تشریع الاسلامی، مناهجه و مقاصده جلد 8

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تشریع الاسلامی، مناهجه و مقاصده - جلد 8

سید محمد تقی مدرسی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید






بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمـة


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الانبياء محمد وآله الهداة المعصومين.


وبعد:


لايسعني وانا اقدم الجزء الثامن من موسوعة التشريع الاسلامي الى القراء الكرام، إلاّ ان اشكر الرب سبحانه على توفيقه على متابعة التأليف، بالرغم من الظروف المعاكسة، ومن ابرزها الوهن الذي يصيب عادة المؤلفين للموسوعات من طول الانتظار لاتمامها. فها انا داخل في العشرة الثانية من سنوات التأليف، ولازلت في منتصف الطريق. فهل يا ترى يحالفني التوفيق لبلوغ المنى؟ انما بالثقة بالله والاستعانة به بدأت، وبهما استمر وارجو ان ينجز المشروع بفضله ومنه.


ثم اشكر الاخوة والأخوات الذين بذلوا الجهد في سبيل انهاء هذا الجزء، وبالذات ممن احظى بتعاونهم في مكتبي بطهران، ايدهم الله وسدّد خطاهم.


والله اسأل ان يغفر لي ما بدر مني من فكرة غير ناضجة، او استلهام غير صحيح من آية كريمة او حديث شريف، وأسأله ان يسددني فيما يأتي بفضله.


وقد اضفت في هذا الجزء تمهيداً يجمع اطراف الفصول المذكورة في الكتاب، لعل القارئ


يتلقى من خلاله صورة متكاملة لبصائره، كما واني تابعت في هذا الجزء ايضاً منهج الاستنباط الفقهي من سائر القيم.


وبالرغم من عدم الافاضة في هذا المنهج رعاية لطبيعة الكتاب، إلاّ ان ذلك قد يمهّد السبيل الى انتشار منهج التنظيم القيمي لمسائل الفقه؛ بمعنى استلهام قيمة ايمانية من النصوص الصحيحة والصريحة، وجعلها محوراً لاستنباط الفروع. ولعل هذا أحد مصاديق ما امرنا به الأئمة عليهم السلام بالتفريع من الأصول التي القيت علينا من قبلهم.


وأسأل العلي القدير ان يوفق الدارسين للفقه، لاتباع هذا المنهج اكثر فأكثر، وأسأله سبحانه ان يتقبل منا هذا القليل ويجعله ذخراً ليوم الحسرة، إنه نعم المجيب.


محمد تقي المدرسي


22/ صفر الخير / 1420 هـ


طهران



الفـلاح (2)


شرائـع الايمـان (1)



حيــاة الانســان

تمهيد


كلمات بعضها من بعض ([1])


الحياة الطيبة هي البشرى التي يبشر بها الله سبحانه عباده الصالحين، فيقول: « فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً» ويقـول تعالى: « الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَـأَبٍ» (الرعد/29)


وهي الحياة الحسنة التي يدعو بها المؤمنين ربهم. قال الله سبحانه: « وَمِنْهُمْ مَن يَقُولُ رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الاَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ » (البقرة/201)


فما هي الشرائع الالهية التي تحقق هذه الحياة الطيبة؟ انها كلمة طيبة، تتفرع منها كلمات بعضها من بعض. فالسلام واحدة من تلك الكلمات.


السلام تعبير عن تلك السكينة الايمانية المباركة الطيبة، التي تسود علاقة المؤمنين بالله سبحانه (ايماناً وتسليما)، وبالملائكة والرسل والصالحين. فلا حمية ولاضغينة ولا عداء، وحتى عند سماع اللغو يترك المؤمنون الجاهلين بسلام الوداع.


وقلب المؤمن يعمر بالسلام، ولسانه يلهج بالسلام، وتحيته عنــد ذكر الانبياء وعند لقاءه اخوانه السلام، وعند دخول الدور وفي الجنة.


وهكذا نستوحي من هذه البصائر؛ ان السلام مثل أعلى للحياة، والطوبى التي يسعى اليها المؤمنون ويدعون ربهم تحقيقها. وهي كلمة عليا، وصبغة البركة والرقي، والكرامة والطيب.. وهذه الكلمة المثلى تتصل بكلمة الأمن الذي من دونه لن يتحقق السلام، وبقيمة الحق الذي ينظم علاقات البشر ببعضهم وبسائر ما خلق الله..


ولا سلام ولا أمن ولا حق من دون العدل (وهو ايتاء الحق لأهله). فالعدل إذاً غاية مثلى للحياة الطوبى.


ومن السلام والأمن والحق والعدل، احترام النفس البشرية ( الا تزهق بغير حق).


ولابد من حرمة النفس من حصن يحافظ عليها، ومن انظمة تحيط بها وتوفر لها الأمن (القصاص)، ومن احساس بالمسؤولية (الحفظ).


وإذا توفر الأمن، فلابد من يوفر وسائل الحياة من رزق كريم (الطعام والشراب)، ومن سكن مناسب، ومن صحة وتعليم.


وفي حدود المدنية المؤمنة يتعاون الناس بعضهم مع بعض، في اطر حضارية وأخرى فطرية. ففي الاطار الحضاري تجد التلاحم بين المؤمنين، حتى وكأنهم اعضاء جسد واحد. واما في الاطار الفطري، فان الاسرة هي المؤسسة الاولى التي تشد الآصرة الطبيعية التي يباركها الشرع وينظمها. ومن الاسرة البنين، وتتوسع هذه العلاقة الى ان تشمل الاسرة الكبيرة ضمن قيمة صلة الرحم.


وهكذا تتماوج كلمات النور من ينبوع السلام والحق والعدل، فتترامى حتى تضئ رحاب المدنية المؤمنة، والمدينة المثلى. وفيما يلي نستعرض هذه الكلمات واحدة واحدة، بالنظر الى ترابطها واتصالها ببعضها، لنرى كيف انها تشكل معاً روح التشريع الاسلامي التي لو تبصرها الفقيه حقاً تيسر له استخراج الاحكام الشرعية، خصوصاً في القضايا المستجدة، والله المستعان.


1/ كلمة السلام


السلام صبغة الحق التي تستهوي النفوس، ولذلك قدمناها في هذا الكتاب. والسلام هو الهدف الذي تنشده الافئدة، بينما كلمة الحق هي روح السلام وحقيقته.


2/ كلمة الحق (الحكم بالحق)


الحق هو الهدف الاسمى وهو محور الايمان، فمن اسلم نفسه للدين آمن بالحق (أنى كان وفيم تمثل). والحكم بالحق، سواء في مستوى التشريع او على صعيد القضاء، هو هدف رسالات الله. والميزان هو ذلك الذي يستعين به الناس لمعرفة الحق، وفي الحديد بأس شديد من اجل اقامة الحق. وانما يحكم النبيون عليهم السلام بالحق، والربانيون والاحبار بما استحفظوا من كتاب الله الحق، ومن لم يحكم بالكتاب فهو كافراً او ظالم او فاسق، (بل تتمثل فيه هذه الصفات جميعا).


ولأن الله يحكم بالحق ويفصل به، فإنه لا حكم إلاّ حكمه، ولا يجوز التسليم إلا له، وبالتوكل عليه يستقيم المؤمنون. ومن شواهد الحكم الحق الذي يفصله ربنا؛ قضاؤه على الظالمين بالهلاك في الدنيا، فلا ولي من دونه، ولا يشرك في حكمه احداً.


وقد انزل الله حكمه الحق في كتابه الفصل؛ انزله مفصلاً، فكيف نتخذ من دونه حكماً؟ وعلى الناس ان اختلفوا في شيء، ان يردوه الى الله ( عبر رسوله وكتابه)، والمؤمنون (يفوّضون امورهم الى الله و) يدعون ربهم ان يحكم بينهم ( وبين اعداءهم) بالحق وهو خير الفاصلين.


والمؤمنون يسلّمون لأمر الله سبحانه، وإذا قضى الله ورسوله امراً ما كان لهم الخيرة من امرهم، ولا يجدون في انفسهم حرجاً مما قضى، ويسلّمون له تسليما.


والتسليم للرسول (ثم للائمة من بعده)، لانه يحكم بالحق حيث قضى الله عليه ان يحكم بينهم بما أمر الله.


وهكـذا لا يجوز التحاكم الى الطاغوت، ولا يجــوز ان يدعو من انـزل عليه الكتاب الـى نفسه، بل الى الله سبحانه، لانهم يعلّمون الكتاب ويدرسونه ( فكيف يدعون الى أنفسهـم).


والجاهلية تحكم بالباطل (والطغاة مثل للحكم الجاهلي)، كما وأدوا البنات وقتلوا الاولاد، واعطوا المال للشركاء من دونه، وساووا بين المجرمين والمتقين. (بينما الدين يحكم بالحق و) مثل ذلك اداء الامانة والاحتكام الى ذوي عدل.


3/ كلمة العدل (وقيمته المثلى)


وتعني الاستواء (واعطاء كل ذي حق حقه)، كالعدل بين الزوجين والامر بالعدل هو الامر بالصواب.


وهكـذا تضحى كلمة العدل مصداقاً لكلمة الحق، وتجلياً لها، وميراثاً للايمان بها. وتقابلها الفحشاء (لانها التطرف والانحراف الظاهر عن مسير الحق)، كما يقابلها المنكر (لانه ظلم وانحراف عن الحق ولو كان يسيراً)، ويقابلها البغي (لانه تعدِ على حقوق الاخريـن).


ومن الحق والعدل كلمة القسط، ومعناها ايتاء الناس حقوقهم ( بلا ظلم ولا بغي)، والله يحب المقسطين (الذين يعطون حقوق الناس ولا يبخسونهم اشياءهم).


وحتى الكفار ( غير المحاربين) لا يمنع الله من الاقساط اليهم. وأسباب ( تطبيق العدل وإقامة الحق و) القسط هي التالية:


أ- بعثة الرسل.


ب- انزال الكتاب وفيه شرائع الحكم.


ج- انزال ( ووضع) الميزان (واصدق مظاهره إمام يحكم بين الناس بالقسط).


د- انزال الحديد ( فيه قوة وبأس لمواجهة العتاة والبغاة).


هـ - (تحمل المجاهدين) نصرة الله ورسله (بالحديد).


ومن أمثلة مظاهر إقامة القسط ما يلي:


أ- الوزن بالقسطاس المستقيم، وألاّ يخسر الميزان، وألاّ يطفف في المكيال، وان يكتب كاتب بالعدل ( فلا ينقص من كتابته شيئاً ولا يغش ).


ب- ان يُدعى الولد لأبيه، فهو اقسط عند الله.


ج- وان يشهد بالحق، ولا يكتم الشهادة به.


4/ كلمة الأمن


الامن ( من قيم الإيمان وغاية شائقة ينشدها كل انسان، وهو ) ميراث الحق والعدل والقسط، (وهو من تجليات السلام).


والايمان يحقق الأمن بما يلي:


الف: الايمان بالله القوي العزيز يجعلك في أمن من خشية الناس، فتتحدى الطاغية، وتتحصن ضد الجبت ووساوس الشيطان ومخاوف الأرواح الشريرة.


باء: وبالإيمان يتوكل المؤمن على ربه، فلا يخش عوادي الطبيعة، ويتحدى الاخطار (بعزم راسخ، ويسخّر ما في الارض لمصلحته).


جيم: وبالإيمان يأمن المؤمن من المستقبل، فلا يخش الموت وما بعده، (انما الموت عنده قنطرة تحمله الى رضوان الله ورحمته).


دال: وبالإيمان يسلم الناس من بعضهم البعض، وكل يحترم حق غيره، فيكونون في أمن من ظلم بعضهم.


هاء: والإيمان يورث التقوى، والتقوى حصن حصين تردع المؤمن من اقتحام الفواحش والخطايا وحرمات الناس، فيكون في أمن من عواقبها الخطيرة.


وهكذا يوفر الإيمان الأمن، ويزرع في النفوس شتائل السلام والسكينة والرضا والتفويض، ويقتلع جذور البغي والعدوان منها (ويطهرها من رجز الشيطان)، وترى «وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الاَرضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَماً».


واو: ويبرّد المؤمن ألم الخوف من القيامة عن نفسه بالضراعة الى الله، فيعيش يذكر الله قلبه.


زاء: والأمن المعاشي يوفره الدين للمؤمن بالاقتصاد في المعيشة، فلا قتر ولا سرف، (وبالنشاط في اكتساب الحلال وبالتعاون وبالرحمة الإلهية).


حاء: ويوفر احكام الدين الأمن، حيث يحُرّم الاسلام على الناس دماءهم واعراضهم واموالهم، فلا قتل ولا زنا ولا شهادة زور.


طاء: ويوفر الدين الأمن، حتى في عمر الناس، بترك اللغو والاستجابة للكلمة الصادقة.


ياء: ولا تدعو القرابة المؤمن الى تضييع حق زوجته واولاده، بل يريدهم في أحسن حال حتى يكونون قرة عينه.


كاف: والشرك مصدر الخطر الاكبر (لأنه سبب نقمات الرب وسطواته)، والمؤمن في أمن من اخطار الشرك. وهكذا ترى الذين قالوا: «رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلآَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا».


والمؤمن يحذر من مكر الله، ويتحصن بالدعاء اليه والتقوى، ( بينما الكافر لا أمان له).


لام: ومن تجليات الأمن الإيماني (الملاذ الأمن، حيث جعل الله) الحرم أمناً (جغرافياً)، والاشهر الحرم أمناً ( في البعد الزماني).


ميم: والله هو المؤمن السلام، فمن اتبع رضوانه هداه الى سبل السلام، ( وآمنه من الاخطار المادية).


نون: وقد يوفر الله الأمن من الطبيعة بصورة غيبية. فإذا بالنار تصبح برداً وسلاماً على إبراهيم عليه السلام، وإذا بسفينة نوح عليه السلام تحمل المؤمنين وتنجيهم من الغرق، وينّجي بني اسرائيل من كيد فرعون، وهكذا..


عين: ومن اعظم تجليات الأمن الإلهي ان نفوس المؤمنين تطمئن الى ذكر الله، وتعمر بسكينة الإيمان، وببرد اليقين وبروح الرضا، وتستمر هذه النعمة الى يوم القيامة، حيث يؤمن الله سبحانه المؤمنين من الفزع الاكبر وتتلقاهم الملائكة بالسلام ويدخلونهم الجنة آمنين.


هذه جملة من أسباب الأمن، وفي البصائر التالية نتلوا كلمات اخرى فيها تفصيل هذه الاسباب، التي تحقق كلمة الأمن كما تحقق كلمات السلام والحق والعدل.


5/ البراءة


أ- لكل انسان حرمته وأمنه القانوني، ويعتبر بريئاً حتى تثبت ادانته. والبراءة حق كل الناس«وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى».


ب- ولان التشريع الاسلامي يتسم بالرحمة والحكمة، فإنه لا يدين الجاهل والناسي والخاطئ والمضطر والعاجز.


ج- وإن فاعل الجريمة وحده يتحمل وزر ما كسبت يداه، ولا يجوز معاقبة المجموع بفعل فرد منهم حتى ولو كانوا اقاربه.


د- وللجريمة اركانها التي من دونها لا يدان احد بها، مثل عدم مشروعية الفعل وتحقق الفعل (في الخارج) وسببية الفاعل وحرية ارادته.


هـ- وهكذا يتوافر الأمن لكل فرد من ملاحقة القانون، الا بعد توافر شروط الادانة بصورة قطعية، وبذلك يتحقق مجتمع السلام والحق والعدل.


6/ حرمة النفس


وقد حرم الله النفس البشرية، وأحاط الحياة بسور منيع من التشريعات الجدية، منها:


أ- استفضاع القتل، حيث كتب الله بأنه من قتل نفساً بغير حق (قصاص او فساد)، فكأنما قتل الناس جميعاً، وجزاءه جهنم خالداً فيها.


ب- البحث عن العوامل النفسية التي تطوّع القتل (كالحسد)، كما بين الكتاب في قصة جريمة قتل قابيل لأخيه هابيل.


ج- تشريع اقصى العقوبات ضد من يرتكب جريمة القتل (القصاص).


د- كذلك جزاء من يخل بالأمن ويسعى في الأرض فساداً، جزاؤه القتل.


هـ - لقد سوّل الشيطان واولياؤه للمشركين قتل أولادهم، ولقد حرّم الله ذلك وسفّه فاعليه.


و- وربما قتل الناس اولادهم خشية الاملاق، فبيّن الله انه هو الرزاق، فلماذا يقتلون اولادهم؟


ز- ومنهم من قتل ابنته خشية العار، فانذره الرب باليوم الذي تسأل الموؤودة باي ذنب قتلت.


ح- واخذ الله ميثاق بني اسرائيل ألاّ يقتلوا انفسهم. (وهكذا الميثاق الاجتماعي، لابد ان يتضمن هذا البند العام).


ط- وعلى ابناء المجتمع ان يشاركوا في بسط راية الأمن بالكشف عن المجرمين.


هذه وغيرها من التعاليم والوصايا والاحكام، تساهم في إشاعة الأمن في المجتمع، وتحقق كلمة السلام والحق والعدل باذن الله تعالى.


7/ القصاص


أ- من اجل المحافظة على الحياة، وتوفير السلام والأمن، شرع الدين القصاص.


ب- ولا يقتل بالمقتول غير قاتله. فلا يجوز لصاحب الدم الاسراف في القتل، ولكن يجوز له العفو او القبول بالدية.


ج- وكما حرمة النفس، كذلك حرمة الاعضاء، فإن الجروح قصاص. ( وبذلك شرع الدين ضمانة عدم الاعتداء عليها).


د- وكذلك الحرمات قصاص. فمن انتهكت حرمته، اقتص حسب القانون بقدرها.


هـ - وكما للافراد كذلك في الامم، فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى.


وبذلك وفر التشريع الاسلامي حصانة لحرمات الناس وحقوقهم بالقصاص.


8/ الحصانة


ومن اجل المحافظة على حرمات المجتمع ( حرمة النفس والعرض والمال)، ذكّر الدين بقيمة الحصانة في ابعاد شتى:


اولاً: لابد من تحصين المجتمع من الشهوات العارمة، التي تهدد أمن الناس بصورة مباشرة، او غير مباشرة، وذلك عبر ما يلي:


أ- تربية النساء على التقوى (يحصن فروجهن).


ب- تربية الرجال على مثل ذلك.


ج- إشاعة سنة الزواج الدائم او الموقت.


د- صيانة شرف المجتمع من التهم الجنسية.


هـ - تحريم اكراه الفتيات على البغاء.


و- منع السفاح واتخاذ الاخدان، والتشديد ضد الشذوذ الجنسي ( وكل ما يؤدي الى الفحشاء من التبرج و..).


ز- تحصين البيوت من دخول الاجانب (الا بعد الاستيناس والسلام)، وتحصين الغرف من دخول غير المحارم ( الا بعد الاذن).


ثانياً: ولصيان المال والنفس، بما يلي:


أ- وقاية البيوت والمساكن بالحرمة، لكي لا تقتحم، وانما تؤتى من ابوابها بعد الاذن.


ب- جواز الدفاع الشرعي عن النفس والمال والعرض (وعن اقتحام البيوت)، حتى ولو ادى ذلك الى فقأ عين المتلصص ودرء خطر المهاجم، ولو ادى الى قتله. أما اذا ادى الى موت المدافع فهو شهيد.


ثالثاً: لصيان الطعام (بوضعه في سنبله) لأيام الحاجة. (وهكذا لصيان الرزق العام في مثل الصوامع لتوفير الأمن الغذائي).


9/ الحفظ


أ- وكما كلمة الحصانة كذلك كلمة الحفظ، فانها قيمة مساعدة توفر وسيلة السلام والأمن. (وكل انسان مسؤول عن حفظ حرماته التي استحفظ عليها).


ب- فالعلماء استحفظوا على كتاب الله، والملوك على خزائن الأرض، والناس إيمانهم، والنساء حقوق ازواجهن، والمؤمنون والمؤمنات الفروج الا على ما احل الله لهم.


10/ الطعام والشراب


أ- السلام هدف سام للمجتمع الاسلامي، وتوفير الرزق الكريم من ابرز دعائمه، والذي يعتمد على الطعام والشراب والسكن والصحة والتعليم.


ب- الرزق نعمة تهدينا الى عبادة الله وتدلنا على انه غني حميد سبحانه، وعلينا شكر الله عليه (بعبادته)، وقد نكف عنه موقتا ( بالصوم) تعبداً له وطاعة.


ج- واطعام الطعام (وسقاية الشراب) عبادة، يتقرب بها العباد الى ربهم ( مثل الاضحية والكفارات)، وعند الحاجة الى الطعام يكون الانفاق على حبه ايثاراً ( وثواب عظيم)، وكذلك عند المجاعة.


د- وتلك رذيلة الكف عن الاطعام او عن الحض على اطعام المسكين.


هـ- وكل الطعام حل الا ما حرم الله ( كالميتة ولحم الخنزير).


و- وعلى الانسان ان ينظر الى طعامه (ليعتبر وليشكر وليختار أطيبه) وينبغي ان يختار ازكاه، وان يأكل ويشرب ولا يسرف، ولا جناح على المؤمن فيما يطعم اذا اتقى واصلح واحسن ( فأصبح طعامه وقوداً للعمل الصالح).


11/ دار السلام


من اجل توفير سبل السلام والحق والعدل، وتحقيق مثل التسامي والخير ( مثل السعي والاجتهاد والتربية الفاضلة والتعاون والاستباق الى الخير)، فإن سنن الله وشرائعه تدعو الناس الى اتخاذ دار السلام التي تتمثل في البيت والبلد والمدينة والمدنية. وفيما يأتي نستعرض ابعاد كل واحد منها. ومن المعروف ان البيت هو محل اقامة الاسرة، والبلد مجمع القرى، والقرية مجمع البيوت ( ولعل المدينة اوسع من البلد، والـمُدنية هي الـمُثل المنسوبة اليها).


اولاً: البيت الاسلامي. وفي البيت حكم بالغة، ابرزها:


أ- انه حصن الحرمات (حرمة النفس والعرض والمال)، كما اسلفنا الحديث. (فلابد من توفير ما يحصنه من سور وباب وحريم).


ب- انه محل ساتر للأسرار ويحافظ على السوءات، والناس ينفردون بأسرتهم فيه، كما قد يجدون فيه كهفاً للاختلاء بأنفسهم.


ج- في البيت حماية الاخلاق وتطهيرها من الوساوس والثقافات الدخيلة والعادات السيئة.


د- يتبتل المرء في أرجائه الى ربه وذكره وعبادته.


هـ- يتعارف اعضاء الاسرة ببعضهم اكثر فأكثر ويتكافلون ويتعاونون.


و- يتعلم اعضاء الاسرة في أجوائه، ويتبادلون الخبرات والاخبار، ويتربى الجيل الناشئ على ثقافة اباءه وحاجات مجتمعه.


ثانياً: البلد. وخير البلاد ما كانت إطاراً للمثل العليا والقيم الحضارية، وهي:


أ- السلام والحق والعدل والأمن.


ب- نظام صائب وثابت ومستقر وإمام عادل.


ج- توفير الثمرات ( المنتجات الضرورية).


د- وابرزها الايمان والتقوى ومكارم الاخلاق.


ثالثاً: الدار ( الوطن). ودار المجتمع هي مركز تجمع البلاد، والوطن المختار لهم، وقد يكون اقليماً او دولة او أمارة ( حسب الحاجات المتغيرة).


ودار الاسلام ذات حدود جغرافية، يحكمها امام ونظام، (ويتبادل اهلها الثمرات والخيرات، ويتقاسمون افراح الحياة ويتعاونون ضد اتراحها).


رابعاً: المدنية الايمانية. والحديث عن المدنية الاسلامية، يوجز في عدة نقاط:


1/ تتميز المدنية الاسلامية بالصفات التالية:


أ- بالتوحيد الخالص عن شوائب الشرك بالجبت والطاغوت؛ فلا طبقية، ولا عنصرية، ولا قومية طاغية، ولا استسلام للاستكبار انى كان نمطه، ولا ملك عضوض، ولا حكم الا لله وللأئمة الهداة من عباده الصالحين.


ب- تتمحور المدنية الاسلامية حول بيت الله، فهو جامع وجامعة ومجتمع.


ج- وهي مدنية طاهرة من الفواحش، ما ظهر منها وما بطن؛ فلا ربا ولا زنا ولا شذوذ ولا تبرج كالذي في الجاهلية الاولى، ولا فحش ولا سباب ولا غيبة وتهمة ونميمة، ولا أي من الفواحش الظاهرة، ولا حقد ولا حسد ولا كبر ولا غرور ولا حمية ولا فخر الا بمكارم الاخلاق..


د- وهي مدنية الطهر من كل نجس او رجس؛ فلا خمر ولا ميسر ولا لحم خنزير ولا ميتة وما اشبه، ولا شيء مما يضر بصحة الناس.


هـ- وتتسم المدنية الاسلامية بالطهر الاقتصادي؛ فلا غش ولا تطفيف ولا احتكار ولا حرمان.


2/ المدنية الاسلامية ركيزتان؛ الصلاة والثمرات.


أ- فاقامة الصلاة تصبغ الحياة فيها بصبغة الله. أوليست الصلاة صلة العبد بالرب؟ وتنتظم سائر صلات الناس (ببعضهم؛ بالطبيعة؛ بالاجيال التي سبقت او التي تلحق، تنتظم كلها) عبر صلته مع ربه.


ب- اما الوفرة في الثمرات (المنتجات)، فلأن النظام الثقافي والسياسي والاقتصادي السليم يجعل الانتاج الداخلي وفير، كما يشجع سائر الامم على التعامل مع المسلمين بصفتهم الشريك الامثل.


3/ ليست المدنية الاسلامية عدوانية؛ فأنى بلغت قوتها وهيبتها ووزنها السياسي والاقتصادي،


فانها لا تشغل كل ذلك في الاستكبار على الناس والبغي عليهم، بل الى نشر لواء العدل والدفاع عن المستضعفين وشكر الله على نعمائه، وذلك باشراك سائر الناس فيها، ومساعدة المحرومين منهم، ونشر العلم والفضيلة في العالم.


4/ ومحور المدنية الاسلامية الامام العادل، الذي يغفر الله به للمسلمين ذنوبهم.


5/ على المدنية الاسلامية تجنب كل انواع الظلم، لان الظلم يأتي على الحضارات ( كما العاصفة تهب على الهشيم)؛ سواءاً كان ظلم الذات كالفواحش، وهكذا بادت حضارة قوم لوط واصحاب الأيكة. او البغي على الناس، كما بادت حضارة عاد قوم هود.


12/ الصحة


أ- لا يتحقق السلام من دون توفير الصحة العامة للمجتمع، وهي قيمة سامية تسعى شرائع الدين لتحقيق المزيد منها.


ب- وعموماً الاسلام دعوة الله للانسان بالحياة الحسنة في الدنيا والحياة الطيبة، بل طوبى الحياة ( وهي تتحقق بالعافية التي بها تحلو الحياة وتهنأ).


ج- وتجنب الرجز والنجس والتماس الطهر من عوامل العافية، والاسلام يأمر بكل ذلك عبر الطهارات وتحريم الخبائث وكل نجس.


د- ومن عوامل الصحة؛ القصد في الطعام والشراب دون سرف، والبحث عن الطيبات واختيار ازكى الطعام، وتجنب ما حرم من الخبائث والدم والميتة ولحم الخنزير.


هـ- ومن عوامل الصحة جملة فرائض الدين؛ كالصلاة والصيام والحج والتهجد بالليل والوصايا الاخلاقية التي تورث السكينة والعافية.




/ 27