مرة واحدة ، وذلك حينما ضربه ذلك اللعين على أم رأسه ، فخر من الجواد على الارض فنادى : يا أخاه ادرك اخاك .



لماذا ناداه في تلك اللحظة بهذه الكلمة ؟



لعله كان يحقق رغبة كامنة في نفسه ، ان يدعو أخاه - ولو مرة واحدة - في العمر بتعبير يا اخي . أوليس ذلك فخر عظيم للعباس ان يكون له أخ مثل الحسين - عليه السلام - . فاذا كان الحياء قد منعه من ذلك من قبل ، او منعه احترامه لأخيه ، فالآن حيث حان ميعاد الفراق لا بأس ان يناديه بذلك .



وكما كان العباس يحترم الامام الحسين ، فان الامام الحسين - عليه السلام - كان شديد الحب والاحترام لأخيه . ففي عشية اليوم التاسع من محرم عام 61 هـ عندما زحف عسكر بني أمية على مخيم أهل البيت - عليهم السلام - خاطب سيد الشهداء أخاه العباس بهذه الكلمات :



اركب بنفسي أنت يا أخي حتى تلقاهم وتسألهم كما جاءهم .



انظر الى التعبير بنفسي أنت انها كلمة كبيرة تصدر من امام معصوم .



وهكذا استقبلهم العباس في عشرين فارسا فيهم حبيب وزهير و.... وسألهم عن ذلك ، فقالوا : ان الأمير يأمر اما النزول على حكمه او المنازلة .. فأخبر ( العباس ) الحسين ، فأرجعه يرجئهم الى غد (8) .


نافذ البصيرة




مما تميز به أبو الفضل العباس - عليه السلام - العلم حتى جاء في حديث شريف : قد زق العلم زقا . (9) وعلمه كان نابعا من البصيرة واليقين .



ان بصيرته جعلته يتمسك بعروة الولاية الالهية ، وان صلابة ايمانه وصدق يقينه جعلاه لا يأبه بالحياة ، فحينما جاء اليه شمــــر ابن ذي الجوشن في اليوم التاسع من شهر محرم في تلك السنة بأمان من عند ابن زياد ، واراد ان يفرق بينه وبين أخيه . وكانت بين شمر وبين أبي الفضل العباس علاقة الخوئلة ، لان أم البنين كانت من تلك القبيلة التي ينتمي اليها الشمر ابن ذي الجوشن ، فجاء شمر حاملا الأمان ودعى أبا الفضل واخوته قائلا : أين بنوا أختنا ؟ سكت اخوة العباس احتراما لاخيهم الأكبر ، وسكت العباس احتراما لامامه ، وحجة الله عليهم الحسين - عليه السلام - ، وكرر شمر النداء وبقي أبو الفضل ساكتا لا يجيبه ، فقال الحسين - عليه السلام - لهم : اجيبوه ولو كان فاسقا .



قالوا ( لشمر ) : ما شأنك وما تريد ؟



قال : يا بني اختي انتم آمنون ، لا تقتلوا انفسكم مع الحسين ، وألزموا طاعة أمير المؤمنين يزيد .



فقال له العباس : لعنك الله ، ولعن أمانك . تؤمننا وابن رسول الله لا أمان له ، وتأمرنا ان ندخل في طاعة اللعناء (10) واولاد اللعناء ؟



فرجع الشمر مغضبا .



انظروا الى يقين العباس ، ذلك اليقين الذي وصفه به الامام الصادق - عليه السلام - حيث قال : كان عمنا العباس بن علي نافذ البصيرة ، صلب الايمان ، جاهد مع أبي عبد الله ، وأبلى بلاءا حسنا ، ومضى شهيدا . (11)



فالعباس - عليه السلام - كان يعرف ان الزمن يطوى بسرعة ، وان الحياة لا تبقى لاحد ، وان الابدان قد خلقت للموت ، فلم البخل بها عن الشهادة وهي ارفع وسام ، وقد قال الحسين - عليه السلام - :



وان تكن الابدان للموت انشأت فقتل امرء بالسيف في الله افضل



وهكذا حينما دخل المشرعة ، واغترف الغرفة من الماء كانت كلمته رائعة حينما قال - عليه السلام - :



والله ماهذا فعال ديني ولا فعال صادق اليقين



لقد كان اعظم ما في العباس - عليه السلام - يقينه ، وهذا ما نقرأه في زيارته التي سوف نستعرضها في فصل قادم انشاء الله ، لقد انفتحت بصيرة العباس منذ سن مبكر على حقيقة التوحيد ، ولذلك تجده عندما يجلسه والده سيد العارفين أمير المؤمنين - عليه السلام - في حجره المبارك وهو صبي فيقول له :



قل واحد ، فيقول واحد .



فقال له : قل اثنين ، فيمتنع قائلا : اني استحي ان اقول اثنين بلسان قلت به واحدا . (12)



بلى .. ان قلبه الذي وعى وحدانية الرب ، كيف يسمح له بأن يقول اثنين ؟



وكما يقين أبي الفضل ، كذلك تسليمه لله كان في القمة ، بلى ان صفة التسليم ناشئة حقيقة اليقين . وسوف نعود الى نصوص زيارته ، وترى كيف تؤكد على صفة التسليم ، واي تسليم أعظم من الطاعة التامة لامام زمانه ، والصبر معه حتى الشهادة .



وكان من صفاته عليه السلام البطولة النادرة ، وانما حمل لواء الحسين - عليه السلام - لشجاعته النادرة ، وبطولته العظيمة .



قال بعض الرواة ان العباس - عليه السلام - شارك في حرب صفين مشاركة فعالة ، وقالوا : خرج من جيش أمير المؤمنين - عليه السلام - شاب على وجهه نقاب تعلوه الهيبة ، و تظهر عليه الشجاعة يقدر عمره بـ 17 سنة ، فطلب المبارزة فهابه الناس ، وندب معاوية اليه أبا الشعثاء فقال : ان أهل الشام يعدونني بألف فارس ولكن ارسل اليه احد اولادي ، وكانوا سبعة . وكلما خرج احد منهم قتله حتى أتى عليهم فساء ذلك أبا الشعثاء واغضبه ، ولما برز اليه ألحقه بهم ، فهابه الجميع ، ولم يجـــرأ أحد على مبارزته ، وتعجب اصحاب أمير المؤمنين من هذه البسالة التي لا تعدو الهاشميين ، ولم يعرفوه لمكان نقابه . ولما رجع الى مقره دعاه أمير المؤمنين وازال النقاب عنه ، فاذا هو العباس - عليه السلام - . (13)



والبطولة لا تعني مجرد منازلة الاقران ، بل جملة صفات انسانية سامية كالشهامة والاباء والتضحية والوفاء والمواساة . وهكذا كان العباس - عليه السلام - ؛ انظروا كيف حارب ، وكيف استشهد .



لقد استشهد العباس وهو يطلب الماء للعطاشى ، وكان اهتمامه بالماء اكثر من اهتمامه بنفسه ، فلم تكن غايته كشف العدو عن نفسه بقدر ما كانت غايته الاحتفاظ بالسقاء سالما ، لايصاله الى حيث العطاشى من أهل بيت الرسالة .



هذا هو الذي يجعلنا نقف اجلالا لبطولته النادرة ، بينما اعداؤه حاربوه بالغدر . لقد كانوا أجبن من مواجهته ، حيث رشقوه بالسهام ، ثم كمن له احدهم من وراء نخلة واغتال يده . كانت الضربة مجرد فتك ، وهكذا تتجلى شجاعة سيدنا العباس - عليه السلام - كما يتبين مدى جبن الطرف الآخر ، وهو لم يزل يسعى لايصال الماء الى المخيم . هذه هي الشجاعة النادرة التي يقف التاريخ اجلالا لها .



اما وفاؤه فهو الآخر في القمة ، حيث استقام في الدفاع عن حجة الله حتى أخر لحظة ، وقيل انه حينما حضر الامام الحسين - عليه السلام - عنده كان به رمق ، انتبه العباس - عليه السلام - ، وقال : يا هذا إذا اردت ان تقطع رأسي فاصبر حتى يأتي أخي ، والقي عليه نظرة أخيره .



فقال له الحسين - عليه السلام - : هذا أنا أخوك ، ووضع رأس العباس في حجره .



فتقول هذه الرواية بأن أبا الفضل رفع رأسه ووضعه على التراب ، فقال له أبو عبد الله الحسين - عليه السلام - : لم تفعل ذلك يا أخي ؟



فقال وهو يلفظ انفاسه الأخيرة : يا أخي ؛ أنت تضع رأسي الآن في حجرك ، فمن يضع رأسك في حجره بعد ساعة ؟



وسواءا صحت هذه الرواية ام لا ، فان مجمل سلوك العباس - عليه السلام - تجاه أخيه يدل على هذا النوع من التعامل .



هكذا واسى أخاه في لحظة الوفاة ، كما واساه في رمي الماء على الماء وهو يتلظى عطشا مواساة لأخيه وأهل بيته الطاهرين .


النصوص تشيد بالعباس




قال الامام السجاد علي بن الحسين - عليه السلام - في حق عمه العباس : رحم الله عمي العباس بن علي ، فلقد آثر وأبلى ، وفدى أخاه بنفسه ، حتى قطعت يداه فأبدله الله بجناحين ليطير بهما مع الملائكة في الجنة كما جعل لجعفر بن ابي طالب ، وان للعباس عند الله تبارك وتعالى منزلة يغبطه عليها جميع الشهداء يوم القيامة . (14)



وهكذا بينت الرواية الشريفة ، صفة المواساة والإيثار عند أبي الفضل - عليه السلام - ، وصفة التضحية والفداء ، كما بينت جزاء الله سبحانه له مما يجعل سائر الشهداء ومنهم حمزة وجعفر و .. و .. يغبطونه على عظيم منزلته عند الله .



وهذا النص عظيم الدلالة على فضائل العباس - عليه السلام - ، إلا ان أهم النصوص التي وردت فيه هي الزيارات التي توارثها الموالون لأهل البيت - عليهم السلام - عبر التاريخ حتى وصلت الينا ، والتي عبرت عن مدى تقدير الأئمة المعصومين - عليهم السلام - للعباس .



وقد روى أبو حمزة الثمالي عن الصادق - عليه السلام - .



ونحن نتأمل معا في فقرات هذه الزيارات ، لعلنا نعرف شيئا عن شخصية العباس - عليه السلام - فنقتدي به .



تقرأ فــي زيارة أبي الفضل العباس - عليه السلام - اول ما ندخل في رحاب ضريحه : سلام الله ، وسلام ملائكته المقربين ، وانبيائه المرسلين ، وعباده الصالحين ، وجميع الشهداء والصديقين ، والزاكيات الطيبات فيما تغتدي وتروح عليك يا ابن أمير المؤمنين .



ان نهج العباس - عليه السلام - كان نهج الانبياء والصديقين والصالحين عبر التاريخ ، بل جاء العباس - عليه السلام - كما جاءت ملحمة الشهادة في كربلاء لترسيخ اصول هذا النهج الالهي ، فاستحق سلام الانبياء والربانيين جميعا ..



فبالشهادة ، وبتلك الدماء الزاكيات .. حفظ الله سبحانه مواريث الانبياء من الضياع في زحمة أساطير الطغاة ، وهكذا كان الامام الحسين - عليه السلام - وريث الانبياء جميعا .



وعلينا ان نعي أبدا هذه الحقيقة ؛ ان الايمان لا يتجزأ . فلا يمكن ان يؤمن أحد بنبي دون آخر ، او بوصي دون الثاني ، او يفرق بين أحد منهم .



كلا .. إنه نهج واحد لا يختلف ، ولا يشذ بعضه عن بعض في شيء . وهكذا سلام الارواح الزاكيات الطيبات فيما تغتدي وتروح على العباس ، كما سلام الانبياء والملائكة والصالحين .



بعد هذا السلام الطاهر الطيب تقول الزيارة : أشهد لك بالتسليم والتصديق والوفاء . انها كلمات تعبر عن الصفات المثلى لأبي الفضل ؛ التسليم وهي قمة الصفات . فالتسليم مثلا اعظم درجة ينالها البشر في مدارج الايمان ، حيث نتلو في القرآن الكريم ان النبــي ابراهيم - عليه السلام - سأل ربه في أواخر ايام حياته ان يجعله الله وابنه اسماعيل من المسلمين ، حيث قال : ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا امة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا انك انت التواب الرحيم . (15)



ولقد بلغ العباس - عليه السلام - درجة التسليم ، ونحن نشهد له بذلك . اما التصديق والوفاء فهما تجليات التسليم في حياته ، فمن سلم لله تعالى لابد ان يصدق بولي الله ، وان يدافع عنه ويصبر ويفي بعهده معه .



بلى .. كان تصديق سيدنا العباس - عليه السلام - باخيه اماما وحجة ، والشهادة على ذلك باتباعه وطاعته والاخلاص له . كان ذلك دليلا على تسليمه القلبي ، وايمانه الصادق ، ويقينه .



وهذه هي الصفة التي تقل عند الكثير ممن يدعي الايمان ، ولكنه لا يصدق بالولاية ، ولا يستقيم عليها عند الشدائد .



ثم تقول الزيارة : والنصيحة لخلف النبي - صلى الله عليه وآله - المرسل ، والسبط المنتجب ، والدليل العالم ، والوصي المبلغ ، والمظلوم المهتضم .



كان أبو الفضل ناصحا لامام زمانه حين اتبع امام زمانه ، واخلص له ، ومحض له الولاء والحب والتضيحة ولم يأل جهدا في تنفيذ أوامر امامه المعصوم .



والزيارة تنعت الامام الذي اتبعه سيدنا العباس بالنعوت التالية :



ألف : انه ذرية رسول الله ، وانه سبط الذي اختاره الله للامامة . وهذا صادق فقط في الامام المعصوم ، وعلينا الاقتداء بالعباس في التسليم للامام الحسين - عليه السلام - .



باء : انه دليل عالم بالحق ، وهي صفة تشمل كل امام معصوم ، بل كل امام عادل منصوب من قبل الامام المعصوم كما الفقهاء العدول .



جيم : انه وصي ناطق بالحق ، مبلغ له ، وهذه صفة تشمل سائر الأئمة المعصومين - عليهم السلام - .



دال : انه مظلوم مغتصب حقه .



فلم يكن اتباع العباس للامام الحسين - عليه السلام - نابعا عن قيام الامام بالسيف ، أو أنه كان مبسوط اليد . إذ السلطة ليست معيارا للامامة ، بل القيم الالهية هي المعيار ، وهي التي سبقت آنفا من الوصية والعلم والدعوة .



ثم تقول الزيارة : فجزاك الله عن رسوله ، وعن أمير المؤمنين ، وعن الحسن والحسين أفضل الجزاء بما صبرت واحتسبت واعنت .



لقد صبر وصبره كان احتسابا لله ؛ وتقربا اليه ، وهو الصبر المطلوب . كما اتعب نفسه في طاعة الله .



انه درس عظيم لنا جميعا ، كيف نجاهد في سبيل الله ، ونصبر على كل أذى ، من كلمة نابية ، تقذفها ألسنة الاعداء البذيئة ، ومن ملاحقة دائمة من قبل السلطات الجائرة ، ومن جروح دامية وبالتالي الشهادة .. كلها تهون عندما تكون في سبيل الله وابتغاء مرضاته واحتسابا لديه .



ثم تضيف الزيارة : لعن الله من قتلك ، ولعن الله من جهل حقك ، واستخف بحرمتك .



بلى .. كان حق العباس - عليه السلام - عظيما ، حتى استحق جاهلوه ومنكروه اللعنة ؛ وكانت حرمته عظيمة ، استحق اللعنة اولئك الذين انتهكوها ، وقد تمثل جهلهم وانتهاكهم لحقه وحرمته في منعه من الفرات ، حيث تقول الزيارة : ولعن الله من حال بينك وبين ماء الفرات . أشهد انك قتلت مظلوما ، وان الله منجز لكم ما وعدكم .



والشهادة بأن أبا الفضل قتل مظلوما ، شهادة على ان مسيرة أبي الفضل كانت مسيرة حق ؛ وان كل من قتل مظلوما وفي سبيل الدفاع عن الحق ، فان الله منجز له ما وعده من نصره في الدنيا ببلاغ التاريخ انه كان مظلوما ، وفي الآخرة بالجنة خالدا فيها .



وبعد بينت الزيارة المأثورة مقام سيدنا العباس - عليه السلام - ومنهجه الالهي ، أخذت تبين موقف المؤمن ما ينبغي ان يكون عليه موقف الموالي الواقف امام ضريحه ، تلقاء سيده ومولاه العباس - عليه السلام - ، فتقول الزيارة : جئتك يا ابن أمير المؤمنين وافدا اليكم ، وقلبي مسلم لكم وتابع ، وانا لكم تابع ، ونصرتي لكم معدة ، حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين . فمعكم معكم ، لا مع عدوكم . اني بكم وبايابكم من المؤمنين ، وبمن خالفكم وقتلكم من الكافرين . قتل الله أمة قتلتكم بالأيدي والألسن .



هكذا يجب ان نجدد - نحن الموالين - عهد الولاء والبيعة لخط أهل البيت - عليهم السلام - ، ولنهجهم في الحياة . ونعلن بصراحة بأننا مستعدون لان نضحي بانفسنا في أية لحظة من أجل تطبيق احكام الدين ، أما الواجبات المفروضة علينا ، والتي تشكل ميثاق الولاء ، وعهد البيعة فهي التالية :



الف : الولاء والتسليم ؛ اي الطاعة التامة دون تردد لأهل البيت - عليهم السلام - ولخطهم الرسالي .



باء : والاستعداد للدفاع عن حرمات الاسلام بالمال والنفس ، وبكل وسيلة ممكنة .



جيم : الاستقامة على نهجهم ، والبراءة من نهج اعدائهم .



دال : الثقة بانتصار الحق المتمثل في الأئمة عاجلا أم آجلا .



وهذا هو ما نجده في هذه الزيارة ، كما نقرءه في سائر الزيارات المأثورة عند أضرحة أهل البيت - عليهم السلام - .



ثم تستمر الزيارة بالقول : السلام عليك ايها العبد الصالح المطيع لله ولرسوله ولأمير المؤمنين والحسن والحسين صلى الله عليهم وسلم . السلام عليك ورحمة الله وبركاته ، ومغفرته ورضوانه ، وعلى روحك وبدنك . أشهد وأشهد الله أنك مضيت على ما مضى به البدريون ، والمجاهدون في سبيل الله ، المناصحون في جهاد اعدائه ، المبالغون في نصرة أوليائه ، الذابون عن أحبائه .



وهذه شهـادة حق تنبعث من فم الامام المعصوم ؛ الامام الصادق - عليه السلام - ، على ان طريق العباس - عليه السلام - كان طريق أهل بدر ، ومن هم البدريون ؟



انهم الذين ساهموا في ترسيخ دعائم الرسالة الالهية ، واستبسلوا في الدفاع عن رسول الله - صلى الله عليه وآله - ، وهم قلة قليلة و واجهوا عدوا يفوقهم عددا وعدة . وكذلك العباس - عليه السلام - وانصار الحسين - عليه السلام - ساهموا في ترسيخ اصول الحق في مواجهة الردة التحريفية لبني أمية ، وواجهوا الأعداء الشرسين ، وقاتلوا حتى قتلوا ، وكان التقدير الالهي ان يجعل من شهادتهم نصرا لرسالتهم ، ومن دمائهم شهادة على صدقهم .



وكانت المواجهة بحاجة الى اسمى درجات النصيحة والصبر ، والمبالغة في الدفاع عن الحق ، والذب عن أحباء الله . وهكذا كانت أعظم معركة ، وأسمى ملحمة ، وأعلى درجات الشهادة .



وبعد هذه الشهادة الرائعة نقرأ قول الامام الصادق - عليه السلام - في زيارة عمه العباس - عليه السلام - : فجزاك الله أفضل الجزاء ، وأكثر الجزاء ، وأوفر الجزاء ، وأوفى جزاء أحد ممن وفى ببيعته ، واستجاب له دعوته ، واطاع ولاة أمره



وهنا نجد مرة اخرة التأكيد على صفة التسليم ، والطاعة لولي الأمر .



وتقول الزيارة : أشهد أنك قد بالغت في النصحية ، وأعطيت غاية المجهود



وهذه دلالة أخرى على المقام الأسمى لأبي الفضل العباس ، حيث قدم غاية المجهود ، وبالغ في النصيحة حتى المنتهى .



ثم تقول الزيارة : فبعثك الله في الشهداء ، وجعل روحك مع أرواح السعداء ، وأعطاك من جناته أفسحها منزلا ، وأفضلها غرفا ، ورفع ذكرك في عليين ، وحشرك مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا .



وهكذا ترسم الزيارة منهج المجاهدين ، وان هدفهم ليس بلوغ السلطة ، ولا الحصول على مقام رفيع ؛ وانما هدفهم الأسمى ان ينعموا بالجنة ، وانما يتنافسون بينهم للحصول على أعلى درجات الجنة وأسماها .



ثم نقرء في بقية الزيارة : أشهد أنك لم تهن ولم تنكل ، وأنك مضيت على بصيرة من أمرك .



وهنا تأكيد على صفة البصيرة التي كانت لأبي الفضل العباس ، وهي صفة تتصل باليقين . والشهادة بالاستقامة التامة للعباس - عليـه السلام - درس لنا بأن نقتدي به في ذلك ، كما انه اقتدى بمن سبقه ، حيث تضيف الزيارة : مقتديا بالصالحين ، ومتبعا للنبيين . فجمع الله بيننا وبينك وبين رسوله واوليائه في منازل المخبتين ، فإنه ارحم الراحمين .



ونعلم ان المخبتين لهم المنزلة السامية ، والدرجة الرفيعة . وحينما يدعو الامام الصادق - عليه السلام - في زيارته لعمه ان يرزقه الله منــازل المخبتين ، فإن ذلك يعني دعوة تتناسب مع مقام أبي الفضل العباس - عليه السلام - . ذلك المقام الأسمى ، وهو مقام الاخبات .



ويبدو ان الاخبات من درجات الايمان والتسليم العالية ، حيث قال سبحانه :



وليعلم الذين أوتوا العلم انه الحق من ربهم فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم (16)



وقال سبحانه :



فالهكم إله واحد فله اسلموا وبشر المخبتين (17)



وهكذا جاءت صفة الاخبات بعد صفة الايمان وصفة التسليم .



وفي الجانب الآخر من هذه الزيارة نقرأ : السلام عليك يا أبا الفضل العباس ابن أمير المؤمنين ، السلام عليك يابن سيد الوصيين ، السلام عليك يابن أول القوم اسلاما واقدمهم ايمانا واقومهم بدين الله .



وهنا ذكر لمقام أبي الفضل من ناحية وراثته لصفات والده . فإذا سمى أبو الفضل الى ذروة التسليم والنصيحة والجهاد والدفاع عن أخيه الحسين - عليه السلام - وعن الاسلام ، فلا غرو فإنه ابن أول القوم اسلاما واقدمهم ايمانا واقومهم بدين الله واحوطهم على الاسلام . فمن ذلك الأسد هذا الشبل وان ذلك الاب يكون والد حق لمثل هذا النجل العظيم .



ثم يمضي الامام في زيارته لأبي الفضل العباس قائلا : أشهد لقد نصحت لله ولرسوله ولأخيك ، فنعم الاخ المواسى . فلعن الله أمة قتلتك ، ولعن الله أمة ظلمتك ، ولعن الله أمة استحلت منك المحارم وانتهكت في قتلك حرمة الاسلام .



اترى كيف ، والى أي مدى بلغ مقام أبي الفضل ، حيث ان انتهاك حرمته كان انتهاكا لحرمة الاسلام ؟



فنعم الصابر المجاهد المحامي الناصر ، والاخ الدافع عن اخيه المجيب الى طاعة ربه الراغب فيما زهد فيه غيره من الثواب الجزيل والثناء الجميل .



لقد كان أبو الفضل هو الصابر المجاهد والمحامي الناصر ، والمدافع عن أخيه ، ولكن ليس دفاعا عن عصبيته ، وانما استجابة لدعوة ربه ، ورغبة في ثواب ربه . وكل هذه الصفات التي تذكر في الزيارة هي القيم المثلى التي ينبغي للمؤمن بنهج أهل البيت - عليهم السلام - أن يقتدي بالعباس فيها .



ثم تستمر الزيارة : وألحقك الله في درجة آبائك في جنات النعيم .



ثم يدعو المؤمن ربه بالكلمات التالية : اللهم اني تعرضت لزيارة أوليائك رغبة في ثوابك ، ورجاء لمغفرتك ، وجزيل احسانك ؛ فأسألك ان تصلي على محمد وآله الطاهرين ، وان يجعل رزقي بهم دارا ، وعيشي بهم قارا ، وزيارتي بهم مقبولة ، وحياتي بهم طيبة ، وأدرجني ادراج المكرمين ، واجعلني ممن ينقلب من زيارة مشاهد احبائك مفلحا منجحا قد استوجب غفران الذنوب ، وستر العيوب ، وكشف الكروب ، انك أهل التقوى وأهل المغفرة .


الرسالة بين الامام والنصير




دور الشخص الثاني في مسيرة الدفاع عن الرسالة دور هام وجدي ، ألا ترى كيف ان الامام أمير المؤمنين - عليه السلام - كان دوره العظيم في الدفاع عن الاسلام ، وعن القرآن ، وعن رسول الله - صلى الله عليه وآله - دورا اساسيا ؟ وكذلك كان دور أبي الفضل العباس - عليه السلام - بالنسبة الى أخيه الامام الحسين - عليه السلام - ، وكما كان دور مالك الاشتر للدفاع عن الامام أمير المؤمنين - عليه السلام - ، وفيما يتصل في حياة الانبياء كان هكذا دور هارون بالنسبة الى موسى ابن عمران - عليهما السلام - .



ان الشخص الثاني في مسيرة الرسالة حينما يذوب وينصهر في شخصية القائد الاول ويدافع عنه ، ويبالغ في احترامه ، ونصرته والنصيحة له ، يضرب المثل الصالح للآخرين ، ولما يجب ان يكونوا عليه تجاه القائد . فلقد ضرب الامام علي - عليه السلام - أروع الأمثلة للمنهج الذي كان ينبغي للمسلمين ان يتعاملوا به مع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - . وهذا كان أمرا مهما ، لان الناس يمكنهم ان يقتدوا برسول الله - صلى الله عليه وآله - في أمور كثيرة ، ما عدا أمر واحد ، وهو كيفية احترام الرسول الأعظم - صلى الله عليه وآله - ، ونوعية الدفاع عنه ، ومنهجية التعامل معه . ففيما يتصل بهذا الجانب ، تحتاج الامة الى قدوة عملية ، وكان الامام علي - عليه السلام - هو ذلك القدوة ، حيث علم الناس كيفية التعامل مع رسول الله - صلى الله عليه وآله - ، وكيف ينبغي احترام مقامه ، وكيف ينبغي انه يفديه بنفسه في منامه في فراشه في ليلة الهجرة ، وفي دفاعه عنه في الحروب وكيف كان يذب عنه ، ويقي نفسه بنفسه .. ولولا الامام علي - عليه السلام - وهذه المنهجية ، لم يعلم المسلمون كيف يتعاملون مع رسول الله - صلى الله عليه وآله - ، ولعلهم كانوا يرفعون اصواتهم فوق صوته ، ويتقدمون عليـــه ، وربمــا يخاطبونــه كما يخاطب بعضهم بعضا ، وقد مرت عشرات السنين على رحيل رسول الله - صلى الله عليه وآله - . وسئل الامام علي - عليه السلام - لم لا يختضب ؟ فقال - عليه السلام - : نحن في عزاء رسول الله .



وقبيل شهادته يسأله اصبغ بن نباته ويقول له : أنت أفضل أم محمد ؟ فيقول الامام علي - عليه السلام - له : انا عبد من عبيد محمد .



لقد كان الامام علي تجليا لشخصية رسول الله - صلى الله عليه وآله - واخلاقه وعلمه ، وآية لصدق رسالته ، ومبالغا في الدفاع عن رسالته ..



وهكذا كان سيدنا العباس - عليه السلام - بالنسبة الى اخيه وامامه وحجة الله عليه والسبط المنتجب الحسين - عليه السلام - .



كان العباس - عليه السلام - فقيها من فقهاء أهل البيت - عليهم السلام - ، وكان القائد الشجاع والكريم المضياف ، والعــابد الزاهد ، وكان بالتالي شخصية متكاملة من جميع الجهات ، ولكنه كان منصهرا في شخصية أخيه الحسين - عليه السلام - ، ومبالغا في طاعته والنصيحة له ، وهكذا عرف الناس كيف ينبغي ان يتعاملوا مع الامام - عليه السلام - .



لقد عرفهم عمليا مقام أبي عبد الله الحسين - عليه السلام - ، ذلك لان أكثر الناس لا تسمو البصيرة بهم الى معرفة مقام الأئمة المعصومين ، ومقام ولايتهم . وهكذا نجد النبي موسى - عليه السلام - يدعو ربه ان يجعل له وزيرا من أهله حيث يذكر لنا القرآن ذلك بالقول :



قال رب اشرح لي صدري * ويسر لي أمري * واحلل عقدة من لساني * يفقهوا قولي * واجعل لي وزيرا من أهلي * هارون أخي * أشدد به أزري * وأشركه في أمري . (18)



وهكذا علينا ان نفقه مقام الأئمة المعصومين - عليهم السلام - ، ومن نصبهم الأئمة من العلماء الربانيين ، نفقه مقامهم ، ومنهج التعامل معهم من خلال معرفة سيرة أبي الفضل العباس - عليه السلام - والتي نعرفها من خلال زيارته التي تلوناها آنفا . ذلك لانه لا يسمو كل الناس الى مستوى القيادة ، ولكن كل الناس يتعاملون مع القيادة ؛ وأبو الفضل العباس - عليه السلام - يعطيك المنهج الأمثل في الدفاع عن الدين ، وعن أهل بيت الرسالة ، وعن القيادات الشرعية التي فرض عليك طاعتهم واتباعهم والدفاع عنهم . وهذا درس عظيم نتعلمه من أبي الفضل ، وانه لدرس هام لانه يساهم في بناء التجمع الرسالي ، والبنيان التوحيدي بناءا رصينا قويا قادرا على تحدي اعاصير الفتنة ، وعواصف الشهوات .



فسلام الله عليك يا أبا الفضل العباس يوم ولدت للدفاع عن الحسين ويوم استشهدت في سبيل الاسلام تحت راية الحسين ، وحين تبعث حيا مع الحسين سلام الله عليكما ورحمته وبركاته .

/ 4