«الرمز فى قصه ابراهيم » - رمز في قصة ابراهيم (ع) نسخه متنی

This is a Digital Library

With over 100,000 free electronic resource in Persian, Arabic and English

رمز في قصة ابراهيم (ع) - نسخه متنی

أحمد العبيدي

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید




«الرمز فى قصه ابراهيم »




احمد العبيدى


بحث يستكشف
الاشارات الرمزيه فى القصص القرآنى

الاهدا

الاهدا


الى بقيه اللّه
وبقيه اسماعيل الذبيح
الى ذخر اللّه الذى ما زال ينتظر المجى ء
الى القادم من صلب ذبيح الى صلب ذبيح
اليك ، يا سيدى .


يا وعد
يا صدق
يا ايها العزيز .


جئت ببضاعه مزجاه،
فاوف لى الكيل،
وتصدق على
كلمه المركز

كلمه
المركز


لا نضيف جديدا اذا نحن قلنا ان الامامه تعد امتدادا صريحا
وطبيعيا لفكره النبوه نفسها، وهو امتداد اعط ى لهذه
القضيه الساخنه دوما اهميه استثنائيه ترقى فى قوتها وتماسك
جذورها الى مساله النبوه ذاتها، مع فارق واحد بينهما هو
ان النبى من يوحى اليه من اللّه وحيا مباشرا والامام من لم يحظ
بهذا النوع من الوحى والعلاقه.


وليس فيما نقوله هنا عن الامام ودوره اى اغراق فى القول او
مبالغه فى التعبير، فلقد اقترنت الامامه بالنبوه فى جميع ادوار
الرسالات واغترفت من ذات المعين الذى صدرت عنه النبوه
ذاتها، حتى ليمكن القول ان القضيتين وجهان لاينفصل
احدهما عن الاخر ولا يمكن التعرف على احدهما دون الاخر
ولا يتقوم احدهما الا بالاخر ووجوده.


فحين نستعيد تاريخ الرساله الاسلاميه لنتعرف على موقع
الامامه من الرساله وصاحبها نجد ان من العسير علينا
حقاالوصول الى فهم كامل ومحيط بهذه الرساله ان نحن
حاولناالفصل بين هذين الوجهين المكملين لبعضهما.


فالامامه
نمت وترعرعت فى احضان النبوه وعلى عينها رمزا
وفكراوممارسه.


رمزا فى كفاله النبى للامام قبل النبوه اذ ضمه وهو طفل الى
عياله وقام بنفسه على تربيته وتنشئته تنشئه تعبر اصدق تعبير
عن هذا الاقتران الذى لا انفكاك فيه بين هذين الاصلين، فلقد
استوهبه رسول اللّه من ابيه واستخلصه لنفسه وصنعه على
عينه او كان كما قال(ع): (ولقد كنت اتبعه اتباع الفصيل اثر
امه، يرفع لى فى كل يوم من اخلاقه علماويامرنى بالاقتداء به.


ولقد كان يجاور فى كل سنه بحراء فاراه ولا يراه غيرى... ارى
نور الوحى والرساله.


واشم ريح النبوه ولقد سمعت رنه الشيطان
حين نزل الوحى عليه(ص) فقلت: يا رسول اللّه ما هذه الرنه؟
فقال: هذا الشيطان قد ايس من عبادته.


انك تسمع ما اسمع
وترى ما ارى الا انك لست بنبى ولكنك لوزير وانك لعلى خير).


نعم (ولكنك لوزير) هذا العباره هى التى تفسر لنا هذا الاهتمام
الاستثنائى والعنايه غير العاديه من جانب رسول اللّه(ص)بصبى
يصغره ثلاثين عاما، فيمضغ الشى ء ويلقمه اياه ويشمه عرفه
ويكنفه فراشه ويرفع له كل يوم من اخلاقه علما.


(ولكنك لوزير) قالها(ص) مرارا وربى عليها عليا منذ كفله ودعا
الاخرين اليها فى مالا يحصى من الموارد والمواطن فلم يقتصر
قولها على التلميح بها او الرمز اليها من خلال الكفاله والتنشئه
فحسب بل صدع بها الرسول الامين كرارا منذامره ربه باعلان
الدعوه وابلاغها.


ولعل اول موطن رفع بها رسول اللّه صوته كان
يوم الدار (او الانذار) حيث صدع نبى اللّه يومها بالرساله والامامه
معا، وطلب من عشيرته الاقربين الايمان به والتصديق بنبوته
وضمن لمن يوازره وينصره الخلافه من بعده، فاحجم القوم
عنها جميعا الا عليا الذى نالها(ع) دون عمومته واشراف قومه،
فكان ان قال له(ص) انت اخى ووصى وخليفتى من بعدى.


وكان قمه التعبير عن حاجه النبوه الى الامامه والارتباط بينهما
ما حصل يوم الغدير حين وقف(ص) يعلن الجموع المحتشده
امتداد الرساله من بعده فى شخص على(ع) وتعيينه من قبل
اللّه اماما للامه وهاديا ووليا.


كما ان آخر بلاغ صدر منه(ص) عن هذا الاقتران كان فى اواخر
ايام حياته الشريفه، او ما صار يعرف فى التاريخ بعدذلك برزيه
يوم الخميس، حين طلب من القوم ان يحضروا له دواه وكتفا
فيكتب لهم مالو التزموا به وعملوا على وفقه لم يضلوا بعده ابدا،
غير ان القوم عرفوا ما يريد، وادركوا ما يقصد فحالوا بينه وبين
الكتاب وقالوا: حسبنا كتاب اللّه!!
وما بين يوم الانذار وبين يوم الخميس - وهو كل عمر الرساله
الا قليلا - ايام ملاى بحوادث جسام وامور كبرى عظام تعرضت
فيها الرساله لاخطر الاحداث واشد الصعاب، تجاوزتها كلها
وخرجت منها شامخه الراس قويه البنيان راسخه الجذور كان لم
يفتا يشير فيها(ص) ويوكد، ويلمح ويصرح، بالقول تاره والفعل
اخرى على الامامه مفهوماومصداقا، حتى ليدخل فى روع
السامع ويقر فى عقله ان الامامه صنو النبوه وان لا نبوه تودى
رسالتها والغرض منهادون ان تمتد بعد رحيل النبى من خلال
الامامه، ودون ان تجسد قيمها فى شخص يلى رسول اللّه بعد
غيابه.


وهكذا كان.. فما كاد رسول اللّه(ص) يرتحل الى الرفيق الاعلى
حتى بدا - من سلوك القوم ومواقفهم يومذاك - وكان النبوه لم
تستوف اغراضها ولم تترك اثرها فى نفوس الناس يومذاك
وعقولهم وكان لابد ان يقوم مقام النبى شخص يكمل
مابداه(ص) وينجز مالم يتمه ((1))بل انك لتلمس هذه
الحاجه وتحس بها اعمق احساس حين تلقى نظره على حال
الامه يوم توفى رسول اللّه.


فلقد هرع الناس يتناقشون امر
هذه الخلافه ويتنازعون بينهم ايهم اولى بها من سواه ومن
منهم احق بها من غيره، وتركوا رسول اللّه مسجى بين يدى
اهله يتكفلون وحدهم جهازه: غسله وتكفينه ودفنه.


ولو شئت
تفسيرا لهذا الموقف من قضيه الخلافه لما وجدت - لو
احسنت الظن - اقل من شعور القوم بالفراغ بعد رحيل نبيهم
ووجوب سد هذا الفراغ دون تاخير.


والخشيه من شغور
هذاالمنصب.


ان كلمات وتعابير من قبيل: الامامه، البيعه، الخلافه، تولى
الامر، لتشير الى ما امتازت به الرساله الاسلاميه من خصوصيه
تميزها عن كثير مما تقدمها من الاديان والنبوات.


وهذه
الخصوصيه هى صفه الشموليه للاسلام وقيمومه هذا الدين
على الحياه.


فالاسلام ليس مجرد عقيده ترضى تساولات
الانسان الحائره او تصيغ له تصوره عن اللّه،الكون، الانسان.


وتضم الى جانبها وصايا وتعليمات اخلاقيه تنظم سلوكه
الفردى فحسب.


بل الاسلام عقيده واخلاق مثلما هو نظام
وشريعه تحتاج الى من ينفذها ويحكم نصوصها فى حياه الناس.


وهذه الشموليه تستدعى ان يكون لهاما يعبر عنها فى اصول
الاسلام واركانه، فتكيف فى اصل عقائدى يحفظ هذه الشموليه
ويضمن امتدادها، ويومن للشريعه ان تسير جنبا الى جنب
العقيده والاخلاق فلا تنفصل عنهما، بل ان التطبيق الامين
لنصوص الشريعه هو الذى يضمن سلامه العقيده وبقاء القيم
الاخلاقيه نقيه صافيه لا يعبث بها المنحرفون ولايزيفها
الطارئون على دين اللّه ورساله السماء.


فهل يا ترى تنبه القوم لامر غفل عنه رسول اللّه - حاشاه - حين
اندفعوا ونبيهم لما يدرج فى اكفانه بعد يناقشون بينهم امر
الخلافه؟ وهل اراد نبى اللّه للقوم حقا ان يقرروا امر رئاستهم
كيف شاءوا؟ فيبدوا صدر تاريخهم بعده بهذه البيعه الفلته
((2))وينهوه بالملك العضوض وتداول السفهاء رئاسه الامه
ولعبهم بمقدراتها؟
ان ما وقع بعد وفاه رسول اللّه(ص) من مفارقات واحداث
لاتتفق مع قيم الرساله وتعاليمها وما تلا ذلك من انحراف
كامل عن الاسلام ومبادئه حتى لم يبق من هذا الدين الا اسمه
ليشير بوضوح الى ما قررناه من ان هناك اصلا فى
الاسلام يحفظ اللّه به صفه القيمومه لهذا الدين ويناى به عن
الانكماش وتحريف المحرفين، فاللّه تعالى احرص على دينه من
ان يجعله عرضه لتحريف العابثين وانتهاك المارقين بعد
سنوات قصار من رحيل نبيه، وهو سبحانه احرص على
هذاالدين من ان يسمح بانتكاس تجربته بعد انقطاع الوحى
وغياب انفاس الرساله، وليس هذا الاصل المهم من اصول الدين
سوى اصل الامامه الذى تحفظ به خاتميه هذا الدين وقيمومته
على الحياه.


ان اصلا له هذه الاهميه فى تثبيت دعائم الدين وترسيخ اركانه
بل وحفظ صورته على مر العصور وكر الازمان لايمكن ان يهمل
الحديث عنه فى كتاب اللّه فلا يرد له ذكر ولا تسنح له اشاره.


كيف والغرض الذى انزل القرآن وبعث الانبياء والرسل من اجله
لا يمكن تحققه بعيدا عن اصل الامامه وما تقتضيه من صفات
وشرائط فى الامام.


من هنا كانت محاوله الاستاذ العبيدى فى استكشاف هذا
الاصل من خلال القرآن الكريم وتسليط الضوء على ما
يحتف آياته البينات من ايحاءات ويكتنف اجواءها من رموز.


فالكاتب لم يكتف هنا بالطريقه المالوفه فى الاستدلال على
اصل الامامه من خلال معالجه الايات التى تشير بصراحه
ووضوح الى هذا الاصل فحسب.


بل انه تعدى ذلك الى
استنطاق عدد كبير من الايات القرآنيه والاستئناس بدلالاتها
المباشره وغير المباشره لتقرير هذا الاصل والتطبيق على
مفرداته ومصاديقه.


وقد اعتمد الكاتب لتحقيق هدفه المذكور
على قراءه القرآن قراءه واعيه ومتدبره تاخذ بنظر الاعتبار
ان القرآن كل واحد تترابط اجزاوه وتتكامل آياته وسوره.


كما
تاخذ فى الحسبان بركه المعنى القرآنى ووفور عطائه مماقد لا
يكون واضحا لدى الكثير ممن يقفون عند المفرده فلا يتعدونها
الى غيرها ويتمسكون باللفظه لا يغادرونها الى ماسواها،
فالقرآن كما قال امير المومنين: ظاهره انيق وباطنه عميق، لا
تفنى عجائبه ولا تنقضى غرائبه ولا تكشف الظلمات الا به((3)).


والقراءه المتدبره هى التى تغوص الى هذا الباطن وتحتاز تلك
العجائب وتقف على هاتيك الغرائب.


ومن هذا الفهم للسياق القرآنى ينطلق الكاتب لتقرير قضيه
الامامه مفهوما ومصداقا، فيجعل من قصه ابراهيم(ع)ورحلته
على درب الكمال والامامه منطلقا لهذه القضيه ويجد فى
تفاصيل هذه القصه وثناياها ما يشير الى مستقبل الرساله
الالهيه، فابراهيم واسماعيل(عليهماالسلام) هما محمد وعلى
صلوات اللّه عليهما فى دوريهما وما يقومان به فى سبيل الرساله
وما يجرى عليهما من احداث ووقائع.


ويحتل مفهوم (الذبح)
و(الذبيح) جانبا مهما من قصته الرمز والتماهى بين هذه
الشخصيات العظيمه ويشكل - فى نظر الكاتب - ركنا اساسيا
فى حيثيات الامامه وشرائطها: فعلى(ع) هواسماعيل(ع): فى
تعريضه للذبح، وتكرار قصه الفداء والتضحيه به، فى تطهير
البيت والدعوه الى التوحيد، وفى كونه بذره الامامه ومحورا
لاكمال الدين واتمام النعمه.


على هو اسماعيل هو دعوه ابراهيم
المجابه فيه وفى ابنائه المعصومين من بعده.


ان (الرمز فى قصه ابراهيم) هو فى تقديرنا مسعى جدير
بالاهتمام.


وجهد حقيق بالتامل..وقراءه واعيه للقرآن
الكريم،نتمنى ان تستمر وتوتى آكلها كل حين.


ختاما ندعو القارى ء الكريم، الى معايشه هذا الجهد ومواكبه
افكاره وجدانيا حيث القرآن الكريم رحله للعقل
والروح والوجدان.


مركز الغدير للدراسات الاسلاميه

مركز
الغدير للدراسات الاسلاميه


توطئه

توطئه


تحتل الامامه موقع المركزيه بالنسبه الى الرساله، فهى المدار
لها، وعلى التبليغ بها تتوقف ثمره التبليغ بماعداها، كما
صرحت بذلك الايه الكريمه: (يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك
من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته....


)((4))،فالامامه غايه
الرساله ومنتهى مسيرتها، والرساله متقومه بالامامه، متكئه
عليها، .. ولقد تحدث القرآن عن حقيقه الامامه وملاكاتها فى
آيات متعدده - سياتى كلام فى بعض ذلك اثناء البحث - ،
ولكن، السوال المفروض هنا: اذا كان القرآن كتاب الرساله
المحمديه، وكانت الامامه لازمه الرساله وشرطها، فهل تكفى
-والحاله هذه - الاشاره الى الامامه كحدث تاريخى اتسمت به
بعض الرسالات التى سبقت الاسلام مع اشارات لبعض حيثياتها،
ام ان القرآن قد احتوى - فوق ذلك على ذكر لها فى رساله
الاسلام او تكريس لابعادهاوامتداداتها ومصاديقها ولو على نحو
الاشاره والرمز؟
ولان سوالنا جاء عن القرآن، كان المفروض استنطاق القرآن
نفسه، ولاستنطاق القرآن حول هذه القضيه للبحث لها عن
جواب - الى جانب غيرها من القضايا - لابد ان نتكى ء اولا على
جمله منطلقات هى بمثابه مفاتيح للبحث:
الاول: ان ننظر الى القرآن نظره شموليه، اى ان نلحظه بما هو
حقيقه واحده متكثره فى آيات والفاظ (ولو كان من عند غير اللّه
لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) ((5))فالقراءه التجزيئيه لايات
القرآن والفاظه تبعد الفهم عن روح القرآن وحقيقته، وبذلك
تفقد هكذا قراءه صلاحيتها على الاستنطاق التام.


الثانى: التزام ان لا يخرج الاستنطاق عن دائره عدل الكتاب
وهم اهل البيت(عليهم السلام) وهو ما الزمنا به حديث
الثقلين المتواتر عند الفريقين: (انى قد تركت فيكم الثقلين، ما
ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدى، واحدهما اكبر من الاخر،
كتاب اللّه جبل ممدود من السماء الى الارض، وعترتى اهل
بيتى، الا وانهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض)((6))، وعدم
الافتراق هذا، او التلازم بين الثقلين يثبت حقيقه ان فهم
القرآن لا يمكن ان ينطلق من غيرهم او يعود الى سواهم،
بمعنى ان الفهم الحق لا يمكن تحصيله الا منهم اولا، وهو ما
صرحت به آيات من الكتاب العزيز كقوله تعالى: (لايمسه الا
المطهرون)((7))، ومن المطهرون غيرهم؟، وثانيا فان آيات
الكتاب بمجموعها او بجمعها لا تعدل عنهم معنى ودلاله
ومقصدا فاننا حيثما قرانا من الكتاب وجدناهم، وهذا واضح فى
عبارات احاديثهم عليهم السلام التفسيريه، اذ نجدهم يرجعون
اغلب الايات اليهم معنى، حتى قديستغرب المطالع - بدء -
لمثل تلك العبارات لبعد بعضها عن الظاهر الجزئى.. الا ان
ذلك بالامكان ان يصبح جليا بينا فيما لو كانت القراءه بتدبر،
كما سنرى بعض مصاديق ذلك خلال هذا البحث.


الثالث: ان القرآن لا يزال حيا غضا وكذلك سيبقى، لا يبليه
الزمن، لا تنقضى عجائبه ولا تنفذ اسراره، وسرذلك كونه تبيانا
لكل شى ء وكونه كذلك موردا دائما للتفكر والتدبر، اذ يدعوا
الحق سبحانه خلقه على الدوام للتفكر فيه وتدبره، ولو نفذت
اسراره وكشف عن جميع مغازيه لبطلت بذلك دعوه التفكر
والتدبر فيه.


وبذلك جاء القرآن عميقا فى معانيه ومغازيه، فمن معانيه ما
اشير اليها بوضوح وتصريح، ولكن منها ما اخفى فيه بنحو
التلميح والترميز، وهو مقتضى عمقه وشموله وكونه تبيانا لكل
شى ء.


فهل لاهل البيت(عليهم السلام) وامامتهم حظ من ذلك فى
الكتاب العزيز وهم والكتاب لا يفترقان؟
نعم.. اما هم فالكتاب ملى ء بهم وبفضائلهم وطهارتهم، واما
امامتهم فهذا البحث وبحوث لاحقه - ان شاء اللّهتعالى -
مساهمه للكشف عن ذلك، ولقد وجدنا فى بعض مفاصل قصه
ابراهيم النبى وابنه اسماعيل(عليهماالسلام) اشارات مهمه
تترابط مع غيرها من آيات الكتاب لتكون فى المجموع نسيجا
فسيفسائيا تكتمل صورته شيئا فشيئا ثم ليتضح الرمز حتى كانه
تصريح، وتاتى الاجابه على الابهام تداعيا طبيعيا لا يحتمل
تكلفا او تخرصا.


ومع ذلك فانى اوكد عدم ادعاء التفسير، فللتفسير اهله، الا انها
- على ايه حال - محاوله لامتثال دعوه القراءه بتدبر ستاتى
بعدها محاولات اخرى - ان شاء اللّه تعالى - بذات السياق
والنسق، قد تشكل بمجموعها - اذااكتملت - مساهمه متواضعه
فى الوقوف على تناغم الوحده فى آيات الكتاب العزيز من جهه،
والسعى لاستجلاء العمق القرآنى من جهه اخرى، .. هذا فضلا
عما تتمخض عنه تلك البحوث من نتائج جوهريه وعرضيه آمل
ان تكون جديره بالملاحظه مع ما تفتحه الى جانب ذلك من
باب واسع يوسس لمنهجه فى القراءه المتدبره التى هى فى حد
ذاتها امر فى غايه الاهميه للتعامل مع كلام اللّه الذى خصنا به.


تجدر الاشاره هنا الى ان البحث وان كان صغيرا فى حجمه الا
انه كتب بعباره مضغوطه مختصره قدتستوجب مزيدا من
التامل والتانى فى مطالعتها، ولعل ذلك نابع من ذات الرمزيه
التى يبحث عنها ومن عمق ما يحاول قراءته واستشفافه.


اخيرا اقدم وافر شكرى وتقدرى للاخوه العلماء والفضلاء
والباحثين الذى جادوا بوقتهم فطالعوا البحث وقيموه وقوموه
فكان ذلك قره عين لى..
والحمد للّه رب العالمين وصل اللهم على محمد وآله، واعل
على بناء البانين بناءه واتمم له نوره..
احمد العبيدى
صيف عام (عليهماالسلام)199 م
الموافق لشهر ربيع الثانى / 1419 ه
بسم اللّهالرحمن الرحيم
( وان من شيعته لابراهيم ?اذ جاء ربه بقلب سليم ?اذ قال
لابيه وقومه ماذا تعبدون ?اافكا آلهه غير اللّه تريدون ?فما
ظنكم برب العالمين ?فنظر نضره فى النجوم ?فقال انى سقيم
?فتولوا عنه مدبرين ?فراغ الى آلهتهم فقال الا تاكلون ?مالكم
لاتنطقون ?فراغ عليهم ضربا باليمين ?فاقبلوا اليه يزفون ?
قال اتعبدون ما تنحتون ?واللّه خلقكم وما تعملون ?قالوا
ابنواعليه بنيانا فالقوه فى الجحيم ?فارادوا به كيدا فجعلناهم
الاسفلين ?وقال انى ذاهب الى ربى سيهدين ?رب هب لى
من الصالحين ?فبشرناه بغلام حليم ?فلما بلغ معه السعى قال
يابنى انى ارى فى المنام انى اذبحك فانظر ماذا ترى قال يا
ابت افعل ما تومر ستجدنى ان شاء اللّه من الصابرين ?فلما اسلما
وتله للجبين ?وناديناه ان يا ابراهيم ?قد صدقت الرويا
اناكذلك نجزى المحسنين ?ان هذا لهو البلاء المبين ?وفديناه
بذبح عظيم ?وتركنا عليه فى الاخرين ?سلام على ابراهيم
??ذلك نجزى المحسنين ?انه من عبادنا المومنين ?) ((8))


تداعيات ومقدمات

تداعيات
و مقدمات


ما زال ابراهيم الخليل يحاور قومه ويناورهم مذ كان فيهم فتى
غضا، وها قد شارف عقده العاشر على الانتهاء،ومسه الكبر، وهو
مذ لبث فيهم يدعوهم الى التوحيد ويسفه طريقتهم وافكهم،
اذ غير اللّه آلهه يريدون،فالمناظره قائمه معهم على اشد ما
تكون، لكن آيات الخليل تبقى ليس لها الى القلوب الموصده
طريق،فالطغيان كان قد القى على القلوب اقفالها، وابراهيم
فيهم يرى صدهم ويسمع كفرهم باللّه وآياته ويشهدشركهم
وهو مع ذلك دائب فى التبليغ، لا يوقفه صدهم، ولا يثنيه
كفرهم، ولا يحرفه شركهم، غير انه يعز عليه عنتهم وقد يئس
رشادهم، فيضيق صدره ان المحيط يضج بهم وبكفرهم،
ويشوشون وما يعبدون صفاء السبيل عليه، فانى له، وهو لا غايه
له الا اللّه خالقه، وحال الخليل الطهر والصفاء، وهولاء لا يروقهم
طهر ولا صفاء،فيعتل حال الخليل، وينتابه شعور انه سقيم،
(وقال انى سقيم)((9))، سقيم باعراضهم وبصدهم، سقيم بهم
ولا بد له البرء منهم ومن اصنامهم، فراغ الى الاصنام اولا
يجذذها((10)) ليفضح اسطوراتها ويكشف لعبادها فقرها، عل
الحجه تتم عليهم فيرعووا، لكنهم قد اشرب الشرك فى قلوبهم،
واوغل الغى فى ضمائرهم.. فاقبلوا اليه يريدون به كيدا،
ينتقمون منه لشركائهم.. لن يبرا منهم مالم يعتزلهم وما
يعبدون من دون اللّه، فهو خليل اللّه، وهم يشركون به
غيره..،فنجى اللّه خليله وجعلهم المكيدون..
وكان ذلك آخر المطاف معهم، فلا امل فيهم.. وفى ذلك
المطاف، كان ابراهيم مع كل موقع يرتقى عالما فى سلم
الصعود، فاتخذه اللّه فى البدء عبدا، ثم نبيا ثم مرسلا، ثم فى آخر
المطاف اتخذ اللّه ابراهيم خليلا((11))..


ومقام الخله مقام رفيع،
ومقام الخله قره عين الخليل.. فهل بعد ذلك المقام مقام؟،
وهل غير ذلك المطاف مطاف،وقد ناهز العمر المائه الا
عاما((21))، وهو سقيم بهولاء وما يعبدون؟
لكن من ذاق اللذه يطمع بالمزيد، وهو طمع محمود، طمع
اختص به الصديقون والمقربون، وطمع الخليل فى الوصول
يوصله ويقرب له البعيد يملا له ثغرات الياس المحيطه
بالطريق، يبرئه من سقمه، فنواها الخليل معتزلا قومه وما
يعبدون من دون اللّه متوجها الى الحبيب حاجا اليه، والحج فى
نفسه مقام لا يبلغه الا من استطاع، وكان الخليل قد استطاع..
وحج ابراهيم كشف وصعود، ففيه وصل الخليل، وفيه رويه
الملكوت، وفيه يهدى ليكون للناس اماما، وهو ما ترنو اليه عين
الخليل حيث هو خليل، وفى الوصل لذه الخليل، فاعلنها
اولاعلى الظالمين كاخر ما يسمعون منه، ليعلمهم بالرحيل:
(وقال انى ذاهب الى ربى سيهدين)..
بدايه الرحله..

بدايه
الرحله..


من وادى الشام - الذى كان يقطن فيه - يعلن الخليل عن انه
ذاهب الى ربه ليشفيه ويهديه، وراح بدء يحددالسبيل، ومن اليه
السبيل، فيوجه وجهه اليه اذ يقول: (انى وجهت وجهى للذى
فطر السموات والارض حنيفا وما انامن المشركين)((13))،
وتوجه ثم يحضر لوزام الرحيل، والمعين من الزم لوازم الرحيل،
لابد له من معين يكون له فى معيته تمام شفائه وتمام الرحيل،
لابد له من معين يكون كنفسه او عينها.. يحجان معا، ويبرآن
معا، ويهديان معا.. فانى يكون له المعين، وقومه ليس فيهم الا
مشرك .. وانى له المعين، وامراته عاقر، وقد مسه الكبر
وبلغ التاسعه والتسعين، وايس الوليد.. لكن اللّه على كل شى ء
قدير..، فيشرع الخليل بخطوته الاولى: (واعتزلكم وماتعبدون
من دون اللّه وادعو ربى عسى ان لا اكون بدعاء ربى
شقيا)((14))..


ويطلب المعين ممن هو على كل شى ء قدير:
(رب هب لى من الصالحين)، فبشرته الملائكه عن اللّه (بغلام
حليم) اجابه للدعاء، وابراهيم لم يرزق من زوجتيه الولد
قبل ذاك، فادهش للبشرى، ولم يكن من شان الخليل ان يخفى
دهشته، فقال مسفرا لمن بشره من الملائكه:(ابشرتمونى على
ان مسنى الكبر فبم تبشرون)((15))، وما ان ولد اسماعيل بكر
الخليل حتى شرعا حجهما، وما لبث الوليد حتى بدا البلاء، وحج
ابراهيم مع البلاء صنوان يدور البلاء مع حجه حيثما دار.


يامر الرحمن خليله ان يحمل اسماعيل وامه - هاجر - الى واد
غير ذى زرع، واسماعيل لما يبلغ الفطام، فكيف ذاك، وقد رزقه
بعد طول انتظار، وبشر به بعد ياس، والامر عسير؟.. لكن
ابراهيم كان قد اسلم وجهه للّه، (اذقال له ربه: اسلم، قال:
اسلمت لرب العالمين)((16))، وذاك مقام كان قد بلغه منذ
حين، لكن سنه التمحيص جاريه،وابراهيم يراد له مقام كريم..،
ففعل ما امر، واحتمل الاثنين يصحبه الامين جبرئيل على
البراق..
لم يدر فى البدء اى بقعه ستكون، وكيف هى؟ وهل فيها ما يقوم
الحياه؟.. لكنه اسلم، وليس من شان من اسلم للمسبب ان يسال
عن الاسباب (وكان ابراهيم لا يمر بموضع حسن فيه شجر
ونخل وزرع الا وقال: يا جبرئيل، الى هاهنا؟ فيقول جبرئيل: لا،
امض، امض، حتى وافى مكه ووضعه فى موضع البيت... فلما
سرحهم ابراهيم ووضعهم وارادالانصراف الى ساره - زوجته
الاخرى - قالت له هاجر: يا ابراهيم لم تدعنا فى موضع ليس
فيه انيس ولا ماء ولا زرع، فقال ابراهيم عليه السلام: اللّه امرنى
ان اضعكم فى هذا المكان...)((17))، فمضى(ع) تاركا خلفه
الضعيفين فى مكان لا انيس ولاماء ولا زرع فيه، وقلبه قلب
نبى، قلب كله رحمه، لكن قلبه ذاك خال الا من اللّه.. فلا وجود
للاغيار فيه، وهوخليل الرحمن،.. فتولى عنهم وهو لا يلوى على
شى ء الا ان يرفع يد الخله ويكلهم اليه تعالى: (ربنا انى انزلت من
ذريتى بواد غير ذى زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاه
فاجعل افئده من الناس تهوى اليهم وارزقهم من
الثمرات لعلهم يشكرون)((18))، واستجاب له ربه، فانبجست
لهم اول الامر عين زمزم، (وعكفت الطير والوحش على
الماء...)((19))،فعجب الناس لتعكف الطير والوحش فهوت
اليهم بنو جرهم (فنزلوا بالقرب منهم وضربوا خيامهم فانست
هاجرواسماعيل بهم)((20))، وابراهم يراجعهم فى هذه الاثناء
مره ومرتين، (فلما رآهم ابراهم(ع) فى المره الثالثه، نظر الى
كثره الناس حولهم فسر بذلك سرورا شديدا...)((21)).


وتمضى
السنون تلو السنين ويكبر اسماعيل شبيه ابيه، وقد نبا اللّه عنه
خليله انه عليم، حليم، من الاخيارالصالحين، لكن اشخص ما
فى اسماعيل، كونه حليما، (والحلم صفه لانضباط النفس
وسكون الطبع والطمانينه والصبر فى مقابل ما لا يلائم
الطبع)((22))، ولم يحب اللّه تعالى هذا الاسم - الذى هو من
اسمائه تعالى - فى كتابه العزيز - لاحد من اوليائه سوى
اسماعيل وابيه، فما اعزه من اسم ويا لها من صفه، هى من
اشرف الصفات واجل الملكات التى ترقى الانسان الى اعلى
المقامات بسكون وطمانينه، ولعل هذا ما اهل اسماعيل لان
يختاره الحق تعالى للدخول فى دائره البلاء الابراهيمى
المتعددالمراحل والمقامات، وقد كان اهلا له بصبره، فالصبر
لب الحلم ومعدنه.. وابراهيم كان قد علم - فيما نباه اللّه- انه
اهل البلاء، واهل الصبر، واهل الحلم...
المرتبه الاولى..


مرتبه البناء

المرتبه
الاولى.. مرتبه البناء


(ولما بلغ اسماعيل مبلغ الرجال امر اللّه ابراهيم ان يبنى
البيت)((23))، (فقال يا بنى قد امر اللّه ببناء الكعبه)((24))،
وشرعا ببناءالبيت.. لم يكن بناء البيت مجرد وضع حجر على
حجر، وابراهيم واسماعيل يقدران قيمه ما ينجزان، فهو بيت اللّه
العتيق، وحرم اللّه الامن، وقبله المومنين.. وبناوه تاسيس لامر
عظيم،انهما يرفعان صرح عقيده التوحيدويثبتان اسس
الاسلام، ولذاك فهما فى اثناء البناء يتوسلان الى السميع العليم
ان يتقبل منهما التاسيس، (واذيرفع ابراهيم القواعد من البيت
واسماعيل ربنا تقبل منا انك انت السميع العليم)((25))،
وبعمليه البناء اراد اللّه ليصنعهما على عينه، وياخذ بايديهما فى
مدارج الكمال مرتبه فمرتبه، فبناءالبيت يعنى فى حقيقته
اسلام الظاهر، او ظاهر الاسلام، وهو اول مراتب الاسلام والذى
يعنى توحيد الظاهرللّه، حيث يمثله ظاهرا بيته العتيق..، فهما
من هذه المرتبه اذ يعيدان بناء البيت، ويرفعان القواعد منه،
يرسمان اول قدم فى سياق الصعود ويعدان لما بعدها من
تسليم، وحصول اليقين للقلب، وما يرافق اول قدم من
التضرع اليه تعالى لان يتم لهما ما بدءا، فتمام اسلام الظاهر، ان
تتحقق واقعيه الاسلام ظاهرا وباطنا، وان يتوجه القلب الى اللّه،
كما توجه البدن الى بيته، حتى يكون وجود الانسان كاملا فى
تسليمه واذعانه لموجوده،فياتزران بالدعاء ويضرعان: (ربنا
واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا امه مسلمه لك...)((26))،
ولكى ينفذ الاسلام من القالب الى القلب، لابد من تطهير يبدا
بالظاهر وينتهى بالضمير..
المرتبه الثانيه..


مرتبه التطهير

المرتبه
الثانيه.. مرتبه التطهير


فتبدا المرحله الثانيه فى مرتبه لاحقه، وياتى الامرالالهى
بتطهير البيت: (وعهدنا الى ابراهيم واسماعيل ان طهرا بيتى
للطائفين والعاكفين والركع السجود)((27))، وبيت اللّهالقلب
اذا طهر، (فالقلب حرم اللّه)((28)) و(ما وسعتنى ارضى ولا
سمائى ولكن وسعنى قلب عبدى المومن)((29))...
وفى ثانيه مراتب الاسلام، فى مرحله التطهير يدخل الايمان
القلب، ويهيمن عليه، ( قولوا اسلمنا ولما يدخل الايمان فى
قلوبكم...)((30))، ويامر الحق ابراهيم مع اسماعيل ليطهرا بيته
- الكعبه والقلب - من رجس ونجس الشرك والمشركين،
فالايمان اذا دخل القلب بعد التطهر من الشرك، ايما كان ذلك
الشرك - جليا كان او خفيا، خارجياكان او باطنيا، غيريا كان او
انانيا - صار القلب مذعنا متوجها الى اللّه، ويئين اوان القلب
ليستجيب لنداء الحق للخشوع: (الم يان للذين آمنوا ان تخشع
قلوبهم لذكر اللّه)((31))، والخشوع احساس بالحضور، ومن
الاحساس بالحضور ينقلب القلب من البيت الى صاحب البيت،
ومن القلب الى الساكن فى القلب، ومن (فولوا وجوهكم شطره)
((32))الى (اينما تولوا فثم وجه اللّه)((33))، وياخذ ابراهيم مع
اسماعيل بتطهير البيتين، ويرفع ابراهيم شعاره الخالدكنتيجه
للتطهير: (انى وجهت وجهى للذى فطر السموات والارض
حنيفا وما انا من المشركين)...
فقد طهر القلب فما فيه من شرك، وطهر البيت فما فيه من
ديار من المشركين، وصار التوجه اليه دون معيق،فالبيت -
الكعبه - بعدما رفعت قواعده لابد ان يطهر، لان بناء البيت
وتوجيه الناس اليه لابد ان يعقبه اخراج الشرك والمشركين
منه، وتطهيره من رجسهم، كيلا تشوب الدين شائبه شرك
تصد عن الطريق، فطبيعه المشرك باللّه المنحرف عن دينه،
الصد عن سبيله، (وانهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون انهم
مهتدون)((34))، وطبيعه الشيطان ان يملا الطريق بالضجيج،
وان يقعد فى كل صراط مستقيم...
ثمره التطهير...


ثمره
التطهير...

ويتهيا الجو بعد التطهير لان يضج بيت اللّه - قلبا وكعبه -
بالعباده والعابدين.. ويعد البيت لان يضم الطائفين والعاكفين
والركع السجود، وهل يكون طواف وعكوف وركوع وسجود بغير
تطهير، وهو شرطه ومقدمته؟ويمهد سبيل السلوك الى اللّه..
وهل يمهد الا بقمع الاشواك، ورفع ما يصد عن السبيل، وبذل
الجهد عليه؟ (ياايها النبى جاهد الكفار والمنافقين واغلظ
عليهم)((35))، لكنه جهاد اصغر، لانه جهاد تمهيد، وجهاد فى
السبيل، فالجهادفى سبيل اللّه يعنى ان يكون الانسان سليما
وبريئا ليكون قابلا للسلوك ويعنى ايضا ان يكون السبيل خلوا
ممايصد عن السبيل، وقد تخط ى - ابراهيم والذين معه اى
اسماعيل - هذه المرتبه، وبرى ء من سقمه الذى كان قدالم به،
فيعلن هنا - هو والذين معه - براءتهم على رووس الاشهاد: (اذ
قالوا لقومهم انا برءآء منكم ومما تعبدون من دون اللّه، كفرنا بكم
وبدا بيننا وبينكم البغضاء ابدا حتى تومنوا باللّهوحده...)((36))،
ولقد اعط ى ابراهيم ببراءته تلك، الجواب الواقعى لما ساله اللّه:


(اذ قال له ربه اسلم)، (اسلاماتخيريا تشريعيا، يكون الرضا
والتسليم والاحتساب والصبر والحب والبغض فى اللّه من
لوازمه)((37))، (قال اسلمت لرب العالمين)... وبذلك يكون
واسماعيل - معا - قد رفعا قدما اخرى، هى فى حقيقتها مرتبه
اخرى فى سيره اسلامهم.. وها قد تهيئا لبلوغ الكمال، ولكن بعد
حين..
المرتبه العليا الثالثه.. مرتبه الكمال

المرتبه
العليا الثالثه.. مرتبه الكمال


(فلما كان فى الليل اتى ابراهيم آت من ربه فاراه الرويا فى ذبح
اسماعيل...)((38))، تتكرر الرويا على الخليل فى ذبح
اسماعيل،وقد كان يوحى اليه فى منامه، الامر يتكرر من الجليل
فى ذبح اسماعيل، ولكن لماذا الذبح، لماذا يدخل الابن -فضلا
عن ان يكون ذلك الابن اسماعيل بالذات - عنصرا سلبيا فى
المرتبه الثالثه من عمليه التكامل؟((39)).


التمحيص فى حقيقه مرتبه الكمال

التمحيص
فى حقيقه مرتبه الكمال


لقد جرت سنه اللّه التى لن تجد لها تبديلا فى مسير البشريه
التكامليه - افرادا وجماعات - على الهدايه التشريعيه اولا، ثم
يترك لمن بلغته الهدايه الخيار فى الاهتداء او الضلال، (انا
هديناه السبيل اما شاكرا واماكفورا)((40))، اما طبيعه ذلك
الاختيار، ادائمى هو او غير دائمى، واقعى ام سطحى، حقيقى ام
ظاهرى، فهذا مايتكفله الابتلاء والتمحيص، اذ ياتى ثانيا لتثبيت
ذلك، ان سلبا فسلبا؟ وان ايجابا فايجابا، (وليبتلى ما
فى صدوركم وليمحص ما فى قلوبكم واللّه عليم بذات
الصدور)((41)).


وابراهيم(ع) بعد ما استجاب لدعوه ربه (اذ قال له ربه اسلم
قال: اسلمت لرب العالمين) بقيت امامه عمليه التثبيت، ولكن
لابد ان يكون للابتلاء والتمحيص نحوتناسب مع خطوره ما يراد
تثبيته من مقام ومرتبه، او ما يراد ترتيبه عليه فيما بعد من
تنصيب، اذ الابتلاءوالتمحيص تاهيل، وما اريد لابراهيم(ع) هو
ان يكون اسوه فى سلامته وطهارته وخضوعه لربه، التى
معهن يبلغ ابراهيم مع ولده الحاله القصوى من عمليه التكامل
فى مرتبتها الثالثه، والتى يترتب على اجتيازها المنحه الالهيه
الكبرى فى (انى جاعلك للناس اماما)((42))، التى هى فى
ذات الوقت تضاهيها، وتتطابق معها..
(والذى نجده فى كلامه تعالى، انه كلما تعرض لمعنى الامامه،
تعرض معها للهدايه تعرض التفسير، قال تعالى فى قصص
ابراهيم(ع): (ووهبنا له اسحاق ويعقوب نافله وكلا جعلنا
صالحين.


وجعلناهم ائمه يهدون بامرنا)((43))، وقال سبحانه
(وجعلنا منهم ائمه يهدون بامرنا لما صبروا وكانوا باياتنا
يوقنون)((44))، فوصفها بالهدايه وصف تعريف،ثم قيدها
بالامر، فبين ان الامامه ليست مطلق الهدايه، بل هى الهدايه
التى تقع بامر اللّه، وهذا الامر هو الذى بين حقيقته فى قوله:
(انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون فسبحان الذين
بيده ملكوت كل شى ء..)((45))، وبالجمله فالامام هاد يهدى
بامر ملكوتى يصاحبه)((46)).


ان منصب الامامه يتحصل بصبر يبلغ حد الحلم،ويتقوم بيقين
يصل حد (عين اليقين)، (وجعلنا منهم ائمه يهدون بامرنا لما
صبروا وكانوا باياتنا يوقنون)، والصبر سابق على اليقين مود
اليه، والا، فلليقين موانع تصد عنه،ومشاغل تحبس من العروج
اليه، لخصتها آيات القرآن وجمعتها فى الاموال يقارنها الاولاد..
والاموال والاولاد تعبير جامع لاصول جميع المتعلقات
الدنيويه، اذ انهما ادنى - بمعنى الدنو - ما يكونان من الانسان
فى حياته، وهما الاقرب لان يكونا داخلين فى ملكه وسلطته
وتصرفه، حتى ليحسب الانسان - اذا ماغفل - انهما فى عرض
ملك اللّه لا فى طوله، فيقول:
(انما اوتيته على علم عندى...)((47))، وقد ورد اللفظان -
الاموال والاولاد - متقارنين فيما ينيف على العشرين موردافى
كتاب اللّه العزيز، قد سبق فى الجميع المال الاولاد، ولعل
تعليل ذلك، ان معنى (المال)، هو كل ما دخل فى ملك
الانسان، فهو اعم من الاولاد، فللوالد نحو ولايه وتسلط بما
يشبه التملك على ولده - وان كان للولداستقلال بنحو ما - كما
ان الولد بهذا اللحاظ جزء المال، وتقديم المال عليه من باب
تقديم الاعم على الاخص كما هو مقتضى القاعده وهذا التسلط
والتملك على الاثنين - اموالا واولادا - هو ما عمق الارتباط
والتعلق،وجعلهما مورد اللعب والزينه والتفاخر والتكاثر، التى
تشكل بمجموعها معنى (الحياه الدنيا) فى مقابل(الاخره)،
(اعلموا انما الحياه الدنيا لعب ولهو وزينه وتفاخر بينكم وتكاثر
فى الاموال والاولاد)((48))، بهما يفتن الانسان،فيفوته ما عند
اللّه، (انما اموالكم واولادكم فتنه واللّه عنده اجر عظيم)((49))،
وبهمايتلهى فيغفل عن ذكر اللّه، فيكتب فى الخاسرين، (يا ايها
الذين آمنوا لا تلهكم اموالكم ولا اولادكم عن ذكر اللّه ومن
يفعل ذلك فاولئك هم الخاسرون)((50))، وفى التلهى بهما،
والتكاثر فيهما يحرم الانسان بلوغ اليقين، (الهاكم التكاثر ?
حتى زرتم المقابر ?كلا سوف تعلمون ?ثم كلا سوف تعلمون ?
كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم ?ثم لترونها
عين اليقين)((51)).


فلما كان هناك تكاثر، وانغمار فى الاموال والاولاد وتله بهما
عن اللّه، لم يكن لليقين طريق الى القلب ليرى الجحيم وغير
الجحيم، وانسدلت عليه ستائر الظلمات، (اذا اخرج يده لم يكد
يراها)((52))، وانسد عليه سبيل سلوكه وهو بعد لم يتخط
مرتبه ولم يبلغ مقاما، لان (حب الدنيا راس كل خطيئه)،
فالانشغال بغيره يعنى التلهى عنه، وفى التلهى عنه الاعراض
عن ذكره جل ذكره، وفى الاعراض عن ذكره ضنك وعمى،
(ومن اعرض عن ذكرى فان له معيشه ضنكا ونحشره يوم
القيامه اعمى)((53))...
وفى قبال ذلك فى الطرف الاخر، قلوب مبصره، تلك التى
تشهد نارها وجنتها قبل قيامتها، (فهم والجنه كمن قدرآها
فهم فيها منعمون، وهم والنار كمن قد رآها، فهم فيها
معذبون)((54))، وذلك بعد قطع دابره تعلق القلب بكل ما
سوى اللّه،واخلاء القلب تماما من ذكر سوى ذكر اللّه، فلا يرى
شيئا الا ويرى اللّه قبله ومعه وفيه وبعده ويراه ظاهرا فى كل
شى ء((55))، فيسلم القلب من الاغيار والاكدار، و(يلقى اللّه
وليس فيه احد سواه)((56))، (يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من
اتى اللّه بقلب سليم)((57))...
فيظهر هنا ان اليقين - الذين يعنى ان ليس فى البين سانحه
شك - مرادف للتسليم، وهو معنى الاسلام،(فالاسلام هو
التسليم، والتسليم هو اليقين)((58))، فمن بلغ اليقين بلغ
التسليم، ومن بلغ التسليم كان مظهرا حقاللاسلام...


خصائص الذبح الابراهيمى

خصائص
الذبح الابراهيمى


ولما بلغ ابراهيم(ع) نبا الذبح اتى اسماعيله يخبره: (يا بنى انى
ارى فى المنام انى اذبحك)، يعرض عليه امرالرحمن، امر
كلاهما طرفاه، بلاء هو خاتمه المطاف، اختار الرحمن خليله
فيه ذابحا لابنه متخليا عن كل علاقه له بغير ربه، واختار
اسماعيل ذبيحا للخليل، او شريكا له فى البلاء، فكما كان على
ابراهيم ان يمتثل امرالذبح، فان على اسماعيل ان يقبل الذبح
ايضا، فامر الذبح متعلقه طرفان، ذابح ومذبوح، ابراهيم فى
طرف الايجاب منه واسماعيل فى طرف السلب، ابراهيم فى
طرف الفعل، واسماعيل فى طرف الانفعال والخضوع للفعل،
ومن ها هنا تبزغ حقيقتان:
الاولى: ان الامر الذى جاء ابراهيم: (ان اذبح اسماعيل)، يتضمن
امرا مقدرا لاسماعيل: (ان اقبل الذبح)،فالبلاء والتمحيص اذن
لم يختص بابراهيم فقط، وانما شمل الاثنين معا، اذ لو فرض
امتناع اسماعيل عن قبول الذبح، لسقط الامر فيما يخص
ابراهيم، وكذا لو فرض عصيان ابراهيم لامر الذبح لما تعدى
التكليف لاسماعيل فيمتحن بالذبح، ولهذه النكته ثمره تتضح
فيما بعد.


والثانيه: ان الترتيب المنطقى للتجاوب مع امر الذبح، هو ان
يقبل اسماعيل الذبح اولا، ثم يقوم ابراهيم (ع) بعدذلك بعمليه
الذبح فى صورتها الفعليه، وهذا ما حدا بالخليل ان يعرض الامر
اولا على اسماعيل: (قال يا بنى انى ارى فى المنام انى اذبحك
فانظر ماذا ترى)، وعرضه عليه الامر لم يكن لشكه فى تصديقه
وخضوعه وتسليمه،بل لم يدر فى خلد ابراهيم من اسماعيل
عناد او امتناع، وهو الذى خبر اسماعيل - فيما نباه اللّه - انه،
غلام عليم حليم من الاخيار الصالحين، وهو هو اسماعيل الذى
درج معه مدارج السعى، فكان معه اذ يرفع القواعد من البيت،
وكان معه اذ يضرعان الى اللّه: (ربنا واجعلنا مسلمين لك)،
وكان بمعيته فى التطهير والبراءه، وكانا معافى انساك
المناسك ورويتها، فهو معه فى مراتبه ومقاماته مطيعا وخاضعا
ومسددا، ولن تتخلف تلك المعيه آخرالشوط، وقد كانت منذ
بدئها حتى منتهاها من اللّه بامره، والى اللّه بهديه، لكن ابراهيم
يريد لقلبه ان يطمئن،وذلك ديدن الخليل، وقد فعل مثله لما
سال ربه ان يريه احياء الموتى ليطمئن قلبه بما انعقد فيه من
ايمان يقربقدره اللّه على ذلك، (واذ قال ابراهيم رب ارنى كيف
تحيى الموتى قال اولم تومن قال بلى ولكن ليطمئن
قلبى)((59)).. فياتيه جواب الذبيح: (قال: يا ابت افعل ما تومر
ستجدنى ان شاء اللّه من الصابرين).


فاطمان قلب الخليل
لجواب الذبيح،وجواب الذبيح لم يفجع قلب ابيه اذ (قال يا ابت
افعل ما تومر)، ولم يقل: (اذبحنى)، اذ هو امر، ذبحا كان، او
لم يكن، فحقيقه الامر الالهى كان قد طغى لديه على طبيعه
ذلك الامر وتفاصيله فى عمليه الذبح، كما اراد بقوله ذاك الشد
على قلب ابيه الخليل، والزياده فى سكينته.. ليكونا فى تلك
الاثناء بالذات قد استوعبا الامر الالهى وعزما عليه، بنحو يشد
احدهما على الاخر، فان فى امر الذبح خصوصيه تفرقه عما
امتثلاه قبلا.. اما البناء،فان متعلق الفعل كان خارجا عن
ذاتيهما، وبناء كل منهما مستقل عن الاخر، وان كان هناك
اشتراك، فهو اشتراك فى المتعلق وفى الهدف الذى هو
خارجى، وكذا مع امر التطهير فالاستقلال ظاهر، ان كان
خارجا، اذ يطهران البيت الحرام من الشرك والمشركين، او
كان باطنا اذ يخليان قلبيهما من التعلقات، وكل بحسبه، وان
كان اشتراك فى نوع الفعل وهدفه، وكذا البراءه وغيرها.. واما مع
امر الذبح، فلا بدلهما ان يندمجا فى فعلهما وتتحد ارادتاهما
بنحو يكون الفاعل فيه عين المفعول، والمفعول عين الفاعل -
وهناتتضح ثمره الامر الاول - ، اذ لا بد ان تقترب المعيه التى
كانت بينه فيما سبق بين ابراهيم واسماعيل، حتى تبلغ الذوبان
فيصير الاثنان اراده واحده وعزما واحدا، وفعلا واحدا، وهو
معنى: (فلما اسلما)، اى خضعا برتبه واحده قدما بقدم، لم
يتقدم احدهما على الاخر، بل هما حقيقه واحده متفرقه فى
شانين.


بلوغ الكمال..

بلوغ
الكمال..


وفى ال(اسلما) هذه يبلغ ابراهيم مع اسماعيل المرتبه الثالثه
والقصوى للاسلام، بلحاظين:
الاول: ذوبان الاثنين معا فى الامر الالهى.


والثانى: الخضوع التام فى كل منهما مستقلا، فابراهيم يسلم
بقطع كل علاقه له بغير اللّه، واسماعيل يسلم فى افناء ذاته فى
طاعه اللّه، وقد لخص البارى تعالى فى مطلع آيات القصه - جريا
على داب القرآن - المرتبه التى بلغها ابراهيم - وهو مركز القصه
وقطبها - بقوله: (وان من شيعته لابراهيم اذ جاء ربه بقلب
سليم)، اى (ليس فيه احد سوى اللّه)، وكذلك فعل مع
اسماعيل، فاسماعيل لما وعد اباه بالصبر على امر الذبح، علق
صبره على مشيئه اللّه، وقد قدم الحق تعالى قبل سرد القصه، ان
مشيئته تعالى اقتضت ان يكون حليما، فقال فى
البشرى:(فبشرناه بغلام حليم)، والتقديم فى الموردين يوكد،
ان بلاء الذبح انما كان لتثبيت واثبات وتبيين ما كانا بلغاه قبلا،
فهو بلاء مبين (ان هذا لهو البلاء المبين).


فالذبح اذا لم يكن بذاته هدفا، انما اراد اللّه ان يعلم من ابراهيم
واسماعيل التصديق، فحصول التصديق فى النفس مبدوه
اليقين وماله العمل، (واليقين هو التصديق والتصديق هو
الاقرار والاقرار هو الاداء والاداء هو العمل)((60))،وابراهيم
صدق الرويا اذ تكررت، فعزم على الذبح، اما اسماعيل، فما ان
عرض ابوه عليه امر الذبح حتى كان تصديقه بان الرويا امر من
الحق تعالى بديهيا فى سياق جوابه لابيه اذ قال: (يا ابت افعل ما
تومر)، ولما تبين التصديق من الاثنين، كان حقا على اللّه ان
يوقف الاداء: (وناديناه ان يا ابراهيم قد صدقت الرويا)، وقد دلل
واقع ابراهيم بعد امر الايقاف على ان تصديقه كان بمثابه ادائه
وان لم يفعل، فهو (يتمنى ان لو ذبح! اسماعيل بيده ولم يومر
بذبح الكبش مكانه)((61))، لكن الذبح لم يكن هدفا، (وفديناه
بذبح عظيم).


معالم التسليم

معالم
التسليم


الى هنا تبين ان سيره ابراهيم مع ولده اسماعيل بمراحلها
مثلت انتقالا من السقم الى البرء، او من الملك الى الملكوت،
ومن اراده النفس الى الفناء فى اراده اللّه، وفى ذلك تجسد
المعنى العميق للاسلام، فتشخصت معالم سبيل الخضوع
والتسليم والسلوك الى اللّه، ورسم صوره دين اللّه القيم، الذى
لن يقبل من العبد غيره، (ومن يبتغ غيرالاسلام دينا فلن يقبل
منه)((62))، اسلام بالمعنى الذى جسده ابراهيم فى سيره
وسلوكه وجهاده، (وجاهدوا فى اللّه حق جهاده هو اجتباكم وما
جعل عليكم فى الدين من حرج مله ابيكم ابراهيم هو سماكم
المسلمين من قبل)((63))، فتسميه بالقول،وبدعاء توجه به هو
واسماعيل اذ يوسسان للاسلام: (ومن ذريتنا امه مسلمه لك)،
وتسميه بالاقتداء والتقليدوالتاسى، (قد كانت لكم اسوه حسنه
فى ابراهيم والذين معه...)((64))، فهو(ع) واضع اسس الدين
القيم وبانى اصوله ومسميه ومكمله، وكماله فى ان يثبت بعد ما
تحصل، وثبوته فى دوامه واستمراره فى دعائه(ع): (ومن
ذريتنا امه مسلمه لك)، وفى تسميته: (هو سماكم المسلمين
من قبل)، ثم احكمها بتوصيه بنيه وذرياتهم، (ووصى
بهاابراهيم بنيه: با بنى ان اللّه اصطفى لكم الدين فلا تموتن الا
وانتم مسلمون)((65))، وعلى تلك الثلاثه - الدعاء
والتسميه والتوصيه - اجرى الحق تعالى مشيئته فى ثبوت دينه
وكماله، وعد بذلك فى قوله جل شانه: (وجعلها كلمه باقيه فى
عقبه)((66))..


قطف الثمار

قطف
الثمار


فها قد طهر ابراهيم من سقمه، وحاز التصديق واليقين
والتسليم، وهداه اللّه اذ (قال انى ذاهب الى ربى
سيهدين)،وكانت حقيقه تلك الهدايه ان تحقق كمال الاسلام
لديه، فكان حج ابراهيم جهادا فى سبيل اللّه، ثم جهادا فى اللّه
مع احسان فى الجهادين، وقد اخذ اللّه على نفسه ان يسدد
بالهدايه اليه من جاهد فيه وان يكون فى معيه المحسن، معيه
نصره وتاييد، (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا انا اللّه لمع
المحسنين)((67))، بل قد جعل تلك الهدايه،هى الجزاء الاوفى
لذلك الاحسان، بعدما قرر صدق ابراهيم فى بلاء الذبح فى قوله
تعالى: (قد صدقت الرويا اناكذلك نجزى المحسنين)، فتكون
ثمره تلك الهدايه، وحاصل ذلك الاحسان او بقول اجمالى،
يكون تجسم ذلك الاسلام الباطنى والظاهرى، وانعكاسه
البرزخى هو: (سلام على ابراهيم كذلك نجزى المحسنين)،
وهذا السلام هو: (سلام قولا من رب رحيم)((68))، وهو لب
العطاء الالهى وقلبه((69)).


آثار قطف الثمار

آثار
قطف الثمار


لقد كانت طهاره ابراهيم وبراءته مقدمه لاسلامه، وكمال
اسلامه مقدمه لاصطفائه، (ولقد اصطفيناه فى الدنياوانه فى
الاخره لمن الصالحين اذ قال له ربه اسلم قال اسلمت لرب
العالمين)، فهو لما اسلم صار اهلا للاصطفاء،والاصطفاء مبالغه
فى الاستخلاص ودقه الاختيار، فاصطفاه اللّه للناس اماما لما
طهر وبرى وسلم وتمت فيه الكلمات، (واذ ابتلى ابراهيم ربه
بكلمات فاتمهن قال انى جاعلك للناس اماما)((70))،
فالكلمات التى ابتلى بها ابراهيم انماهى مراتب الاسلام، او هى
الاسلام فى حقيقته الكامله وتحققه التام، وقد سال ابراهيم ربه
فى دعائه:


(ربناواجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا امه مسلمه
لك)، اسلاما بهذا المضمون فى شطرين، الاول له ولولده،
والثانى لذريته، وقد استجاب له اللّه فى الشطر الاول بقوله
تعالى: (فلما اسلما)، وفى الثانى فى قوله:(وجعلها كلمه باقيه
فى عقبه)، وعبر بالكلمه عن الاسلام ببعديه - النفى والاثبات -
نفى الاغيار، واثبات اللّهالواحد القهار((71))، فالاسلام اجمالا
بمراحله التى طواها ابراهيم سمه اطلقها ابراهيم على من اتسم
بها بعده (هوسماكم المسلمن من قبل)، والسمه لا تعدو ان
تكون كلمه.. وقد اجمل الحق تعالى ذاكين الشطرين الواردين
فى دعاء ابراهيم واسماعيل: (ربنا واجعلنا...) فى آيه الكلمات
جوابا للدعاء ونتيجه له، بعبارات لخصت سيرابراهيم ونتائج
سيره، فقد ذكر تعالى - اولا - انه ابتلى ابراهيم بالبلاء المبين
الذى بين ما كان طوى ابراهيم فى سيره من مراتب فى قوله
تعالى: (واذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات)، ثم عقب - ثانيا - جوابا
للشطر الثانى بقوله:(فاتمهن)، (لان الضمير فى اتمهن راجع
اليه تعالى كما هو الظاهر)((72))، فيكون معنى (فاتمهن): اتم
اجابه شطرالدعاء الاول(واجعلنا مسلمين لك) باجابه شطر
الدعاء الثانى (ومن ذريتنا امه مسلمه لك)، اذ اختار من ذريه
ابراهيم من يتحقق فيهم دوام الاسلام بمعناه الابراهيمى، وهم
محمد وعلى وذريتهم من الائمه المعصومين صلوات
اللّهعليهم اجمعين((73))، ثم بعد ذلك لما كانت الامامه
مضاهيه للاسلام بمعناه الكامل ومترتبه عليه، فان اللّه
تعالى بشر ابراهيم بالامامه تفريعا على الابتلاء، (قال: انى
جاعلك للناس اماما) ولما علم ابرهيم منه تعالى ان
نفس المعنى قد تم فى بعض ذريته، كان حريا بالخليل ان يسال
الامامه لهم، فيحبوهم بها كما حباه، ويترتب على اسلامهم ما
ترتب على اسلامه (قال ومن ذريتى)، فاجاب الحق تعالى له
ذلك: ان نعم حبوت من ذريتك من لا ظلم له، (قال لا ينال
عهدى الظالمين)، اذ من ذريته (محسن وظالم لنفسه
مبين)((74)).


الاتمام ونيل العهد فى ذريه ابراهيم

الاتمام
ونيل العهد فى ذريه ابراهيم






/ 4