دراسة تحلیلیة فی السیرة النبویة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

دراسة تحلیلیة فی السیرة النبویة - نسخه متنی

عباس زریاب الخوئی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


دراسة
تحليلة
«في السيرة النبوية »

name="link0">
عصر ما قبل الهبرة
الدكتورعباس زرياب
خوئي
تقديم
يبحث المؤلف، في هذا الكتاب، في «سيرة
رسول اللّه (ص)من
الولادة حتى البعثة».

ويعنى بالجانب التاريخي
من الموضوع
فحسب، فيحقق الوقائع، ويبين صحة وقوعهاوشروطها
وملابساتها واسبابها.

ولا يخفى ان المكتبة الاسلامية بامس الحاجة الى
كتاب
من هذا النوع، وذلك يعود الى امرين:
اولهما: ان المؤلفات الاسلامية في السيرة، كما يقول
ابن خلدون، «لم يؤمن فيها من العثور ومزلة القدم
والحيد
عن جادة الصدق، وكثيرا ما وقع للمؤلفين و المفسرين
وائمة
النقل المغالط في الحكايات والوقائع لاعتمادهم
فيها على
مجردالنقل غثا وسمينا، ولم يعرضوها على اصولها ولا
قاسوهاباشباهها ولا سبروها بمعيار الحكمة والوقوف
على
طبائع الكائنات وتحكيم النظر و البصيرة في
الاخبار فضلوا عن
الحق و تاهوا في بيداء الوهم و الغلط.

وثانيهما: ان المؤلفات التي صنفها المستشرقون كان
الغرض منها تلبية رغبات اقوامهم واهل ديانتهم،
فجاءت لتلبي
هذه الاغراض التي جعلتهم غير محايدين، فحرفوا
الوقائع والاحداث، وراوا اليها من المنظور الذي
يخدمهم
ويضربالاسلام، اضافة الى انهم ينفون الجانب الغيبي
وينكرون جميع ما وراء المادة والحس.

يحاول المؤلف، وهو يعي هذين الامرين، ان يفيد ن
ايجابيات المنهجين في الوقت الذي يتجنب فيه
سلبياتهما.

وقد
اتبع بغية تحقيق ذلك منهجا موضوعيا يرى الى
الاحداث
التاريخية في سياقها التاريخي، فيرصد الظواهر
التاريخية،
ويتبينها ويصفها،وينفذ الى جوهرها، فيعرف حقائقها
واسبابها
الحقيقية، ويقدمهاالى القارى ء باسلوب سهل واضح.

ويبدو انه استخدم ما يمكن ان نسميه «المنهج
الاجتماعي النفسي» الذي يركز على معرفة الظروف
الاجتماعية والشخصية التي اسهمت فى نشوء الظاهرة
وتكونها
وتبلورها،ثم يبحث في تلك الظاهرة نفسها، فيقدم
بذلك
معرفة تاريخية تلبي الحاجة الى التحقيق والضبط
وحسن
الفهم.

وقد توافرت في المؤلف الصفات التي يحتاجها هذا
النوع
من البحث فهو استاذ متمرس درس تاريخ الاسلام وسيرة
النبي الاكرم (ص) عدة سنين في جامعة طهران، وقد
مكنته
خبرته الواسعة في معرفة المجتمع الجاهلي ومجتمع
صدر
الاسلام من الغوص مع الاحداث الى اسسها، فقدم
للكتاب
مبينامشروعيته ومنهجه، ومهد لموضوعه ببحث ثلاث
قضايا
هي:الجزيرة العربية قبل الاسلام، وقريش في مكة،
والحياة الاجتماعية في مكة، ثم بحث في الموضوع
الاساسي
وهوسيرة الرسول من الولادة حتى البعثة.

وقد توخى المترجم الامانة والدقة في نقل المادة الى
اللغة العربية، اضافة الى العناية بسلامة اللغة
وجمالها
ومراعاتهااساليب اللغة التي ينقل اليها.

وان كان
المؤلف قد
انتهى الى نتائج لا يوافقه عليها، فانه اكتفى
بالاشارة الى ذلك
بتعليقات موجزة في الهامش.

ويسر مركز الغدير ان يقدم هذا الكتاب القيم الى
قرائه آملا
ان يكون قد قام بما يخدم ديننا الحنيف ونبيه
الكريم (ص)
مركز الغدير للدراسات الاسلامية
بيروت
مقدمة المترجم
والحمدللّه رب العالمين، والصلاة والسلام
على صفوة
خلقه وامين وحيه وحجته على خلقه الذي بعثه رحمة
للعالمين ليخرجهم من ظلمات الجهل الى نور العلم
ومن
حضيض الارض الى آفاق السماء، ثم الصلاة والسلام
على اهل
بيته وحملة امانته ومستودع علمه ومن تبعهم باحسان
الى
يوم الدين.

وبعد
فاننا يمكن ان نحصر الدراسات التي كتبت حول السيرة
النبوية في طائفتين رئيسيتين:
الاولى: في فقة السيرة.

والثانية: في توثيقها.

ونعني بفقه السيرة التدبر في احداثها و وقائعها
والتامل في
كل ناحية من نواحيها.

لناخذ منها الدرس والعبرة.

ونجعلها تشع
في حياتنا بكل ابعادها سياسية واجتماعية
واقتصادية.

لقد كانت السيرة النبوية تجسيدا علميا معصوما
للاسلام وتطبيقا لتعاليمه السامية في انقى صورها
واطهر
معانيها.

وتستهدف الدراسات في هذا الحقل، تفجير تلك
المعاني واستنطاق الوقائع والمواقف النبوية
لتزهو بها حياتنا
ويخضر مايبس من عروقها وجف.

ولا شك ان الحبث في هذا
الباب لايتسق، ويستقيم الا اذا حسم الامر في ركنين
سابقين
يشكلان معا القاعدة التي تستند اليها هذه
الدراسات:
الاول: حجية السيرة وما فيها من قوة الزامية وطاقة
تنجزية
وهذاما تعهد به علم الاصول، بل وعلم الكلام حتى
اصبحت
امربديهيا لا تجد بين المسلمين من يناقش فيه ايا
كان مذهبه:
(وماآتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا).

الثانى: توثيق السيرة، وهذا بحث تاريخيچ مجاله علم
التاريخ،وقد عني به المسلمون عناية فائقة حتى انهم
جاوزوا
فيه غيرهم من الاممم وقد توزعت اعمالهم في هذا
المجال
على محورين رئيسين:
1 الاعمال التي كان غرضها الاساس حفظ السيرة من
الضياع وتسجيل وقائعها قبل ان يطويها النسيان.

ولما كان هذا
الغرض نصب اعين المحدثين والمؤرخين فقد شغلهم عن
غيره وانطلقوا يسجلون كل ما مت الى النبى (ص) بصلة
من
قول اوفعل.

واكتفوا من التثبت من صحة الخبر
والحادثة،
باثبات السند فحسب.

يقول الطبري في مقدمة: مما يكن
في كتابي هذامن خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما
يستنكره
قارؤه ان يستشنعه سامعه من اجل انه لم يعرف له وجها
صحيحا، ولامعنى في الحقيقة فليفهم انه لم يؤت في
ذلك من
قبلنا وانمااتى من بعض ناقليه الينا، وانما ادينا
ذلك على نحو ما
ادي الينا».

ولو جزنا الطبري وتوغلنا ابعد في عمق
التاريخ
لوجدنا الجيل الاول من كتاب السيرة امثال عروة بن
الزبير (94
ه) وابان بن عثمان بن عفان (105 ه) ووهب بن منبه (110 ه)
وكذلك الجيل الثاني والثالث كابن شهاب الزهري (124
ه)
وموسى بن عقبة (141 ه) ومحمد بن اسحاق (152 ه) والواقدي
(207ه) لوجدنا هم جميعا قد جروا على نفس المنوال
واثبتوا
الغث والسمين هذا ان لم يتزيدوا هم من عند انفسهم
في اضافة شي ء غريب او اسقاط آخر اصيل لهذا كان
من
الطبيعي جداان تجد الراوي ياتي بالروايات
المتعارضه عن
الواقعة الواحدة بحيث يستحيل ان تصح معا، دون ان
كيلف
نفسه عناء الموازنة بينها او ترجيح بعضها على بعض.

ولم تكن هذه سنة المؤرخين وحدهم بل والمحدثين
كذلك.

وهذا ما اشار اليه ابن حجر بقوله: «ان الحفاظ
يعتمدون
في روايتهم على الاحاديث الموضوعة مع سكوتهم عنها
على ذكرهم الاسانيد، لاعتقادهم انهم متى اوردوا
الحديث
باسناده فقد برئوا من عهدته واسندوا امره الى
النظر فى
اسناده».

2 ولما اكتملت المادة التاريخية للاجيال التالية
واستوى للمتاخرين ما جمع المتقدمون، جاءت فكرة
النقد
والتعليق،وكان ابن هشام، من اوائل الذين مارسوا
هذا العمل،
وتوالت الاعمال بعده تباعا.

لقد ظهر ابن هشام في عصر كانت الرواية الشفهية قد
تراجعت فيه وانحسر دورها الى حد ما.

فقد اثقلت
الذاكرة
العربيه آنذاك وكان عليها ان تحفظ اضافة الى ما
توارثته من
اخبار العرب احاديث النبي واحداث السيرة
ووقائعها.

لكن ذلك
لم يحط من شان الرواية الشفهية ولم يزعزع من
مكانتها
الموروثة اداة اولى في النقل المامون والتوثيق
المعتبر فرغم
ظهور الكتب وانتشارها كان من الصعوبة بمكان
التمييز بين
المؤلف الذي قصد ان تروى مادته والمؤلف الذي
دونها(#).

وظلت الكتابة تزداد اهمية خصوصا في مجال السيرة
كلماابتعد بالناس الزمن عن الصدر الاول وجفت منابع
السيبرة الاساسية المتمثلة في المشاهدة العينية
والمصاحبة
اليومية هه لصاحب السرة (ص).

وحين فتح ابن هش ام عينيه على الدنيا كان بينه وبين
الصدرالاول بطنان او ثلاثة بطون مما منحه حرية اكثر
في
التصرف والاضافة والحذف.

فلم يكن مجرد راو لسيرة
ابن
اسحاق التي سمعها من زياد البكائي (183 ه) بل كثيرا
ما اضاف
اليها اشياءلم يذكرها ابن اسحاق واسقط امورا اخرى
اثبتها
الاخير.

وقداوضح ابن هشام منهجه في نقده لسيرة بن
اسحاق
بقوله: «واناان شاء اللّه مبتدى ء هذا الكتاب بذكر
اسماعيل بن
ابراهيم ومن ولد رسول اللّه من ولده واولادهم
لاصلابهم، الاول
فالاول، من اسماعيل الى رسول اللّه (ص)، وما يعرض
من
حديثهم وتارك ذكر غيرهم من ولد اسماعيل، على هذه
الجهة
للاختصار، الى حديث سيرة رسول اللّه (ص) وتارك بعض
ما
يذكره ابن اسحاق في هذا الكتاب، مما ليس لرسول
اللّه (ص)
فيه ذكر،ولا نزل فيه من القرآن شي ء، وليس شيئا
لشي ء من
هذاالكتاب ولا تفسيرا له، ولا شاهدا عليه، لما ذكرت
من الاختصار، واشعارا ذكرها لم ار احدا من اهل
العلم
بالشعريعرفها واشياء بعضها يشنع الحديث به، وبعض
يسوء
بعض الناس ذكره، وبعض لم يقر لنا البكائي بروايته
ومستقص
ان شاء اللّه تعالى ما سوى ذلك منه بمبلغ الرواية
له والعلم به».

وصارت سيرة ابن هشام هذه فيما بعد محورا لاعمال
كثيرة تناولتها بالشرح والتعليق حينا والنقد
والاختصار حينا
آخر منهاعلى سبيل المثال كتاب (الروض الانف) لعبد
الرحمن السهيلي (581 ه) فكان يتعقب ابن اسحاق وابن
هشام بالتحرير والضبط حينا، وبالشرح والزيادة
حينا آخر.

ثم
كتاب(الذخيرة في مختصر السيرة) الذي فرغ منه مؤلفة
برهان
الدين ابراهيم بن محمد الشافعي سنة (611 ه) وبعد هذا
بقرن
ظهركتاب (مختصر سيرة ابن هشام) لعماد الدين
ابوالعباس الواسط ي وكان اختصارا فحسب.

وشيئا فشيئا تنبه المؤرخون المسلمون ومنهم كتاب
السيرة
آالى ضرورة الالتفات بالنقد والتمحيص الى جانب آخر
من المادة التاريخية ذلك هو موضوع هذه المادة
والمسالة
التي تعالجها.

بعبارة اخرى تجاوز سند الخبر الى
متنه والعبور
من مسالة ضبطه وتحريره الى الموضوع الذي يعالجه
والاحداث الذي تكتنفه، فقد كتب النويري (732 ه) في
موسوعته (نهاية الارب) قائلا: «واما من ينسخ
التاريخ فانه
يحتاج الى معرفة اسماء الملوك والقابهم ولغاتهم
وكناهم..
وكذلك اسماء المدن والبلاد والقرى والقلاع
والرساتيق والكور
والاقاليم».

فلكي يكون الراوي دقيقا فيما ينقل من
مادة
تاريخية ه عليه من الان فصاعدا ان يكون اضافة الى
وثاقته
ذو خبرة بموضوع مادته لاتشتبه عليه الالفاظ ولا
تختلط عليه
الاماكن والاسماء والوقائع.

وتطور هذا النوع من النقد ليبلغ اعلى درجات نضجه
على
يدالمؤرخ ابن خلدون (808 ه) الذي بلغ اهتمامه بهذا
الجانب
ان قدمه على الجانب الاخر فصار عنده نقد الخبر من
الداخل اهم من نقده من الخارج.

ولم يشا ان يترك ذلك
دون
ان يضع له قواعد واضحة وضوابط عامة بينها بقوله:
«لان
الاخبار اذااعتمد فيها على مجرد النقل لم تحكم فيها
اصول
العادة وقواعدالسياسة وطبيعة العمران والاحوال في
الاجتماع
الانساني، ولاقيس الغائب منها بالشاهد والحاضر
بالذاهب، فربما
لم يؤن فيهامن العثور ومزلة القدم والحيد عن جادة
الصدق.

وكثيرا ما وقع للمؤلفين والمفسرين وائمة النقل
المغالط في
الحكايات والوقائع لاعتمادهم فيها على مجرد النقل
غثا او
سمينا، ولم يعرضوها على اصولها ولا قاسوها
باشباهها ولا
سبروها بمعيارالحكمة والوقوف على طبائع الكائنات
وتحكيم
النظروالبصيرة في الاخبار فضلوا عن الحق وتاهوا في
بيداء
الوهم والغلط».

وبعد ان يورد ابن خلدون شواهد
عديدة على
هذه الاشتباهات يختم كلامه بتقرير يقول فيه: «فاذن
يحتاج
صاحب هذا الفن الى العلم بقواعد السياسة وطبائع
الموجودات واختلاف الامم والبقاع والاعصار في
السير
والاخلاق والعوائدوالنحل والمذاهب وسائر الاحوال
والاحاطة
بالحاضر من ذلك ومماثلة ما بينه وبين الغائب من
الوفاق او ما
بينهما من الخلاف وتعليل المتفق منها والمختلف،
والقيام على
اصول الدول والملل ومبادى ء ظهورها.

واسباب
حدوثها
ودواعي كونها واحوال القائمين بها واخبارهم، حتى
يكون
مستوعبالاسباب كل حادث واقفا على اصول كل خبر.

وحينئذ
يعرض خبر المنقول على ما عنده في القواعد والاصول
فان
وافقهاوجرى على مقتضاها كان صحيحا والا زيفه
واستغنى
عنه.

ومااستكبر القدماء علم التاريخ الا لذلك حتى
انتحله
الطبري والبخاري وابن اسحاق من قبلهما وامثالهم
من علماء
الامة،وقد ذهل الكثير عن هذا السر فيه».

وبهذا انفتح امام المحققين باب واسع من ابواب
التاريخ واصبحت المادة التاريخية برمتها موضعا
للفحص
والمناقشة ومعرفة صدقها او كذبها من طريق آخر غير
تعديل
الراوي اوجرحه.

ولعل من الاسباب التي صرفت
المؤرخينن
المسلمين عن الاهتمام بهذا الجانب من النقد فى وقت
مبكر
هو طبيعة الدوافع التي حفزتهم على كتابة التاريخ.

لقد كانت
في اغلب الاحيان حوافز دينية بحيث يمكننا القول ان
مناشى ء
التاريخ الاسلامي كانت مناشى ء دينية، بل ان
التاريخ كله قد
ولجه المسلمون من باب الحديث.

فكان المحدث هو الاخباري نفسه الى ان
انفصلت الشخصيتان
وصار الاخباري غير المحدث لكنه بقي ادنى منه مرتبة
واقل
قدرا.

كان (الاسناد) اى تتبع سلسلة الرواة هوموضع
اهتمام
المحدث والغاية التي ينشدها في جهده وعمله وحين
يصح
الحديث بتعديل رواته وتوثيق ضبطه وتحريره لايبقى
الا العمل
به وليس هناك من مسوغ لمناقشة المتن
وتطبيق القواعد
المعروفة عليه.

وهذا ما اشار اليه ابن خلدون في مقدمته قائلا: «انما
كان التعديل والتجريح هو المعتبر في صحة الاخبار
الشرعية
لان معظمها تكاليف انشائية اوجب الشارع العمل بها
(متى)
حصل الظن بصدقها وسبيل صحة الظن الثقة
بالرواة العدالة
والضبط.

اما الاخبار عن والواقعات فلابد في صدقها
وصحتها
من اعتبارالمطابقة فلذلك وجب ان ينظر في امكان
وقوعه
وصار فيهاذلك اهم من التعديل ومقدما عليه اذ فائدة
الانشاء
مقتبسة منه فقط.

وفائدة الخبر منه ومن الخارج
بالمطابقة واذا
كان ذلك فالقانون في تمييز الحق من الباطل في
الاخبار
بالامكان والاستحالة ان ننظر في الاجتماع البشري
الذي
هوالعمران».

وبذلك اصبح التاريخ الاسلامي جميعا حقبة حقبة بل
واقعة واقعة موضعا للدراسة والتحقيق من هذا
الجانب.

وقد
اجتذبت السيرة النبوية اكثر اهتمام الدارسين بهذا
التاريخ
وصارت محورا لعمل المحققين وميدانا لمجهودات
متواصلة
منذ عدة قرون حتى يومنا هذا.

ورغم هذه الجهود ما زالت السيرة لنبوية بامس
الحاجة
الى الدراسات النقدية الجادة التي يمكنها الختراق
الحجب والتاشير على مواضع الخروق التي احدثتها
اصابع
الككذابين والقصاصين واهل الملل والنحل.

والدراسة التي بايدينا هي من دراسات
المجموعة الثانية غرضها
التحقيق في الوقائع والتدقيق في صحة ما ينسب الى
رسول اللّه
(ص) من الناحية التاريخية بمعنى ان موضع اهتمامها
هو
التاريخ فحسب فلم تدرس من السيرة الا ما
كان تاريخا وما وقع
منها في هذا المجرى ولهذا كانت الحادثة موضع
اهتمامها لا
الحديث والواقعة النبوية لا القول النبوي.

فهي ليست
دراسة قهية في السيرة النبوية ولا كلامية
ولاسياسية بل هي
دراسة تاريخية حصرت اهتمامها بهذا الجانب فحسب
وحين
يكون للواقعة اكثر من وجه تاريخي وغيره آكحادثة
الاسراء
والمعراج، ووقعة الغرانيق وما الى ذلك، فاننانجد
المؤلف لم
يبحث فيها الا بعدها التاريخي، اي مسالة وقوع هذه
الحادثة
وعدم وقوعها مع الكشف عن ملابسات ذلك الوقوع ويترك
ما
في الحادثة من قيمة اعجازية او مداليل آكلامية او
تشريعية
لمجالاتها الخاصة.

وقد سعت الدراسة جاهدة لان تضع الامور في
سياقهاالطبيعي
وترجع الظواهر الي اسبابها الحقيقة التي
اخفت رؤوسها تحت
السطح.

ولم تنهج في اثبات ما ينسب للسيرة اوينفى
عنها
المنهج الكلاسيكي المعروف، من التدقيق في
سندالواقعة
وقضايا الجرح والتعديل، وما الى ذلك، بل
انتجهت منهجا
اجتماعيا نفسيا يركز على تحيل الظروف
والملابسات الاجتماعية والسياسية الشخصية التي
اكتنفت
تلك الواقعة والخروج من خلال هذه المقارنات
بترجيح جانب
على آخرنفيا او اثباتا.

وقد اكسبت المؤلف تجربته الطويلة في هذا الميدان
قدرة جيدة على تشخيص الظواهر وامدته بخبرة واسعة
مكنته
من سبر اغوار المجتمع الجاهلي ومجتمع صدر الاسلام
ليغوص مع الاحداث التي تبرز على السطح الى جذورها،
فهو
لايكتفي عادة بالوصف العام الذي لا يلامس حقيقة
الاشياء
ولايهتدي الى كنهها.

وقد اختلط المؤلف له منهجا في هذه الدراسة اراد له
ان يكون
كما يبدو وسطا بين منهج بعض المؤرخين
المسلمين المحدثين والمنهج الاستشراقي التشكيكي
في
دراسة التاريخ.

فحاول ان يلتقط من الاول ايجابياته
ويتجنب
في الثاني مخاطره وسلبياته.

وربما مال في بعض
تحليلاته الى
هذاالطرف او ذاك فقد اخذ على المستشرقين مثلا نفيهم
للجانب الغيبي في دراسة السيرة ونكرانهم لكل ما
وراء
المادة والحس.

بينما لم يتفق مع بعض المسلمين في
اعتبارهم
السيرة النبوية ظاهرة سماوية حضة مقطوعة الصلة
بالناحية
البشرية وصيرورتها في الزمان والمكان.

وجريا على هذا المنهج بدا المؤلف دراسته بمقدمة
تمهيدية درس فيها طبيعة المجتمع الجاهلي قبل
الاسلام
والعناصرالمؤثرة فيه والقيم والنظم التي كانت
تحكمه وتؤثر
فيه وخاصة النظام القبلي وما يترتب، وما يتصل به
من اهتمام
بالانساب وضبط لها باعتبارها الخيط الوحيد الذي
يجمع اولئك
الناس المنتشرين في صحراء مترامية الاطراف لا
يوجد فيها
استقراردائم ولا وطن دائم ولا سلطان دائم.

لقد ثابر المؤلف واجتهد في تحليل المجتمع الجاهلي
وحاول ان يتعقب العناصر المؤثرة فيه الى ما بعد
الاسلام
ويكشف عن دورها فيما بعد في نشوب النزاعات وانشاء
التحالفات في العصر الاسلامي، وقد مال المؤلف في
بعض هذه
الابحاث الى الجانب الثاني (اي المنهج الاستشراقي)
مما جعله
ينتهي الى نتائج لا نتفق معه فيها، اشرنا الى
بعضها في
الهامش بتعليقات مختصرة.

لكن ذلك لا يضعف الدراسه
ولا
يقلل من اهمية الجهد المبذول فيها.

واخيرا نتقدم بجزيل الشكر والامتنان الى مركز
الغديرللدراسات
الاسلامية الذي احتضن هذه الدراسة وعمل على نشرها
بعد ان
مر على نقلها الى العربية اكثر من اربع سنوات.

داعين
المولى
جل شانه ان ياخذ بايدينا جميعا لما فيه خير
امتناوخدمة ديننا
الحنيف ونبيه الكريم(ص) و آخر دعوانا ان الحمدللّه
رب
العالمين.

علي السيد هادي
18 جمادى الاخرة 1417 ه
30/10/1996 م
بيروت لبنان
المقدمة المولف
اتفق جماعة من الاخوة العلماء، على تاليف سلسلة كتب
في حياة الرسول(ص) والائمة المعصومين(ع) على النحو
الذي يلبي حاجات عصرنا الراهن، ويستجيب
لطموحات المعاصرين الفكرية والنفسية، وقد تحمل كل
واحد
من هؤلاءالاخوة الكرام الكتابة في حياة واحد او
اثنين من هؤلاء
العظام،وعهدوا الي بالبحث في سيرة الرسول(ص)
والكتابة في
هذاالامر المهم، نظرا لمعرفتهم باشتغالي في تدريس
تاريخ الاسلام وسيرة النبي الاكرم لعدة سنين في
جامعة
طهران.

هذا وقد الفت كتب عديدة في سيرة الرسول(ص) يمكننا
رغم تعددها وتنوعها تصنيفها الى مجموعتين
رئيسيتين
تنقسم كل واحدة منهما الى مجاميع اصغر.

المجموعة الاولى: وهي الكتب التي صنفها
المؤلفون المسلمون
ابتدا من القرن الهجري الثاني الى يومنا هذا،
وكان الهدف منها
سد حاجة المسلمين وتلبية رغبتهم الشديدة
في الاطلاع على
حياة الرسول.

وكان من الطبيعي ان تزادالاضافات
والاسقاطات
التي تنسجم مع مذاهب المؤلفين كلماابتعدنا عن عصر
الرسول
وكلما زادت العقائد وكثرت الفرق والنحل في العالم
الاسلامي.

وكلما اقتربنا من عصر الرسول(ص) كلما قل الحذف
والاسقاط وكذلك الاضافات والزوائد المذهبية.

اما
التعصبات
القومية والقبلية فستبقى تلقي بظلها الثقيل على
السيرة
النبوية وتترك آثارها عليها.

لقد انتقل ميدان
المواجهة بين
قبائل جنوب الجزيرة وشمالها من السهول والصحرا
والمدن الى
الشعروالحديث والتاريخ والقصة، وقد ظهرت آثار هذه
النزاعات وامثالها حتى على كتب السيرة.

المجموعة الثانية: وهي الكتب التي صنفها
المؤلفون الاوروبيون او الاجانب غير المسلمين،
بشكل عام.

وكان الغرض منها كذلك تلبية رغبة اقوامهم واهل
ديانتهم
في الاطلاع على حياة رجل ربما يكون قد ترك اكبر
الاثر
في التاريخ.

اليهود المتعصبين، الذين يعتبرون نبي الاسلام(ص)
ذلك الانسان الذي وجه الى دينهم اقوى الضربات،
والحق به
اعظم الاضرار، فلا يسعهم والحالة هذه ان ينظروا
اليه نظرة
محايدة خالية من الخصومة، فحرفوا الوقائع
والاحداث بالصورة
التي تخدمهم وتضر بالاسلام.

وقد تعرض ايمان المفكرين والمؤرخين المؤمنين
بالكنيسة والقائمين عليها الى هزة عنيفة منذ
القرن التاسع
عشر فما بعدنتيجة لظهور افكار عصر النهضة منذ القرن
الثامن
عشر، ونال الكتاب قدرا اكثر من الحرية، ولم يعودوا
مجبرين
على متابعة اصحاب الكنيسة، اضف الى ذلك نفوذ الروح
العلمية والتحقيقية في طريقة كتابة التاريخ، فقد
تبدلت
طريقة ولهجة كتاب تاريخ الاسلام وسيرة الرسول(ص)
في
اوروبا، وآلت بالتدريج الى النقد العلمي للمصادر
وابدا وجهات
النظرالمحايدة والمجردة عن العصبية الدينية
والقومية بدلا
عن النهج السابق، وبذلت المساعي للتحقيق في حياة
نبي الاسلام(ص) وسيرته بنفس القدر المبذول للتحقيق
في
سيرة موسى وعيسى(ع) وكنفوسيوس وزرادشت وامثالهم.

ورغم ان التحقيق العلمي في المصادر والوثائق
والروايات
المرتبطة بتاريخ صدر الاسلام اعط ى نتائج مهمة
نسبيا من
وجهة نظركتابة التاريخ، وطرح جانبا اكثر آرا مصادر
تاريخ
الاسلام المتحيزة والناجمة عن العصبية، فقد برز
خطر آخر في
هذاالنوع من الكتابة قتل بصيص الامل الذي اوجده
النفس التحقيقي غير المنحاز، وابدله الى حالة من
الياس، ولم
يكن ذلك في تاريخ الاسلام فحسب بل ظهر بنفس الشدة
بل
اكثرواخطر في تاريخ الاديان والمذاهب الاخرى.

لم يكن هؤلاء الكتاب ينظرون الى الدين باعتباره
شيئا
فوق الطبيعة، انما تعاملوا معه تعاملهم مع سائر
الشؤون
الاجتماعية،ولم يكن ثمة فرق في نظرهم بين الدين
وباقي
الاموروالظواهر الاجتماعية، والتحقيق في تاريخ
وظهور
الاديان لديهم كالتحقيق في تاريخ السياسة
والاقتصاد والشؤون
الحربية وتغلب بعض الاقوام والدول على بعض، ولذلك
صار
الدين عندهم امرا دنيويا.

وان خطر تحول الدين الى
امر دنيوي
من شانه ان يزعزع ايمان وعقيدة اولئك المشتاقين
المتطلعين
الى معرفة سير العظام من اصحاب الرسالات وتاريخ
ظهورالاديان، وهذا هو خطر «تدوين التاريخ» الذي
يرى ان
معرفة كل شي ء يجري في اطار التاريخ ومن خلال
تطوره، ولا
يقيم اية اهمية «للصورة» و «الماهية» و «المثال»،
وهكذا
يصبح الدين امرا طبيعيا ناشئا عن غريزة الخوف او
المصالح الاخلاقية او العامل الاقتصادي او ما
شابه ذلك، لان
تاريخ تطور كل شي ء يجري في اطار الطبيعة، وتنطوي
«الكتابة التاريخية» و «انباء التاريخ» على خطر
اهم، ذلك هو
خطرالوقوع في النسبية ونسبية الامور وخصوصا
الاخلاقيات،فبموجب هذه النظرة يجب ان تكون حقيقة
الامور
متحققة في تطورها ونموها، اذن ليست هناك حقيقة
مطلقة
كتلك التي يذهب اليها اصحاب الاديان ويدعون لها،
كما لا
توجد قيم اخلاقية مطلقة، كل شي ء مرتبط بطبيعته
السياسية
غير الثابتة،وله في كل حالة وآن حقيقة تختلف عن
الحالات
السابقة واللاحقة لها.

ولكن اثبتت الهزات والاضطرابات والتحولات
الاجتماعية
في القرن التاسع عشر والقرن العشرين ان عدم
الايمان
بحقائق مسلمة وثابتة وغير قابلة للتغير، لا يسلب
المجتمعات
البشرية قدرتها على تحسين اوضاعها الاجتماعية
والاخلاقية
فحسب بل ويجعل العلائق الاجتماعية والاخلاقية في
حالة
مؤسفة من الضعف والانحلال، ومهما كانت القوانين
الوضعية
صارمة وشاملة ومهما بذل من جهد لتطبيقها لا يمكنها
ان تحل
محل قوانين الاديان الابدية الحاكمة على القلوب
والمهيمنة
على اعماق نفوس البشر، ففي بناء المجتمعات تكون
القوانين الوضعية كالقوانين والقواعد الهندسية
التي
يستخدمهاالمهندسون والمعماريون في تشييد المباني.

فلو فقدت المواد الانشائية اللازمة واريد اقامة
مبنى
طبقاللقوانين الهندسية من الورق والمقوى مثلا، فقد
يبدو
مثل هذاالمبنى جميلا ومستقرا من الخارج، ولكنه
سرعان ما
ينهار عندتعرضه لابسط هزة، كما هي عليه الان
المجتمعات
التي بلغت قمة الرفاه الاقتصادي والتي يجري فيها
تطبيق
القوانين الوضعية بشدة وصرامة، نجدها تعيش الفساد
الاخلاقي
والاجتماعي اكثر من اي مكان وزمان آخرين.

اذا لا يمكن النظر الى الدين على انه مجرد ظاهرة
تاريخية،ولا
يمكن قراته من خلال التطورات والتحولات
التاريخية الصرفة،
فالنظرة التاريخية الى الدين شي ء لازم لكنه
غيركاف، فاذا ما
حاولنا متابعة ظهور وانتشار دين ما على
ضوءالموازين
التاريخية المتاحة، فيجب ان يتم ذلك من
خلال الانتباه الى
كمال «الصورة» و «المثال» وخلودهما، فهماالحاكمان
على
تلك التطورات والتحولات والملازمان للدين في جميع
مراحله، وهما اللذان يحفظانه من السقوط في حضيض
النسبية، بل يجب ان نعتبر ذلك اصلا، اما
مراحل التطور
والتحول والمجريات التاريخية فهي فرع.

يقول الشاعر الايراني مولوي: انك لترى صورة القمر
والنجوم مستقرة على ماء يجري باستمرار«1».

ان الامور الطبيعية في عالم الطبيعة والامور
الانسانية
ومنهاالتاريخ، انما هي بناء- على طبيعتها الزمانية-
دائما في
حالة حركة وتجدد وسيلان، وهذا من الامور المسلمة
تقريبا
لدى الجميع باستثناء اولئك الذين ينكرون الحركة،
اما الامور
غيرالمادية وغير الطبيعية فهي ليست في معرض الكون
والفساد،وليس لها صيرورة، بل ان وجودها ثابت
ومتحقق من
الاول ولاتخضع للحركة والتغيير، واثبات ذلك من
شؤون العلم
الالهي وما ورا الطبيعة، ونحن نبحثه هنا على انه
من الامور
المسلمة اوباعتباره اصلا موضوعيا ثابتا.

كذلك الذات الالهية المنزهة عن المادة والتركيب
والحاكمة على الكون والمهيمنة عليه، هي الاخرى
ابدية لا
تتغير،وكذلك القوانين الالهية الحاكمة على العالم
والهادية له
بحكم اللّه، هي الاءخرى ابدية لا تتغير، ومن هذه
القوانين
قانون الحركة والسيلان وتطور الامور الطبيعية
الذي هو ثابت
وابدي.

فقانون التطور الذي يبين تطور الموجودات
وتغيرها
الدائم هونفسه ثابت وابدي من ناحية انتسابه الى ما
ورا
الطبيعة وذات الباري.

ان الاديان الالهية ابدية وازلية وثابتة كقانون
الحركة
والتكامل من ناحية انتسابها الى ذات الباري
تعالى، اما من ناحية
وجودهافي عالم الطبيعة وفي المجتمعات الانسانية
فانها تابعة
الى قوانين الطبيعة ومنقادة للحركة والاستمرارية
والتطور.

ولا بد لمن يؤرخ للاديان الالهية ان ياخذ بنظر
الاعتبار
كلاالجانبين الطبيعي والالهي، فهو في اطار الطبيعة
والمجتمعات الانسانية مشمول بقوانين الزمن
والتاريخ
والحركة، ومن جهة كونه الهيا وكونه فوق الطبيعة
ثابت وازلي،
هذا هو سر التطابق والتوافق بين الاية الشريفة (ان
الدين عند
اللّه الاسلام) «آل عمران: 19».

الناظرة الى الجانب
الالهي الخالد،
والاية الشريفة (اليوم اكملت لكم دينكم واتممت
عليكم
نعمتي)«المائدة: 3».

الناظرة الى سير الدين في مجرى
الطبيعة والتاريخ.

ولكن ينبغي الانتباه الى ان تلك
سنة الهية،
والسنة الالهية غير قابلة للتغيير والتبدل، فكل
شي ء في عالم
الطبيعة ومنها التاريخ يجري طبقا للاسباب
والمسببات
القانونية، اي العلة والمعلول.

كل شي ء في
الطبيعة- بناء على
ارادة اللّهالازلية- مقهور للطبيعة ومحكوم لاحكام
تلك السنة،
لكن لايمكن للنظرة المتفحصة الا ان تلمح اليد
الخفية
الغيبية والمشيئة الالهية في سير هذه الاحداث
الطبيعية
وضمن هذاالتسلسل من العلل والمعلولات.

واخيرا فانه لا بد للمؤرخ والمحقق من عينين ينظر
باحديهماالى عالم الغيب والارادة الالهية،
وبالاءخرى الى عالم
الحس وعالم الطبيعة ويرى فيها اسبابه ولوازمه،
ينبغي ان
يتمتع بالنظرتين ولا يكون احادي النظرة والاتجاه.

فرغم ايماننا حين نستعرض احوال النبي الاكرم(ص)
بانه مبعوث من قبل اللّه سبحانه وتعالى وانه هادي
البشرية،
وان دينه اكمل الاديان، وهو خاتم الانبياء، وان
رسالته فوق
الزمان والمكان، ومصونة عن التغيير والتبدل،
ولكننا لا نملك
الا ان نتابع سير الاحداث التاريخية وفقا لما يجري
في الطبيعة
وعالم المادة، فنبي الاسلام(ص) كاي بشر آخر ولد من
اب وام،
ثم كبر وتزوج، واخيرا ارتحل عن هذه الدنيا.

فالولادة
والموت،والرشد والبلوغ، والشباب والشيخوخة، انما
هي امور
حتمية يواجهها كل كائن حي، ولا يوجد في حياته(ص) من
هذه الناحية امر معجز خارق للعادة، واذا ما حكمنا
عليه(ص)
من خلال التاريخ فيجب ان تنسب الاءمور الخارقة
للعادة والمعجزات والكرامات الى الجانب الالهي
فيه، ونتحدث
في ذلك على ضوء معتقداتنا.

واذا ما سكت التاريخ عن
هذه الناحية، فلا نبدل سكوته هذا الى نعي وانكار
ونؤكد في
باب المعجزة على معجزته التاريخية فقط، وهي
القرآن
الكريم الذي ثبت انه ابدي، ولا يستطيع احد ان ياتي
بمثله، وقد
انجزاللّه وعده وتعهد بحفظه من اي تغيير او تبديل
طيلة
الاربعة عشر قرنا الماضية، وسيبقى الى الابد.

وفضلا عن هذا، فان اي امر معجز نسب اليه، له
وجهان وجانبان
كوجهي العملة الواحدة، لا يمكن فصلهما، احدهماالهي
غيبي،
فنحن على يقين ان لا شي ء يخرج عن ارادته سبحانه
وتعالى،
ومهما بدا الامر مستحيلا في عالم الطبيعة،فانه
خارج عالم
الطبيعة امر ممكن وقابل للتصور.

والجانب الاخر هو
الجانب
الطبيعي الذي نعتقد في حدوده ان جميع ماينسب الى
الانبياء(ع) من معاجز وامور خارقة للعادة
قابلة للتعليل
والتفسير من ناحية عالم المادة والطبيعة، واذا ما
ظهرعجز في
تحليلها وتعليلها فان ذلك عائد الى عجزنا نحن،
ومااكثر
الامور الطبيعية في هذا العالم التي ما زالت عقول
البشرعاجزة
عن ادراك كنهها وتفسيرها!
وسنسعى مع ذلك الى توجيه تلك المسائل بما تتيحه
لنامداليل الايات والاخبار الشريفة، وبما لا يذهب
بنا بعيدا
عن الذوق والسليقة، توجيها لا يتنافى وقوانين
الطبيعة
الظاهرة المانوسة لدينا.

وهذه التوجيهات التي ستطرح في مناسباتها من
الوقائع التاريخية وحوادث حياة الرسول(ص) لا تعني
خوضنا
في المسائل الكلامية والاعتقادية، فنبحث مثلا
بمناسبة
الاسراوالمعراج مسالة المعراج الجسماني
والروحاني، فهذه
الاءموروامثالها من مسائل علم الكلام الاسلامي،
ولا صلة
لها بالتاريخ.

ولانها ذكرت في سيرة الرسول(ص) فسنضطر
الى استعراضها
بالقدر الذي تدعو الحاجة اليه، وسيكون ذلك في نطاق
سيرة
الرسول(ص) والتاريخ، وسنصرف النظر عن المعجزات
التي
نسبت اليه(ص) والتي لا صلة لها بحادثة اوواقعة
تاريخية
معينة، اذ تنعدم هنا العلاقة بالتاريخ
وتدخل المسالة في مباحث
علم الكلام ومسالة اثبات النبوة الخاصة.

القرآن وسيرة الرسول(ص):
لا يمكننا قول شي ء فيما يخص القرآن الكريم، فوق ما
يقوله القرآن نفسه، وهذه الاية الشريفة التي تقول:
(ذلك
الكتاب لاريب فيه هدى للمتقين) «البقرة: 2» هي بيان
لصفتين مهمتين في القرآن الكريم: كونه قطعيا،
وكونه هاديا،
وتعني قطعيته بالنسبة للمسلمين شيئين، احدهما:
صدوره
القطعي من قبل اللّه تعالى، والاخر: ان جميع آيات
هذا الكتاب
العظيم سمعت بلسان عربي مبين نطق بها الرسول(ص)،
وحفظت بدقة وحرص متواصل طيلة اربعة عشر قرنا،
وستبقى
هكذامحفوظة على مر العصور وتعاقب الايام، وما
نقصده
بهذاالحديث ان القرآن الكريم من اوثق الوثائق
الباقية
عن الرسول(ص) واكثرها يقينية.

واذا ما تردد البعض
من
غيرالمسلمين في قطعية صدور القرآن الكريم عن اللّه
سبحانه وتعالى، فانهم لا يترددون بصدور كلماته
وآياته
عن الرسول(ص) نفسه، ولا قيمة لتردد قلة معدودة في
هذاالمجال، وربما سنتعرض لهذا الموضوع في مباحث
قادمة بصورة استدلالية اكثر تفصيلا.

وكون القرآن قطعي الصدور عن الرسول(ص) (اي مع
قطع النظر عن كونه وحيا الهيا) فان ذلك وحده يجعله
وثيقة
لها قيمة تاريخية خاصة بالنسبة لحياة الرسول(ص).

اما ما يمكن استخلاصه بشكل واضح من الاية الشريفة،
ان القرآن الكريم بلحاظ الموضوع كتاب هداية
وارشاد
وليس شيئا آخر، وما نجده من كثرة الايات التي
تتحدث عن
حياة الانبياء امثال: يوسف وموسى ونوح وابراهيم
وعيسى
عليهم السلام ، او التي تتحدث عن مصير بعض الاقوام
من قبيل
عادوثمود وقوم لوط وامثالهم، انما هي متعلقة
بالدرجة
الاءولى بموضوع الهداية والتوجيه، وهكذا الايات
التي تتحدث
عن سيرة الرسول(ص) وشؤون حياته وما واجهه من
احداث وتطورات في اثنائها هي الاءخرى تتعلق
بموضوع الهداية
قبل اي شي ء آخر، ويتضح هذا المعنى عند ادنى تامل
فيها.

ولكن ذلك لا يمنع من ان تكون تلك الايات بمثابة
وثيقة
قطعية يستند اليها كتاب السيرة لمعرفة حياة
الرسول(ص)
والاحداث التي حفلت بها حياته الشريفة.

وبذلك يكون القرآن الكريم اعظم الوثائق التاريخية
اتقانا،واكثرها قطعية بالنسبة الى بعض ما حدث
للرسول(ص)
اثناءحياته، وهو يؤيد ما ورد حول حياته(ص) في
المصادرالاءخرى.

ولكن نظرا لان مسالة الهداية هي الموضوع الاساسي
لهذه الايات، فانها لم تات في القرآن الكريم بنظم
وترتيب
تاريخي،بل جاءت في مواضع ومناسبات اخرى يرتبط
اكثرها
بالهدف الاساسي للقرآن الكريم.

مصادر سيرة الرسول(ص):
بدا تدوين سيرة الرسول(ص) في الوقت الذي
اصبحت الحاجة
اليها محسوسة، وقد استشعر الناس بهذه
الحاجة عندما فقدوا
تدريجيا عددا كبيرا من الصحابة(ص) الذين كانواشهودا
على
احداث كبرى في حياته، وكان المسلمون، من غيرالعرب
واهل
البلاد المفتوحة، يستشعرون عظمة الدين الجديد
بعمق
ويتوقون لمعرفة احوال صاحب الرسالة(ص)،فقد كان اهل
المدن الاسلامية الكبرى من الكوفة والبصرة ودمشق
ومصر
والري في اتم الشوق واللهفة لمعرفة وقائع
ايام الرسول(ص)
وصدر الاسلام، وقد اصبح العدد المحدود من اصحاب
الرسول(ص) الذين ما زالوا على قيد الحياة
مرجعااوليا ومصدرا
اساسيا يرجع اليه في هذا المجال، ثم اخذالمحيطون
بهم
والراوون عنهم والذين اطلق عليهم
(التابعون)،يحتلون نفس
الموقع تدريجيا.

وكانت مرجعية التابعين من اولاد الصحابة في
المدينة،
سيمااولاد المهاجرين الذين هم اقرب الناس اليه(ص)،
اكثروضوحا من غيرها، وتتاكد هذه المرجعية اكثر حين
يكون
لدى التابعي نفسه شوق ورغبة في الاطلاع على حياة
الرسول ووقائع صدر الاسلام، وتذكر كتب السيرة
والحديث
علمين بارزين من التابعين هما: ابان بن عثمان بن
عفان، ابن
الخليفة الثالث والمتوفى عام (81 او 105ه) والاخر ابو
عبداللّه
(عروة بن الزبير بن العوام الاسدي) المتوفى عام (91
ه) وابوه
من اشهر اصحاب الرسول(ص)، ولكن لاسباب سياسية
كمايبدو
لم يمض العمل بتدوين سيرة الرسول(ص) ايام
الامويين الا
ببط ء، ولم تسمح المصالح والمطامع السياسية لهذا
العمل ان
يتقدم رغم شوق الناس وتعطشهم الشديد اليه.

والسبب
في ذلك هو ان بني امية كان اكثرهم من اعدا الدعوة
الاسلامية
ايام انطلاقتها الاولى، وعلى راسهم زعيم هذه
العائلة ابو
سفيان،الذي كان من الد اعدا الرسول(ص)، وهو الذي قاد
معارك كفارقريش ضد المسلمين، ولم يسلم هو وابناؤه
وعدد
آخر من بني امية الا في السنة الثامنة للهجرة بعد
فتح مكة.

فكتابة تاريخ الاسلام وتدوين حياة الرسول(ص)
واستعراض
فتوحاته، التي كان خصمه الرئيسي فيها وعدو
الاسلام الاول
بني امية واجدادالخلفاء الامويين وعشيرتهم، ان
تاريخا كهذا لا
يسر هذا البطن الا اذا حرف كثير من الاحداث
والوقائع بالشكل
الذي يخدم مصالح بني امية.

هذا وقد كان اهل المدينة
(اي
الانصار) قداوقعوا بالمكيين والقرشيين، وخصوصا بني
امية،
ضربات قوية،ولم يقفوا الى جانب عثمان بن عفان
الاءموي في
الثورة التي آلت الى قتله، فمن الطبيعي في مثل هذه
الحالة ان
تكون ثمارتدوين سيرة الرسول(ص) لصالح الانصار، وهذا
ما لا
يسع خلفاء بني امية قبوله.

ومن جانب آخر كان بنو
هاشم،
وهم اسرة الرسول(ص)، قد بذلوا التضحيات الجسام في
تلك المعارك، وابروا من الشجاعة والاقدام شيئا
عجيبا، وكان
اميرالمؤمنين علي بن ابي طالب(ع) قد قتل جماعة من
رؤوس
بني امية في معركة بدر، في الوقت الذي كان خصمه
الرئيسي ومدعي الخلافة من بني امية هو معاوية بن
ابي سفيان.

فلا يمكن لبني امية ان يرتضوا تدوين تاريخ، يحتل
اعداؤهم موقع الصدارة فيه دفاعا عن الاسلام
وتاييدا له،
ويحتل اجدادهم موقع الاعدا الالدا للاسلام
ودعوته، اللهم الا
ان يكتب تاريخ ليس فيه ذكر لاعمال بني امية، ولا
اشارة لمعاداتهم الشديدة للاسلام.

وهناك من
الشواهد التي
في ايدينا ما يؤكد هذا الامر بل يجعله اقرب الى
اليقين.

احد هذه الشواهد رواية ينقلها الزبير بن بكار
في الموفقيات«2»، جاء فيها: «قدم علينا
سليمان بن
عبدالملك«3»،
حاجا سنة اثنتين وثمانين، وهو ولي عهد،
فمربالمدينة، فدخل عليه الناس، فسلموا عليه، وركب
الى
مشاهدالنبي(ص) التي صلى فيها، وحيث اصيب اصحابه
باءحد،
ومعه ابان بن عثمان وعمر بن عثمان، وابو بكر بن
عبداللّه بن
ابي احمد، فاتوا به قباء، ومسجد الفضيخ، ومشربة ام
ابراهيم،واحد، وكل ذلك يسالهم، ويخبرونه عما كان،
ثم امر
ابان بن عثمان ان يكتب سيرة النبي صلى اللّه عليه
وآله
وسلم ومغازيه، فقال ابان: هي عندي قد اخذتها مصححة
ممن
اثق به،فامر بنسخها، والقى فيها «الى » عشرة من
الكتاب،
فكتبوها في رق، فلما صارت اليه نظر فاذا فيها ذكر
الانصار في
العقبتين،وذكر الانصار في بدر، فقال: ما كنت ارى
لهؤلاء القوم
هذاالفضل، فاما ان يكون اهل بيتي غمصوا عليهم، واما
ان
لايكونوا كذلك.

فقال ابان بن عثمان: ايها الامير، لا يمنعنا ما
صنعوا
بالشهيدالمظلوم من خذلانه، ان القول بالحق، هم على
ما
وصفنا لك في كتابنا هذا.

قال: ما حاجتي الى ان انسخ
ذاك
حتى اذكره لامير المؤمنين، لعله يخالفه، فامر
بذلك الكتاب
فحرق.

وقال:اسال امير المؤمنين اذا رجعت، فان
يوافقه، فما
ايسر نسخه!فرجع سليمان بن عبد الملك فاخبر اباه
بالذي كان
من قول ابان، فقال عبد الملك: وما حاجتك ان تقدم
بكتاب
ليس لنا فيه فضل، تعرف اهل الشام امورا لا نريد ان
يعرفوها.

قال سليمان: فلذلك يا امير المؤمنين، امرت بتخريق
ما
كنت نسخته حتى استطلع راي امير المؤمنين.

فصوب
رايه.

وكان عبد الملك يثقل عليه ذلك، ثم ان سليمان جلس
مع قبيصة بن ذؤيب، فاخبره خبر ابان بن عثمان، وما
نسخ
من تلك الكتب، وما خالف امير المؤمنين فيها، فقال
قبيصة:
لولا ماكرهه امير المؤمنين، لكان من الحظ ان تعلمها
وتعلمها
ولدك واعقابهم، ان حظ امير المؤمنين فيها لوافر،
ان اهل بيت
اميرالمؤمنين لاكثر من شهد بدرا، فشهدها من بني عبد
شمس ستة عشر رجلا من انفسهم وحلفائهم ومواليهم،
وحليف
القوم منهم، ومولى القوم منهم، وتوفي رسول
اللّه(ص) وعماله
من بني امية اربعة: عتاب بن اسيد على مكة، وابان بن
سعيد
على البحرين، وخالد بن سعيد على اليمن، وابو سفيان
بن
حرب على نجران، عاملا لرسول اللّه(ص) ولكني رايت
اميرالمؤمنين كره من ذلك شيئا، فما كره فلا تخالفه.

ثم قال قبيصة: لقد رايتني وهو يعني عبد الملك وعدة
من
ابناءالمهاجرين، مالنا علم غير ذلك حتى احكمناه،
ثم نظرنا
بعدفي الحلال والحرام.

فقال سليمان: يا ابا اسحاق، الا تخبرني عن هذا البغض
من امير
المؤمنين واهل بيته لهذا الحي من الانصار
وحرمانهم اياهم، لم
كانا؟، فقال: يا ابن اخي، اول من احدث ذلك
معاوية بن ابي
سفيان، ثم احدثه ابو عبد الملك، ثم احدثه ابوك.

فقال:علام
ذلك؟ قال: فواللّه ما اريد به الا لاعلمه واعرفه.

فقال: لانهم قتلوا قوما من قومهم، وما كان من
خذلانهم
عثمان رضي اللّه عنهم فحقدوا عليهم، وتوارثوا ذلك
الحقد،
وكنت احب لامير المؤمنين ان يكون على غير ذلك لهم،
وان
اخرج من مالي، فكلمه.

فقال سليمان: افعل واللّه.

فكلمه
وقبيصة حاضر، فاخبره قبيصة بما كان من محاورتهم.

فقال
عبد الملك:واللّه ما اقدر على غير ذلك، فدعونا من
ذكرهم،
فاسكت القوم».

وتتضمن الرواية المذكورة، التي نكاد نطمئن الى
صحتها،
نقاطامهمة، الاءولى: رغبة الجيل الثالث بعد الرسول
في
الاطلاع على سيرته(ص).

والثانية: ان هذه السيرة قد
دونت
منذ القدم،فاخذها ابان بن عثمان وهو من التابعين عن
احد
الثقات وربماكان من اصحاب رسول اللّه(ص).

وعلى هذا
يمكننا
القول ان هناك من بين الصحابة من كان يدون احداث
ذلك
العصر،ويؤيد ذلك خبر مروي عن عبداللّه بن عمر بن
العاص انه
كان يكتب كل ما يسمعه من الرسول(ص) في كتاب اطلق
عليه(الصحيفة الصادقة)«4» ولا تدل الرواية على تدوين
الوقائع والاحداث بل تنص على تدوين الحديث.

والنقطة
المهمة الاءخرى التي هي محل بحثنا ان بني امية
كانوا
يكرهون انتشار سيرة الرسول(ص) وتدوينها لاسباب
سياسية
اوعصبيات عشائرية، او بصورة اكثر تحديدا بسبب
الاحداث الدامية التي وقعت بين الانصار وبني امية.

وهناك روايات تتحدث عن ان عبد الملك بن مروان كان
قدسال عروة بن الزبير كتبا بعض الاسئلة المتعلقة
باحداث
صدرالاسلام واجابه الاخير عليها.

وربما كان يمكن
اعتبار
ذلك دليلا على رغبة عبد الملك في الاطلاع على سيرة
النبي(ص)لو كان ما سال عنه عبد الملك ذا قيمة واهمية
او
من المسائل الحساسة كفضائل بني هاشم ومناقب
الانصار، انما
كانت حول مسائل اخرى من قبيل خروج ابي سفيان
لمعركة
بدر، اووقائع معركة خالد بن الوليد في فتح مكة وغير
ذلك.

ومن ضمن الروايات التي تحكي معارضة بني امية
لتدوين السيرة، خبر جاءنا عن خالد بن عبداللّه
القسري،
حاكم العراقين في عهد هشام بن عبد الملك، والمقتول
في
السجن عام 135 او 136 ه، حيث يقول الخبر الذي اورده
صاحب الاغاني: ان خالد بن عبداللّه طلب من العالم
والمحدث المشهور محمد بن شهاب الزهري ان يكتب له
السيرة، فقال له: فانه يمر بي الشي ء من سير علي بن
ابي طالب
صلوات اللّهعليه اذكره؟ فقال: لا، الا ان تراه في
قعر
الجحيم«5».

وكان خالد واليا من قبل هشام بن عبد الملك،
ورغم وجود الصفات الجيدة من السخاء والفصاحة الا
انه كان
رجلا بخيلا ومتهمافي دينه، وبالفساد وخصوصا الفساد
الاخلاقي، حيث نقل عنه في شبابه انه: كان في حداثته
يتخنث
ويتتبع المغنين والمخنثين متهما ويمشي بين عمر بن
ابي
ربيعة وبين النساء في رسائلهن اليه«7».

رغم هذا كله لم يستطع بنو امية الوقوف امام رغبة
الناس وشوقهم في الاطلاع على السيرة، فشرعت
شخصيات
عظيمة وعلماء كبار، امثال: ابن شهاب الزهري، وابو
الاسود،
وموسى بن عقبة، ومحمد بن اسحاق، وابو معشر السندي
بتاليف وتدوين سيرة الرسول(ص).

ومن اهم تلك الاثار،
التي
وصلت الينا واشملها: سيرة محمد بن اسحاق بتلخيص
ابي
محمد عبدالملك بن هشام الحميري النحوي المتوفى (218
او
213 ه)كما انها تعتبر اقدم واوثق كتاب حول الرسول(ص).

ومصادرنا الاساسية في كتابنا هذا، اولا: ذلك
التلخيص
(اي تلخيص ابن هشام) المعروف بسيرة ابن هشام،
وثانيا:
تاريخ الطبري، الذي ينقل سيرة ابن اسحاق بطرق اخرى
(اي
عن رواة آخرين نقلوا عن محمد بن اسحاق، امثال سلمة
بن الفضل، ويونس بن بكير.

والثالث: سيرة ابن اسحاق
عن
نسخة القرويين، وهي النسخة التي وجدت في مكتبة
القرويين
في مدينة فاس المغربية، وبتحقيق محمد حميد اللّه
عام 1979
م،وقد طبعت في المغرب، ونسخة القرويين برواية يونس
بن بكير.

ومن مصادرنا الاءخرى: كتاب (المغازي)
لمحمد
بن عمر الواقدي (طبعة لندن، 1966) وطبقات ابن سعد
كاتب الواقدي (منشورات زاخاو، برلين) وكتاب (انساب
الاشراف)للبلاذري (ج 1)، وكتب اخرى سنشير اليها
اثناء
البحث.

الجزيرة العربية قبل الاسلام

/ 13