تنبیهات حول المبدأ والمعاد نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تنبیهات حول المبدأ والمعاد - نسخه متنی

حسن علی المروارید

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


الكتاب : تنبيهات حول المبدا
و المعاد.

المؤلف : آية اللّه حاج ميرزا حسنعلى مرواريد.

مقدمه .

مـنـذ انتقل آية اللّه
الميرزا مهدي الغروي الاصفهاني (1303 ـ 1365ه) من النجف الاشرف الى
مدينة مشهد المقدسة عام 1340ه
عمل على تكوين نواة بين تلاميذه للاتجاه الذي آمن به في اكتساب
المعرفة الاسلامية .

كـان الـمـيـرزا قد خرج من
تجربة معرفية لم يطمئن اليها , فعكف على النص الاسلامي من خلال
الـقرآن والحديث , من اجل انارة
العقل و الفطرة الصافية وعمد الى تخليص قضايا العقل من شوائب
الاوهـام , مـستعينا على ذلك بتزكية
النفس وتقواها,مقتفيا الى هدفه خطى المعصومين صلوات اللّه
عـلـيـهـم اجـمعين ذلك ا نه كان
يرى في القرآن والحديث النبع الصافي الذي تستلهم منه المعرفة
الاصيلة , ويلتمس فيه الهدى والنجاة .

وفـي ربع القرن الذي سلخه
الميرزا في مشهد المقدسة عقد حلقات درسه , وا لف ماا لف من كتبه ,
جادا
في طريقته , شديدا في نقده , معنيا بايصال مايهمه الى تلاميذه .

وكـان ـ رحمه اللّه ـ مع ذلك من
اعلام الفقه و فحول الاصول , والقى دروسا فيهمامدة من الزمان ,
وحيث كان يرى سد الفراغ في
معرفة اصول الدين اهم والزم , اضاف الى جلسات درسه في الفقه و
الاصول دروسا في معرفة المبدا والمعاد.

كـان لـه رحمه اللّه تلاميذ , ثم لتلاميذه
تلاميذ فيهم اعلام بارزون , وفيهم مؤلفون ,مزيتهم ا نهم
الـتـزموا المنهج و حافظوا عليه
وحاول بعضهم تنظيم هذا الاتجاه في طرائقه ومضامين معارفه ,
واخـتـار لـه اسم ((مدرسة
التفكيك )) التي يراد بها : العودة الى النص الاصيل بعيدا عن الامتزاج
والتاويل ((1)) .

وكـتـاب ((تـنـبـيهات حول
المبدا والمعاد)) الذي يقد مه مجمع البحوث الاسلامية اليوم هو احد
نتاجات هذه المدرسة
, يسلك بطالب المعرفة هذه المحجة , ويستدل باصولهاعلى فروعها.

مـولـفه آية اللّه الميرزا
حسنعلي مرواريد ـ المتولد سنة 1329ه ـ من علما مشهدالبارزين وهو
يـنحدر من اسرة كريمة انتجت
طائفة من العلما , منهم والده المرحوم الشيخ محمدرضا (1299 ـ
1338هـ) الـمـعروف بالتقى
والصلاح وعمه الشيخ علي اكبرالذي كان من تلاميذ آية اللّه محمد
كاظم الخراساني
و من اجداده الخواجة شهاب الدين عبداللّه مرواريد الكرماني (865 ـ 992ه)
الـذي كـان مـن ادبـا عـصـره
و مـشاهير الكتاب فيه وا ما جده لا مه فهو آية اللّه الشيخ حسنعلي
الـطـهـراني ـ المتوفى
سنة 1325ه ـ الذي كان من ابرز تلاميذ الميرزا محمد حسن الشيرازي
الكبير ((2)) .

وقد درس المؤلف على عدة من العلما
, منهم الشيخ حسنعلي الاصفهاني والشيخ هاشم القزويني بيد ان
جـل تـتـلـمـذه كـان عـلى
آية اللّه الميرزا مهدي الاصفهاني , اذ لازمه حتى وفاة الميرزا (قدس
سره ) ((3)) وابتدا بتدريس
خارج الفقه بعد سنتين او ثلاث سنين من وفاة الاستاذ الى زها اربعين
سنة , والقى خلال هذه السنين
دروسا في المعارف ,وتخرج عليه العديد من العلما و الفضلا.

و هـذا الـكـتاب الذي نضعه
في ايدي القرا الاعزا هو خلاصة من دروس القاهاالمؤلف في دورات
مـتـعددة , ثم جعلها في كتاب مستقل
استجابة لرغبة ثلة من تلاميذه ,ليكون في متناول ايدي الطلبة
والدارسين .

وقـد عني كتاب ((تنبيهات حول
المبدا والمعاد)) ـ كما يدل عنوانه ـ بقضايا المعتقدالاسلامي في
الـتـوحيد و الصفات , و في خلق
الروح الانسانية , وفي افعال الانسان , وفي المصير والعودة الى
اللّه
تعالى , وفيما يتصل بهذه القضايا الاعتقادية من فروع وتفصيلات .

ان غاية المجمع , في تقديم هذا
الكتاب , ان يهيئ للقارئ فرصة جديدة للاطلاع على لون من نتاجات
مدرسة التفكيك , وللوقوف
على مقوماتها و ملامح تفكيرها واللّه جل جلاله الهادي الى السبيل .

مجمع البحوث الاسلامية .

الـحمد للّه رب العالمين , والصلاة
والسلام على خير خلقه محمد وآله الطاهرين ,ولعنة اللّه على
اعدائهم اجمعين .

وبـعـد , فـهذه جملة من الامور
الاعتقادية المرتبطة بمعرفة الحق المتعال جلت عظمته , ومعرفة
الـنـفس التي فيها معرفة الرب , ومعرفة
ا نها من اين ؟ وفي اين ؟ والى اين ؟ اهتدينا اليها بالايات
الـمـبـاركـة , وبـما روي عن
المعصومين سلام اللّه عليهم , امابالاستضاة منها في تبين الحقائق ,
والانتباه لوجوه الاستدلال واقامة
البراهين في مايستقل به العقل , او التمسك بها في ما لايثبت الا من
طريق الوحي .

كتبتها تذكرة لنفسي
ورجا لانتفاع غيري من طالبي العلم والحكمة واللّه المؤيدالمعين .

تنبيهات في المبدا.

ضرورة البرهـان .

لابد في اثبات
كل امر من حجة و برهان , كما تشير اليه الايات الكريمة التالية :.

(قل هاتوا برهانكم ان كنتم
صادقين ) ((4)) .

(ام اتخذوا من دونه آلهة قل هاتوا
برهانكم ) ((5)) .

(ومن يدع مع اللّه الهـا آخر لابرهـان له به فانما حسـابه عند
ربه ) ((6)) .

(يا ايها الناس قد جاكم برهان من
ربكم ) ((7)) .

(فذانك برهانان من ربك الى فرعون
وملائه ) ((8)) .

(قل فلله الحجة
البالغة ) ((9)) .

(وتلك حجتنا آتيناها ابراهيم على
قومه ) ((10)) .

وتـلك الحجة والبرهان لابد من
ان تكون حجيتها ذاتية او منتهية اليها , والا لزم الدور او التسلسل
الـبـاطلان , وان لايثبت امر
, فان اثبات صدق القضية في صغرى البرهان المصطلح او كبراه الذي
يـتوقف عليه الانتاج , ان لم يكن بحجة
ذاتية او منتهية اليها , فاماان ينتهي الى نفس البرهان ويتوقف
عليه فهو الدور , والا فيتسلسل .

(( البرهـان )) في القرآن الكريم .

يـظهر من التدبر في الايات المتقدمة
وغيرها وموارد نزولها ان البرهان والحجة عبارة عن كل ما
يوضح الامر , ويصح ان يحتج به , سوا كان
مؤلفا من القضايا ام لا ,كالعقل والعلم , وكالنبي والامام ,
والـمـعـجـزة , ومطلق الايات التكوينية
, فلا وجه لحمله على البرهان المصطلح بما له من تفصيل
الشرائط.

فـمتى قام احد الامور المذكورة
مما يصح اطلاق الحجة والبرهان بمعناهما اللغوى عليه ـ وان كان
مجازا من باب تسمية الجز
باسم الكل , وتسمية السبب باسم المسبب ـفانه يكتفى به عقلا وعرفا ,
كما عليه السيرة العقلائية حتى من علما
المنطق والفلسفة ,فانهم كثيراما يعتمدون في اثبات مرامهم
عـلـى مـا يـوضح المطلوب
, اي على المنطق الارتكازى , من دون تكلف النظر الى مباحث المنطق
المصطلح .

الحـجة الذاتية هو العـلم والعقـل .

الحجة الذاتية التي لابد من ان ينتهي
جميع الحجج والبراهين اليها ـ بل بها قوامها ـهي حقيقة العلم ,
والعقل
الذي حقيقته من حقيقة العلم , كما سياتي التنبيه عليه .

ومـما يشهد على ماذكرنا احتجاج العقلا
وكذلك الكتاب والسنة بهما في قولهم :الم تعلم والم تعقل ,
ونحوهما , فتدبر.

الانكار او التشكيك في حجية العقل من بعض الاخباريين .

مـن الـعجب خفا حجية العقل
على بعض , كما يظهر من ملاحظة التعبيرات المحكية عنهم فعن غير
واحـد من الاخباريين ـ
على مافي رسائل الشيخ الانصاري (قدس سره ) ـعدم الاعتماد على القطع
الحاصل من المقدمات العقلية غير الضرورية .

وعـن بـعض الاعاظم (قدس
سرهم ) توضيحا لكلام الشيخ : ان مرادهم ليس هوالقطع ـ الذي هو
حالة نفسانية بخلاف العلم والعقل ـ فان
الذي قاله الاصوليون وانكرعليهم الاخباريون القول بان ادلة
الاحـكـام الشرعية اربعة , منها العقل
, فانكروا عليهم تارة بعدم حجية العقل فيها راسا , كما يظهر
عـن بـعـضـهـم , واخـرى بـعـدم
حصول القطع من المقدمات العقلية , كما هو ظاهر كلمات بعض
آخر ((11)) .

وعـن بعض المحدثين ـ بعد الاشكال
بوقوع الخطا في العقليات والشرعيات كليهماـ قال : انما نشا
ذلـك من ضم مقدمة باطلة عقلية
بالمقدمة النقلية , وقال الشيخ (قدس سره ): المستفاد من كلامه عدم
حـجـيـة ادراكات العقل
في غير المحسوسات وما تكون مباديه قريبة من الاحساس , اذا لم تتوافق
عليه العقول .

وعن بعضهم في ذيل كلام المحدث
المذكور : وتحقيق المقام يقتضي ما ذهب اليه فان قلت : قد عزلت
العقل عن الحكم في الاصول والفروع
, فهل يبقى له حكم في مسالة من المسائل ؟ قلت : اما البديهيات
فـهـي له وحده , واما النظريات فان
وافقها النقل وحكم بحكمها قدم حكمه على النقل وحده واما لو
تعارض هو والنقلي
فلا شك عندنافي ترجيح النقل وعدم الالتفات الى ما حكم به
العقل ((12)) .

الجواب عن مقالتهم بذكر بعض الايات والاحاديث .

اقـول : كـيف تتلام هذه التعابير
مع ماورد في القرآن الكريم في شان العقل واولي الالباب المفسرة
باولي العقول , من حث الناس على التعقل
, والانكار على ترك التعقل ,وذمه بقوله تعالى : (افلم تكونوا
تعقلون ) ((13)) والتوعيد بقوله : (ويجعل الرجس على الذين
لايعقلون ) ((14)) .

وما عن رسول اللّه (ص ) : استرشـدوا العقـل ترشدوا ,
ولاتعصـوه فتندموا ((15)) .

وعنه (ص ) : انما يدرك الخيركله بالعقل , ولا دين لمن لا عقل
له ((16)) .

وعن الصادق
(ع ) : حجة اللّه على العباد النبي , والحجة فيمابين العباد وبين
اللّه العقل ((17)) .

وعن الصادق (ع ) : العقل دليل
المؤمن ((18)) .

وعـن ابي الحسن الرضا (ع )
في خبر ابن السكيت : حيث قال : فما الحجة على الخلق اليوم ؟ قال :
العقل , يعرف به الصادق على اللّه فيصدقه ,
والكاذب فيكذبه ((19)) .

وعـن موسى بن جعفر (ع ) في وصيته
لهشام :ان اللّه تبارك وتعالى بشر اهل العقل والفهم في كتابه
فـقال : (فبشر عباد الذين يستمعون
القول فيتبعون احسنه اولئك الذين هداهم اللّه واولئك هم اولوا
الالباب ) ((20)) ثم ذم الذين لايعقلون
فقال : (واذا قيل لهم اتبعوا ما انزل اللّه قالوا بل نتبع ما الفينا
عـلـيـه آبانا اولو كان
آباؤهم لايعقلون شيئاولايهتدون ) ((21)) وقال :(ان شر الدواب عند اللّه
الـصم البكم الذين
لايعقلون ) ((22)) ان لل ه على الناس حجتين : حجة ظاهرة , وحجة باطنة , فاما
الـظـاهـرة فـالـرسل والانبياوالائمة
, واما الباطنة فالعقول ولاعلم الا من عالم رباني , ومعرفة
العالم بالعقل ((23)) .

وفي تفسير الامام (ع ) في
قصة آدم وحوا : فارادت الملائكة ان تدفعها عنهابحرابها , فاوحى اللّه
الـيـهـم : انما تدفعون بحرابكم من
لاعقل له يزجره , فاما من جعلته ممكنا مميزا مختارا فكلوه الى
عقله الذي جعلته حجة عليه
الخبر ((24)) .

وعن اميرالمؤمنين (ع ) : العقول ائمة
الافكار ((25)) .

وعنه (ع ) : العقل شرع من داخل , والشرع عقل من
خارج ((26)) .

وبـالـجملة : التعبير بانه
حجة اللّه وسائر ما ورد في تعظيمه ينافي التشكيك في حجيته واحتمال
الـخـطا في احكامه , او التبعيض
فيها بعد فرض ادراك العقل لها وليس ذلك الا من جهة عدم عرفان
حقيقة العقل واحكامه , وتوهم
ان كل ما يحصله الانسان ويستنتجه من المقدمات فهو حكم العقل .

فـلابد من التحقيق في هذين المقامين
, كما اشار اليه ما عن ابي عبداللّه عليه السلام :اعرفوا العقل
وجـنـده , والـجـهـل وجـنـده
تهتدوا وانما يدرك الحق بمعرفة العقل وجنوده ,وبمجانبة الجهل
وجنوده ((27)) .

العقل والنفس عند الفلاسفة , وفي الكتاب والحديث .

يـنبغي ذكر اجمال مما قاله بعض الحكما
في شان النفس والعقل وحقيقتهما , كي يمتاز ما قالوا به في
هـذا الـبـاب عـما نطق به
الكتاب الكريم والرسول الاكرم والائمة المعصومون (ع ) , ويظهر ان
الحقيقة التي سموها بالعقل اجنبية
عن الحقيقة المسماة في الروايات ـ بل وعند العرف ايضا ـ بالعقل .

فعن غير واحد : ان للنفس
قوى يشترك فيها النبات , والحيوان , والانسان , وقوى تختص بالانسان
, والـقوى المشتركة في الثلاثة اصولها
ثلاثة : الغاذية , والنامية ,والمولدة والقوى المشتركة بين
الانـسان والحيوان على
قسمين : مدركة , ومحركة ,والقوى المدركة عشر : خمس في الظاهر ,
وخمس في الباطن , والقوى
الظاهرة :الباصرة , والسامعة , والذائقة , واللامسة , والشامة .

والقوى الباطنة ـ على ما قاله
بعضهم ـ : اولها الحس المشترك , وهو الذي ترتسم فيه صور الاشيا
المحسوسة بالحواس الظاهرة .

والثــانية : الخيال , وهو الذي يحفظ ما يرتسم في الحس المشترك .

والثالثة : الواهمة
, وهي التي تدرك بها المعاني الجزئية المتعلقة بالمحسوسات .

والمراد بالمعنى ما لايدرك
بالحواس الظاهرة , كعداوة زيد , ومحبة عمرو , ومحبة الشاة لولدها ,
وعداوة الذئب لها.

والـرابـعـة : الحافظة , وهي التي
تحفظ المعاني الجزئية , ونسبتها الى الواهمة كنسبة الخيال الى
الحس المشترك .

والـخـامسة : المتخيلة , وهي
التي تركب بين الصور والمعاني , فتثبت بعضها لبعض ,وتنفي بعضها
عن بعض وعن بعضهم : ان محل تلك القوى الدماغ .

والـقوى المحركة المشتركة بين
الانسان والحيوان تنقسم الى : باعثة , وفاعلة ,والباعثة هي التي
اذا حـصلت في الخيال صورة امر
مطلوب حصوله , او امر مطلوب دفعه ,بعثت القوة الفاعلة ويعبر
عـنـها في الاول (اي في حصول
امر مطلوب حصوله ) بالقوة الشهوية , وفي الثاني (اي في حصول
امر مطلوب دفعه ) بالقوة
الغضبية والقوة الفاعلة هي التي تحرك آلات التحريك نحو العمل .

وعن بعضهم ان للنفس الانسانية قوتين
تختصان بها , احداهما ما يعبر عنه بالعقل العملي , والثانية ما
يـعبر عنه بالعقل النظري والعقل النظري
ما يتهيا به لحصول المعقولات , اي المفاهيم الكلية بالفكر
والنظر مما ليس
من شانه ان يعمل , والعقل العملي ما من شانه ان يعمله بارادته .

قـالـوا : ما ترتسم فيه المفاهيم
الكلية هي النفس المجردة لا البدن , بخلاف الامورالجزئية , فعن
الـمـشـهور ان محلها البدن , كما
ذكرنا (وعن كثير من المتاخرين بل المشهوربينهم ا نها ايضا من
شؤون
النفس واطوارها , قال السبزواري في منظومته : النفس في وحدتها كل
القوى ) ((28)) .

وقالوا ايضا : العقل له مراتب اربع : العقل
الهيولائى , والعقل بالملكة , والعقل بالفعل والعقل المستفاد
وتفصيلها ان النفس لها مراتب اربع عبر عنها جميعا بالعقل :.

الاولى : ما يسمى بالعقل الهيولائى
, وهي قوة استعداد انتزاع ماهيات الموجودات على النحو الكلي .

الـثـانـيـة : ان تـصل الى مرتبة
حصول هذا الاستعداد وفعليتها فيه , ويعبر عن تلك المرتبة بالعقل
بالملكة , اي حصلت
له ملكة , اي حالة راسخة يقتدر بها على تصورالمفاهيم الكلية .

الـثـالثة : ان تحصل لها تلك الامور
فعلا , اي ترتسم فيها فعلا المفاهيم الكلية بالاستنتاج والنظر ,
سـوا كانت حاضرة في النفس
, اي مشهودة لها , او صارت بعدحصولها في النفس تحصل بادنى التفات
وقـال بـعضهم : النفس حينئذ تكون
عقلا وعاقلاومعقولا , ويعبر عن النفس في تلك المرتبة بالعقل
بـالفعل والعقل النظري عندهم
هو مقام فعلية وكمال للنفس في استخراج النظريات عن الضروريات
وبـعبارة اخرى : اذا
وصلت النفس الى حد حصل لها استخراج النظريات من الضروريات في جميع
الـمـطـالـب اوفـي كثير منها فانه يعبر
عنها بالعقل الفعلي او بالفعل وحكم العقل حينئذ ما يحصل له
من النتيجة بسبب الاستخراج المذكور.

الـرابـعة : ان لاتحتاج في حصول
تلك الصور الكلية وارتسامها في النفس الى استنتاج وفكر ونزع
وتـجـريـد , بـل تـفاض عليها تلك
الصور الكلية بواسطة الاتصال بالعقل الفعال الذي هو مخزن تلك
الصور الكلية , لابالفكر والتجريد.

هذا خلاصة ما ذكره بعض محققيهم
في العقل , وحاصلها ان العقل هو النفس بمالهامن المراتب الاربع
.

فـنقول : لا ننكر القوى المودعة
في جسد الانسان الحى , ولافي النفس الانسانية المعبر عنها تارة
بالنفس واخرى بالروح , واخرى
بالقلب ـ على احد معنييهما ـ التي يعبرعنها بـ ((انا)) , ولاننكر
ايضا القوى المودعة في طبيعة
الحيوان , ولا المودعة في الانسان ,ولاالمراتب الاربع المفروضة
فيه .

ولايـهـمـنا التعرض لها والتحقيق فيها
, واقامة الدليل على اثباتها او نفيها الا ان الذي يهمنا وينبغي
الـتنبيه عليه هو ان حقيقة العقل
الذي به تدرك المعقولات , وحقيقة العلم الذي به تدرك المعلومات ,
وبه يحتج الكتاب والسنة اجنبى
عن ذلك كله , وعن حقيقة الانسان المعبر عنها بلفظ ((انا)) , وعن
المراتب المذكورة لها بل هو النور المتعالي عن ذلك كله .

والـنفس وجميع قواها بجميع مراتبها
ـ التي تصل اليها في كمالها ـ مظلمة محضة في ذاتها , وفاقدة
بـذاتـهـا لـتلك الحقيقة النورية ,
وصيرورتها عالما عاقلا انما هي بوجدانهالتلك الحقيقة (اي العلم
والعقل ) بما للوجدان من المراتب
, من غير ان تدخل النفس في حالة من الحالات في صقع تلك الحقيقة
النورية , او تتنزل تلك الحقيقة وتصير من مراتب النفس .

و لاتـزال تـلك الحقيقة النورية
تكون هكذا بالنسبة الى جميع الحقائق الخارجية والى جميع الصور
والمعاني الجزئية
والكلية الذهنية حتى بالنسبة الى النفوس الكاملة العالية .

وان تسمية المراتب الاربع المتقدمة
بالعقل اصطلاح محض , ولعله مبعد عن نيل حقيقة العقل الواقعي
الذي نبه عليه الكتاب والسنة .

فصل في ذكر بعض
ماورد من الروايات المباركة في : شان العقل و حقيقته واحكامه :.

عن امير المومنين (ع ) ,
قال : قال رسول اللّه (ص ) : ان اللّه خلق العقل من نورمخزون مكنون في
سـابـق عـلـمـه الذي لم يطلع
عليه نبي مرسل ولا ملك مقرب , فجعل العلم نفسه , والفهم روحه ,
والزهد راسه
الخبر ((29)) .

وعـن الـنبي (ص ) : ا نه سئل
مما خلق اللّه عز وجل العقل ؟ قال : فاذا بلغ كشف ذلك الستر , فيقع
فـي قـلـب هذا الانسان نور فيفهم
به الفريضة والسنة , والجيد والردى , الا ومثل العقل في القلب
كمثل السراج في وسط
البيت ((30)) .

وعن موسى بن جعفر (ع ) في وصيته لهشام : وان ضؤ الروح
العقل ((31)) .

وعن
ابي عبداللّه (ع ) ـ في حديث ـ : العقل منه الفطنة , والفهم , والحفظ
,والعلم ((32)) .

وعنه (ع ) : دعامة الانسان العقل , ومن
العقل الفطنة , والفهم , والحفظ , والعلم فاذاكان تاييد عقله
مـن الـنـور كـان عالما , حافظا , ذكيا
, فطنا , فهما وبالعقل يكمل , وهودليله , ومبصره , ومفتاح
امره ((33)) .

وعنه (ع ) : خلق اللّه العقل من اربعة
اشيا : من العلم , والقدرة , والنور , والمشيئة بالامر , فجعله
قائما بالعلم , دائما في
الملكوت ((34)) .

ففي هذه الروايات عرفوا العقل
بانه من نور , وا نه نور , وان مثله في القلب كمثل السراج في وسط
الـبيت وا نه خلق من العلم , وا نه قائم بالعلم
, وان منه الفطنة والفهم والحفظ والعلم ثم عرفوا العلم
بـانه نور , كما في رواية عنوان البصري
: ليس العلم بالتعلم ,انما هو نور يقع في قلب من يريد اللّه
تبارك وتعالى ان
يهديه ((35)) .

وستاتي روايات اخرى تدل على ذلك .

ويـظـهر منها ان : العقل ـ وكذلك العلم
ـ حقيقة نورية مغايرة للقلب ولحقيقة النفس الانسانية المشار
الـيـها بلفظة ((انا)) , لما مر من
ان صيرورة الانسان عالما وعاقلا انما هي بوجدانه لهذه الحقيقة
النورية , بما له
(اي للوجدان ) من المراتب , من دون تداخل بينه وبينها في حقيقتهما.

حقيقة العلم هو النور الظاهر بذاته المظهر لغيره .

قـد مـر آنـفا في بعض الروايات ان العقل
خلق من العلم , فينبغي التذكير بهذه الحقيقة (اي العلم ) ,
فنقول :.

حيث ان العلم هو الكاشف والمظهر
, ولاكاشف ولامظهر في المخلوقات سواه فلامحالة ان يكون هو
المظهر لغيره ولنفسه ايضا.

كما عن صحيفة ادريس
: بالحق عرف الحق , وبالنور اهتدي الى النور , وبالشمس ابصرت الشمس
, وبضؤ النار رئيت
النار ((36)) .

ويقرب
منه التعريف المشهور للنور بانه الظاهر بنفسه المظهر لغيره .

فنقول :.

ان الانـسـان اذا تـوجـه الى نفسه
يجد ان له الشعور بها وبكونها وتحققها , واذا توجه الى الكائنات
الاخر ايضا من الحقائق المشهودة
بواسطة الحواس الظاهرة , او الى الامورالمتصورة او المعقولة
فـانـه يـجد ان جملة منها له الفهم
والشعور بها وبتحققها وبقضايا واقعة فيها , وان جملة منها ليست
مـكشوفة , ويجد ايضاان جملة منها
حصل الكشف لها بعد ان لم تكن مكشوفة , فيتنبه ان ما عداالاشيا
المكشوفة وغير المكشوفة امر آخر يكون به كشفها وظهورها له .

وبـالـجملة : ا نه يجد حقيقتين
وواقعيتين : امورا ليست ظاهرة بذاتها , وامرا آخريكون ورا ذلك
كله يكون به ظهور هذه الامور له .

ثـم يـتنبه الى ان نفسه وكونها ـ
اى وجودها ـ انما هي من تلك الامور المكشوفة له ,فيتنبه الى ان
نفسه ليست هي
الكاشفة بذاتها لها , وكذلك كونها اي وجودها , بل الكاشف امر آخر.

والـحاصل ا نه يتنبه ان ما عدا
نفسه وما عدا الاشيا المكشوفة له امر آخر يكون به كشف جميعها ,
وهو حقيقة العلم .

تذكرة .

ربما يغفـل
الانسان عن ذاته , والغفـلة لا تعقل في حقيقـة الكشـف والشعور.

تذكرة اخرى .

عدم شعور الانسان بنفسه في
حال الاغما وفي بعض احوال النوم دليل آخر على ا نه ليس من حقيقة
العلم والشعور.

تذكرة اخرى .

مـن اقـرب الاشـيا الى الانسان نفسه
وذاته , فلو كان ذاته عين العلم والشعور لم تخف عليه حقيقته
وانيته
وتوهم وجود الحجاب مدفوع بان محجوبية العلم عن نفسه غلطواضح .

وبالجملة : الغفلة , والجهل , والنسيان
, وبعض احوال النوم , كل واحد منها دليل على ان حقيقة العلم
خارجة عن حقيقة الانسان .

ثـم ان هـذه المباينة والغيرية
لا تزال ثابتة بلغ الانسان ما بلغ من حد الكمال , قال اللّه تعالى : (واللّه
اخـرجكم من بطون
امهاتكم لا تعلمون شيئا) ((37)) وقال تعالى : (ومنكم من يرد الى ارذل العمر
لكيلا يعلم من بعد علم
شيئا) ((38)) .

نظر في تقسيم العلم وتعريفه .

يـظـهـر مـمـا ذكـرنا ان ما
يقال , او يتصور , او يعقل , من الكيفيات والاطواروالاحوال ,وسائر
الـجـواهر والاعراض المفهومة
كلهاـ نظير الامور المحسوسة بالحواس الظاهرة ـامور مظلمة
يكون ظهورها بغيرها , وهو العلم الخارج عنها.

فيعلم ان تقسيم العلم الى الحضورى
والحصولى , وتعريف العلم الحضوري بحضورالشي عند العالم
, والـحـصـولـى بـحصول الشي
عند النفس , او بحصول صورة الشي عندها , او بقبول النفس تلك
الصورة كله اجنبي عن حقيقة العلم
الظاهر بذاته , فان شيئامنها ليس ظاهرا بذاته , ولا مظهرا لغيره
, بل كلها ظاهرة بامر آخر يكون
هو العلم بها , كمايشهد بذلك ا نك لو سالتهم : هل تعلمون حضور
الـشي عند النفس او هل تعلمون
الصورة الحاصلة , او حصول تلك الصورة عند النفس لقالوا : نعم ,
فـيـقال لهم : بماذا تعلمونها ؟ وبم صارت
معلومة عندكم ؟ فما يعلم به تلك الامور هو العلم , لا تلك
الامور نفسها.

و مـنـه يـعلم حال التصور والتصديق
اللذين قسم العلم الحصولى اليهما , وا نهما من احوال النفس ,
يعلمان بالعلم وليسا بقسمين منه .

ثم انهم يمثلون للعلم الحضوري
ـ وهو حضور الشي عند النفس ـ بحضور الصورة الذهنية عندها ,
وبحضور كل معلول عند علته
, وقد علمت ان النفس والصور , وكل علة ومعلول , وحضور الصور
عند النفس , وحضور كل معلول
عند علته كلها من الامورالمكشوفة بالعلم , وليست هي العلم .

فصل : في ذكر بعض الروايات الظاهرة
في ان : العلم هو النور بمعناه الحقيقي , اواللائح منها ذلك
, ولابد قبل ايرادها من بيان امرين :.

الاول : ان ما ذكرناه او نذكره من
الروايات في باب العلم والعقل انما هي تذكرة من الائمة (ع ) , او
ارشاد الى الامر الظاهر بذاته
الذي نجده ولو اجمالا , فليس التمسك بها من باب التعبد المحض , بل
هـي ارشاد الى الحقائق , فالدليل
على ما ذكرنا هو الوجدان المؤيدبكلام المعصوم (ع ) , بل الدليل
هو نفس العلم والعقل المعرفين بذاتهما لذاتهما.

فـفي باب العلم نجد ان المحسوسات
بالحواس الظاهرة او الباطنة , من جواهرهاواعراضها , ومنها
ارواحنا ـ اي انفسنا التي نعبر عنها
بلفظة انا ـ كلها امور مظلمة , ويكون ظهورها بنور خارج عنها
يعبر عنه بالعلم , فنكون
بوجداننا اياه واستضاتنا به عالمين ,وبفقداننا اياه جاهلين .

و مـنـزلة هذا النور بالنسبة
الى تلك الامور ـ من جهة ـ منزلة النور المحسوس بالنسبة الى سائر
المحسوسات , مع فرق ظاهر
بين نور العلم وهذا النور المحسوس , وهو ان نورالعلم ظاهر بذاته
, والـنـور الـمحسوس ظاهر لنا بنور
العلم , فالنور بمعناه الحقيقى هو نورالعلم , كما اشرنا اليه
سابقا , وان كان يطلق لغة
وعرفا على النور المحسوس الذي هو من الكيفيات الجسمية ايضا.

ومـن وجوه الفرق ان النور
المحسوس ـ مثل نور البصر ـ يبصر , ونور العلم اجل من ذلك , بل به
الـبـصيرة والبصر ومنها
ان النور المحسوس في عرض سائر الجواهروالاعراض , ونور العلم
فوقها لا بالفوقية المكانية .

الـثـانـي : قـد يـطلق النور
على النور المحسوس بحاسة البصر الذي هو من لواحق المادة , كنور
الـشـمـس وغيرها , وقد يطلق
ويراد به النور الحقيقى الظاهر بذاته الذي به ظهور كل شي حتى
الانوار المحسوسة , كما نبهنا عليه
, وقد يطلق على ما هو السبب لوجدان النور الحقيقى , كالقرآن
, والـكـتـاب , والنبي والامام , فمتى
اطلق على القرآن , اوالنبي , او الامام , فلعله من قبيل تسمية
السبب باسم المسبب , فليكن على ذكر منك كيلايختلط عليك الامر.

فـعـن رسـول اللّه (ص ) : ان اللّه
عـز وجـل يـجـمع العلما يوم القيامة ويقول لهم : لم اضع نوري
وحـكـمـتـي فـي صـدوركم
الا وانا اريد بكم خير الدنيا والاخرة , اذهبوا فقد غفرت لكم ماكان
منكم ((39)) .

و عنه (ص ) : يقول اللّه عز وجل للعلما
يوم القيامة : اني لم اجعل علمي وحكمي فيكم الا واريد ان
اغفر لكم على ما كان منكم , ولا
ابالي ((40)) .

وعن الامام الباقر صلوات اللّه عليه
: العالم كمن معه شمعة تضي للناس كذلك العالم معه شمعة تزيل
ظـلمة الجهل والحيرة , فكل
من اضات له فخرج بها من حيرة اونجا بها من جهل فهو من عتقائه من
النار
الخبر ((41)) .

وعن امير المؤمنين صلوات اللّه عليه
: ياكميل , احفظ عني ما اقول لك , الناس ثلاثة : عالم ربانى ,
ومتعلم على سبيل نجاة , وهمج رعاع
, اتباع كل ناعق , يميلون مع كل ريح , لم يستضيئوا بنور العلم
الـلـهـم بلى لا تخلو الارض
من قائم بحجة هجم بهم العلم على حقائق الامورفباشروا روح اليقين
الخبر ((42)) .

وعـن ابـي جعفر صلوات
اللّه عليه ـ في حديث طويل ـ : ثم ان رسول اللّه (ص )وضع العلم الذي
كـان عنده عند الوصى , وهو قول اللّه عز وجل : (اللّه نور
السموات والارض ) ((43)) يقول :
انا هادي السموات والارض , مثل العلم
الذي اعطيته , وهو نوري الذي يهتدى به , مثل المشكاة فيها
المصباح
, فالمشكاة قلب محمد (ص ) , والمصباح النور الذي فيه العلم
الخبر ((44)) .

وفـي حديث عنوان البصري عن الصادق
(ع ) : ليس العلم بالتعلم , انما هو نور يقع في قلب من يريد
اللّه تبارك وتعالى ان
يهديه ((45)) .

وعن ابي محمد العسكري (ع ) قال
: قال علي بن ابي طالب (ع ) : من كان من شيعتناعالما بشريعتنا ,
فـاخرج ضعفا شيعتنا من ظلمة جهلهم
الى نور العلم الذي حبوناه به ,جا يوم القيامة وعلى راسه تاج
من نور يضي لاهل جميع العرصات
, وعليه حلة لا يقوم لاقل سلك منها الدنيا بحذافيرها , ثم ينادي
مناد : يا عباد اللّه الـدنـيـا مـن حـيرة جهله فليتشبث
بنوره ليخرجه من حيرة ظلمة هذه العرصات الى نزه الجنان ,
فـيـخـرج كـل مـن عـل مـه
فـي الـدنـيا خيرا , او فتح عن قلبه من الجهل قفلا , او اوضح له عن
شبهة ((46)) .

وعـن امـيـر الـمؤمنين صلوات
اللّه عليه لما ساله الجاثليق فقال : اخبرني عن اللّه عزوجل يحمل
الـعـرش ام الـعـرش يـحـمله
؟ فقال امير المؤمنين (ع ) : اللّه عز وجل حامل العرش والسموات
والارض ومـا فيهما وما بينهما
ان العرش خلقه اللّه تعالى من انواراربعة وهو العلم الذي حمله اللّه
الـحـمـلة , وذلك نور من عظمته
, فبعظمته ونوره ابصرقلوب المؤمنين , وبعظمته ونوره عاداه
الجاهلون , وبعظمته ونوره ابتغى
من في السموات والارض من جميع خلائقه اليه الوسيلة بالاعمال
الـمختلفة والاديان المشتبهة ,فكل محمول
يحمله الل ه بنوره وعظمته وقدرته , لا يستطيع لنفسه
ضرا , ولا نفعا , ولاموتا
, ولا حياة , ولا نشورا , فكل شي محمول , واللّه تبارك وتعالى الممسك
لـهـمـا ان تـزولا , والـمـحـيط
بهما من شي , وهو حياة كل شي , ونور كل شي , سبحانه وتعالى
عمايقولون علوا كبيرا.

قال له : فاخبرني عن اللّه عز وجل
اين هو ؟ فقال اميرالمؤمنين (ع ) : هو هاهنا ,وهاهنا , وفوق ,
وتحت , ومحيط بنا , ومعنا ,
وهو قوله : (ما يكون من نجوى ثلاثة الا هورابعهم ولا خمسة الا هو
سـادسـهم ولا ادنى من ذلك
ولا اكثر الا هو معهم اينماكانوا) ((47)) فالكرسى محيط بالسموات
والارض ومـا بينهما وما تحت الثرى
, وان تجهربالقول فانه يعلم السر واخفى , وذلك قوله تعالى :
(وســع كرسيه السموات والارض ولايؤده
حفظهما وهو العلي العظيم ) ((48)) فالذين يحملون
الـعـرش هـم الـعـلما الذين حملهم
اللّه علمه وكيف يحمل حملة العرش اللّه وبحياته حييت قلوبهم
وبنوره اهتدواالى معرفته
؟ ((49)) .

وفي معاني الاخبار عن
المفضل بن عمر , قال : سالت اباعبداللّه (ع ) عن العرش والكرسي ما هما ؟
فقال : العرش في وجه : هو
جملة الخلق , والكرسي وعاؤه , وفي وجه آخر : هو العلم الذي اطلع
اللّه عـلـيه انبياه ورسله وحججه
, والكرسى هو العلم الذي لم يطلع عليه احدا من انبيائه ورسله
وحججه عليهم
السلام ((50)) .

وعن ابي عبد اللّه (ع ) في حديث : والعرش هو العلم الذي لايقدر
احدقدره ((51)) .

وفـي الـكـافي عن صفوان
بن يحيى , قال : سالني ابوقرة المحدث ان ادخله على ابي الحسن الرضا
(ع ) , فاستاذنته فاذن لي , فدخل
فساله عن الحلال والحرام , ثم قال :افتقران الل ه محمول ؟ فقال
ابوالحسن (ع ) : كـل محـمول
مفعول به مضاف الى غيره ,محتاج , والمحمول اسم نقص في اللفظ ,
والحامل فاعل , وهوفي اللفظ
مدحة , وكذلك قول القائل : فوق , وتحت , واعلى , واسفل , وقد قال
اللّه تعالى : (وللّه الاسما الحسنى فادعوه
بها) ((52)) ولم يقل في كتبه ا نه المحمول , بل قال : انه
الـحـامل في
البروالبحر ((53)) والممسك السموات والارض ان تزولا ((54)) والمحمول ما
سـوى اللّه , ولم يسمع احد آمن
باللّه وعظمته قط قال في دعائه : يا محمول قال ابوقرة : فانه قال
:(ويـحـمـل عـرش
ربـك فـوقـهـم يـومـئذ ثـمـانـيـة ) ((55)) وقـال : (الـذيـن يـحملون
الـعرش ) ((56)) فقال ابو
الحسن (ع ) : العرش ليس هو اللّه , والعرش اسم علم وقدرة , وعرش
فيه كل شي
الخبر ((57)) .

وفـي الـتـوحـيد عن
حنان بن سدير , قال : سالت اباعبداللّه (ع ) عن العرش والكرسى ,فقال : ان
لـلـعـرش صفات كثيرة مختلفة وقوم وصفوه
بيدين فقالوا : (يد اللّه مغلولة ) ((58)) وقوم وصفوه
بالرجلين فقالوا : وضع رجله على
صخرة بيت المقدس فمنهاارتقى الى السما , وقوم وصفوه بالانامل
فـقـالـوا : ان مـحمدا (ص )
قال : اني وجدت بردانامله على قلبي , فلمثل هذه الصفات قال : (رب
الـعـرش عما
يصفون ) ((59)) يقول : رب المثل الاعلى عما به مثلوه , وللّه المثل الاعلى الذي لا
يشبهه شي , ولا يوصف ولايتوهم , فذلك المثل الاعلى
الخبر ((60)) .

وفـي الكافي عن ابي حمزة , قال :
سالت اباعبد اللّه (ع ) عن العلم , ا هو علم يتعلمه العالم من افواه
الرجال , ام في الكتاب عندكم
تقراونه فتعلمون منه ؟ قال : الامر اعظم من ذلك واوجب , اما سمعت
قـول اللّه عـز وجـل
: (وكـذلـك اوحـيـنـا الـيـك روحـا من امرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا
الايمان ) ((61)) ثم قال : اي
شي يقول اصحابكم في هذه الاية ؟ ايقرون ا نه كان في حال لا يدري
مـا الـكتاب ولا الايمان ؟ فقلت
: لا ادري ـ جعلت فداك ـمايقولون , فقال لي : بلى قد كان في حال لا
يدري ماالكتاب ولا الايمان حتى
بعث اللّه الروح التي ذكر في الكتاب , فلما اوحاها اليه علم بها العلم
والفهم
, وهي الروح التي يعطيها اللّه تعالى من شا , فاذا اعطاها عبدا علمه
الفهم ((62)) .

حقيقة العقل من حقيقة العلم وهي الكاشفة للحسن والقبـح .

تنبيهان :.

1 ـ بعد ما عرفت بالوجدان ان
حقيقة العلم نور خارج عن الاشيا وعن حقيقتنا ,وعن كل ما نتصوره
مـن مـعـلـوماتنا النفسية , محيط
بها جميعا , ربما نجده فندرك به انفسناومعلوماتنا وسائر الاشيا ,
وربـمـا نفقده فلاندرك شيئا
حتى انفسنا , وهو لايتنزل عن شموخ مقامه الى مرتبة نفوسنا , فضلا
عـن معلوماتنا النفسية , ولا ترد انفسنا
بكمالهاالعلمى في صقع ذلك النور , كما سياتي مزيد توضيح
لذلك ان شا اللّه تعالى .

نقول :.

ان حقيقة العقل ايضا
خارجة عن حقيقتنا , فمتى نجده يكشف لنا به حسن الاشياوقبحها مثلا.

ومن طرق التنبيه الى هذه الحقيقة ان
يذكر المعلم الواجد لنور العلم والشعوربان افعال البشر بعضها
حسن , وبعضها قبيح , وبعضها
ليس لها شي من هاتين الصفتين ,فاذا عرف الصفتين ـ اي ظهرتا بنور
العلم والفهم ـ يقال : ان ه عاقل , وان
لم تظهرا له يقال :انه مجنون , اي مستور عنه عقله , وهذا اول
درجة عقل العاقل الذي يصح معه التكليف .

فـيـذكر بان ما تعرف به هاتان
الصفتان هو سنخ نور العلم الذي تظهر به سائر الامور ,وسائر تلك
الافعال الحسنة والقبيحة , الا ا نه
قبل ان يصير واجدا لهذه الدرجة من نورالعلم لا يقال انه عاقل ,
وبعد وجدانه يقال له عاقل .

2 ـ يمكن ان يقال :
ان مرجع التحديد المذكور ومرجع درجات هذا النور الى تحديدوجدان الواجد
لا الـى جعل المراتب لذات
ذلك النور وبعبارة اخرى : مرجع كمال العقل الى سعة وشدة في وجدان
نور العقل , لا الى تفاوت ذات العقل سعة وشدة .

وبـعـد وجـدان نـور العقل
ربما يفقده الانسان لمرض او شهوة , اما راسا واما درجة منه , كما هو
الظاهر لمن تامل حالات نفسه , وبهذا
الوجدان والفقدان مع عدم النقصان في انيته وشخصيته يتنبه ا
نه ـ كما ذكرنا في حقيقة العلم ـ خارج عن ذات انيته .

ونـكـرر الكلام فنقول : ان العقل
هو الحقيقة المعروفة عند كل عاقل , وانه الذي يعرف به الحسن
والـقـبـيح , والجيد والردى , والفريضة
والسنة , كما نبهت عليه الرواية النبوية المتقدم ذكرها :
حـتـى يـولـد هـذا المولود
فيبلغ حد الرجال او حد النسا , فاذا كشف ذلك الستر فيقع في قلب هذا
الانسان نور فيفهم به الفريضة
والسنة , والجيد والردى , الا ومثل العقل في القلب كمثل السراج في
وسط
البيت ((63)) .

اقول : هذا هو الذي يعرفه العقلا ويسمونه
بالعقل , وبه يميزون العاقل عن غيره نوعا , ويعرف كل
عاقل ا نه صار واجدا له في كبره بعد
ان كان فاقدا له في صغره , كمانبهت عليه الرواية المتقدمة ,
ويفقده الانسان او يجده ضعيفا عند
شدة الغضب او الشهوة ,و في منامه , فيرى في بعض رؤياه ا نه
يـصـدر مـنـه ما لا يصدر من العاقل
, او من العاقل الكامل ويفقده ايضا بعد وجدانه فيصير مجنونا ,
ويـجـده بعد فقدانه فيصير
عاقلا , وفي جميع هذه الاحوال يجد ان انيته وشخصيته لم تتغير عما
كـانت عليه , فيتنبه ان العقل ليس
من مراتب النفس ومرتبة فعلية بعد القوة , بل هو نور مستقل يجده
بعد فقدانه ,ويفقده بعد وجدانه متعاقبا.

/ 16