المقالات والرسالات - مجازر و التعصبات الطائفیة فی عهد الشیخ المفید نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

مجازر و التعصبات الطائفیة فی عهد الشیخ المفید - نسخه متنی

فارس الحسون

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید







المقالات والرسالات




المجازر والتعصات الطائفية



في عهد الشيخ المفيد 336هـ ـ 413هـ




فارس الحسّون




بسم الله الرحمن الرحيم




الحمد لله سابغ النعم، والصلاة والتحية على رسوله المرسل الى العرب والعجم، وعلى أهل بيته أصحاب الجود والكرم.



المؤرخ المنصف عليه أن يتجنب فيما يكتبه كل التعصبات لأي فرقة ـ وان كانت الفرقة التي ينتمي اليها ـ ويتحرى الواقع فحسب، وهذا الشرط أساسي للمؤرخين كافة، والالم يحصل اطمئنان بنقلهم.



والمؤرخ المنصف كما ينقل في تاريخه ما حدث وما شاهد من مسرّات ومشاهد مشرقة، عليه أن ينقل ما شاهد أو نقل اليه عن الثقات من أحزان ومشاهد مظلمة وينقل التاريخ كما هو الى من يأتي بعده وينقل ما حصل على هذه الفرقة أو تلك من مصائب وظلم وتشريد.



ومن المؤسف عليه أن مؤرخينا لم يلتزموا بهذا الشرط في النقل، وخرجوا عن الانصاف، وغطّوا على كثير من المسائل لأسباب غير خفية.



وأكثر من وقع في حقه الاجحاف في النقل الفرقة الشيعية، فانعقد شبه اتفاق من المؤرخين على طمس أخبار هذه الفرقة وتشويه الأحداث المرتبطة بها، والقاء الاتهامات عليها!



ولا يشك الناظر في التاريخ أنّ لشيعة أهل البيت عليهم السلام اليد الطولى في ارتقاء الدرجات العليا في أكثر المجالات، وبهذا بيّضوا صفحات التأريخ ونوّروها.



ولا يشك ايضا فيما جرى على هذه الفرقة على مرور الزمان من مصائب وقتل




وحرق وابعاد، وهذا ضريبة ولائهم أهل بيت نبيهم صلوات الله عليهم أجمعين.



والتاريخ قبال الشيعة وقف وقفة تخاذل واجحاف، فالصفحات المشرقة بدّلها بصفحات مظلمة، ونقلها الى المجتمع مع تزوير وبهتانٍ!



والمنصف من المؤرخين من نقل شيئا يسيرا من الحقائق مع الغمز والتشكيك فيها.



ومنذ مدة غير قريبة عزمنا على تأليف كتابٍ يجمع بين دفّتيه ما جرى على الشيعة من مصائب وطردٍ واباحةٍ من الصدر الأول والى يومنا الحاضر، سواء في ذلك من قبل الحكام أم الناس، استخرجناه من الفلتات التي فلتت من اقلام المؤرخين، وإلاّ فهم لا يذكرون أمثال هذه الأحداث ويحاولون طمسها بكل ما لديهم من قوّة.



كل هذا ليعرف الخلق كافّة أيّ حرّيّة كانت في التفكير واختيار المذهب آنذاك، وأنّ الفرد اذا اختار مذهبا معينا يخالف مذهب اكثر الناس، وله أدلّة عقليّة ونقليّة تدّل على اختياره، بأيّ أسلوب كان يتعامل معه؟ هل بالدليل والمجادلة بالتي هي أحسن؟ أم يقابلون أدلّة بالسياط والقتل والتبعيد؟!!



ولقرب انعقاد المؤتمر العالمي بمناسبة مرور الذكرى الألفية لوفاة الشيخ المفيد اقترح عليّ سماحة العلامة المحّقق الحجّة السيد عبدالعزيز الطباطبائي أن اكتب ما جرى على الشيعة من مجازر في عهد الشيخ المفيد، من ولادته (336هـ) والى وفاته (413هـ).



فبدأت بترتيب هذه المقالة مع ضيق الوقت، وذكرت فيها ما جرى على شيعة أهل البيت من مصائبٍ، وترجمت للأعلام والبلدان وبعض الفرق غير المعروفة، وربما ذكرت بعض الحوادث لا ترتبط كلّ الارتباط بالموضوع تتميما للفائدة،




وقدّمت للبحث خمس مقدّمات لابدّ منها، هي:



(1) عرضّ سريع لذكر من ملك في عهد المفيد والحروب الواقعة فيه.



(2) بنو بويه وعقيدتهم.



(3) الصحابة وعدالتهم.



(4) احياء ذكرى عاشوراء وكونه سنّة مؤكدّة.



(5) احياء ذكرى الغدير وكونه سنّة مؤكدّة.



وهذه المقدّمات الثلاثة الأخيرة تمتاز بأهميّة كبيرة، لكون أكثر المجازر انّما تدور حولها، لاعتقاد السنّة عدالة كلّ الصحابة، والشيعة تجري قواعد الجرح والتعديل عليهم كسائر الرواة، وكون الشيعة تعتقد بأنّ احياء ذكرى عاشوراء والغدير سنّة مؤكدّة، واعتقاد بعض أهل السنة بكونها بدعة شنيعة!!.



أسأل الله سبحانه وتعالى أن يثبتنا على طاعته ويجنّبنا عن كلّ تعصّبٍ وزيغٍ، ويجعلنا نروم الحقّ لا غير، انّه سميع مجيب.
قم المقدسة
ليلة الخامس عشر من شهر
رمضان المبارك
ذكرى ميلاد الامام المجتبى عليه السلام
فارس الحسون







المقدمة الأولى

عرض سريع لذكر من ملك في عهد المفيد والحروب الواقعة فيه

سنة 333هـ:



فيها: خلع توزون الخليفة المتّقي للّه وكحله، واحضر عبدالله بن المكتفي، فبايعوه ولقّبوه المستكفي بالله.



وفيها: استولى احمد بن بويه على البصرة وواسط والأهواز، فسار توزون لحربه، فدام القتال بينهما مدّة أشهر، وردّ ابن بويه الى الأهواز وقدم توزون بغداد.



وفيها: تملّك سيف الدولة حلب وأعمالها، فجيّش الاخشيد عسكرا فهزمهم سيف الدولة، وافتتح مدينة الرستن ثمّ سار فأخذ دمشق.



وفيها: كانت وقعة بين سيف الدولة والاخشيد بقنسرين انكسر فيها سيف الدولة ودخل الاخشيد حلب.
سنة 334 هـ:



فيها: اصطلح سيف الدولة والاخشيد على أن تكون لسيف الدولة حلب وأنطاكية وحماة وحمص.



وفيها: قصد احمد بن بويه بغداد وغلب عليها، وبايع المستكفي بالله، فلقّبه




بمعزّ الدولة ولقب أخاه عليّاً عماد الدولة والحسن ركن الدولة.



وفيها خلع معزّ الدولة المستكفي بالله وكحله، لنفوذ القهرمانة عنده واهانته للشيعة، وأحضر معز الدولة الفضل بن المقتدر، فبايعوه ولقّب بالمطيع لله، فكان تحت يد معزّ الدولة لا حول له ولا قوّة.



وفيها: وقعت حرب بين ناصر الدولة ومعزّ الدولة في سامراء، فانكسر ناصر الدولة.
سنة 335هـ:



فيها: تملّك سيف الدولة دمشق بعد الاخشيد، وحاربه المصريّون غير مرّة.



وفيها: اصطلح معزّ الدولة وناصر الدولة ابن حمدان.
سنة 336هـ:



فيها: سار الخليفة ومعزّ الدولة لمحاربة ابن البريدي، فتفرق جمع ابن البريدي وهرب الى القراطمة.
سنة 337هـ:



فيها: ضعف أمر ناصر الدولة مع معزّ الدولة، والتزم بان يحمل اليه في السنة ثمانية آلاف درهم.



وفيها: التقى سيف الدولة والروم على مرعش، فهزم الروم سيف الدولة وأخذوا مرعش.




سنة 339هـ:



فيها: غزا سيف الدولة بلاد الروم، فانتصر في بادىء أمره، لكن أخذت الروم عليه الدروب فاستولوا على عسكره وانهزم.



وفيها: تولّى الوزارة أبو محمد المهلبي.
سنة 340هـ:



فيها: هزم الوزير المهلبي القرامطة واستباح عسكرهم.



وفيها: غزا سيف الدولة أرض الروم فغنم وسلم وأوطأهم ذلاً.
سنة 341هـ:



فيها: استباح الروم بلد سروج.
سنة 342هـ:



فيها: رجع سيف الدولة مؤيّداً منصوراً قدّامه قسطنطين ولد الدمشتق.



وفيها: سار ابن محتاج على خراسان فالتقاه ركن الدولة ابن بويه وتمّت بينهم حروب وعجائب.
سنة 343هـ:



فيها: انتصر سيف الدولة على الدمستق ومن كان معه من الروم والبلغار والترك والروس والخرز.




سنة 345هـ:



فيها: غلبت الروم على طرطوس، فقتلوا وسبوا وأحرقوا القرى.



وفيها: انتصر معزّ الدولة على الروزبهان الديلمي لمّا قصد بغداد وأسّره.
سنة 347هـ:



فيها: فتكت الروم ببلاد المسلمين وعظمت المصيبة، وأخذوا عدّة حصون ممّا يلي آمل وميا فارقين ووصلوا الى حلب، فالتقاهم سيف الدولة فعجز عنهم وانهزم.



وفيها: سار معّز الدولة الى الموصل، فاستولى عليها، وهرب منه نصار الدولة، وذهب الى اخيه سيف الدولة، فتوسط بينهما وصالحهما.
سنة 349هـ:



فيها: غزا مملوك سيف الدلولة نجا الروم فقتل وأسّر.
سنة 351هـ:



فيها: اقبل الدمستق في مائة وستين الفاً، فنزل عين زربة، فأخذها بالأمان، ثمّ نكث وقتل أمماً وأحرقها.



وفيها: حاصر الدمستق أهل حلب مدّة، ثمّ دخلوها وأخذوا حلب بالسيف، فقتلوا حتّى كلّوا.




سنة 352 هـ:



فيها: قتل ملك قسطنطينيّة، وولي الملك الدمستق، اسمه تكفور.
سنة 353هـ:



فيها: حاصر الدمستق المصيصة، ثم ترّحل عنها للغلاء المفرط.



وفيها: وقعت حرب بين معزّ الدولة وصاحب الموصل ناصر الدولة، انتهت بانتصار ناصر الدولة، وأخذ خزائن معزّ الدولة.
سنة 354هـ:



فيها: نازل الدمستق المصيصة وافتتحها بالسيف وافتتح الطرطوس بالأمان.
سنة 356هـ:



فيها: مات معزّ الدولة احمد بن بويه الديلمي، وتملّك بعده ابنه عز الدولة.



وفيها: مات صاحب الشام سيف الدولة علي بن عبدالله بن حمدان التغلبي بحلب.



وفيها: مات صاحب مصر كافور الاخشيدي.
سنة 358هـ:



فيها: خرجت الروم، فقتلوا وسبوا واستولوا على مدائن ووصلوا الى حمص.



وفيها: أقبلت العبيدية من المغرب مع القائد جوهر المعزّي، فأخذوا الديار




المصرية وبنوا القاهرة.



وفيها: مات صاحب الموصل ناصر الدولة بن حمدان، وقام بالملك ابنه الغضنفر.
سنة 359هـ:



فيها: أخذ تكفور أنكاكية بالأمان.
سنة 360هـ:



فيها: استولى على دمشق جعفر بن فلاح نائب العبيدية بعد حصار ايام، فانتدب لحربه الحسن بن احمد القرمطي، فأسّره القرمكي وقتله.
سنة 362هـ:



فيها: أخذت الروم نصيبين بالسيف، فبعث عزّ الدولة عسكراً فالتقوا الروم فنصرهم الله وأسّروا جماعة من البطارقة.



وفيها: كتب المعزّ بالله الى الخليفة المطيع لله ودعاه الى خلع نفسه، للفالج الذي به، ففعل، وخلع نفسه على الخلافة وولاّها ولده عبدالكريم، ولقّبوه الطائع لله.
سنة 365هـ:



فيها: قسّم ركن الدولة على أولاده ما في يده: فأقرّ عضد الدولة على مملكة فارس وكرمان، وأعطى فخر الدولة حمدان والدينور، وأعطى مؤيّد الدولة الري




وأصبهان.
سنة 366هـ:



فيها: كانت المصاف بين عزّ الدولة وابن محمد عضد الدولة، فأسّر مملوك لعزّ الدولة.
سنة 367هـ:



فيها: انتصر عضد الدولة على عزّ الدولة بعد أن استعان بالقرامطة ونفرّق الجند عن عزّ الدولة صاحب بغداد، وخرج الخليفة الطائع لله لتلقّي عضد الدولة.
سنة 369هـ:



فيها: قدمت رسل العزيز بغداد، فأجابهم عضد الدولة الى الصلح.
سنة 370هـ:



فيها: سار ملك بغداد عضد الدولة الى حمدان، فلما رجع بعث يأمر الخليفة الطائع لله أن يتلقّاه، ففعل!.
سنة 372هـ:



فيها: مات عضد الدولة فناخسرو بن ركن الدولة حسن بن بويه الديلمي بعلة الصرع، فحضر ولده من شيراز صمصام الدولة، فولاّه الطائع لله السلطنة.




سنة 376هـ:



فيها: مال العسكر عن صمصام الدولة الى أخيه شرف الدولة، فذل الصمصام، فقدم شرف الدولة بغداد وتملك.
سنة 379هـ:



فيها: مات صاحب بغداد شرف الدولة بن عضد الدولة بالاستسقاء، وتملك بعده أخوه أبو نصر، ولقبه الطائع لله بهاء الدولة.
سنة 381هـ:



فيها: قبض بهاء الدولة على الطائع لله، وذلك لأمر الطائع بحبس أبي الحسين ابن المعلّم، وأكره الطائع على خلع نفسه، وأحضروا القادر بالله احمد بن الأمير اسحاق بن المقتدر بالله فبايعوه.
سنة 382هـ:



فيها: ثارت الجند يطلبون من بهاء الدولة ان يسلّم اليهم ابن المعلّم ابو الحسن علي بن محمد، وصمّموا على هذا، وخيّروا الملك بين بقاء الملك أو بقاء ابن المعلم، فقبض عليه وحبس وقتل.
سنة 386هـ:



فيها: مات صاحب مصر العزيز بالله بن معزّ بالله معد العبيدي، وحكم بعده ابنه الحاكم.




سنة 391هـ:



فيها: قتل صاحب الموصل حسام الدولة مقلّد بن المسيّب، ثمّ تملّك بعده ابنه معتمد الدولة قرواش.
سنة 396هـ:



فيها: خطب بالحرمين لصاحب مصر الحاكم.
سنة 398هـ:



فيها: ولي نيابة دمشق حامد بن ملهم من قبل الحاكم بعد ابن فلاح.
سنة 401هـ:



فيها: أقام صاحب الموصل الدعوة ببلاده للحاكم، وأقيمت الخطبة للحاكم بالكوفة والمدائن بأمر صاحب الموصل قراوش، فأرسل الخليفة القادر الى الملك بهاء الدولة وأنفق مع الجيش مائة الف دينار، ثمّ خاف قرواش، فأرسل يعتذر وأعاد الخطبة العبّاسة.
سنة 402هـ:



فيها: مات الوزير عميد الجيوش، فقام بعده فخر الملك.
سنة 403هـ:



فيها: مات صاحب بغداد بهاء الدولة ابن عضد الدولة بعلّة الصراع، وقام بعده




ابنه سلطان الدولة.



وفيها: قتل الوزير فخر الملك ببغداد.
سنة 410هـ:



فيها: افتتح السلطان محمود بن سبكتكين قسما كبيراً من الهند.
سنة 411هـ:



فيها: تملك الحاكم بأمر الله منصور بن العزيز بن المعزّ العبيدي الحجاز ومصر والشام، وقتل في شوال، جهّزت اخته ست الملك عليه من قتله غيلةً، وأقامت ولده الظاهر بأمر الله.
سنة 413هـ:



فيها: مات صاحب العراق والعجم سلطان الدولة ابن بهاء الدولة بشيراز، وتملك بعده أخوه مشرف الدولة، ثمّ قدم بغداد فتلقّاه الخليفة.



وفيها: افتتح السلطان محمود مدينة بالهند.







المقدمة الثانية



بنو بويه وعقيدتهم



بويه هو أبوشجاع بن فنّا خسرو بن تمام بن كوهي من الفرس، وينسب الى الديلم لطول مقامهم ببلادهم، والديلم جيل سمّوا بأرضهم.



كان صيّاداً يعيش من صيد السمك، فرأى في منامه أنه بال فخرج من ذكره عمود من نار، ثمّ تشعّب يمنةً ويسرةً وأماماً وخلفاً حتّى ملأ الدنيا، فلمّا قصّ رؤياه على معبّر، قال له: ألك أولاد؟ قال: نعم، قال: أبشر فانّهم يملكون الأرض ويبلغ سلطانهم فيها على قدر ما احتوت عليه النار.



ولبويه خمسة أولاد، المشهور منهم ثلاثة، وهم: عماد الدولة ابو الحسين علي، وركن الدولة أبو علي الحسن، ومعزّ الدولة أبو الحسين احمد، وهؤلاء ملكوا، وله ابنان آخران هما: محمد وابراهيم، قتل احدهما مع الناصر للحق والآخر مع الحسن بن القاسم الداعي.



وارتقت الحال ببويه فصار جنديا، وخرج مع الناصر للحق الحسن بن علي العلوي، وكان يلحظه بعين التقّدم لشجاعته، وكذلك أولاده خدموا في العسكر،




وكانوا أصحاب شجاعة وهمّة عالية، وصاروا أمراء.



وفي سنة 319هـ خرج مردادنج الديلمي، فاستولى على حمدان، فراسله الخليفة المقتدر بالله سنة 320هـ يلاطفه، وبعث اليه بالعهد واللواء والخلع، وأمكنه من آذربايجان وأرمينية وأران وقم ونهاوند وسجستان.



وفي سنة 322هـ ـ في خلافة القاهر بالله ـ خرج عن طاعة مردادنج أمير من أمرائه، وهو علي بن بويه بعد أن اقتطع مالاً جزيلاً، فحاربه أمير فارس محمد بن ياقوت فهزم أمام ابن بويه، واستولى علي بن بويه على اقليم فارس، فكان هذا أول ظهور بني بويه.



واستمر حكمهم على البلدان كافّة، وكانوا قد بايعوا للخليفة العباسي، وانحطّت الخلافة الى رتبة أصبح الخليفة لا حول له ولا قوة ولا أمر، والأمر كلّه بيد بني بويه، ومرّ في الفصل الذي قبله ذكر من حكم منهم في عهد الشيخ المفيد.



وكان آخر ملوك بني بويه هو ملك الملك الرحيم ابي نصر خسرو، توفي سنة 450هـ، وهي آخر سنة مملكتهم، وشرعت بعدهم الدولة السلجوقية.



راجع: دول الاسلام: 173 و176، النجوم الزاهرة: 3/244/245، معجم البلدان: 2/544، المنتظم: 6/268 ـ 271، الكامل في التاريخ: 8/275 ـ 278، شذرات الذهب: 2/188، نهاية الأرب: 26/163 ـ 267.



وأمّا عقيدة بني بويه، فانهم كانوا شيعة امامية اثني عشرية، وما نسب اليهم من أنّهم زيدية لا دليل عليه، وكانوا يعتقدون بالتشيع وأنّه المذهب الحقّ، ويدافعون عن الشيعة، بيد أنّهم كانوا يؤثرون مصالحهم السياسية على الاعتبارات الدينية، وكان مقرّ حكومتهم بغداد العاصمة السنيّة التي يقطنها أقلّيّة شيعية، فكانوا مع الشيعة ما دامت مصالحهم لم تتعرّض الى خطرٍ، فاذا تعرّضت تركوا كلّ شيء،




حتّى أنهم حبسوا علماء الشيعة وبعّدوهم وحكّموا بعض الأمراء من أهل السنة من لم يرحم الشيعة ووقع فيهم قتلا ونهباً!!.



ويرشدنا الى عقيدة بني بويه ويوضحه لنا نصّ نقله ابن كثير، قال:



لأن بني بويه ومن معهم من الديلم كان فيهم تعسّف شديد، يرون أنّ بني العباس قد غصبوا الأمر من العلويين، حتّى عزم معزّ الدولة على تحويل الخلافة إلى العلويين، واستشار أصحابه، فكّلهم أشار عليه بذلك، الاّ رجلاً واحداً من أصحابه كان سديد الرأي فيهم، فقال: لا أرى لك ذلك! فقال: ولم ذاك؟ قال: لأنّ هذا خليفة ترى أنت وأصحابك أنه غير صحيح الأمارة، حتّى لو أمرت بقتله قتله اصحابك، ولو ولّيت رجلاً من العلويين اعتقدت انت وأصحابك ولايته صحيحة، فلو أمرت بقتله لم تطع بذلك، ولو أمر بقتلك لقتلك أصحابك، فلما فهم ذلك صرفه عن رأيه الأول، وترك ما كان عزم عليه للدنيا لا لله، انتهى نصّ ابن كثير.



ويظهر للمتأمّل بوضوح من عدّة قرائن أنّ بني بويه عزموا على المساوات بين الشيعة والسنّة، واعتبروا أنفسهم قادةً لكلّ المسلمين، وأعطوا الحرّيّة لبقيّة المذاهب.



فمثلا كانوا يحكّمون على بغداد حكّام سنّة، ويعطوهم الحرّية التامّة، وكان قاضاء القضاة في بغداد بيد السنة، حتّى أنّهم جعلوه في سنةٍ لعالم شيعي، فلم يمضه الخليفة، وسكتوا ولم يجبروه على القبول.



وكثيراً ما كان الحكّام على بغداد يمنعون الشيعة من اقامة مراسم محرم والغدير، فلم يعارضهم بنو بويه بشيء، بل كانت في بعض الأحيان تصدر أوامر من الحكام بتبعيد علماء الشيعة ومنعهم من الجلوس للدرس ولا اعتراض ولا أيّ شيء يحدث من قبل البويهيّين!!.




يقول كاهن: كانوا يتوقّون الى اقامة نوع من الحكومة العباسيّة الشيعية المشتركة، يأمن فيها لاشيعة ولا يحتاجون معها الى التقيذة، ويكون لهم وللسنّة كيان رسمي منظمّ، حقّاً كان هدفهم ـ من وجه نظر شيعيّة ـ احياء ما كان يحلم به معظم العباسييّن في عصر المأمون، معتقدين بأنّهم سيكسبون أتباعاً أقوياء بهذا العمل دون الابتعاد عن سائر الناس في نفس الوقت، انتهى.



وهذا لا يعني عدم اهتمامهم بالشيعة والتشيّع، بل نظّموا العلوّيين في تجمّع واحد له نقيب، وجعلوا الحجّ والمظالم، و بيد الشيعة، وقرّبوهم للحكومة، واهتمّوا بالمشاهد المشّرفة لأهل البيت عليهم السلام، وجري الصدقات على الفقراء فيها، ودافعوا عن التشيّع في بعض الأحيان عندما ضايقت عليهم السنّة، وعزلوا بعضهم الأمراء لمضايقتهم على الشيعة.



حتّى أنّ الوزير أبا محمد المهلبي لمّا قبض على رجل من أصحاب أبي جعفر بن أبي العزّ الملحد وأراد قتله، أظهر هذا الرجل أنّه شيعي وأنه بريء من الاتهامات، فلم يقتله المهلبي خوفاً على نفسه من معزّ الدولة.



ولّما ادعى شاب أنّ روح علي بن أبي طالب حلّت فيه وادّعت امرأة أن روح فاطمة حلّت فيها وادّعى خادم لبني بسطام انه ميكائيل، فلمّا اراد الوزير المهلّبي ان يقتلهم ادعوا أنّهم شيعة، فخاف الوزير أن يقيم على تشدّده في أمرهم فينسب الى ترك التشيّع.



فكلّ هذه الشواهد تدلّ بوضوح على أنهم كانوا يهدفون المساواة بين المذاهب، وأنّهم زعماء للمسلمين كافّة.



راجع: البداية والنهاية: 11/212 ـ 313 و224، الكامل في التاريخ: 8/495، مرآة الجنان: 2/333، النجوم الزاهرة: 3/193 ـ 194، مقالة البويهيين لكاهل طبعت في دائرة المعارف الاسلامية: 1/1352، نظريّات علم الكلام عند الشيخ المفيد: 43.




كلّ هذا يكشف عن أحقادٍ دفينة في صدورهم ضدّ الشيعة والتشيّع، بالأخصّ ضدّ علمائهم الأبرار، بالأخص الشيخ المفيد رضوان الله عليه، لدفاعه عن التشيع بكتبه ودرسه ومجالس مناظرته، فأوقف نفسه الزكية للدفاع عن الحق، فقوبل بكل هذا الظلم، وواجهه بقلبٍ صبورٍ وثباتٍ على العقيدة، وقابل إهانتهم وسوء أدبهم بالأخلاق الحسنة والمجادلة بالّتي هي أحسن والدليل القاطع، وهذه علامات المقربين من الله والمخلصين له.



فسلام عليه يوم ولد، ويوم نشأ ودافع عن العقيدة، ويوم لبت نفسه نداء ربّها: «يا أيّتها النّفس المطمئنّة ارجعي إلى ربّك راضيةً مرضيّةً فادخلي في عبادي وادخلي جنّتي» .

/ 6