علي الاكبر سليل الحسين( عليهما السلام) - علی الاکبر سلیل الحسین علیهما السلام نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

علی الاکبر سلیل الحسین علیهما السلام - نسخه متنی

سید محمد تقی مدرسی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید





علي الاكبر سليل الحسين( عليهما السلام)

المقدمـة



الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين .



يتخذ الانسان لنفسه قدوة يتأسى به في مجمل انشطته الحياتية . وتتوفر للمسلم فرص هائلة في الاقتداء . فالنبي الأعظم محمد ( صلى الله عليه وآله ) الأسوة العظمى لكل مؤمن . وأهل بيته الهداة نعم القدوات . ولكن الكثير من المسلمين اليوم يخسرون هذه الفرص . فتراهم يتيهون في الفراغ أو يتخذون من الكفار قدوات .



ولعـل من أهم الأسبــاب جهل المسلمين بحياة قادتهم الهداة وذلك بسبب ضياع النظام التربوي والتثقيفي السليم . ففي البيت لا تتوافر اية فرصة تربوية لمعرفة آفاق حياة النبي وأهل بيته وكبار قادة الأمة اما بسبب انشغال الوالدين بشؤونهم ، او بعلة ضحالة معلوماتهما الدينية ، أو لأن اجهزة التلفاز والالعاب الكمبيوترية ألهت الاولاد عنهما وألهتهما عنهم ..



ومنذ أمد بعيد وفّقني الرب تعالى لكتابة سلسلة من الكتب الموجزة عن حياة النبي وأهل بيته عليه وعليهم افضل الصلاة والسلام . وقد اتخذت موقعها في المكتبة الاسلامية .



ومنذ عدة سنوات وفقني الله سبحانه للحديث عن ثلاثة مـن القمم المضيئة التي ساهمت في ملحمة عاشوراء . فكتبت عن الصديقة الصغرى زينب شقيقـة الحسين عليهما السلام ، وعن سيدنا العباس نصير الحسين عليهما السلام ، وعن مسلم بن عقيل سفير الحسين عليهما السلام ، وها انا اليوم أرجو التوفيق لتأليف كتاب عن علي الأكبر سليل الحسين عليهما السلام ..



وانا اسأل العلي القدير أن يجعله لي ذخراً ، وللقراء الكـرام تبصرة وهدى .



ولعل فتيـاننـا وفتيـاتنـا يجدون فرصة ذهبية للتكامل بالاقتـداء بهذه الصفوة ممن نصر السبط الشهيد ( عليه السلام ) . والله المستعـان .



6 / محرم الحرام / 1418 هـ



محمد تقي المدرسي

المنايا تسير وراءهم



كانت القافلة تطوي الطريق الممتد بين مكة والكوفة بسرعة لاستباق الاحداث التي تنذر بها الظروف .



موت معاوية ، واستخلاف يزيد ، وتململ الامة الاسلامية من لحظة تحول الخلافـة الـى ملك عضـوض ، ذلك التحول الذي حذّر منـه الرسول (صلى الله عليه وآله) ..



لقد خرج الامام الحسين ( عليه السلام ) من مكة يوم الثامن من ذي الحجة حيث يتجه وفود الرحمن الى منى فعرفات لاداء الحج الأكبر . وكانت حركته صدمة هائلة للنظام السياسي الذي بناه الحزب الأموي طيلة اربعين سنة . كما كانت فرصة كبيرة للمؤمنين للجهاد من اجل اعادة الأمة ونظامها السياسي الى الصراط المستقيم ذلك الصراط الذي رسمه الوحي وبيّنه الرسول . ومضى عليه الامام علي وأيده المخلصون من قادة المسلمين .



تتوهج شمس الظهيرة في أيام الربيع في ذلك الطريق الصحراوي والامام الحسين ( عليه السلام ) قد بانت على وجهه الشريف قسوة الأحداث . فاسرع اليه الشيب ، والحركة السريعة تجهد الانسان فمن الطبيعي ان يغفو الامام فوق قربوس فرسه ..



انتبه مرعباً ، وهو يقول انا لله وانـا اليه راجعــون ..



كان ولده علي الأكبر ومرافقه غير بعيد عنه . انه كان يلاحـظ والـده . ولعله كان يحرسه ، بينمـا كان العباس ( عليه السلام ) يحرس قافلة النساء .



فاسرع اليه قائلاً ممَّ استرجعت يا أبه ؟ لم يخف الامام عن ولده حقيقة نومه بالرغم من معرفته بايمان علي الأكبر بامامة والده وعصمته وان منامه حق .



ولكنـه لـم يخف عنه منامــه علمــاً منه بمدى رسوخ



الايمان عند ولده فقال له : رأيت كأن هاتفاً يقول : القوم يسيرون والمنايا تسير وراءهم .



فالرحلة ليست - في واقعها - الى الكوفة . واقامـة حكم اسلامي فيها . وازاحة الطاغوت يزيـد ، وحزبه الأموي . بالرغم من ان ذلك هو المخطط المرسوم والمرتقب عند الناس بل وحتى عنـد الكثير ممن يرافق قافلة الحسيـن ( عليه السلام ) .



كلاّ انما هي رحلة الشهادة .. رحلة المنايا التي تلاحق الركب كله . استمع علي الأكبر الى والده بأدب جم فلما سكت بادره قائــلاً : يا أبه أفلسنا علـى حق ؟



قال : بلى . يا بني والذي اليه مرجع العباد .



قال : إذاً لا نبالي بالموت اوقعنا على الموت او وقع الموت علينا . (1)



تلك الكلمة كانت منتظرة من سلالة الرسالة حفيد أميـر المؤمنيـن علي ( عليه السلام ) وكانت - في ذات الوقت - هدية ثمينة قدمها الولد لوالده في مقابل أتعابه عليه وجهده في تربيته .



انها كانت صدى لصـوت الحسين ( عليـه السلام ) . ذلك الصوت الالهي الذي آنس علياً منذ ولادته . صـوت الحق ، صوت الايمان بالله لا بالطاغوت ، والتسليم للوحـي لا للهوى ، وحب الحق لا المصالـح ..



تلك الكلمة كانت مرآة للروح الأيمانية التي انسابت من ضمير سبط رسول الله ابن فاطمة الزهراء وربيب أمير المؤمنين ، إنسابت تلك الروح في وعي سلالة الرسالة ، علـي الأكبر منذ استهلالـه .



بلى الانسان سيرة ورسالة . سيرة الانسان تمتد عبر حيـاته بينما تتجلى رسالته في موقف واحد او بضعة مواقف في حياتـه . ورسالــة الانسان هـي خلاصة سيرتـه .. ولأن سيرة علي الأكبر كانت الهية جاءت رسالته الهية ايضاً . وتجلت في تلك الكلمة الرائعـة التي اشبهت كلمة جده الامام علـي ( عليه السلام ) في ليلة المبيت إذ سأل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حينما أمره بالمبيت على فراشه المحاط بسيوف قريـش ، سأله أنت تسلم قال : بلى ، إنه لم يسأل عن سلامة نفسه بل عن سلامة الرسول .



وكما اشبهت كلمة جده الامام علي ( عليـه السـلام ) عندمــا أخبره النبي بشهادته . حين سأله أفي سلامـة مـن



ديني قال : بلى ، فحمد الله .



وهي بالتالي صدى لكلمة والده الامام الحسين ( عليه السلام ) حينما قـال :



" إني لا أرى الموت إلاّ سعادة والحياة مع الظالمين إلاّ برمــا " .



يا أبتاه إئذن لي بالقتال



وأوغل ركب الرسالة في الصحراء غير آبه بالمنايا التي كانت تلاحقهم . ولعل فتيان بني هاشم الذين شهدوا حوار الامام الحسين ( عليه السلام ) مع علي الأكبر تباشروا بالشهادة ، اذ انه منذ صلح الأمام الحسن المجتبى ( عليه السلام ) مع معاوية . وتوقف الحرب الساخنة ، قلّت فرص الشهادة لبني هاشم . وكانت تلك أسرة قد اكرمها الله بها. وكان من الصعب على فتى هاشمي ان يفكر انه يموت على فراشه . ولا يحظى بالقتل في سبيل الله . إلا انهم اليوم يجدون فرصة ذهبية . الشهـادة تحت راية أبي عبد الله الحسين ( عليه السلام )



سبــط الرسالة وسيد شباب أهل الجنة . إنهـا اعظم أمنيـة



للمسلم وبالذات لابناء الرسالة .



وهكذا يفترض أن تكون كلمة الامام ( عليه السلام ) وجواب ابنه قد اشعلت في نفوس بني هاشم جذوة الايمان. وأخذوا يستعدون للقاء الله ..



وتوقف الركب في ارض كربلاء . حيث كانت واقعة عاشوراء حديثاً معروفاً في بيت الوحي . منذ ان جلس الرسول ( صلى الله عليه وآله ) في بيت فاطمة الزهراء ابنته الصديقة يحيط به الامام أمير المؤمنين والحسنان .. وابتسامة الشكر وبشرى الحمد تعلوان محيـاه .



ولِمَ لا يسر فهذه ابنته سيدة نساء العالمين . وهذا وصيه سيد الخلق بعد الرسول . وهذان سبطاه سيدا شباب أهل الجنة . انها اعظم نعمة حباها الله سبحانه لرسوله . وكان سروره بهم عظيماً . ولكن جبرئيـل أخبره بما يجري على أهل بيتـه من بعده وبالذات بمصرع الحسين ( عليه السلام ) ، فقــام النبــي الى زاوية البيت فصلى ركعات فلما كان في آخر سجوده بكى بكاءً شديداً فلم يسأله أحد منا ( الحديث مأثور عن أميـر المؤمنيـن عليـه السلام واللفظ مروي عنه ) اجــلالاً



وإعظامـاً لـه .



فقـام الحسين في حجـره وقال له : يا أبه لقد دخلت بيتنا فما سررنــا بشيء كسرورنا بدخولك ثم بكيت بكاءً غمنا فما ابكاك ؟ فقال : يا بني أتاني جبرئيل ( عليه السلام ) آنفـاً فأخبرنـي انكم قتلى وان مصارعكم شتـى(1) .



وفي مناسبـات عديـدة اخرى أخبر النبي ( صلى الله عليه وآله ) بواقعــة الطف التــي تحولت الى عهـد في بيت الرسالـة . وبالذات عند اقتراب رحيل فاطمة الــزهراء ( عليهــا السلام ) حيث قالـــوا انها وصّت ابنتهــا زينب ( عليها السلام ) بالحسين في واقعة كربلاء . وعند شهادة الامام علي ( عليه السلام ) حيث سألته ابنته عن حديث كربلاء ، فقال لها وهو في ساعاته الأخيرة : الحديث كمـا حدثتك أم ايمن . ثم اخبرها بمصيبة سبيها . وعند وفاة الامام المجتبى ( عليه السلام ) كانت مناسبة للحديث عن يوم الحسين ( عليه السلام ) حيث قال سلام الله عليه : ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبد الله ..



فلما توقفت قافلة الشهادة في الطف . وعرف الجميع ان اسم تلك الأرض كربلاء ، تماوجت في وعيهم كل تلك الأحاديث فهاهي الحقيقة ماثلة بكل عنفوانها وعظمتها ، انها كربلاء ؛ ارض الشهادة ، ارض الملحمة الكبرى ، ارض البطولات النادرة ، ارض الصراع بين الحق الذي ينتصر بالرغم من شهـادة دعاتـه . والباطل الذي يتلاشى بالرغم من نشوة اعوانه .



في ليلة عاشوراء ، حيث اجتمع المجاهدون من حملة رسالة الوحي . كان بنو هاشم يطالبون بالمبادرة الى المعركة غداً . ليسبقوا الاصحاب الى شرف الشهادة . ولكن الأصحاب وفيهم البقية من اصحاب النبي ( صلى الله عليه وآله ) أبوا إلاّ ان يفدوا أهل بيت الرسالة بأنفسهم . واتفق الجميع على ذلك ..



وفـي يوم الواقعـة وبعد أن أبلى اصحاب الامام في نصرة الحـق بـلاءً حسنـاً . واستشهدوا جميعاً ، بادر علي الأكبر ( عليه السلام ) بالمثول أمام والده يستأذنه في البراز ..



كــانت تلك ساعــة بالغة الروعة .. لقد وقـف الفتــى



الرشيد مستطيلاً على الزمن ، متحدياً الحياة الدنيا ، مستشرفاً آفاق الآخرة . وقف امام والده يطلب منه الاذن بأن يقتحم غابة الذئاب حيث تتموج غمرات الموت ..



لم يتردد الامام الحسين ( عليه السلام ) في الاذن له . بل وتشجيعه ، بالرغم من عمق حبه له وعظيم شفقته عليه ، وبالغ منزلته عنده . إنه يمثل اسمى تطلعاتـه في الدنيا أن يبقى علي يمثل خطه ويحمي قيمه . ولكنه يعرف أن حماية القيم انما هي ببذل دمه . وتمزق جسده أمام عيني أبيه . وهكذا أذن له ..

خلقاً برسول الله



بلى اذن الحسين ( عليه السلام ) لولده باقتحام الشهادة . ولكن طريقة اذنه كانت فريدة ..



رفع بصره الى السماء . وقال : اللهم إشهد على هؤلاء القوم . فقد برز اليهم غلام اشبه الناس خَلقاً وخُلقاً ومنطقاً برسولك ، وكنا إذا اشتقنا الى نبيك نظرنا الى وجهه ، اللهم امنعهم بركات الأرض ، وفرقهم تفريقاً ، ومزقهم تمزيقاً ، واجعلهم طرائق قدداً ، ولا ترض الولاة عنهم أبداً ، فانهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينـا يقاتلوننـا .



ثـم صاح الحسين بعمـر بن سعد : مالك ؟ قطع اللـــه



رحمك ولا بارك الله لك في أمرك ، وسلّط عليك مـن يذبحك بعدي على فراشك كما قطعت رحمي ولم تحفظ قرابتي من رسول الله ثم رفع الحسين صوته وتلا : " إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل ابراهيـم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم " (1) .



وهكذا أعطى الامام وساماً عالياً لهذا المجاهد الأمثل عند انطلاقته في عملية استشهادية فريدة .ولم يفه الامام المعصوم ( عليه السلام ) بحرف باطلاً حاشا لله . إنه مصباح الهدى وسفينة نجاة كما كتب على ســاق العرش ، فكيف ينطق بالباطل .



في واقعة مشابهة عندما برز الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) الى عمر بن ود العامري في معركة الخندق . هناك ايضاً اعطى النبي له وساماً عظيماً حينما قال : برز الايمان كلّه الى الكفر كلّه ..



منـذ القديم كان الناس يعرفون بفطرتهم امكانية انتقـال



الصفات الجسدية والنفسية من الأب لإبنه او الجد لحفيده . ولكنّ البحوث العلمية الحديثة عمقت عندنا هذه المعرفة ، حينما كشفت لنا عن الجينات المورثة ومدى اثرها في نقل الصفات من جيل لآخـر . وهكذا كان علي الأكبر ( عليه السلام ) أشبه الناس برسول الله . حيث تجلت فيـه شمائل الرسول الكريمة . من نبرات صوته الى ملامح وجهه الى طريقة مشيته . حتى انه نقل أن يهوديــاً رأى في المنام رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقرر ان يعتنق الدين الاسلامي . فجاء الى الامام الحسين ( عليه السلام ) فادعى رؤية رسول الله . فسأله ان كان يعرفه لو شاهده . قـال : بلى . فطلب علياً الأكبر . فلما رآه استغرق في العجب وقال كأنه هو .



كانت ولا تزال الأمة الاسلامية بأشد ما تكون من الشوق الى رسول الله . حتى أن من الأدعية الشائعة حتى الان بين المؤمنين الدعوة لبعضهم البعض برؤية وجه رسول الله . وهكذا كان يتسلى المسلمون في ذلك العهد حيث ملامح الرسول لم تزل معروفة عند الكثير ممن رآه او سمع كامل وصفه ممن رآه من اصحاب الرسول ، كان يتسلى المسلمون بالنظر الى علي الأكبر .



ولكن هذه الصورة المشابهة جسدياً ونفسياً للرسـول أصبحت مادة ثمينة للتربية المثلى . فاذا كانت صــورة علي الأكبر شبيهة بالنبي ، فإن نفسه أشـد ما تكون مناسبة لتلقـي اخلاق الرسول ايضـاً ..



انها ذهبة خالصة ، صاغتها يد الولاية . يد الامام الحسين سبط النبي فصارت أشبه الناس خلقاً برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأنها شهادة عظيمة وعظيمة جداً ان يمتثل شخص ( من غير الأئمة ) صفات الرسول . كان الرسول هو القرآن بكل جماله وبهاءه وعظمته وروعته . ولقد وصفه الله سبحانه بأنه على خلق عظيم .



وقد سرى حتى اليوم عطر خلقه في حقول الايمان حتى انتشى به كل من أراد كمالاً او رام جمالاً . باخلاقه العطرة ( صلى الله عليه وآله ) فتح القلوب ، وملك الأفئدة حتى قلوب اعداءه ..



وعلي الأكبر ( عليه السلام ) تمثل تلك الأخلاق بأجلى



صورها . فمن طلاقة الوجه ، الى أدب المنطق ، الى استقامة السلوك ، الى العفو والصفح ، الى الصبر والزهد، الى التقوى واليقيـن ، الى الشجاعة والتوكل ، وبالتالـي الى الخلق الذي هو أصل كل خلق فاضل وجذر كل سمو أي الصلة بالله سبحانه .



إن بلوغ شخص درجة عالية من العلم ،كمال ، لاشك فـي اهميته وصعوبته . ولكن بلوغ انسان الى درجة عالية من الأخلاق وبهذا المستوى الأسمى من مجاهـدة النفس واتباع الوحي ، وتمثل الرسالة .. انها كمال لايسمو اليه كمـال .. ولقـد بلغـه علـي الأكبـر بشهـادة الامام الحسيـن ( عليه السلام ) .



وانا وأنت . كم نخسر لو ضيعنا فرصة العمر الوحيدة ولما نتمثل خلق الرسول ولو بصورة جزئية . إن المال والجاه والزخارف الدنيوية كلها تصحبنا في أحسن الفروض الى بوابة الآخرة ، أي باب القبر . بينما الخلق الفاضل يصحبنا ليكون عوناً عند سكرات الموت ، وأنيساً في بيت القبـر ، وأمناً عند هول المطلع ، ونوراً في القيامة ، وثقلاً في الميزان عند الحساب ، ودرجة عاليـة في الجنان . على أنه في الدنيا نور وذكر حسن وسعادة .



ولأن علي الأكبر ( عليه السلام ) كان قمة في الخلق المحمدي فقد شهد بفضله الناس وفرض شخصيته حتى علــى أعداءه . فهذا معاوية يزعم إن اولى الناس بالخلافـة



إذا تجاوزت بني أمية انما هو علي الأكبر (1) .



وكلام معاوية لا يهمنا إلا بقدر انه يعكس مدى انتشار ذكر علي الأكبر ( عليه السلام ) العطر في الآفاق حتى اضطر عدوه وعدو البيت الهاشمي الى الاعتراف بفضله .

وسقاه جده بالكأس الأوفى



مشى علي الأكبر الى الميدان . كانت المعركة ابداً غير متكافئة .كان عدد المقاتلين في جبهة النفاق ثلاثين ألفاً على أقل الروايات .



ولكن علياً كان بطلاً ليس في قوته الجسدية الفائقه وتمرسه بفنون القتال فقط . ولكن ايضاً في عزمه وتوكله وبحثه عن الشهادة القاهرة . كان يريد الموت في سبيل الله ولكن يسبقه أخذ الثار من عدوه . موت المقتدر الظافر . وليس موت الذليل المقهور .



ولم تكن المعركة بعيدة عن موقع القيادة حيث يقف الامام الحسين ( عليه السلام ) مع الثلة الباقية من أهل بيته



يراقبها عن كثب .



وضع سيفه فيهم . فأرواه بدماءهم . واعاد الى المعركة صورة هجمات جـده الامام علي ( عليه السلام ) .



حتى الهم الشعراء معركته فقال بعضهم :






  • ومــــا ادري اعــزي أم اهنــئ
    علي فــي الطفوف أقـام حربــاً
    وكان في قتاله يرتجز ويقول :
    من عصبــة جـد ابيهــم النبـــي
    اطعنـكــم بالرمح حتــى ينثنــي
    ضـرب غـلام هاشمــي علـوي



  • عـلــي المرتضى بابــن الشهيــد
    حربـك يا علــي علــى اليهــود
    انا علي بن الحسيــن بـن علـي
    والله لايحكم فينـا ابن الدعــي
    ضـرب غـلام هاشمــي علـوي
    ضـرب غـلام هاشمــي علـوي




وقتل منهم مقتلة عظيمة قيل أنه قتل على عطشه مائة وعشرين رجلاً . (1)



فمن بعد ان جنـدل كل من برز إليه من ابطـال الكوفة كأمثال بكر بن وائل عاد من المعركة ؛ لا لكي يطالب أباه وإمامه بالجائزة ، فعلي يعرف ان جائزته الجنة والرضوان . ولكن لعله ليستريح ، وليتقوى على الأعداء ، وربما ايضاً ليثبت هيمنته على ارض المعركة فهو يقتحمها متى شاء . ويعود منها أنى اراد .. وهدف آخر كأن علياً كان يسعى اليه هو القاء نظرة أخيرة الى والده . ان حب علي الأكبر لوالده كان عميقاً نابعاً من حبه لربه فهذا الحسين إمامه وحجة الله عليه . وقائده الى ربه وولي أمره الإلهي . وقف أمامه وقال بكل احترام :



يا أبه العطش قد قتلني وثقل الحديد قد اجهدني فهل الى شربة مـاء من سبيل اتقوى بها على الأعـداء ؟



فبكى الحسين وقال يا بني يعز على محمد وعلى علي بن أبي طالب وعليَّ أن تدعوهم فلا يجيبوك ، وتستغيث بهم فلا يغيثوك يا بني هات لسانك ، فأخـذ بلسانه فمصه ودفع اليـه خاتمـه وقال : " امسكه في فيك وارجع الى قتال عدوك ، فإني أرجو انك لاتمس حتى يسقيك جـدك



بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبداً .(1)



اولياء الله يتسابقون الى الدرجات العلى عنده . وهكذا



يبشر الامام ( عليه السلام ) ولده بالكأس الأوفى عند جده والذي يشربه قبل المساء ؛ أي انه بالشهادة . ومن ثم بالفوز بالشراب الذي فيه الارواء الخالد .



وهكذا استمد البطل من قائده العزيمة وعاد الى المعركة بقلب صلب ، وروح طافحة باليقين ، وهنا أخذ يرتجـز قائــلاً :






  • الحرب قد بانت لها الحقــائــق
    واللـه رب العــــرش لا نفــارق
    جمـوعكـم او تغمـد البـــوارق



  • وظـهـرت من بعدهـا مصــادق
    جمـوعكـم او تغمـد البـــوارق
    جمـوعكـم او تغمـد البـــوارق




فلم يزل يقاتل حتى قتل تمام المائتين . (2)



كـان علي الأكبر عازماً على الشهادة ، ولذلك فـإن قتاله كان قتال البطل المستميت ، والشجاعة الفائقة . وهكذا استطاع عدوه ( منقذ بن مرة العبدي ، او مرة بن منقذ على اختلاف الرواة ) إستطـاع ان يغتاله ويسدد ضربة على رأسه صرعتــه ..



وبمجرد ان رأى اعداءه الموتورون ان البطل قد صـرع



احتوشوه وانهالوا عليه ضرباً بالسيوف . فاعتنق علي فرسه ، ومن عادة الأفـراس العربية ان تفهم اشارة الاعتنـاق . وتعيد بالفرسان عندها الى موطن آمن ولكن الجيش المعادي كان قد احاط بعليّ الأكبر ، وتدفق الدماء من رأسه على عيني الجواد منعه من الاهتداء الى معسكر الحسين ، فحمله الى عسكر الأعداء الذين دعاهم الحقد واللئامة الى ان ينهالوا عليه بسيوفهم ويقطعوه إرباً إرباً . (1)



فـي هـذه الفترة العصيبة ، لم يطلب علي النجدة من أبيـه . وتحمّل كل تلك الطعنات بصبر ويقين . ولكن عندما بلغت روحه التراقي قال رافعاً صوته :



يا أبتاه هذا جدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قد سقاني بكأسه الأوفى شربة لا أظمأ بعدها أبداً وهو يقول : العجل العجل !! فـإن لك كأساً مذخورة حتى تشربها الساعـة . (1)



تلك كانت الكلمات الأخيرة التي نطق بها علي الأكبـر (عليه السلام) . وكانت تعبيراً صادقاً عن ايمانه وعرفانه ، ودرجات يقينه . وكانت زينب الكبرى ( عليها السلام ) تراقب المعركة عن كثب فلما سقط علي الأكبر وسمعت صوته خرجت تنادي يا حبيباه ، يا ثمرة فؤاداه ، يا نور عيناه ، فاقبلت حتى وصلت الى جثمان الشهيد فانكبت عليه فجاء الحسين ( عليه السلام ) فأخذ بيدها فردها الى الفسطاط .(2)



واقبل الامام الحسين الى فتيان بني هاشم وقال : احملـوا أخاكـم فحملـوه مـن مصـرعـه فجـاءوا بـه حتـى



وضعوه عند الفسطاط الذي كانوا يقاتلون أمامه . (1)



ويظهـر من ذلك ان علي الأكبر كان أول شهيد من بني هاشـم . كما جاء في حديث مأثور عن الإمام الباقـر ( عليه السلام ) . (2)

التسابق الى الجنة شعار كربلاء



بعد ان اكتمل عدد الشهداء ، وبقي الإمام الحسين وحيداً ألقى نظرة عليهم فاذا بهم صرعى مضرجين بدماءهم ، قد مزقتهم حراب الأعداء ، فتنفس الصعداء والقى خطاباً دوى عبر الافاق وعلى امتداد العصور :



" يا مسلم بن عقيل ويا هاني بن عروة ويا حبيب بن مظاهر ويا زهير بن القين ويا يزيد بن مظاهر ويا فلان بن فلان يا ابطال الصفا ويا فرسان الهيجا .. مالي اناديكم فلا تجيبون وادعوكم فلا تسمعون انتم نيام ارجوكم تنتبهون أم حالت مودتكـم عن امامكم فلا تنصروه هذه نساء الرسـول ( صلى الله عليه وآله ) لفقدكم قد علاهنَّ النحول فقوموا عن نومتكم ايها الكرام وادفعوا عن حرم الرسول الطغـاة اللّئـام . ولكن صرعكم والله ريب المنـون . وغـدر بكم الدّهر الخؤن ، والاّ لما كنتم عن نصرتي تقصرون ولا عن دعوتي تحتجبون فها نحن عليكم مفتجعون وبكم لاحقون فإنا لله وإنا إليه راجعون ثم أنشـأ يقول :






  • قــوم اذا نــــودوا لدفــع ملمَّــةٍ
    لبسوا القلوب على الدروع واقبلوا
    نصروا الحسيـن فيا لها من فتيـة
    عافوا الحياة والبسوا من سندس(1)



  • والخيـل بيــن مدعّس ومكردس
    يتهـافتــون على ذهاب الأنفــس
    عافوا الحياة والبسوا من سندس(1)
    عافوا الحياة والبسوا من سندس(1)





وقبلئذ شهد السبط الشهيـد لأهل بيته واصحابه بشهادة حق حين قال فيهم ليلـة عاشـوراء :



أما بعد فإني لا أعلم أصحاباً اوفى ، ولا خيراً من اصحابي ، ولا أهل بيت أبرّ وأوصل من أهل بيتي فجزاكـم



الله عني خيراً . (1)



لم تكن تلك مدحة باطلة ، حاشا لله، انها كانت محض الحق . ومرّ الواقع .. لقد كان الصفوة الرسالية التي اصطفاها الحسين ( عليه السلام ) للشهادة معه . رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه . وكان ايمانهم ويقينهم وولاءهم لله سبحانه وللرسول وأهل بيته عليه وعليهم السلام . هو الذي حملهم الى كربلاء . ولذلك فقد كان تسابقهم الى الجنة شعارهم الأسمى . وإنّ ذلك هو المعيار لمعرفة مدى يقين المؤمن وصدق كلماته .



في ليلة الواقعة يجتمع الإمام باصحابه فيطلب منهم ان يتخذوا ليلتهم تلك جملاً ، ويتفرقوا عنه فإن القوم لايطلبون غيره . فقال لهم : واني لأظن يوماً لنا من هؤلاء ألاّ واني قد أذنت لكم فانطلقوا جميعاً في حل ليس عليكم حرج منّي ولا ذمام . هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً . (2)



فقام أحدهم وقال :



اما والله لو علمت أني اقتل ثم احيى ثم أحرق ثم احيى ثم اذرى ، يفعل ذلك بي سبعين مرة ، ما فارقتك حتى القى حمامي دونك ، فكيف لا افعل ذلك وانما هي قتلة واحدة ثم هي الكرامة التي لا انقضاء لها ابداً . (1)



ويقـوم ابن أخيه القاسم بن الحسن ( عليه السلام ) وكان غلاماً . فيسأل عمّه : هل هو ممن يقتل ؟ وقبل ان يجيبه الامام يسأله : كيف الموت عندك . فيقـول : في نصرتك أحلى من العسل ..



وفي يـوم الواقعة حينما يطلب القاسم الأذن بالهجوم يعتنقه السبط الشهيـد ويبكيان ساعة ثم ينطلق كالصقر ويشق صفوف الجيش المعادي بسيفه ويقتل منهم جمعاً . فينقطع شسع نعلـه ، فإذا به ينحني لإصلاحه غير آبه بحراب الذئاب الموتورة من حوله .. انه يتسابق الى الجنة . ومطيته الشهـادة .



وهذا عابس بن شبيب الشاكري .. تقول الروايات عنه انه كان اشجع الناس فلما برز قال احدهم : ايها الناس هذا اسد الأسود ، هذا ابن شبيب ، لايخرجن اليه أحد منكم فأخذ ينادي ألا رجل ؟ ألا رجل ؟



فقال عمر بن سعد : ارضخوه بالحجارة من كل جانب ، فلما رأى ذلك القى درعه ومغفره ثم شدّ على الناس فوالله لقد رأيت يطرد اكثر من مأتين من النــاس ثم انهم تعطفوا عليه من كل جانب فقتل(1)ويقال انه لمّا تجرد من اسلحته قال أحدهم له : أجننت يا بن شبيب ؟ فقال : حب الحسين أجنني .



وفي ليلة العاشـر : يتمازح القوم لانهم يعلمون باقتراب موعد الجنة منهم . فغداً سيكونون عند ربهم وعنــد من سبقوهم اليه سبحانه . تقول الرواية : إن برير بن خضير الهمداني ، وعبد الرحمن بن عبد ربه الانصاري وقفا على باب الفسطاط فجعل بريـر يضاحك عبد الرحمن فقال له عبد الرحمن يا بريــر اتضحك ؟ ما هذه ساعة باطل ، فقال برير : لقد علم قومي انني ما احببت الباطل كهلاً ولا شاباً ، وإنمـا افعل ذلك استبشاراً بما نصيـر إليه ، فوالله ما هو إلاّ ان نلقى هؤلاء القوم بأسيافنا نعالجهـم ساعة ثم نعانق الحور العيـن . (1)



إن هذه الـروح التي تجلت في شهــداء كربـلاء اعطت امتنا الاسلاميـة وبالذات الموالين لآل الرسول منهم قوة ومناعة واقتداراً لان كل مخلص فيهم يتمنى لو ختمت حياته بالشهادة والتحق باصحاب الحسين ( عليه السلام ) . وإنهم حين يقفون على اضرحة الشهداء يقولون : يا ليتنا كنا معكم فنفوز معكم فوزاً عظيماً .



إن روح الشهادة هـي التي يستمدها المؤمن من سيــرة الإمام الحسين ( عليه السلام ) وأهل بيته واصحابه . ومن هذا المنطلق يصر المؤمنون على اقامة الشعائر الحسينية وبالذات في العشر الأول من شهر محرم الحرام . فترى كربلاء تتألق من جديد . وترى عاشوراء تضيء درب السالكين الى الحق . وتعطــي الرساليين دفعات من الوعي والعـزم ..



زيـارة الشهيـد



السلام على أول قتيل من نسل خير سليل



لقد جذبت عظمة شخصية علي الاكبر (عليه السلام ) القلوب واستقطبت الارواح .



صحيح أن علي الاكبر كجسد قد قطعته سيوف أعداء الله ، وقــد وري التـراب الى جنب مرقــد أبيه الحسيـن ( عليه السلام ) في كربلاء . إلاّ أن نهجه ومآثره لا زالت خالدة ، تشع نوراً ليهتدي بها كل من يعتصم بالحق ويبرأ من الباطل .



وهاهـم المؤمنون يتعاهدون زيارته ، ليجددوا العهد معه



علـى مواصلة مسيرة الهدى ، والاستقامــة على دين الله ،



والوفاء بعهده ، والطاعة للقيادة الرسالية .



وفي آداب زيارته وردت مجموعة نصوص على لسان أئمة الهدى عليهم السلام ؛ نذكرها هنا لتبيان علو شأن علي الاكبر ، ومكانته المتميزة ...



1 / جاء في كتاب مصباح الزائر لابن طاووس قال : وتأتـي الـى رجلي الحسين فتقف على علي بن الحسين وتقول :



السلام عليك أيها الصديق الطيب الطاهر ، والزكي الحبيب المقرب ، وابن ريحانة رسول الله . السلام عليك من شهيد محتسب ورحمة الله وبركاته . ما أكرم مقامك ، واشرف منقلبك . اشهد لقد شكر الله سعيك ، واجزل ثوابك والحقك بالذروة العالية ، حيث الشرف كل الشرف ، وفي الغرف السامية في الجنة فوق الغرف ، كما من عليك من قبل وجعلك من أهل البيت الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً .



والله ما ضرك القوم بمـا نالوا منك ومن أبيك الطاهــر



صلوات الله عليكما ، ولا ثلموا منزلتكما في البيت المقدس ، ولا وهنتما بما اصابكما في سبيل الله ، ولا ملتمـاً الى العيش في الدنيا ، ولا تكرهتما مباشرة المنايا . إذ كنتمـا قد رأيتما منازلكما في الجنة قبل ان تصيرا اليهـا ، فأخترتماها قبل أن تنتقلا إليها . فسررتم وسررتم فهنيئاً لكم يا بني عبد المطلب التمسك بالنبي وبالسيد السابق حمزة بن عبد المطلب ، اذ قدمتما عليه وقد لحقتما باوثق عروة وأقوى سبب . صلى الله عليك أيها الصديق الشهيد المكرم والسيد المقدم الذي عاش سعيداً ومات شهيداً وذهب فقيداً فلم تتمتع من الدنيا إلاّ بالعمل الصالح ولم تتشاغل إلاّ بالمتجر الرابح .



/ 5