القيادة الاسلامية - قیادة الاسلامیة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

قیادة الاسلامیة - نسخه متنی

سید محمد تقی مدرسی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید






القيادة الاسلامية

مقدمة الطبعة الثانية


كيف تكون صيغة الحكومة الاسلامية وما هي اُسسُها ومنطلقاتها؟


وما هي ولاية الفقية؟ من أين تستمد هذه الحكومة والولاية شرعيتها ؟ وكيف؟.


كل هذه الاسئلة أجاب عنها هذا الكتاب الذي أصدرته (( منظمة العمل الاسلامي )) في بيروت لأول مرة عام 1391هـ وجاء يوضح- في دراسة معمقة وشاملة- طبيعة وصيغة الحكومة الاسلامية يوم كانت الاحزاب والمنظمات لم تتوصل بعد إلى هذه المبادئء والافكار، وبالتالي إلى طرح الصيغة المتكاملة الاسلامية للحكومة المطلوب إقامتها.


وإيضاً يوم كانت مسألة قيام حكومة اسلامية مجرد حلم جميل، وأمل وهمي يراود اذهان الكثيرين من العاملين في الحقل الاسلامي الحركيّ.


حلم لم يرُج له أن يتحقق- في هذه السرعة- مع الأخذ بنظر الاعتبار الظروف الموضوعية الشديدة الصعبة المتحكمة في عالمنا المعاصر حيث سيادة القوتين العظميين على مصير الشعوب المستضعفة تسحق بعجلتها القاسية أيّ تطلّع إلى الخروج من معسكريهما والتحليق خارج فلكيهما !!!


والآن تعيد المنظمة طبع هذا الكتاب الذي نفدت نسخه، مع اشتداد الحاجة إليه تعتز ان تفعل ذلك وقد شهدت منطقتنا ولادة الجمهورية الاسلامية في بلد إسلامي هو : ايران.


كما تعتز المنظمة بان ترى أفكارها المطروحة في هذا الكتاب متطابقة تماماً مع صيغة (( ولاية الفقيه )) التي نادى بها الامام الخميني قائد الثورة الاسلامية ، ويقوم على أساسها نظام الجمهورية الاسلامية التي هزّ قيامها العلم كله ووضع حدّاً للاستكبار والكفر العالميين، واضاء في قلوب المستضعفين نور الأمل.


والله نسأل أن يوفق المسلمين لأستعادة مجد ألاسلام ألغابر، وتعميم الجمهورية الاسلامية في كل بقاع الاسلام والمسلمين ، انه سميع الدعاء .


1400هـ

لماذا هذا الكتاب؟


الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين


لا شك أن تحديد صيغة (( القيادة )) من أهم وظائف المبدأ الذي يتكفل مسؤلية اسعاد الانسان وذلك لأن القيادة تعكس حضارة الامة وتبرز روح نظامها كما تعطي فكرة جامعة عن فلسفتها في الحياة... مضافاً إلى أنها تضمن انطلاقة الأمة، واستقامة مسيرتها في الحياة )


واذا كان الاسلام هو المبدأ الذي تكفل باسعاد الانسان وتحتمل مسؤولية اصلاحه وإصلاح أمره لا في الاخرة فحسب بل في هذه الدنية أيضاً فاين تحديده للقيادة ؟؟


اذا كان الاسلام هو المبدأ الذي تعهد بتنظيم الحياة الاجتماعية والفردية ولا يمكن ذلك الا في ضوء (( قيادة متكاملة )) يعرف فيها كل من الفرد والمجتمع واجباته ويعمل بوظائفه دون تعد أو تقصير فاين اذن موضع القيادة وما هي صيغتها في النظام الاسلامي؟ وهل يمكن أن يتجاهل هذا النظام الدقيق أهم ما تقوم عليه سعادة المجتمع والفرد وهو يعتني باصغر شيء في حياة الانسان دون خجل او استحياء ؟؟


بكل تاكيد لا يمكن للاسلام ان يتجاهل ذلك ولكن هل نرى سوى السحب الداكنة تكتنف هذا ألأمر الخطير، والا الضباب يلف هذا الموضوع المهم جداً حتى ليكاد الانسان ان يظن اهمال الاسلام له واعراضه عنه !!


ماهو السبب وما هو الطريق ؟


1- لقد كانت لهذه السحب ما يثيرها ويكثفها في حقبة مديدة من التاريخ الاسلامي إذ كانت تلك الحقبة تتميز بالانحراف عن الاسلام في حقل السياسة، والقيادة ماهي إلاّ روح السياسة وعمقها البعيد.


لقد كانت المؤلفّات التي كتبت في تلك الحقبة تحمل طابعاً واحداً هي صفة التبرير للواقع السياسي الفاسد القائم آنذاك


فإنك مهما تصفحت الكتب السلطانية لا تجد فيها إلا صورة أمينة لحكم منحرف، او ترير لأوضاع شاذة.. ومن هنا قلّت المصادر الموثوق بها في حقل القيادة بحيث اصبح من الصعب على الباحث اليوم رؤية الوجه الناصع الاصيل الذي تتسم به القيادة الاسلامية بين الآف الوجوه المستعارة المزيفة اوالغامضة.


2- ومن هنا يتحتم على الباحث الصادق أن يفتش عن وجه القيادة الاسلامية في : ( الكتاب والسنة ) دون الاعتماد على تطبيقها في التاريخ الغابر، غير أن هناك ما يعد عقبة كؤ وداً في هذا الطريق، وهو اختراق حاجز زمني سميك تؤلفه ثلاثة عشر قرناً محفوفة بالاحتمالات البعيدة والتأويلات المتنافرة... فتبرز أمامه مشكلة ناشئة من تطور اللغة. ذلك لأن المفاهيم اللغوية تختلف من جيل إلى آخر، كأية ظاهرة اجتماعية اُخرى.


لقد أصبحت الذهنية العربية الحاضرة لا تفقه كثيراً من الألفاظ والجمل التي تنزلت على النبي العربي- صلى الله عليه وآله بمثل العمق والسعة والتحديد الذي كان يفهمها إنسان الجزيرة في فجر الاسلام .


ان العربي اليوم لا يفقه معنى القيادة من كلمة (( الولاية)) ، ولاالسيادة من (( الدين )) ولا الحاكم من (( الرب ))، ولا الطاعة من (( العبادة )) و......و...... ولا يفهمها بتلك الابعاد التي كان يفهمها العربي الاول.... وهناك نظرة اُخرى ثالثة تسببت في تعقيد البحث في الموضوع، وغياب وجه القيادة الاسلامية كما هي.


3- هي أن لكل نظام سياسي في العالم (روح) تحقق جوهره و (شكل) يمثل مظهره ولا ريب ان المظاهر الشكلية ليست بذات أهمية تجاه (الروح) الجوهرية لذلك النظام .


ان صيغة ( الجمهورية ) و(الملكية) و(الحزبية المنفردة) و(الدورية) و.و. اشكال ظاهرية لروح نظم قائمة في عالمنا، هي (الديمقراطية) و( الاستبدادية)، وهي بالتالي تعكس القدرة على خلق مجتمع حر سعيد، أو عدم القدرة على ذلك وتعكس صلاحيتها لتحقيق غايات الانسان، واشباع حاجاته في الحياة أو عدم صلاحيتها .


وقد التبست الروح والشكل على الباحثين في حقل القيادة، فراحوا يخلطون هذا بذاك، أو يتعمقون في تقرير ما اذا كان إلاسلام يتقمص هذا الشكل أو ذاك دون أن يحاول استكناه الأهداف التي يحققها النظام السياسي في الاسلام، ويتبصروا الوسائل التي تحققها الضمانات التي جعلت لتحصن (القيادة) عن الفساد والانحراف.


وكان هذا سبباً ثالثاًً لخفاء حقيقة (القيادة الاسلامية) في زحمة الظواهر الشكلية التي تخضع لتطور الحياة، والتي لا تغنى عن روحها شيئاً. وكان هناك أخيراً: السبب الرابع الذي يتلخص في :


4- إنّ تاريخ المسلمين لا يمثل إلا جانبا واحداً وجزئياً من جوانب (الدين الاسلامي) إذ أنه احتمال واحد من بين احتمالات تطبيقه الخارجي كنظام اجتماعي، إلا أن هذه الحقيقة الواضحة التبست على طائفة من الكتاب حيث فقدوا بصيرة التمييز بينهما، فراحوا يخلطون تاريخ المسلمين بنظام الدين، وكان في ذلك سبب آخر لغموض القيادة الاسلامية، واختفاء وجهها الحقيقي وملامحها الواقعية.


وفي عقيدتي إنّ هذا الخلط ناشيء من الاعتقاد الفاسد الذي حمله بعض الكتاب بالنسبة إلى الدين، بانه (ظاهرة تاريخية) منبثقة من ظروف مادية تخضع لتطوراتها عبر مسيرة الزمن.


فالدين يعرف في مقياس هذا الاعتقاد من خلال: ( التاريخ ) فهو أمه وحاضنته !!


ولكن الواقع يثبت عكس هذا الاعتقاد تماماً، فهو يقرر أن الدين( حقيقة غيبية ) نزل بها جبرائيل من عند الله تعالى لكي تكون ( مهيمنة ) على التاريخ، ومسيرة له ، وشاهدة لتطوراته.


فالدين اذن لا يتأثر بالظروف، بل يؤثر فيها ويترك عليها طابعه الخاص فيكون علينا- حينئذ معرفة الظروف به ، لا معرفته بالظروف. نعم، قد يكون ( التاريخ ) ممثلا للدين مجسّداً لكل تعاليمه، ومبرزاً لجميع حقائقه، وامتداداً مساوياً- تماماً- لرسالته، فيكون (التاريخ) آنئذ، تجربة واحدة من تجاربه التطبيقية الكثيرة، تساعد على فهمه واستيعابه ، وتشرح (اسلوب) تطبيقه.


ان هذه الاسباب الاربعة الرئيسية هي التي أبعدت موضوعية البحث أو أشكلتها في واقع القيادة الاسلامية ، ولا بد أن نسير على هدى تبصرّها، والانتباه إليها في كافة أحاديث هذا الكتاب، ولذلك فقد حاولنا وضع أربعة خطوط رئيسية للكتاب هي:


1/ تجاوز الاخطاء المترتبة على انحراف السياسة الزمنية، وقد يكلفنا ذلك التنازل عن بعض الالفاظ العصرية لكي نكون اكثر صراحة، وموضوعية.


2/ أن نبرهن- دائماً- على كل ما ننسبه إلى الدين، بنص تشريعي مقتبس من المصادر الأولية للتشريع الاسلامي: ( الكتاب والسنة، والاجماع، والعقل ) ذلك لكي نعطي القاري فرصة كافية للبحث شخصياً حول مدى صحة النسبة، دون ان نفرض عليه رأياً قد يكون بينه وبين الدين بُعد المشرقين.


3/ أن نهتم- أبداً- بالروح والجوهر، دون التوغل- دون جدوى- في المظاهر والشكليات، ومن هنا فقد تناول الحديث في البدء : ( القاعدة الدستورية للقيادة الاسلامية ) وهي التوحيد ثم القى بعض الضوء على: (مؤهلات القائد الأعلى) ومعطيا لكل واحد منها قاعدته الفكرية التي تربطه بفكرة ( التوحيد ) في الاسلام ثم نشفعه بفلسفته العقلية ونصه الدستوري.


ثم يستعرض السياق: ( أهداف الحكم الاسلامي ) ومدى اندماح الاُمة بالقائد، ومدى صلاحيات القائد في توجيه الامة وضبطها، وتدبير اُمورها.


4/ الابتعاد عن ملاحظة التطبيق الخارجي لفكرة القيادة الاسلامية، مستغنين عنها باستنباط الفكرة ذاتها من الشريعة، وتاركين (اسلوب) تطبيقها للظروف المتطورة.


وبعد ،


فان هذا الكتاب لا يبحث إلاّ عن بعض أبعاد السياسة الاسلامية والحكم الاسلامي وهو: ( القيادة ) إلاّ أن طبيعة التشابك في الموضوع قد تفرض علينا تناول بعض الأطراف الاخرى للسياسة والحكم في الاسلام بصورة هامشية، الا إنّ تناولها لا يعدو أن يكون نافذة لمعرفة : (( القيادة الاسلامية في الفلسفة والتشريع ))، والله المسدد والمستعان .

لمن السيادة والتشريع؟


التوحيد قاعدة ومنهج


* مؤهلات التشريع


*مؤهلات القائد الاسلامي


*مفارقات هامة


* مقاييس زائفة


* خلاصة هذا الفصل

التوحيد: قاعدة ومنهج


يرتفع صرح الدين الاسلامي على قاعدة رصينة هي : ( التوحيد ) .


التوحيد في التكوين والتشريع، في العقيدة والنظام.


أ- ذلك لأن الله تعالى هو الذي أعطى لكل شيء خلقه، وهداه، واجرى بيده تقديره، وتدبيره، وجعل اليه مصيره ومنتهاه.


وهكذا يوجز الاسلام فلسفة الكون مبدأ ومصيراً فيقول القرآن.


( ربنا الذي اعطى كل شيء خلقه ثم هدى )


[ 50- طه]


فيقرر بذلك أنّ الله أعطى الاشياء وجودها ونظامها.


ثم يقرر أن أمور الكون تجري تحت هيمنة مباشرة من الله تعالى


( ثم استوى على العرش يدبر الأمر)


[3- يونس]


ويقول وهو يشير إلى نهاية الكون:


( ولله ملك السماوات والأرض وإلى الله المصير)


[42- النور]


( وإن إلى ربك المنتهي)


[42- النجم]


فالكون اذن كلمة واحدة تنتهى الى الله الواحد.


ب- ولا يشذّ الانسان عن هذه القاعدة الشاملة، إذ كان حين لم يكن الانسان فيه شئاً مذكوراً، وسيأتي عليه مثل ذلك الحين تارة أخرى، وهو بين العدمين وجود ناقص تكتنف حياته. عوامل الضعف والتحديد فاذا به لا يملك من وجوده ومن شؤ ونه إلا أقلّ من قدر الذرة بالنسبة، إلى حجم المجرة.


ويذكر القرآن الكريم بهذه الحقائق مرة بعد مرة فيقول:


( هل أتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً)


[1- هل أتى]


ثم يذكّر بحتمية الموت للانسان فيقول:


(كل نفس ذائقه الموت)


[185- آل عمران]


ويقرر حقيقة الضعف والتحديد في وجود البشر فيتسائل قائلاً:


( يا أيها الانسان ما غرك بربك الكريم، الذي خلقك فسواك فعدلك ؟ في أي صورة ما شاء ركبك)


[6-8 الانفطار]


فالانسان- في منطق القرآن- إن هوإلاّ كائن مغرور بنفسه، دون أن يملك مبررّاً لغروره، اذ لا يملك شيئا من دون الله .


ج- واذا كان الانسان قد خلقه الله فهو اذن لم يوجد نفسه، ولا هو يمدّها بطاقة البقاء، ولذلك فانه موسوم بطابع( العبودية الذاتية) النابعة، من كيانه الطارئ الذي يملكه الله بكلتا يديه، وقد وهبه اياه بكامل مشيئته وسوف يأخذه منه متن أراد بكل قوة و سلطان وأي عبد أشد عبودية ، وأوسع رقاً من هذا الذي لا يملك خلقه، ولا يضمن لنفسه البقاء؟!


وفي المقابل، أي سيد أقوى سيادة واوسع سلطاناً من (الله) الذي يعطي الوجود ويضمن البقاء، وان شاء منع؟


وتأتي من طبيعة هذه المقابلة العميقة حقيقة ( الحاكمية ) المطلقة لله سبحانه على البشر جميعاً.


كما تتحقق طبيعة ( المحكومية ) الشاملة للانسان بحيث يفرض عليه العقل والضمير أن يخضع لله في كل شؤونه، وألا يعمل إلا بما يوحيه اليه سبحانه، ويلزمه في حقلي الدنيا والآخرة سواء بسواء، ذلك لأن مجرد تصور ( المالكية الإلهية ) و( العبودية البشرية ) كاف لايحاء فكرة العبادة والخضوع أمام الله تعالى.


اذ الفكرة هذه ليست إلاّ تعبيراً عن تلك الحقيقة.


فالتسليم في عمق الشعور تعبير عن التسليم في عمق الوجود.


والطاعة في حقل الارادة تعبير عن الطاعة في حقل السنن الكونية.


والعمل وفق هدى الله في التشريع تعبير عن العمل وفق هداه في التكوين.


والسجود على الأذقان اختياراً، تعبير عن السجود في الكيان اضطراراً.


والصيام عن الشهوات وهي مقدورة تعبير عن الصيام عن التمنيات وهي مستحيلة.


والدين ، كل الدين، انعكاس في الشعور، وفي الارادة عما هو حقيقة وواقع في اللاشعور وفي النظم الكونية فيما وراء الارادة.


وإلى هذه الحقيقة يشير القرآن الكريم اذ يقول.


( ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب )


[18- الحج]


فالسجود الذي هو تعبير عن الخضوع العقيدي والتشريعي يشترك فيه كل مظاهر الوجود، والانسان المؤمن مظهر إرادي لهذا الخضوع الطبيعي المشترك يبقى أن نعرف أن هناك موضوعاً آخر يضاف الى هذه الحقائق وهو :

كيد الله


فاذا كان البشر يستمد وجوده وبقاءه من الله فهو لا يملك قوة من ذاته يدافع بها الله تعالى عن نفسه، واذن لايأمن مكر الله، وكيده، لو ترك طاعته واتجه بالعبادة الى غيره.


( فأمنوا مكر الله ، فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون )


[99- الأعراف]


( وأُملي لهم إنّ كيدهم متين )


[183- الاعراف]


ولقد أعطى الله للانسان فرصة الاختيار دون ان يتجرد من ملكوته الدائمة وحاكميته المطلقة أو يتحرر العباد مما تفرضه عليهم ذوات انفسهم من الفقر والضعف والعدم والحاجة.


فاذا لم يأخذ المسىء فلأنه لا يفوته، ولئن حلم عن العاصين فلأنه لا تضره ذنوبهم، ولا يخشاهم على نفسه ، او على سلطانه ، غير أن ذلك كله لا يكون شاهداً على أن الله سبحانه لا يأخذ العاصين بمكره الشديد، وكيده المتين، وبالعذاب المناسب في الوقت المعلوم .


ومن هذه الحقيقة ينشأ شعور المسلم بضرورة التسليم لله، ونبذ الشركاء من دونه، ذلك لأن الله هو فقط الضار النافع، فهو الذي يجب ان يُلتمس رضاه ويستمطر فضله ونعمته .


ومن اجل هذا كله لا يجوز:

إستعباد الانسان


اذ لما لم يكن لبشر من السيادة على نفسه فمن سفه الفكر، وسخافة التقدير أن يعتقد بانه يمكن ان يكون لبشر مّا سيادة كليّة او جزئية على بشر مثله، كيف يمكن ألاّ يكون الفرد مالكاً لنفسه ولا دافعا عنها ضراولا طالباً اليها نفعا، ثم يدعى انه مالك للاخرين ... قال الله تعالى:


( واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون، لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون) [1]


[75- يس]


فاذا ثبتت مخلوقية الانسان لله واحتاجه اليه في وجوده وبقاءه من جانب وثبتت لذلك مملوكيته وعبوديته له سبحانه من جانب آخر وثبتت محدوديتة وضعفه من جانب ثالث وثم ثبت كيدالله له وسخطه عليه اذا خالف مشيئته سبحانه ... من جانب رابع، واذا لم يجز لذلك استعباد انسان لآخر فمن اين ينبغي ان يتلقى نظم حياته وقيادة مسيرته ومن ينبغي ان يسن له تشريعه ومنهجه سوى الله تعالى ؟

مؤهلات التشريع


بعيداً عن كل الحقائق الآنفة الذكر، وافتراضا بأنه ليس لله الحاكمية، وانه لايضر ولا ينفع، فهل يمكن أن نعطي انفسنا- اذ ذاك حق التشريع للحياة البشرية ؟


ليس _ في الحقيقة _ لهذا الاعطاء ما يبرره ويسمح له ، لا بحكم الضمير ولا بقضاء العقل، وما ذلك إلالان الهدف من (( التشريع)) هو تقييم الحقوق وتحديد الواجبات، بعد تنظيف النفوس من ادرانها، وفك العقول من اغلالها، ليتسنى بذلك تحقيق حياة حرة سعيدة والأمل في مستقبل افضل للانسانية.


هذه هي عصارة ( الغايات ) المتوخاة من التشريع للحياة البشرية ولكن هل من الممكن ان تتحقق إلا اذا كان التشريع متفقاً مع سنة الحق وفطرة الحياة لكي لا يقوم بينهما وبين الانسان اي اختلاف تتكسر تحت وطئته ضلوع البشر وتذهب ماله ادراج الرياح ؟!


ان تحقيق التوازن والانسجام بين ( التشريع) وبين (الحق والحياة) منوط بعاملين هما :


1/ معرفة الحق والحياة بكل ابعادهما وعلاقاتهما واسرارهما.


2/ الاخلاص لهذه المعرفة بأن يتم التشريع في ضوء ما يعلمه المشرع منهما بعيداً عن مؤثرات البيئة ، وضغط الرواسب، ونوازع الشهوة .


ولكن من المستحيل أن تحيط معرفة البشر بكل ما ورائه من ( حق وحياة ) وما ينطويان عليه من دقائق واسرار وما بينهما وبين الكائن البشري من علاقات غامضة وشائكة، اذ الانسان محدود في إدراكة وحواسة ، والكون الذي يتوسع باستمرار، ويتطور، غير محدود في كميته ولا في نوعيته،_ ولا يمكن_ ان يحيط علم المحدود بغير المحدود بضرورة العقل وحكم الوجدان.


ورغم ان الانسان يخيل إليه أنه قد بلغ القمة في قافلة المعرفة الصاعدة فان اكبر الا دمغة البشرية تتضاءل امام الحقيقة الكلية حتى ليدرك انه لا يعرف منها إلا بقدر قطرة من بحر.


وإلى هذا تماماً يشير القرآن اذ يقول:


[85- الاسراء]


( وما اوتيتم من العلم إلا قليلاً )


وحتى لو افترض محالاً أن البشر استطاع ان يحيط علماً بكل ما في الحياة من اسرار وحقائق، فمن هو ذلك البشر الذي يتجرد تماماً للحق ولا يقع في فخ البيئة، وغل الشهوات، وقيود الرواسب حتى يحكم بالحق وللحق دون سواه .


هل يتأتى ذلك من الانسان الذي يصفه القرآن بقوله :


( أن الانسان خلق هلوعاً إذا مسّه الشر جزوعاًُ. واذا مسه الخير منوعاً ) ؟!!


[85- المعارج]


الحقيقة ليس هناك بين البشر من يتجرد للحق ولا يحيد عنه إلا من عصمه الله من نبىّ او وصيّ.


ومن هنا تأتي طبيعة العجز عن ( التشريع الصحيح والكامل) في الانسان إما لجهل يقصر به عن معرفة الحق، أو ضعف وجهالة في نفسه تمنعه من الحكم بما يعلم من ذلك الحق دون انحياز.


وهذه الحقيقة هي التي تفرض على الانسان التماس الهدى من (الله) الذي يحيط بكل شيء علماً، ويتصف بقدرة يتعالى بها على كل ما خلق (!) وهو بامتلاكه لكل ما ذرأ يتنزه عن التأثر بها، والشطط ببعضها لحساب البعض الآخر... فهو اذن منزه عن أي جهل أو جهالة، ولذلكفهو يحكم بالحق، ويهدي إلى سبل السلام:


( والله يقول الحق وهو يهدي السبيل )


[4- الاحزاب]


( ان الحكم إلا لله، يقص الحق وهو خير الفاصليين )


[57- الانعام]


( يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام )


[16- المائدة]


من هذه الحقائق كلها يستمد المسلم فكرته العامة حول القيادة الاسلامية التي تتلخص في: أن الحكم لله وحده، في كل من مجالي التكوين والتشريع. فكما هو السيد المطاع والحاكم بالذات في حقل التكوين، فان له وحده السيادة القانونية التامة على البشر. جميعاً ، وليس لأحدمهما أوتي من العلم والقدرة سيادة لا على نفسه ولا على غيره ابداً.


ومن الواضح _ جيداً _ أن حاكمية الله لا تعنى إلاّ حاكمية شريعته في الحياة البشرية، وشريعته هي ( الدين ) الذي أوحى به إلى الرسول الأعظم _ صلى الله عليه وآله _


إذن فعند ما ننطق بهذه الكلمة ( اي حاكمية الله في حقل التشريع ) لابد ان نتصور امراً واحداً هو (( سيادة الدين )) .

المصطلحات أولا:


ولقد قرر الدين الاسلامي هذه المباديء العقلية واعطاها بيناتها الكافية، غير اننا لا يمكننا فهم النصوص الدستورية الواردة فيها إلا بعد معرفة مجموعة من الكلمات التي تطورت من قرن لآخر في معطياتها الادبية مما اضفى ذلك غموضاً وتعقيداً على الموضوع.


وهذه الكلمات هي: الدين، العبادة، الشرك، الرب.


( الدين ):


هناك مجموعتان من المعاني المترادفة نجدهما في كتب اللغة وهي تسرد مواقع استعمال لفظة (( الدين )) وهما:


آ- مجموعة تعطي معنى: السيادة، السلطة، الحاكمية.


ب- مجموعة تعطى مفهوم ما به السيادة من : القانون ، الحكم، النظام.


ففي القاموس المحيط _ مثلا _ قال : (( الدين : القهر والغلبة ، والاستعلاء، السلطان والملك والحكم، السيرة ، والتدبير، والتوحيد؛ اسم لجيمع ما يتعبد به الله عز وجل وو.


وبما أن أية كلمة عربية فهي مشتقة _ اساساً _ من معنى أصلي جامع نجده في كافة استعمالاته المختلفة ظاهراً، فان لكلمة الدين مثل هذا ( الجامع العام ) أيضا.


هذا الجامع نجده مناسباً مع سياق كل كلام جاء خلاله لفظ الدين كما نراه ملائماً للمعاني اللغوية التي سردتها القواميس والمعاجم وهو :


الالتزام بالسيادة القانونية.


ولا بد هنا من الاشارة الى عدة نقاط هي :


1/ إن القانون بداته لا يسمّى بدين مالم يكن فيه سيادة، بل يدعى، في منطق الاسلام _ بلفظ آخر هو : الحكم، قال الله تعالى.


( إن الحكم إلا لله )


[57- الانعام]


( ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون )


[44- المائدة]


2/ كما ان السيادة وحدها ليست بمعنى الدين، بل لها في القرآن لفظ آخر هو (( السيادة )) المشتقة منها كلمة السيد. قال الله تعالى:


( فألفيا سيدها لدى الباب )


[25- يوسف]


3/ ولكن سيادة القانون انما تكون ديناً بشرط واحد هو ألا تكون الحاكمية مفروضة من الخارج، بل يكون ملتزماً به من الفرد ذاته، ويكون بين الفرد والقانون نوع من التعاهد الذي يرى الفرد ضرورة الوفاء به وهذا يقترب لفظة (( الدين )) إلى لفظة (( الدين )) المشتقة منها، اذ يستلزم الدين الوفاء كما نعلم .


اذن فالدين في اللغة هو (( الالتزام بالسيادة القانونية )) ، ودان له أي التزم بسيادته القانونية.[2]


(العبادة) :


ولهذه الكلمة عدة استعمالات مباشرة في النصوص الدستورية هي: عبد، عبادة، يعبد عابد. وطائفة من الاستعمالات التقابلية :


الشرك: اذ لا معنى له إلا اشرك احد في العبادة.[3]


الرب: لانه يعطي معنى ((المعبود)) المشتق من أصل معناه الذي يعطى معنى المالك والمربي.


ويرادف معنى الرب: الاله . فقد جاء في اللغة: أله ، إلاهة، اُلوهة، اُلوهيةً يعني عبد عبادةً.[4]


والان نبحث عن تفسير هذه الكلمة في حقلي ( اللغة ) و( نصوص الشريعة ).

العبادة في اللغة :


لقد فسرت كلمة العبادة في اللغب بـ ( الخضوع ) و ( الطاعة ) فالعبادة إذاً هي التسليم المطلق في النفس البشرية تجاه شيء اوشخص ذلك لان تقابل النفس البشرية مع اي شيء في الحياة يُحدث فيها احدى حالات ثلاث:


أما حالة الشعور بالتفوق على ذلك الشيء فهو الطغيان. واما حالة الشعور بالخضوع لذلك الشيء فهو العبادة. واما حالة الشعور بالانسجام معه وهو الحب. فالعبادة اذن هي الحالة الثانية وهي حالة التسليم والخضوع .

العبادة في الشريعة:


يستعمل المنطق الاسلامي والمصطلح الديني لفظة ( العبادة ) في نفس المعنى اللغوي إي الخضوع لشيء او شخص فقد جاء في القران الكريم .


1- ( افرأيت من اتخذ الهه هواه )


[23- الجاثية]


المراد هو اتخاذ الهوى معبوداً بمعنى الرضوخ لنوازعه وتسليم القياد له ، والخضوع لجواذبه.


2- ( ألم أعهد اليكم يا بني آدم لا تعبدوا الشيطان ).


[60- يس]


والمراد من عبادة الشيطان، ليس إلا اطاعته والخضوع لنزعاته وساوسه اذ ليس البشر المخاطبين بهذه الآية هو من يركع للشيطان ويسجد له بل من يتبعونه ويخضعون لاوامره فكأنهم يعبدونه.


3- ( أم لهم شركاء شرعوا لهم )


[21- الشورى]


حيث أن ظاهر الاية يفيد أن اي فرد يشّرع من قبل نفسه قانوناً ثم يتبعه احد فقد اتخذ شريكاّلله في حاكميته المطلقة.


4- ( انما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون )


[100- النحل]


وتعني ان سلطة الشيطان ثابتة على طائفة خاصة، ليست بطائفة المؤمنين الذين يوحدّون الله بالطاعة والعبادة ، انما هي الطائفة التي تتولى الشيطان اي تتخذه وليا لها وسيداً ثم تطيعه وتخضع له فتجعله شريكاً لله سبحانه، بسبب عبادتها للشيطان... وهذا هو معنى قوله تعالى (( والذين هم به مشركون )) وهو يدل على أن معنى الشرك هو الطاعة والخضوع والرضوخ للاوامر، اذ من الواضح انه ليس هناك من يركع او يسجد للشيطان.


وجاء في السنة:


1- سأل احد الرواة الامام الصادق- عليه السلام- عن تفسير قوله تعالى: ( اتخذوا احبارهم ورهبانهم ارباباً من دون الله ) فقال الامام: والله ما دعوهم إلى عبادة انفسهم ولو دعوهم لما اجابوهم، ولكن أحلّو لهم حراماً وحرموالهم حلالاً فعبد وهم من حيث لا يشعرون.[5]


2- وقال النبي الكريم صلى الله عليه واله- (( من أصفى الى ناطق فقد عبده فان كان الناطق عن الله فقد عبد الله وان كان الناطق عن إبليس فقد عبد إبليس ))[6]


وبهذا اتضح أن المصطلح الديني فسّرالبعادة بالخضوع والطاعة ايضاً كما هو الحال حسب اللغة، فإذا هو دعى الناس الى عبادة الله يكون في الحقيقة قد دعاهم إلى الخضوع لمنهجه والطاعة لأومراه.

والآن الى النصوص التشريعية.


وبعد ان عرفنا ماذا تعنيه ألفاظ: والعبادة والشرك والرب نلقي نظرة إلى النصوص التشريعية التي تبين أن لله وحده حق السيادة على البشر وهي عدة طوائف:




/ 12