الفكر الإسلامي مواجهة حضارية - فکر الإسلامی مواجهة حضاریة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

فکر الإسلامی مواجهة حضاریة - نسخه متنی

سید محمد تقی مدرسی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید






محمد تقي المدرسي

الفكر الإسلامي مواجهة حضارية

بسم الله الرحمن الرحيم

ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير


الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله

مقدمة الطبعة الرابعة


الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين


ان لم تتح لي فرصة تصدير الطبعة الثالثة التي تمت في الكويت، فإني أجدني مسؤولا عن بيان رأيي في الكتاب بعد خمسة عشر عاما من تأليفه، وذلك عبر تقديم الطبعة الرابعة.


ويختص هذا الرأي بموضوعات العقائد الإسلامية من الكتاب فحسب، ويتلخص فيما يلي:


بالرغم من ان العقيدة الإسلامية هي التي تتحدى ضغط الشهوات، والأهواء، وسلبيات المجتمع الفاسد، وهي التي تتفرع عنها العبادات والأخلاق.


الا ان مشكلة البشر فيها ليست عقلية، إذ انها من ضرورات العقل، التي فطر الله الناس جميعا عليها.


بل هي مشكلة نفسية، نابعة عن ضعف الإرادة. أمام تحديات المجتمع وضغوط الشهوة؛ المجتمع الذي تحيط به اجهزة الطاغوت الإرهابية، كيف يمكن ان يعبد الله وحده دون ان يتسلح بإرادة يقهر بها ضعفه البشري؟


والشاب الذي تعصف به رياح الشهوة العاتية، كيف يتحدى إغراء الحياة، ويعبد الله وحده دون إرادة قاهرة؟


وهكذا الفرد المليء بالعقد، لا يمكنه فهم الحياة بفطرته الطاهرة دون خرق حجاب العقد بعزم إيماني راسخ.


وربما تشير إلى هذه الحقيقة، الأحاديث التي تؤكد ان الإيمان روح، وتبين ان الإيمان عمل، وان على كل جارحة مسؤولية إيمانية خاصة بها:


جاء في حديث شريف عن الإمام أبي عبد الله الصادق[1] (عليه السلام) انه سئل:


قال: قلت له ايها العالم! أخبرني أي أفضل عند الله؟


قال: ما لا يقبل الله شيئا الاّ به.


قلت: وما هو؟


قال: الإيمان بالله الذي لا إله الا هو، أعلى الأعمال درجة وأشرفها منزلة واسناها حظاً.


قلت: الا تخبرني عن الإيمان، أقول هو وعمل، ام قول بلا عمل؟


فقال: الإيمان عمل كله، والقول بعض ذلك العمل بفرض من الله بيّن في كتابه، واضح نوره، ثابتة حجته، يشهد له به الكتاب ويدعوه إليه.


ثم يضيف الحديث قائلا:


قال: لأن الله تبارك وتعالى فرض الإيمان على جوارح ابن آدم وقسَّمه عليها، فليس من جوارحه جارحة الا وقد وكلت من الإيمان بغيرما وكلت به اختها..


ومن هنا يبدو لي ان المنهج الإلهي في تذكرة الناس بربهم واعدادهم لإستقبال روح الإيمان، والبدء بالعمل بمسئولياته، يختلف عن منهج دراسة العقائد في كتب الكلام، أو بالأسلوب المتبع مثلا في هذا الكتاب. وبالرغم من ان هذا الأسلوب قد يكون نافعا، ونجد في كتب الإحتجاج ان الأئمة عليهم السلام استخدموه أيضا[2].


الا انه ليس المنهج الأمثل الذي نجده في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة.


ونحن نبين باختصار شديد بعض جوانب المنهج القرآني الأمثل لعل الاخوة الذين ورسون هذا الكتاب لطلبة العلوم الدينية، حفظهم الله، يستفيدون منه في أسلوب التدريس ويحوّلون حلقات الدرس إلى منابر توجيهية هدفها إثارة دفائن الفطرة وغرس مكارم الخلق، وتبصير الطلبة بحقائق انفسهم والحياة من حولهم.


ان العقائد ليست مادة دراسية بقدر ماهي تذكرة إلهية هدفها إيقاظ العقل من سباته، وجلاء الروح بعد تراكم الرين عليها، وبث الخشوع في القلب بعد قسوته. ومعلم درس العقائد لابد ان يزكي نفسه، لكي يتحول إلى قدوة في تصرفاته، ويكون في نبرات حديثه وقسمات وجهة تذكرة بالله، وترهيب من عذابه، وترغيب في عظيم ثوابه. المنهج القرآني


هناك خطان نشير اليهما في المنهج القرآني؛ خط في أسلوب التذكرة بالله، وخط في ربط ذلك بالعمل. بالنسبة إلى الخط الأول لابد ان نقول: بصائر القرآن لمعرفة العالمين


ان المنهج القرآني يذكر الناس بربهم من خلال الحياة، وليس بعيدا ولا مجردا عنها، حتى تتذكر ربك كلّما عشت ظاهرة طبيعية؛ فالشمس والقمر والنجوم آيات مسخرات بأمره والسموات والجبال يسبحن بحمد ربهن، وان من شيء الا يسبح بحمد ربه..


ويقول ربنا سبحانه، وهو يلفت إنتباهنا إلى السموات التي رفعها بغير عمد نراها:


[ الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون]. (الرعد/2)


ويذكرنا بما في الأرض من آيات لعلنا نعرف ربنا من خلال النظر إليها، والإعتبار بما فيها من إختلاف وتشابه، والتذكر لما فيها من علامات الحكمة والقوة.


[وهو الذي مدّ الارض وجعل فيها رواسي وأنهارا ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشي الليل النهار ان في ذلك لآيات لقوم يتفكرون] (الرعد/ 3).


ويلامس السياق القرآني فطرة الإنسان ويهزها عندما يقول:


[هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا وينشيء السحاب الثقال* ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال] (الرعد/ 12-13).


عندما تدك جبال السحب بعضها بعضاً، فتحدث دوي الرعد وتختلط عندك الرغبة بالرهبة، والطمع بالخوف، وتأتي الصواعق وهي مرسلة من لدن حكيم قدير، والأهداف مرسومة لها سلفا.


عندئذ تذكر ربك وعقوبته الشديدة، فلا تجادل فيه، بل أسلم له وجهك حنيفا مسلما.


بلى ان هذا المنهج القرآني الذي يفسر ظواهر الكون وسنن الله فيه تفسيرا إلهيا، انه يجعل المؤمنين يتذكرون ربهم كلما غشيتهم ظاهرة كونية أو أعقبتهم سنة إلهية.


يقول ربنا سبحانه عنهم:


[ان في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب* الذي يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار] (آل عمران/ 190- 191).


ان منهج القرآن يربي مثل هؤلاء المؤمنين، لأنه يعطيهم بصيرة إلهية ينظرون من خلالها إلى العالم المحيط بهم. وكلما توغلوا فيه، كلما ازدادوا ايماناً وتسليماً. بصائر القرآن في معرفة التاريخ


ويعطي القرآن الحكيم المؤمنين البصيرة الإلهية في التاريخ لينظروا من خلالها إلى الغابرين ويعتبروا بمصيرهم. ذلك بأن الإنسان تشده حوادث التاريخ بقدرما تستثيره ظواهر الحياة الراهنة، وهو مفطور على النظر إلى الماضي. إذا فلينظر إليه من خلال بصيرة إلهية ليزداد إيمانا بربه وتسليما لسننه وشرائعه كلما نظر في أحوال الغابرين.


يقول ربنا سبحانه:


[أولم يسيروا في الأرض كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها وجاءتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون] (الروم/ 9).


وقد يذكرنا ربنا بمصير قوم نعرفهم في التاريخ، ويعطي تفسيرا إلهيا للتطورات التاريخية العظيمة لما تسمى بالحضارات التي سادت ثم دمرت بسبب تخلفهم عن واجب التوحيد ومعرفة الخالق العظيم:


[وعادا وثمود وقد تبين لكم من مساكنهم وزيّن لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين* وقارون وفرعون وهامان ولقد جاءهم موسى بالبينات فاستكبروا في الأرض وما كانوا سابقين] (العنكبوت / 38-39).


ثم يذكرنا بعاقبتهم ـ وهي بالطبع ـ عبرة لكل ملحد لا يؤمن بربه ويستكبر في الأرض بغير حق. يقول ربنا سبحانه:


[فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون] (العنكبوت / 40).


بصار القرآن في معرفة النفس


ويتعرض البشر لحالات الشدة والرخاء، المرض والعافية، الفقر والغنى، ويعطيه المنهج القرآني في التوحيد البصائر الكافية لتفسير هذه الحالات المختلفة، ليريه الله آياته في نفسه وليتذكر ربه العظيم ويقنت له ويتضرع إليه فيكشف ما به من ضر ويهديه إلى صراط مستقيم.


وهكذا تتحول الحالات المختلفة للنفس البشرية إلى مدرسة إلهية تعلم طلابها التوحيد بفضل منهج القرآن، لهذا يقول ربنا سبحانه:


[وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه ثم إذا أذاقهم منه رحمة إذا فريق منهم بربهم يشركون] (الروم/ 33).


من خلال تبصير الإنسان بمواقع ضعفه وعجزه، وتذكيره بأيام تضرعه إلى ربه، يثير القرآن فطرة التوحيد في النفس البشرية، ويقول ربنا سبحانه:


[قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفية لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين* قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون* قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض أنظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون] (الأنعام/ 63-65).


وهكذا نرى المنهج القرآني الأمثل يذكرنا بالله من خلال بصائره في فهم المخلوقات، وفي وعي التاريخ، وفي معرفة النفس.


وهكذا يحيط بالمؤمن نور التوحيد عبر كل أفق، فيقول ربنا:


[سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم انه الحق ألم يكف بربك انه على كل شيء شهيد] (فصلت/ 63). المنهج القرآني


وحين يذكر المنهج القرآني برب العالمين يبصرنا بأنه الإله ولا معبود سواه وان له ـ وليس لطغاة السلطة أو المال أو أدعياء الدين ـ الولاية على الناس.


وهكذا يربي المنهج الإلهي المؤمن الحنيف الذي يكفر بجبت الشيطان والهوى والخرافة، كما يكفر بطاغوت السياسة والرأسمال والدعاية، ويأمر بالصلاح والمعروف وينهى عن الفساد والمنكر.


المنهج القرآني يربط بين التذكرة بالتوحيد وبين مسؤوليات المؤمن بالله في حقل الثقافة والإجتماع والأخلاق والعبادات. وفيما يلي نستعرض أمثلة على هذا المنهج:


في عالم الثقافة


يقول ربنا:


[وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال انكم قوم تجهلون* ان هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون* قال أغير الله أبغيكم إلها وهو فضلكم على العالمين] (الأعراف/ 138- 140).


وآيات الذكر التي تبين جهاد الموحدين ضد الأصنام كثيرة، وهي ـ على أي حال ـ تكشف عن هوية الموحدين الجهادية في حقل الثقافة، وتطهير القلوب عن رجس الشك والخرافة والجهل والتبرير.


ويبدو ان هذا كان هو الجهاد الأعظم الذي رافق مسيرة الموحدين في التاريخ، سواءا قبل أو بعد إنتصارهم على الكفار سياسيا وعسكريا، وسيبقى هو الجهاد المرير الذي يخوضه الموحدون طوال الوقت. في عالم الإجتماع


في حقل الاجتماع يذكر المنهج القرآني بالله في إطار الجهاد ضد العنصرية، والطبقية، والإرهاب الفكري، والإستكبار، والطغيان. لنستمع إلى القرآن الحكيم وهو يذكرنا بجهاد الموحد العظيم سيدنا شعيب ضد كفار قومه. قال ربنا:


[قالوا يا شعيب ما نفقه كثيراً مما تقول وانا لنراك فينا ضعيفا ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز* قال يا قومي أرهطي أعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهريا ان ربي بما تعملون محيط* ويا قوم اعملوا على مكانتكم اني عامل سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب وارتقبوا اني معكم رقيب] (هود/ 91-93).


ويقول عن التمييز الطبقي الذي جاهد ضده الأنبياء عليهم السلام لتكريس قيم التوحيد:


[وبرزوا لله جميعا فقال الضعفاء للذين استكبروا انا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء قالوا لو هدانا الله لهدينا كم سواء علينا أجزعنا ام صبرنا مالنا من محيص] (ابراهيم/ 21).


وعن قيمة التوحيد في مواجهة أصحاب المال، يقول ربنا سبحانه:


[ان قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما ان مفاتحه لتنوأ بالعصبة أولي القوة إذ قال له قومه لا تفرح ان الله لا يحب الفرحين] (القصص/ 76).


إلى ان يقول ربنا:


[فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين] (القصص/ 81).


ويذكرنا القرآن الكريم بمصير المستضعفين الذين أطاعوا أصحاب النفوذ والسيادة من دون الله فيقول سبحانه:


[ان الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا* خالدين فيها أبدا لا يجدون وليا ولا نصيرا* يوم تقلب وجوههم في النار يقولون ياليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا* وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا* ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا] (الأحزاب/ 64-68).


وهكذا تأتي قيمة التوحيد لتفك أغلال المجتمع الجاهلي عن الناس، غلا بعد غل، وتشد الناس ببعضهم برابطة إلهية لتهدم المؤسسات القائمة على أساس الشرك، وتكفر بالشركاء من دون الله. ـ اصحاب الثروة والقوة والشرف المزيف ـ وليقوم مقامها تجمعات الإيمان والتقوى والجهاد، وقد قال ربنا سبحانه:


[يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله أتقاكم ان الله عليم خبير] (الحجرات/ 13).


في عالم السياسة:


حينما بعث النبي إبراهيم برسالات الله، توجه تلقاء نمرود، طاغوت عصره، يأمره بالتوحيد، وقال ربنا:


[ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه ان آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال انا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين] (البقرة/ 258).


وأمر الله تعالى موسى عليه السلام أن يذهب إلى فرعون، طاغوت عصره، ويأمره بعبادة الله، فقال:


[اذهب إلى فرعون انه طغى* فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى] (طه/ 43-44).


وقال ربنا سبحانه لداود صراحة:


[يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فأحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ان الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب] (ص/ 26).


وبصفة عامة قال ربنا سبحانه:


[وما أرسلنا من رسول الا ليطاع بإذن الله ولو انهم إذ ظلموا انفسهم جاءوك فإستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما* فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسلميا] (النساء/ 64-65).


وفي آية قرآنية أخرى يقارن المنهج التوحيدي بين الإيمان بالله والكفر بالطاغوت، حيث قال ربنا:


[فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم] (البقرة/256)


هكذا المنهج القرآني في التذكرة بالله ينمي روح الإيمان في مواجهة الطاغوت، وليس إيمانا مجردا عن واقع السياسة.


الإيمان بالله يساوي الكفر بطاغوت عصرك، من يسعى لإستعبادك، أنى كان شخصه وإسمه ووسائله. وهكذا بهذه القوة وبهذه الشمولية ينبغي ان يدرس التوحيد. في عالم الأخلاق


من هم عباد الرحمن؟ وما هي شخصية المؤمن، بالتالي ما هو الإيمان الذي يربي عباد الرحمن؟ وهل هو إيمان بالله، ذلك الذي لا يعطيك سلاحا ضد العقد النفسية والأهواء والتأثر بالظروف الخارجية، وهل هو إيمان ذلك الذي لا يعطيك البصيرة في الحياة؟


القرآن الحكيم يقول:


[وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً واذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما* والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما* والذين يقولون ربنا أصرف عنا عذاب جهنم ان عذابها كان غراماً* انها ساءت مستقرا ومقاما* والذي إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً* والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس الذي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق آثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا] (الفرقان/ 63-69).


يعرف لنا ان المنهج القرآني يوف لنا الإيمان بالله، انه نور يمشي الإنسان به في الناس. يقول ربنا سبحانه عن الإيمان:


[ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا] (الشورى / 52).


[أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس] (الأنعام/122).


وعندما يقص علينا القرآن سيرة شعيب، تراه يجعل الإيمان بالله في مواجهة فساد أخلاقي كان شائعا في ذلك المجتمع، وهو النقص في المكيال والميزان. يقول ربنا سبحانه:


[وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله مالكم من اله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان اني أراكم بخير واني اخاف عليكم عذاب يوم محيط* يا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين] (هود/ 84-85).


وهكذا تكون التذكرة بالله في المنهج القرآني، سبيلا لإصلاح المجتمع والأخلاق الفاسدة التي فيه. في العبادات والآداب


المنهج الإلهي في التذكرة بالله يوصل البشر بربه عبر العبادات؛ عبر الصلاة والدعاء والحج و..لأنه يربط بين التذكرة بالله وبين السلوك الشخصي. يقول ربنا سبحانه:


[قد أفلح المؤمنون* الذين هم في صلاتهم خاشعون* والذين هم عن اللغو معرضون* والذين هم للزكاة فاعلون* والذين هم لفروجهم حافظون* إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين] (المؤمنون/ 1-6).


ان هؤلاء الذين يدّعون الإيمان وهم يسهون عن صلاتهم وعباداتهم، فهم بعيدون عن الله وعن رحمته. يقول ربنا سبحانه:


[فويل للمصلين* الذين هم عن صلاتهم ساهون* الذين هم يراءون ويمنعون الماعون] (الماعون/ 4-7).


وبإختصار: المنهج القرآني يسعى نحو تنمية روح الإيمان في النفس البشرية القادر على تحدي الضعف البشري، وذلك بعد تجاوز مرحلة الإثبات بالأدلة العقلية التي لا تقاوم الحجب النفسية في حالة وجودها. فشخص مثل فرعون استبد به حب الرئاسة، كيف يمكنه ان يسلم وجهه لله بمجرد سرد أدلة عقلية؟


أما إذا اتقشعت عنه الحجب، فإن فطرة البشر كافية، شهادة على الحقيقة.


ان البشر يعاني من ضعف إرادي لابد ان ينجبر بالمنهج القرآني، حتى يؤمن بالله ذلك الإيمان الذي يتحمل مسؤولياته العظيمة.


وفي الختام نستبصر بهدى السنة عبر حديث مفصل نرويه عن الصادقين عليهما السلام، يبين الامام فيه ان الإيمان مجموعة فرائض ومسؤوليات مبثوثة على جوانح البشر وجوارحه.


(فأما ما فرض على القلب من الأتيان في فالإقرار والمعرفة والعقد والرضا والتسليم بأن لا إله الا الله وحده لا شريك له إلها واحدا لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، وان محمدا عبده ورسوله صلوات الله عليه وآله، والإقرار بما جاء من عند الله من نبي أو كتاب.


فذلك ما فرض الله على القلب من الإقرار والمعرفة، وهو عمله، وهو قول الله عز وجل:


[الا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا] (النحل/ 106).


وقال:


[ألا بذكر تطمئن القلوب] (الرعد / 28).


وقال:


[الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم] (المائدة/41)


وقال:


[وان تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء] (البقرة/ 284).


وفرض الله على اللسان القول والتعبير عن القلب بما عقد عليه وأقر به. قال الله تبارك وتعالى:


[وقولوا للناس حسنا] (البقرة/ 83).


وقال:


[وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون] (العنكبوت/ 46).


فهذا ما فرض الله على اللسان وهو عمله، وفرض على السمع ان ينزه عن الاستماع إلى ما حرم الله وان يعرض عن ما لا يحل له مما نهى الله عز وجل والإصغاء إلى ما أسخط الله عز وجل، فقال في ذلك:


[وقد نزل عليكم في الكتاب ان إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره] (النساء / 140).


ثم استثنى الله عز وجل موضع النسيان، فقال:


[واما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين] (الأنعام/ 68).


وقال:


[فبشر عباد* الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب] (الزمر/ 17-18).


وقال عز وجل:


[قد أفلح المؤمنون* الذين هم في صلاتهم خاشعون* والذين هم عن اللغو معرضون* والذين هم للزكاة فاعلون] (المؤمنون/ 1-4).


وقال:


[وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم] (القصص/ 55).


وقال:


[وإذا مروا باللغو مروا كراما] (الفرقان / 72).


فهذا ما فرض الله على السمع من الإيمان ان لا يصغي إلى ما لا يحل له، وهو عمله، وهو من الإيمان.


وفرض الله على البصر ان لا ينظر إلى ما حرم الله عليه، وان يعرض عما نهى الله عنه ومما لا يحل له، وهو عمله وهو من الإيمان. فقال تبارك وتعالى:


[قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم] (النور/ 30).


فنهاهم ان ينظروا إلى عوراتهم، وان ينظر المرء إلى فرج أخيه، ويحفظ فرجه ان ينظر إليه.


وقال:


[وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن] (النور/31)


من أن تنظر أحداهن إلى فرج أختها، وتحفظ فرجها من أن ينظر إليها. كيف ندرس العقائد؟


لكي نستوحي من المنهج القرآني في تدريس العقائد، نوصي بملاحظة النقاط التالية:


ألف: أن نبدأ بالفات نظر الطلبة إلى آيات الله في الآفاق وفي أنفسهم مع التركيز على تلك الآيات الأقرب إلى إثارة عقولهم وتجلية فطرة الإيمان فيهم، ومع التذكرة بما في الخلق من روعة الجمال ولطف الصنع ودقة الحكمة. ان كل شيء من حولنا يسبح بحمد الله، ولكن السؤال: لماذا لا نفقه تسبيحهم، وما هو مفتاح فهم لغتهم؟ لماذا نحن محجوبون عن رؤية ضياء الشمس الذي يسجد الله، ويسبح بحمد الله، ويدعونا إلى ربنا؟


المعلم التوحيدي الناجح هو الذي يعطي الطالب منهجا للتفكر في المخلوقات، ومفتاحا لفهم لغة الحياة التي تعتبر أكبر مدرسة لمن يعرف لغتها.


وعلينا أن نبدأ مع الفرد من حيث هو، أي من النقطة التي هو فيها. فقد يثير فردا مظاهر الطبيعة، من تعاقب الليل والنهار، ونظام السموات والأرض، والرعد والبرق والعواصف..


وقد يعيش الفرد أزمة نفسية أو وضعا إقتصاديا سيئا، أو مرضا، أو علاقات إجتماعية شاذة.. وهكذا فيثيره ما يتناسب وضعه الخاص.


وعالم الرياضة الذي تعجبه الحسابات الدقيقة، وعالم الفضاء الذي تهزه عظمة المجرات السابحة في العالم اللامتناهي، وعالم الطب والأحياء و.. و..


لكل واحد منهم مفتاح يفض عقد نفسه، ويفتح آفاق معارفه، وعلى المعلم أن يبدأ من هناك، ويستمر معه حتى يطوف به على سائر آيات الله في الخليقة وفي النفس البشرية.


يأتي طبيب إلى الإمام الصادق عليه السلام يهتم بالعقاقير وبيده عقار يسمى بـ(الأهليلجة) فيقول بما تثبت الصانع؟ فيجيبه الإمام عليه السلام وفطرة بهذه الأهليلجة ويبدأ معه حوارا وجدانيا بناءا ينتهي بتسليم أمام وضوح الحجة بتسليمه وفكرة المعرفة.


ويأتي سائح يجوب البحار فيقول: دلني على ربي؟ فيجيبه من حيث هو، إذ يسأله: هل انكسرت بك السفينة في البحر وتعلق قلبك هناك بمن يقدر على انقاذه؟ فلما قال بلى، قال انه ربك.


ان تدريس العقائد يتم عبر التفاعل الوجداني بين النفس والحياة، بين العقل والطبيعة، وهذا لا يكون إلاّ عبر المعاناة والتفاعل بين المعلم والطالب، أكثر من أي درس آخر.


باء: أن يُستوحى من الآيات القرآنية، وخطب نهج البلاغة التوحيدية، وأدعية الصحفية السجادية، وأيضا من سائر الأدعية المأثورة في التذكر بالله.


ويستفاد وبغزارة من شواهد الطبيعة، وإختلافها ودقتها وعظمتها وحكمة تدبيرها، وبالذات من مكتشفات العلم الحديث.


جيم: ان التوحيد ليس مادة دراسية، بل بصيرة لفهم أية مادة دراسية أخرى، انه صبغة الله، انه برنامج المعرفة، إطار التفكر، سبيل إلى العلم بالحقائق، هدى ونور وضياء. ولذلك لا ينبغي حسر موضوع التوحيد في زاوية وفصله عن غيره من الموضوعات، بل لابد من بسطه على كل موضوع دراسي، وجعل كل شيء يعرف بالله، لأنه ليس أي شيء أظهر من الله.


جاء في الدعاء المأثور عن الإمام الحسين عليه السلام، والمعروف بـ(دعاء عرفة):


(كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مقتصر اليك، أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك؟! متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك، ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل اليك. عميت عين لا تراك عليها رقيبا، (وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبك نصيباً).


الله نور السموات والأرض، إذاً، فهو الشاهد على السموات والأرض، وبه نعرف السموات والأرض وليس العكس.


لابد ان نرفع الستار حتى تستقبل أفئدتنا أنوار معرفته.. ليدلنا إلى ذاته بذاته، لابد ان نرفع عن أعيننا غشاوة الظنون والشهوات، لابد ان نطهر قلوبنا من رجس الذنوب ورين الأماني.


وهكذا ينبغي أن يفعل معلم العقائد، وعليه ان يستعين بالله، ويتوكل عليه في عمله. وأخيرا أسأل الله ان ينفعني بهذا الكتاب يوم لا ينفع مال ولا بنون إلاّ من أتى الله بقلب سليم.


محمد تقي المدرسي


3/رجب الحرام/ 1404هـ

مقدمة الطبعة الثانية


حينما اقترحت عليَّ دار الجيل إعادة طبع كتاب (الفكر الإسلامية مواجهة حضارية) كان أسفي بقدر سروري.


لماذا؟


لأن هذا الكتاب الذي طبع قبل أربع سنوات لم يزل كتابا يستحق إعادة الطبع، علما بأن الكتاب الذي يعالج مثل هذه المواضيع الحساسة ينبغي ألاّ يظل سائدا على السوق أكثر من عام واحد وبعده يجب ان تأتي كتب جديدة تنسخ الكتاب، وتنتزع منه السيادة على الموضوع.


ولكن الذي يسلِّيني عن هذا الواقع، هو إصراري على حقي في تغيير ما وجدته بحاجة إلى تغيير، خصوصاً في العناوين التي لم تخضع لتوجيهي بالكامل في الطبعة الأولى.


وقسمت الكتاب أقساما ثلاثة، هي بالترتيب؛ عن العلم والفلسفة، عن العقيدة والإيمان، عن الإنسان والمجتمع.


ونزولاً عند رغبة طائفة من القراء نقلنا فصل التعاريف من بداية القسم الأول إلى نهايته.


وأرجو ربي أن ينفع بالكتاب جميع القراء..


محمد تقي المدرسي


بيروت 1/8/95هـ


8/8/75م كلمة في البدء


تعيش الأمة الإسلامية اليوم تحديا حضاريا صارخا ليس من قبل الحضارة الغربية فحسب، بل وأيضا من لدن حضارات تعتبر نفسها الصياغة المتطورة منها كالحضارة الشرقية.


وبالرغم من أن التحدي الحضاري ظاهرة لازمة في الأمة وأنه لم يأت حين على المسلمين إستراحوا فيه من تحديات حضارية، فإن التحدي الجديد يتخذ طابعا مختلفا يكمن في تحوله التدريجي إلى مواجهة حضارية شاملة للجوانب الأيديولوجية والإقتصادية والسياسية والعسكرية وهي مصيرية لأنها تعتزم اكتساح الحضارة الإسلامية حتى لا تعود قادرة على النهوض مرة أخرى.


والمواجهة الحضارية تبرز من خلال مظاهر مختلفة، بيد أن نقطة واحدة تقرر مصيرها النهائي بصالح الأمة أو في صالح أعدائها، تلك هي جدارة (الفكرة الحضارية) بالبقاء. فبقدر ما تكون الفكرة مليئة بركائز التقدم والغلب، وبقدر ما تبعثه في الإنسان المتقمص لها من الإيمان والمعرفة، سيكون تقدم الأمة وإنتصارها.


ولن تغني الفكرة الحضارية شيئاً لو لم تملك الأصالة والواقعية ولم تكن قادرة على تحميل نفسها على كتف الحياة حتى تصنع رجالا، وتصنع بهم بطولات وتصنع بها حضارة متفوقة. إذ بدون التفاعل بين الإنسان والفكرة كيف يتمكن الإنسان من تغيير واقع وبناء حياة! فهل تتقدم أمة تملك تراثا ضخما من الفكرة الحضارية لو لم تتحول فعلا إلى عطاء وعمل؟؟


ومن هنا فإن الإسلام لن يغني الأمة شيئا ما دام فكرا تاريخيا في ذهنية المسلمين، دون أن يتحول إلى مادة حضارية تتفاعل مع الإنسان في واقعه الخارجي. ولن يقع هذا التحول دون ظهور الإسلام على المسرح من جيد حتى يقوم بدوره كفكرة حضارية.


ذلك لان الإسلام كدين، والإسلام كتاريخ يختلف كثيرا عن الإسلام كإيمان وعمل (وبالتالي كفكرة حضارية).


إذ الدين بمفهومه الشائع إنتماء وطقوس، والتاريخ عبر وحكم. أما الإيمان، فهو أصالة وكينونة. أما الحضارة فهي حركة وحياة. وبين القسمين فاصل كبير.




/ 15