سورة البقرة - دراسات فنیة فی سور القرآن نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

دراسات فنیة فی سور القرآن - نسخه متنی

مجمع البحوث الاسلامیه

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید




سورة البقرة

سورة البقرة



قـال اللّه تـعـالـى فـي وصـف الـكـافرين : (ختم اللّه على قلوبهم و على سمعهم و على اءبصارهم غشاوة ...) ((1))
لـو تاءملت هذه الاية الكريمة , لوجدت اءنها تشتمل على صورتين فنيتين , هما:الصورة القائلة (ختم
اللّه على قلوبهم و على سمعهم ), و الصورة القائلة (و على اءبصارهم غشاوة ). و لعلك تتساءل
عـن الفارق بين هاتين الصورتين : الصورة القائلة باءن اللّه تعالى قد طبع اءو ختم على قلب الكافر و
على سمعه ... و الصورة القائلة باءن اللّه تعالى قدجعل على بصر الكافر غشاوة , اءلم يكن من الممكن
مـثـلا اءن يـقـول النص (ختم اللّه على قلوبهم , وعلى سمعهم , وعلى اءبصارهم ) بحيث يجعل صفة
(الختم ) على كل من القلب والسمع والبصر؟ الا اءن الملاحظ اءن النص قد خصص كلا من القلب و
السمع بطابع (الختم ),وخصص البصر بطابع الغشاوة , فما هو السر الفني وراء ذلك ؟
قـبـل اءن نـجـيـبك على هذا التساؤل , ينبغي اءن نتبين اءولا طبيعة الصياغة لهاتين الصورتين , و ما
ترمزان اليه من الدلالات .


الـصـورة الاولـى تتضمن استعارة اءو رمزا هو : عملية (الختم ) على قلب الكافروسمعه , و معنى
(الـخـتـم ) هو : اءن تضع مادة ما على الشي ء بحيث تسده , كما تلاحظ ذلك مثلا فيما تضعه الدوائر
الـحـكومية من الاختام على المحال التجارية اءو الدور التي يرادحجزها, و هذا يعني اءن (الختم )
هو : سد الشي ء, حيث استعار النص القرآني هذه الصفة المادية للشي ء, و خلعها على القلب و السمع ,
فـجـعل للقلب قفلا تسد اءمامه اءبواب الفهم والادراك و التعقل . و مما يساعدنا على استخلاص هذا
الـمـعـنـى , اءن الـنص القرآني الكريم يقول في سورة اخرى (سورة محمد ص ) في وصف قلوب
الـكـافـرين (اءم على قلوب اقفالها ؟ ) فجعل الاقفال (رمزا) لانسداد الفهم و الادراك بالنسبة الى
قلوب الكافرين .


و المهم هو : اءن نلاحظ اءن عمليه ((الانسداد)) للقلب و السمع , تتناسب مع طبيعة هذين الجهازين
الـمعدين لالتقاط الحقائق و الاصوات , بحيث اذا سدت اءبوابهما لما اءمكن للقلب اءن يعي , و لا للاذن
اءن تـسـمـع , و هـذا بـخلاف جهاز ((البصر)) الذي خلع عليه النص طابع ((الغشاوة )), حيث لا
تتناسب هذه الصفة مع جهازي القلب و السمع بقدر ماتتناسب مع جهاز البصر لكن
كما سترى
عندما تواجهك صورة (و على اءبصارهم غشاوة ), تلاحظ اءنك اءمام (رمز) يختلف عن الرمز الذي
لـحظته بالنسبة الى القلب والسمع , ... فقد خلع النص على (البصر) طابع الغشاوة , والغشاوة معناها
(الـغطاء), بينماخلع النص على القلب و السمع طابع ((الغلق اءو السد)), و السر الفني وراء ذلك ,
هو:اءن البصر بالرغم من امكان جعله مسدودا كما لو اءغلق الكافر عينيه مثلا, الا اءن النص القرآني
في صدد اءن يوضح باءن اللّه تعالى هو الذي جعل الكافر
نـتيجة سلوكه المعاندعديم البصر, و لذلك لابد من وضع شي ء على بصره من الخارج , حتى يحجزه
من النظر الى ما حوله , و هذا ما يتناسب مع ((الغطاء)), لان وضع اءبسط غطاء على البصر كاف في
مـنـعه من عملية الابصار, و هذا ما يفسر سبب عدم انسحاب هذه الصفة على القلب والسمع , و ذلك
لان الغطاء لو وضع على القلب اءو الاذن , فحينئذ لا يمنع هذا الغطاء من عملية الادراك و الاستماع ,
فـلـو قـدر لك اءن تضع غطاء على اءذن اءحد الاشخاص , فهذا لايحجز الاذن من وصول الاصوات
الـيـهـا, و كذلك القلب . و هذا على العكس من (الختم )الذي يعني وضع مادة تسد جميع المنافذ التي
يتسرب اليها الادراك .


اذن : قـد اءمـكـنـك اءن تـدرك جانبا من الاسرار الفنية وراء هذين الرمزين اللذين انتخبهما النص
القرآني
و نعني بهما : الختم على قلب الكافر و سمعه , و الغشاوة على بصره
حـيـث اسـتهدف من وراء ذلك اءن يشير بهذين الرمزين الى الانغلاق التام في ذهنية الكافر, فيما لا
اءمل في اصلاحه اءبدا, مادام قلبه
و هو مركز الهداية
قد ختم عليه , و مادام سمعه
و هو الحاسة التي يمكن لها اءن تستمع الى القول و تفيد منه
قد ختم عليه اءيضا و مادام البصر
و هـو الـحـاسـة التي يمكن اءن تفيد من النظر الى الظواهر الكونية الدالة على وجود اللّه تعالى و
ابداعه
قد وضعت الغشاوة عليه .


و اءخـيـرا, اءمـكنك اءيضا اءن تدرك الفارق بين صورتي (الختم ) و (الغشاوة ) من حيث علاقتهما
بعملية عدم الادراك الذي يطبع ذهنية الكافر, بالنحو الذي تقدم الحديث عنه .


قـال اللّه تـعالى في وصف المنافقين : (اولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فماربحت تجارتهم و ما
كانوا مهتدين ) ((2))
هـذه الاية الكريمة تتضمن صورة فنية هي : الاستعارة . و اءحسبك اءنك على احاطة ,باءن الصورة
الاسـتعارية تعني : اكساب الشي ء صفة شي ء آخر. بمعنى : ان النص القرآني الكريم قد استعار, من
احـدى الـعمليات الاقتصادية , صفة (البيع و الشراء), و خلعها على ظاهرة معنوية تتصل بالهدى و
الضلالة .


كـما اءحسبك تدرك , باءن الصورة الفنية تكتسب عنصر الاهمية بقدر ما تتميزبالوضوح وبالبساطة
و بـالالـفة . و لا اءظنك تتردد لحظة باءن الاستعارة التي نتحدث عنها,تظل من الوضوح والالفة و
الـبـساطة , بنحو لا تخفى دلالتها حتى على من لاحظ له من الثقافة الادبية . حيث اءن ظاهرة البيع و
الـشـراء تعد خبرة يومية يحياها البشر جميعا, كما اءن كلا من الهدى و الضلالة , لا تكاد تغيب عن
الخبرات الفكرية التي يعيها البشر اءيضا. لكن ,ما ينبغي اءن تضعه في اعتبارك , هو : اءن الوضوح و
الـبـسـاطة و الالفة , انما تكتسب اهميتهاالفنية فلانها تقترن بعنصر ((العمق )), اءي : التعبير عن
اءعـمق الافكار واءدقها, من خلال اللغة الماءلوفة , البسيطة , الواضحة , و هذا ما يمكنك اءن تلحظه
في الاستعارة المشار اليها.فالنص القرآني الكريم , قبل اءن يقدم لنا هذه الاستعارة , كان يتحدث عن
الـمـنـافـقين : من خلال العرض لنماذج من سلوكهم , حيث يقول اللّه تعالى (ومن الناس من يقول آمنا
باللّه و باليوم الاخر... يخادعون اللّه و الذين آمنوا... في قلوبهم مرض , فزادهم اللّه مرضا... واذا
قـيل لهم : لا تفسدوا في الارض , قالوا : انما نحن مصلحون ... و اذا قيل لهم : آمنوا, قالوا: اءنؤمن
كـمـا آمن السفهاء... و اذا لقوا الذين آمنوا, قالوا : آمنا, و اذا خلوا شياطينهم , قالوا :انا معكم , انما
نحن مستهزؤن ...), فالملاحظ, اءن هذه النماذج من سلوكهم , مثل :مخادعتهم اللّه و المؤمنين , و مثل
قولهم للمؤمنين باءنهم منهم , و قولهم لشياطينهم : انهم معهم , و قولهم لهؤلاء الشياطين باءنهم يهزاءون
مـن المؤمنين ... مثل هذه الاقوال التي تعتمدالمخادعة و الاستهزاء قد يخيل لاصحابها باءنهم اءذكياء
مثلا, و اءن لديهم تجارب اجتماعية , قد نجحوا في تمريرها على الاخرين .


لـذا, فـان الـنـص القرآني الكريم , تقدم بالرد المفحم على هؤلاء الذين خيل اليهم اءنهم آ من خلال
ذكائهم الاجتماعي المزعوم
قـد ربحوا الموقف , و حققوا طموحاتهم التي يتطلعون اليها. رد عليهم , بصورة استعارية تتناسب مع
الموقف , حينما اءوضح باءن هؤلاءلم يربحوا في تجارتهم , بل انهم مارسوا عملية بيع للهدى و عملية
شراء للضلالة .


اذن : جـاءت الاسـتعارة متناسبة مع عملية البيع و الشراء و حسابات الربح المترتب عليهما, والمهم
هـو عـمـق هذه الصورة الاستعارية من جانب , و بساطتها من جانب آخر,اءما بساطتها فقد حدثناك
عـنـها, و اءما عمقها فيتمثل في اءن عمليه البيع و الشراء, تقترن دائما باشباع الحاجة لدى البائع و
المشتري , و اءن العمل التجاري يستهدف كسب الارباح , و الا كانت التجارة عملية عبث لو لم يترتب
عليها الربح . لذا عند ما خيل الى المنافقين باءنهم قد ربحوا
فى تجارتهم المنافقة
انـما كانوا مخطئين في تقديرهم , لان المطلوب اءن يربح الشخص جانب (الهدى ) فى حين اءنهم قد
اشتروا الضلالة بالهدى , وهذاهو منتهى الخسارة التي لا يرتضيها من يمتلك اءدنى مسكة من العقل .


اذن : للمرة الجديدة , نلفت نظرك الى اءهمية هذه الاستعارة التي طبعتها سمة العمق ,من حيث كونها
جاءت في سياق سلوك المنافقين الذين وصفهم النص
في آيات سابقة على الاستعارة
بـاءنـهـم كـانوا يخادعون اللّه تعالى , و كانوا يستهزاءون بالمؤمنين .... وسنرى اءن النص القرآني
الـكـريـم يـتـقـدم بصياغة صور تشبيهية يدلل من خلالها على مستوى الخسارة التي تصيب هؤلاء
المنافقين , مثل قوله تعالى (مثلهم : كمثل الذي استوقد نارا,فلما اءضاءت ما حوله , ذهب اللّه بنورهم ,
و تركهم في ظلمات لا يبصرون ) وهذه هي قمة الخسارة , كما هو واضح .


اءخيرا, لابد من لفت نظرك
اءيضا
الـى هـذا الارتـباط الفني بين الاستعارة المتقدمة وبين ما سبقها من الحديث عن سمة المنافقين , و ما
تلحقها من صياغة الصور الفنية التي تلقي بانارتها على هذه الاستعارة , بالنحو الذى ستقف عليه لاحقا
ان شاء اللّه .


قـال تـعـالى : (مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما اءضاءت ما حوله ذهب اللّه بنورهم و تركهم في
ظلمات لا يبصرون ) ((3)) .


القارى ء مدعو الى اءن يدقق جيدا في هذه الايات و ما بعدها من الايات المخصصة ,لالقاء الضوء على
سلوك المنافقين , من حيث التحليل لاعماقهم .


التحليل
كما هو واضح لديك
يتطلب لغة علمية خاصة . بيد اءن النص القرآني الكريم , اتجه الى اللغة الفنية لمعالجة هذا الجانب , و
ذلك من خلال مجموعة من الصورالتشبيهية والاستعارية و الرمزية , كما ستقف على ذلك مفصلا.


ان اءول مـا يـنـبـغي اءن تلحظه هو : ان النص القرآني الكريم يتناول سلوك فئة تنتسب الى اءخطر
الامراض النفسية و هو ((النفاق )). و نحن عندما نطلق صفة ((الخطورة )) على مثل هذا المرض ,
فـلانـه يقترن بعمليات نفسية متشابكة , تعمل على تحطيم المريض و تمزيقه بنحو اءشد ايلاما من
الامراض الاخرى .


و الـسر في ذلك هو : اءن ((المنافق )) لا يعنى الا بتاءمين اشباعاته الفردية , بحيث يقتاده الحرص
عـليها باءن يرتدي قناعين , اءحدهما : القناع ((الخارجي )), و هو قناع يتعارض بصورة جذرية مع
داخله , و لا شي ء اءدعى الى تمزيق النفس اءشد من ((التعارض )) بين رغباتها المتصارعة . و هذا ما
يـمـكنك اءن تلحظه في المصطلح النفسي الذي اءطلقه القرآن الكريم على المنافقين , حيث قال عنهم
في آية سابقة على هذه الاية التي نتحدث عنها :(في قلوبهم مرض فزادهم اللّه مرضا)...


و لا اءظـنك بغافل عن معنى (المرض ) هنا. اءنه ((المرض النفسي )) لا غير. و ما ينبغي اءن نلفت
نـظـرك اليه هو : اءن النص القرآني لم يكتف باطلاق صفة (المرض ) عليهم في درجته التي تطبع
اءيـة شخصية منافقة , بل اءضاف اليها اءعلى درجات المرض حينما قال عنهم (فزادهم اللّه مرضا).


اي ان اللّه تعالى لم يدعهم مرضى عاديين , بل ضاعف من اءمراضهم ,بحيث لا يرجى لهم الشفاء اءبدا.


و الان , اذ اءمـكنك اءن تدرك درجة المرض التي تطبع المنافقين , حينئذ اءمكنك اءن تقف على طبيعة
الصور الفنية : من تشبيه و استعارة و رمز, فيما جاءت صياغة هذه الصورمتناسبة مع حجم المرض
الـمـشـار الـيـه . و سترى اءن هناك اءكثر من عشر صور فنية تتشابك فيما بينها, لتنقل لنا درجة
التشابك المرضي لدى المنافقين .


لتقف اءولا عنه الصورة التشبيهية التي استهلت بها عملية التحليل لهؤلاء المرضى .(مثلهم كمثل الذي
استوقد نارا). لقد شبههم النص بشخص يستوقد نارا, و قد تتساءل : ماهو الهدف من هذا الاستيقاد؟
الـجـواب هـو : اءن هذه النار التي استوقدها الشخص , قداستهدف منها اءن تضي ء له الطريق , حتى
يتمكن من مواصلة السير الى اءهدافه . لكن : ماذاحدث بعد هذا؟ يقول النص
عن هذه النار التى استهدف الشخص منها اءن تضي ء له الطريق
(فـلـمـا اءضـاءت مـا حوله , ذهب اللّه بنورهم , و تركهم في ظلمات لا يبصرون )...هنا ندعك اءن
تـستخلص بنفسك رد الفعل الذي سيصدر عن هذا الشخص , عندما يشاهداءن النار التي اءوقدها, و
اءضاءت ما حوله , انما اءضاءت اضاءة مؤقتة , لم تتجاوز المساحة التي تحيط به اءثناء عملية الاستيقاد
للنار. اءي , اءنه لم يفد من هذه الاضاءة حتى لخطوات معدودة من السير, بل فوجي ء
بمجرد استيقاده النار, و انارتها لما حوله
فوجي ءبانطفائها, و يترك في ليل مظلم لا يبصر فيه معالم طريقه .


ان اءهـمـيـة هذا التشبيه , تتمثل في : ايجاد العلاقة بين مستوقد النار, و بين اءحلام المنافق , حيث
يمكنك اءن تتخيل الان مدى الانشطار, و التمزق و التوتر الذي يصيب المنافق , حينما يعقد علاقات
اجـتـمـاعية مع المؤمنين مثلا, مستهدفا من ذلك اءن يحقق مكاسب اقتصادية لشخصه , وحيث يرسم
مختلف الخطط التى تمهد لهذه العلاقة , وحيث يعقد عليها آمالا كبارا, و حيث يجد فعلا اءن آماله قد
بـداءت تتحقق الان , لكن : في غمرة هذا الامل الذي استيقن بتحقق مقدماته , اذا به ينطفى ء فجاءة , و
تتلاشى جميع المساعي التي بذلها من اءجل الوصول الى اهدافه . ترى : كيف ستكون ردود فعله حيال
مثل هذه الخيبة من الامل ؟
اذن : عـنـدمـا شـبـه الـنص القرآني الكريم المنافقين بمن يستوقد نارا ما اءن تضي ء ماحوله حتى
تـنـطفى ء, انما اءبرز لنا مدى التمزق الذي يصيب هؤلاء المنافقين عندما يعصف بهم الياءس من تحقق
اءحلامهم التي من اءجلها مارسوا عملية النفاق . و سترى مزيدا من التمزقات التي سيواجهونها, عندما
تـتـابع عملية التحليل لسلوكهم , من خلال الصورالرمزية و الاستعارية التي صاغها النص القرآني
الكريم .


قال تعالى في صفة المنافقين : (صم بكم عمي فهم لا يرجعون ) ((4)) .


الاية الاخيرة التي مرت عليك , تنتسب الى اءحد اءشكال الصور الفنية , و هي ((الصورة الرمزية )).


و ((الرمز))
كما هو واضح لديك
هـو : ايـجاد علاقة من شيئين , يشيراءحدهما الى دلالة الشي ء الاخر, حيث يحذف هذا الاخير, و
يبقى الرمز دالا على ذلك الشي ء المحذوف . و هذا من نحو العلاقة التي يمكنك اءن تلحظها بين النور
و الايـمـان مـثلا,و بين الظلمات و الكفر, في قوله تعالى (يخرجهم من الظلمات الى النور), حيث
حـذفـت عـبارتا ((الايمان )) و ((الكفر)), و اءصبحت عبارتا ((النور)) و ((الظلمات )) رمزا
للعبارتين المحذوفتين .


و لا اءظـنـك تـجهل , بما للصورة الرمزية من اءهمية كبيرة , نظرا لكون الرمز تعبيرا عن دلالات
مـتـنـوعـة , يختصرها الرمز, و يسمح لخيالك باءن يستوحي و يستخلص ما يشاء من الدلالات التى
تـتـوافق مع حجم خبراتك في الحياة ... فاءنت بمقدورك مثلا اءن تستخلص من عبارة النور دلالات
مـتـنـوعـة مثل : الايمان , الخير, النعيم ... الخ . و بمقدورك اءن تستخلص من عبارة ((الظلمات ))
دلالات متنوعة مثل : الكفر, الشر, الشقاوة , الخ ,وهكذا...


و الان , اذا دقـقـت الـنـظر في الاية الكريمة التي جاءت في صدد التحليل لشخصية ((المنافق )),
اءمكنك اءن تتبين مدى اءهمية ما تنطوى عليه من رموز فنية .


لـقـد وصـف الـنص , شخوص المنافقين باءنهم (صم , بكم , عمى ),... و اءنت على احاطة كاملة باءن
((الـصمم )) و ((البكم )) و ((العمى )) هي اءعراض اءوعاهات جسمية للحواس الثلاث :الاذن ,
و الـلسان , و العين . الا اءن النص نقلها من دلالاتها المعجمية , و جعلها ((رموزا))لدلالات اءخرى
متنوعة , يمكنك اءن تستوحي من كل واحدة منها عشرات الظواهر.


فـالاصـم مـثـلا هو من شدت اءذنه فلا يسمع اءيا من الاصوات , و قد جعله النص القرآني الكريم
(رمزا) للمنافق الذي ياءبى اءن يستمع الى قول الحق , اءو لا يمكنه اءن يستمع الى قول الحق , اءو اذا
اسـتـمع اليه فلا يتاءثر به , اءو يمكنك اءن تستخلص اكثر من دلالة بالنسبة الى الرمزين الاخرين :


الابكم الذي اعتقل لسانه عن الكلام , و الاعمى الذي لا يبصر شيئا.


ان مـا نـعـتـزم الـتـاءكيد عليه هو : لفت نظرك الى هذه الرموز الثلاثة , من حيث صلتهابشخوص
المنافقين الذين سبق اءن شبههم النص القرآني الكريم
في آية سابقة
بمن يستوقد نارا (مثلهم كمثل الذي استوقد نارا, فلما اءضاءت ما حوله , ذهب اللّه بنورهم ,وتركهم
في ظلمات لا يبصرون ).


فـهـذه الـصـورة التشبيهية شبهت المنافقين بمن يمشي في طرق مظلمة لا يبصر فيها اءي شي ء من
الاشـيـاء, و هـذا السير في الظلام جاء نتيجة امعان المنافق في كفره , بحيث ختم اللّه على قلبه و
سمعه , و جعل على بصره غشاوة , بنحو لا اءمل في اصلاحه . و لذلك جاءت الرموز الثلاثة (الصمم ,
والبكم , و العمى ) نتيجة طبيعية لهذا الانسداد الذهني والنفسي و الفكري لدى المنافق .


و بـكلمة جديدة , ان النص القرآني الكريم قد مهد للمستمع مناخا يستطيع من خلال اءن يستنتج باءن
اءولـئك الـمنافقين الذين خيل اليهم باءن بمقدورهم اءن يحققوا مكاسبهم الدنيوية , من خلال التظاهر
بـالايـمان , انما هم على خطاء كبير, لان اللّه تعالى سرعان مايعصف باءحلامهم المريضة , و يدعهم
يائسين من تحقق المكاسب المشار اليها.


من هنا وصفهم النص باءنهم (صم , بكم , عمى ) , لانهم
من جانب
غافلون عن اءن اللّه تعالى يقف لهم بالمرصاد, و لانهم
من جانب آخر
قـد انـتـخبوا طريق الضلال اءوالكفر بدلا من الهداية اءو الايمان . و المهم هو اءن النص القرآني
الكريم
في انتخابه لهذه الرموز الثلاثة : الصمم , البكم , العمى
قـد فـسـح المجال للقارى ء باءن يستخلص و يستوحي منها: جملة من الدلالات المتنوعة التي توضح
مـدى جهالة المنافق من حيث كونه اءعمى من النظر الى حقائق الكون , و من حيث كونه (اءصم ) من
الاستماع الى هذه الحقائق , و من حيث كونه (اءخرس ) من النطق بها, و هكذا...


اذن : اءمـكـنـك اءن تتبين جانبا من الاسرار الفنية التي انطوت عليها هذه الرموز الثلاثة :في صفة
الـمنافقين , وصلتها بما تقدم من الاوصاف التي ذكرها النص في آيات سابقة , ثم صلتها بما ستقف عليه
من الاوصاف ان شاء اللّه .


قال تعالى في صفة المنافقين : (اءو كصيب من السماء فيه ظلمات و رعد و برق يجعلون اءصابعهم في
آذانـهم من الصواعق حذر الموت و اللّه محيط بالكافرين # يكادالبرق يخطف اءبصارهم كلما اءضاء
لهم مشوا فيه و اذا اءظلم عليهم قاموا و لو شاءاللّه لذهب بسمعهم واءبصارهم ان اللّه على كل شي ء
قدير) ((5)) .


فـيـمـا سبق , تحدثنا عن جملة من الصور الفنية التي تناولت سلوك المنافقين , و منها :الصورة التي
شبهتهم بمن (يستوقد نارا, فلما اءضاءت ما حوله , ذهب اللّه بنورهم ), و هذاالتشبيه
كما لحظته سابقا
لـم يـتـنـاول الا سـمـة واحدة من سمات المنافقين , و هي : اءن اللّه تعالى قد اءطفاء اءحلامهم التي
نـسـجـوهـا حيال المكاسب الدنيوية , اءي : ان التشبيه المتقدم اءبرز خيبة الامل لدى المنافقين . اءما
الصورة التي نحدثك عنها الان , فهي امتداد للتشبيه السابق , و لكنه يتناول الاشكال المختلفة للعمليات
النفسية المريرة التي يكابدهاالمنافقون , حيث يبرز التشبيه : مدى التوترو التمزق و الصراع الذى
يـعـانـي منه هؤلاءالمنافقون , في غمرة بحثهم عن المكاسب الدنيوية التي من اءجلها مارسوا عملية
النفاق .


لـقـد شـبـهـهم النص القرآني الكريم بمن يواجه مطرا فيه ظلمات و رعد و بر ق وصواعق ... و
لـتـسـتـمـع مـن جديد الى هذا التشبيه : (اءو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد و برق يجعلون
اءصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت )...


و اءظـنـك تـتحسس شيئا من الغموض الفني حيال هذه الرموز الاربعة اءو الخمسة ,وهي : المطر,
الـرعـد, البرق , الظلمات , الصواعق ... كما اءحسبك تتساءل : عن علاقة هذه الرموز الفنية بسلوك
الـمـنـافـقين ؟ و هل انها صدى للعمليات النفسية التي يمر بها المنافق ,عندما يتعامل مع المؤمنين و
يـتـظاهر باءنه واحد منهم ؟ اءو عندما يخيل اليه اءنه سوف يحقق طموحاته من وراء هذا التعامل ؟
اءو عـنـدما يخشى اءن يفتضح اءمره فيخسر كل شي ء؟ اءوعندما يتصاعد لديه الخوف بحيث يشفق
على مصيره البائس , في حالة افتضاحه اءمام الناس ؟
هـذه الـعـمليات النفسية التي تتاءرجح بين الامل و الياءس , بين الفرح و الخوف , بين ماهو معلوم وما
مجهول ...الخ , تظل
كما سنوضح لك
ذات عـلاقـة بـالـرمـوز الـتـي مرت عليك , اءي : رموز المطر, و الرعد, و البرق , الظلمات , و
الصواعق .


يـمكنك اءن ترسم في خيالك ليلة من ليالى الشتاء. و قد غطت السحب اءفق هذاالليل , الا اءنك تشاهد
بين الحين و الاخر برقا قد اءضاء في الظلمة , كما اءنك تفاجاء بصوت الرعد الذي يصك الاسماع , و
قـد يـتعاظم الامر ويتصاعد الخوف بحيث تتوقع نزول صاعقة من السماء, مما يضطرك ذلك الى اءن
تضع اءصابعك في اذنيك , خوفا من الصواعق التي تنذر بالموت .


لـكـن , خـلال هـذا كـله , ينبغي اءلا تنسى باءن كلا من الظلام الذي تواجهه , و البرق الذي يخطف
بـصـرك , و الـرعـد الـذي يـصك سمعك , و الصاعقة التي تهدك الى درجة اءنها تحملك على وضع
اءصابعك في اءذنيك خوف الموت , كل ذلك يظل مصحوبا بنزول المطر, اءي : اءنك تواجه مطرا, و
لكنه مصحوب بمواجهتك لظلام , و رعد, و برق , و صواعق .


و الـسـؤال : ما هي علاقة سلوك المنافق , بهذا المراءى الذي استحضرته في خيالك ؟اءي : مراءى
المطر, و البرق , و الرعد, و الصواعق , و الظلام ؟
انـنـا نـدعـوك الـى اءن تـربـط بين كل واحد من هذه المرائي : المطر, الظلمات , الرعد,البرق ,
الصواعق , و بين كل عملية نفسية تضطرم بها اءعماق المنافق .


يـمكنك اءن تربط بين ((المطر)) و بين ((المكاسب )) الدنيوية التي يخطط لها المنافق ,ولكن هذا
الـمـطر قد واكبه ظلام الليل , مضافا الى الظلام الذي تسببه السحب التي تحجزالضوء الذى يمكن
اءن يتاءتى من الكواكب .


حينئذ, يمكنك اءن تربط بين الظلام و بين المخاوف التي يتحسسها المنافق بالنسبة لامكان اءن يفشل
فـي تمرير مخططه . ثم ان كلا من (البرق ) و (الرعد) يصاحب هذه العملية . و عندها, يمكنك اءن
تربط بين (البرق ) الذي هو بمثابة (اءمل ) في امكان نجاح المنافق في تحقيق طموحاته , الا اءن هذا
الامل تحاصره الخيبة من جديد, عندما يواجه المنافق (رعدا) يصك اءذنيه .


اذن : المنافق يحيا بين الامل و الخيبة , بين المطر و البرق من جانب , و بين الظلام والرعد من جانب
آخر, الا اءنه
في نهاية المطاف
يتغلب عليه عنصر (الخوف ) اءو خيبة الامل , بحيث يواجه (صواعق ) تنذر بالموت مما تضطره الى
اءن يـضـع اءصـابعه في اءذنيه ,اءي : اءنه يخشى اءن يفتضح اءمره اءمام الاخرين و يكتشفون نفاقه ,
فيتلاشي بريق المكاسب الذي خطط له المنافق .


و الان , اءمـكـنـك اءن تـتبين جانب الاسرار الفنية التي انطوت عليها رموز : المطر,والظلمات و
الـرعد و البرق و الصواعق . لكن , لا تزال الصور الفنية المذكورة غير منتهيه لحد الان , بل تكملها
صورة فنية تعد امتدادا لسابقتها, و هي صورة : (يكاد البرق يخطف اءبصارهم , كلما اءضاء لهم مشوا
فيه , و اذا اءظلم عليهم : قاموا...)
و هذا ما سنحدثك عنه الان :


قال تعالى : (يكاد البرق يخطف اءبصارهم ...) ((6)) .


لتتاءمل اءولا : ان (المطر) هو الامل الرئيس الذي يحلم به المنافقون . لكن , بما اءن (الظلمات )
مضافا الى الرعود و الصواعق
تـمنع المنافقين من تحقيق آمالهم , عندئذيبقى (البرق ) هو النافذة الوحيدة التي يمكن اءن يفيدوا منها
في هذا المجال , بصفة اءن (البرق )
و هم يسيرون في ظلمة نزول المطر
سوف يضي ء لهم معالم الطريق .


لـكـن , دقـق النظر الى الصورة الرمزية التي صاغها النص القرآني الكريم , في رسمه لك : طريقة
مـواجـهـة الـمـنافقين للبرق الذي يضي ء لهم حينا معالم الطريق , ثم : في اختفائه حينا آخر, حيث
يـواجـهـون الـظـلام مـن جديد... و لا شك , اءن الدهشة الفنية التى ستغمرك في مثل هذه الصورة
الاعـجـازية , هي : طبيعة العمليات النفسية التي تصاحب ردود الفعل لدى المنافقين , و هم يواجهون
الظلمات و البرق من جانب , و يحلمون بالمطر من جانب آخر.


لـقـد رسـم الـنص القرآني الكريم اءولا : طريقة مواجهتهم للبرق , فقال تعالى (يكادالبرق يخطف
اءبصارهم )... و المعنى الرمزي لهذه الصورة , هو : اءن البرق يكاد يستلب اءعينهم
و هي صورة استعارية لا تخفى عليك
حيث ان جماليتها التي تستثيرك , تتمثل في كونها ترسم (البرق )
و هو هاجم على اءعينهم فجاءة
مـن حـيـث السرعة , و من حيث الشدة الضوئية , لذلك فهو يستلب اءو يخطف اءبصارهم , في غمرة
الظلام الذي يواجهونه في مسيرهم تحت المطر.


و الان : ندعك تستحضر في ذهنك كيفية الاستجابة التي يصدر عنها المنافقون في مثل هذه الحالة :


حالة وجودهم في درب مظلم يخطف فيه البرق حينا, و يختفى حيناآخر.


تقول الصورة القرآنية الكريمة :(كلما اءضاء لهم مشوا فيه , و اذا اءظلم قاموا)
مـن جـديد, نطالبك باءن تستحضر في ذهنك , هذا المراءى الذي رسمه القرآن الكريم ,لتتبين مدى
المرارة و الشدة و التمزق الذي يصيب المنافقين في مثل هذه الحالة .


انـهـم يـفـرحون قليلا بمشاهدة البرق , فيتفجر لديهم الامل , و يسرعون في السير,منتهزين هذه
الـفـرصـة الضوئية التي اءنارت لهم بعضا من الطريق , لكن : سرعان ما ينطفي ءهذا البرق , و يعود
الـظـلام مـن جـديد, فماذا يصنعون ؟ انهم يتوقفون عن السير من جديد,انهم يتحطمون من جديد,
يـقـنـطـون , يـتمزقون , ثم يعادوهم الامل من جديد, عندما يضي ءالبرق مرة ثانية , و هكذا تتكرر
العملية , اءمل , ياءس , ثم : اءمل , ياءس , و هكذا....


اذن : اءمـكـنك اءن تتبين مدى الاهمية لهذه الصورة الفنية التي اعتمدت مجموعة من الرموز, رموز
الـبـرق و الـظلام , مضافا الى الرعد و الصواعق , مضافا الى الرمز الرئيس (المطر) الذي يجسد
اءحلام المنافقين , و لا اءظنك تتوقع لحظة اءن تكون هناك صورة فنية ترسم لك : العمليات النفسية
الـتـي تـضطرم في اءعماق المنافقين , اءشد اثارة و انبهاراودهشة , و جمالية من هذه الصورة التي
قدمها القرآن الكريم , بالنحو الذي لحظناه .


قـال تـعـالى في صفة اليهود : (ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة اءو اءشدقسوة و ان من
الحجارة لما يتفجر منه الانهار و ان منها لما يشقق فيخرج منه الماء و ان من الحجارة لما يتفجر منه
الانـهـار و ان مـنها لما يشقق فيخرج منه الماء و ان منها لمايهبط من خشية اللّه و ما اللّه بغافل عما
تعملون ) ((7)) .


هذه الصورة الفنية التي تواجهها, تتضمن
كما هو واضح لديك
((تـشـبـيـهـا)) يتناول قساوة القلب التى تتميز بها الشخصية اليهودية , و لكن , قبل اءن نعرض لك
خـصـائص هـذه الـصـورة الـمـدهـشة فنيا, ينبغي اءن نذكرك , باءنها جاءت بعد سلسلة طويلة من
الـعرض القصصي لسلوك الاسرائيليين , حيث اتسم سلوكهم بالتمرد على اءوامر السماء من جانب ,و
قـتلهم الانبياء من جانب آخر, و بممارسات تبعث على السخرية من جانب ثالث , مثل مطالبتهم برؤية
اللّه تـعـالـى , و عـبـادتـهم للعجل ... الخ , فيما تعبر اءمثلة هذا السلوك عن مدى الالتواء الذي يطبع
الـشـخصية اليهودية . و فيما يترتب على مثل هذا الالتواء في السلوك :اءن تصبح اءعماق الشخصية
اليهودية ممسوخة لا اءثر للخير فيها.


فـي سـيـاق ذلـك , يـمكنك اءن تتبين اءهمية ((التشبيه )) الذي قدمه النص القرآني الكريم ,حينما
اءوضـح باءن ((قلوب الاسرائيليين )) هي : ((كالحجارة اءو اءشد قسوة )), الى آخر ماستلحظه
من التفصيلات التى ينطوي عليها هذا التشبيه .


لا شـك , اءن قـسـاوة الـقلب تعني : اشتداد درجة المرض اءو الالتواء في اءعماق الشخص , بحيث
تـتـلاشـى لـديه النزعة الانسانية , و حينئذ يكون التشبيه لقساوة القلب بالحجارة تعبيرا عن اءشد
درجـات الـقساوة . و لكنك ينبغي اءن تلاحظ هنا, اءن النص القرآني الكريم لم يكتف بتشبيه قساوة
اليهود بالحجر, بل اءوضح باءن قساوتهم اءشد من الحجر.


و اذا اءخذنا بنظر الاعتبار, اءن القرآن الكريم يتميز في صياغته للصور الفنية بكونه (واقعيا) لا
مجال لعنصر (المبالغة ) فيه , حينئذ يمكنك اءن تدرك مدى القساوة التي تنطوي عليها قلوب اليهود.


و قـد تتساءل : ان الحجر عنصر جامد, و العنصر البشري , مهما بلغت درجة قساوته ,فهو لا يصل
الى حد الجمود, لان ذلك يعني : انسلاخ الشخص من دائرة البشر, فلابد اءن يحتفظ الشخص
مهما كانت درجة قساوته
و لـو بنسب صغيرة من نزعة الخير, في حين اءن هذا التشبيه ينفي حتى النسبة الصغيرة من الخير
اءو الرحمة في قلب اليهودي , بل لايكتفي بنفي الخير منه فحسب , و انما يقرر باءن الحجر
و هو جامد لا اءثر للرخاوة فيه آهو : اءقل جمودا من قلب اليهودي .


فـهـل يعني هذا, اءن الشخصية الاسرائيلية خارجة عن صعيد الانسان العادي حقا, مادمنا على يقين
باءن القرآن الكريم لا يلجاء الى عنصر (المبالغة ) ؟
هذا ما يجيبك عليه القرآن نفسه , حين تتابع الصورة التشبيهية المشار اليها.


لـكـي يـقـنـعك القرآن الكريم باءن قلوب الاسرائيليين هي اءشد قسوة من الحجارة ,تجده يقدم لك
استدلالا فنيا, على النحو الاتي :


(و ان منها لما يشقق فيخرج منها الماء و ان منها لما يتفجر منه الانهار, و ان منها لمايهبط من خشية
اللّه ...)...


تـاءمـل بـدقـة هذا الاستدلال الفني , تجد اءنك اءمام صور فنية مدهشة , مثيرة , طريفة ,تتحدث عن
مستويات الحجارة
و هي جامدة تماما في تصوراتنا
مـن حـيث امكانية تشقق الماء منها, اءو تفجر الانهار منها, اءو هبوطها من خشية اللّه تعالى ... اءولئك
جميعا,ينبغي اءن تتاءمله بدقة , حتى تتبين الاسرار الفنية الكامنة وراء التشبيه المذكور.


ان قساوة اليهود اءشد من قساوة الحجر.


هـذا مـا يـريـد اءن يـقـرره القرآن الكريم , و اءن يقدم لك دليلا حسيا على هذه القساوة التي تفوق
الحجر.


الحجر : قد تتفجر منه الانهار, و هذا ما يمكنك اءن تشاهده مثلا في المواقع الجبلية ,والحجر: قد
يتشقق فينبع منه الماء, و هذا ما يمكنك اءن تشاهده في مطلق الارض .


ثم الجبل : قد يهبط من خشية اللّه تعالى , و هذا ما لا يمكنك اءن تشاهده حسيا,ولكن يمكنك اءن تعيه
فـكريا, حينما تضع في اعتبارك , اءن النص القرآني الكريم قد اءشارفي احدى الايات الكريمة الى
اءن الـسـمـاوات و الارض و الـجبال قد اءبين اءن يحملن الامانة (و هي : الخلافة في الارض ) و
اءشـفقن منها, و لكن الانسان قد حملها, و كان ظلوماجهولا, و هذا يعني اءن الكائنات غير البشرية
تحمل (وعيا), كما هو واضح .


لكن , يعيننا اءن تتبين الاسرار الفنية الكامنة وراء هذا التشبيه المذهل الذي جعل من الحجارة امكانية
اءن تـتـفـجـر, و امـكانية اءن تتشقق , و امكانية اءن تهبط من خشية اللّه تعالى ... في حين اءن القلب
الاسرائيلي جامد, بليد, لا رحمة فيه , و لا وعي لديه .


و كـمـا كررنا : اءن القرآن الكريم لا يجنح الى المبالغة و لا يتجه الى المبالغة في صياغته للصور
الـفـنـية , بل يتعامل مع الواقع , مع الحقيقة , و حينئذ قد تتساءل عن علاقة تفجير الحجارة بالانهار,
وتشققها بالمياه , ثم : عن صلتهما بقساوة القلب الاسرائيلي .


اذا اءمكنك اءن تدرك باءن الصورة الفنية
تشبيها كانت اءو غيره
انـمـا تـقـوم عـلى ايجادعلاقة بين شيئين لاعلاقة بينهما في عالم الواقع , حينئذ يمكنك اءن تتبين
الـعـلاقـة الـتـي اءوجدها النص القرآني بين قساوة اليهود التي لا حدود لها, و بين جمود الحجر
الـذي يـشارك القلب الاسرائيلي في الجمود, و لكنه يختلف عنه في كون الحجر يتخلى عن جموده
اءحيانا فيتفجر منه النهر اءو يتشقق منه النبع , بينما لا تجد لدى الاسرائيلي امكانية اءن يتفجر قلبه
يوما ما بالرحمة اءو بالوعي .


بـهذا : اءمكنك اءن تلاحظ العلاقة الفنية بين كل من الحجارة و قلب اليهودي , و مثل هذه العلاقة لا
مبالغة فيها, بل هي في الصحيح من (الواقع ) الذي نشاهده في تفجيرالحجارة و تشققها.


و العلاقة المذكورة
كما هو واضح لديك
انـمـا تـنبثق من كونها (رمزا) لما هو (واقع ),اءي : اءن تفجر الحجارة و تشققها هو (رمز) يقابل
جمود القلب الاسرائيلي و انعدام الخيرفيه .


و هـو يختلف عن التشبيه الثالث الذي اءوضح باءن من الحجارة ما يهبط من خشية اللّه تعالى , في حين
اءن القلب الاسرائيلي لا يعرف الخشية من اللّه تعالى .


لذلك , ينبغي اءن تضع في اعتبارك اءن هذا التشبيه ليس (رمزا) لواقع , بل هو الواقع نفسه . كل ما في
الامـر, اءن النص القرآني الكريم يستهدف من وراء مثل هذا التشبيه اءن يستدل باءن الحجر الذي لم
يـحـمل الامانة التي حملها الانسان انما يمتلك امكانية الخشية من اللّه تعالى , في حين اءن اليهودي لا
يمتلك مثل هذه الخشية .


اذن : مـن خـلال الـركون الى نمطين من التشبيه : التشبيه الرمزي و التشبيه الحقيقي ,اءمكنك اءن
تـدرك تـمـاما, اءو لنقل : اءمكن للنص القرآني اءن يوفر لديك عنصر (القناعة ) بمدى قساوة القلب
الاسـرائيـلـي الـذي لا يمكنك اءن تدرك حدوده , الا من خلال التشبيه المذكور,بالنحو الذي تقدم
الحديث عنه .


قال تعالى في معرض حديثه عن سلوك اليهود : (و قالوا : قلوبنا غلف بل لعنهم اللّه بكفرهم فقليلا ما
يؤمنون ) ((8)) .


في هذه الاية نواجه صورة (استعارية ), هي قوله تعالى على لسان اليهود (قلوبناغلف ), و لو اءمعنت
النظر في هذه الاستعارة , لوجدت اءنها جاءت على لسان اليهوداءنفسهم , اءي : اءنهم هم الذين اءقروا
باءن قلوبهم غلف .


و عـبـارة (غلف ) قد تكون جمعا للاغلف الذي يعني : انعدام الوعي في قلبه , اءو تكون جمعا للغلاف
الذي ينطوي على معنيين , اءحدهما : الغطاء, و الاخر : الوعاء.


و خلافا لبعض المفسرين الذين احتملوا باءن المقصود من (غلف ) هو : الوعاء اءي اءن اليهود قالوا
باءن قلوبهم اءوعية للعلم , و لكنها لا تعي ما يقوله النبي (ص ). نقول
خلافالهذا التفسير الذي نستبعده تماما,
يـمكننا اءن نقرر بسهولة : باءن المقصود من عبارة (غلف ) هو: الاغلف , اءي الذي لا يعي , اءو يكون
الـمـقصود منه هو الغلاف الذي يشكل ((استعارة )) لمعنى الغطاء, اءي : اءن قلوبهم بمثابة غطاء لا
سـبـيـل الى دخول المعرفة اليها. والمهم هو : اءن نتبين خصائص الفن الذي انطوت هذه الاستعارة
عليه .


ان الاهـمـية الفنية لهذه الاستعارة (قلوبنا غلف ) تتمثل في كونها قد انتخبت (الغلاف )او (الغطاء)
اسـتـعارة لانغلاق الذهن اءو القلب عند اليهود, حيث ان الغلاف يحتجز القلب من دخول الهداية اليه
حجزا تاما بنحو لا سبيل الى اصلاحه ابدا.


هـنا قد يتساءل القاري ء ان عبارة (قلوبنا غلف ) قد صدرت من اءفواه اليهود, فهل يعني هذا اءنهم هم
الـذين صاغوا هذه العبارة , فتعود جماليتها الى كلام بشرى ؟ طبيعيا, لا. والسر في ذلك اءن القرآن
الـكـريـم يـنـقـل اءجوبة هؤلاء بالمعنى , و ليس بالصياغة اللفظية , اءي :ينقل لنا مؤدي كلامهم , ثم
يصوغه بنحو فني .


و لـذا نـجـد فـي مكان آخر من القرآن الكريم صيغا مختلفة , و لكنها ذات معان متقاربة بالنسبة الى
انـغـلاق الـقلب عند الكفار, و منه مثلا قوله تعالى على لسانهم اءيضا : (و قالواقلوبنا في اءكنة مما
تـدعـونـا الـيـه ) ((9)) اءي : ان قلوبنا في غطاء مما تدعونا اليه من الايمان ,فاستخدم هنا عبارة
(اءكـنـة ), و اسـتخدم في الاستعارة السابقة عبارة (غلف ), و حينئذيمكنك اءن تستخلص من هذا
الـتفاوت في الصياغات المختلفة , ذات الدلالات المتقاربة ,اءن النص القرآني الكريم ينقل لنا المعنى
بصياغات فنية , لا اءنه ينقل المعنى بنفس اللغة التي صدرت من اءفواههم .


هنا اءيضا قد يثار تساؤل آخر, هو : اءن بعض المفسرين
كما مر عليك

/ 40