تصدير - لمحات فی تاریخ التشیع نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

لمحات فی تاریخ التشیع - نسخه متنی

حسن امین

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید






«لمحات فى
تاريخ التشيع »





بسم اللّه الرحمن
الرحيم

تصدير





ما زال تاريخ التشيع يقرا خطا على انه تاريخ
ظاهره طارئه
فى الاسلام، افرزتها احداث معينه فى زمن متاخر عن
وفاه الرسول(ص) بغض النظر عن الاختلاف الكثير فى
تحديد
بدايه لهذه الظاهره: فبين من جعل تلك البدايه
مقرونه بماساه
كربلاء وحاله الندم الشديده التى اعقبتها لدى
الكثير من
المومنين الذين شعروابتفريط كبير حين اسلموا سبط
رسول
اللّه الحسين(ع) واهل بيته للقتل ولم ينصروه وبين
من تقدم
بهذه البدايه الى ايام امير المومنين على(ع)
والانقسام الذى
حصل فى الامه، فكان للطوائف المتمرده على حكومته
اتباع
وكان له اتباع، ومن البديهى ان يسمى اتباعه ب (شيعه
على) وقد
اطلق عليهم التاريخ هذه التسميه فى تلك
الحقبه ربما فى
مناسبات عده، تمييزا لهم عن غيرهم من الشيع،
كشيعه اصحاب الجمل، وشيعه آل ابى سفيان، وشيعه
المحكمه
المارقين،اذ لا تعنى كلمه الشيعه فى بعدها اللغوى
اكثر من
(الاتباع)..



وبين فريق ثالث تقدم بهذه البدايه
مراحل اخرى
ليقرنها بحادثه السقيفه والبيعه لابى بكر، الامر
الذى افرز
جماعه تحزبوا لعلى(ع) ورفضوااطروحه السقيفه فكانوا
النواه
الاولى ل (شيعه على)..



وبين فريق رابع ارتفع بهذه البدايه الى عهد الرسول
الاكرم(ص) من خلال احاديث كانت صريحه فى تسميه فريق
من المومنين سوف تميزهم الاحداث الراهنه
والمستقبليه،
باسم (شيعه على) كما فى الحديث المروى فى اغلب كتب
التفسير تحت قوله تعالى: (ان الذين آمنوا وعملوا
الصالحات
اولئك هم خير البريه)قال(ص) لعلى(ع):(هم انت وشيعتك..)
والحديث الاخر الذى اخرجه ابن الاثير فى(النهايه)
عن
على(ع) ان النبى(ص) قال له: (ستقدم على اللّه
انت وشيعتك
راضين مرضيين، ويقدم عليه عدوك غضابا مقمحين)...



مستفيدين بلا شك من التطابق الحاصل فى التسميه بين
ما
ورد فى الحديث وما افرزه التاريخ.



والاختيار الاخير هو الذى تمسك به الكثير من مفكرى
الشيعه ومحققيهم، وهو وان كان اقرب من غيره الى
الصواب
فى تحديدالبدايه، غير انه هو الاخر تفسير
خاط ى ء..



ذلك ان الحديث الشريف المذكور آنفا لم يكن تشريعا
فى
تاسيس فرقه جديده فى قلب الكيان الاسلامى..



فلم يكن
رسول
اللّه(ع) قدجاء بدعوتين، احدهما عامه والاخرى خاصه،
بل جاء
بدعوه واحده واهداف واحده ومنهاج واحد، وانما كان
فى
حديثه المذكور يشير الى مستقبل حاصل لامحاله
سيظهر فيه
انقسام اوانقسامات تاخذ اطرافها بجمله من الاهداف
الاجماليه
للشريعه اوتحتكم لمصلحه ضاغطه، عامه او خاصه، مما
سيتمخض عن نشوءفرقه فى الاسلام لها اهدافها
ومبادوها
ومصالحها، ولها جمهورها..



عندئذ لابد من التعريف بالمسار الذى سيبقى ممتثلا
تمام
الامتثال لدعوه الاسلام ومبادئه واهدافه
ومنهاجه، كما هى قبل
الانقسام،ليمثل مع العهد النبوى المبارك مسارا
واحدا ممتدا
متصل الفصول،لم يتغير شى ء من معالمه ..



وهذا هو
المراد
بالحديث الذى تحدث عن جمهور ملتزم سوف لا يحدث
انتماء
جديدا لشى ء من الانقسامات الحاصله، ذلك هو الذى
احاطه
التشريع بالمبادى ءالفارقه، من قبيل قوله(ص): (من
كنت
مولاه فعلى مولاه) وليس هذاحديث كسائر الاحاديث، بل
له
عليها تفوق كبير يظهر منذ البدء فى ظروف تبليغه،
فهو النص
الذى اعلنه النبى(ص) فى اوسع تجمع للمسلمين فى
حياته
الشريفه وعند مفترق الطرق قبل ان ينصرف كل الى
بلده،
حملهم هذا الابلاغ ليعودوا به حيا فى
اذهانهم وضمائرهم، آخر
ماحفظوه عنه وامروا بتبليغه فى بلدانهم..



انه الترسيم التام
لاول اسس ومعالم المسار الطبيعى للاسلام
بعدالرسول(ص).



ومن قبيل قوله(ص): (على مع القرآن والقرآن مع على،
لايفترقان حتى يردا على الحوض).



فالذى لا يفارق القرآن هو العلم الذى سيميز المسار
الطبيعى
لرساله الاسلام كما دعا اليها رسول الاسلام.



ومن هنا فمن الخطا، علميا، وتاريخيا، ان نبحث فى
تحديد
ولاده لهذا المسار منفصله عن ميلاد الاسلام نفسه،
بل
الصحيح، علميا و تاريخيا، هو البحث عن ولادات
الانقسامات
الطارئه على كيان الامه والتى كان اولها ما تمخضت
عنه
السقيفه، سقيفه بنى ساعده،بعيد وفاه الرسول
الاعظم(ص)..



واذا كان على هو معلم الامتداد الطبيعى لمحمد(ص) فان
لعلى(ع)امتداد ياتى من بعده ، سبق النبى(ص) الى
الاعلان
عنه والتعريف به،للغرض نفسه، غرض التعريف بدعوه
الاسلام
ومسارها الذى سيحفظ جميع اهدافها ويمضى على بينات
منهاجها..



(انى تارك فيكم الثقلين: كتاب اللّه،
وعترتى اهل
بيتى، وان اللطيف الخبير قداخبرنى انهما لن يتفرقا
حتى يردا
على الحوض) وفى نص آخر:(انى تارك فيكم ما ان تمسكتم
به
لن تضلوا بعدى...) الحديث.



(انى تارك فيكم خليفتين:
كتاب
اللّهوعترتى).



ولم يكتف النبى(ص) وهو يحدد معالم المسار هنا بعده
بان
يعرف بالقطب والمحور، بل توسع فى ذلك من خلال
الارشاد
الى معالم اخرى تدل عليه، فعرف للامه رجالا
باعيانهم
سيلزمون ذلك المهيع ويحفون به ولا يبتعدون عنه قيد
انمله:
فذلك ابو ذر الغفارى: (ما اظلت الخضراء ولا اقلت
الغبراء
اصدق لهجه من ابى ذر)! وذاك عمار (اذا اختلف الناس
فابن
سميه مع الحق)!
هذان العلمان اللذان لم يفارقا عليا طرفه عين..



ومن هنا كان حذيفه بن اليمان، بعدما اوغلت الفرقه
فى
الناس،يقول: (آمركم ان تلزموا عمارا).



قالوا: ان
عمارا لا يفارق
عليا!! فقال:(ان الحسد اهلك الجسد! انما ينفركم من
عمار
قربه من على، فواللّهلعلى افضل من عمار ابعد مابين
التراب
والسحاب، وان عمارا لمن الاحباب).



هولاء هم على وشيعته، وليس كما يحاول التاريخ
السلطانى تسطيره، حتى ترسخ فى الاذهان وكانه
الصوره
الصادقه لتاريخ الاسلام، وماهى فى الحقيقه الا
اوهام متعمده،
جرى فيها التاريخ على مجاراه الحاله السياسيه
النافذه التى لا
تنظر الى مخالفيها الاكفرق وطوائف ينبغى ان يكون
للدوله
ازاءها الموقف الحاسم المحدد.



ومن هنا، من افرازات الحاله السياسيه الطارئه
واسقاطات
التاريخ،ترسخ نوع خصومه للدور (الشيعى) فى الاسلام،
ونوع
اقصاء لاهله عن قلب الدائره الاسلاميه، الى
الاطراف والمنافى!
حتى صارالدارسون ينظرون الى الدول الشيعيه فى
الاسلام
نظرتهم الى الدول الدخيله والغازيه..



انظر نظره مقارنه بين ما يحكيه عامه مورخينا عن اشد
الادوارالامويه انحرافا، واشد الادوار العباسيه
تفككا وتفسخا،
وعن الدوله الايوبيه المشحونه بالتناقضات، من
جهه، وبين ما
يحكيه عن الدوله البويهيه والحمدانيه والفاطميه
والادريسيه
من جهه اخرى..



لم يعرف التاريخ لفارس بنى حمدان ما عرفه لموسس
الدوله الايوبيه..



رغم ما يشهد به التاريخ نفسه من
نزاهه فى
مسيره الاول وهو يقارع الصليبين، ومن علامات
استفهام
وشكوك كثيره تدورحول مسيره صلاح الدين ابان حروبه.



وعلى مستوى المعانى الحضاريه الاخرى يحاول التاريخ
بخس الدول الشيعيه حقها، فيما يغض الطرف عن عمليات
الهدم الحضارى الشنيعه التى ارتكبها خصومهم عن
عمد! كما
هو ظاهرجدا فى ميدان العلوم ودور الكتب العظيمه
التى
اسستها الدول الشيعيه فى العراق ومصر ولبنان وحلب
وايران،
والتى ابيدت باكملها على ايدى خصومهم من السلاجقه
والصليبين والايوبيين،وما نجا من هولاء عطف عليه
التتار، فلم
ينج من بين ايديهم من آثارالمسلمين ومن كبار
علمائهم الاما
استطاع نصير الدين الطوسى انقاذه، ليعيد منه بناء
قلاع العلم
ويوسس مدارسه الاكثر تطورا..



لكن الذى حصل ان يقع هذا
المنقذ للعلم والحضاره تحت وقع مطارق النقاد،
يتهمونه
بالخيانه والتواطو، فيما يغضون الطرف عن رجال
كانوا
يمارسون دور الخيانه بكل جساره ووقاحه، من
امثال الملك
السعيد الايوبى والملك المغيث اللذين كانا الى
جانب المغول
فى غزوهم بلاد الشام، يقاتلون المسلمين، والاول
منهمااسره
المسلمون بعد هزيمه المغول فقتلوه، والثانى قبض
عليه الظاهر بيبرس وكشف مكاتباته للمغول ثم قتله..



ومن
قبيل ما صنعه الامراء الايوبيون بعد صلاح الدين من
السخاء مع
الصليبيين، فكل امير يمنحهم بلدا من بلدانه مقابل
انتصارهم
له على اخيه او ابن عمه، حتى عادوا لياخذوا كل
القدس
وضواحيها ثمنا لنصره هذاالامير على ابن عمه!
لقد غض نقاد التاريخ الطرف عن هذا وامثاله، كما
غضوا الطرف
عن مفاخر اسلاميه كبرى انجزها التاريخ الشيعى،
ليتصيدوا فى
الماء العكر احداثا ووقائع يدخلون عليها الكثير من
التضخيم
اوالتزوير وربما القلب احيانا لمجرد ارضاء ذواتهم
المنطويه
على خصومه تاريخيه مع صانعى تلك المفاخر..



وهذه هى مشكله التاريخ حين يكتب تحت هيمنه
الاهواءوالتشيعات، اذ سيفقد روحه ومعناه وينتقل
الى لون من
الوان الجدل الطائفى البحت.



وفى هذا الكتاب الموسوم ب(لمحات فى تاريخ التشيع)
نقف
على سلسله متصله من مفاخر الاسلام والمسلمين فى
شتى
ميادين العمل الحضارى المتقدم، انجزتها الدول
(الشيعيه)
الكبيره والصغيره وما انجزه اعلام (الشيعه) على
صعيد نشر
الاسلام وبث الوعى الاسلامى بين الامم، فانطوى من
هذا وذاك
على ارقام تاريخيه ثابته وجليله، جديره باعاده
النظر فى بناء
مدوناتنا التاريخيه ذائعه الصيت، وليس فى
الاتجاهات المعاصره
فى نقد التاريخ وحسب، سواء كانت اتجاهات اسلاميه
او
استشراقيه، وقد قدم الباحث لهذا الاستعراض المكثف
بلمحه
عن احداث تاريخيه فاصله فى حياه المسلمين تظهر
بوضوح
رجحانا اكيدا للمنهج الذى اعتمده الباحث فى
تقويمه ونقده.



مركز الغدير
بسم الرحمن الرحيم

كيف نفهم التشيع؟



حقيقه الاسلام



لكى نفهم التشيع وعوامل وجوده يجب ان نفهم الاسلام
فهماصحيحا، ونفهم الغايه التى جاء من اجلها
الاسلام والهدف
الذى رمى اليه.



فاذا كان الاسلام عبادات محضه، فلا ريب انه لم يكن
هناك من
مبررلوجود التشيع، لان الناس لم ينقطعوا عن اداء
عباداتهم
فى كل الظروف التى مر بها الاسلام.



ولكن الاسلام ليس عبادات وحدها، فالى جانب
العبادات
كانت للاسلام اهداف عالميه وغايات انسانيه هى فى
الواقع
جوهره و حقيقته والغايه التى جاء من اجلها.



ومهما
كان من امر
العبادات فانها لا تتعدى صله الفرد بربه، ولا مساس
لها بصميم
حياه الشعوب وسعادتها المعاشيه وشقائها
الاجتماعى.



ولا تاثير
لها على رفع الظلم ونشر العدل والمساواه والحريه.



جاء الاسلام فاصبحت الكفاءه الشخصيه هى الموهل
للتقدم،واصبحت العداله الاجتماعيه هى المفروضه،
واصبح
الفقرهو المحارب، فقد انقلبت المقاييس فاصبح (بلال
الحبشى)الافريقى الاسود هو المتصدر، و (سلمان
الفارسى) هو
القريب،والعبد السابق (زيد بن حارثه) هو القائد
وانقرض
التحكم الفردى والاستبداد الشخصى فلا ظلم للفرد،
ولا
للمجموع ولا طغيان للمتسلطين، ولا ادلال
بالانساب، ولا
استسلام للنزوات، ولااسترسال فى العصبيات، ولا
مصادره
للحريات.



والمال مال الامه ينفق فى مصالحها ويبذل
لراحتها
بلا تمييز ولا تعسف ولا افتئات.



استطاع الاسلام ان يوجد فى الجزيره العربيه هذا
الحكم، وان
يسموبالبشريه الى درجه من العدل الاجتماعى والحريه
الشخصيه والمساواه العامه مما لم تحلم به فى
ماضيها، وكان
اقل انحراف عن الخط يستدعى من المخلصين التصدى له،
والوقوف فى وجهه،والثوره عليه.



الرجعيه العربيه



وكان فى يقين النبى ان الرجعيه العربيه التى حاربت
الاسلام
حربهاالشعواء لم تمت فى نفوس اصحابها، وان الذين
فرض
عليهم الاسلام انتصاره لا يزالون متحفزين.



وكان فى
علم اللّه
ان العناصرالتى تالبت على ابطال الدعوه وهزيمتها
لا تزال
تتالب سرا وتتنظم ليوم تثبت فيه من جديد.



لذلك نلاحظ ان كلمه عربيه كان لها قبل الاسلام مودى
عام،اصبح لها بعد تركيز الاسلام مودى معين، وكثر
تردادها فى
القرآن وفى الحديث، واصبحت تشير الى طبقه معينه
ممن
ابدوا اسلامهم:تلك هى كلمه (المنافقون)، ثم راينا ان
القرآن
الكريم ادخل تطوراجديدا على مفهوم العقيده، فاذا
هناك شى ء
اسمه الاسلام وشى ءاسمه الايمان، واذن فان لدينا
مسلمين لا
يمكن ان يقفوا فى صف واحد مع المسلمين المومنين.



وشاء اللّه ان يوكد فى كتابه الكريم هذا المعنى وان
يركز
على الاشاره اليه وينبه الاذهان الى استيعابه
فخاطب نبيه
مشيرا الى المنافقين: (لا تعلمهم نحن نعلمهم) وهذا
يدلنا على
تغلغل النفاق واستحكام امره بحيث يخفى رجاله
وتخفى
نواياهم حتى على النبى(ص).



تدابير النبى



امام ذلك كان لابد للنبى(ص) من تدبير مضاد يقطع
الطريق
على الرجعيه المتحفزه، فاخذ يمهد للرجال الذين
حملوا عب ء
النضال الاول صابرين على التعذيب والشقاء، واخذ
يشير
اليهم ويدل عليهم، فسمعناه يقول: (عمار جلده مابين
عينى)،
(ما اقلت الغبراء ولا اظلت الخضراء على ذى لهجه
اصدق من
ابى ذر)، (سلمان منا اهل البيت).



الى كثير من امثال
هذه
الاقوال التى كانت فى الحقيقه غرسا لبذره التشيع
الاولى.



ثم
رايناه يبلغ بالامرغايته حين وقف فى ايابه من حجه
الوداع فى
جموع المسلمين بغدير خم وقد اخذ بيد على قائلا بعد
تمهيد:
(من كنت مولاه فعلى مولاه).



رفض الانحراف عن مبادى ء الاسلام



من استعراضنا للرجال الذين التفوا حول على(ع)
وكانوا هم من
قبل النواه الاولى للاسلام فى التفافهم حول محمد
وعلى فى
حياه النبى(ص)، ثم حول على وحده بعد وفاه النبى.



من
استعراضنا لهولاءالرجال نرى انهم برزوا من صفوف
الشعب المضطهد المظلوم المحروم، وتشربوا الاسلام
تشربا
كاملا ادى بهم الى تحمل اقسى التعذيب، ومعاناه
افظع البلاء.



وحين تمت السيطره على الخلافه بالاسلوب المعلوم
رفض
هولاء اقرار الامر الواقع وصمدوا اليوم فى وجه
طلائع
الانحراف،صمودهم بالامس فى وجه الجاهليه الوثنيه،
واعلنوا
مقاومتهم لقريش التى تمهد للانحراف عن جوهر
الاسلام
بتامرها على على..



اعلنوا مقاومتهم لها بنفس القوه
التى
قاوموها بها قبل استسلامهاللاسلام حين كانت تتامر
على
محمد(ص).



وهكذا فانه يمكننا القول: ان رفض الانحراف عن جوهر
الاسلام
ثم الثوره على دول الظلم والجور هو المعيار الاساس
للتشيع
ومن هنايرتبط ظهور التشيع بظهور وبدء هذا الانحراف.



كتابه تاريخ الاسلام



الاسس الصحيحه لكتابه تاريخ الاسلام



الاسس التى ارتكز عليها مورخو الاسلام من قبل ومن
بعد
ليست فى معظمها هى الاسس الصحيحه التى كان يجب ان
ترتكز عليهاكتابه تاريخ تلك الدعوه العظيمه وتاريخ
ابطالها،
فالذين كتبواالتاريخ كانوا مقيدين بقيود حددت
مناهجهم
وحدت من انطلاقهم،فضاع تاريخ الحركات الشعبيه
العديده
التى كانت تعبيرا عن تذمرالشعب ونقمته على حكامه،
وجهلنا
تفاصيل الانتفاضات الجماهيريه التى قادها
المسلمون
المخلصون.



ان مورخا (كالطبرى) مثلا - يعتبر مورخ الاسلام الاول
- نراه
مشدودابحبال لا يستطيع معها الانفتاح الكامل على
الحقائق
الصريحه، فهوحين يورخ حركه ابى ذر مثلا لا يتورع
حين يعدد
ماخذ الشعب على حكامه، تلك الماخذ التى تبرر
ثورته، لا يتورع
حين يصل الى الصميم من ان يقول: (واما الاخرون
فانهم رووا
فى سبب ذلك اشياء كثيره وامورا شنيعه كرهت ذكرها).



واذا كان الطبرى كره ذكرها فما ذنب الشعب ليضيع
تاريخه؟
وماذنبنا لنجهل ذلك التاريخ؟! فى حين ان ماكره
الطبرى
ذكره هو اللب فى عوامل النقمه وهو الجوهر فى اسباب
تحركات الشعب المحروم المهضوم.



والدكتور هيكل نشر كتابه (حياه محمد) اول ما نشره
فصولا
فى جريده (السياسه) الاسبوعيه، ولما وصل الى دعوه
النبى
لعشيرته الاقربين نشر تفاصيلها كما وردت فى كتب
التاريخ،
فاعترض عليه معترض بان ذلك عين ما تقوله الشيعه،
فرد
هيكل بان هذا ما يقوله التاريخ.



ولما نشرت الطبعه الثانيه من الكتاب وردت التفاصيل
مشوهه،
وبترمنها ما افسدها.



وتساءلنا عن السبب فعلمنا انه
عرض على
وزاره الاوقاف المصريه شراء الف نسخه من الكتاب
فاشترطت
هذاالتشويه، فنزل هيكل على شرطها لقاء خمسمائه
جنيه
مصرى ثمن الالف نسخه، ولم يعد القول ماقاله
التاريخ!

التاريخ الشيعى



واننا لنقول ان التاريخ الشيعى هو التاريخ الموازى
لاحداث
تاريخ الاسلام، ولكن رفضا لما هو حقيق بالرفض
منها، وثوره
عليه،ومحاوله لاقامه الاسلام الصحيح.



ان التاريخ الشيعى يرفض ان يكون طريق الوصول الى
الخلافه
هوالعراك بين قريش وبين فئه من الانصار، عراك يبدا
فى
سقيفه بنى ساعده بالملاسنه، ثم يتطور الى
الشتائم، ثم يزيد
تطورا الى الاشتباك بالايدى.



فيتغلب من لم يكن
زعيمهم
مريضا على الذين كان زعيمهم مريضا مسجى، فيتقرر
منذ تلك
الساعه المبدا الخطير:مبدا ان (الخلافه لمن غلب).



ان التاريخ الشيعى يرفض اقرار هذا المبدا، وان
التاريخ
الشيعى يرفض احياء الطبقيه التى اماتها الاسلام،
وتصنيف
الناس ورفع درجاتهم بحسب انتمائهم الى قبائل معينه
او
عناصر معينه اوشعوب معينه.



ويرفض ان يجرى تقسيم الفى ء والصدقات على هذا
الاساس،فيفضل المهاجرون من قريش على غيرهم من
المهاجرين، ويفضل المهاجرون كافه على الانصار
كافه، ويفضل
المسلمون من العرب على المسلمين من غير العرب،
ويفضل
الصريح على المولى.



ان التاريخ الشيعى يرفض هذا الاجراء ويتمسك بمنطوق
القاعده الاسلاميه التى نصت على انه: (انما
الصدقات للفقراء
والمساكين)وهى قاعده مطلقه لا تميز ولا تفضل ولا
تفرق.



والتاريخ الشيعى يرفض التضييق على حريه الراى،
ويابى خنق
هذه الحريه واضطهاد رجالها، ويرفض ان يعامل الناس
مثل ما
عومل به مثلا صحابى مثل صبيغ بن عسل حين غم عليه
فهم
بعض الايات المتشابهه فراح يسال عن ذلك فاستدعاه
الخليفه
وراح يضرب راسه بعراجين النخل حتى دمى راسه ثم
نفاه.



وان التاريخ الشيعى يرفض كذلك ان يتخذ قائد
المسلمين
من مهمته فرصه للهجوم على من لم يرتدوا ليقتل
عميدهم.



كما يرفض التاريخ الشيعى ان يصفح عن ذلك القائد
نفسه
حين حلف فى احدى معاركه فى العراق: لئن اظفره اللّه
على
عدوه ليجدن فى قتلهم حتى يجرى نهرهم بدمائهم...



الخ.



ان التاريخ الشيعى يرفض ان يصفح عن هذا القائد
واشباهه لان
فيماارتكبوه انحرافا بالاسلام وتضييعا له، ولا
تشفع لهم عنده
انهم انتصروا وفتحوا، لان غايه الاسلام ليست
الفتح لمجرد
الفتح، والفتح الذى ترافقه هذه الاهوال، فتح
ياباه الاسلام
الصحيح.



ان حقيقه تاريخ الاسلام كرساله انسانيه هو هذا
الصراع
بين الخطين: خط الانحراف ودوله الجور والظلم، وخط
المبادى ءالاسلاميه الصحيحه.



مراحل تاريخ التشيع



اعتبرت الرجعيه ما اعلنه النبى(ص) يوم غدير خم شيئا
خطيرا،
فلم يكن من السهل عليها وصول على(ع) الى الحكم
بعصبته
المتماسكه ورجاله المتشبعين بمبادى ء الحريه
والعداله
والمساواه، والعازمين على عدم التفريط بذره مما
قرره الاسلام
للشعوب من حق الحياه الكريمه، والمتصلبين فى دفع
الانتهازيين والاستغلاليين والمنحرفين عن
التغلغل الى ازمه
القيادات الاسلاميه.



لقد صبرت الرجعيه وقرت فى عهد النبى(ص) ولم يبق
لمناهجهامكان فى المسيره الاسلاميه المتوثبه، هذه
الرجعيه
التى رات آخرآمالها ينهار يوم فتح مكه حين ابصرت ان
الرجل
الاسود (بلالا)الحبشى هو الذى عهد اليه النبى(ص) بان
يصعد
على ظهر الكعبه معلناكلمه الاسلام، صارخا
بالشهادتين.



لقد كان ممكنا ان يصعد اى رجل غير (بلال) فيقف هذا
الموقف،ولكن النبى(ص) اختار (بلالا) بالذات ليرى
قريشا
الحد الفاصل بين الماضى والحاضر: العبيد السود حين
يخلصون
لدعوه الهدى هم اليوم الساده، والقرشيون الذين
قاتلوا الدعوه
هم الذين ينفذون اوامر الساده الجدد فى وجوب تلبيه
نداء
الحق.



ولم تكتم الرجعيه حنقها حتى وهى فى هزيمتها
الفاصله، فقال
قائلها: الم يجد محمد غير هذا الغراب الاسود ينعب
بهذاالنداء
فى آفاقنا؟.



لقد صبرت الرجعيه متسائله بينها وبين نفسها: اتسنح
الفرصه
من جديد؟ وكان عليها ان تفكر طويلا، وان تخطط
للبعيد، ولما
رات النبى(ص) يعلن ما اعلنه يوم الغدير عزمت على ان
تدعم
ايه جماعه تتصدى لابطال هذا الاعلان.



ولما مرض
النبى وازداد
مرضه حاول ان يوكد ما بدا اعلانه يوم الغدير وان
يسجل هذا
الاعلان بوثيقه خطيه قائلا انه سيكتب لهم ما لن
يضلوا بعده
ابدا، لكنه لم تساعده الظروف.



فكان كل ما استطاع
النبى(ص)
ان يفعله فى تلك الساعه هوان يطردهم من مجلسه على ما
يوكد البخارى فى صحيحه.



على ان هذه الرجعيه رات ان تحتاط لنفسها، فبمجرد
موت النبى(ص) قصد زعيم من ابرز زعمائها بل ربما كان
ابرز
زعمائها (ابوسفيان) قصد الى على عارضا عليه خدماته.



وهنا
يتجلى المعيارالاساس للتشيع الذى هو رفض الانحراف
مهما
كان فى هذاالرفض، فاعرض على(ع) عن الرجل رافضا
استغلال
ما عرضه عليه من جهود وقوى.



وهدف الرجعيه من هذا العرض كان هدفا مزدوجا: فعلى
احتمال قبول على(ع) بما عرضته عليه، فان ذلك سيكون
تزكيه لها، ثم سيكون من وراء ذلك القاح الفتنه بين
المسلمين.



وعلى احتمال رفض على(ع) لعرضها فان مجرد اتصالها
بعلى سيحرك الحكم الجديد لاسترضائها! وقد تحقق
ذلك،
فعين ابن ابى سفيان واليا على مكه، ثم عين قائدا
فواليا على
دمشق.



الطريق الوعر الشاق



تعطيل ما اراده النبى فى ايامه الاخيره من كتابه
الوثيقه، حدد
للتشيع اسلوبه فى الحياه ودله على ان الطريق امامه
ليست
مفروشه بالورود، بل هى طريق طويله شاقه مفروشه لا
بالشوك
وحده بل بظبا السيوف واسنه الحراب واطراف الرماح،
وان ليس
له الاالحرمان والاقصاء، وان عليه ان يصبر ويصابر.



فبعد النجاح فى اقصاء على نفسه اصبحت المخططات
تستهدف اقصاء المتالبين معه الاخذين برايه،
فمارست الرجعيه
كل امكاناتها فى اقصاء الشيعه عن كل مظهر من مظاهر
الحكم،
وقداستطاعت ذلك مستغله حاجه الحكم الجديد لها
واستنصاره بهاكقوه تستطيع ان تناهض المعارضه
التحرريه
المتمثله بالشيعه الاوائل، بل ان الحكم الجديد لم
يتوان عن
التحالف معها، ففى الحين الذى اقصى فيه عن
القيادات
الجديده حتى اسامه بن زيدالذى عينه النبى(ص) نفسه،
راينا
فى راس تلك القيادات امثال يزيدبن ابى سفيان و
عكرمه بن
ابى جهل.



بل حتى من الامويين انفسهم راينا ان الذين
اسلموا
مخلصين فى مطلع الدعوه مثل (ابان بن سعيدبن العاص) و
(عمرو بن سعيد بن العاص بن اميه ابن عبدشمس)قد اقصوا
عن ايه قياده.



وحين نستعرض اسماء الذين احتضنوا النبى(ص) واحتضنهم
النبى فى مطلع الدعوه ثم كانوا سيوفها القواطع فى
كل ميدان،
حين نفتش عن تلك الاسماء فى القيادات والولايات لا
نرى اى
واحد منها فيماعدا سلمان الفارسى الذى كان لابد من
استعماله لان اى انسان لايسد الفراغ الذى كان يمكن
ان يسده
سلمان، فالحاجه هى التى دعت الى اشراكه.



ومع ذلك فانه وضع بعيدا عن الاضواء بعيدا عن
القياده الفعليه.



وفيما عدا عمار بن ياسر كذلك، فيبدو ان رغبه شعبيه
ملحه
ادت الى تعيينه واليا على الكوفه، ولكن هذه
الولايه لم تطل
اكثر من سنه عزل بعدها امام الضغط الرجعى الذى لم
يطق
وجود رجل شعبى مناضل مثل عمار بين رجال الحكم.



ولا يفوتنا ان نشير الى ان التاريخ الشيعى لم يناقض
نفسه،
فهويرفض الانحراف والمنحرفين الى ايه فئه انتموا،
ويتبنى
الذين استقاموا على الطريقه ايا كان عنصرهم، فهو -
على
العكس مما يتهم به - لا يقاوم اهل بيت لمجرد
انتمائهم الى هذا
البيت، ولا يوالى اهل بيت آخرين لمجرد انهم اهل
هذا البيت،
فعمرو بن سعيد بن العاص بن اميه بن عبدشمس الاموى
العريق سليل الامويين لم تمنع امويته التشيع من ان
يحترمه
ويشيد به، لان التشيع يعلم انه اسلم فى مفتتح
الدعوه واخلص
لها صادقا فى اخلاصه وكذلك القول فى عمر بن
عبدالعزيز بن
مروان.



ان التشيع لم يذكر له انه حفيد مروان،بل ذكر
له انه
كان عبدا صالحا وحاكما عادلا، فالتشيع يطعن
بالجدفى نفس
الوقت الذى يكرم فيه الحفيد.



والتشيع نفسه لم يغفر
لابن امام
واخى امام وحفيد ائمه انه لم يكن مستقيما، فسمى ابن
الامام(على الهادى) اخا
الحسن العسكرى(عليهماالسلام)،
سماه (جعفر الكذاب).



وتم الاقصاء: فكان اول اجراء اتخذه الحكم الجديد هو
مصادره اموال فاطمه بنت محمد(ص) مصادره جريئه
وعنيفه،
فسجلت بذلك صفحه جديده فى تاريخ التشيع.



وبطله هذه
الصفحه هى السيده الزهراء(عليهاالسلام) حيث شاركت
بنفسها
فى قياده التشيع بعد ابيها.



والذين لا يتعمقون فى الامور وياخذون بالسطحيات
يتساءلون،
ان لم يكن علنا فبينهم وبين انفسهم ، اتستحق فدك
وغير
فدك ان تخرج فاطمه بنت محمد(ص) من اجلها الى
المجالس
العامه مطالبه ملحه بالطلب، وان تخطب وتستثير،
وتتكلم
بالقول الكثير؟!
ولكن هولاء ينسون او يجهلون ماذا قالت
فاطمه(عليهاالسلام)
فى تلك الخطب، ولا يذكرون او لا يعلمون سوى انها
خرجت
وخطبت فى موضوع فدك خاصه وارثها من ابيها عامه.



صفحه الكفاح



ولكننا نقول: كما كان صوت محمد هو الصوت الذى سجل
الصفحه الاولى، لا فى تاريخ الكفاح الشيعى فحسب،
بل فى
كفاح جميع المستضعفين المضطهدين التائقين الى
الحريه
والحق.



كفاح جميع ضحايا الاستبداد والظلم والحكم
الغاشم.



كانت فدك اهون على فاطمه(عليهاالسلام) من كل هين، لو
ان
فدكا هى المقصوده بالذات، ولكن فدكا كانت رمزا
للامه كلها.



وكانت فاطمه اجل من ان ترفع صوتا مطالبه بالماده،
لو كانت
تطلب حقا هذه الماده، ولكنها كانت تنذر الامه
الغافيه وتنبه
الى المستقبل المظلم الذى سيصير اليه الاسلام.



واكتفى هنا بذكر مقطع واحد من خطبه فاطمه،
قالت(عليهاالسلام): (اطمئنواللفتنه جاشا، وابشروا
بسيف
صارم وسطوه معتد غاشم، وهرج دائم شامل، واستبداد
من
الظالمين يدع فياكم زهيدا وجمعكم حصيدا،فياحسره
عليكم).



كانت فاطمه(عليهاالسلام) تستشف الغيب وترى بفطنتها
ما
سيصير اليه حال الامه، فمادام الحكم الجديد يفتتح
امره
باضطهادها هى نفسها وهى بنت محمد(ص) فالى اين سيصير
امر الناس فيما سياتى من الايام.



وقوع ما حذرت منه فاطمه



ومن العجيب ان الذى حذرت منه فاطمه(عليهاالسلام)
وقع
كله، وان ما نبهت اليه قد رآه الناس بعدها جليا
واضحا، وان
الضحايا الاولى للظلم المتمادى كانوا الذين سمعوا
كلام فاطمه
انفسهم، او ابناء من مات منهم.



فالمدينه - مدينه الرسول - نفسها الذى تعالى فيها
صوت
فاطمه منذرا محذرا قد شهدت من السيف الصارم وسطوه
المعتدى الغاشم ومن الهرج الشامل الدائم واستبداد
الظالمين
ما ترك فيئها زهيداوجمعها حصيدا، على حد تعبير
فاطمه(عليهاالسلام).



فقد اباحها يزيد بن معاويه لجنوده فى وقعه الحره
ثلاثه ايام،
واجبرقائده سكانها على ان يبايعوه على انهم عبيد
ارقاء ليزيد.



ومن قبل ذلك اصيب عبدالرحمن بن ابى بكر بسطوه
المعتدين الغاشمين واستبداد الظالمين فاهين وروع
فمات
قهرا وكمدا، كمااصيب اخوه محمد بن ابى بكر فقتل
اشنع
قتله، وقتل عبدالرحمن بن خالد بن الوليد بالسم
واصيب
عبداللّه بن عمر فاذل واهين وبايع نفس بيعه اهل
المدينه.



واصيبت اسماء بنت ابى بكر بالذل، واصيب سبط ابى بكر
ابنها
عبداللّه ابن اخت عائشه فذبح وصلب وامه تسمع وترى.



وبعد
ذلك اصيب محمد بن سعد بن ابى وقاص فشتمه الحجاج
وضربه ثم قتله، واصيب المطرف بن المغيره بن شعبه
كذلك
بيد الحجاج.



والاولى ان نقول:ان الامه كلها قد
اصيبت.



شعارات التشيع



لقد سجلت الزهراء صفحه بدء الكفاح فى تاريخ التشيع
فحددت مناهجه ورفعت شعاراته واوضحت طريقه.



اما هذه الشعارات فهى كما راينا صريحه واضحه فى
خطبتها:
توقع سيف الظالمين الصارم وسطوه المعتدى الغاشم،
ثم سلب
الشعب اقواته لينعم بها الظالمون وتركه للفقر
والذل.



واما المنهج والطريق فهو بطبيعه الحال رفض ذلك
والتصدى
له.



فهل وفى التشيع لهذه المبادى ء التى اعلنتها
الزهراء؟
ان مبدا يعلنه محمد(ص)، وتفصل اصوله فاطمه ويتزعمه
على، ان مبدا هولاء الثلاثه اركانه ودعاته، سيجد
حتما المتالبين
معه المتمسكين به، المستعدين للتضحيه حفاظا عليه
وصونا
له، وهذا ماكان.



وانطلق الحكم الجديد ومضى فى طريقه بعد وفاه
الزهراء.



فى هذه الفتره كان شعار التشيع وكان منهجه الكلمه
التى
اطلقهاعلى، والتى كان موداها: ساصبر مادام الحيف
ينالنى
شخصيا، دون ان ينال العبث المبادى ء العامه
للاسلام.



وقد كان كل منتم للتشيع يردد ما ردده على، فاذا
كانوا
هم المقصودين بالذات، فهم لم ينشدوا فى يوم من
الايام مغنما
ولااتخذوا الاسلام سلما، بل هم الذين تحملوا
التعذيب فمات
آباوهم بسياط قريش احتفاظا بالاسلام، فهم سيصبرون
مادام
الاسلام سليما.



وبالفعل فقد ظلت الخطوط الكبرى فى الاسلام صحيحه،
والتطبيق العملى له قائما.



واكتفت المعارضه بتسجيل المخالفات، ورفضت
الاعتراف
بها،ولكنها لم تر فيها ما يوجب تحركا او يستدعى
نهوضا، وظلت
على موقفها تراقب وتشير.



ويتلخص تاريخ التشيع فى هذه الفتره بما يلى:
1 - رقابه عامه على شوون الحكم:
فاذا استدعى الامر مشاركه فى الكفاح، فالتشيع ينكر
نفسه
ويتقدم طلائع المكافحين، كما حدث حين خلت المدينه
من
القوى لمسيرالمقاتلين الى مادعى بحروب الرده، وشاع
ان
الاعراب يتجمعون لمهاجمه المدينه، فنهض على ونهض
التشيع وراءه ومضى للدفاع عن المدينه بكل قواه.



وقد حرص على على ان يحدد الموقف تحديدا واضحا فكان
يعلن وهو يسير، قائلا: (خرجت اميرا لنفسى).



2 - قياده الفكر الاسلامى وغرس البذور الاولى
للمعارف
الاسلاميه:
فقد اقام على فى المسجد النبوى، وفى بيته المدرسه
الاولى
فى الاسلام وتصدى لنشر العلم ملقيا على الناس ما
نستطيع ان
نسميه بمصطلحنا الراهن (محاضرات عامه) فى كل ما
يوول
الى الثقافه الاسلاميه من شوون فازدحم عليه طالبو
المعرفه
من كل مكان فكان لذلك اثره الفعال فى تركيز اسس
المدرسه
الاسلاميه، وتكاملها على يدى على، ثم تقدمها بعد
ذلك فى كل
ميدان.



ومن اشهر خريجى تلك المدرسه عبداللّه بن العباس،
وهكذافالذين اعدهم على هم الذين قادوا الحركه
العلميه
فكانوابناه الحضاره الاسلاميه واساتذه بناتها.



3 - تقديم كل ما يريده الحكم من مشورات وآراء وفتاوى
فى
شتى الشوون السياسيه والاداريه والعسكريه
والقضائيه.



وقد كان لكل ذلك اثره الفعال فى سير الحكم وتقدمه.



فهو
الذى اشار مثلا بجعل هجره النبى(ص) مبدا للتاريخ
الاسلامى.



وهو الذى اشار بعدم ذهاب الخليفه على راس الجيوش.



وهو الذى منع من الخطا فى تطبيق الحدود، الى غير ذلك
من
شتى التوجيهات التى كانت تلاقى ترحيبا وتنفيذا
لانها كانت
عين الصواب، والتى ادت الى ان يقول الخليفه
الثانى: (لا كنت
لمعضله ليس لها ابو الحسن) و (لولا على لهلك عمر).



الى غير
ذلك من الاقوال التى تتسم بسمه الانصاف والتقدير.



قيام دول الجور والظلم



ولما تم اطباق الرجعيه على الحكم وسيطرتها عليه فى
عهد
الخليفه الثالث، تحركت الجماهير الشعبيه التى
وجدت نفسها
الان قد جردت من كل حقوقها، واصبحت مستغله لزعماء
قريش والبيت الاموى.



ولكى نفهم حقيقه القوى التى كانت وراء ايصال
الخليفه الثالث
الى الحكم، يكفى ان نشير الى الحوار الذى جرى بين
ممثلى
الشعب وبين ممثلى قريش والرجعيه العربيه حين
انتهى الامر
الى راى عبدالرحمن بن عوف.



وذلك ان الناس احتشدوا ينظرون ما يجرى، فقال
المقداد
ابن الاسود: ان بايعتم عليا سمعنا واطعنا، وان
بايعتم عثمان
سمعنا و عصينا.



فقام عبداللّه بن ابى ربيعه المخزومى القرشى (وهو
من قريش)
وقال للمقداد: متى كان مثلك يجترى ء على الدخول فى
امر
قريش؟
وقال عبداللّه بن ابى سرح (وهو من قريش): ايها الملا،
ان اردتم
ان لا تختلف قريش فبايعوا عثمان.



فقال عماربن ياسر:ان اردتم ان لايختلف الناس فبايعوا
عليا.



ولكن عبدالرحمن بن عوف القرشى بايع عثمان، ولما
احتج
عمارقال له هشام بن الوليد بن المغيره: ما انت وما
رات قريش
لنفسها؟
وهكذا فان قريش التى حاربت محمدا حتى اضطرها
الى الاستسلام، هى التى عملت على ايصال عثمان الى
الخلافه.



ويكفى ان يكون الناطق باسمها رجلا مثل عبداللّه بن
ابى سرح،
الذى اهدرالنبى دمه حين فتح مكه.



ثم ان الحوار صريح فى ان الامر بنظر قريش، هو امر
اماره
قرشيه بحته، لا امر خلافه اسلاميه.



فقد كان
القرشيون
صريحين فى محاورتهم لابناء الشعب حين قالوا: (ما
انت وما
رات قريش لنفسها)؟ و(متى كان مثلك يجترى ء
على الدخول فى امر قريش)؟.



وبلغ الانحراف اقصى مداه، واستغلت الاسلام اسره
واحده
كانت اول من حاربه، وآخر من استسلم له.



واضطهد
المسلمون
الاولون،وضربوا ونفوا وتكدست الثروات فى ايد
محدوده وساد
الفقر وطغى الظلم وتحرك الشعب فى كل مكان.



وكان من الطبيعى ان يكون التشيع طليعه المتحركين،
ولكنه
تحرك ضمن مخطط منطقى مدروس، يتجنب العنف وسفك
الدم.



واقبلت وفود الشعب من كل بلد محدده مطالبها التى
كان
جوهرهاعزل ولاه الجور، واعاده العدل الى نصابه
وحمايه حقوق
الشعب.



وكلنا نعرف التفاصيل والنتائج.



اما التشيع فقد وقف
ينصح ويفاوض ويتوسط، محاولا تجنب الفتنه ودفع
الاذى، ولو
اصغى الحاكمون لنصائحه وطبقوا ما اشار به لما وقع
الذى وقع.



الشعب يعرف طريقه



يتجاهل الذين يكتبون التاريخ الظاهره الشعبيه
الكبرى التى
برزت اثر مقتل الخليفه الثالث:
لقد كانت فى المدينه وفود تمثل جميع البلاد
الاسلاميه ما عدا
الشام، وكانت هذه الوفود وفودا شعبيه تحمل آلام
الجماهيرالكادحه وآمالها، فالمسلمون على اختلاف
اقطارهم
ومستوياتهم كانوا ممثلين فى تلك الوفود.



اللهم الا
الطبقه
المستغله التى عاشت على امتصاص دماء الشعب.



وحين خلى الشعب وشانه، وحين كان للشعب ان يختار،
عرف الشعب طريقه، واقبل بوفوده المتجمعه وجماهيره
المحتشده يبايع على بن ابى طالب.



وهى بيعه لم يعرف
العالم
الاسلامى فى تاريخه شبيها لها تمثيلا لاراده
الشعب وانطلاقا
من حسه واندفاعا من مشيئته.



ولكن هل بايع الشعب عليا خليفه كغيره من الخلفاء
ليقاس
عهده بعهود غيره؟
لقد كان الشعب فى ثوره على الحكم الجائر وفى توق الى
الوصول لحقوقه المستباحه، واذا كان العصب المركزى
لهذا
الحكم قدتقطع، فان عصبه الاقوى والاشد لا يزال
سليما.



فالشعب الذى بدا حركته بيضاء ناصعه ثم اضطروه
لصبغها
بالدم،كان يدرك ان الحركه لم تحقق اهدافها، وان
الركن
الركين للحكم الفاسد لا يزال شامخا فى الشام.



وهكذا كان على الشعب ان يتابع حرب التحرر، وان
يواصل
كفاحه لاعاده الحكم شعبيا عادلا.



ولكن الشعب الذى
بدا
حركته اول مابداها بما نسميه فى اصطلاحات العصر
الحديث
بالمظاهرات السلميه، ولم يكن فى تفكيره ان يمتشق
السلاح
للدفاع عن حقه،ان هذا الشعب وجد نفسه وقد تحولت
مظاهراته فجاه الى ثوره مسلحه، لم يكن قد اعد لها
عدتها.



فكان عليه ان يفعل اول ما يفعل فى هذه الحال ان
يختار زعيما
للثوره التحرريه، فاختار عليا.



وهكذا فاننا نستطيع القول بان عليا انما اختير
زعيما شعبيا،
يقودالشعب المظلوم المحروم فى طريق الحق والحريه.



ومن هذه الزاويه وحدها يجب ان ينظر الى ما يسمى
بخلافه
على.



وليس من شرط الثورات التحرريه ان تنجح دائما،
فعندما
تكون الثوره، قد قدمت زعماءها الكبار واحدا بعد
واحد
صرعى فى ميدان النضال، ثم عندما يغتال زعيمها
الاكبر وهو لا
يزال فى عنفوان كفاحه، يكون من الطبيعى ان تتضعضع
الثوره
بعده.



التشيع يتحرك



وحين بلغ الطغيان ذروته، وبدا ان جميع الاهداف التى
اراد
الاسلام تحقيقها للشعوب لا نقاذها من الجهل والفقر
والظلم
قدانهارت، وحين اعلن معاويه بن ابى سفيان علنا فور
تسلطه
على الحكم فى الكوفه انه لم يقاتل فى سبيل الاسلام
واصوله
وانما قاتل ليتامر.



وحين استرسل هذا الحكم فى
تحويل الاسلام
الى مجردسيطره، لها كل مساوى ء السيطرات التى
هدمها
الاسلام، وحين بداان جوهر الاسلام سيضيع الى الابد.



فى هذا الحين برز التشيع الى الميدان مزودا بكل ما
يقتضيه
الموقف من شجاعه واقدام وبذل، برز التشيع بشخص حجر
بن
عدى الكندى وصحبه، مفجرا السكون الرهيب المهيمن
على
النفوس القلقه الواجمه.



وكان حجر يعلم المصير المنتظر، ولكنه كان يعلم ايضا
ان
معنى الاستسلام، هو القضاء التام على مستقبل
الروح الاسلاميه.



فتقدم الصفوف ليكون هو الضحيه التى تنبه ضمير الامه
وتوقظه وتحرك فيه حس التمرد على الطغيان والجور
والنفاق،
وكان له مااراد.



الحسين فى الميدان



ولما تعاظمت المحنه، واشتد الخطر بعد ذلك بتولى
يزيد بن
معاويه الحكم، وبدا ان الرده ستكون كامله، كان لابد
من
ضحيه تتناسب مع هول الموقف.



فبرز التشيع من جديد ليحمل العب ء ويمسك الزمام،
برز
بشخص الحسين بن على، معلنا ان الرده لن تمر الا على
جثته
وجثث اسرته واصحابه.



وحاولت الرده ان تمر على تلك الجثث، ولكنها لم تدر
ان
تلك الجثث قد استحالت سدا منيعا يحول بين المرتدين
وبين
التقدم خطوه واحده.



الى هنا يكون التشيع قد ادى قسطه الاوفى من الدم،
ويكون
قداستطاع تنبيه المسلمين الى ما يراد بهم، ويكون قد
بقى
عليه ان يقوم بدور جديد فى تركيز الاسلام، وتوجيه
المسلمين
ولم يكن ذلك ممكنا الا عن طريق العلم والفكر، وكان
التشيع
فى ذلك ناجحاالى ابعد حدود النجاح كما سنرى.



اسم الشيعه



ان النقطه التى انطلق منها التشيع كانت يوم غدير خم.



ولكن كيف تبلور التشيع واتخذ سمته الخاصه، واصبح ذا
ايديولوجيه واضحه المعالم مبينه الاسم؟
فى رايى ان ذلك بدا فى اليوم الذى اعلن فيه الخوارج
انفصالهم عن خط السير العلوى، وزادوا على ذلك
فرموا عليا
بالكفر.



وقد كان ذلك فى وقت بدا فيه ان معاويه بن ابى سفيان
قد
كسب الجوله، وان المعركه العسكريه المقبله معه
غير مضمونه
النتائج.



فظهرت حقائق الناس، وتبين العقائديون المومنون من
الانتهازيين الوصوليين.



فاخذ الاخيرون يتسللون من الكوفه الى معاويه، او
يظهرون التخاذل ويمهدون للانضمام الى القضيه التى
بدا لهم
انها هى الرابحه.



واصبح من كانوا يقاتلون مع على ثلاثه صنوف: صنف
سخيف تتملكه الشبهات وتتلاعب به التخيلات، فتمثل
له الحق
باطلاوالباطل حقا، فيتشبث بالباطل وهو يحسب انه
الحق،
فيتعصب لباطله المشبه له تعصبا اعمى.



وصنف لاينشد الا المصلحه الشخصيه والمنفعه الذاتيه
لا يهمه
حق ولا باطل، فلما لاح له فقدان النفع الفردى مع
على تخلى
عن صفه الذى كان فيه، ومضى يفتش عما يجر عليه النفع
وما
يضمن له الكسب، وكان ذلك انما ينشد فى الصف الاخر.



وصنف ثالث، وهو الاكثر الغالب، كان نير الفكره مشرق
الذهن،
فلم يخف عليه الحق ومواقعه.



وكان الى جانب ذلك
عقائديا
مومنايناضل عن راى معين، وفكره محدده، لا يتنازل
عنهما
مهما عظمت التضحيات، واغرت المغريات.



فلما راى هذا الصنف غباء الصنف الاول، ونفاق الصنف
الثانى،اعلن صرخته المدويه هاتفا بين يدى على: نحن
شيعتك وانصارك.



فى تلك الساعه برزت الى الوجود قوه ثوريه منظمه لها
هدفهاالاصلاحى الواضح.



ويكفى فى تعريف هذا الهدف ان
تعلن
انهاشيعه على.



وفى رايى ان اسم الشيعه مضافا الى على، انما استعمل
اول
مااستعمل فى ذلك الدور، وتبين اتباعه كتكتل مستقل
واضح
انما كان يومذاك، ثم مضت الايام والاسم يزداد
رسوخا، والتكتل
يزداد مضيا فلم يمت معاويه حتى كانت كلمه (الشيعه)
وحدها
دون اضافه هى العلم الذى يطلق على ذلك التكتل.



فى العهد الاموى



كان عب ء التشيع فى العهد الاموى الاول عبئا ثقيلا
يقتضى
مواجهه طغاه امثال زياد والحجاج، وتحمل القتل
والتشريد
والتجويع فصمدالشيعه صمود الابطال، وقارعوا الظلم
وحركوا
الهمم وايقظواالعزائم.



وبعد مقتل الحسين آلت زعامه التشيع الى ولده زين
العابدين
على بن الحسين، فنهج منهجا هو الغايه فى الحكمه
وبعد
النظر.



فقد كان استشهاد الحسين هو النور الذى انبلج فى
آفاق
النفس الاسلاميه، فلم يعد مستطاعا للامويين تحويل
الاسلام
عن مجراه الصحيح تحويلا كاملا بعد ان انكشف
الامويون لعامه
المسلمين انكشافا تاما وغدت النفوس تغلى نقمه
عليهم.



ولم
يعد الموقف الكفاحى يقتضى صداما دمويا اذ كل صدام
يهون
بعد صدام الحسين، بل اصبح الامر امر تنظيم دقيق فى
التوجيه
والتنبيه، وهذاما تولاه زين العابدين على بن
الحسين.



لقد استانف زين العابدين انشاء مدرسه جده على بن
ابى
طالب،فانقذت هذه المدرسه الفكر الاسلامى من
الاندثار،
ومهدت لظهورالمدارس بعدها، واعدت الاساتذه لتلك
المدارس، ولولا مدرسه زين العابدين وما اوجدته من
تيار
علمى دفاق ومجرى فكرى خلاق، لكان الحكم الاسلامى
والفتح الاسلامى مجرد تسلط على الشعوب وتحكم
بالناس.



اذ ليس مظهر حضاره الاسلام الفتح الطاغى الغشوم،
وبناه
هذه الحضاره ليسوا اولئك المتحكمين بالشعوب
المتعسفين
بالامم.



ان مظهر حضاره الاسلام هو الفكر والقلم والكتاب،
وهذا ما
ركزته مدرسه زين العابدين.



وهكذا نستطيع القول ان تاريخ التشيع فى هذه الفتره
هو
تاريخ الاعداد العلمى المنظم والتحضير الفكرى
السليم.



وتلا محمد الباقر زين العابدين، فكانت مدرسته
امتدادا
لمدرسه ابيه.



وقد عملت المدرستان فى ظل حكم ارهابى
مخيف يحصى عليهما الانفاس ويضيق عليهما كل تضييق،
ولكنهما استطاعتا النفاذبحكمه وتدبير.



عصر الصادق



التضييق الذى عانته كل من مدرسه زين العابدين
ومدرسه
محمدالباقر، والسور المحكم من الرقابه العاتيه
الذى كان
يحول بينهماوبين التدفق الى ابعد الاماد، هذا
التضييق الذى
مارسته الدوله الامويه بكل اجهزتها لتحول دون
انتشار العلم،
هذا التضييق العنيف، بدات قبضتاه الحديديتان
تتراخيان قليلا
بحكم المصيرالرهيب الذى اخذ ينتظر الامويين.



فالحكم الذى قام على سفك الدم واضطهاد الامه واذلال
الشعوب،والذى كان شعاره ما اعلنه معاويه فى
تعليماته
لعميليه: بسر بن ارطاه وسفيان الغامدى حين قال
للاول:
(اطرد الناس واخف كل من مررت به وانهب اموال كل من
اصبت له مالا).



وحين قال للثانى: (اقتل كل من ليس هو على مثل رايك،
واخرب مامررت به من القرى).



هذا الحكم كان لابد له من ان يستقطب النقمه العارمه
فتهزه
من اسسه، وكان لابد للامه معه من ان تستجيب لاول
داع
للثوره عليه،حتى ولو كان هذا الداعى من صنف ابى
مسلم
والسفاح والمنصور.



وهكذا بدات الطغمه المتسلطه تتزلزل منذ عصر هشام
بن عبدالملك الذى واجه تضحيه شيعيه اخرى بذلت فى
ميدان البطولات ما كان مترقبا من مثلها ان تبذل.



تلك هى
تضحيه زيد بن على حفيد الحسين وتلميذه الروحى.



وكعادتهم كان الامويون غير كرام فى انتصاراتهم،
فبدلا من
ان يواروا الشهيد ويحترموا الموت، عمدوا الى نبش
قبر زيد
وصلب جثته، وتركوها مصلوبه اربع سنين، وبعد
السنين الاربع
احرقوهاوذروا رمادها، متجاهلين ابسط المبادى ء
الانسانيه
فضلا عن القواعد الاسلاميه.



ولم يكونوا يدرون انهم وهم ينبشون قبر زيد، انما
كانوا
يحفرون قبورهم بايديهم، ويذكرون الناس بمالم
ينسوه من
وحشيتهم فى معامله المغلوبين، لا سيما اذا كان
هولاء
المغلوبون ابطالا واحفادا للنبى(ص).



ومشت الدوله الى الانهيار، ثم انهارت وقامت مقامها
دوله
جديده،كان عليها ان تلتقط انفاسها قبل ان تسير فى
الطريق
الذى سارت فيه الدوله القديمه.



بين بدء انهيار الدوله القديمه وانشغالها بنفسها،
وبدء قيام
الدوله الجديده وانشغالها بتركيز اقدامها، نشا
امام فريد، شاء اللّه
ان يكون تجديد الاسلام على يديه، وان يشق ظلمات
الجهل
بعبقريه نادره فيفتح الابصار على شى ء جديد لا
عهد للناس به
من قبل.



الحريه النسبيه التى اتيحت لجعفر الصادق بسبب ضعف
الدولتين فى عصره جعلته ينطلق فى ميدان رحيب جعل
منه
قائد الثقافه الاسلاميه.



ولعل من خير ما قيل فى وصف هذه الفتره واثر الصادق
فيها ما
قاله المورخ الهندى مير على: (ولا مشاحه فى ان
انتشار العلم
فى ذلك الحين قد ساعد على فك الفكر من عقاله،
فاصبحت
المناقشات الفلسفيه عامه فى كل حاضره من حواضر
العالم الاسلامى، ولا يفوتنا ان نشير الى ان الذى
تزعم تلك
الحركه هوحفيد على بن ابى طالب المسمى جعفر،
والملقب
بالصادق، وهورجل رحب افق التفكير، بعيد اغوار
العقل، ملم
كل الالمام بعلوم عصره، ويعتبر فى الواقع اول من
اسس
المدارس الفلسفيه المشهوره فى الاسلام ولم يكن
يحضر
حلقته العلميه اوليك الذين اصبحوا موسسى المذاهب
فحسب،
بل كان يحضرها طلاب الفلسفه من الانحاء القاصيه).



على ان متحدثا قديما اعطانا صوره اخرى عن اثر
الصادق، ذلك
هوالحسين بن على الوشاء حين قال: (ادركت فى هذا
المسجد
- يعنى مسجد الكوفه - تسعمائه شيخ، كل يقول: حدثنى
جعفر
بن محمد).



وحين يقول هذا القائل انه ادرك تسعمائه شيخ فى مسجد
الكوفه يلقون الى طلابهم ما القاه اليهم جعفر
الصادق من علم،
فان ذلك يعنى ان تسعمائه مدرسه كانت تنعقد حلقاتها
فى
المسجد الجامع مشتمله على طلاب من اقطار شتى،
وافدين
الى الجامعه الكبرى للتزود بالعلم الغزير
والمعرفه الواسعه.



ويوم
نعلم ان رجلا هو مصدر التثقيف لتسعمائه مدرسه فاننا
ندرك
ما كان عليه هذاالرجل من الاحاطه والشمول والحنكه.



على ان جامعه الكوفه كانت فى الحقيقه فرعا من
الجامعه
المركزيه فى المدينه، تلك الجامعه التى كان يشرف
عليها
ويديرها جعفرالصادق نفسه، والتى بلغ عدد المنتمين
اليها
الاربعه الاف من جميع الاقطار الاسلاميه، وفيهم
من كبار
العلماء والفقهاء والمحدثين الذين اصبحوا ائمه
وموسسين
لمذاهب اسلاميه.



كما كان فيهم الشعراء والادباء والحكماء.



على ان قيمه ما فعله الصادق هو انه كان الداعيه
الاول فى
الاسلام الى التدوين والتاليف.



فحتى عصر الصادق لم يكن التدوين هو الاصل بل كان
نادرالحدوث، وفى كل العصور التى سبقت الصادق لا نرى
من المولفات ما يمكن ان يعد تاليفا، او اخذا بمبدا
التاليف فجاء
الصادق يدعو الى التدوين والتاليف، وكان شعاره
الذى يهتف
به لتلاميذه هو قوله لهم: (اكتبوا فانكم لاتحفظون
حتى
تكتبوا).



وقال للمفضل بن عمر: (اكتب، وبث علمك فى اخوانك، فان
مت فورث كتبك لبنيك).



وكان يقول لاصحابه: احتفظوا بكتبكم فانكم سوف
تحتاجون
اليها.



هذه الدعوه الصارخه التى كان ينادى بها جعفر الصادق
بين
اربعه آلاف طالب مجد، اتت ثمارها فاندفع العلماء
الى الكتاب
والتاليف.



اندفعوا بحماسه المومن وعقيده المجاهد وشجاعه
البطل، فاذا
بنانرى هذه الدعوه تعم العالم الاسلامى كله، واذا
بها منفتحا
لعهدجديد من عهود الثقافه الاسلاميه لم يكن مالوفا
من قبل.



ومن العجيب ان هذه الحركه لم تقتصر على الفقه
والحديث والتفسير، مما يمكن ان يتبادر الى
الاذهان انها هى
وحدهاموضوعات مدرسه الصادق.



بل تجاوزت حركه التاليف بين تلاميذ الصادق الى شتى
العلوم النظريه والعلميه.



واذا كان المجال لا يتسع لتعداد جل ما الفوه فى تلك
الفتره،
فاننانكتفى بالقول: ان ما الفه تلاميذ الصادق بلغ
اربعمائه كتاب
فى شتى المعارف والفنون.



ونكتفى بان نعدد نماذج من
تلك
المولفات: هى(كتاب التوحيد) للمفضل بن عمر، و (كتاب
معانى القرآن) لابان بن تغلب و (كتاب الكيمياء)
لجابر بن حيان.



على اننى وانا اذكر جعفر الصادق لا يمكن ان يفوتنى
ان اشير
الى المبدا الانسانى العظيم الذى كان الشعار
الاول له
ولمناهجه ومخططاته، هذا المبدا الذى لو اخذ به
المسلمون
فى عصره وبعدعصره لنجوا من كثير من الشرور، والذى
لو
اخذت به الانسانيه فى كل عصورها لنجت هى الاخرى من
الشرور.



ذلك هو قوله: (ليس من العصبيه ان تحب اخا لك، ولكن
العصبيه ان ترى شرار قومك خيرا من خيار غيرهم).



ولم يكن احد اولى من الصادق فى تطبيق هذا المبدا على
نفسه،فقد احب اخوته، ولكنه ابدا لم ير شرار قومه
خيرا من
خيارغيرهم.





/ 3