الاِمام الخامس - بحوث فی الملل والنحل جلد 8

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

بحوث فی الملل والنحل - جلد 8

جعفر سبحانی تبریزی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید














الاِمام الخامس





الحسين بن أحمد






ولد في مصياف سنة 219هـ، كان مركز إقامته في سلمية. اشتهر بثروته
المالية الطائلة.





من ألقابه: المرتضى ، والمقتدى، والزكي، والهادي، والتقي.





لخص رسالة الجامعة برسالة موجزة سمّـاها جامعة الجامعة.





كان على علاقات طيبة مع الهاشميين القاطنين في سلمية، التقى بالنجف
الاَشرف بالداعي أبي قاسم حسن بن فرح بن حوشب (منصور اليمن) وعلي بن
الفضل حيث كانا يدعوان للحسن العسكري الاثني عشري فأثّر فيهما وأحضرهما
إلى سلمية، ثمّ جهزهما بعد ذلك إلى اليمن.





وفي عهده تم إرسال أبي عبد اللّه الشيعي (1)(2)إلى المغرب.





في عصره دبَّ الوهن إلى الدولة العباسية وأحدقت بها الثورات
والاضطرابات، تولى ابن طولون في عهده شوَون مصر وأوكل إليه تنظيم بلاد
الشام أيضاً. كانت الاَموال الطائلة تحمل إليه من كافة الجهات حتى من آذربيجان.





1. والقرائن تشهد انّالمراد منه، هو عبد اللّه بن ميمون القداح.





2. وصار بعد ذلك داعية عبيد اللّه المهدي الاِمام السادس، وسيوافيك تفصيله في ترجمة
«عبيد اللّه».






مات في سلمية ودفن في مقام جده عبد اللّه بن محمد وكان ذلك سنة
265. (1)





ما ذكره من أنّه توفي عام 265هـ غير صحيح، لاَنّه عام وفاة والده ولعلّه
تصحيف سنة 289هـ. وقد أرّخ ميلاده ووفاته موَلف تاريخ الدعوة الاِسماعيلية
كما ذكرنا وقال: وعهد بالاِمامة من بعده لابنه محمد المهدي (2)وقال له: إنّك
ستهاجر بعدي هجرة وتلقى محناً شديدة. (3)





قد سبق وأن ذكرنا أنّ محمد بن إسماعيل ـ أي الاِمام الثاني ـ أرسل الداعيين
: الحلواني وأبا سفيان إلى المغرب، ولكن لم يحددا تاريخ البعث، فبما انّ محمد
بن إسماعيل استلم الاِمامة ـ حسب رأي الاِسماعيلية ـ عام 158هـ وتوفي عام
193هـ ، فيكون إرسالهما بين الحدين.





كان الداعيان مهتمين بالتبليغ والدعوة في أيام الاَئمّة الثلاثة إلى أن استلم
الاِمام الحسين بن أحمد زمام الاِمامة، ووقف بأنّ الدعوة في المغرب تتقدم
باستمرار، فحينئذٍ طلب من الداعية الكبير أبي عبد اللّه الحسين أحمد بن محمد
بن زكريا الشيعي ـ الذي كان يدعو الناس إلى المذهب الاِسماعيلي في البصرة ـ
الذهاب إلى اليمن ويدرس هناك على ابن حوشب ويطيعه ويقتدي به، ثمّ يذهب
بعد فراغه من الدراسة، إلى المغرب قاصداً بلدة «كتامة».





توجه أبو عبد اللّه إلى اليمن حيث شهد مجالس ابن حوشب وأصبح من
كبار أصحابه، فلمّا أتى خبر وفاة الحلواني وأبي سفيان دعاة المغرب إلى ابن
حوشب قال لاَبي عبد اللّه الشيعي: إنّأرض كتامة من المغرب قد حرثها الحلواني
وأبو سفيان وقد ماتا وليس لها غيرك، فبادر فانّها موطّأة ممهّدة لك.





1. عارف تامر: الاِمامة في الاِسلام:183.





2. عبيد اللّه المهدي.





3. مصطفى غالب: تاريخ الدعوة الاِسماعيلية:171.و لم يذكر مصدراً لكلامه.






فخرج أبو عبد اللّه إلى مكة وأعطاه ابن حوشب مالاً وسيّر معه عبد اللّه بن
أبي ملاحف، فلمّا قدم أبو عبد اللّه مكة سأل عن حجاج كتامة، فأرشِد إليهم،
فاجتمع بهم، ولم يُعرِّفهم قصدَه، وجلس قريباً منهم، فسمعهم يتحدثون بفضائل
أهل البيت، فأظهر استحسان ذلك، وحدّثهم بمالم يعلموه، فلمّـا أراد القيام سألوه
أن يأذن لهم في زيارته والانبساط معه، فأذن لهم في ذلك، فسألوه أين مقصده،
فقال: أُريد مصر، ففرِحوا بصحبته.





وكان من روَساء الكتاميين بمكة رجل اسمه «حُريث الجُميلي»، وآخر
اسمه موسى بن مكاد فرحلوا وهو لا يخبرهم بغرضه، وأظهر لهم العبادة والزهد،
فازدادوا فيه رغبة وخدموه، وكان يسألهم عن بلادهم وأحوالهم وقبائلهم وعن
طاعتهم لسلطان إفريقية، فقالوا: ما له علينا طاعة، وبيننا وبينه عشرة أيام، قال:
أفتحملون السلاح؟ قالوا: هو شغلنا، ولم يزل يتعرّف أحوالهم حتى وصلوا إلى
مصر، فلمّا أراد وداعهم قالوا له: أي شيء تطلب بمصر؟ قال: أطلب التعليم بها (1)
قالوا: إذا كنت تقصد هذا فبلادنا أنفع لك ، ونحن أعرف بحقك، ولم يزالوا به
حتى أجابهم إلى المسير معهم بعد الخضوع والسوَال، فسار معهم.





فلما قاربوا بلادَهم لقيهم رجال من الشيعة فأخبروهم بخبره، فرغبُوا في
نزوله عندهم واقترعوا فيمن يضيِّفه منهم، ثمّ رحلوا حتى وصلوا إلى أرض كتامة
منتصف شهر ربيع الاَوّل سنة ثمانين ومائتين ، فسأله قوم منهم أن ينزل عندهم
حتى يقاتلوا دونه، فقال لهم: أين يكون فج الاَخيار؟ فتعجبوا من ذلك ولم يكونوا
ذكروه له، فقالوا له: عند بني سليان، فقال : إليه نقصد، ثمّ نأتي كلّ قوم منكم في
ديارهم ونزورهم في بيوتهم، فأرضى بذلك الجميع.





و سار إلى جبل يقال له إنكجان، وفيه فج الاَخيار، فقال: هذا فج الاَخيار،
وما سمي إلاّ بكم ولقد جاء في الآثار: انّللمهدي هجرة تنبو عن الاَوطان، ينصره





1. يريد تعليم مذهب أهل البيت - عليهم السّلام- .






فيها الاَخيار من أهل ذلك الزمان، قوم مشتق اسمهم من الكتمان، فإنّهم كتامة
وبخروجكم من هذا الفج يسمّى فجُ الاَخيار.





ثمّ إنّه قال للكتاميين: أنا صاحب البدر الذي ذكر لكم أبوسفيان والحلواني،
فازدادت محبتهم له وتعظيمهم لاَمره. ثمّ إنّ الحسن بن هارون وهو من أكابر
كتامة، فأخذ أبا عبد اللّه إليه، ودافع عنه، ومضيا إلى مدينة ناصرون فأتته القبائل من
كلّ مكان وعظم شأنه، وصارت الرئاسة للحسن بن هارون، فاستقام له أمر البربر
وعامة كتامة. ثمّ كان الاَمر على ذلك حتى توفي الاِمام الحسين بن أحمد عام
289هـ وعهد بالاِمامة من بعده لابنه محمد المهدي، وقال له: إنّك ستهاجر بعدي
هجرة بعيدة، وتلقى محناً شديدة، فلمّا قام عبيد اللّه بعد أبيه انتشرت دعوته،
وأرسل إليه أبو عبد اللّه الشيعي رجالاً من كتامة من المغرب ليخبروه بما فتح اللّه
عليه وانّهم ينتظرونه. وهذا ما سنذكره في سيرة الاِمام التالي الاِمام عبيد اللّه
المهدي. (1)





***
هوَلاء هم الاَئمّة المستورون عند الاِسماعيلية، والذي يدلّ على ذلك أنّ
القاضي النعمان وصفهم بالاستتار، وجعل مبدأ الظهور قيام عبد اللّه الاِمام المهدي
باللّه، وإليك أبياته في أُرجوزته يقول:









  • واشتدت المحنة بعد جعفرٍ
    وكان قد أقام بعضَ ولده
    فجعل الاَمر له في ستر
    لخوفه عليه من أعدائه
    إلاّ ثقاتُ محضِ أوليائِه



  • فانصرف الاَمر إلى التستر
    مقامَه لمّا رأى من جَلدِه
    فلم يكن قالوا بذاك يدري
    إلاّ ثقاتُ محضِ أوليائِه
    إلاّ ثقاتُ محضِ أوليائِه






1. الجزري: الكامل: 8|31 ـ 37؛ تاريخ ابن خلدون:4|40ـ44،و أيضاًص 261.وقد لخصنا
القصة وحذفنا ما ليس له صلة بالموضوع كالحروب التي خاضها أبو عبد اللّه الشيعي.










  • وأهلُه الذين قد كانوا معه
    لمّا مضى كلّهم لصلبه
    قد دخلوا في جملة الرعية
    و كلهم له دعاة تسري
    يعرفهم في كل عصر وزمن
    والاهم،وكلُّ أوليائهم
    ولم يكن يمنعني من ذكرهم
    و ليس لي بأن أقول جهراً
    وهم على الجملة كانوا استتروا
    بل دخلوا في جملة السواد
    حتى إذا انتهى الكتاب أجله
    بمنّه مفتاحَ قفل الدين
    أيّده بالنصر والتمكين (2)



  • فقام بالاَمر، وقاموا أربعة
    مستترين بعده بحسبه
    لشدة المحنة والرزية
    ودعوة في الناس كانت تجري
    وكل حين وأوان، كلُّ مَن
    يعلم ما علم من أسمائهم
    إلاّ احتفاظي بمصون سرهم (1)
    ما كان قد أَُُدّي إليّ سرّاً
    و لم يكونوا إذ تولّوا ظهروا
    لخوفهم من سطوة الاَعادي
    وصار أمر اللّه فيمن جعله
    أيّده بالنصر والتمكين (2)
    أيّده بالنصر والتمكين (2)






و ممّا ينبغي إلفات القارىَ إليه انّ القاضي في كتابه «الاَُرجوزة المختارة» وإن ذكر
في المقام استتار الاَئمة بعد رحيل الاِمام الصادق وهو يوافق عقيدة الاِسماعيلية،
لكنّه في مقام الرد والنقد، رد على جميع الفرق الشيعية ماعدا الاِمامية الاثني
عشرية ، فقد رد على مقالات الحريرية، الراوندية، الحصينية، الزيدية، الجارودية،
البترية، المغيرية، الكيسانية، الكربية، البيانية، المختارية، الحارثية،





1. لوصحّ ما ذكره يجب على سائر الدعاة سلوك مسلكه وعدم التنويه بأسمائهم، لكن المشهور
خلافه، ولعلّ الاختلاف في أسمائهم وسائر خصوصياتهم دفعه إلى هذا الاعتذار.





2. القاضي النعمان: الاَرجوزة المختارة:191ـ192، والاَُرجوزة تبحث عن قضية الاِمامة منذ
وفاة الرسول، إلى عصره، والظاهر أنّه ألّفها في عهد الخليفة الفاطمي الثاني القائم بأمر اللّه وكان
حكمه من سنة 322 إلى 334 كما استظهر محقّق الكتاب.






العباسية، الرزامية.و لم يردّ على الاِمامية بشيء فلو لم يكن المذهب الاثنا
عشري مرضيّاً عنده لما فاته التعرض عليه، كيف وهو من أعظم فرق الشيعة؟!





وهذا يدل على أنّ الموَلف كان إمامياً اثني عشرياً ـ حسب رأي المحدّث النوري ـ،
ويعيش في حال التقية في عصر الخليفة الفاطمي المعزّ بدين اللّه في القاهرة
ويجاريه، وقد ألف دعائم الاِسلام، الذي اعتمدت عليه الاِسماعيلية والاثنا
عشرية، وإنّما المهم هو كتاب «تأويل الدعائم» الذي انفرد المذهب الاِسماعيلي
في الاعتماد عليه.ولعلّه كان هناك مبرر لتأليف هذا الكتاب وما ماثله واللّه العالم.





و مع ذلك سيوافيك ما يخالف هذا الرأي في الفصل الثالث عشر ضمن ترجمة
أبي حنيفة النعمان.





إلى هنا تمت ترجمة سيرة الاَئمّة المستورين، فلوجعلنا إسماعيل بن جعفر أوّل
الاَئمّة، فالاَئمّة المستورون خمسة وهم:





1. إسماعيل بن جعفر، وقد عرفت أنّه لم تكن له أيّة دعوة، وإنّما ذكرناه في هذه
القائمة مجاراة للقوم.





2. محمد بن إسماعيل، ولم تثبت عندنا له دعوة، بل كان يتعاطى مع هارون الرشيد
على ما عرفت.





3. عبد اللّه بن إسماعيل، المعروف بالوفي.





4. الاِمام أحمد بن عبد اللّه، المعروف بالتقي.





5. الحسين بن أحمد، المعروف بالرضي.





وعلى هذا فالاِمام السادس أعني عبيد اللّه المهدي ـ الذي خرج عن كهف
الاستتار، وأسّس دولة إسماعيلية بإفريقيةـ هو ابن الاِمام السابق، أعني: الحسين بن
أحمد، وعلى ذلك جرى موَرخو الاِسماعيلية فيذكرونه ابناً للاِمام السابق، ومع






ذلك ففي نسبه خلاف كما سيوافيك تفصيله.





تتمة





الموجود في كتب أنساب الطالبيين أنّ محمد بن إسماعيل بن جعفر
الصادق لم يعقّب إلاّ من رجلين، ولم يتعرّضوا لعبد اللّه بن محمد، فضلاً عن
أحمد بن عبد اللّه وولده الحسين.





قال الرازي: ولمحمد بن إسماعيل هذا من الاَولاد المعقبين اثنان: إسماعيل
الثاني، وجعفر الاَكبر السلامي. (1)





وقال أبو طالب الاَزوَرقاني: وعقّب محمد من رجلين: جعفر الاَكبر
السلامي، وإسماعيل الثاني. (2)





وقال ابن عنبة: وأعقب محمد بن إسماعيل من رجلين: إسماعيل الثاني،
وجعفر الشاعر «السلامي». (3)





نعم ذكر الشهرستاني: انّ ثلاثة من أولاد محمد بن إسماعيل بقوا مستورين
لا وقوف لاَحد عليهم: الرضي، والوفي، والتقي "قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ
إِلاّ قَلِيل" (4)ثمّ ظهر المهدي بالمغرب وبنى المهدية. (5)





ولكن ما ذكره الشهرستاني رأي تفرّد به.





ولذلك نرى أنّ بعض علماء الاَنساب جعل أئمّة الاِسماعيلية على الترتيب
التالي:





1. الرازي: الشجرة المباركة:101.





2. أبو طالب الاَزورقاني: الفخري في انساب الطالبيين:23.





3. ابن عنبة:عمدة الطالب:234.





4. الكهف:22.





5. الرازي: الشجرة المباركة:103.






1. إسماعيل بن الاِمام جعفر الصادق.





2. محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق، المعروف بالمكتوم.





3. ابنه: جعفر بن محمد السلامي، المعروف بالمصدق.





4. ابنه: محمد بن جعفر، المعروف بالحبيب. (1)





5. ابنه: عبيد اللّه المهدي ابن محمد الحبيب، وعليه يكون المهدي الاِمام
الخامس.





وفي بعض الروايات انّه ابن جعفر بن الحسن بن الحسن، بن محمد بن
جعفر الشاعر السلامي بن محمد بن إسماعيل. (2)
1. ابن عنبة:عمدة الطالب:235ـ 236.





2. أُنظر تراجم محمد المكتوم، جعفر المصدق، محمد الحبيب في الاَعلام:6|34، 2|126،
6|70 نقلاً عن اتعاظ الحنفاء بأخبار الاَئمة الفاطميين الخلفاء.










الفصل السادس
في


الاَئمة الظاهرين










الاِمام السادس





عبيد اللّه المهدي





(260ـ322هـ)





الاِمام عبيد اللّه الملقب بالمهدي، هو موَسس الدولة الاِسماعيلية في
المغرب.





ولد بسلمية التي هي بلدة بالشام من اعمال حمص عام 260ـ 259 ودعي له
بالخلافة على منابر: رقادة، والقيروان، يوم الجمعة لتسع بقين من شهر ربيع الآخر
سنة 289هـ، فخرجت بلاد المغرب عن ولاية بني العباس، وبنى البلدة المعروفة
بـ«المهدية» وتوفي بها عام 322هـ.





إذا سبرنا التاريخ نجد أنّ الموَرخين، وأصحاب المعاجم، لا يمسّون
إسماعيل ولا الاَئمّة الذين تلوه بكلمة مشينة، وإنّما يذكرونهم كسائر الفرق فلهم
مالهم وعليهم ما عليهم، فلما وصل الاَمر إلى عبيد اللّه الذي أسس دولة شيعية في
المغرب و تعاقب على حكمها خلفاء تمكنوا من إرساء دعائمها وتقوية
مرتكزاتها، ثارت ثائرة السنّة المعاندين، وأخذوا يصبّون عليهم قوارع الكلم،
ويرمونهم بأفظع النسب والتهم، ممّا يندى لها الجبين، والذي دعاهم لذلك أمران:





الاَوّل: عداوَهم السياسي، فهوَلاء الخلفاء أخرجوا المغرب ومصر
والشامات من قبضة الخليفة ببغداد،مما حرض البلاط العباسي ووعاظ الخلفاء
على سبّهم والطعن في نسبهم، وانّ نسب عبد اللّه المهدي لا يصل إلى آل علي،
بل إلى مجوسي أو يهودي.






الثاني: بغضهم للشيعة، فلقد قام الخلفاء الفاطميون بتأسيس دولة إسلامية
شيعية، لاَوّل مرة في أقصاع كبيرة من الاَرض وأشاعوا فيها التشيع، وحب أهل
البيت، وأمروا بإدخال «حي على خير العمل» في الاَذان، وترك بعض البدع، كإقامة
صلاة التراويح جماعة وغيرها، ممّا حدا بالمتعصبين من أهل السنّة كالذهبي، ومن
لف لفه ـ الذي كان لا يقيم للاَشاعرة من أهل العقائد ولا لغير الحنابلة من أهل الفقه
وزناً ولا قيمة، فكيف للشيعة المنزهة للّه سبحانه عن الجسم ولوازمه ـ أن يسبّهم
ويتّهمهم بتهم رخيصة، وانّهم من عناصر يهودية قلبوا الاِسلام ظهراً لبطن.





فما نرى في كتب التاريخ والمعاجم حول نسب عبيد اللّه المهدي،
كـ«وفيات الاَعيان» لابن خلكان، وسير أعلام النبلاء للذهبي وغيرهما لا يمكن
الاعتماد عليها والوثوق بها، لاَنّها وليدة أجواء العداء السياسي، والاختلاف
المذهبي، اللّذين يعميان ويصمان.





نعم هناك من رد تلك التهم المشينة من الموَرخين برحابة صدر كابن
خلدون في مقدمته، والمقريزي في خططه.





يقول ابن خلدون: أوّلهم عبيد اللّه المهدي بن محمد الحبيب بن جعفر
الصادق (1) بن محمد المكتوم بن (2)جعفر الصادق، ولا عبرة بمن أنكر هذا
النسب من أهل القيروان وغيرهم وبالمحضر الذي ثبت ببغداد أيام القادر بالطعن
في نسبهم، وشهد فيه أعلام الاَئمّة، وقد مرّ ذكرهم. فإنّ كتاب المعتضد





1. هو جعفر الاَكبر السلامي، ولد محمد بن إسماعيل ابن الاِمام الصادق - عليه السّلام- و ربما
يعبر عنه بالمصدق ليتميز عن جدّه الاِمام الصادق - عليه السّلام- .





2. سقط عن الطبع: ابن إسماعيل بن جعفر الصادق، أُنظر عمدة الطالب: 235،وقد ذكر ابن
خلدون نفسه في مكان آخر نسبه وقال: لما توفّي محمد الحبيب بن جعفر بن محمد بن إسماعيل
الاِمام عهد إلى ابنه عبيد اللّه وقال: أنت المهدي...التاريخ 4|44.






إلى ابن الاَغلب بالقيروان وابن مدرار بسجلماسة يغريهم بالقبض عليه، لمّا سار
إلى المغرب، شاهد بصحة نسبه، وشعر الشريف الرضي مسجل بذلك. والذين
شهدوا في المحضر فشهادتهم على السماع وهي ما علمت،و قد كان نسبهم
ببغداد منكراً عند أعدائهم شيعة بني العباس منذ مائة سنة، فتلون الناس بمذهب
أهل الدولة وجاءت شهادة عليه مع أنّها شهادة على النفي، مع أنّ طبيعة الوجود في
الانقياد إليهم، وظهور كلمتهم حتى في مكة والمدينة أدل شيء على صحّة نسبهم.





وأمّا من يجعل نسبهم في اليهودية والنصرانية ليعمونَ القدح وغيره، فكفاه
ذلك إثماً و سفسفة. (1)





ثمّ إنّ تقي الدين المقريزي بعد ما نقل أقوال المخالفين في حقّ عبيد اللّه
المهدي ـ حيث إنّهم وصفوه تارة بأنّه ابن مجوسي، وأُخرى أنّه ابن يهودي ـ أخذ
بالقضاء العادل وقال:





وهذه أقوال إن أنصفت تبيّن لك أنّها موضوعة، فإنّبني علي بن أبي طالب ـ
رضي اللّه عنه ـ قد كانوا إذ ذاك على غاية من وفور العدد وجلالة القدر عند
الشيعة، فما الحامل لشيعتهم على الاِعراض عنهم والدعاء لابن مجوسيّ أو لابن
يهودي؟! فهذا ممّا لا يفعله أحد ولو بلغ الغاية في الجهل والسخف، وإنّما جاء
ذلك من قبل ضَعَفة خلفاء بني العباس عندما غصوا بمكان الفاطميّين، فإنّهم كانوا
قد اتصلت دولتهم نحواً من مائتين وسبعين سنة، وملِكوا من بني العباس بلاد
المغرب ومصر والشام وديارَ بكر والحرمين واليمن، وخطب لهم ببغداد نحو
أربعين خطبة وعجزت عساكر بني العباس عن مقاومتهم.





فلاذت حينئذٍ بتنفير الكافة عنهم بإشاعة الطعن في نسبهم، وبث ذلك
عنهم خلفاوَهم وأعجب به أولياوَهم وأُمراء دولتهم الذين كانوا يحاربون عساكر
الفاطميين كي يدفعوا بذلك عن أنفسهم وسلطانهم معرّة العجز عن مقاومتهم،





1. ابن خلدون: التاريخ :4|40.






و دفعهم عمّا غُلِبُوا عليه من ديار مصر، والشام والحرمين حتى اشتهر ذلك
ببغداد، وأسجل القضاة بنفيهم من نسب العلويين، وشهد بذلك من أعلام الناس
جماعة منهم الشريفان الرضي والمرتضى (1)وأبو حامد الاسفرائيني والقدوري
في عدّة وافرة عندما جمعوا لذلك في سنة اثنتين وأربعمائة أيام القادر.





وكانت شهادة القوم في ذلك على السماع لما اشتهر، وعرف بين الناس
ببغداد وأهلها من شيعة بني العباس، الطاعنون في هذا النسب، والمتطيّرون من
بني علي ابن أبي طالب، الفاعلون فيهم منذ ابتداء دولتهم الاَفاعيل القبيحة، فنقل
الاَخباريون وأهل التاريخ ذلك كما سمعوه، ورووه حسب ما تلقوه من غير تدبّر،
والحقّ من وراء هذا.





وكفاك بكتاب المعتضد من خلائف بني العباس حجة، فإنّه كتب في شأن
عبيد اللّه إلى ابن الاَغلب بالقيروان وابن مدرار بسجلماسة (2) بالقبض على عبيد
اللّه، فتفطّن ـ أعزك اللّه ـ لصحّة هذا الشاهد، فإنّ المعتضد لولا صحّة نسب عبيد
اللّه عنده ما كتب لمن ذكرنا بالقبض عليه، إذ القوم حينئذٍ لا يَدْعون لِدعيّ البتة ولا
يذعنون له بوجه، وإنّما ينقادون لمن كان علوّياً، فخاف ممّا وقع، ولو كان عنده
من الاَدعياء، لما مرّ له بفكر ولا خافه على ضيعة من ضياع الاَرض.





وإنّما كان القوم، أعني: بني علي بن أبي طالب، تحتَ ترقّب الخوف من بني
العباس لتطلّبهم لهم في كلّ وقت، وقصدهم إيّاهم دائماً بأنواع من العقاب،
فصاروا ما بين طريد شريد، وبين خائف يترقّب، ومع ذلك فإنّ لشيعتهم الكثيرة
المنتشرة في أقطارهم من المحبة لهم، والاِقبال عليهم مالا مزيد عليه، وتكرّر قيام





1. سيوافيك كلام الرضي الذي نقله ابن أبي الحديد في شرحه.





2. سجلماسة مدينة انشئت سنة 140هـ ، وتقع في محلة تافيلات اليوم في طرف صحراء
المغرب على بعد حوالي 325 كلم إلى الجنوب الشرقي لمدينة فاس، عمرها بربر مكناسة، ولمّا
تولاّها اليسع بن سمغون المكناسي أحاطها بسور وبنى بها عدّة مصانع و قصور ، وقد استمر
عمران هذه المدينة إلى القرن العاشر الهجري.(دولة التشيع في بلاد المغرب: 109).






الرجال منهم مرّة بعد مرّة والطلب عليهم من ورائهم، فلاذوا بالاختفاء ولم يكادوا
يُعْرفُون، حتى تسمّى محمد بن إسماعيل الاِمام جدُ عبيد اللّه المهدي بالمكتوم،
سمّـاه بذلك الشيعة عند اتّفاقهم على إخفائه، حذراً من المتغلّبين عليهم، وكانت
الشيعة فرقاً.





فمنهم من كان يذهب إلى أنّ الاِمام من ولد جعفر الصادق هو إسماعيل ابنه،
وهوَلاء يعرفون من بين فرق الشيعة بالاِسماعيلية من أجل انّهم يرون أنّ الاِمام من
بعد جعفر ابنه إسماعيل، وانّ الاِمام بعد إسماعيل بن جعفر الصادق هو ابنه محمد
المكتوم، وبعد ابنه محمد المكتوم، ابنه جعفر الصادق (1) ومن بعد جعفر
الصادق، ابنه محمد الحبيب، وكانوا أهل غلو في دعاويهم في هوَلاء الاَئمّة.





وكان محمد بن جعفر هذا يوَمل ظهوره وانّه يصير له دولة، وكان باليمن
من أهل هذا المذهب كثير بعدن وبإفريقية وفي كتامة و نفره، تلقوا ذلك من عهد
جعفر الصادق، فقدم على محمد (الحبيب) بن جعفر والد عبيد اللّه رجل من
شيعته باليمن فبعث معه الحسن بن حوشب في سنة ثمان وستين ومائتين، فأظهرا
أمرهما باليمن، وأشهرا الدعوة في سنة سبعين، وصار لابن حوشب دولة بصنعاء،
وبثّ الدعاة بأقطار الاَرض، وكان من جملة دعاته أبو عبد اللّه الشيعي، فسيّره إلى
المغرب فلقي كتامة ودعاهم، فلمّا مات محمد (الحبيب) بن جعفر عهد لابنه عبيد
اللّه فطلبه المكتفي العباسي وكان يسكن عسكر مكرم، فسار إلى الشام، ثمّ سار
إلى المغرب فكان من أمره ما كان، وكانت رجال هذه الدولة الذين قاموا ببلاد
المغرب وديار مصر أربعة عشر رجلاً .





هذه خلاصة أخبارهم في أنسابهم، فتفطّن ولا تغتر بزخرف القول الذي
لفّقوه من الطعن فيهم، واللّه يهدي من يشاء. (2)
1. كان التعبير بالمصدَّق.





2. المقريزي: الخطط: 1|348ـ 349.






ولا يظن القارىَ الكريم انّ الكاتب بصدد الدفاع عن عقيدتهم وأُصولهم،
وما اقترفوه من الاَعمال الشنيعة كسائر الخلفاء وا لملوك، وإنّما الهدف إيقاف
القارىَ على بَخس حملة الاَقلام لحق هوَلاء، ولو كان لآل البيت حرية ولم يكن
لهم اضطهاد لما التجأوا إلى ترك أوطانهم والهجرة إلى أقاصي البلاد هرباً ممّا
يحيط بهم من الاَخطار.





ونعم ما قال العزيز باللّه أحد الخلفاء الفاطميين:









  • نحن بنو المصطفى ذوو مَحن
    عجيبة في الاَيام محنَتنا
    يفرح هذا الورى بعيدهم
    طرّاً وأعيادنا مآتمنا (1)



  • أوّلنا مبتلى وخاتمنا
    يجرعها في الحياة كاظمنا
    طرّاً وأعيادنا مآتمنا (1)
    طرّاً وأعيادنا مآتمنا (1)






إنّ الباطل إذا خلص من شائبة الحق، لا يمكن أن يدوم 272 سنة حاكماً، 208
أعوام منها على مصر، وعلى مساحات شاسعة من المغرب والشام والعراق، فلم
تكن الدعوة إلحادية، ولا مجوسية ، ولا يهودية، بل دعوة إسلامية على نهج آل
البيت، لكنّهم ضلّوا في الطريق، فأخذوا ببعض وتركوا بعضاً.





أضف إلى ذلك انّ الناس بايعوا الحاكم باللّه الاِمام الحادي عشر وهو ابن
خمس وستين سنة ممّا يدلّل على أنّ قلوب الاَُمّة كانت تهوي إليهم لمّا شاهدوا بأمّ
أعينهم من إشاعة للعدل وعمران للبلاد، وبسط للثقافة وأمن للطرق.





وأمّا ما نسب المقريزي إلى الشريف الرضي من أنّه وافق القوم في نفي
انتسابهم إلى البيت العلوي فيصفه ابن أبي الحديد ويقول:





«ذكر أبو الحسن الصابي وابنه غرس النعمة محمد في تاريخهما: أنّ القادر
باللّه عقد مجلساً أحضر فيه الطاهر أبا أحمد الموسوي، وابنه أبا القاسم المرتضى
وجماعةمن القضاة والشهود والفقهاء، وأبرز إليهم أبيات الرضي أبي الحسن التي





1. الذهبي: سير الاَعلام:15|167ـ 168.وسيوافيك أيضاً في ترجمته، فانتظر.






أوّلها:









  • ما مقامي على الهَوان وعندي
    و إباء مُحلِّقٌ بي عن الضي
    أي عذر له إلى المجد إن ذ
    أحمل الضيمَ في بلاد الاَعادي
    من أبوه أبي، ومولاه مولا
    لفَّ عِرقي بِعِرْقِه سيدا النا
    س جميعاً محمد وعليّ



  • مِقْول صارِم وأنف حَمِيّ
    ــم كما زاغَ طائر وحشيّ
    ل غلام في غمده المشرفيّ
    و بمصر الخليفةُ العلوي
    ي إذا ضامني البعيدُ القصيّ
    س جميعاً محمد وعليّ
    س جميعاً محمد وعليّ





وقال القادر للنقيب أبي أحمد: قل لولدك محمد: أيَّ هوان قد أقام عليه عندنا؟! أيّ
ضيم لقي من جهتنا؟! وأي ذُلّ أصابه في مملكتنا؟! وما الذي يعمل معه صاحب
مصر لو مضى إليه؟! أكان يصنع إليه أكثر من صنيعنا؟! ألم نولِّه النقابة؟! ألم نولِّه
المظالم؟! ألم نستخلفه على الحرمين والحجاز، وجعلناه أمير الحجيج؟! فهل كان
يحصل له من صاحب مصر أكثر من هذا؟! ما نظنّه كان يكون لو حصل عنده إلاّ
واحداً من أبناء الطالبيين بمصر.





فقال النقيب أبو أحمد: أمّا هذا الشعر فممّا لم نسمعه منه، ولا رأيناه بخطه،
ولا يبعد أن يكون بعضُ أعدائه نَحله إيّاه، وعزاه إليه.





فقال القادر: إن كان كذلك، فلتكتب الآن محضراً يتضمن القدح في أنساب
ولاة مصر، ويكتُب محمد خطَه فيه. فكتب محضراً بذلك، شهد فيه جميع من
حضر المجلس، منهم النقيب أبو أحمد، وابنه المرتضى، وحمل المحضر إلى
الرضي ليكتب خطّه فيه، حَمَله أبوه وأخوه، فامتنع من سطر خطه، وقال: لا أكتب
وأخاف دعاة صاحب مصر، وأنكر الشعر، وكتب خطه وأقسم فيه أنّه ليس بشعره،
وأنّه لا يعرفه. فأجبره أبوه على أن يكتب خطّه في المحضر، فلم يفعل، وقال:
أخـاف دعاة المصريين وغيلتهـم لي فانّهم معروفون بذلك، فقـال أبـوه:






يا عجباه، أتخاف من بينك وبينه ستمائة فرسخ، ولا تخاف من بينك وبينه مائة
ذراع؟! وحلف ألاّ يكلّمه، وكذلك المرتضى، فعلا ذلك تقية وخوفاً من القادر،
وتسكيناً له.





و لمّا انتهى الاَمر إلى القادر سكتَ على سوءٍ أضمره، وبعد ذلك بأيام صرفه
عن النقابة، وولاّها محمد بن عمر النهر السايسي. (1)





ذهاب عبيد اللّه إلى إفريقية





لمّا تمكن أبو عبد اللّه واستقر أمره مهّد الطريق لاِمامة عبيد اللّه المهدي،
فبعثَ برجال من كتامة إلى سلمية في أرض الشام، فقدِموا على عبيد اللّه وأخبروه
بما فتح اللّه عليه، وكان قد اشتهر هناك انّالخليفة المكتفي طلبه، فخرج من سلَمية
فارّاً ومعه ابنه أبوالقاسم نزّار، ومعهما أهلهما فأقاما بمصر مستقرين، ثمّسار إلى
طرابلس وقد سبقَ خبره إلى «زيادة اللّه» فسار إلى قسطيلية فقدم كتاب «زيادة اللّه»
ابن الاَغلب إلى عامل طرابلس بأخذ عبيد اللّه وقد فاتهم، فلم يدركوه، فرحل إلى
سجلماسة وأقام بها، فوافى عامله على سجلماسة كتاب زيادة اللّه، بالقبض على
عبيد اللّه فلم يجد بداً من أن قبض عليه وسجنه. فلمّا دخل شهر رمضان سار أبو
عبد اللّه من رقادة في جيوش عظيمة يريد سجلماسة، فحاربه اليسع يوماً كاملاً
إلى الليل ثمّ فر عاملها في خاصته، فدخل أبو عبد اللّه من الغد إلى البلد وأخرج
عبيد اللّه وابنه ومشى في ركابهما بجميع روَساء القبائل، وهو يقول للناس: هذا
مولاكم، وهو يبكي من شدة الفرح حتى وصل بهما إلى فسطاط وأقاما فيها أربعين
يوماً، ثمّ سار إلى إفريقية في ربيع الآخر سنة سبع وتسعين ونزل برقادة، وقسّم
على وجوه كتامة أعمال إفريقية. (2)
1. شرح نهج البلاغة: 1|37ـ 39.





(2) 2 . المقريزي: الخطط المقريزية:1|350، دار صادر؛ ابن خلكان: وفيات الاَعيان:2|192.






ولكن العجب انّ عبيد اللّه جزى أبا عبد اللّه الشيعي جزاء السنمار، وذلك
انّ المهدي لما استقامت له البلاد، ودانت له العباد، وباشر الاَُمور بنفسه وكف يد
أبي عبد اللّه ويد أخيه أبي العباس، داخل أبا العباس الحسد وعظم عليه الفطام عن
الاَمر والنهي والاَخذ والعطاء، فأقبل يزري على المهدي في مجلس أخيه ويتكلّم
فيه وأخوه ينهاه ولا يرضى فعله فلا يزيده ذلك إلاّلجاجاً، ولم يزل حتى أثّر في
قلب أخيه وكلّ ذلك يصل إلى المهدي وهو يتغافل، ثمّ صار أبوالعباس يقول: إنّ
هذا ليس الذي كنّا نعتقد طاعتَه وندعو إليه، لاَنّ المهدي يختم بالحجة ويأتي
بالآيات الباهرة، فأخذ قوله بقلوب كثير من الناس، منهم إنسان في كتامة يقال له
شيخ المشايخ، فواجه المهدي بذلك وقال: إن كنت المهدي، فأظهر لنا آية فقد
شككنا فيك، فقتله، فخافه أبو عبد اللّه و علم أنّ المهدي قد تغيّر عليه واتّفق هو
وأخوه ومن معهما على الاجتماع عند أبي زاكي وعزموا على قتل المهدي،
واجتمع معهم قبائل كتامة إلاّقليلاً منهم وكان معهم رجل يظهر أنّه منهم وينقل ما
يجري إلى المهدي.





فلمّا وقف المهديّ على أمرهم حاربهم وأمر رجالاً معه أن يرصدوا أبا عبد
اللّه وأخاه أبا العباس ويقتلوهما. (1)





ولكن الاِسماعيلية تنكر ذلك، وتقول: وهذه الاَقوال لا يقرّها المنطق، ولا
يمكن أن يصدّقها العقل، فلو كان أبو عبد اللّه الشيعي يبغي الخلافة لنفسه لكان
باستطاعته أن يحصل عليها قبل قدوم الاِمام محمد المهدي إلى إفريقية عندما
كانت جيوشه يربو عددها على المائة ألف مقاتل بينما كان الاِمام المهدي في
الرملة بطريقه إليه.





ثمّ يقول: إنّ أبا عبد اللّه الشيعي قضى آخر أيّامه بقرب الاِمام مخلِصاً له





1. الجزري: الكامل في التاريخ :8|50ـ53، دار صادر.






حتّى أدركته الوفاة، فدفن باحتفال مهيب وصلّى عليه الاِمام المهدي. (1)





ولكن فات الكاتب أنّ أبا عبد اللّه الشيعي وإن كان لا يبغي الخلافة لنفسه
لفقدانه الرصيد الشعبي ، ومع ذلك كان يتطلع للمشاركة في الاَُمور ، وقد حال
المهدي دون ذلك، فعند ذلك ثارت ثائرته. وتآمر على إمامه.





ثمّ إنّ هناك نكتة أُخرى هامة وهي أنّالنبي - صلّى الله عليه وآله وسلّم - أخبر عن خروج المهدي
في آخر الزمان، وانّه يملك الشرق والغرب، ويجري القسط والعدل بين الناس،
فاتخذ المهدي هذا الخبر الذائع الصيت ذريعة لاستقطاب الناس حوله، وقد
سمّى نفسه محمّداً، ولقب نفسه بالمهدي فتقمّص أوصاف المهدي الذي أخبر به
النبي - صلّى الله عليه وآله وسلّم - ، ليتخذها وسيلة لتحقيق مآربه وانّه مفترض الطاعة.





وقد مات عبيد اللّه في ليلة الثلاثاء منتصف شهر ربيع الاَوّل سنة 322هـ
بالمهدية في القيروان عن ثلاث وستين سنة، وكانت خلافته أربعاً وعشرين سنة
وشهراً وعشرين يوماً، وقام بعده ابنه.





1. مصطفى غالب: تاريخ الدعوة الاِسماعيلية:183.






الاِمام السابع





القائم بأمر اللّه





(280ـ 334هـ)





ولد الاِمام القائم بأمر اللّه، ابن الاِمام عبيد اللّه المهدي، في محرم سنة 280
هجرية «بالسلَمية»، وارتحل مع أبيه الاِمام محمد المهدي إلى المغرب، وعَهد إليه
بالاِمامة من بعده حسب الاَُصول الاِسماعيلية، فاقتفى إثر أبيه وخطا خطاه، ونهج
نهجه، وعمل جاهداً على تعزيز وازدهار الدعوة الاِسماعيلية، وتعميمها في جميع
البلدان والاَقاليم، ووجّه اهتمامَه الزائد لتنظيم وتقويةَ البحرية الاِسماعيلية، فشكل
اسطولاً عظيماً، تمكن بواسطته من قهر العصابات البحرية المالطية، التي كانت
تأتي بأعمال القرصنة لغزو البلاد الاِسماعيلية، وقيامهم بأعمال النهب والسلب
والتخريب.و احتلَّ الاسطول الاِسماعيلي «جنوه» و«لونبارتي» و«غرناطة» وغيرها
من البلاد الايطالية التي كانت خاضعة لحكم الروم، كما فتح الاِسماعيلية جزيرة
«صقليا». (1)





يقول المقريزي: كان اسمه بالمشرق عبد الرحمان فتسمى في بلاد المغرب
بمحمد، فلما فرغ من جميع ما يريده وتمكّن، أظهر موتَ أبيه، واستقلّ بالاَمر وله
سبع وأربعون سنة، وتبع سيرة أبيه، وثار عليه جماعة فظفر بهم، وبثَّ جيوشَه في
البرّ والبحر فسبَوا وغَنِمُوا من بلد «جنوه» وبعث جيشاً إلى مصر فملكوا





1. مصطفى غالب: تاريخ الدعوة الاِسماعيلية: 184.






الاسكندرية، والاخشيد يومئذٍ أمير مصر، فلما كان في سنة ثلاث وثلاثين
وثلاثمائة خرج عليه أبو يزيد مخلد بن كندار النكاري الخارجي بإفريقية،
واشتدّت شوكتُه وكثرت أتباعه، وهزمَجيوشَ القائم غير مرة، وكان مذهبه تكفير
أهل الملّة ، وإراقة دمائهم ديانة، فملك «باجه» وحرّقها، وقتل الاَطفال، وسبى
النسوان، ثمّملك القيروان، فاضطرب القائم، وخاف الناس، وهمّوا بالنقلة من
«زويلة» وقوى أمر أبي يزيد ونازل المهدية وحصر القائم بها، وكاد أن يغلب عليها،
فلما بلغ المصلّى حيث أشار المهدي أنّه يصل، هزمه أصحاب القائم وقتلوا كثيراً
من أصحابه، وكانت له قصص وأنباء، إلى أن مات القائم لثلاث عشرة خلت من
شوال سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة، عن أربع وخمسين سنة وتسعة أشهر، ولم يرق
منبراً، ولا ركب دابّة لصيدٍ مدّة خلافته حتى مات، وصلى مرّةً على جنازةٍ، وصلى
بالناس العيدَ مرة واحدة، وكانت مدّة خلافته اثنتي عشرة سنة وستة أشهر وأيّاماً، و
ترك أبا الظاهر إسماعيل، وأبا عبد اللّه جعفر أو حمزة، وعدنان، وعدّة أُخر، وقام
من بعده ابنه. (1)





يقول الجزري في حوادث سنة (334): وفي هذه السنة توفي القائم بأمر
اللّه، أبو القاسم محمد بن عبد اللّه المهدي العلوي صاحب إفريقية، لثلاث عشرة
مضت من شوال، وقام بالاَمر بعده ابنه إسماعيل، وتلقّب المنصور باللّه، وكتم موته
(2) خوفاً أن يعلم بذلك أبو يزيد، وهو بالقرب منه على «سوسة» وأبقى الاَُمور
على حالها، ولم يتسمّ بالخليفة، ولم يغير السكّة، ولا الخطبة، ولا البنود، وبقي على
ذلك إلى أن فرغ من أمر أبي يزيد، فلما فرغ منه أظهر موته، وتسمّى بالخلافة،
وعمل آلات الحرب والمراكب، وكان شهماً شجاعاً، وضبط الملك والبلاد. (3)
1. المقريزي: كتاب الخطط المقريزية: 351، دار صادر.





2. كسيرة أبيه في حقّ المهدي.





3. الجزري: الكامل في التاريخ: 8|455، دار صادر.






وقد ذكره الذهبي السلفي وبالغ في ذمه، وسلك في ترجمته نفس ما سلكه
في ترجمة أبيه، ولاَجل ذلك تركنا النقل عنه، ومن أراد الوقوف عليه فليرجع إلى
كتابه. (1)





1. الذهبي: سير أعلام النبلاء: 15|151، موَسسة الرسالة.






الاِمام الثامن





الاِمام المنصور باللّه





(303ـ346هـ)





ولد الاِمام المنصور باللّه ، إسماعيل بن الاِمام القائم بـ«المهدية» في أوّل
جمادى الآخرة سنة 303هـ، وقيل: ولد بالقيروان سنة 302هـ، تسلّم شوَون الاِمامة
بعد وفاة أبيه سنة 334هـ، وكان سياسيّاً عظيماً، ومحارباً قديراً، وخطيباً من أفصح
الخطباء وأبلغهم. (1)





وقال المقريزي: جدّ في حرب أبي يزيد حتى ظفر به وحمل إليه فمات من
جراحات كانت به، سلخ المحرّم سنة ست وثلاثين وثلاثمائة ولم يزل المنصور
إلى أن مات سلخ شوال سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة عن إحدى وأربعين سنة
وخمسة أشهر، وكانت مدّة خلافته ثمان سنين وقيل سبع سنين وعشرة أيّام، وقد
اختلف في تاريخ ولادته فقيل: ولد أوّل ليلة من جمادى الآخرة سنة 303هـ
بالمهدية، وقيل: بل ولد في سنة اثنتين وقيل: سنة إحدى وثلاثمائة، وكان خطيباً
بليغاً يرتجل الخطبة لوقته شجاعاً عاقلاً، وقام من بعده ابنه. (2)





يقول الموَرخ المعاصر: وما زال أبو يزيد هارباً والجيوش تلاحقه حتى
التجأ إلى جبل البربر، وجمع خلقاً كثيراً لمقابلة جيش الاِمام المنصور، ولكنّه هزم،





1. مصطفى غالب: تاريخ الدعوة الاِسماعيلية:189.





2. المقريزي: الخطط: 1|351، دار صادر.






فأدركه أحد الاَُمراء الاِسماعيليين وقبض عليه وساقه إلى الاِمام المنصور، وكان
ذلك سنة 336 هجرية، فقتله وأمر الاِمام أن تبنى مدينة «المنصورية» تيمّناً بذلك
الانتصار العظيم، ثمّ عاد الاِمام إلى المهدية في شهر رمضان عام 336 هجرية،
فعهد بالاِمامة من بعده لولده المعز لدين اللّه، وتوفي يوم الاَحد في الثالث
والعشرين من شوال سنة 346هجرية، ودفن جسده الطاهر في مدينة المنصورة،
وقيل كانت وفاته سنة 343 هجرية ودفن بالمهدية. (1)
1. مصطفى غالب: تاريخ الدعوة الاِسماعيلية: 190.






الاِمام التاسع





المعزّ لدين اللّه





موَسس الدولة الفاطمية في مصر





(319ـ365هـ)





وهو أوّل خليفة فاطمي ملك مصر وخرج إليها، وكان مغرىً بالنجوم
ويعمل بأقوال المنجمين، وكان المعز عالماً، فاضلاً، جواداً، شجاعاً، جارياً على
منهاج أبيه في حسن السيرة، وإنصاف الرعية، وستر ما يدعون إليه إلاّ عن الخاصة،
ثمّ أظهره وأمر الدعاة بإظهاره إلاّ أنّه لم يخرج فيه إلى حد يذم به. (1)





يقول المقريزي: المعز لدين اللّه أبو تميم، «معد» ولد للنصف من رمضان
سنة 319هـ فانقاد إليه البربر وأحسن إليهم، فعظم أمره واختص من مواليه،
«بجوهر» وكنّاه بأبي الحسين، وأعلى قدره، وسيّره في رتبة الوزارة، وعقدَ له على
جيش كثيف، فدوّخ المغرب، وافتتح مدناً، وقهر عدّة أكابر وأسّـرهم، حتى أتى
البحر المحيط الذي لا عمارة بعده، ثمّ قدم غانماً مظفراً، فعظم قدرُه عند المعزّ،
ولما وصل الخبر إلى المعز بموت كافور الاِخشيدي صاحب مصر أخذ في تجهيز
جوهر بالعساكر إلى أخذ ديار مصر حتى تهيأ أمره، وبرز للمسير، فلمّا ثبتت قدم
جوهر بمصر، عزم المعز على المسير إلى مصر أجال فكره فيمن يخلفه في بلاد
المغرب، فوقع اختياره على «يوسف بن زيري الصنهاجي»، وقال له: تأهب





1. الجزري: الكامل في التاريخ: 8|664.






لخلافة المغرب، فأكبر ذلك وقال: يا مولانا أنت وآباوَك الاَئمة من ولد رسول اللّه
- صلّى الله عليه وآله وسلّم - ما صفا لكم المغرب فكيف يصفو لي وأنا صنهاجيّ بربريّ؟! قتلتني يا مولانا
بغير سيف ولا رمح. فما زال به المعز حتى أجاب.





فلمّا ملك جوهرُ مصر بادر حسن بن جعفر الحسني بالدعاء للمعز في
مكة، وبعث إلى «جوهر»بالخبر، فسيّر إلى المعزّ يعرّفه بإقامة الدعوة له بمكة،
فأنفذ إليه بتقليده الحرم وأعماله، وسار المعز بعساكره من المغرب حتى نزل
بالجيزة، فعقد له جوهر جسراً جديداً عند المختار بالجزيرة، فسار إليه وقد زيّنت
له مدينة الفسطاط فلم يشقها، ودخل إلى القاهرة بجميع أولاده وإخوته وسائر
أولاد عبيد اللّه المهدي، وذلك لسبع خلون من رمضان سنة اثنتين وستين
وثلاثمائة، فعندما دخل القصر صلّى ركعتين، وأمر فكتب في سائر مدن مصر : خير
الناس بعد رسول اللّه - صلّى الله عليه وآله وسلّم - أمير الموَمنين علي بن أبي طالب، وأثبت اسم المعزّ
لدين اللّه واسم أبيه عبد اللّه الاَمير، وجلس في القصر على سرير الذهب، وصلّى
بالناس صلاة عيد الفطر في المصلّى، وركب لفتح خليج مصر يوم الوفاء وعمل
عيد غدير خم. وقدمت القرامطة إلى مصر فسير إليهم الجيوش وهزموهم، ومازال
إلى أن توفي من علة اعتلّها بعد دخوله إلى القاهرة بسنتين وسبعةأشهر وعشرة أيّام
وعمره خمس وأربعون سنة وستة أشهر تقريباً، فإنّ مولده بالمهدية في حادي
عشر شهر رمضان سنة تسع عشرة وثلاثمائة (1) ووفاته بالقاهرة لاَربع عشرة
خلت من ربيع الآخر سنة خمس وستين وثلاثمائة، وكانت مدّة خلافته بالمغرب
وديار مصر ثلاثاً وعشرين سنة وعشرة أيّام وهو أوّل الخلفاء الفاطميين بمصر
وإليه تنسب القاهرة المعزية، لاَنّ عبده «جوهراً» القائد بناها حسب ما رسم له.





وكان المعز عالماً، فاضلاً، جواداً، أحسن السيرة منصفاً للرعية، مغرماً
بالنجوم، أُقيمت له الدعوة بالمغرب كله وديار مصر والشام والحرمين وبعض





1. وقد أرخ ميلاده عارف تامر بـ347 وهو خطأ واضح.






اعمال العراق، وقام من بعده ابنه العزيز باللّه أبو منصور نزار. (1)





يقول ابن خلكان: وكان المعز عاقلاً، حازماً، سرياً، أديباً، حسن النظر في
النجامة، وينسب إليه من الشعر قوله:









  • للّه ما صنعت بنا
    أمضي وأقضي في النفو
    ولقد تعبت ببينكم
    تعب المهاجر في الهواجر



  • تلك المحاجر في المعاجر
    س من الخناجر في الحناجر
    تعب المهاجر في الهواجر
    تعب المهاجر في الهواجر





و ينسب إليه أيضاً:









  • اطلع الحسن من جبينك شمسا
    و كأن الجمال خاف على الور
    د جفافاً فمد بالشعر ظلا



  • فوق ورد في وجنتيك اطلا
    د جفافاً فمد بالشعر ظلا
    د جفافاً فمد بالشعر ظلا






و هو معنى غريب بديع. (2)





و يقول في موضع آخر : ملك المعز أبو تميم معد بن المنصور العبيدي
الديار ا لمصرية على يد القائد جوهر، وجاء المعزّ بعد ذلك من إفريقية، وكان
يُطعن في نسبه، فلمّا قرب من البلد وخرج الناس للقائه، اجتمع به جماعة من
الاَشراف، فقال له من بينهم ابن طباطبا: إلى من ينتسب مولانا؟ فقال له المعزّ:
سنعقد مجلساً ونجمعكم ونسرد عليكم نسبنا. فلمّـا استقر المعز بالقصر جمع
الناس في مجلس عام وجلس لهم،و قال: هل بقي من روَسائكم أحد؟ فقالوا: لم
يبق معتبر، فسلّ عند ذلك نصف سيفه وقال: هذا نسبي، ونثر عليهم ذهباً كثيراً،





1. وفيات الاَعيان:5|224. المقريزي: كتاب الخطط المقريزية:1|352ـ354، دار صادر . ومن
الغريب أنّ المقريزي ذكر ولادة المعز سنة 317 تارة وأُخرى بسنة 319، وقد اعتمدنا في تعيين
سنة ولادته على نقل ابن خلكان.





2. ابن خلكان: وفيات الاَعيان:5|228.






وقال: هذا حسبي، فقالوا جميعاً: سمعنا وأطعنا. (1)





لا شكّ انّ عصر المعز لدين اللّه من العصور الذهبية للاِسماعيلية حيث
أصبحت مصر داراً للخلافة، وأصبح الاِمام المعز أوّل خليفة فاطمي فيها، فعمل
على ترقية العلوم والثقافة، وأمر ببناء الجامع الاَزهر، وجعله داراً للعلوم ومنهلاً
للثقافة والفكر، وشجّع العلماء، وخصّص لهم المبالغ الطائلة، فوفدوا عليه من
كلّقطر حيث وجدوا المساعدات.





كما أشرف بنفسه على تأليف الكتب على غرار المذهب الاِسماعيلي،
فتقدمت الثقافة الاِسماعيلية تقدماً باهراً، وازدهر في عصره فقهاء وشعراء
وفلاسفة يشار إليهم بالبنان.





فمن فقهاء عصره: القاضي النعمان بن محمد بن منصور التميمي المغربي
موَلف كتاب «دعائم الاِسلام»، توفي بالقاهرة في 29 من جمادى الثانية سنة
363هـ، وصلّى عليه الاِمام المعز لدين اللّه.





خدم المهدي باللّه موَسس الدولة الفاطمية تسع سنوات، ثمّ ولي قضاء
طرابلس في عهد القائم بأمر اللّه الخليفة الثاني للفاطميين، وفي عهد الخليفة
الثالث المنصور باللّه عين قاضياً للمنصورية، ووصل إلى أعلى المراتب في عهد
المعز لدين اللّه الخليفة الرابع الفاطمي إذ رفعه إلى مرتبة قاضي القضاة وداعي
الدعاة.





وقد نشر كتابه لاَوّل مرّة في مستدرك الوسائل للمحدّث النوري
(1254ـ1320هـ) مبعّضاً وموزعاً أحاديثه على أبواب الكتب الفقهية كما تم طبعه
مستقلاً بتحقيق آصف بن علي أصغر فيضي في مصر عام 1374هـ، وطبع ثالثاً
على الاَُفست في بيروت عام 1383هـ.





1. ابن خلكان: وفيات الاَعيان: 3|81.






ومن شعراء عصره ابن هانىَ الاَندلسي، وهو محمد بن هانىَ الاَندلسي من
قرية اشبيلية، ولد عام 320هـ ولقب بأبي القاسم، ولما اتهم بمذهب الاِسماعيلية
غادر الاَندلس نازلاً إلى المغرب، واتصل بأميره، فبالغ في إكرامه وأحسن إليه، ولما
وصل خبره إلى المعز طلبه من أمير المغرب، فأقام عنده حتى ارتحل الاِمام المعز
إلى مصر فلحق به فيها.





كان ابن هانىَ من فحول الشعراء، ولكن قصائده تحكي عن غلوه في حقّ
الاَئمّة الاِسماعيلية حيث تفوح منها رائحة الاِلحاد، وقد أعطى لهم ما للخالق من
الاَوصاف، وإليك مقتطفات من أشعاره:





قال:









  • ما شئتَ لا ماشاءت الاَقدارُ
    وكانّما أنت النبي محمّد
    أنت الذي كانت تبشّرنا به
    هذا إمام المتقين و من به
    هذا الذي ترجى النجاة بحبِّه
    هذا الذي تجدي شفاعته غداً
    حقاً وتخمـد أن تراه النارُ(1)



  • فاحكم فأنتَالواحدُ القهّار
    وكأنّما أنصارك الاَنصار
    في كتبها الاَحبارُوالاَخبار
    قد دوخ الطغيان والكفار
    و به يُحطُ الاِصر والاَوزار
    حقاً وتخمـد أن تراه النارُ(1)
    حقاً وتخمـد أن تراه النارُ(1)






إنّ بيته الاَوّل ينم عن غلوّه غلواً يكسي صفة الخالق على المخلوق.





و من العجب أنّ الموَرّخ الاِسماعيلي المعاصر حاول تصحيح الاَشعار،
ودفع الفاسد بالاَفسد، حيث قال في تعليقته: إنّ العقيدة الاِسماعيلية تنزّه الخالق
عن الصفات كالعالم والقادر والصانع و...، فإنّ إطلاق الصفات عليه يوجب الكثرة
في ذاته عندهم، وهم يروون عن الاِمام الباقر محمد بن علي زين العابدين





1. مصطفى غالب: تاريخ الدعوة الاِسماعيلية:209.






قوله:«إنّ اللّه عالم على المعنى انّه يوَتي العلم من يشاء لا على معنى انّ العلم قائم
بذاته، وانّه تعالى قادر على معنى أنّ القدرة قائمة بذاتها».





ولمّا كان الاِمام قائماً مقام الاَمر والكلمة في هذا العالم فجميع صفات
الباري واقفة عليه، ومن هنا نجد انّ إطلاق كلمة الواحد القهار على المعز إنّما هي
حسب الاعتقاد. (1)





عزب عن هذا المسكين أوّلاً: انّ إطلاق الصفات عليه سبحانه لا توجب
الكثرة في ذاته عند المحقّقين، وذلك لاَنّ الاَوصاف وإن كانت مختلفة مفهوماً
لكنّها متحدة وجوداً، فذاته نفس العلم والقدرة والحياة، لا انّكلّ واحدة من هذه
الصفات تمثل جزءاً من ذاته.





وثانياً: انّه لوصحّ ما ذكره من التفسير في العالم والقادر بمعنى أنّه سبحانه
يعطي العلم والقدرة لا يصحّ ذلك في الواحد القهار، إذ معناه عندئذ انّ الاِمام يهب
الوحدة والقهر من يشاء لكي يصحّ إطلاقها على الاِمام ، ولا شكّ انّ في ما جاء به
الشاعر غلواً واضحاً، عصمنا اللّه من غلو الغالين وإبطاء التالين.





1. مصطفى غالب: تاريخ الدعوة الاِسماعيلية:209 الهامش.















/ 12