آية الله المدرسي - حوار ورؤی فی التغییر و الانفتاح نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

حوار ورؤی فی التغییر و الانفتاح - نسخه متنی

سید محمد تقی مدرسی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید










آية الله المدرسي


حوار ورؤى في التغيير والانفتاح


بسم الله الرحمن الرحيم




اجرت مجلة الشهيد مؤخراً حواراً مفصلا مع سماحة آية الله السيد محمد تقي المدرسي، تطرق فيه إلى مختلف الشؤون الثقافية والسياسية والاجتماعية، واضعاً النقاط على الحروف حول مجمل التطورات التي مرت بها الشعوب الإسلامية في العقد الماضي.. كما اعطى رؤآه المستقبلية الواضحة لتطور كافة مجالات العمل الاسلامي.



مكتب سماحة آية الله المدرسي، ارتأى، ولتعميم الفائدة، ان يصدر هذا الحوار الطويل في كتاب ضم بين جنبيه ثماني فصول.


الفصل الأول



التغيير الثقافي أولا



رؤى في ثقافة التغيير




* الشهيد: يدور حالياً حوار ساخن حول أساليب العمل التغييري على الساحة الاسلامية، فهناك من يطرح الأسلوب الصدامي الثوري، وهناك من يتبنى أساليب هادئة في عملية التغيير كاعتماد الأسلوب الثقافي التربوي وشيئاً من العمل السياسي وغير ذلك من الأساليب.



آية الله المدرسي: هناك حكمة شائعة تقول (في البدء كانت كلمة) ونحن نطور هذه الحكمة الشائعة ونقول (في البدء كانت نظرية) فقبل أن يقدم الإنسان على تشييد البناء يجب أن يسبق ذلك اعداد مخطط وهكذا في حال المسير إلى هدف محدود لا بد من وجود خارطة مرسومة سلفاً توصل الإنسان إلى الهدف.



وصحيح انه قد يحدث وأن تبدأ من نقطة ما ولكن هذه النقطة مرتبطة بسلسلة من النقاط الاخرى ولا بد أن تتواصل وتتصل بها حتى تكتمل صورة المسيرة العامة نحو الهدف أما إذا كنت تبدأ من نقطة ما ثم لا تعرف النقطة التي تليها فقد تأتي تلك النقطة معارضة أولا أقل منافسة للنقطة الاولى فتكون الخطوات غير متكاملة وغير منتظمة وبالتالي يعيش الإنسان في حركة دائرية أو كما يقال في حلقة مفرغة.



تأسيساً على ذلك نقول، ان نظرية التغيير الناجحة هي النظرية الشاملة والمتكاملة تماماً كما أن خارطة البناء الهندسية التي تستبق عملية البناء يجب أن تحتوي على صفتين أساسيتين حتى يمكن اطلاق اسم الخارطة عليها وهما، الأولى هي التكاملية، بمعنى أن تكون هيكلية التخطيط للبناء متكاملة في كافة الجوانب بالنسبة للقواعد، والسقوف، والحواجز، والممرات، والغرف، والمرافق وغيرها وبتعبير آخر لا بد من الأخذ بنظر الاعتبار في حال رسم الخارطة تلك الأجزاء الأساسية التي تساهم في تشييد أصل البناء.



الثانية هي التناغم، بأن تكون حسابات الخارطة الهندسية للبناء قائمة على أساس موازين واقعية وعقلانية، فعلى سبيل الفرض إذا كانت مساحة غرفة النوم (16) متراً فلا يعني ذلك أن تصبح غرفة الطعام متراً واحداً أو إذا كان البناء يتكون من عدة طوابق فلا يعني اعتماد أساس بناء رخو وهكذا.



وكذلك بالنسبة لنظرية التغيير فحينما مصمم النظرية ذو أفق واسع وبعيد فسينعكس ذلك في رؤيته الواسعة لمختلف أبعاد الحياة الانسانية، في حاجات الإنسان وتطلعاته ومشاكله ومكاسبه وهكذا بالنسبة لعلاقاته وارتباطاته واختلافاته على حد سواء، وبالتالي نظرة الإنسان إلى بيئته وظروفه وما يعترض هذه الظروف من نقاط قوة وضعف وثغرات، وبصورة إجمالية ينبغي أن تكون هذه الرؤى ذات أثر كبير في مدى مصمم نظرية التغيير، فقبل الشروع في تصميم واعداد النظرية هناك معايير منطقية تفرض نفسها على طاولة التصميم بحيث يستطيع المرء بها إعداد الخطوة الأولى أو لنقل اللبنة الأولى للنظرية بطريقة تساهم في المستقبل البعيد في آخر خطوة أو آخر لبنة لبناء النظرية.



ولتوضيح هذه الفكرة نورد المثال التالي:



إنك حينما تريد أن تنشئ حركة سياسية يراد لها أن تضيف اهتمامات اخرى إلى جانب الهم السياسي كأن تهتم بالحالة الحضارية مثلاً أو بالحالة الدينية إضافة إلى جوانب مختلفة من حياة الإنسان أقول، إذا كانت هذه الاهتمامات مجتمعة تخالج همة الإنسان وتطلعه فان ذلك سينعكس أثره منذ اللحظة الأولى على تربية أول خلية في هذه الحركة بحيث تكون الخلية الأولى في حالة التوسع والانتشار والنمو ثم في حالة الوصول إلى مستوى قيادة الأمة فان هذه الخلية ستكون قادرة على تطبيق النظرية، وبالعكس تماماً في حال تشكيل خلية سياسية لعمل حضاري فسوف تصطدم وتتبعثر عناصر الخلية في أول مشكلة تواجهها وهكذا بالنسبة لخلية سياسية حضارية تهدف إلى ممارسة العمل السياسي الديني فان مصيرها الفشل.



عود على بدء نقول اننا حينما نصنع الخطوة الأولى لا بد أن يكون لدينا تصور كامل حول ما ننوي فعله في المستقبل، وهذه الطريقة هي ما نعني بها (النظرية المتكاملة).



وعلى ضوء هذه البصيرة التمهيدية يمكن الدخول إلى صلب جوابنا على السؤال المطروح ونقول، اننا حين نبدأ بعملية تغييرية للواقع الفاسد في الأمة الإسلامية لا بد أن نتصور أنفسنا أمام ركام هائل من الأحجار ومواد البناء الأخرى، فنقوم بدور المهندس في الاستفادة من كل ما هو موجود في هذا الركام حسب أهمية كل مادة في تشييد البناء وموقعها المناسب.



ونحن حينما نريد أن نرسم خارطة لعملية التغيير يلزم أن تكون هذه الخارطة متكاملة في كل الأبعاد، وهذه التكاملية تدفعنا للاحتفاظ بكل شيء، والأهم من ذلك كله هو كيف ومتى تستفيد من كل شيء في موقعه المناسب وحسب الظروف المستجدة.



اذن نحن نقول، ان الاساليب المختلفة في عملية التغيير ينبغي أن تكون موضع اهتمام كافة الحركات التغييرية في الأمة للوصول إلى حالة التكامل في العمل الاسلامي.



ثانياً: أن تحتوي نظرية التغيير على أساليب تكتيكية في حال التطبيق الواقعي للنظرية مثل، متى وكيف نستفيد من هذا الأسلوب أو ذاك، أي، متى نستفيد من أسلوب السرية في العمل؟ ومتى نستفيد من الأساليب العلنية؟ ثم متى نستفيد من التحدي؟ ومتى نستفيد من المرونة واللين؟ ثم متى نستفيد من الحالة الدينية؟ ومتى نستفيد من الحالة السياسية؟ وهكذا يقال بالنسبة للعمل الثقافي والعمل العسكري، والنظرية المتكاملة هي التي تشتمل على هذه الأساليب وتعرف كيف تخطط لها ومتى تستفيد منها؟ وفي المقابل فان هناك نظريات احادية في التفكير واحادية في التوجه بمعنى انها تصب كامل اهتمامها في جانب واحد بينما تغفل عن باقي الجوانب الأخرى، وهذه النظريات عادة ما تنتهي إلى الفشل، لأن الزمن يتبدل لذلك لا تستطيع هذه النظرية الصمود بالاعتماد على أسلوب واحد.



دعنا نضرب مثلاً من التأريخ الاسلامي فان النبي )ص( بعث في مجتمع جاهلي أمي، وحينما قام بعملية التغيير في المجتمع الجاهلي اضطر إلى أن يخوض ثلاث وثمانين حرباً بمعدل غزوة أو سرية أو مناوشة في كل شهرين، وبالرغم من ذلك فاننا نجد أن رسول الله )ص( في غزوة من غزواته يحدث الناس عن التفقه في الدين، حتى ليبدو للإنسان العادي هذا التساؤل وهو، أين تفقه في الدين من قعقعة السلاح وصدامات الجيوش ومشاكل التموين والجرحى و.. و.. الخ؟ إلا ان ذلك ممارسة عادية إذ أن القضية أكبر من ذلك لانها تمتد إلى كافة أبعاد الحياة الاجتماعية وهي قضية حضارية.



وقصة أخرى من حرب صفين بين الإمام أمير المؤمنين )ع( ومعاوية تقول إن أعرابياً قام يوم صفين إلى أمير المؤمنين )ع( فقال: يا أمير المؤمنين أتقول، أن الله واحد؟ فحمل الناس عليه وقالوا، يا أعرابي! أما ترى ما فيه أمير المؤمنين من تقسم القلب؟ فقال أمير المؤمنين )ع(، دعوه فان الذي يريده الأعرابي هو الذي نريده من القوم، ثم شرع الامام )ع( في شرح وحدانية الله للسائل.



هذه القصة خلدها التأريخ لأنها نتيجة عمل حضاري، فاذا كنا لا ندري ماذا جرى في يوم الجمل؟ لا ندري من قتل؟ ومن استشهد؟ إلا ان هذه القصة تبقى شاهداً حياً وما زالت تساهم في تفسير القرآن الكريم.



إذن، فالعمل الحضاري يتمثل في شمولية جوانب العمل التغييري ولعل أحد الأسباب الرئيسية لخلود القرآن الكريم وهو شموليته واهتمامه بمجمل القواعد العامة أكثر من التفاصيل والجزئيات كون القواعد العامة ثابتة لا تتغير، وهذه المسألة مرتبطة بأساليب المرونة والشمولية وعدم الاحادية في التفكير.



نحو التواصل والتفاعل



* الشهيد: على ضوء الاختلافات الموجودة في وسائل العمل التغييري بين تيارات الحركة الإسلامية، هل لديكم وجهة نظر معينة في كيفية إيجاد حالة (الحوار) من أجل الوصول إلى الحالة التكاملية في إطار استيعاب كافة أساليب العمل التغييري؟.



آية الله المدرسي: فكرة جميلة ودقيقة في آن واحد، وبدل كلمة (الحوار) نقول حالة (التواصل) و(التفاعل) لان الحوار إنما يعني بالجانب النظري الفكري وليس بالضرورة أن يقتنع المرء بفكرة الآخر فقد يكون فعلي أنا في موقعي هو الواجب علي وهكذا عملك في موقعك هو المفروض عليك، فأين الاشكال في ذلك إذن؟



إنما ينجم الاشكال أولاً من عدم وجود حلقة وصل بيني وبينك حتى يمكن أن نصل إلى حالة التكامل من أجل أن تكمل الأعمال بعضها بعضاً، وغياب حالة التواصل والتفاعل بين جنبات الحركة الإسلامية وجهاتها ينشأ بدوره من مجموعة عوامل ولكن أبرزها هو عدم وجود النظرية الشمولية عند تيارات الحركة الإسلامية كافة، فعلى سبيل الفرض أنت الذي تقوم بدور العمل العسكري مثلاً ولا تمتلك نظرية واضحة في ان استمرارية العمل العسكري غير مضمونة الفائدة، إذا لم يعضده عمل ثقافي أو عمل سياسي وما أشبه، فانك لن تكون قادراً على إيجاد حالة التواصل والتفاعل في نفسك مع الآخرين.



وبالطبع فأن النظرية الشمولية بصورة مجردة لا تكفي لإيجاد حالة التواصل والتفاعل وإنما باضافة عاملين آخرين يمكن أن يوصلانا إلى الحالة التكاملية.



العامل الثاني هو النظام، ويعني وجود رؤية واضحة من جهة وقنوات للاتصال أو لنقل جسور التواصل من جهة أخرى، بمعنى ان الاختلافات القائمة حول أساليب العمل التغييري بين تيارات الحركة الإسلامية لا تعني بتاتاً عدم اجتماع هذه التيارات ضمن نظرية نجلس واحد أو ضمن نظرية انتخابات، أو نظرية أمامة ووجود قائد عام يلم شمل الجميع، ويعني ذلك بطريقة أو بأخرى وجود نظام يجمع شتات الأعمال التغييرية ويوجهها الوجهة الصحيحة، سواء إن نظام آخر يضمن خاصية الجمع بين مختلف تيارات الحركة الإسلامية.



العامل الثالث هو الحكمة، ولعل أبرز مصداقية للحكمة، هي (الاستفادة من كل عمل في موقعه) ولتوضيح ذلك نورد المثال التالي والأمثال تضرب ولا تقاس من واقع الأحزاب الاسرائيلية المختلفة حيث إنّ هناك أحزاب تقف إلى أقصى اليمين وأخرى تقف إلى أقصى اليسار، لكن مكتسبات هذه الأحزاب اليمينية واليسارية إنما تصب في رافد المصالح الاسرائيلية، وحتى بالنسبة للحزب الشيوعي الاسرائيلي سواء كان هذا الحزب ماوياً صينياً أو ماركسياً موسكوفياً فانه يقوم بدور الجسر في جذب دعم الحكومات الشيوعية لاسرائيل، بينما نجد في بلد إسلامي ما ان الحزب الشيوعي فيه يمارس دوراً جاسوسياً لحساب الاتحاد السوفيتي، وهنا بالضبط نقطة الافتراق وهي في أن يكون الحزب الشيوعي دعامة في الكيان الصهيوني بينما يكون همته في ذلك البلد الإسلامي هي في نشر الفساد والدمار.



وأقول قاطعاً، إن عملية تحويل التخريب والافساد إلى حالة إيجابية يعد من شأن الأمة الحية، ففي الأمة الحية لا يوجد قانون منع تشكيل الأحزاب ولا تشهر الحراب ضد المعارضين وانما تحاول الاستفادة من نشاطات المجتمع المختلفة وكل حسب موقعه وتقول، دعه يستفيد ويفيدنا أيضاً.



ولعل في إمكانية إيجاد حالة التواصل بين الحركات الإسلامية دور فاعل في الاستفادة من كل حركة في موقعها المناسب، فلتقم كل حركة بدور إيجابي تجاه باقي الحركات وهذا ما نحن في أمس الحاجة إليه اليوم.



إذن، نحن نلخص هذه العوامل الثلاث كالتالي:



العامل الأول: شمولية النظرية أو النظرة.



العامل الثاني: وجود النظام القادر على استيعاب وجمع تيارات الحركة الإسلامية.



العامل الثالث: الحكمة أو الاستفادة من كل عمل في موقعه.


الفصل الثاني



الثورة.. نظرية متكاملة




قراءة في النظرية الثورية



الشهيد: يفهم البعض مصطلح (الثورة) على أنه القيام بعمليات عسكرية كالتفجيرات والاغتيالات والعمليات الانتحارية وما أشبه فما هي النظرية الثورية التي تدعون إليها؟



آية الله المدرسي: للاجابة على السؤال أقول، إن شيوع بعض المفردات اللغوية قد يصبح أحياناً موضة أو (موديل) وهذه المفردات قد تستخدم بمعاني مختلفة، فمثلاً، إن مصطلح الديمقراطية قد تستخدمه الدول الغربية والدول الشرقية وربما بعض الحركات التحررية، وكل طرف، بالتأكيد يعني بها ما يريد حتى يصدق فيها قول الشاعر، وكل يدعي وصلاً بليلى.



ونفس الشيء يمكن أن يقال بالنسبة لمصطلح الثورية الذي شاع في عقد الثمانينات، أما ما أعني إنا بهذا المصطلح فهو، الاصلاح الجذري، أي بمعنى أن نعيد الإنسان إلى فطرته، والخليقة إلى شريعة الله وبمعنى آخر، أن نعيد خلق الله إلى شرع الله، وهذه النظرية الاصلاح الجذري تقوم على أساس إن أصل خلقة الإنسان سوية والأصل في الطبيعة هو الصلاح، وانما الفساد أمر طاريء سواء على الإنسان أو على الطبيعة، وان عملية إزالة الفساد الطاريء انما تتم عبر ما نسميه بـ (الثورة) أو بتعبير أشمل (الاصلاح الجذري).



التنظيم أداة التغيير



الشهيد: يبدي البعض رفضه للتنظيم، بينما يدعو إليه البعض الآخر بكل قوة ويؤكد على ضرورته. السؤال هنا هو، كيف تدعون إلى التنظيم؟ وما هي ملاحظاتكم حول العمل التنظيمي؟ خاصة وأن الساحة الإسلامية تعيش اختلافاً في أساليب العمل التغييري؟.



آية الله المدرسي: قبل الاجابة على ذلك أورد حديثاً شريفاً يقول: (كثرة النظر في العلم يزيد العقل) ونحن نستفيد من هذا الحديث في استنباط فكرة تقول، (إن كثرة النظرة في الأهداف تصلح الوسائل).



على ضوء ذلك فان مشكلة العاملين على الساحة الإسلامية، إنهم في حالة استرسال مع الوسائل بينما ينسون وهم يمارسون العمل، الهدف الأساسي والأخير من العمل.



وفي الواقع فان آفة العمل هي الجمود الفكري ومن جوانبه التقليد، والأحادية، وهذه آفة حقيقية وكبيرة.



ومن أعظم الأفكار التقدمية والمهمة في العمل هي فكرة (النية) ولو فهمنا هذه الفكرة بالمعنى الحقيقي والواقعي لاستطعنا رفع اشكالية الغفلة عن الأهداف، وهي تعني حاجتك إلى أن تستوضح بواعثك إلى العمل، وبتعبير الفقهاء بالنسبة للنية يقولون، انها معرفة الداعي أي التساؤل عما الذي دعاك إلى القيام بالعمل، فمثلاً، إنك حين تصلي لابد أن تتساءل، لماذا نصلي؟ هل للرياضة؟ أم كعمل تعودت عليه؟ أم لله سبحانه وتعالى؟



فإذا كنت تصلي لله ثم واجهت مهمة أخرى فعليك مثلاً أن تخفف الصلاة لا أن تتركها، ولكن البعض يقول، أنا أترك الجهاد لأنني أحافظ على صلاة الجماعة ولا أريد تركها!، فكيف يكون ذلك؟ بمعنى أن النية هنا غير واضحة وكذلك يكون الأمر بالنسبة للباقي الأعمال، فمثلاً ان ممارسة عملية التنظيم للأفراد يجب أن يسبقها معرفة الهدف من التربية التنظيمية، أما أن تدخل في عمل تنظيمي وتنس الهدف فقد يكون الاسترسال في التنظيم ينتهي إلى ولادة تنظيم مخالف للهدف العام بحيث يصل الأمر إلى أن تكون الوسيلة في حالة تضاد تام مع الهدف! لماذا؟



لأن التضاد دائماً ينشأ من أمور جزئية بسيطة وصغيرة، ولكن مع الوقت تتحول إلى كرة الثلج المتدحرجة، من قمة الجبل إلى أسفل الوادي، ولدينا أمثلة كثيرة في هذا الصدد، فمثلاً نظرية (التقية) التي تعد أقوى نظرية لمخالفة الطاغوت، كيف تحولت فيما بعد إلى نظرية للجمود والتواكل والتقاعس؟، وكذلك نظرية الرهبانية التي يقول عنها القرآن الكريم (ورهبانية إبتدعوها ما كتبناها عليهم).



وحسب فهمي لهذه الآية الكريمة وقد يكون مخالفاً لفهم البعض إن كلمة (ابتدعوها) لا تعني انها لم تكن موجودة ثم كانت، ولكن تعني انهم قاموا بتغييرها، فبدل أن تكون ابتغاء لمرضاة الله، اتخذوا منها ذريعة للهروب من ساحة الجهاد في سبيل الله.



ولعل الشاهد في تفسير الآية، رواية عن رسول الله )ص( تقول، انه بعد أن رفع الله المسيح )ع( إلى السماء سيطرت مجموعة من الحكام الطغاة على أتباع عيسى بن مريم )ع( فقسم قالوا، نحارب هؤلاء الطغاة إلى أن نفنى عن آخرنا، وقسم قالوا، نحارب ولكن بسلاح التقية كأن نقوم ظاهراً بمجاراتهم ونخطط واقعاً لشن حرب عليهم، أما القسم الثالث والأخير فقالوا، نهرب إلى الجبال وننتظر ماذا يحدث فيما بعد.



إن أؤلئك الذين هربوا إلى الجبال هم الذين ابتدعوا نظرية (الرهبانية) ولذلك تقول الآية القرآنية «ما كتبناها عليهم إلاّ ابتغاء..» بمعنى انها كانت مكتوبة عليهم لابتغاء مرضاة الله ولكن حينما تعرضت للتحريف والتبديل حادت عن الهدف.



أما عن جواب الشق الثاني من السؤال حول مسألة (التنظيم)، فانني أحاول هنا أن أعطي فكرة أولية في هذا الصدد وهي، ان التنظيم يتلخص دوره في رأيي في التوجه إلى اهتمام شخص بشخص آخر تربية وتثقيفاً، ويعد ذلك عملاً جيداً في ان يتم تعامل مجموعة من الناس مع بعضها في سبيل تحقيق أهداف إسلامية محددة تحت إطار تحرك تنظيمي، ثم القيام بنقل التجربة التنظيمية وتطويرها بأن يتم نقل تجارب الجيل الأول إلى الجيل التالي ومن ثم تدوير التجربة للوصول إلى حالة التنسيق والتعاون بين أجيال التنظيم.



أما إذا كان التنظيم يؤدي إلى اعتزال فئة ما عن الناس، أو أن يصنع في داخلها حالة من النظرة الذاتية أو ما يسمى بالتحزب الضيق كان يقودها إلى الانفصال عن الجماهير وعن العاملين في الساحة فتضفي على نفسها هالة من القدسية فيدعوها ذلك إلى التهرب من المسؤولية بسبب التعالي والنظرة النخبوية، فان هذا التنظيم لا يمكن أن يقود الجماهير ولا يصلح أن يكون إطاراً للتحرك الجماهيري نحو الأهداف الإسلامية.



وفي الواقع فان هذه المشاكل، أو دعنا نسميها ثغرات التنظيم، تخالف الهدف الذي وضع التنظيم من أجله إذ انّ التنظيم الواقعي والصحيح هو الذي يتمثل في هيئة البناء بقول الله عز وجل: «إن الله يحبُّ الذينَ يُقاتِلون في سبيلهِ صفّاً كأنّهم بنيانٌ مرصوصٌ» فعلى سبيل الفرض، إذا كانت قطعة من البناء هي منظمة في ذاتها ومتعاونة مع القطعة الثانية فان ذلك هو التنظيم المبارك، فالتنظيم كالدار يدور في داخله ويتعاون مع أهل الدار أكثر فأكثر ولكن لا يعني ذلك أن تشن الحرب على جارك، وإنما في الوقت الذي تشكل فيه وحدة إجتماعية بالتعاون مع أهل الدار، فان التعاون مع الجار يجب أن يشكل وحدة إجتماعية اخرى، وهكذا تتواصل الحلقات الاجتماعية الموحدة في اطار أوسع إلى أن يتكون المجتمع البشري المنظم الموحد وكما قال سبحانه وتعالى: «وجعلْناكم شعوباً وقبائل لِتعارَفوا» ويعني ذلك ان هدف التجمعات يتحدد في التعارف والتعاون مع سائر التجمعات الأخرى وليس الأنفصال عنها أو التحارب معها.



الشهيد: كيف يمكن تذويب الحواجز بين كافة التجمعات وابراز الهدف كمطلب رئيسي وفاعل في حركة العاملين دونما الانكباب على الوسائل؟



آية الله المدرسي: لعل جذور هذه المشكلة تعود إلى خصائص الإنسان وأبرزها خاصة النسيان وعلاج ذلك انما يتم عبر التذكير، ولذلك يقول القرآن الكريم: «فذكّر إنّ الذكرى تنفعُ المؤمنينَ»، بحيث تكون هناك مجموعة من الشعارات والممارسات والطقوس التي تساهم في عملية التذكير بالأهداف.



بالطبع، فان جزءاً كبيراً من المشكلة ينبع من غياب التواصل الفكري وشبه القطيعة بين العاملين في تذكير بعضهم بعضاً بصورة مستمرة بحيث يترك أثراً بالغاً على روحية الأفراد فيفقد العاملون الحماس والابتعاد عن الأهداف وفقدان الأمل في تحقيق الهدف كون العامل يعتقد بأنه الوحيد في ساحة العمل، وهذه نقطة في غاية الأهمية يقول عنها علماء النفس الاجتماعي وعلماء النفس الصناعي، إن وجود خمسة عمال في غرفة واحدة يقومون بعمل إنتاجي أكبر من في حالة لو كان كل عامل في غرفة، ففي الحالة الأولى يرى كل عامل صاحبه فيزداد روحية وتفاعلاً في تقديم جهداً مضاعفاً كما يشعر بلذة التنافس مع العمال الباقين وتكون محصلة ذلك زيادة في الانتاج، وبالعكس بالضبط معادلة الحالة الثانية.



ويصدق هذا المثال على العاملين في الساحة، فاذا علمت أنت أيها العامل ان اخوانك المؤمنين يقاسمونك العمل في سبيل الله فان ذلك يعد دافعاً لك في القيام بمهمات أكبر وأكثر.



أما إذا حدث أن قمت بعمل ما وكنت تعلم بأن هناك عاملين على الساحة غيرك فقلت مع نفسك شيء وأنا شيء آخر، هم جماعة وأنا جماعة، هم طائفة وأنا طائفة، بمعنى أن أميز نفسي عن الآخرين فان ذلك مدعاة للابتعاد عن الدافع للتحرك والهدف من العمل.


الفصل الثالث



مفاهيم حول العمل السياسي




مفهوم العمل السياسي



الشهيد: متى يكون الدخول في ميدان العمل السياسي مطلوباً ومتى يكون العكس؟



آية الله المدرسي: بين كافة الأعمال(التنظيم، الثقافة، العمل العسكري، التربية الخ) يبقى العمل السياسي الاطار العام لها، إذ تأتي الأولى امتدادات له، وحتى العمل العسكري يعد امتداداً لعمل سياسي، لأن القيام بمهمة عسكرية دونما خلفية سياسية تنتهي إلى الفشل.



إن القادة العسكرين هم في واقع الأمر ساسة كبار، فمثلاً شهدت مناصب وزارة الخارجية الأميركية عدداً من القادة العسكريين كان آخرهم الجنرال هيغ، بل ان الرئيس الأسبق للولايات المتحدة الأمريكية ايزنهاور صعد إلى سدة الحكم من خلال عمله العسكري في الحرب العالمية الثانية، وحتى ريغان كان يفتخر ببعض أعماله العسكرية.



على كل حال فانّ ممارسة العمل السياسي ليس محدوداً بزعامة أو مكان وانما تحكمه الظروف المختلفة، فقد ترتفع نسبة العمل السياسي وقد تنخفض، فمثلاً قد تكون نسبة العمل السياسي 20% بينما تكون نسبة العمل العسكري 50% والعمل الثقافي والاعلامي والفكري 20% والنسبة الباقية للعلاقات والعمل الجماهير والتنظيمي وما أشبه، وبالتالي فان مجموعة الأعمال هذه تدخل في اطار عام هو العمل السياسي ولا نقصد بذلك العمل السياسي حسب المفهوم الضيق كأن تعمل ضمن الأطر السياسية القائمة في الساحة الدولية وهي ذات وجهين:



الأول: أن تعمل ضمن الأطر القائمة ثم تتأطر بها وتتقيد بنظامها وحدودها إلى الأبد وهذا خطأ، لأن الأطر السياسية القائمة موضوعة لأهداف سياسية معينة وثابتة، وان الالتزام بتلك الأطر يفرض عليك الالتزام بتلك الأهداف أيضاً فما دمت لا تؤمن بتلك الأهداف في ظل الأطر السياسية القائمة فأنت على خطا عظيم.



الثاني: أن تستفيد من الأطر السياسية القائمة لا لتذوب فيها وتسبح في تيارها وانما لتصهرها في إطارات خاصة بك، وبمعنى آخر، هو أن تؤطرها لا لتؤطرك في سبيل تحقيق أهدافك أنت وليس أهداف أصحابك، ولعل أبرز مثال في هذا الصدد من الواقع الفلسطيني هو منظمة التحرير الفلسطينية التي تأسست من أجل أن تكون جهازاً تتعامل الدول العربية من خلاله مع القضية الفلسطينية، ولكن حينما دخلت المنظمات الثورية ضمن إطار جهاز منظمة التحرير الفلسطينية ليس لم تستفد من الاطار فحسب وانما قامت بتبديل الاطار لان الموجة الثورية أو الموجة الناهضة التي انطلقت من داخل الشعب الفلسطيني كانت أقوى من الاطار القائم.



الشهيد: هذا الحديث يصدق في حال لو كان هناك تعارض بين الهدف المرسوم والعمل السياسي الذي يفرض إطاراً معيناً قد يؤدي إلى التخلي عن الهدف والاستراتيجية نتيجة العمل ضمن الأطر السياسية القائمة، وإن مقاومة ضغط الاطارات السياسية القائمة استلزم إمكانية جديدة وأيضاً واجهة جديدة، فكيف يحدث الرجحان بين طرفي القضية والهدف وبين إمكانيات ووسائل العمل؟.



آية الله المدرسي: لكي أوضح الفكرة أورد مثالاً من التاريخ الإسلامي، ففي حرب صفين دعا الإمام (ع) معاوية وقال له هلم إلى مبارزتي ولا تفني العرب بيننا، أي ان الإمام (ع) كان يطلب من معاوية أن يتبارزا ويتحاربا دون الناس فأما أن يقتله أو بالعكس، وأضاف الإمام أن أينا يقتل صاحبه فهو أحق بهذا الأمر ولا داعي لقتال الناس.



تأسيساً على ذلك أقول، ان العمل السياسي قد يتحول إلى نوع من ميدان التنافس الحر أو كمباراة بينك وبين عدوك فانه المحك الحقيقي لسعيك وسعيه وجهادك وجهاده وجهودك وجهوده، فلو افترضنا أن حاكماً أعلن عن اجراء الانتخابات الحرة وأنت تتخذ موقف المعارضة منه فان خطوة الحاكم هذه عبارة عن تحدي لك وقراره الدخول معك في ميدان التنافس الحر، فاذا رفضت الانتخابات وقلت لا أقبل ففي الواقع أنت الذي اعتزلت السياسية تماماً كما فعل معاوية حينما رفض دعوة الإمام علي (ع) للقتال معه، ويدلل ذلك على وجود نقص فني، بالعكس تماماً فيما لو قبلت التحدي ودخلت ساحة الانتخابات واعتبرت ذلك الحد الفصل بينك وبين نفسك وليس ذلك معارضة للهدف وانما هو محاولة لاكتشاف قدرة التحدي وامكانية تطويرها وقد يحدث أحياناً أن تخوض غمار العمل السياسي وفي غضون ذلك تنسى الهدف، فمثلاً قد تواجه كمعارض ضغوطات مختلفة من السلطة الحاكمة فتمارس معك وسائل الترهيب وترغيب وربما تدعو إلى كذا وزارة، أو رئاسة برلمان أو منصب رفيع آخر مع بعض التغييرات الطفيفة، تماماً كما حدث بالنسبة لشاهبور بختيار إبان الثورة الإسلامية في إيران فقد كان بختيار معارضاً للنظام الشاهنشاهي ولكنه وقع في شرك ترغيبات الشاه المقبور فاصبح بختيار رئيساً لوزراء حكومة بهلوي ودخل ضمن لعبة النظام إلى أن احترقت ورقة بختيار، لماذا؟ لأنه قدم مصلحته خاصة وشخصية على مصلحة الأمة.



الشهيد: مسيرة العمل السياسي لا تسير على وتيرة واحدة، فقد تحدث تحولات سياسية تتبعه تحولات أخرى على سائر الأصعدة كتحول ثقافي مثلاً.. فهل التحول السياسي يفرض علينا التعامل مع التحول الثقافي أيضاً ام نقوم بصناعة موجة ثقافة مضادة؟ فكيف يجب أن تكون أساليب التعامل مع الموجات الجديدة في التحول.



آية الله المدرسي: سؤال دقيق وجدير بالاهتمام، وللاجابة على ذلك نقول، إن هناك ثلاث نظريات في التعامل مع الموجات القوية الهادرة التي تجتاح الساحة وهي كالآتي:



الأول: إعتماد موقف التحدي.



الثانية: الانحناء الموقت.



الثالثة: ركوب الموجة.



وبالطبع فان المواجهة غير صحيحة، وهنا نقطة مهمة أود أن أشير إليها وهي إن محاربتنا للطاغوت يجب أن تكون من أجل تحرير الإنسان وعليه فنحن لا نحارب البشر وهم ليسوا أعداء لنا وانما البشر أداة العمل، وحتى إذا كان لدى البشر نظرية خاطئة فان ذلك ليس سبباً لمحاربتهم وانما نحن نقوم بدور التوجيه والتذكير وننتظر من الزمن أن يكشف لهم ولنا وللتأريخ ان هذه الموجة كانت خاطئة أو صحيحة.



حول سياسية الانفتاح



الشهيد: كان الانفتاح سابقاً يدور حول كيفية اقتباس علوم الغرب وقد طبقه الحكام في بلاد الإسلامية وهكذا طبقه عدداً من المثقفين، وقد قال بعضهم باقتباس الحضارة الغربية بخيرها وشرها.



ما هي رؤية سماحتكم حول سياسية الانفتاح؟ وكيف تنظرون إلى التفاعل بين البلاد الإسلامية والغرب وحدود هذا التفاعل؟



آية الله المدرسي: هناك ثلاث بصائر تمهيدية للاجابة على هذا السؤال وهي:



الأولى: يقول (جب) المستشرق المعروف والذي قضى سنوات طويلة في البلاد الإسلامية وبالتحديد في مصر وكتب حول الإسلام كتاباً بعنوان (وجهة الإسلام) يقول: (إن التطور الحضاري في الشرق الأوسط لن يتم إلا على يد علماء الدين أولاً) وتعبير الشرق الأوسط أطلقه الغربيون على البلاد الإسلامية!



ومع قطع النظر عن المقدمات التي أوصلت جب إلى هذه النتيجة فانني أعتقد بصحتها ذلك لأن كل تطور حضاري بحاجة إلى عاملين: أ - الأصالة ب - الانفتاح.



ولان علماء الدين هم أكثر الفئات في البلاد الإسلامية أصالة واتصالاً بالجذور وأكثرهم استيعاباً للمكاسب التأريخية الحضارية فان الانفتاح بالنسبة لهم يقدم خدمة كبيرة للأمة لأنه يقوم على أساس معايير اسلامية ومقاييس سليمة في التمييز بين الخير والشر في الحضارات الغربية أو الحضارة الحديثة.



الثانية: تعدد محاور ومراكز الحضارة الحديثة اليوم بعد أن كانت أوروبا سابقاً هي محور الحضارة الحديثة قوى جديدة مثل الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي والصين وغيرها، وهذا التعدد في المحاور ساهم في تعداد الخيارات بحيث يستطيع أي بلد إسلامي تنويع مصادر الاقتباس والبحث عن أفضلها وأكثرها ملائمة لوضع الأمة.



الثالثة: في بداية إنطلاق الحضارة الحديثة غطت حالة من الانبهار العظيم بها على مساوئ حضارة الغرب وربما ظهرت هذه المساوئ عند قطاع كبير من المنبهرين على انها محاسن، ولكن مع استمرار موجة الحضارة الغربية بدأت تتكشف ثغرات كثيرة فيها كما ظهرت عيوبها ونواقصها سواء بسبب هجمة دول الغرب على بلاد العالم ولا سيما البلاد الإسلامية أو بسبب الحربين العالميتين الأولى والثانية، أو نتيجة بروز تيارات إصلاحية في العالم الغربي وإن غير ذلك من أسباب كثيرة جداً ليس هنا مجال ذكرها، فالانفتاح الآن على الحضارة الحديثة يختلف عن السابق إذ ان الانفتاح اليوم على حضارة أصبحت ناضجة بقدر ما، كما عرف خيرها وشرها وتميزت عناصر القوة فيها عن عناصر الضعف.



بعد بيان هذه البصائر الثلاث نقول، إذا كنا نعتمد على ركائز كافية للتمييز بين الغث والسمين في الحضارة والتي عادة ما توجد هذه الركائز عند علماء الدين بصورة أقوى وأبرز من غيرهم واذا ما تمكنا من تنويع مصادر الاقتباس في سبيل قطع الطريق أمام الوقوع في شباك التبعية السياسية أو التبعية الاقتصادية، وحتى تكون لدينا خيارات أكثر وأوسع وكذلك الحرية في تصويب أي منها، ثم إذا حددنا رؤية واضحة تجاه الحضارة الحديثة من خلال تجربتها الطويلة نسبياً وحذف الثغرات في جدار الحضارة، نقوم بعد كل ذلك بعملية التوجه إلى الاقتباس من الحضارة الحديثة والتي تحدد من وجهة نظري في أمرين:



الأول: التقنية العلمية المادية، وهذا الأمر ليس منسوباً إلى بلد أو فئة أو قوم فالعلم لكل عالم وهو ليس وقفاً أو حكراً على أحد أو بلد أو ما أشبه، الثاني، هي التجارب البشرية المتراكمة في مختلف الحقول الانسانية سواء مما يتصل بالسياسية أو الاقتصاد أو الاجتماع أو علم النفس أو ما أشبه من تجارب البشر المختلفة، هذه التجارب تسمى في عرف اللغة العربية بـ (الحكمة) وفي الحديث الشريف: «الحكمة ضالة المؤمن يأخذها أنى وجدها» ويمكن بهذا المفهوم تحديد عملية الانفتاح.



الشهيد: أخذت كلمة الانفتاح في عصرنا الحاضر عدة مصاديق منحرفة، إنفتاحات اقتصادية وانفتاحات سياسية وحتى انفتاحات اجتماعية وأخلاقية، فحدثت جراء ذلك الكثير من المشاكل.



على ضوء وجهة النظر الإسلامية التي تفضلتم بعرضها ما هي مميزات هذا الانفتاح وحدوده خاصة على الصعيدين الاجتماعي والثقافي؟.



آية الله المدرسي: هناك مجموعة من الركائز تساهم في إعطاء صورة واضحة عن موضوع الانفتاح وهذه الركائز هي:



الأولى، ينبغي التمييز بين الانفتاح والتقليد، فالانفتاح ممدوح ومطلوب والتقليد مذموم ومرفوض لماذا؟.



لأن التقليد يعني بصورة أخرى أن تقتبس ما يفعله الآخرون على علاته وعواهنه، بينما الانفتاح يعني أن تقتبس قدر حاجتك وبما يتناسب ووضعك.



أضرب مثلاً لتوضيح الفكرة وأقول، حاولت بعض البلدان، بعد أن حازت على استقلالها، في التوجه نحو انتاج الصناعات الثقيلة فكانت النتائج فظيعة للغاية أدت إلى إنهيار في مستوى التصنيع، كما حدث ذلك للجزائر بعد الاستقلال حيث تصور رجال الحكم في الجزائر انهم في موقع ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، أو بريطانيا مثلاً في أيام الثورة الصناعية الأولى، في وقت كانت قضية مشروع الصناعات الثقيلة تحتاج إلى دراسة عميقة وافية لوضع البيئة، إضافة إلى حاجات السوق، وغير ذلك من الاعتبارات والحيثيات الواقعية.



إذن فان أحد أهم ركائز الانفتاح ألاّ يكون تقليداً للغير.


الفصل الرابع



عود على بدء




الثقافة محور التغيير



الشهيد: في ضوء البحث عن سياسية تنموية شاملة، بدأتم بالحقل الثقافي واعتبرتم الثقافة كمحور في تحريك عجلة التنمية والتغيير في جوانب المجتمع المختلفة، فكيف يكون موقع باقي الحقول الأخرى في سلم أولوليات التغيير؟.



آية الله المدرسي: في تصوري، ان الحقل الذي يعقب الثقافة هو حقل نظرية الحكم والادارة، على أساس ان الحكم يعني السلطة والنظام الحاكم، والادارة تعني طريقة التنفيذ في السلطة وماهية قنواتها.



ونستوحي هنا من كلام الإمام علي (عليه السلام) في عهده إلى مالك الأشتر حينما ولاه مصر الذي يقول فيه )ع(: «فالجنود باذن الله حصون الرعية، وزين الولاة، وعز الدين، وسبل الأمن، وليس تقوم الرعية إلاّ بهم، ثم لا قوام للجنود إلاّ بما يخرج الله لهم من الخراج الذي يقومون به على جهاد عدوهم، ويعتمدون عليه فيما يصلحهم ويكون من وراء حاجتهم، ثم لا قوام لهذين الصنفين إلاّ بالصنف الثالث من القضاة والعمال والكتاب لما يحكمون من المعاقد ويجمعون من المنافع، ولا قوام لهم جميعاً إلاّ بالتجار وذوي الصناعات فيما يجتمعون عليه من مرافقهم..الخ».



إن ذلك يعني أن عملية بناء دولة قوية بحاجة إلى مال طائل حتى يمكن تقوية الجيش وهذا المال يعتمد بدوره على الاقتصاد القوي والأخير بدوره يعتمد على التحرك الفاعل وهذا يعتمد على حاكمية العدل ولماذا؟.



لأن في حالة قيام شخص ما بسرقة أتعاب وجهود الآخرين فهنا تحدث وقفتان في الحضارة:



الأولى: عند من يعمل ويسعى، لأنه يرى أن سعيه يذهب سدى، فلماذا يسعى إذن؟ فيتعلم هو أيضاً بشكل من الأشكال كيف يسرق من العمل ما دام غيره أيضاً يقوم بنفس العمل.



ومثال ذلك الضرائب العالمية التي تفرضها الحكومات الظالمة على الناس بحيث تدفع الناس (وفوق كل ذي علم عليم) إلى البحث عن طريقة لسرقة الحكومة، وهذه من أشد مشاكل الحكومات النامية إذ انه كلما تصاعدت الضرائب كلما ارتفعت ألسنة السرقة والرشاوي، بل إن هذه المشكلة ظاهرة حتى في الاتحاد السوفيتي، فبعد (60) عاما من الاشتراكية يقول خبراء الاقتصاد السوفييت ان الاقتصاد يشرف على الانهيار، بسبب السرقة المتبادلة والمرتفعة مما يعني قلة العمل في المصنع والمزرعة وما أشبه لأن جميع العمال يتعرضون إلى السرقة الرسمية وغير الرسمية فهم بدورهم يقومون بتمثيل نفس الدور.



الثانية: وقفة عند من يسرق، ولأنه يسرق فلا يجد حاجة للعمل والسعي، ومن هنا تبدأ حركة الانهيار، ليس في اقتصاد الأمة فحسب، بل في كافة أبعاد الحضارة.



ثم إن نظام الحكم والادارة الذي يأتي في الدرجة الثانية بعد الثقافة في عملية التغيير الشاملة بحاجة إلى أمور ثلاثة وهي:



أولاً: وجود جمهور يحمل صفات الوعي والشجاعة كما يتحمل مسؤولية الدفاع عن مكاسب حضارته وقيمه وثقافته؟



وفي الواقع فاننا إذا نظرنا إلى فساد أي نظام حكم في العالم نجد أن الفساد لم يقع على النظام نفسه بقدر ما هو واقع على ذلك المجتمع الذي يقبل بذلك الحكم، فحينما يكون المجتمع مجتمع الترهل والكسل والظلم الداخلي والتفرق والخذلان، فانه يقع بالتأكيد تحت هيمنة النظام الظالم، (وكذلك نولي بعض الظالمين بعضاً).



إذن، ينبغي أن نتقدم بالواقع الاجتماعي بقفزات بعيدة في هذا المجال، لأن الاشكال العريض المطروح اليوم هو في عدم وجود تنظيمات كافية، وعدم وجود وعي سياسي وحركي يأوي الجماهير، وأيضاً عدم وجود شجاعة كافية بالشكل المطلوب، وهذه في الواقع ثغرات يدخل منها اللصوص للسيطرة على الحكم بالاعتماد على سياسية الظلم والارهاب.



وحقيقة الأمر والحال هذه إن من أبرز وظائف أي حكومة عادلة هي أن تقلل من مساحة سيطرة الحكومة وتضاعف من قوة المنظمات والمؤسسات الجماهيرية، ذلك لأن هذه الحكومة قد تتعرض إلى الاهتزاز مع الزمن إن لم تكن تستند إلى المنظمات والمؤسسات الجماهيرية واذا افترضنا أن الحكومة سقطت بسبب قاهر فان وجود هذه المنظمات والمؤسسات الجماهيرية ضمان إلى عودة الحكومة أو على أقل التقادير تخفيف قوة الصدمة في المستقبل.



ولكن، تلك الحكومة التي يكون همها الأول، في سياستها الادارية، هو تقوية الحكم على حساب المؤسسات الجماهيرية، فان هذه الحكومة في الواقع تقطع جذورها بيدها وحينما تسقط لا تثير اهتمام أحد، وفي تصوري، فان هذه القضية حساسة للغاية، حيث نجد في حياة المجتمع أمثلة في هذا السبيل. فمثلاً، ان الأب وبحكم انه هو الذي يقوم بتقوية أبنائه لأنه يعلم بأنه سيضعف غداً فحين ذلك يحتاج إلى دعم أبنائه وسيحصل منهم على ذلك بينما ذلك الأب الذي يقوي نفسه على حساب أبنائه، فانه يبقى غداً دونما سند ودعم.



إذن السبيل إلى تأسيس نظام صالح، يعتمد على تربية المجتمع على الوعي والتنظيم والشجاعة والتصدي حتى يمكن صناعة الحضارة.



ثانياً: وجود قوانين تحتوي على نسبة عالية من العدالة والقيمية في نظام الحكم والقضاء، ففي عالم اليوم نجد ان الحكومات والأنظمة الطاغوتية تعتمد قوانين فيها نسبة من القيم وذلك لأن هذه الأنظمة لا تستطيع تشريع قانون ظالم مائة بالمائة الأمر الذي يلقي رفض العرف العام.



والمشكلة الأساسية هنا تكمن في عملية تنفيذ قوانين ومدى مطابقة هذا القانون على هذه المفردة التنفيذية، فالقوانين البشرية لا تأخذ اليوم حيز التطبيق حتى عند واضعيها، بل أن العالم الأول يعيش مشكلة ذاتها، فمثلاً قانون حقوق الإنسان في الولايات المتحدة الأمريكية غير معترف به في الجانب التطبيقي بالرغم من صدور هذا القانون يبقى معلقاً حين تصطدم المصالح الأمريكية مع حقوق الشعوب الأخرى.



ولكن قد يطبق هذا القانون في داخل أمريكا لوجود القضاء القوي، ففي حال تعرض أمريكا إلى مشكلة ما، يكون القضاء صاحب الدور الأكبر في التعامل مع المشكلة والبت في جزئياتها.



إذن القضية الأساسية هي تقوية واستقلال القضاء حتى يمكن للجماهير أن تعرض مشكلها ومطالبها للنظام الحاكم من خلال جهاز القضاء.



وان وجود قوة قضائية مستقلة في أي بلد يعد في الواقع ضمان لعدم الاعتداء على حقوق الناس وبالتالي إرساء لقواعد الأمن والسلام في المجتمع، فحينما يشعر الإنسان إن هناك جهازاً يضمن له الحماية فلا يحتاج مثلاً إلى السرقة خوفاً من عقوبة السرقة فقط وإنما يقوم كذلك للاعتقاد بان حقه مصان وغير مغصوب أما إذا علم أن حقه مغصوب فانه بلا شك سيقدم على ممارسة السرقة.



ثالثاً: تحديث وسائل الادارة حسب تطور الظروف والمتطلبات المرحلة، ولعل ضرورة ذلك تأتي من أمرين أساسيين وهما:



الأول: ان المشكلة الادارية في بلدان العالم بما فيها البلدان المتقدمة هي ان الجهاز الاداري يصاب بالهرم وقوانينه بالية وقديمة وأشبه ما يكون الجهاز الاداري برجل طاعن في السن، كما ان هذا الجهاز موضوع بحيث لا يقبل التطوير والتعديل فيبقى يغزوه الشيب حتى لو تراود عليه أجيال الشباب.



ولذلك يجب أن يجري تعديل على الأجهزة الادارية، كأن تتم عملية تجديد بين فترة وأخرى في داخل الأجهزة الادارية وذلك باتاحة الفرصة لكفاءات جديدة بالصعود في سلم الجهاز الاداري، كأن تبدل مثلاً طبقة المدراء القدامى بمدراء جدد لأن كل جيل بحاجة إلى مدراء بمستوى طموحاته ومطالبه من جهة وحتى يدخل الجهاز الاداري في الدورة الحضارية للمجتمع بشكل فاعل من جهة أخرى.



الثاني: ان كثرة القوانين تفسد الادارة وتساهم في تأخر العملية التنموية للمجتمع، وإنما الطريقة الفضلى هي في وضوح الاستراتيجيات والأهداف ومنح أعضاء الجهاز الاداري صلاحيات واسعة بعد عملية انتخابات مشروعة للأعضاء في جهاز الادارة.



فان كان بلد ما تسود فيه عشرات القوانين الصارمة والمعقدة والروتينية، فان ذلك يقيد حركة أبناء المجتمع كما ان هذه القوانين تشكل ضغطاً على المتعاملين معها من أعضاء الجهاز الاداري بحيث لا يدري هذا العضو الاداري متى يتم تطبيق هذا القانون ومتى يعلق وكيفية طريقة تطبيقه وتعليقه، ولكن الطريقة الصحيحة في العمل الاداري هي القائمة حسب المثل العربي (أرسل حكيماً ولا توصه)، فاذا لم يكن حكيماً وقدمت له وصايا كثيرة فانه يخرب وقد يطبق عكس الوصية.



ولعل الواقع يشهد بذلك حيث أن الظلم الواقع على الناس هو ليس من سوء القانون وإنما في جل الأحيان من سوء تطبيقه، فمثلاً يرى ذلك الموظف أن تطبيق القانون يكون ساري المفعول في حال حصوله على رشوة مالية، فاذا لم يحصل عليها فانه يكشر عن أنيابه ويسلط سيف القانون على ظهور الناس.



بينما النظرية الادارية السليمة تقول للموظف، انه يجب عليك أن تقوم بعملية تقدير وتقييم لمشاكل الناس، فاذا رأيت مثلاً فلاناً من الناس يستحق صفة المجرم فاعمل بما يقتضيه القانون، أما إذا وجدت فيه البراءة أو كان خطأه أو ذنبه لا يجعله في عداد المجرمين فلا يجوز التعامل معه بقانون الاجرام.



والمشكلة هنا أن كثيراً من المجرمين ظاهراً هم في حقيقة الأمر أناس أبرياء طيبون ولكن دخلوا السجن فاصبحوا مجرمين بالفعل والسبب في ذلك أن السجون في بلادنا تخرج مجرمين، خاصة تلك السجون المختلطة.



من هنا تنبع ضرورة المرونة في القوانين الادارية بعد تقليص عددها من خلال إعطاء صلاحيات واسعة للجهاز التنفيذي في الادارة على أساس الاستراتيجيات والأهداف الواضحة والمشروعة.



تأتي بعد ذلك أولوية أخرى في سياسة البناء والتغيير الشامل، وهي التنمية العلمية وذلك بالتأكيد على تأسيس المختبرات ومراكز العلوم التجريبية وبناء الجامعات والمعاهد ومراكز البحث والتوثيق وهذه تساهم في تطوير المصانع والمعامل.



أقول ذلك، لأن أولئك الذين أكدوا على العمل فشلوا، لأن العمل يرتبط بمقدمات أساسية أكثر أهمية من العمل نفسه والجانب العلمي هو أبرز مقدمات العمل.



ونأتي على نقطة أخرى وهي نظرية الجزر على طريقة نظرية الجزر الصناعية المتعارف عليها في العالم وتختلف نظرية المد الصناعي عن نظرية الجزر الصناعية في أن الأولى تقول، دع الجماهير تنمو وتنمو حتى تصل إلى مستوى الصناعة والتطور والتنمية.



أما نظرية الجزر الصناعية فتقول، إن العالم غير قابل للتوقف والانتظار حتى يتيح للجماهير فرصة النمو والتطور، وإنما يمكن تحقيق التقدم عبر إقامة جزر أو مدن أو مجموعة شركات صناعية، وهذه تقوم بعملية التطور والتوسع حتى تستوعب كافة شعوب العالم.



وهنا أطرح نظرية ثالثة هي مزيج من النظريتين السابقتين وأقول، إننا لسنا في غنى عن الجزر الصناعية ولكن كقضية اضطرارية نجعل من الجزر الصناعية وسيلة لتحقيق الهدف الأساسي وهو المد الصناعي، ولتوضيح فكرة النظرية الثالثة نورد مثالاً لذلك، وهو أن قسماً كبيراً من بلدان العالم العربي ركزت الاهتمام بالصناعة قبل الزراعة، وكان ذلك خطأً فظيعاً بحيث كانت البلدان تولي المدن إهتماماً أكبر من القرى، في حين ان المشكلة تأتي فيما بعد، إذ إن الاهتمام بالمدينة يقود إلى إفراغ القرية ثم يتبع ذلك مشكلة ثانية وهي مشكلة الازمة السكانية التي تأتي من اكتظاظ المدن بالسكان وبذلك تمتص اهتمامات الدولة في تلبية حاجات سكان المدينة فتبقى القرى تعيش مشكلة التخلف والجهل وما أشبه.



إذن نحن بحاجة إلى أن نبدأ بتطبيق نظرية المد الثقافي، والمد الحضاري، والمد الصناعي من القرية وذلك عبر برامج التلفزيون التي تتحدث عن الصناعة والتغيير والثقافة وما أشبه، إلى جانب كما قلنا تطوير الصناعات والشركات الكبرى والمعاهد والجامعات، ولكن المهم والأصل هي نظرية المد.



وهنا تطفو إلى السطح نظرية أخرى، هي نظرية الصناعات المتميزة لكل بلد، كون أن دولة واحدة من دول العالم لا تستطيع أن تتقدم في الصناعات وذلك مستعبد جداً بما في ذلك الدول الصناعية الكبرى على أن تكون الأولوية في الصناعات المتميزة للأستهلاك الداخلي والصناعات الخاصة بالبلد، فمثلاً، يوجد في البلدان النفطية كميات كبيرة من الغاز الذي يساهم في العمليات البتروكيميائية ولذلك يجب أن تتميز هذه البلدان في الصناعات البتروكيميائية، وفي بعض المناطق التي لا تمتلك زراعة متقدمة عليها أن تهتم بالصناعة الناشئة كونها ترتبط بالزراعة بألوان مختلفة، وان مثل هذه الصناعة يجب أن تكون متميزة خاصة بالنسبة لبلد يمتلك موارد مالية متعددة.



أعود وأقول ان الصناعة المشتركة في كل دول العالم هي صناعة الإنسان وأن الاستثمار الحاصل بالنسبة إلى الإنسان مهما كان كثيراً فانه لن يؤدي إلى الخسارة.



وإنما الخسارة نجدها ظاهرة في فقدان عنصر الإنسان، فمثلاً كانت مجمل الزيادة في الدخل القومي لبلدان العالم الثالث خلال سنة واحدة هي (54) مليار دولار بينما كان مقدار الخسارة في هجرة العقول من بلدان العالم الثالث إلى البلاد المتقدمة بلغت (60) مليار دولار.


الفصل الخامس



الجمهورية الإسلامية.. مرحلة جديدة




الجمهورية الإسلامية وإعادة البناء



الشهيد: بعد إعلان وقف إطلاق النار بين إيران والعراق، دخلت الجمهورية الإسلامية في إيران مرحلة جديدة من إعادة البناء، في تصوركم من أين يجب أن تبدأ إيران إعادة البناء؟.



آية الله المدرسي: إنني أعتقد بوجود نوعين من إعادة البناء:



1 بناء ما خربه نظام الشاه البائد وما أوجده الغرب من حالات التبعية والتقليد والعلاقات غير القيمية.



2 بناء ما خربته الحرب المفروضة على الجمهورية الإسلامية في إيران.



وكلا النوعين يكمل أحدهما الآخر في عملية إعادة البناء الشاملة للدولة الإسلامية، أما من أين تبدأ عملية إعادة البناء؟. وما هي الأولويات في مشروع إعادة البناء؟، بمعنى هل يجب أن نقدم جانباً على آخر؟، أم هل نبدأ إعادة البناء الاقتصادي، ام الاجتماعي، ام الثقافي؟، وهذه كلها بالتأكيد تمثل مجمل التحديات الحضارية، إذن فمن أين نبدأ؟،



في البدء أقول، ان الحديث في تصوري عن قضية إعادة البناء حديث ذو شجون كثيرة للغاية، ولذلك سنحاول الولوج فيه على استحياء ونقوم بعرض بعض النقاط المبدئية والمهمة في هذا الصدد.



أولاً: كما قلت قبل قليل حول النظرية التغييرية، فان عدم وجود نظرية متكاملة في البناء قد تحول عملية البناء إلى كارثة، والتكاملية في نظرية البناء تعني أن تكون كافة الجوانب الاقتصادية والثقافية والتربوية وما أشبه ضمن مخطط مشروع لإعادة البناء وأن وجود نظرية تقتصر على بناء نظام الحكم أو البناء الاداري قد تصبح ليس معوقاً فحسب وإنما قد تصبح سبباً للأنهيارات في الجوانب الأخرى.



إذن النظرية الأحادية في إعادة البناء ليست كافية وصحيحة وإنما المطلوب نظرية متكاملة تهتم بمختلف الأبعاد.



ثانياً: قبل البدء بعملية إعادة البناء هناك سلم أولويات في ذلك، فنحن أمام عدة خيارات بين أن نبدأ بالجانب الاقتصادي، أو الثقافي، أو السياسي، وما أشبه، وهذه الجوانب تؤثر في تغيير المجتمع نحو أي اتجاه، فأي من هذه الجوانب، يا ترى تأخذ المقام الأول في سلم أولويات إعادة البناء؟ وأي منها تأتي في النهاية؟ علماً بأنه مبدئياً يمكن القول بان أي جانب يؤثر في الجانب الآخر، ذلك ان الإنسان كل متكامل وان أي جانب من حياته يؤثر في الباقي الجوانب ويتأثر بها، فمثلاً ان تغيير الانتاج ووسائل الانتاج يؤثر في فكر الإنسان بنسبة، كما أن تغيير فكر الإنسان يؤدي إلى تغيير وسائل الانتاج أيضاً بنسبة، ولكن أي نسبة أكبر من الأخرى؟ هل نسبة تأثير وسائل الانتاج على فكر الإنسان أكبر؟ ام نسبة تأثير فكر الإنسان على وسائل الانتاج؟



كان الجدل قائماً سابقاً على أيهما يؤثر وأيهما لا يؤثر؟ ونحن نقول ان المسألة ليست في التأثير وعدم التأثير، إنما نقول بنسبة التأثير إذ لا ريب ان كل شيء يؤثر في كل شيء ويتأثر من كل شيء في هذا العالم ولكن بأي نسبة.



يبدو لي ان العمل الأساسي في التأثير هو العامل الثقافي، ولا أقصد بالثقافة هنا مفردات الثقافة بأن يكون هناك إنسان مثقف وآخر غير مثقف، وهذا قرأ (50) كتاباً وذاك (20) كتاباً، كلا، إنما اقصد بالثقافة، نوع النظرية الثقافية التي يقتنع بها الإنسان ويتفاعل معها وليس كمية الثقافة أو مفرداتها.



ويعد نوع الثقافة أهم عامل من عوامل التي كان ينبغي وما زال الاهتمام بها في عملية إعادة البناء، وذلك لان هذه العملية سواء كان من مفاهيمها تغيير ركائز الغرب الثابتة في بلادنا أو القضاء على الجهل والتخلف القديم أو إصلاح ما أفسدته الحرب أو ما أشبه، وهذه العملية بحاجة إلى خطة بناء واحدة وصحيحة وشاملة حتى يمكن تحقيق هذه الأمور، بمعنى آخر أن لا نقوم بعملية فصل بين أهداف البناء، فعلى سبيل المثال لو أن إنساناً أراد تجديد بناء بيته فهدم البناء السابق ثم قام بعملية التجديد في البناء وبدل المواقع السابقة (غرفة النوم والصالة والسلم والمجلس) وطال التعديل والتبديل كل أجزاء البيت، ولكن دونما تفكير من صاحبه في ان الحجارة التي تم رفعها كيف وماذا كان سابقاً؟، قد يتبادر إلى ذهنه مباشرة، الجواب وهو أنه لا علينا ماذا وكيف كانت سابقاً، دعنا ننظر إلى الإمام ونتطلع نحو المستقبل الأفضل الذي نسعى في بنائه ونترك جانباً التوغل في سلبيات الماضي وفي الحديث عنه وعن جدلياته واشكالاته فالمهم الحاضر والمستقبل.



والأولوية الثقافية إنما تأخذ موقعها في البناء، في وجود ركائز موجزة ولكن واضحة ومتكاملة بحيث تشمل مختلف أبعاد الحياة حتى يمكن القيام بعملية تغيير جذري في الأمة.



وفي الواقع، فاننا نحن المسلمون، نمتلك ثروة طائلة جداً وهي القرآن الكريم الذي هو كنز من كنوز الجنة، بل أكاد أقول كل كنوز الجنة كما نمتلك تجارب هائلة، ولكن الشيء الذي نفتقر إليه هو كيفية الاستفادة من كل ذلك في الوقت الراهن، ونحن نعيش وضعاً أشبه ما يكون بوضع مريض يعيش في متجر يحتوي على عشرات الألوف من الأدوية ولكن هذا المريض بحاجة إلى طبيب يصف له الدواء المناسب لمرضه.



والقرآن الكريم إنما هو علاج لكل داء بينما نحن ضيعنا الدواء وبالتالي ضيعنا تلك الآية التي تعالج بالتحديد هذا الداء.



وحاجتنا إلى الإمام والى القيادة الرشيدة تنبعث من كيفية تغطية هذه الحاجة من خلال الاستفادة من ثروة (القرآن الكريم) وإنما جاء القرآن الكريم لتغطية مثل هذه الحاجات،وليست تلك الحاجة ذات العلاقة بمعرفة فروع الدين أو بعض مسائل الثانوية، وإنما الحاجة الماسة تتمثل في الحاجة الفكرية إلى الإمام والقائد مثلاً.



على ضوء ذلك نستطيع أن نحدد نوعية الثقافة المراد نشرها في أوساط المجتمع، فهل هي قائمة على اساس الانغلاق الثقافي ام الانفتاح الثقافي؟ ثم هل نشجع الناس على الصناعة والتصنيع ام على الوسائل القديمة؟ ومتى يكون هذا ومتى يكون ذاك؟ وكيف يجب أن تكون علاقتنا مع الآخرين؟ وضمن أية معايير وبأية مقدار؟ وكيف تكون الثقافة التربوية للناس؟ هل على اساس دفع الناس إلى النشاط ام الترهل؟ وهل على اساس الطاعة أو الحرية؟ ومتى هذا ومتى ذلك؟



وبصورة أكثر وضوحاً نقول، اننا بحاجة إلى رؤية كافية واضحة لمجموعة من الأمور تساهم في إعادة البناء الشخصية حسب الحاجات والظروف والأمراض القائمة حالياً.



الشهيد: إذن يمكن أن نفهم أن ذلك دعوة إلى ثقافة توعوية؟



آية الله المدرسي: نعم وهذا أصل الثقافة، هذه الثقافة التي تساهم في دفع مسيرة الأمة في كافة أبعاد الحضارة، وهي بالتحديد الثقافة التي نحن بحاجة إليها في عملية إعادة البناء، فعلى سبيل المثال، أن تدخل الثقافة في بلورة حركة الاقتصاد بل وتحديد هويتها، هل هو اقتصاد الاستهلاك ام اقتصاد الانتاج، هل هو اقتصاد التقشف ام اقتصاد الترف و(الكماليات)؟ ثم، متى يكون المال حراماً؟ هل حين تجمعه من كد الآخرين ام أن حلية المال متوقفة على جمعه بأية طريقة؟ وأيضاً، ما هي نظرتنا إلى الموارد الطبيعية (الأرض والماء والمعادن وما أشبه؟) وكيف يجب أن نحافظ عليها والتعامل معها؟ ثم كيف نجمع بين التوجيه في الاقتصاد وبين عدم التواكلية، أو بتعبير آخر كيف نجمع بين التوجيه والمبادرة، فهل نلغي المبادرات والحريات الاقتصادية في سبيل الابقاء على الاقتصاد الموجه؟ فاذا تم تحديد إجابات ثابتة وصريحة لتلك التساؤلات يمكن استخراج محصلة أولية من معالم تلك الثقافة على أساس أهداف مرسومة سلفاً والمتمثلة في إعادة بناء الإنسان، من إنسان خامل مستهلك، حدّي المزاج، يرفض الحوار والتفاعل والتواصل إلى إنسان نشط ومنتج، يؤمن بالحوار والتفاعل والتواصل، وبالتالي من إنسان مختلف إلى إنسان حضاري، وهذا يأتي نتيجة معرفة المفردات الثقافية القادرة على إشعال فتيل التغيير في داخل الإنسان وعلى أحداث إنقلاب جذري في شخصيته ومسيرته في سبيل صياغة شخصية فاعلة، إيجابية تتخذ من التراث الثقافي زاد السعي والاجتهاد والعمل الدؤوب، وليس العكس، بأن تتكل على ثقافتها في تبرير الجمود والنكوص والتواكل.



هذه المسائل هي في الواقع تشكل العمود الفقري في البناء فيما لو استطعنا تحديد الركائز الأساسية في الثقافة التغييرية، وهذه الثقافة نستطيع بها بناء الحقول الأخرى الاقتصادية والصناعية والاجتماعية والاعلامية والسياسية وما أشبه.


الفصل السادس



مجتمع التغيير




الثقافة الإسلامية والمجتمع



الشهيد: كيف يمكن إدخال قيم الثقافة الإسلامية التغييرية في عملية بناء المجتمع الذي يموج بثقافات فاسدة؟ ثم هل هناك إمكانية إخراج المجتمع من شرنقة الثقافات الفاسدة.



آية الله المدرسي: في تصوري أن بلادنا الإسلامية تضم ثلاث تيارات ثقافية متداخلة ومختلطة، وهذا التداخل والاختلاط في ضرر البلاد الإسلامية وليس العكس والتيارات الثلاثة هي:



أ التيار القشري.



ب التيار الدخيل الاجنبي (الغربي).



ج التيار المصلحي أو الواقعي.



أو بتعبير آخر التيار المرتبط بالافرازات اليومية للثقافة السوقية.



ومن أجل توضيح فكرة الأنواع نسوق الأمثلة التالية على ذلك:



فالتيار القشري يقول، انه لا حاجة للعمل فلتعش وانظر ماذا يحدث، أو حسب المثل الشعبي الشائع (عيش وشوف).



أما التيار الغربي فيقول، عليك أن تفكر في بناء مستقبلك فأنت لست معنياً بأحد أو أمر ما.






/ 3