28 سورة القصص - 1 - 14 - تفسیر المیزان جلد 16

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تفسیر المیزان - جلد 16

سیدمحمد حسین طباطبائی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

28 سورة القصص - 1 - 14







بِسمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ طسم (1) تِلْك ءَايَت الْكِتَبِ الْمُبِينِ (2) نَتْلُوا عَلَيْك مِن نّبَإِ مُوسى وَ فِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (3) إِنّ فِرْعَوْنَ عَلا فى الأَرْضِ وَ جَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَستَضعِف طائفَةً مِّنهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَ يَستَحْىِ نِساءَهُمْ إِنّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وَ نُرِيدُ أَن نّمُنّ عَلى الّذِينَ استُضعِفُوا فى الأَرْضِ وَ نجْعَلَهُمْ أَئمّةً وَ نجْعَلَهُمُ الْوَرِثِينَ (5) وَ نُمَكِّنَ لهَُمْ فى الأَرْضِ وَ نُرِى فِرْعَوْنَ وَ هَمَنَ وَ جُنُودَهُمَا مِنْهُم مّا كانُوا يحْذَرُونَ (6) وَ أَوْحَيْنَا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فى الْيَمِّ وَ لا تخَافى وَ لا تحْزَنى إِنّا رَادّوهُ إِلَيْكِ وَ جَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسلِينَ (7) فَالْتَقَطهُ ءَالُ فِرْعَوْنَ لِيَكونَ لَهُمْ عَدُوّا وَ حَزَناً إِنّ فِرْعَوْنَ وَ هَمَنَ وَ جُنُودَهُمَا كانُوا خَطِئِينَ (8) وَ قَالَتِ امْرَأَت فِرْعَوْنَ قُرّت عَينٍ لى وَ لَك لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتّخِذَهُ وَلَداً وَ هُمْ لا يَشعُرُونَ (9) وَ أَصبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسى فَرِغاً إِن كادَت لَتُبْدِى بِهِ لَوْ لا أَن رّبَطنَا عَلى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10) وَ قَالَت لأُخْتِهِ قُصيهِ فَبَصرَت بِهِ عَن جُنُبٍ وَ هُمْ لا يَشعُرُونَ (11) وَ حَرّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَت هَلْ أَدُلّكمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكمْ وَ هُمْ لَهُ نَصِحُونَ (12) فَرَدَدْنَهُ إِلى أُمِّهِ كىْ تَقَرّ عَيْنُهَا وَ لا تَحْزَنَ وَ لِتَعْلَمَ أَنّ وَعْدَ اللّهِ حَقّ وَ لَكِنّ أَكثرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (13) وَ لَمّا بَلَغَ أَشدّهُ وَ استَوَى ءَاتَيْنَهُ حُكْماً وَ عِلْماً وَ كَذَلِك نجْزِى الْمُحْسِنِينَ (14)

بيان



غرض السورة الوعد الجميل للمؤمنين و هم بمكة قبل الهجرة شرذمة قليلون يستضعفهم فراعنة قريش و طغاتها و اليوم يوم شدة و عسرة و فتنة بأن الله سيمن عليهم و يجعلهم أئمة و يجعلهم الوارثين و يمكن لهم و يرى طغاة قومهم منهم ما كانوا يحذرون يقص تعالى للمؤمنين من قصة موسى و فرعون أنه خلق موسى في حين كان فرعون في أوج قدرته يستضعف بني إسرائيل يذبح أبناءهم و يستحيي نساءهم فرباه في حجر عدو، حتى إذا استوى و بلغ أشده نجاه و أخرجه من بينهم إلى مدين ثم رده إليهم رسولا منه بسلطان مبين حتى إذا أغرق فرعون و جنوده أجمعين و جعل بني إسرائيل هم الوارثين و أنزل التوراة على موسى هدى و بصائر للمؤمنين.





و على هذا المجرى يجري حال المؤمنين و فيه وعد لهم بالملك و العزة و السلطان و وعد للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) برده إلى معاد.





و انتقل من القصة إلى بيان أن من الواجب في حكمة الله أن ينزل كتابا من عنده للدعوة الحقة ثم ذكر طعنهم في دعوة القرآن بقولهم: لو لا أوتي مثل ما أوتي موسى و الجواب عنه، و تعللهم عن الإيمان بقولهم: إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا و الجواب عنه و فيه التمثل بقصة قارون و خسفه.





و السورة مكية كما يشهد بذلك سياق آياتها، و ما أوردناه من الآيات فصل من قصة موسى و فرعون من يوم ولد موسى إلى بلوغه أشده.





قوله تعالى: "طسم تلك آيات الكتاب المبين" تقدم الكلام فيه في نظائره.





قوله تعالى: "نتلوا عليك من نبأ موسى و فرعون بالحق لقوم يؤمنون" "من" للتبعيض و "بالحق" متعلق بقوله: "نتلوا" أي نتلو تلاوة متلبسة بالحق فهو من عندنا و بوحي منا من غير أن يداخل في إلقائه الشياطين، و يمكن أن يكون متعلقا بنبإ أي حال كون النبإ الذي نتلوه عليك متلبسا بالحق لا مرية فيه.





و قوله: "لقوم يؤمنون" اللام فيه للتعليل و هو متعلق بقوله: "نتلوا" أي نتلو عليك من نبإهما لأجل قوم يؤمنون بآياتنا.





و محصل المعنى: نتلو عليك بعض نبإ موسى و فرعون تلاوة بالحق لأجل أن يتدبر فيه هؤلاء الذين يؤمنون بآياتنا ممن اتبعوك و هم طائفة أذلاء مستضعفون في أيدي فراعنة قريش و طغاة قومهم فيتحققوا أن الله الذي آمنوا به و برسوله و تحملوا كل أذى في سبيله هو الله الذي أنشأ موسى (عليه السلام) لإحياء الحق و إنجاء بني إسرائيل و إعزازهم بعد ذلتهم هاتيك الذلة يذبح أبناءهم و يستحيي نساءهم و قد علا فرعون و أنشب فيهم مخالب قهره و أحاط بهم بجوره.





أنشأه و الجو ذلك الجو المظلم الذي لا مطمع فيه فرباه في حجر عدوه ثم أخرجه من مصر ثم أعاده إليهم بسلطان فأنجى به بني إسرائيل و أفنى بيده فرعون و جنوده و جعلهم أحاديث و أحلاما.





فهو الله جل شأنه يقص على نبيه قصتهم و يرمز له و لهم بقوله: "لقوم يؤمنون" أنه سيفعل بهؤلاء مثل ما فعل بأولئك و يمن على هؤلاء المستضعفين و يجعلهم أئمة و يجعلهم الوارثين حذو ما صنع ببني إسرائيل.





قوله تعالى: "إن فرعون علا في الأرض و جعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم" إلخ، العلو في الأرض كناية عن التجبر و الاستكبار، و الشيع جمع شيعة و هي الفرقة، قال في المجمع:، الشيع: الفرق و كل فرقة شيعة و سموا بذلك لأن بعضهم يتابع بعضا.





انتهى.





و كان المراد بجعل أهل الأرض - و كأنهم أهل مصر و اللام للعهد - فرقا إلقاء الاختلاف بينهم لئلا يتفق كلمتهم فيثوروا عليه و يقلبوا عليه الأمور على ما هو من دأب الملوك في بسط القدرة و تقوية السلطة، و استحياء النساء إبقاء حياتهن.





و محصل المعنى: أن فرعون علا في الأرض و تفوق فيها ببسط السلطة على الناس و إنفاذ القدرة فيهم و جعل أهلها شيعا و فرقا مختلفة لا تجتمع كلمتهم على شيء و بذلك ضعف عامة قوتهم على المقاومة دون قوته و الامتناع من نفوذ إرادته.





و هو يستضعف طائفة منهم و هم بنو إسرائيل و هم أولاد يعقوب (عليه السلام) و قد قطنوا بمصر منذ أحضر يوسف (عليه السلام) أباه و إخوته و أشخصهم هناك فسكنوها و تناسلوا بها حتى بلغوا الألوف.





و كان فرعون هذا و هو ملك مصر المعاصر لموسى (عليه السلام) يعاملهم معاملة الأسراء الأرقاء و يزيد في تضعيفهم حتى بلغ من استضعافه لهم أن أمر بتذبيح أبنائهم و استبقاء نسائهم و كان فيه إفناء رجالهم بقتل الأبناء الذكور و فيه فناء القوم.





و السبب في ذلك أنه كان من المفسدين في الأرض فإن الخلقة العامة التي أوجدت الإنسان لم يفرق في بسط الوجود بين شعب و شعب من الشعوب الإنسانية ثم جهز الكل بما يهديهم إلى حياة اجتماعية بالتمتع من أمتعة الحياة الأرضية و لكل ما يعادل قيمته في المجتمع و ما يساوي زنته في التعاون.





هذا هو الإصلاح الذي يهتف به الصنع و الإيجاد، و التعدي عن ذلك بتحرير قوم و تعبيد آخرين و تمتيع شعب بما لا يستحقونه و تحريم غيرهم ما يصلحون له هو الإفساد الذي يسوق الإنسانية إلى البيد و الهلاك.





و في الآية تصوير الظرف الذي ولد فيه موسى (عليه السلام) و قد أحدقت الأسباب المبيدة لبني إسرائيل على إفنائه.





قوله تعالى: "و نريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض إلى قوله - ما كانوا يحذرون" الأصل في معنى المن - على ما يستفاد من كلام الراغب - الثقل و منه تسمية ما يوزن به منا، و المنة النعمة الثقيلة و من عليه منا أي أثقله بالنعمة.





قال: و يقال ذلك على وجهين أحدهما بالفعل كقوله: "و نريد أن نمن على الذين استضعفوا" أي نعطيهم من النعمة ما يثقلهم و الثاني بالقول كقوله: "يمنون عليك أن أسلموا" و هو مستقبح إلا عند كفران النعمة.





انتهى ملخصا.





و تمكينهم في الأرض إعطاؤهم فيها مكانا يملكونه و يستقرون فيه، و عن الخليل أن المكان مفعل من الكون و لكثرته في الكلام أجري مجرى فعال.





فقيل: تمكن و تمسكن نحو تمنزل انتهى.





و قوله: "و نريد أن نمن" إلخ الأنسب أن يكون حالا من "طائفة" و التقدير يستضعف طائفة منهم و نحن نريد أن نمن على الذين استضعفوا إلخ و قيل: معطوف على قوله: "إن فرعون علا في الأرض" و الأول أظهر، و "نريد" على أي حال لحكاية الحال الماضية.





و قوله: "و نجعلهم أئمة" عطف تفسير على قوله: "نمن" و كذا ما بعده من الجمل المتعاقبة.





و المعنى: أن الظرف كان ظرف علو فرعون، و تفريقه بين الناس و استضعافه لبني إسرائيل استضعافا يبيدهم و يفنيهم و الحال أنا نريد أن ننعم على هؤلاء الذين استضعفوا من كل وجه نعمة تثقلهم و ذلك بأن نجعلهم أئمة يقتدى بهم فيكونوا متبوعين بعد ما كانوا تابعين، و نجعلهم الوارثين لها بعد ما كانت بيد غيرهم و نمكن لهم في الأرض بأن نجعل لهم مكانا يستقرون فيه و يملكونه بعد ما لم يكن لهم من المكان إلا ما أراد غيرهم أن يبوأهم فيه و يقرهم عليه، و نري فرعون و هو ملك مصر و هامان و هو وزيره و جنودهما منهم أي من هؤلاء الذين استضعفوا ما كانوا يحذرون و هو أن يظهروا عليهم فيذهبوا بملكهم و مالهم و سنتهم كما قالوا في موسى و أخيه لما أرسلا إليهم: "يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما و يذهبا بطريقتكم المثلى:" طه: 63.





و الآية تصور ما في باطن هذا الظرف الهائل الذي قضى على بني إسرائيل أن لا يعيش منهم متنفس و لا يبقى منهم نافخ نار و قد أحاطت بهم قدرة فرعون الطاغية و ملأ أقطار وجودهم رعبه و هو يستضعفهم حتى يقضي عليهم بالبيد هذا ظاهر الأمر و في باطنه الإرادة الإلهية تعلقت بأن تنجيهم منهم و تحول ثقل النعمة من آل فرعون الأقوياء العالين إلى بني إسرائيل الأذلاء المستضعفين و تبدل من الأسباب ما كان على بني إسرائيل لهم و ما كان لآل فرعون عليهم و الله يحكم لا معقب لحكمه.





قوله تعالى: "و أوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم" إلى آخر الآية، الإيحاء هو التكليم الخفي و يستعمل في القرآن في تكليمه تعالى بعض خلقه بنحو الإلهام و الإلقاء في القلب كما في قوله: "بأن ربك أوحى لها": الزلزال: 5، و قوله: "و أوحى ربك إلى النحل": النحل: 68، و قوله في أم موسى: "و أوحينا إلى أم موسى" الآية أو بنحو آخر كما في الأنبياء و الرسل، و في غيره تعالى كما في قوله: "إن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم": الأنعام: 121، و الإلقاء الطرح، و اليم البحر و النهر الكبير.





و قوله: "و أوحينا إلى أم موسى" في الكلام إيجاز بالحذف و التقدير و حبلت أم موسى به - و الحال هذه الحال من الشدة و الحدة - و وضعته و أوحينا إليها إلخ.





و المعنى: و قلنا بنوع من الإلهام لأم موسى لما وضعته: أرضعيه ما دمت لا تخافين عليه من قبل فرعون فإذا خفت عليه - أن يطلع عليه آل فرعون فيأخذوه و يقتلوه - فألقيه في البحر و هو النيل على ما وردت به الرواية و لا تخافي عليه القتل و لا تحزني لفقده و مفارقته إياك إنا رادوه إليك بعد ذلك و جاعلوه من المرسلين فيكون رسولا إلى آل فرعون و بني إسرائيل.





فقوله: "إنا رادوه إليك" تعليل للنهي في قوله: "و لا تحزني" كما يشهد به أيضا قوله بعد: "فرددناه إلى أمه كي تقر عينها و لا تحزن" و الفرق بين الخوف و الحزن بحسب المورد أن الخوف إنما يكون في مكروه محتمل الوقوع و الحزن في مكروه قطعي الوقوف.





قوله تعالى: "فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا و حزنا إن فرعون و هامان و جنودهما كانوا خاطئين" الالتقاط أصابه الشيء و أخذه من غير طلب، و منه اللقطة و اللام في قوله: "ليكون لهم عدوا و حزنا" للعاقبة - على ما قيل - و الحزن بفتحتين و الحزن بالضم فالسكون بمعنى واحد كالسقم و السقم، و المراد بالحزن سبب الحزن فإطلاق الحزن عليه مبالغة في سببيته لحزنهم.





و الخاطئين اسم فاعل من خطىء يخطأ خطأ كعلم يعلم علما كما أن المخطىء اسم فاعل من أخطأ يخطىء إخطاء، و الفرق بين الخاطىء و المخطىء على ما ذكره الراغب أن الخاطىء يطلق على من أراد فعلا لا يحسنه ففعله قال تعالى: "إن قتلهم كان خطأ كبيرا"، و قال: "و إن كنا لخاطئين"، و المخطىء يستعمل فيمن أراد فعلا يحسنه فوقع منه غيره و اسم مصدره الخطأ بفتحتين، قال تعالى: "و من قتل مؤمنا خطأ": النساء: 92، و المعنى الجامع هو العدول عن الجهة.





انتهى ملخصا.





فقوله: "إن فرعون و هامان و جنودهما كانوا خاطئين" أي فيما كانوا يفعلونه في أبناء بني إسرائيل و موسى تحذرا من انهدام ملكهم و ذهاب سلطانهم بيدهم إرادة لتغيير المقادير عن مجاريها فقتلوا الجم الغفير من الأبناء و لا شأن لهم في ذلك و تركوا موسى حيث التقطوه و ربوه في حجورهم و كان هو الذي بيده انقراض دولتهم و زوال ملكهم.





و المعنى: فأصابه آل فرعون و أخذوه من اليم و كان غاية ذلك أن يكون لهم عدوا و سبب حزن إن فرعون و هامان و جنودهما كانوا خاطئين في قتل الأبناء و ترك موسى: أرادوا أن يقضوا على من سيقضي عليهم فعادوا يجتهدون في حفظه و يجدون في تربيته.





و بذلك يظهر أن تفسير بعضهم كونهم خاطئين بأنهم كانوا مذنبين فعاقبهم الله أن ربى عدوهم على أيديهم ليس بسديد.





قوله تعالى: "و قالت امرأة فرعون قرة عين لي و لك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا و هم لا يشعرون" شفاعة من امرأة فرعون و قد كانت عنده حينما جاءوا إليه بموسى - و هو طفل ملتقط من اليم - تخاطب فرعون بقوله: "قرة عين لي و لك" أي هو قرة عين لنا "لا تقتلوه" و إنما خاطب بالجمع لأن شركاء القتل كانوا كثيرين من سبب و مباشر و آمر و مأمور.





و إنما قالت ما قالت لأن الله سبحانه ألقى محبة منه في قلبها فعادت لا تملك نفسها دون أن تدفع عنه القتل و تضمه إليها، قال تعالى فيما يمن به على موسى (عليه السلام): "و ألقيت عليك محبة مني و لتصنع على عيني": طه: 39.





و قوله: "عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا" قالته لما رأت في وجهه من آثار الجلال و سيماء الجذبة الإلهية، و في قولها: "أو نتخذه ولدا" دلالة على أنهما كانا فاقدين للابن.





و قوله: "و هم لا يشعرون" جملة حالية أي قالت ما قالت و شفعت له و صرفت عنه القتل و القوم لا يشعرون ما ذا يفعلون و ما هي حقيقة الحال و ما عاقبته؟ قوله تعالى: "و أصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كادت لتبدي به لو لا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين" الإبداء بالشيء إظهاره، و الربط على الشيء شدة و هو كناية عن التثبيت.





و المراد بفراغ فؤاد أم موسى فراغه و خلوه من الخوف و الحزن و كان لازم ذلك أن لا يتوارد عليه خواطر مشوشة و أوهام متضاربة يضطرب بها القلب فيأخذها الجزع فتبدي ما كان عليها أن تخفيه من أمر ولدها.





و ذلك أن ظاهر السياق أن سبب عدم إبدائها له فراغ قلبها و سبب فراغ قلبها الربط على قلبها و سبب الربط هو قوله تعالى لها فيما أوحى إليها: "لا تخافي و لا تحزني إنا رادوه إليك" إلخ.





و قوله: "إن كادت لتبدي به لو لا" إلخ، "إن" مخففة من الثقيلة أي إنها قربت من أن تظهر الأمر و تفشي السر لو لا أن ثبتنا قلبها بالربط عليه، و قوله: "لتكون من المؤمنين" أي الواثقين بالله في حفظه فتصبر و لا تجزع عليه فلا يبدو أمره.





و المجموع أعني قوله: "إن كادت لتبدي به" إلى آخر الآية في مقام البيان لقوله: "و أصبح فؤاد أم موسى فارغا" و محصل معنى الآية و صار قلب أم موسى بسبب وحينا خاليا من الخوف و الحزن المؤديين إلى إظهار الأمر، لو لا أن ثبتنا قلبها بسبب الوحي لتكون واثقة بحفظ الله له لقربت من أن تظهر أمره لهم بالجزع عليه.





و بما تقدم يظهر ضعف بعض ما قيل في تفسير جمل الآية كقول بعضهم في "و أصبح فؤاد أم موسى فارغا" أي صفرا من العقل لما دهمها من الخوف و الحيرة حين سمعت بوقوع الطفل في يد فرعون، و قول آخرين: أي فارغا من الوحي الذي أوحي إليها بالنسيان، و ما قيل: أي فارغا من كل شيء إلا ذكر موسى أي صار فارغا له.





فإنها جميعا وجوه لا يحتمل شيئا منها السياق.





و نظير ذلك في الضعف قولهم: إن جواب لو لا محذوف و التقدير لو لا أن ربطنا على قلبها لأبدته و أظهرته، و الوجه في تقديرهم ذلك ما قيل: إن لو لا شبيهه بأدوات الشرط فلها الصدر و لا يتقدم جوابها عليها.





و قد تقدمت المناقشة فيه في الكلام على قوله تعالى: "و لقد همت به و هم بها لو لا أن رأى برهان ربه": يوسف: 24.





قوله تعالى: "و قالت لأخته قصيه فبصرت به عن جنب و هم لا يشعرون" قال في المجمع:، القص اتباع الأثر و منه القصص في الحديث لأنه يتبع فيه الثاني الأول.





و قال: و معنى بصرت به عن جنب أبصرته عن جنابة أي عن بعد.





انتهى.





و المعنى: و قالت أم موسى لأخته اتبعي أثر موسى حتى ترين إلام يئول أمره فرأته عن بعد و قد أخذه خدم فرعون و هم لا يشعرون بأنها تقصه و تراقبه.





قوله تعالى: "و حرمنا عليه المراضع من قبل فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم و هم له ناصحون" التحريم في الآية تكويني لا تشريعي و معناه جعله بحيث لا يقبل ثدي مرضع و يمتنع من ارتضاعها.





و قوله: "من قبل" أي من قبل حضورها هناك و مجيئها إليهم و المراضع جمع مرضعة كما قيل.





و قوله: "فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه و هم له ناصحون" تفريع على ما تقدمه غير أن السياق يدل على أن هناك حذفا كأنه قيل: و حرمنا عليه المراضع غير أمه من قبل أن تجيء أخته فكلما أتوا له بمرضع لترضعه لم يقبل ثديها فلما جاءت أخته و رأت الحال قالت عند ذلك لآل فرعون: هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لنفعكم و هم له ناصحون؟.





قوله تعالى: "فرددناه إلى أمه كي تقر عينها و لا تحزن و لتعلم أن وعد الله حق و لكن أكثرهم لا يعلمون" تفريع على ما تقدمه مع تقدير ما يدل عليه السياق، و المحصل أنها قالت: هل أدلكم على أهل بيت كذا فأنعموا لها بالقبول فدلتهم على أمه فسلموه إليها فرددناه إلى أمه بنظم هذه الأسباب.





و قوله: "كي تقر عينها و لا تحزن و لتعلم" إلخ، تعليل للرد و المراد بالعلم هو اليقين بالمشاهدة فإنها كانت تعلم من قبل أن وعد الله حق و كانت مؤمنة و إنما أريد بالرد أن توقن بالمشاهدة أن وعد الله حق.





و المراد بوعد الله مطلق الوعد الإلهي بدليل قوله: "و لكن أكثرهم لا يعلمون" أي لا يوقنون بذلك و يرتابون في مواعده تعالى و لا تطمئن إليها نفوسهم، و محصله أن توقع بمشاهدة حقية هذا الذي وعدها الله به أن مطلق وعده تعالى حق.





و ربما يقال: إن المراد بوعد الله خصوص الوعد المذكور في الآية السابقة: "إنا رادوه إليك و جاعلوه من المرسلين" و لا يلائمه قوله بعد: "و لكن" إلخ على ما تقدم.





قوله تعالى: "و لما بلغ أشده و استوى آتيناه حكما و علما و كذلك نجزي المحسنين" بلوغ الأشد أن يعمر الإنسان ما تشتد عند ذلك قواه و يكون في الغالب في الثمان عشرة، و الاستواء الاعتدال و الاستقرار فالاستواء في الحياة استقرار الإنسان في أمر حياته و يختلف في الأفراد و هو على الأغلب بعد بلوغ الأشد، و قد تقدم الكلام في معنى الحكم و العلم و إيتائهما و معنى الإحسان في مواضع من الكتاب.





بحث روائي



في الدر المنثور، أخرج ابن أبي شيبة و ابن المنذر و ابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب رض: في قوله تعالى: "و نريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض" قال: يوسف و ولده.





أقول: لعل المراد بنو إسرائيل، و إلا فظهور الآية في خلافه غير خفي.





و في معاني الأخبار، بإسناده عن محمد بن سنان عن المفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نظر إلى علي و الحسن و الحسين (عليهما السلام) فبكى و قال: أنتم المستضعفون بعدي.





قال المفضل: فقلت له: ما معنى ذلك؟ قال: معناه أنكم الأئمة بعدي إن الله عز و جل يقول: "و نريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض - و نجعلهم أئمة و نجعلهم الوارثين" فهذه الآية جارية فينا إلى يوم القيامة.





أقول: و الروايات من طرق الشيعة في كون الآية في أئمة أهل البيت (عليهم السلام) كثيرة و بهذه الرواية يظهر أنها جميعا من قبيل الجري و الانطباق.





و في نهج البلاغة،: لتعطفن الدنيا عليا بعد شماسها عطف الضروس على ولدها و تلا عقيب ذلك "و نريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض - و نجعلهم أئمة و نجعلهم الوارثين".





و في تفسير القمي،: في قوله تعالى: "و أوحينا إلى أم موسى" إلى آخر الآية: حدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إنه لما حملت به أمه لم يظهر حملها إلا عند وضعها له و كان فرعون قد وكل بنساء بني إسرائيل نساء من القبط يحفظنهن و ذلك أنه كان لما بلغه عن بني إسرائيل أنهم يقولون: إنه يولد فينا رجل يقال له: موسى بن عمران يكون هلاك فرعون و أصحابه على يده فقال فرعون عند ذلك: لأقتلن ذكور أولادهم حتى لا يكون ما يريدون و فرق بين الرجال و النساء و حبس الرجال في المحابس.





فلما وضعت أم موسى بموسى نظرت إليه و حزنت عليه و اغتمت و بكت و قالت: يذبح الساعة فعطف الله عز و جل قلب الموكلة بها عليه فقالت لأم موسى: ما لك قد اصفر لونك؟ فقالت أخاف أن يذبح ولدي فقالت: لا تخافي و كان موسى لا يراه أحد إلا أحبه و هو قول الله: "و ألقيت عليك محبة مني".





فأحبته القبطية الموكلة بها و أنزل الله على أم موسى التابوت، و نوديت ضعيه في التابوت فألقيه في اليم و هو البحر "و لا تخافي و لا تحزني - إنا رادوه إليك و جاعلوه من المرسلين" فوضعته في التابوت و أطبقته عليه و ألقته في النيل.





و كان لفرعون قصر على شط النيل متنزه فنظر من قصره و معه آسية امرأته إلى سواد في النيل ترفعه الأمواج و الرياح تضربه حتى جاءت به إلى باب قصر فرعون فأمر فرعون بأخذه فأخذ التابوت و رفع إليه فلما فتحه وجد فيه صبيا فقال: هذا إسرائيلي فألقى الله في قلب فرعون محبة شديدة و كذلك في قلب آسية.





و أراد فرعون أن يقتله فقالت آسية: لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا - و هم لا يشعرون أنه موسى.





و في المجمع،: في قوله تعالى: "قرة عين لي و لك لا تقتلوه" إلخ، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): و الذي يحلف به لو أقر فرعون بأن يكون له قرة عين كما أقرت امرأته لهداه الله به كما هداها و لكنه أبى للشقاء الذي كتبه الله عليه.





و في المعاني، بإسناده عن محمد بن نعمان الأحول عن أبي عبد الله (عليه السلام): في قول الله عز و جل: "فلما بلغ أشده و استوى" قال: أشده ثمان عشرة سنة "و استوى" التحى.





/ 36