نشاه التشيع و الشيعه - نشأة التشیع و الشیعة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

نشأة التشیع و الشیعة - نسخه متنی

محمد باقر صدر؛ التحقیق: عبدالجبار شراره

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

نشاه التشيع و الشيعه

بقلم الامام الشهيد السيد محمد باقر الصدر(قدس سره)

تحقيق وتعليق

الدكتور عبدالجبار شراره

دائره معارف الفقه الاسلامى طبقا لمذهب اهل البيت(ع)

مركز الغدير للدراسات الاسلاميه

بسم اللّه الرحمن الرحيم

مقدمه المحقق

بين يدى المولف والكتاب :
ان الامام الشهيد الصدر (رضى اللّه عنه) الذى ينشر له هذا
البحث عالم ربانى، وفقيه من اعاظم فقهاء العصر، ومجاهد فى
سبيل اللّه، متفان فى سبيل الاسلام الى درجه الاستشهاد.وهو
(رضى اللّه عنه) كان ينبوعا متدفقا من العطاء العلمى الاصيل،
فهو امام فذ فى الدراسات الاصوليه والفقهيه، وعبقرى نادر فى
المنطق ومناهج البحث، ومجدد فى الفكر الاسلامى لمواجهه
التحديات الفكريه المعاصره، فى الفلسفه والاقتصاد والاجتماع،
وهو بعد ذلك كله قد اسهم باطروحاته، ونظراته، وآرائه
الاصيله فى تاصيل المدرسه الاسلاميه، وتجديد البحوث
الكلاميه، واغناء المعرفه القرآنيه، كما ارسى دعائم منهج علمى
رصين فى كل ما تناوله قلمه الشريف من موضوعات.

ان الدراسه الرائده التى بين ايدينا حول (قضيه التشيع) قد نهج
فيها الشهيد الصدر (رضى اللّه عنه) المنهج العلمى الرصين،
واحكم فيها المنطق النزيه، وسار فى خطواتها بعمق الخبير
البصير الذى يعرف منذ البدايه كيف ينقل القارى خطوه بعد
خطوه بما يمليه منطق الحق.

لقد تناول الشهيد الصدر هذا الموضوع الخطير فجاء فيه على
وجازته بما لم يسبقه اليه سابق، من قوه الحجه ومتانتها،
ورصانه العباره ودقتها، وحسن العرض ولطافته، مع كثره نكته
واشاراته التى يفطن اليها كل اديب واريب، ولكنها تغيب عمن
لم يمارس هذا النوع من البحوث الكلاميه العميقه، ولم يلج
ميدان الحجاج والمناظره، ولم يعالج من قبل النصوص النبويه
الشريفه، والوقائع التاريخيه.ومع اهميه هذا البحث العميق
موضوعا واسلوبا ومعالجه، الا ان مما يوسف له انه لم يخرج
اخراجا يليق به، ولم يحظ بالتحقيق والتعليق بما يرشد الى
مظان الشواهد، ويوضح الدليل فى موارد الاشاره، وينبه الى
مواطن الحجه حتى يتجلى فيها للقارى صدق المنطق
فيطمئن الى منطق الصدق.

ان هذا البحث الذى بين يديك كان فى الاصل تصديرا
بقلم الشهيد الصدر (رضى اللّه عنه) لكتاب الدكتور عبد اللّه
فياض الموسوم ب(تاريخ الاماميه واسلافهم من الشيعه) الذى
صدرت طبعته الاولى فى بغداد مطبعه اسعد عام 1390 ه /
1970 م.

ثم نشر فى كتاب مستقل عام 1397 ه .

فقد نشر فى
القاهره باشراف السيد طالب الحسينى الرفاعى -دار اهل البيت
مطابع الدجوى -عابدين القاهره، الطبعه الاولى عام 1397 ه /
1977 م، كما نشر فى العام نفسه من قبل دار التعارف
للمطبوعات بيروت .ولكن كلتا الطبعتين لم تكونا وافيتين
بالغرض، اذ لم تعتنيا بالتحقيق والتدقيق، ولم تهتما بتخريج
الاحاديث وتوثيق النصوص، فضلا عن كثره الاخطاء المطبعيه،
على ان طبعه القاهره قد حظيت ببعض التعليقات النافعه بقلم
السيد الرفاعى، وكانت احسن ضبطا، واقل اخطاء.

هذا مع
اختلاف الطبعتين فى العنوان، فبينما صدرت طبعه القاهره
بعنوان: (التشيع ظاهره طبيعيه فى اطار الدعوه الاسلاميه).

نجد ان الطبعه البيروتيه صدرت بعنوان: (بحث حول الولايه).

من هنا مست الحاجه الى ان ينال هذا البحث ما يستحقه من
عنايه التحقيق والتدقيق والتعليق.وقد جهدت كل الجهد ان
اضبط العباره مستفيدا من الطبعات المذكوره، مراعيا
التصحيحات اللازمه، اما العنوان فقد استانست براى سماحه آيه
اللّه السيد محمود الهاشمى الذى اشار على ان يكون العنوان:
(نشاه التشيع والشيعه).

فكان هو العنوان الانسب.

واخيرا فقد رايت ان الحق بهذا البحث الاصيل للشهيد الصدر
(رضى اللّه عنه) دراسه علميه اترسم فيها المنهج الرصين
نفسه، اعالج فيها امرا نبه اليه الشهيد الصدر (رضى اللّه عنه)،
ولكنه لم يبسط القول فيه -اعتمادا على ما يظهر على انه مما
تضافر على نقله الرواه وتداولته كتب السيره، وذلك هو: الاعداد
الفكرى والتربوى لامامه على (عليه السلام)، وخلافته.

عملى فى التحقيق:
اولا: لم يتوفر لدى سوى ما اشرت اليه من النسخ المطبوعه،
وسوى التصدير الذى فى مقدمه كتاب الدكتور عبد اللّه فياض
الموسوم ب(تاريخ الاماميه واسلافهم من الشيعه) .ولما كانت
نسخه طبعه القاهره التى صدرت باشراف السيد طالب الرفاعى
هى اضبط النسخ واكملها، لذلك اعتمدتها اصلا، واستعنت
بالطبعتين الاخريين، طبعه دار التعارف البيروتيه، والطبعه
فى مقدمه كتاب الدكتور فياض البغداديه، وذلك لضبط النص
ومعالجه الاخطاء او الاشتباهات التى وقعت فى طبعه القاهره.

ثانيا: اخرجت البحث اخراجا جديدا، اذ تم توزيعه على تمهيد
وفصلين، عنون الفصل الاول ب(كيف ولد التشيع؟) وكما اراد
المولف الباحث الشهيد الصدر ان يبرزه، وقد وزعته على ثلاثه
مباحث : اختص المبحث الاول بما عنون بالطريق الاول وهو
السلبيه اى اهمال امر الخلافه، وقد برزت هذا العنوان طبعه
القاهره ، وتناول المبحث الثانى الطريق الثانى وهو الايجابيه
ممثله بنظام الشورى، وعرض المبحث الثالث الطريق الثالث:
الايجابيه ممثله فى اعداد ونصب من يقود الامه.

اما الفصل
الثانى فقد عنون ب(كيف وجدت الشيعه؟).ووزع ايضا على ثلاثه
مباحث، كان المبحث الاول حول الاتجاهين الرئيسيين اللذين
رافقا نشوء الامه، واختص المبحث الثانى بالكلام على المرجعيه
الفكريه والقياديه، وعرض المبحث الثالث لمساله التشيع
الروحى والتشيع السياسى.

ثالثا: رجعت الى المصادر التى احال اليها الشهيد الصدر (رضى
اللّه عنه)، ووثقت النص الذى اعتمده، مشيرا الى الجزء
والصفحه فى الموارد التى لم يذكر فيها.وقد بلغت الاحالات
فى طول البحث ثلاثا وعشرين احاله، وضعت ازاءها كلمه
(الشهيد) بين قوسين كبيرين حفاظا على الاصل المكتوب
بهوامشه، وتمييزا لها من الهوامش والتعليقات التى كتبتها
بقلمى.

رابعا: بالنسبه الى النصوص التى اوردها الشهيد (رضى اللّه
عنه)، او اشار اليها، ولم يذكر المصدر قمت بتخريجها من
مظانها المعتبره، كما خرجت الايات القرآنيه والاحاديث
النبويه.

خامسا: الاراء والافكار التى نبه اليها الشهيد (رضى اللّه عنه)،
وثقت منها ما يحتاج الى توثيق.

سادسا: علقت بتعليقات مناسبه على كثير من المطالب، اما
توضيحا للمطلب او تعزيزا بالادله والشواهد.

ارجو اللّه تعالى ان يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم.

والحمد للّه رب العالمين
المحقق
د .

عبدالجبار شراره
التمهيد

التمهيد

جرى بعض الباحثين على دراسه التشيع بوصفه ظاهره طارئه
فى المجتمع الاسلامى، والنظر الى القطاع الشيعى من جسم
الامه الاسلاميه بصفته قطاعا تكون على مر الزمن، نتيجه
لاحداث وتطورات اجتماعيه معينه، ادت الى تكوين فكرى
ومذهبى خاص لجزء من ذلك الجسم الكبير، ثم اتسع ذلك
الجزء بالتدريج ((1)) .

ان هولاء الباحثين، بعد ان يفترضوا ذلك، يختلفون فى تلك
الاحداث والتطورات التى ادت الى نشوء تلك الظاهره وولاده
ذلك الجزء.

فمنهم من يفترض ان عبد اللّه بن سبا ((2))
ونشاطه السياسى المزعوم كان هو الاساس لقيام ذلك التكتل
الشيعى.ومنهم من يرد ظاهره التشيع الى عهد خلافه الامام
على (عليه السلام)، وما هياه ذلك العهد من مقام سياسى
واجتماعى على مسرح الاحداث.ومنهم من يزعم ان ظهور
الشيعه يكمن فى احداث متاخره عن ذلك فى التسلسل
التاريخى للمجتمع الاسلامى ((3)) .

والذى دعا فيما اظن كثيرا من هولاء الباحثين الى هذا
الافتراض والاعتقاد بان (التشيع) ظاهره طارئه فى المجتمع
الاسلامى، هو ان الشيعه لم يكونوا يمثلون فى صدر الاسلام الا
جزءا ضئيلا من مجموع الامه الاسلاميه.

فقد اوحت هذه الحقيقه شعورا بان اللاتشيع كان هو القاعده
فى المجتمع الاسلامى، وان التشيع هو الاستثناء والظاهره
الطارئه التى يجب اكتشاف اسبابها من خلال تطورات
المعارضه للوضع السائد.

ولكن اتخاذ الكثره العدديه والضاله النسبيه اساسا لتمييز
القاعده والاستثناء او الاصل والانشقاق، ليس شيئا منطقيا،
فمن الخطا اعطاء الاسلام اللاشيعى صفه الاصاله على اساس
الكثره العدديه، واعطاء الاسلام الشيعى صفه الظاهره الطارئه
ومفهوم الانشقاق، على اساس القله العدديه، فان هذا لايتفق
مع طبيعه الانقسامات العقائديه، اذ كثيرا ما نلاحظ انقساما
عقائديا فى اطار رساله واحده، يقوم على اساس الاختلاف فى
تحديد بعض معالم تلك الرساله، وقد لا يكون القسمان
العقائديان متكافئين من الناحيه العدديه ولكنهما فى اصلهما
معبران بدرجه واحده عن الرساله المختلف بشانها، ولايجوز
بحال من الاحوال ان نبنى تصوراتنا عن الانقسام العقائدى
داخل اطار الرساله الاسلاميه الى شيعه وغيرهم، على الناحيه
العدديه ((4)) ، كما لايجوز ايضا ان نقرن ولاده الاطروحه
الشيعيه، فى اطار الرساله الاسلاميه، بولاده كلمه (الشيعه) او
(التشيع) كمصطلح واسم خاص لفرقه محدده من المسلمين،
لان ولاده الاسماء والمصطلحات شى ء، ونشوء المحتوى وواقع
الاتجاه والاطروحه شى ء آخر، فاذا كنا لا نجد كلمه
(الشيعه) ((5)) فى اللغه السائده فى حياه الرسول صلى اللّه
عليه وآله وسلم، او بعد وفاته، فلا يعنى هذا ان الاطروحه
والاتجاه الشيعى لم يكن موجودا.

فبهذه الروح يجب ان نعالج قضيه (التشيع) و(الشيعه)، ونجيب
عن السوالين الاتيين :
كيف ولد التشيع ؟
وكيف وجدت الشيعه ؟
الفصل الاول
نشاه التشيع
المبحث الاول
الموقف السلبى : اهمال امر الخلافه
المبحث الثانى
الايجابيه ممثله بنظام الشورى
المبحث الثالث
الايجابيه ممثله بالاختيار والتعيين
الفصل الاول كيف ولد التشيع ؟

الفصل
الاول: كيف ولد التشيع ؟

تمهيد

تمهيد

اما فيما يتعلق بالسوال الاول : ( كيف ولد التشيع ؟ ) فنحن
نستطيع ان نعتبر التشيع نتيجه طبيعيه للاسلام، وممثلا
لاطروحه كان من المفروض للدعوه الاسلاميه ان تتوصل اليها
حفاظا على نموها السليم .

ويمكننا ان نستنتج هذه الاطروحه استنتاجا منطقيا من
الدعوه التى كان الرسول الاعظم (صلى اللّه عليه وآله) يتزعم
قيادتها بحكم طبيعه تكوينها، ونوع الظروف التى عاشتها، فان
النبى (صلى اللّه عليه وآله)، كان يباشر قياده دعوه انقلابيه،
ويمارس عمليه تغيير شامل للمجتمع واعرافه وانظمته
ومفاهيمه، ولم يكن الطريق قصيرا امام عمليه التغيير هذه، بل
كان طريقا طويلا وممتدا بامتداد الفواصل المعنويه الضخمه
بين الجاهليه والاسلام .

فكان على الدعوه التى يمارسها النبى
ان تبدا بانسان الجاهليه فتنشئه انشاء جديدا، وتجعل منه
الانسان الاسلامى، الذى يحمل النور الجديد الى العالم، وتجتث
منه كل جذور الجاهليه ورواسبها ((6)) .

وقد خطا القائد الاعظم (صلى اللّه عليه وآله) بعمليه التغيير
خطوات مدهشه، فى برهه قصيره، وكان على العمليه التغييريه
ان تواصل طريقها الطويل حتى بعد وفاه النبى (صلى اللّه عليه
وآله).وكان النبى يدرك منذ فتره قبل وفاته، ان اجله قد دنا،
واعلن ذلك بوضوح فى (حجه الوداع) ((7)) ، ولم يفاجئه
الموت مفاجاه .وهذا يعنى انه كان يملك فرصه كافيه للتفكير
فى مستقبل الدعوه بعده، حتى اذا لم ندخل فى الموقف عامل
الاتصال الغيبى والرعايه الالهيه المباشره للرساله عن طريق
الوحى((8)) .وفى هذا الضوء يمكننا ان نلاحظ ان النبى (صلى
اللّه عليه وآله) كان امامه ثلاثه طرق بالامكان انتهاجها تجاه
مستقبل الدعوه .

اولهما : الطريق السلبى ، وثانيهما : الطريق
الايجابى ممثلا بالشورى وثالثهما : التعيين «وهنا ثلاثه مباحث »
.

المبحث الاول الموقف السلبى : اهمال امر الخلافه()

المبحث الاول: الموقف السلبى
:اهمال
امر الخلافه

وذلك بان يقف من مستقبل الدعوه موقفا سلبيا، ويكتفى
بممارسه دوره فى قياده الدعوه وتوجيهها فتره حياته، ويترك
مستقبلها للظروف والصدف.

وهذه السلبيه فى الموقف لا يمكن افتراضها فى النبى (صلى
اللّه عليه وآله)، لانها انما تنشا من احد امرين كلاهما لا
ينطبقان عليه:
الامر الاول:

الامر الاول:

الاعتقاد بان هذه السلبيه والاهمال لا توثر على مستقبل
الدعوه، وان الامه التى سوف يخلف الدعوه فيها قادره على
التصرف بالشكل الذى يحمى الدعوه، ويضمن عدم الانحراف.

وهذا الاعتقاد لا مبرر له من الواقع اطلاقا، بل ان طبيعه الاشياء
كانت تدل على خلافه، لان الدعوه بحكم كونها عملا تغييريا
انقلابيا فى بدايته، يستهدف بناء امه واستئصال كل جذور
الجاهليه منها تتعرض لاكبر الاخطار اذا خلت الساحه من
قائدها، وتركها دون اى تخطيط، فهناك:
اولا: الاخطار التى تنبع عن طبيعه مواجهه الفراغ دون اى
تخطيط مسبق، وعن الضروره الانيه لاتخاذ موقف مرتجل فى
ظل الصدمه العظيمه بفقد النبى، فان الرسول (صلى اللّه عليه
وآله) اذا ترك الساحه دون تخطيط لمصير الدعوه فسوف
تواجه الامه، ولاول مره، مسووليه التصرف بدون قائدها تجاه
اخطر مشاكل الدعوه، وهى لاتمتلك اى مفهوم سابق بهذا
الصدد، وسوف يتطلب منها الموقف تصرفا سريعا آنيا على رغم
خطوره المشكله، لان الفراغ لا يمكن ان يستمر ((9)) ، وسوف
يكون هذا التصرف السريع فى لحظه الصدمه التى تمنى بها
الامه، وهى تشعر بفقدها لقائدها الكبير، هذه الصدمه التى
تزعزع بطبيعتها سير التفكير، وتبعث على الاضطراب حتى انها
جعلت صحابيا معروفا يعلن بفعل الصدمه ان النبى لم يمت
ولن يموت ((10)) .

نعم سوف يكون مثل هذا التصرف محفوفا
بالخطر غير محمود العواقب.

ثانيا: وهناك الاخطار التى تنجم عن عدم النضج الرسالى
بدرجه تضمن للنبى، سلفا، موضوعيه التصرف الذى سوف يقع،
وانسجامه مع الاطار الرسالى للدعوه، وتغلبه على التناقضات
الكامنه التى كانت لا تزال تعيش فى زوايا نفوس المسلمين
على اساس الانقسام الى مهاجرين وانصار، او قريش وسائر
العرب، او مكه والمدينه ((11)) .

ثالثا: هناك الاخطار التى تنشا لوجود القطاع المتستر بالاسلام،
والذى كان يكيد له فى حياه النبى (صلى اللّه عليه وآله)
باستمرار، وهو القطاع الذى كان يسميه القرآن
(بالمنافقين) ((12)) .واذا اضفنا اليهم عددا كبيرا ممن اسلم
بعد الفتح، استسلاما للامر الواقع لا انفتاحا على الحقيقه،
نستطيع حينئذ ان نقدر الخطر الذى يمكن لهذه العناصر ان
تولده وهى تجد فجاه فرصه لنشاط واسع فى فراغ كبير، مع
خلو الساحه من رعايه القائد ((13)) .

فلم تكن اذن خطوره الموقف بعد وفاه النبى (صلى اللّه عليه
وآله) شيئا يمكن ان يخفى على اى قائد مارس العمل العقائدى
فضلا عن خاتم الانبياء ((14)) .واذا كان ابو بكر لم يشا ان يترك
الساحه دون ان يتدخل تدخلا ايجابيا فى ضمان مستقبل
الحكم بحجه الاحتياط للامر ((15)) .واذا كان الناس قد هرعوا
الى عمر حين ضرب قائلين: (يا امير المومنين لو عهدت
عهدا) ((16)) ، وكل ذلك كان خوفا من الفراغ الذى سوف
يخلفه الخليفه، بالرغم من التركز السياسى والاجتماعى الذى
كانت الدعوه قد بلغته بعد عقد من وفاه الرسول (صلى اللّه
عليه وآله) ، واذا كان عمر قد اوصى الى سته ((17)) تجاوبا مع
شعور الاخرين بالخطر ، واذا كان عمر يدرك بعمق خطوره
الموقف فى يوم السقيفه، وما كان بالامكان ان تودى اليه خلافه
ابى بكر بشكلها المرتجل من مضاعفات ، اذ يقول: (ان بيعه ابى
بكر كانت فلته غير ان اللّه وقى شرها ...) ((18)) ، واذا كان ابو
بكر نفسه يعتذر عن تسرعه الى قبول الحكم، وتحمل
المسووليات الكبيره ، بانه شعر بخطوره الموقف ، وضروره
الاقدام السريع على حل ما ، اذ يقول وقد عوتب على قبول
السلطه : (ان رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله) قبض ، والناس
حديثو عهد بالجاهليه ، فخشيت ان يفتتنوا ، وان اصحابى
حملونيها) ((19)) اذا كان كل ذلك صحيحا ((20)) ، فمن
البديهى اذن ان يكون رائد الدعوه ونبيها اكثر شعورا بخطر
السلبيه((21)) ، واكبر ادراكا ، واعمق فهما لطبيعه الموقف
ومتطلبات العمل التغييرى الذى يمارسه فى امه حديثه عهد
بالجاهليه على حد تعبير ابى بكر ((22)) .

الامر الثانى النظره المصلحيه :

الامرالثانى:النظره المصلحيه

ان الامر الثانى الذى يمكن ان يفسر سلبيه القائد تجاه مستقبل
الدعوه ، ومصيرها بعد وفاته ، انه على رغم شعوره بخطر هذا
الموقف، لايحاول تحصين الدعوه ضد ذلك الخطر ، لانه ينظر
الى الدعوه نظره مصلحيه ، فلا يهمه الا ان يحافظ عليها ما دام
حيا ليستفيد منها، ويستمتع بمكاسبها، ولا يعنى بحمايه
مستقبلها بعد وفاته.

وهذا التفسير لا يمكن ان يصدق على النبى محمد (صلى اللّه
عليه وآله) ، حتى اذا لم نلاحظه بوصفه نبيا ومرتبطا باللّه
سبحانه وتعالى فى كل ما يرتبط بالرساله ، وافترضناه قائدا
رساليا كقاده الرسالات الاخرى ، لان تاريخ القاده الرساليين لا
يملك نظيرا للقائد الرسول محمد (صلى اللّه عليه وآله) ، فى
اخلاصه لدعوته ، وتفانيه فيها، وتضحيته من اجلها الى آخر
لحظه من حياته.وكل تاريخه يبرهن على ذلك ، فقد كان
(صلى اللّه عليه وآله) على فراش الموت وقد ثقل مرضه، وهو
يحمل هم معركه كان قد خطط لها ، وجهز جيش اسامه
لخوضها ، فكان يقول : (جهزوا جيش اسامه ، انفذوا جيش
اسامه ، ارسلوا بعث اسامه) ، يكرر ذلك ، ويغمى عليه بين
الحين والحين ((23)) ، فاذا كان اهتمام الرسول (صلى اللّه
عليه وآله) بقضيه من قضايا الدعوه العسكريه يبلغ الى هذه
الدرجه ، وهو يجود بنفسه على فراش الموت ، ولا يمنعه علمه
بانه سيموت قبل ان يقطف ثمار تلك المعركه ، عن تبنيه لها ،
وان تكون همه الشاغل وهو يلفظ انفاسه الاخيره ، فكيف يمكن
ان نتصور ان النبى لا يعيش هموم مستقبل الدعوه ، ولايخطط
لسلامتها ، بعد وفاته (صلوات اللّه عليه) من الاخطار المرتقبه؟!
واخيرا فان فى سلوك الرسول (صلى اللّه عليه وآله) فى مرضه
الاخير رقما واحدا يكفى لنفى الطريق الاول ، وللتدليل على ان
القائد الاعظم ، نبينا محمد (صلى اللّه عليه آله) كان ابعد ما
يكون من فرضيه الموقف السلبى تجاه مستقبل الدعوه ، لعدم
الشعور بالخطر ، او لعدم الاهتمام بشانه ، وهذا الرقم اجمعت
صحاح المسلمين جميعا سنه وشيعه على نقله ، وهو ان
الرسول (صلى اللّه عليه وآله) لما حضرته الوفاه ، وفى البيت
رجال فيهم عمر بن الخطاب ، قال النبى (صلى اللّه عليه وآله)
: (ائتونى بالكتف والدواه اكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده
ابدا).

((24)) فان هذه المحاوله من القائد الكريم ، المتفق على
نقلها وصحتها تدل بكل وضوح على انه كان يفكر فى اخطار
المستقبل، ويدرك بعمق ضروره التخطيط لتحصين الامه من
الانحراف ، وحمايه الدعوه من التميع والانهيار ، فليس اذن من
الممكن افتراض الموقف السلبى ((25)) من النبى (صلى اللّه
عليه وآله) بحال من الاحوال.

المبحث الثانى الايجابيه ممثله بنظام الشورى

المبحث الثانى: الايجابيه ممثله
بنظام
الشورى

ان الطريق الثانى المفترض ، هو ان يخطط الرسول القائد
(صلى اللّه عليه وآله) لمستقبل الدعوه بعد وفاته ، ويتخذ موقفا
ايجابيا، فيجعل القيمومه على الدعوه ، وقياده التجربه للامه
ممثله على اساس نظام الشورى فى جيلها العقائدى الاول
الذى يضم مجموع المهاجرين والانصار ، فهذا الجيل الممثل
للامه هو الذى سيكون قاعده للحكم ، ومحورا لقياده الدعوه
فى خط نموها.

بالنسبه لهذا الافتراض ، يلاحظ هنا ان طبيعه الاشياء ، والوضع
العام الثابت عن الرسول الاكرم والدعوه والدعاه ، يرفض هذه
الفرضيه، وينفى ان يكون النبى (صلى اللّه عليه وآله) قد انتهج
هذا الطريق ، واتجه الى ربط قياده الدعوه بعده مباشره بالامه
ممثله فى جيلها الطليعى من المهاجرين والانصار على اساس
نظام الشورى.

وفيما ياتى بعض النقاط التى توضح ذلك:
النقطه الاولى: name="link9">
لو كان النبى (صلى اللّه عليه وآله) قد اتخذ من مستقبل الدعوه
بعده موقفا ايجابيا يستهدف وضع نظام الشورى موضع
التطبيق ، بعد وفاته مباشره ، واسناد زعامه الدعوه الى القياده
التى تنبثق عن هذا النظام ، لكان من ابده الاشياء التى يتطلبها
هذا الموقف الايجابى ، ان يقوم الرسول القائد بعمليه توعيه
للامه والدعاه على نظام الشورى ، وحدوده وتفاصيله ، واعطائه
طابعا دينيا مقدسا، واعداد المجتمع الاسلامى اعدادا فكريا
وروحيا لتقبل هذا النظام، وهو مجتمع نشا من مجموعه من
العشائر ، لم تكن قد عاشت قبل الاسلام وضعا سياسيا على
اساس الشورى ، وانما كانت تعيش ، فى الغالب ، وضع زعامات
قبليه وعشائريه تتحكم فيها القوه والثروه وعامل الوراثه الى
حد كبير ((26)) .

ونستطيع بسهوله ان ندرك ان النبى (صلى اللّه عليه وآله) لم
يمارس عمليه التوعيه على نظام الشورى ، وتفاصيله
التشريعيه، ومفاهيمه الفكريه ، لان هذه العمليه لو كانت قد
انجزت ، لكان من الطبيعى ان تنعكس وتتجسد فى الاحاديث
الماثوره عن النبى (صلى اللّه عليه وآله) ، وفى ذهنيه الامه ، او
على الاقل فى ذهنيه الجيل الطليعى منها ، الذى يضم
المهاجرين والانصار ، بوصفه هو المكلف بتطبيق نظام الشورى
، مع اننا لا نجد فى الاحاديث عن النبى (صلى اللّه عليه وآله)
اى صوره تشريعيه محدده لنظام الشورى ((27)) .

واما ذهنيه الامه او ذهنيه الجيل الطليعى منها فلا نجد فيها
اى ملامح او انعكاسات محدده لتوعيه من ذلك القبيل.

فان
هذا الجيل كان يحتوى على اتجاهين ، احدهما الاتجاه الذى
يتزعمه اهل البيت ، والاخر الاتجاه الذى تمثله السقيفه
والخلافه التى قامت فعلا بعد وفاه النبى (صلى اللّه عليه وآله).

فاما الاتجاه الاول ، فمن الواضح انه كان يومن بالوصايه
والامامه، ويوكد على القرابه ، ولم ينعكس منه الايمان بفكره
الشورى ((28)) .

واما الاتجاه الثانى ، فكل الارقام والشواهد فى حياته وتطبيقه
العملى تدل بصوره لا تقبل الشك على انه لم يكن يومن
بالشورى، ولم يبن ممارساته الفعليه على اساسها ، والشى ء
نفسه نجده فى سائر قطاعات ذلك الجيل الذى عاصر وفاه
الرسول الاعظم (صلى اللّه عليه وآله) من المسلمين ((30)) .

ونلاحظ بهذا الصدد للتاكد من ذلك ، ان ابا بكر حينما اشتدت
به العله عهد الى عمر بن الخطاب ، فامر عثمان ان يكتب عهده
، وكتب (بسم اللّه الرحمن الرحيم.

هذا ما عهد به ابو بكر خليفه
رسول اللّه ، الى المومنين والمسلمين: سلام عليكم فانى احمد
اللّه اليكم.

اما بعد: فانى قد استعملت عليكم عمر بن الخطاب ، فاسمعوا
واطيعوا) ودخل عليه عبدالرحمن بن عوف فقال: كيف
اصبحت ياخليفه رسول اللّه؟ فقال: اصبحت موليا ، وقد
زدتمونى على ما بى ، اذ رايتمونى استعملت رجلا منكم ،
فكلكم قد اصبح ورما انفه ، وكل يطلبها لنفسه ...) ((31)) .

وواضح من هذا الاستخلاف ، وهذا الاستنكار للمعارضه ، ان
الخليفه لم يكن يفكر بعقليه نظام الشورى ، وانه كان يرى من
حقه تعيين الخليفه ، وان هذا التعيين يفرض على المسلمين
الطاعه ، ولهذا امرهم بالسمع والطاعه ((32)) ، فليس هو مجرد
ترشيح او تنبيه ، بل هو الزام ونصب.

ونلاحظ ايضا ان عمر راى هو الاخر ، ايضا ، ان من حقه فرض
الخليفه على المسلمين ، ففرضه فى نطاق سته اشخاص ،
واوكل امر التعيين الى السته انفسهم دون ان يجعل لسائر
المسلمين اى دور حقيقى فى الانتخاب، ((33)) وهذا يعنى
ايضا ، ان عقليه نظام الشورى لم تتمثل فى طريقه الاستخلاف
التى انتهجها عمر ، كما لم تتمثل ، من قبل ، فى الطريقه التى
سلكها الخليفه الاول.

وقد قال عمر حين طلب منه الناس الاستخلاف : (لو ادركنى
احد رجلين فجعلت هذا الامر اليه لوثقت به : سالم مولى ابى
حذيفه ، وابى عبيده بن الجراح ، ولو كان سالم حيا ما جعلتها
شورى...) ((34)) .

وقد قال ابو بكر لعبدالرحمن بن عوف ، وهو يناجيه على فراش
الموت : (وددت انى كنت سالت رسول اللّه (صلى اللّه عليه
وآله) لمن هذا الامر ، فلا ينازعه احد...) ((35)) وحينما تجمع
الانصار فى السقيفه لتامير سعد بن عباده ، قال منهم قائل: (ان
ابت مهاجره قريش فقالوا نحن المهاجرون ، ونحن عشيرته
واولياوه ، فقالت طائفه منهم اذن نقول منا امير ومنكم امير ،
لن نرضى بدون هذا منهم ابدا...) ((36)) .وحينما خطب ابو بكر
فيهم قال:
( كنا معاشر المسلمين المهاجرين اول الناس اسلاما ، والناس
لنا فى ذلك تبع ، نحن عشيره رسول اللّه واوسط العرب
انسابا...) ((37)) .

وحينما اقترح الانصار ان تكون الخلافه دوريه بين المهاجرين
والانصار رد ابو بكر قائلا: (ان رسول اللّه لما بعث عظم على
العرب ان يتركوا دين آبائهم فخالفوه وشاقوه ، وخص اللّه
المهاجرين الاولين من قومه بتصديقه ... فهم اول من عبد اللّه
فى الارض ، وهم اولياوه وعترته ، واحق الناس بالامر بعده ، لا
ينازعهم فيه الا ظالم...) ((38)) .

وقال الحباب بن المنذر ، وهو يشجع الانصار على التماسك:
(املكوا عليكم ايديكم انما الناس فى فيئكم وظلكم ، فان ابى
هولاء فمنا امير ومنهم امير ...) ((39)) ورد عليه عمر قائلا:
هيهات لا يجتمع سيفان فى غمد .

.

من ذا يخاصمنا فى سلطان
محمد وميراثه ، ونحن اولياوه وعشيرته الا مدل بباطل ، او
متجانف لاثم ، او متورط فى هلكه) ((40)) .

ان الطريقه التى مارسها الخليفه الاولى والخليفه الثانى
للاستخلاف ، وعدم استنكار عامه المسلمين لتلك الطريقه ،
والروح التى سادت على منطق الجناحين المتنافسين من
الجيل الطليعى، المهاجرين والانصار يوم السقيفه ، والاتجاه
الواضح الذى بدا لدى المهاجرين نحو تقرير مبدا انحصار
السلطه بهم ، وعدم مشاركه الانصار فى الحكم ، والتاكيد على
المبررات الوراثيه التى تجعل من عشيره النبى اولى العرب
بميراثه ، واستعداد كثير من الانصار لتقبل فكره اميرين ،
احدهما من الانصار والاخر من المهاجرين ، واعلان ابى بكر
الذى فاز بالخلافه فى ذلك اليوم عن اسفه لعدم السوال من
النبى عن صاحب الامر بعده ... ((41)) ، كل ذلك يوضح ،
بدرجه لا تقبل الشك ، ان هذا الجيل الطليعى من الامه
الاسلاميه بما فيه القطاع الذى تسلم الحكم ، بعد وفاه النبى لم
يكن يفكر بذهنيه الشورى ، ولم يكن يملك فكره محدده عن
هذا النظام ، فكيف يمكن ان نتصور ان النبى (صلى اللّه عليه
وآله) قد مارس عمليه توعيه على نظام الشورى تشريعيا وفكريا
، واعد جيل المهاجرين والانصار لتسلم قياده الدعوه بعده على
اساس هذا النظام ، ثم لا نجد لدى هذا الجيل تطبيقا واعيا لهذا
النظام او مفهوما محددا عنه؟ ((42)) كما اننا لا يمكن ان
نتصور من ناحيه اخرى ان الرسول القائد يضع هذا النظام ،
ويحدده تشريعيا ومفهوميا، ثم لا يقوم بتوعيه المسلمين عليه
وتثقيفهم به ((43)) .

وهكذا يبرهن ما تقدم على ان النبى (صلى اللّه عليه وآله) لم
يكن طرح الشورى كنظام بديل على الامه ، اذ ليس من
الممكن عاده ان تطرح بالدرجه التى تتناسب مع اهميتها ، ثم
تختفى اختفاء كاملا عن الجميع وعن كل الاتجاهات ((44)) .

ومما يوضح هذه الحقيقه بدرجه اكبر ان نلاحظ:
اولا : ان نظام الشورى كان نظاما جديدا بطبيعته على تلك
البيئه التى لم تكن قد مارست ، قبل النبوه ، اى نظام مكتمل
للحكم ((45)) .

فكان لابد من توعيه مكثفه ومركزه عليه كما
اوضحنا ذلك .

ثانيا: ان الشورى ، كفكره ، مفهوم غائم ، لا يكفى طرحه هكذا ،
لامكان وضعه موضع التنفيذ ، مالم تشرح تفاصيله وموازينه
ومقاييس التفضيل عند اختلاف الشورى ، وهل تقوم هذه
المقاييس على اساس العدد والكم ، او على اساس الكيف
والخبره؟؟ الى غير ذلك مما يحدد للفكره معالمها ويجعلها
صالحه للتطبيق ((46)) فور وفاه النبى (صلى اللّه عليه وآله) .

ثالثا: ان الشورى تعبر فى الحقيقه عن ممارسه للامه بشكل او
آخر للسلطه عن طريق التشاور وتقرير مصير الحكم ، فهى
مسووليه تتعلق بعدد كبير من الناس هم كل الذين تشملهم
الشورى ، وهذا يعنى انها لو كانت حكما شرعيا يجب وضعه
موضع التنفيذ عقيب وفاه النبى (صلى اللّه عليه وآله) لكان لا
بد من طرحه على اكبر عدد من اولئك الناس لان موقفهم من
الشورى ايجابى ، وكل منهم يتحمل قسطا من
المسووليه ((47)) .

اى كما هو الشان فى كل تكليف شرعى ، اذ يقتضى البيان
والتفصيل ، وهذا ما كان عليه دابه صلوات اللّه وسلامه عليه ،
فى كل التكاليف الشرعيه، قال تعالى : ( ... وانزلنا اليك
الذكرلتبين للناس ما نزل اليهم... ) النحل: 44 ، فلو كان حكما
شرعيا اذن ، وواجبا يجب ممارسته ممن عنده الاهليه، لكان
يقتضى البيان.

وكل هذه النقاط تبرهن على ان النبى (صلى اللّه عليه وآله) فى
حاله تبنيه لنظام الشورى ، كبديل له بعد وفاته ، يتحتم عليه
ان يطرح فكره الشورى على نطاق واسع ، وبعمق ، وباعداد
نفسى عام ، ومل ء لكل الثغرات ، وابراز لكل التفاصيل التى
تجعل الفكره عمليه ، وطرح للفكره على هذا المستوى كما
وكيفا وعمقا ، لا يمكن ان يمارسه الرسول الاعظم (صلى اللّه
عليه وآله) ، ثم تنطمس معالمه لدى جميع المسلمين الذين
عاصروه الى حين وفاته صلوات اللّه عليه.

وقد يفترض ان النبى (صلى اللّه عليه وآله) كان قد طرح فكره
الشورى بالصوره اللازمه ، وبالحجم الذى يتطلبه الموقف كما
وكيفا، واستوعبها المسلمون ، غير ان الدوافع السياسيه
استيقظت فجاه وحجبت الحقيقه وفرضت على الناس كتمان
ما سمعوه من النبى فيما يتصل بالشورى واحكامها وتفاصيلها.

غير ان هذا الافتراض ليس عمليا ، لان تلك الدوافع مهما قيل
عنها ، فهى لا تشمل المسلمين الاعتياديين من الصحابه الذين
لم يساهموا فى الاحداث السياسيه عقب وفاه النبى (صلى اللّه
عليه وآله)، ولا فى بناء هرم السقيفه ، وكان موقفهم موقف
المترسل، وهولاء يمثلون فى كل مجتمع جزءا كبيرا من الناحيه
العدديه مهما طغى الجانب السياسى عليه ((48)) .

فلو كانت الشورى مطروحه من قبل النبى (صلى اللّه عليه
وآله) بالحجم المطلوب لما اختص الاستماع الى نصوصها
باصحاب تلك الدوافع ، بل لسمعها مختلف الناس ، ولانعكست
بصوره طبيعيه عن طريق الاعتياديين من الصحابه كما
انعكست فعلا النصوص النبويه على فضل الامام (عليه السلام)
ووصايته عن طريق الصحابه انفسهم، فكيف لم تحل الدوافع
السياسيه دون ان تصل الينا مئات الاحاديث -عن طريق
الصحابه - عن النبى (صلى اللّه عليه وآله) فى فضل على (عليه
السلام) ووصايته ومرجعيته ((49)) ، على الرغم من تعارض
ذلك مع الاتجاه السائد وقتئذ ، ولم يصلنا شى ء ملحوظ من
ذلك فيما يتصل بفكره الشورى؟ ((50)) بل حتى اولئك الذين
كانوا يمثلون الاتجاه السائد كانوا فى كثير من الاحيان
يختلفون فى المواقف السياسيه ، وتكون من مصلحه هذا
الفريق او ذاك ان يرفع شعار الشورى ضد الفريق الاخر، ومع
ذلك لم نعهد ان فريقا منهم استعمل هذا الشعار كحكم سمعه
من النبى (صلى اللّه عليه وآله) ، فلاحظوا - على سبيل المثال
- موقف طلحه من تعيين ابى بكر لعمر ، واستنكاره لذلك ،
واعلانه السخط على هذا التعيين ، فانه لم يفكر - على رغم
ذلك - ان يلعب ضد هذا التعيين ((51)) بورقه الشورى ،
ويشجب موقف ابى بكر ، بانه يخالف ما هو المسموع من النبى
(صلى اللّه عليه وآله) عن الشورى والانتخاب .

النقطه الثانيه : name="link10">
ان النبى لو كان قد قرر ان يجعل من الجيل الاسلامى الرائد ،
الذى يضم المهاجرين والانصار من صحابته قيما على الدعوه
بعده ، ومسوولا عن مواصله عمليه التغيير ، فهذا يحتم على
الرسول القائد (صلى اللّه عليه وآله) ان يعبى ء هذا الجيل تعبئه
رساليه وفكريه واسعه، يستطيع ان يمسك بالنظريه بعمق
ويمارس التطبيق فى ضوئها بوعى ، ويضع للمشاكل التى
تواجهها الدعوه باستمرار حلولها النابعه من الرساله ، خصوصا
اذا لاحظنا ان النبى (صلى اللّه عليه وآله) كان - وهو الذى بشر
بسقوط كسرى وقيصر ((52)) - يعلم بان الدعوه مقبله على
فتوح عظيمه ، وان الامه الاسلاميه سوف تضم اليها فى غد
قريب شعوبا جديده ومساحه كبيره ، وتواجه مسووليه توعيه
تلك الشعوب على الاسلام ، وتحصين الامه من اخطار هذا
الانفتاح ، وتطبيق احكام الشريعه على الارض المفتوحه وعلى
اهل الارض ، وبالرغم من ان الجيل الرائد من المسلمين كان
انظف الاجيال التى توارثت الدعوه واكثرها استعدادا للتضحيه ،
بالرغم من كل ذلك ، لانجد فيه ملامح ذلك الاعداد الخاص
للقيمومه على الدعوه ، والتثقيف الواسع العميق على مفاهيمها
، والارقام التى تبرر هذا النفى كثيره لا يمكن استيعابها فى هذا
المجال.ويمكننا ان نلاحظ بهذا الصدد ، ان مجموع ما نقله
الصحابه من نصوص عن النبى (صلى اللّه عليه وآله) فى مجال
التشريع لا يتجاوز بضع مئات من الاحاديث ((53)) ، بينما كان
عدد الصحابه يناهز اثنى عشر الفا على ما احصته كتب
التاريخ ((54)) .وكان النبى (صلى اللّه عليه وآله) يعيش مع
الاف من هولاء فى بلد واحد ومسجد واحد ، صباحا ومساء، فهل
يمكن ان نجد فى هذه الارقام ملامح الاعداد الخاص ؟!
والمعروف عن الصحابه انهم كانوا يتحاشون من ابتداء النبى
(صلى اللّه عليه وآله) بالسوال حتى ان احدهم كان ينتظر
فرصه مجى ء اعرابى من خارج المدينه يسال ليسمع
الجواب ((55)) ، وكانوا يرون ان من الترف الذى يجب الترفع
عنه السوال عن حكم قضايا لم تقع بعد.ومن اجل ذلك قال
عمر على المنبر: (احرج باللّه على رجل سال عما لم يكن ، فان
اللّه قد بين ما هو كائن ...) ((56)) وقال : (لا يحل لاحد ان يسال
عما لم يكن.

ان اللّه قد قضى فيما هو كائن ...) ((57)) وجاء رجل
يوما الى ابن عمر يساله عن شى ء ، فقال له ابن عمر: (لا تسال
عما لم يكن ، فانى سمعت عمر بن الخطاب يلعن من سال عما
لم يكن ...) ((58)) ، وسال رجل ابى بن كعب عن مساله ، قال:
(يا بنى اكان الذى سالتنى عنه؟ قال: لا ، قال: اما لا ، فاجلنى
حتى يكون) ((59)) .

(وقرا عمر يوما القرآن ، فانتهى الى قوله تعالى : (فانبتنا فيها
حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدآئق غلبا وفاكهه
وابا) ((60)) ، فقال كل هذا عرفناه ، فما الاب ؟ ثم قال: هذا لعمر
اللّه هو التكلف، فما عليك ان لا تدرى ما الاب ، اتبعوا ما بين
لكم هداه من الكتاب فاعملوا به ، وما لم تعرفوه فكلوه الى ربه
...) ((61)) .

وهكذا نلاحظ اتجاها لدى الصحابه الى العزوف عن السوال الا
فى حدود المشاكل المحدده الواقعه.وهذا الاتجاه هو الذى
ادى الى ضاله عدد النصوص التشريعيه التى نقلوها عن الرسول
(صلى اللّه عليه آله) ، وهو الذى ادى - بعد ذلك - الى الاحتياج
الى مصادر اخرى غير الكتاب والسنه ، كالاستحسان والقياس
وغيرهما من الوان الاجتهاد التى يتمثل فيها العنصر الذاتى
للمجتهد ((62)) ، الامر الذى ادى الى تسرب شخصيه الانسان
بذوقه وتصوراته الخاصه الى التشريع ... وهذا الاتجاه ابعد ما
يكون عن عمليه الاعداد الرسالى الخاص التى كانت تتطلب
تثقيفا واسعا لذلك الجيل وتوعيه له على حلول الشريعه
للمشاكل التى سوف يواجهها عبر قيادته.

وكما امسك الصحابه عن مبادره النبى بالسوال ، كذلك
امسكواعن تدوين آثار الرسول الاعظم (صلى اللّه عليه وآله)
وسنته ((63)) على رغم انها المصدر الثانى من مصادر الاسلام ،
وان التدوين كان هو الاسلوب الوحيد للحفاظ عليها وصيانتها
من الضياع والتحريف ، فقد اخرج الهروى فى ذم الكلام عن
طريق يحيى بن سعد عن عبداللّه بن دينار قال: لم يكن
الصحابه ، ولا التابعون ، يكتبون الاحاديث ، وانما كانوا يودونها
لفظا وياخذونها حفظا ((64)) .

بل ان الخليفه الثانى - على ما
فى طبقات ابن سعد - ظل يفكر فى الموقف الافضل تجاه سنه
الرسول، واستمر به التفكير شهرا ثم اعلن منعه عن تسجيل
شى ء من ذلك ((65)) .وبقيت سنه الرسول الاعظم التى هى
اهم مصدر للاسلام بعد الكتاب الكريم ، فى ذمه القدر يتحكم
فيها النسيان تاره ، والتحريف اخرى، وموت الحفاظ ثالثه ،
طيله مائه وخمسين سنه تقريبا ((66)) .

ويستثنى من ذلك اتجاه اهل البيت ، فانهم دابوا على التسجيل
والتدوين منذ العصر الاول ، وقد استفاضت رواياتنا عن ائمه
اهل البيت بان عندهم كتابا ضخما مدونا باملاء رسول اللّه
(صلى اللّه عليه وآله) ((67)) وخط على بن ابى طالب (عليه
السلام) فيه جميع سنن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله).

فهل ترى بربك ان ذلك الاتجاه الساذج - ان كانت المساله
مساله سذاجه - الذى ينفر من السوال عن واقعه قبل حدوثها
ويرفض تسجيل سنن النبى (صلى اللّه عليه وآله) بعد صدورها
كفوا لزعامه الرساله الجديده وقيادتها فى اهم واصعب مراحل
مسيرتها الطويله ؟؟! او هل ترى بربك ان الرسول الاعظم
(صلى اللّه عليه وآله) كان يترك سنته مبعثره بدون ضبط
وتسجيل مع انه يامر بالتمسك بها؟ ((68)) او لم يكن من
الضرورى اذا كان يمهد لفكره الشورى حقا ان يحدد للشورى
دستورها ويضبط سنته لكى تسير الشورى على منهاج ثابت
محدد لا تتلاعب به الاهواء ؟ ((69))
اوليس التفسير الوحيد المعقول لهذا الموقف من النبى انه كان
قد اعد الامام عليا للمرجعيه وزعامه التجربه بعده ، واودعه
سنته كامله، وعلمه الف باب من العلم ((70)) .

وقد اثبتت الاحداث - بعد وفاه النبى (صلى اللّه عليه وآله) ان
جيل المهاجرين والانصار ، لم يكن يملك اى تعليمات محدده
عن كثير من المشاكل الكبيره ، التى كان من المفروض ان
تواجهها الدعوه بعد النبى ، حتى ان المساحه الهائله من الارض
، التى امتد اليها الفتح الاسلامى ، لم يكن لدى الخليفه والوسط
الذى يسنده ، اى تصور محدد عن حكمها الشرعى ، وعما اذا
كانت تقسم بين المقاتلين او تجعل وقفا على المسلمين
عموما ((71)) ، فهل يمكننا ان نتصور ان النبى يوكد للمسلمين
انهم سوف يفتحون ارض كسرى وقيصر ((72)) ، ويجعل من
جيل المهاجرين والانصار القيم على الدعوه ، والمسوول عن
هذا الفتح ، ثم لا يخبره بالحكم الشرعى الذى يجب ان يطبقه
على تلك المساحه الهائله من الدنيا التى سوف يمتد اليها
الاسلام ؟
بل اننا نلاحظ اكثر من ذلك ان الجيل المعاصر للرسول (صلى
اللّه عليه وآله) لم يكن يملك تصورات واضحه محدده حتى فى
مجال القضايا الدينيه التى كان النبى (صلى اللّه عليه وآله)
يمارسها مئات المرات ، وعلى مراى ومسمع من الصحابه.

ونذكر على سبيل المثال لذلك ، الصلاه على الميت ، فانها
عباده كان النبى (صلى اللّه عليه وآله) قد مارسها علانيه مئات
المرات ، واداها فى مشهد عام من المشيعين والمصلين ،
وبالرغم من ذلك يبدو ان الصحابه كانوا لا يجدون ضروره
معرفه هذه العباده مادام النبى (صلى اللّه عليه وآله) يوديها ،
وما داموا يتابعون فيها النبى ، فصلا بعد فصل.ولهذا وقع
الاختلاف بينهم بعد وفاه النبى (صلى اللّه عليه وآله) فى عدد
التكبيرات فى صلاه الميت، (فقد اخرج الطحاوى عن ابراهيم
قال : قبض رسول اللّه ، والناس مختلفون فى التكبير على
الجنازه لا تشاء ان تسمع رجلا يقول سمعت رسول اللّه يكبر
خمسا ، وآخر يقول سمعت رسول اللّه يكبر اربعا ، فاختلفوا فى
ذلك حتى قبض ابو بكر ، فلما ولى عمر ، وراى اختلاف الناس
فى ذلك ، شق عليه جدا ، فارسل الى رجال من اصحاب رسول
اللّه فقال : (انكم معاشر اصحاب رسول اللّه متى تختلفون على
الناس يختلفون من بعدكم ، ومتى تجتمعون على امر يجتمع
الناس عليه ، فانظروا ما تجتمعون عليه ، فكانما ايقظهم ، فقالوا
: نعم ما رايت يا امير المومنين) ((73)) .وهكذا نجد ان الصحابه
كانوا فى حياه النبى (صلى اللّه عليه وآله) يتكلون غالبا على
شخص النبى (صلى اللّه عليه وآله) ، ولا يشعرون بضروره
الاستيعاب المباشر للاحكام والمفاهيم ماداموا فى كنف النبى
(صلى اللّه عليه وآله) ((74)) .

وقد تقول ان هذه الصوره التى عرضت عن الصحابه ، وما فيها
من ارقام على عدم كفايتهم للقياده يتعارض مع ما نومن به
جميعا من ان التربيه النبويه احرزت درجه هائله من النجاح ،
وحققت جيلا رساليا رائعا!.

والجواب: انا بما قدمناه قد حددنا الصوره الواقعيه لذلك الجيل
الواسع الذى عاصر وفاه النبى (صلى اللّه عليه وآله) دون ان
نجد فى ذلك ما يتعارض مع التقييم الايجابى بدرجه عاليه
للتربيه النبويه التى مارسها الرسول (صلى اللّه عليه وآله) فى
حياته الشريفه، لاننا فى نفس الوقت الذى نومن فيه بان التربيه
النبويه كانت مثلا ربانيا رائعا وبعثا رساليا متميزا فى تاريخ
العمل النبوى على مر الزمن نجد ان الايمان بذلك والوصول
الى تقييم حقيقى لمحصول هذه التربيه ونتائجها ، لايقوم على
اساس ملاحظه النتائج بصوره منفصله عن ظروف التربيه
وملابساتها ، ولا على اساس ملاحظه الكم ، بصوره منفصله عن
الكيف.ومن اجل توضيح ذلك خذ هذا المثال ، نفترض مدرسا
يدرس عددا من طلبه اللغه الانكليزيه وآدابها ، ونريد ان نقيم
قدرته التدريسيه فاننا لا نكتفى بمجرد دراسه مدى وما وصل
اليه هولاء الطلبه من ثقافه واطلاع على اللغه الانكليزيه وآدابها
، وانما نربط ذلك بتحديد الزمن الذى مارس فيه المدرس
تدريسه لهولاء الطلبه ، وبتحديد الوضع القبلى لهم ، ودرجه
قربهم او بعدهم مسبقا عن اجواء اللغه الانكليزيه وآدابها ،
وحجم الصعاب والعقبات الاستثنائيه التى واجهت عمليه
التدريس ، واعاقت سيره الطبيعى، والهدف الذى كان المدرس
يتوخاه من تدريس طلبته آداب تلك اللغه، ونسبه المحصول
النهائى لعمليه التدريس الى حالات تدريس اخرى
مختلفه ((75)) .

ففى مجال تقييم التربيه النبويه يجب ان ناخذ بعين الاعتبار:
اولا: قصر الفتره الزمنيه التى مارس النبى (صلى اللّه عليه وآله)
فيها تربيته ، لانها لا تتجاوز تقريبا عقدين من الزمن بالنسبه
الى اقدم صحبه من القلائل الذين رافقوه فى بدايات الطريق ،
ولا تتجاوز عقدا واحدا من الزمن بالنسبه الى الكثره الكاثره من
الانصار ، ولا تتجاوز ثلاث سنوات او اربع بالنسبه الى الاعداد
الهائله التى دخلت الاسلام ، ابتداء منذ صلح الحديبيه ،
واستمرارا الى حين فتح مكه.

ثانيا: الوضع المسبق الذى كان هولاء يعيشونه من الناحيه
الفكريه والروحيه والدينيه والسلوكيه قبل ان يبدا النبى (صلى
اللّه عليه وآله) بممارسه دوره ، وما كانوا عليه من سذاجه وفراغ
وعفويه فى مختلف مجالات حياتهم ، ولا اجدنى بحاجه الى
توضيح اضافى لهذه النقطه ، لانها واضحه بذاتها حيث ان
الاسلام لم يكن عمليه تغيير فى سطح المجتمع ، بل هو عمليه
تغيير فى الجذور ، وبناء انقلابى لامه جديده ، وهذا يعنى
الفاصل المعنوى الهائل بين الوضع الجديد الذى بدا النبى
(صلى اللّه عليه وآله) تربيته للامه فى اتجاهه، وبين الوضع
السابق ((76)) .

ثالثا: ما زخرت به تلك الفتره من احداث والوان الصراع
السياسى والعسكرى على جبهات متعدده ، الامر الذى ميز
طبيعه العلاقه بين الرسول الاعظم وصحابته من نوع العلاقه
بين شخص كالسيد المسيح وتلامذته ، فلم تكن علاقه مدرس
ومرب متفرغ لاعداد تلامذته ، وانما هى العلاقه التى تتناسب
مع موقع الرسول كمرب وقائد حرب ورئيس دوله ((77)) .

رابعا: ما واجهته الجماعه المسلمه نتيجه احتكاكها باهل
الكتاب ، وبثقافات دينيه متنوعه من خلال صراعها العقائدى
الاجتماعى فقد كان هذا الاحتكاك وما يطرحه على الساحه
خصوم الدعوه الجديده المثقفين بثقافات دينيه سابقه ، مصدر
قلق واثاره مستمره.وكلنا نعرف انه شكل بعد ذلك تيارا فكريا
اسرائيليا تسرب بصوره عفويه ، او بسوء نيه الى كثير من
مجالات التفكير ((78)) ، ونظره فاحصه فى القرآن الكريم تكفى
لاكتشاف حجم المحتوى لفكر الثوره المضاده ، ومدى اهتمام
الوحى برصدها ومناقشه افكارها ((79)) .

خامسا : ان الهدف الذى كان يسعى المربى الاعظم (صلى اللّه
عليه وآله) لتحقيقه على المستوى العام ، وفى تلك المرحله
هو ايجاد القاعده الشعبيه الصالحه ، التى يمكن لزعامه الرساله
الجديده - فى حياته او بعد وفاته - ان تتفاعل معها ، وتواصل
عن طريقها التجربه ، ولم يكن الهدف المرحلى وقتئذ ، تصعيد
الامه الى مستوى هذه الزعامه نفسها، بما تتطلبه من فهم
كامل للرساله ، وتفقه شامل على احكامها ، والتحام مطلق مع
مفاهيمها.وتحديد الهدف فى تلك المرحله ، بالدرجه التى
ذكرناها كان امرا منطقيا تفرضه طبيعه العمل التغييرى ، اذ
ليس من المعقول ان يرسم الهدف الا وفقا لممكنات عمليه ،
ولا امكان عملى فى حاله كالحاله التى واجهها الاسلام الا
ضمن الحدود التى ذكرناها، لان الفاصل المعنوى والروحى
والفكرى والاجتماعى بين الرساله الجديده وبين الواقع الفاسد
القائم ، وقتئذ ، كان لا يسمح بالارتفاع بالناس الى مستوى
زعامه هذه الرساله مباشره.

وهذا ما سنشرحه فى النقطه التاليه ((80)) ، ونبرهن عن طريقه
على ان استمرار الوصايه على التجربه الانقلابيه الجديده ،
متمثله فى امامه اهل البيت وخلافه على (عليه السلام) ، كانت
امرا ضروريا يفرضه منطق العمل التغييرى على مسار التاريخ.

سادسا: ان جزءا كبيرا من الامه التى تركها النبى (صلى اللّه
عليه وآله) بوفاته كان يمثل مسلمه الفتح ، اى المسلمين
الذين دخلوا الاسلام بعد فتح مكه ((81)) ، وبعد ان اصبحت
الرساله الجديده سيده الموقف فى الجزيره العربيه سياسيا
وعسكريا .وهولاء لم يتح للرسول الاعظم (صلى اللّه عليه وآله)
ان يتفاعل معهم فى الفتره القصيره التى اعقبت الفتح الا بقدر
ضيئل ، وكان جل تفاعله معهم ، بوصفه حاكما ، بحكم المرحله
التى كانت الدوله الاسلاميه تمر بها ، وفى هذه المرحله برزت
فكره المولفه قلوبهم، والتى اخذت موضعها فى تشريع
الزكاه ((82)) ، وفى اجراءات اخرى ، ولم يكن هذا الجزء من
الامه مفصولا عن الاجزاء الاخرى بل كان مندمجا فيها ، وموثرا ،
ومتاثرا فى نفس الوقت.

/ 5