عقائد الامامیه فی ثوبه الجدید نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

عقائد الامامیه فی ثوبه الجدید - نسخه متنی

محمد رضا مظفر

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


مقدمة الطبعة الثانية
بسم اللّه الرحمن الرحيم
مـضـى على صدور هذا ((الكتيب )) عشر سنوات , ولم اجد في هذه الاعوام ما يدعوني الى تبديل
رايي فيه من انه جاء وفق متطلبات الحاجة العامة من توضيح معتقدات الشيعة الامامية وتثبيتها .

بـل وجـدت مـا يشجعني على الموافقة على اعادة نشره مرة اخرى , املاان يكون قد اصاب الهدف
وادى الـغـرض مـن مـحـاولـة رفع الغيوم المتلبدة التي حجبت طويلا بين الطائفتين الاسلاميتين
الـكـبـيرتين : اهل السنة والشيعة , ومن محاولة نفض الغبار عما خلفه الماضي السحيق على العقائد
الاسلامية الصحيحة .

واني لواثق بان فكرة التقريب بين المذاهب اصبحت اليوم حاجة ملحة ,وهدفا رفيعا لكل مسلم غيور
عـلـى الاسـلام , مـهما كانت نزعته المذهبية ورايه في المخلفات العقائدية , وليس شي ء افضل في
التقريب من تولي اهل كل عقيدة انفسهم كشف دفائنها وحقائقها .

وهـذه الـطـريـقـة ـ فيما اعتقد ـ اسلم في اعطاء الفكرة الصحيحة عن المذهب , واقرب الى فهم
الصواب من الراي الذي يعتنقه جماعته .

واجـابة لرغبة قرة عيني العامل في سبيل اللّه الفاضل السيد مرتضى الكشميري , فقد اعدت النظر
في هذه الرسالة , وادخلت عليها بعض التنقيحات والاضافات التي سمح بها الوقت المزدحم بالمشاكل
, مـع تـصحيح ما وقع في الطبعة الاولى من هفوات مطبعية وغير مطبعية , لاقدمها مرة اخرى الى
الـمـطـبعة ,راجيا من اللّه تعالى ان يحقق فيها الغرض المرجو , وان يوفقنا لالتماس سبيل الصواب
واصابة الحق , انه خير مسؤول .

(المؤلف )
21/شوال / سنة
1380
تصدير
بسم اللّه الرحمن الرحيم
حمدا للّه وشكرا , وصلاة وسلاما على محمد خير البشر وآله الهداة .

امـلـيت هذه (المعتقدات ) , وما كان القصد منها الا تسجيل خلاصة ماتوصلت اليه من فهم المعتقدات
الاسلامية على طريقة آل البيت عليهم السلام .

وقد سجلت هذه الخلاصات مجردة عن الدليل والبرهان , ومجردة عن النصوص الواردة عن الائمة
فـيـهـا عـلـى الاكـثـر , لينتفع بها المبتدئ والمتعلم والعالم , واسميتها ((عقائد الشيعة )) ((1))
وغرضي من الشيعة الامامية الاثني عشرية خاصة .

وكان املاؤها سنة 1363 هـ بدافع القائها محاضرات دورية في كلية منتدى النشر الدينية ((2)) ,
للاستفادة منها تمهيدا للابحاث الكلامية العالية .

وفـي حينه قد توفقت لالقاء الكثير منها , وما كنت يومئذ قد اعددتهامؤلفاينشر ويقرا , فاءهملت في
اءوراق مـبـعثرة شاءن كثير من المحاضرات والدروس التي امليتها في تلك الظروف , لا سيما فيما
يتعلق بالعقائد وعلم الكلام .

غـيـر انـه فـي هـذا الـعـام ـ وبعد مضي ثمان سنوات عليها ـ رغب الي الفاضل النبيل محمد كاظم
الـكـتـبـي ((3)) ـ رعـاه اللّه تـعالى ـ في تجديد النظر فيها , وجمعهامؤلفة في رسالة مختصرة
موصولة الحلقات , لغرض نشرها وتعميم الفائدة منهاولتدرا كثيرا من الطعون التي اءلصقت بالامامية
, ولا سيما اءن بعض كتاب العصرفي مصر وغيرها لا زالوا مستمرين يحملون باقلامهم الحملات
الـقـاسية على الشيعة ومعتقداتها , جهلا او تجاهلا بطريقة آل البيت في مسالكهم الدينية ,وبهذا قد
جـمـعـوا الى ظلم الحق واشاعة الجهل بين قراء كتبهم الدعوة الى تفريق كلمة المسلمين , واثارة
الـضـغائن في نفوسهم والاحقاد في قلوبهم , بل تاليب بعضهم على بعض . . . ولا يجهل خبير مقدار
الـحاجة ـ اليوم خاصة ـ الى التقريب بين جماعات المسلمين المختلفة ودفن احقادهم , ان لم نستطع
ان نوحد صفوفهم وجمعهم تحت راية واحدة .

اقـول ذلك واني لشاعر ـ مع الاسف ـ انا لا نستطيع ان نصنع شيئا بهذاالمحاولات مع من جربنا من
هـؤلاء الـكـتـاب , كـالدكتور احمد امين واضرابه من دعاة التفرقة , فما زادهم توضيح معتقدات
الامامية الا عنادا , وتنبيههم على خطئهم الا لجاجا .

ومـا يـهـمـنا من هؤلاء وغير هؤلاء ان يستمروا على عنادهم مصرين , لولاخشية ان ينخدع بهم
المغفلون , فتنطلي عليهم تلك التخرصات , وتورطهم تلك التهجمات في اثارة الاحقاد والحزازات .

ومـهـمـا كـان الامر , فاني في تقديمي هذه الرسالة للنشر املي ان يكون فيهاما ينفع الطالب للحق ,
فـاكون قد ساهمت في خدمة اسلامية نافعة , بل خدمة انسانية عامة , فوضعتها في مقدمة وفصول ,
ومنه تعالى وحده استمد التوفيق .

محمد رضا المظفر
النجف الاشرف ـ العراق
27 جمادى الاخرة 1370 هـ
1 ـ عقيدتنا في النظر والمعرفة
نـعـتـقـد: ان اللّه تعالى لما منحنا قوة التفكير , ووهب لنا العقل , امرنا ان نتفكر في خلقه , وننظر
بالتامل في آثار صنعه , ونتدبر في حكمته واتقان تدبيره في آياته في الافاق وفي انفسنا , قال تعالى :
(سنريهم ءايتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم اءنه الحق ) ((4)) .

وقـد ذم المقلدين لابائهم بقوله تعالى : (قالوا بل نتبع ما الفينا عليه آباءنا اءولو كان آباؤهم لا يعقلون
شيئا) ((5)) .

كما ذم من يتبع ظنونه ورجمه بالغيب فقال : ( ان يتبعون الا الظن ) ((6)) .

وفـي الـحـقـيـقـة ان الذي نعتقده : ان عقولنا هي التي فرضت علينا النظر في الخلق ومعرفة خالق
الـكـون ((7)) كما فرضت علينا النظر في دعوى من يدعي النبوة وفي معجزته , ولا يصح عندها
تقليد الغير في ذلك مهما كان ذلك الغيرمنزلة وخطرا .

وما جاء في القرآن الكريم من الحث على التفكير واتباع العلم والمعرفة فانما جاء مقررا لهذه الحرية
الـفـطـريـة فـي العقول التي تطابقت عليها آراء العقلاء ,وجاء منبها للنفوس على ما جبلت عليها من
الاستعداد للمعرفة والتفكير ,ومفتحا للاذهان , وموجها لها على ما تقتضيه طبيعة العقول ((8)) .

فلا يصح ـ والحال هذه ـ ان يهمل الانسان نفسه في الامور الاعتقادية , اويتكل على تقليد المربين ,
او اي اشـخـاص آخـرين , بل يجب عليه ـ بحسب الفطرة العقلية المؤيدة بالنصوص القرآنية ـ ان
يـفـحـص ويـتـامل , وينظر ويتدبرفي اصول اعتقاداته ((9)) المسماة باصول الدين التي اهمها:
التوحيد , والنبوة ,والامامة , والمعاد .

ومن قلد آباءه او نحوهم في اعتقاد هذه الاصول فقد ارتكب شططا ,وزاغ عن الصراط المستقيم ,
ولا يكون معذورا ابدا .

وبالاختصار عندنا هنا ادعاءان :
الاول : وجوب النظر والمعرفة في اصول العقائد , ولا يجوز تقليد الغيرفيها .

الـثاني : ان هذا وجوب عقلي قبل ان يكون وجوبا شرعيا , اي لا يستقى علمه من النصوص الدينية ,
وان كان يصح ان يكون مؤيدا بها بعد دلالة العقل .

وليس معنى الوجوب العقلي الا ادراك العقل لضرورة المعرفة , ولزوم التفكير والاجتهاد في اصول
الاعتقادات .

2 ـ عقيدتنا في التقليد بالفروع
امـا فـروع الدين ـ وهي احكام الشريعة المتعل قة بالاعمال ـ فلا يجب فيهاالنظر والاجتهاد , بل
يجب فيها ـ اذا لم تكن من الضروريات في الدين الثابتة بالقطع , كوجوب الصلاة والصوم والزكاة ـ
احد امور ثلاثة :
اما ان يجتهد وينظر في ادلة الاحكام , اذا كان اهلا لذلك ((10)) .

واما ان يحتاط في اعماله اذا كان يسعه الاحتياط ((11)) .

واما ان يقلد المجتهد الجامع للشرائط ((12)) , بان يكون من يقلده :عاقلا , عادلا ((صائنا لنفسه ,
حافظا لدينه , مخالفا لهواه , مطيعا لامر مولاه )) ((13)) .

فـمن لم يكن مجتهدا ولا محتاطا ثم لم يقل د المجتهد الجامع للشرائطفجميع عباداته باطلة لا تقبل
منه , وان صلى وصام وتعبد طول عمره , الا اذاوافق عمله راي من يقلده بعد ذلك , وقد اتفق له ان
عمله جاء بقصد القربة الى اللّه تعالى ((14)) .

3 ـ عقيدتنا في الاجتهاد
نـعـتقد : ان الاجتهاد في الاحكام الفرعية واجب بالوجوب الكفائي على جميع المسلمين في عصور
غـيـبة الامام ((15)) , بمعنى انه يجب على كل مسلم في كل عصر . ولكن اذا نهض به من به الغنى
والـكـفـايـة سـقط عن باقي المسلمين , ويكتفون بمن تصدى لتحصيله وحصل على رتبة الاجتهاد
وهوجامع للشرائط , فيقلدونه , ويرجعون اليه في فروع دينهم .

ففي كل عصر يجب ان ينظر المسلمون الى انفسهم , فان وجدوا من بينهم من تبرع بنفسه , وحصل
عـلـى رتـبة الاجتهاد ـ التي لا ينالها الا ذو حظعظيم ـ وكان جامعا للشرائط التي تؤهله للتقليد ,
اكتفوا به وقلدوه , ورجعوا اليه في معرفة احكام دينهم .

وان لم يجدوا من له هذه المنزلة وجب عليهم ان يحصل كل واحد رتبة الاجتهاد , او يهيؤا من بينهم
من يتفرغ لنيل هذه المرتبة , حيث يتعذر عليهم جميعا السعي لهذا الامر او يتعسر .

ولا يجوز لهم ان يقلدوا من مات من المجتهدين ((16)) .

والاجـتـهـاد هـو: الـنـظر في الادلة الشرعية لتحصيل معرفة الاحكام الفرعية التي جاء بها سيد
الـمرسلين صلى اللّه عليه وآله , وهي لا تتبدل , ولا تتغير بتغيرالزمان والاحوال ((حلال محمد
حلال الى يوم القيامة , وحرامه حرام الى يوم القيامة )) ((17)) .

والادلـة الـشرعية هي : الكتاب الكريم , والسنة , والاجماع , والعقل , على التفصيل المذكور في
كتب اصول الفقه .

وتـحـصـيـل رتبة الاجتهاد تحتاج الى كثير من المعارف والعلوم التي لا تتهياالا لمن جد واجتهد ,
وفرغ نفسه , وبذل وسعه لتحصيلها ((18)) .

4 ـ عقيدتنا في المجتهد
وعـقيدتنا في المجتهد الجامع للشرائط : انه نائب للامام عليه السلام في حال غيبته ((19)) , وهو
الحاكم والرئيس المطلق , له ما للامام في الفصل في القضايا والحكومة بين الناس , والراد عليه راد
على الامام , والراد على الامام راد على اللّه تعالى , وهو على حد الشرك باللّه , كما جاء في الحديث
عن صادآل البيت عليهم السلام ((20)) .

فليس المجتهد الجامع للشرائط مرجعا في الفتيا فقط , بل له الولاية العامة ((21)) , فيرجع اليه في
الـحكم والفصل والقضاء , وذلك من مختصاته ,لا يجوز لاحد ان يتولا ها دونه , الا باذنه , كما لا
تجوز اقامة الحدود والتعزيرات الا بامره وحكمه ((22)) .

ويرجع اليه ايضا في الاموال التي هي من حقوق الامام ومختصاته ((23)) .

وهـذه الـمنزلة او الرئاسة العامة اعطاها الامام عليه السلام للمجتهد الجامع للشرائط , ليكون نائبا
عنه في حال الغيبة , ولذلك يسمى ((نائب الامام )) .

5 ـ عقيدتنا في اللّه تعالى
نـعتقد: اناللّه تعالى واحد احد ليس كمثله شي ء , قديم لم يزل ولا يزال ,هو الاول والاخر , عليم ,
حـكيم , عادل , حي , قادر , غني , سميع , بصير . ولايوصف بما توصف به المخلوقات , فليس هو
بـجـسم ولا صورة , وليس جوهراولا عرضا , وليس له ثقل او خفة , ولا حركة او سكون , ولا
مكان ولازمان , ولا يشار اليه ((24)) . كما لا ند له , ولا شبه , ولا ضد , ولا صاحبة له ولا ولد
,ولا شريك , ولم يكن له كفوا احد , لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار .

ومـن قـال بالتشبيه في خلقه , بان صور له وجها ويدا وعينا , او انه ينزل الى السماء الدنيا , او انه
يـظهر الى اهل الجنة كالقمر , او نحو ذلك ((25)) , فانه بمنزلة الكافر به , جاهل بحقيقة الخالق
الـمنزه عن النقص , بل كل ما ميزناه باوهامنا في ادق معانيه فهو مخلوق مصنوع مثلنا مردود الينا ـ
((26)) وما ابعده من
ـ وما اجله من تعبير حكيم مرمى علمي دقيق وكـذلك يلحق بالكافر من قال : انه يتراءى لخلقه يوم القيامة ((27)) , وان نفى عنه التشبيه بالجسم
لقلقة في اللسان , فان امثال هؤلاء المدعين جمدوا على ظواهر الالفاظ في القرآن الكريم او الحديث
, وانكروا عقولهم وتركوها وراءظهورهم . فلم يستطيعوا ان يتصرفوا بالظواهر حسبما يقتضيه
النظر والدليل وقواعد الاستعارة والمجاز .

6 ـ عقيدتنا في التوحيد
ونعتقد: بانه يجب توحيد اللّه تعالى من جميع الجهات , فكما يجب توحيده في الذات ونعتقد بانه واحد
في ذاته ووجوب وجوده , كذلك يجب آثانيا ـ توحيده في الصفات , وذلك بالاعتقاد بان صفاته عين
ذاتـه ـ كـمـا سـياتي بيان ذلك ـ وبالاعتقاد بانه لا شبه له في صفاته الذاتية , فهو في العلم والقدرة
لانظير له , وفي الخلق والرزق لا شريك له , وفي كل كمال لا ند له .

وكـذلك يجب ـ ثالثا ـ توحيده في العبادة , فلا تجوز عبادة غيره بوجه من الوجوه , وكذا اشراكه
في العبادة في اي نوع من انواع العبادة , واجبة او غيرواجبة , في الصلاة وغيرها من العبادات .

ومـن اشـرك فـي الـعبادة غيره فهو مشرك , كمن يرائي في عبادته ويتقرب الى غير اللّه تعالى ,
وحكمه حكم من يعبد الاصنام والاوثان , لا فرق بينهما ((28)) .

امـا زيـارة الـقـبـور واقامة المتم , فليست هي من نوع التقرب الى غير اللّه تعالى في العبادة ـ كما
تـوهمه بعض من يريد الطعن في طريقة الامامية , غفلة عن حقيقة الحال فيها ((29)) ـ بل هي من
نـوع الـتـقرب الى اللّه تعالى بالاعمال الصالحة , كالتقرب اليه بعيادة المريض , وتشييع الجنائز ,
وزيارة الاخوان في الدين , ومواساة الفقير .

فان عيادة المريض ـ مثلا ـ في نفسها عمل صالح يتقرب به العبد الى اللّه تعالى , وليس هو تقربا الى
الـمريض يوجب ان يجعل عمله عبادة لغير اللّه تعالى او الشرك في عبادته , وكذلك باقي امثال هذه
الاعمال الصالحة التي منها: زيارة القبور , واقامة المتم , وتشييع الجنائز , وزيارة الاخوان .

امـا كون زيارة القبور واقامة المتم من الاعمال الصالحة الشرعية , فذلك يثبت في علم الفقه , وليس
هنا موضع اثباته ((30)) .

والـغـرض , ان اقـامة هذه الاعمال ليست من نوع الشرك في العبادة ـ كمايتوهمه البعض ـ وليس
الـمـقصود منها عبادة الائمة , وانما المقصود منها احياءامرهم , وتجديد ذكرهم , وتعظيم شعائر
اللّه فيهم (ومن يعظم شعائر اللّه فانهامن تقوى القلوب ) ((31)) .

فـكل هذه اعمال صالحة ثبت من الشرع استحبابها , فاذا جاء الانسان متقربا بها الى اللّه تعالى , طالبا
مرضاته , استحق الثواب منه , ونال جزاءه .

7 ـ عقيدتنا في صفاته تعالى
ونـعـتقد: ان من صفاته تعالى الثبوتية الحقيقية الكمالية التي تسمى بصفات الجمال والكمال ـ كالعلم ,
والـقـدرة , والغنى , والارادة , والحياة ـ هي كلها عين ذاته , ليست هي صفات زائدة عليها , وليس
وجـودهـا الا وجود الذات ,فقدرته من حيث الوجود حياته , وحياته قدرته , بل هو قادر من حيث
هـو حـي ,وحـي من حيث هو قادر , لا اثنينية في صفاته ووجودها , وهكذا الحال في سائرصفاته
الكمالية .

نعم , هي مختلفة في معانيها ومفاهيمها , لا في حقائقها ووجوداتها , لانه لو كانت مختلفة في الوجود
ـ وهـي بـحـسـب الـفـرض قديمة وواجبة كالذات آللزم تعدد واجب الوجود , ولانثلمت الوحدة
الحقيقية , وهذا ما ينافي عقيدة التوحيد ((32)) .

وامـا الصفات الثبوتية الاضافية ـ كالخالقية , والرازقية , والتقدم , والعلية آفهي ترجع في حقيقتها
الى صفة واحدة حقيقية , وهي القيومية لمخلوقاته ,وهي صفة واحدة تنتزع منها عدة صفات باعتبار
اختلاف الاثار والملاحظات .

واما الصفات السلبية التي تسمى بصفات الجلال , فهي ترجع جميعهاالى سلب واحد هو سلب الامكان
عـنـه , فـان سلب الامكان لازمه ـ بل معناه آسلب الجسمية والصورة والحركة والسكون , والثقل
والخفة , وما الى ذلك , بل سلب كل نقص .

ثم ان مرجع سلب الامكان ـ في الحقيقة ـ الى وجوب الوجود , ووجوب الوجود من الصفات الثبوتية
الـكـمالية , فترجع الصفات الجلالية (السلبية ) آخرالامر الى الصفات الكمالية (الثبوتية ) , واللّه
تعالى واحد من جميع الجهات , لاتكثر في ذاته المقدسة , ولا تركيب في حقيقة الواحد الصمد .

ولا يـنقضي العجب من قول من يذهب الى رجوع الصفات الثبوتية الى الصفات السلبية , لما عز عليه
ان يـفـهـم كيف ان صفاته عين ذاته , فتخيل ان الصفات الثبوتية ترجع الى السلب , ليطمئن الى القول
بـوحـدة الـذات وعـدم تـكـثـرهـا , فـوقـع بما هو اسوا , اذ جعل الذات التي هي عين الوجود ,
ومحض الوجود , والفاقدة لكل نقص وجهة امكان , جعلها عين العدم ومحض السلب ((33)) , اعاذنا
اللّه من شطحات الاوهام , وزلا ت الاقلام .

كـمـا لا ينقضي العجب من قول من يذهب الى ان صفاته الثبوتية زائدة على ذاته , فقال بتعدد القدماء ,
ووجود الشركاء لواجب الوجود , او قال بتركيبه آتعالى عن ذلك ـ ((34)) .

قـال مولانا امير المؤمنين وسيد الموحدين عليه السلام : ((وكمال الاخلاص له نفي الصفات عنه ,
لشهادة كل صفة اءنها غير الموصوف , وشهادة كل موصوف انه غير الصفة , فمن وصف اللّه سبحانه
فقد قرنه , ومن قرنه فقدثناه , ومن ثناه فقد جزاءه , ومن جزاءه فقد جهله . . .)) ((35)) .

8 ـ عقيدتنا في العدل
ونـعتقد: ان من صفاته تعالى الثبوتية الكمالية انه عادل غير ظالم , فلايجور في قضائه , ولا يحيف
فـي حـكمه , يثيب المطيعين , وله ان يجازي العاصين , ولا يكلف عباده ما لا يطيقون , ولا يعاقبهم
زيادة على مايستحقون ((36)) .

ونعتقد: انه سبحانه لا يترك الحسن عند عدم المزاحمة , ولا يفعل القبيح ,لانه تعالى قادر على فعل
الـحـسن وترك القبيح , مع فرض علمه بحسن الحسن ,وقبح القبيح , وغناه عن ترك الحسن وعن
فعل القبيح , فلا الحسن يتضرر بفعله حتى يحتاج الى تركه , ولا القبيح يفتقر اليه حتى يفعله . وهو
مع كل ذلك حكيم , لا بد ان يكون فعله مطابقا للحكمة , وعلى حسب النظام الاكمل ((37)) .

فلو كان يفعل الظلم والقبح ـ تعالى عن ذلك ـ فان الامر في ذلك لا يخلوعن اربع صور:
1 ـ ان يكون جاهلا بالامر , فلا يدري انه قبيح .

2 ـ ان يكون عالما به , ولكنه مجبور على فعله , وعاجز عن تركه .

3 ـ ان يكون عالما به , وغير مجبور عليه , ولكنه محتاج الى فعله .

4 ـ ان يـكون عالما به , وغير مجبور عليه , ولا يحتاج اليه , فينحصر في ان يكون فعله له تشهيا
وعبثا ولهوا .

وكل هذه الصور محال على اللّه تعالى , وتستلزم النقص فيه وهو محض الكمال , فيجب ان نحكم انه
منزه عن الظلم وفعل ما هو قبيح .

غـيـر ان بعض المسلمين جوز عليه تعالى فعل القبيح ((38)) ـ تقدست اسماؤه ـ فجوز ان يعاقب
المطيعين , ويدخل الجنة العاصين , بل الكافرين ,وجوز ان يكلف العباد فوق طاقتهم وما لا يقدرون
عـلـيه , ومع ذلك يعاقبهم على تركه , وجوز ان يصدر منه الظلم والجور والكذب والخداع , وان
يـفـعـل الـفـعـل بـلاحـكـمـة وغـرض ولا مـصـلـحة وفائدة , بحجة انه ( لا يسئل عما يفعل
وهم يسئلون ) ((39)) .

فرب امثال هؤلاء الذين صوروه على عقيدتهم الفاسدة : ظالم , جائر ,سفيه , لا عب , كاذب , مخادع
, يـفعل القبيح ويترك الحسن الجميل , تعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرا , وهذا هو الكفر بعينه , وقد
قال اللّه تعالى في محكم كتابه :(وما اللّه يريد ظلما للعباد) ((40)) .

وقال : (واللّه لا يحب الفساد) ((41)) .

وقال :(وما خلقنا السموات والارض وما بينهما لاعبين ) ((42)) .

وقال : (وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون ) ((43)) .

الى غير ذلك من الايات الكريمة , سبحانك ما خلقت هذا باطلا .

9 ـ عقيدتنا في التكليف
نـعـتـقـد: انه تعالى لا يكلف عباده الا بعد اقامة الحجة عليهم ((44)) , ولايكلفهم الا ما يسعهم ما
يـقـدرون عـلـيه وما يطيقونه وما يعلمون , لانه من الظلم تكليف العاجز والجاهل غير المقصر في
التعليم .

اما الجاهل المقصر في معرفة الاحكام والتكاليف فهو مسؤول عند اللّه تعالى , ومعاقب على تقصيره ,
اذ يجب على كل انسان ان يتعلم ما يحتاج اليه من الاحكام الشرعية ((45)) .

ونعتقد: انه تعالى لا بد ان يكلف عباده , ويسن لهم الشرائع , وما فيه صلاحهم وخيرهم , ليدلهم على
طرق الخير والسعادة الدائمة , ويرشدهم الى مافيه الصلاح , ويزجرهم عما فيه الفساد والضرر
عليهم وسوء عاقبتهم , وان علم انهم لا يطيعونه , لان ذلك لطف ورحمة بعباده , وهم يجهلون اكثر
مصالحهم وطرقها في الدنيا والاخرة , ويجهلون الكثير مما يعود عليهم بالضرروالخسران , واللّه
تعالى هو الرحمن الرحيم بنفس ذاته , وهو من كماله المطلق الذي هو عين ذاته , ويستحيل ان ينفك
عنه .

ولا يـرفع هذا اللطف وهذه الرحمة ان يكون العباد متمردين على طاعته ,غير مناقدين الى اوامره
ونواهيه .

10 ـ عقيدتنا في القضاء والقدر
ذهـب قـوم ـ وهم المجبرة ((46)) ـ الى انه تعالى هو الفاعل لافعال المخلوقين , فيكون قد اجبر
الـناس على فعل المعاصي , وهو مع ذلك يعذبهم عليها , واجبرهم على فعل الطاعات ومع ذلك يثيبهم
عـلـيـها , لانهم يقولون : ان افعالهم في الحقيقة افعاله , وانما تنسب اليهم على سبيل التجوز , لانهم
مـحلها ,ومرجع ذلك الى انكار السببية الطبيعية بين الاشياء , وانه تعالى هو السبب الحقيقي لا سبب
سواه .

وقد انكروا السببية الطبيعية بين الاشياء , اذ ظنوا ان ذلك هو مقتضى كونه تعالى هو الخالق الذي لا
شريك له .

ومن يقول بهذه المقالة فقد نسب الظلم اليه , تعالى عن ذلك .

وذهـب قوم آخرون ـ وهم المفوضة ((47)) ـ الى انه تعالى فوض الافعال الى المخلوقين , ورفع
قـدرتـه وقـضاءه وتقديره عنها , باعتبار ان نسبة الافعال اليه تعالى تستلزم نسبة النقص اليه , وان
للموجودات اسبابها الخاصة , وان انتهت كلها الى مسبب الاسباب والسبب الاول , وهو اللّه تعالى .

ومن يقول بهذه المقالة فقد اخرج اللّه تعالى من سلطانه ((48)) , واشرك غيره معه في الخلق .

واعـتـقـادنا في ذلك تبع لما جاء عن ائمتنا الاطهار عليهم السلام من الامربين الامرين , والطريق
الوسط بين القولين , الذي كان يعجز عن فهمه امثال اولئك المجادلين من اهل الكلام , ففرط منهم قوم
وافرط آخرون , ولم يكتشفه العلم والفلسفة الا بعد عدة قرون ((49)) .

ولـيـس من الغريب ممن لم يطلع على حكمة الائمة عليهم السلام واقوالهم ان يحسب ان هذا القول ـ
وهـو الامر بين الامرين ـ من مكتشفات بعض فلاسفة الغرب المتاخرين , وقد سبقه اليه ائمتنا قبل
عشرة قرون .

فـقـد قال امامنا الصادق عليه السلام لبيان الطريق الوسط كلمته المشهورة :((لا جبر ولا تفويض
,ولكن امر بين امرين )) ((50)) .

مـا اجل هذا المغزى , وما ادق معناه , وخلاصته : ان افعالنا من جهة هي افعالنا حقيقه ونحون اسبابها
الطبيعية , وهي تحت قدرتنا واختيارنا , ومن جهة اخرى هي مقدورة للّه تعالى , وداخلة في سلطانه
, لانـه هـو مـفـيض الوجودومعطيه , فلم يجبرنا على افعالنا حتى يكون قد ظلمنا في عقابنا على
المعاصي ,لان لنا القدرة والاختيار فيما نفعل , ولم يفوض الينا خلق افعالنا حتى يكون قداخرجها عن
سلطانه , بل له الخلق والحكم والامر , وهو قادر على كل شي ءومحيط بالعباد ((51)) .

وعـلـى كل حال , فعقيدتنا: ان القضاء والقدر سر من اسرار اللّه تعالى , فمن استطاع ان يفهمه على
الـوجه للائق بلا افراط ولا تفريط فذاك , والا فلا يجب عليه ان يتكلف فهمه والتدقيق فيه , لئلا
يـصـل وتـفـسد عليه عقيدته , لانه من دقائق الامور , بل من ادق مباحث الفلسفة التي لا يدركها الا
الاوحدي من الناس , ولذا زلت به اقدام كثير من المتكلمين ((52)) .

فـالـتـكـلـيف به تكليف بما هو فوق مستوى مقدور الرجل العادي , ويكفي ان يعتقد به الانسان على
الاجـمـال اتـبـاعـا لقول الائمة الاطهار عليهم السلام من انه امر بين الامرين , ليس فيه جبر ولا
تفويض .

ولـيـس هـو مـن الاصول الاعتقادية حتى يجب تحصيل الاعتقاد به على كل حال على نحو التفصيل
والتدقيق .

11 ـ عقيدتنا في البداء
الـبداء في الانسان : ان يبدو له راي في الشي ء لم يكن له ذلك الراي سابقا ,بان يتبدل عزمه في العمل الذي كان يريد ان يصنعه , اذ يحدث عنده ما يغيررايه وعلمه به , فيبدو له تركه بعد ان كان يريد
فعله , وذلك عن جهل بالمصالح ,وندامة على ما سبق منه .

والـبداء بهذا المعنى يستحيل على اللّه تعالى . لانه من الجهل والنقص ,وذلك محال عليه تعالى , ولا
تقول به الامامية .

قـال الـصادق عليه السلام : ((من زعم ان اللّه تعالى بدا له في شي ء بداء ندامة فهو عندنا كافر باللّه
العظيم )) ((53)) .

وقال ايضا: ((من زعم ان اللّه بدا له في شي ء ولم يعلمه امس فابرامنه )) ((54)) .

غير انه وردت عن ائمتنا الاطهار عليهم السلام روايات توهم القول بصحة البداء بالمعنى المتقدم ,
كـمـا ورد عن الصادق عليه السلام : ((ما بدا للّه في شي ء كما بدا له في اسماعيل ابني )) ((55))
ولـذلـك نسب بعض المؤلفين في الفرق الاسلامية الى الطائفة الامامية القول بالبداء طعنا في المذهب
وطريق آل البيت ,وجعلوا ذلك من جملة التشنيعات على الشيعة .

والـصـحـيح في ذلك ان نقول كما قال اللّه تعالى في محكم كتابه المجيد:(يمحوا اللّه ما يشء ويثبت
وعنده اءم الكتاب ) ((56)) .

ومـعـنى ذلك : انه تعالى قد يظهر شيئا على لسان نبيه او وليه , او في ظاهرالحال لمصلحة تقتضي
ذلـك الاظـهـار , ثم يمحوه فيكون غير ما قد ظهر اولا , مع سبق علمه تعالى بذلك , كما في قصة
اسماعيل لما راى ابوه ابراهيم انه يذبحه ((57)) .

فيكون معنى قول الامام عليه السلام : انه ما ظهر للّه سبحانه امر في شي ءكما ظهر له في اسماعيل
ولـده , اذ اخـترمه قبله ليعلم الناس انه ليس بامام , وقدكان ظاهر الحال انه الامام بعده , لانه اكبر
ولده ((58)) .

وقريب من البداء في هذا المعنى نسخ احكام الشرائع السابقة بشريعة نبى نا صلى اللّه عليه وآله , بل
نسخ بعض الاحكام التي جاء بها نبينا صلى اللّه عليه وآله ((59)) .

12 ـ عقيدتنا في احكام الدين
نـعـتـقد: انه تعالى جعل احكامه ـ من الواجبات والمحرمات وغيرهما آطبقا لمصالح العباد في نفس
افعالهم , فما فيه المصلحة الملزمة جعله واجبا ,وما فيه المفسدة البالغة نهى عنه , وما فيه مصلحة
راجحة ندبنا اليه . . .

وهكذا في باقي الاحكام , وهذا من عدله ولطفه بعباده .

ولا بد ان يكون له في كل واقعة حكم ((60)) , ولا يخلو شي ء من الاشياء من حكم واقعي للّه فيه ,
وان انسد علينا طريق علمه .

ونقول ايضا: انه من القبيح ان يامر بما فيه المفسدة , او ينهى عما فيه المصلحة .

غير ان بعض الفرق من المسلمين يقولون : ان القبيح ما نهى اللّه تعالى عنه , والحسن ما امر به , فليس
فـي نـفـس الافـعـال مـصالح او مفاسد ذاتية , ولاحسن او قبح ذاتيان ((61)) , وهذا قول مخالف
للضرورة العقلية .

كـمـا انهم جوزوا ان يفعل اللّه تعالى القبيح فيامر بما فيه المفسدة , وينهى عما فيه المصلحة . وقد
تقدم ان هذا القول فيه مجازفة عظيمة , وذلك لاستلزامه نسبة الجهل او العجز اليه سبحانه , تعالى
علوا كبيرا .

والخلاصة : ان الصحيح في الاعتقاد ان نقول : انه تعالى لا مصلحة له ولامنفعة في تكليفنا بالواجبات
ونهينا عن فعل ما حرمه , بل المصلحة والمنفعة ترجع لنا في جميع التكاليف , ولا معنى لنفي المصالح
والمفاسد في الافعال المامور بها والمنهي عنها , فانه تعالى لا يامر عبثا ولا ينهى جزافا , وهو الغني
عن عباده .

13 ـ عقيدتنا في النبوة
نـعـتـقـد: ان النبوة وظيفة الهية , وسفارة ربانية , يجعلها اللّه تعالى لمن ينتجبه ويختاره من عباده
الـصـالـحـيـن واوليائه الكاملين في انسانيتهم , فيرسلهم الى سائر الناس لغاية ارشادهم الى ما فيه
مـنـافـعـهـم ومصالحهم في الدنياوالاخرة , ولغرض تنزيههم وتزكيتهم من درن مساوئ الاخلاق
ومفاسدالعادات , وتعليمهم الحكمة والمعرفة , وبيان طرق السعادة والخير , لتبلغ الانسانية كمالها
اللائق بها , فترتفع الى درجاتها الرفيعة في الدارين دار الدنياودار الاخرة .

ونـعـتـقـد: ان قاعدة اللطف ـ على ما سياتي معناها ـ توجب ان يبعث الخالق ـ اللطيف بعباده ـ رسله
لهداية البشر , واداء الرسالة الاصلاحية , وليكونوا سفراءاللّه وخلفاءه .

كـمـا نعتقد: انه تعالى لم يجعل للناس حق تعيين النبي او ترشيحه اوانتخابه , وليس لهم الخيرة في
ذلك , بل امر كل ذلك بيده تعالى , لانه (اءعلم حيث يجعل رسالته ) ((62)) .

ولـيـس لهم ان يتحكموا فيمن يرسله هاديا ومبشرا ونذيرا , ولا ان يتحكموا فيما جاء به من احكام
وسنن وشريعة ((63)) .

14 ـ النبوة لطف
ان الانسان مخلوق غريب الاطوار , معقد التركيب في تكوينه وفي طبيعته وفي نفسيته وفي عقله ,
بـل فـي شـخـصية كل فرد من افراده , وقد اجتمعت فيه نوازع الفساد من جهة , وبواعث الخير
والصلاح من جهة اخرى ((64)) .

فـمن جهة قد جبل على العواطف والغرائز من حب النفس , والهوى ,والاثرة , واطاعة الشهوات ,
وفـطـر عـلـى حـب الـتغلب , والاستطالة , والاستيلاءعلى ما سواه , والتكالب على الحياة الدنيا
وزخـارفـها ومتاعها كما قال تعالى :(ان الانسن لفي خسر) ((65)) و(ان الانسن ليطغى # اءن رآه
اسـتـغـنـى ) ((66)) و(ان الـنـفـس لامارة بالسوء) ((67)) الى غير ذلك من الايات المصرحة
والمشيرة الى ما جبلت عليه النفس الانسانية من العواطف والشهوات .

ومـن الـجهة الثانية , خلق اللّه تعالى فيه عقلا هاديا يرشده الى الصلاح ومواطن الخير , وضميرا
وازعا يردعه عن المنكرات والظلم ويؤنبه على فعل ماهو قبيح ومذموم .

ولا يـزال الـخـصام الداخلي في النفس الانسانية مستعرا بين العاطفة والعقل , فمن يتغلب عقله على
عـاطـفـتـه كان من الاعلين مقاما , والراشدين في انسانيتهم , والكاملين في روحانيتهم , ومن تقهره
عاطفته كان من الاخسرين منزلة , والمتردين انسانية , والمنحدرين الى رتبة البهائم .

واشد هذين المتخاصمين مراسا على النفس هي العاطفة وجنودها ,فلذلك تجد اكثر الناس منغمسين
في الضلالة , ومبتعدين عن الهداية , باطاعة الشهوات , وتلبية نداء العواطف (وما اءكثر الناس ولو
حرصت بمؤمنين ) ((68)) .

عـلـى ان الانـسـان لـقصوره , وعدم اطلاعه على جميع الحقائق , واسرارالاشياء المحيطة به ,
والمنبثقة من نفسه , لا يستطيع ان يعرف بنفسه كل ما يضره وينفعه , ولا كل ما يسعده ويشقيه , لا
فـيـما يتعلق بخاصة نفسه , ولا فيما يتعلق بالنوع الانساني ومجتمعه ومحيطه , بل لا يزال جاهلا
بـنـفـسـه , ويـزيـد جـهـلا , اوادراكـا لجهله بنفسه , كلما تقدم العلم عنده بالاشياء الطبيعية ,
والكائنات المادية .

وعـلـى هـذا , فـالانـسان في اشد الحاجة ليبلغ درجات السعادة الى من ينصب له الطريق اللاحب ,
والـنـهـج الـواضح الى الرشاد واتباع الهدى , لتقوى بذلك جنود العقل , حتى يتمكن من التغلب على
خصمه اللدود اللجوج عندمايهيى ء الانسان نفسه لدخول المعركة الفاصلة بين العقل والعاطفة .

واكـثـر مـا تشتد حاجته الى من ياخذ بيده الى الخير والصلاح عندماتخادعه العاطفة وتراوغه ـ
وكـثـيرا ما تفعل ـ فتزين له اعماله , وتحسن لنفسه انحرافاتها , اذ تريه ما هو حسن قبيحا , او ما
هـو قـبـيـح حسنا , وتلبس على العقل طريقة الى الصلاح والسعادة والنعيم , في وقت ليس له تلك
الـمـعـرفـة الـتي تميزله كل ما هو حسن ونافع , وكل ما هو قبيح وضار . وكل واحد منا صريع
لهذه المعركة من حيث يدري ولا يدري , الا من عصمه اللّه .

ولاجـل هـذا يعسر على الانسان المتمدن المثقف ـ فضلا عن الوحشي الجاهل ـ ان يصل بنفسه الى
جميع طرق الخير والصلاح , ومعرفة جميع ماينفعه ويضره في دنياه وآخرته , فيما يتعلق بخاصة
نفسه او بمجتمعه ومحيطه ,مهما تعاضد مع غيره من ابناء نوعه ممن هو على شاكلته وتكاشف معهم
,ومهما اقام بالاشتراك معهم المؤتمرات والمجالس والاستشارات .

فـوجـب ان يبعث اللّه تعالى في الناس رحمة لهم ولطفا بهم (رسولامنهم يتلوا عليهم ءايته ويزكيهم
ويـعـلـمـهـم الكتب والحكمة ) ((69)) وينذرهم عما فيه فسادهم , ويبشرهم بما فيه صلاحهم
وسعادتهم .

وانـمـا كـان اللطف من اللّه تعالى واجبا , فلان اللطف بالعباد من كماله المطلق , وهو اللطيف بعباده
الجواد الكريم , فاذا كان المحل قابلاومستعدالفيض الجود واللطف , فانه تعالى لا بد ان يفيض لطفه
, اذ لا بخل في ساحة رحمته , ولا نقص في جوده وكرمه .

ولـيس معنى الوجوب هنا ان احدا يامره بذلك فيجب عليه ان يطيع تعالى عن ذلك , بل معنى الوجوب
في ذلك هو كمعنى الوجوب في قولك : انه واجب الوجود (اي اللزوم واستحالة الانفكاك ) .

15 ـ عقيدتنا في معجزة الانبياء
نعتقد: انه تعالى اذ ينصب لخلقه هاديا ورسولا لا بد ان يعرفهم بشخصه ,ويرشدهم اليه بالخصوص
عـلـى وجه التعيين , وذلك منحصر بان ينصب على رسالته دليلا وحجة يقيمها لهم ((70)) , اتماما
للطف , واستكمالاللرحمة .

وذلـك الـدليل لا بد ان يكون من نوع لا يصدر الا من خالق الكائنات ,ومدبر الموجودات ـ اي فوق
مـسـتوى مقدور البشر ـ فيجريه على يدي ذلك الرسول الهادي , ليكون معرفا به , ومرشدا اليه ,
وذلـك الـدلـيل هو المسمى بالمعجز او المعجزة , لانه يكون على وجه يعجز البشر عن مجاراته
والاتيان بمثله .

وكـما انه لا بد للنبي من معجزة يظهر بها للناس لاقامة الحجة عليهم , فلابد ان تكون تلك المعجزة
ظاهرة الاعجاز بين الناس على وجه يعجز عنهاالعلماء واهل الفن في وقته , فضلا عن غيرهم من
سائر الناس , مع اقتران تلك المعجزة بدعوى النبوة منه , لتكون دليلا على مدعاه , وحجة بين يديه
, فـاذاعـجـز عنها امثال اولئك علم انها فوق مقدور البشر , وخارقة للعادة , فيعلم ان صاحبها فوق
مستوى البشر , بما له من ذلك الاتصال الروحي بمدبر الكائنات .

واذا تم ذلك لشخص , من ظهورالمعجز الخارق للعادة , وادعى ـ مع ذلك ـ النبوة والرسالة , يكون
حـيـنـئذ موضعا لتصديق الناس بدعواه , والايمان برسالته , والخضوع لقوله وامره , فيؤمن به من
يؤمن , ويكفر به من يكفر .

ولاجـل هذا وجدنا ان معجزة كل نبي تناسب ما يشتهر في عصره من العلوم والفنون , فكانت معجزة
مـوسـى عليه السلام هي العصا التي تلقف السحروما يافكون , اذ كان السحر في عصره فنا شائعا ,
فـلـمـا جاءت العصا بطل ما كانوايعملون , وعلموا انها فوق مقدروهم , واعلى من فنهم , وانها مما
يعجز عن مثله البشر , ويتضاءل عندها الفن والعلم ((71)) .

وكـذلـك كانت معجزة عيسى عليه السلام , وهي ابراء الاكمه والابرص واحياء الموتى , اذ جاءت
في وقت كان فن الطب هو السائد بين الناس , وفيه علماء واطباء لهم المكانة العليا , فعجز علمهم عن
مجاراة ما جاء به عيسى عليه السلام ((72)) .

ومـعـجزة نبينا الخالدة هي القرآن الكريم , المعجز ببلاغته وفصاحته , في وقت كان فن البلاغة
معروفا . وكان البلغاء هم المقدمين عند الناس بحسن بيانهم وسمو فصاحتهم , فجاء القرآن كالصاعقة
, اذلـهـم وادهشهم , وافهمهم انهم لا قبل لهم به , فخنعوا له مهطعين عندما عجزوا عن مجاراته ,
وقصروا عن اللحاق بعبارة )) ((73)) .

/ 9