الفرق بين المكاسب والمتاجر - إرشاد الطالب الی التعلیق علی المکاسب نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

إرشاد الطالب الی التعلیق علی المکاسب - نسخه متنی

میرزاجواد تبریزی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه الذي أنزل القرآن هدى للناس
وبيّنات من الهدى والفرقان، وهدانا إلى التفقّه في
أحكام الدّين، وصلّى اللّه على خير خلقه وأفضل
بريّته المبعوث رحمةً للعالمين، والناسخ بشريعته
السمحاء شرايع الأولين، وعلى آله الطيبين الطاهرين
الهداة المهديين، واللّعنة على أعدائهم من الأولين
والآخرين إلى قيام يوم الدين.

وبعد، فيقول المعترف بقصور باعه الراجي
رحمة ربّه جواد بن علي التبريزي: إنّ من نعم اللّه
سبحانه عليَّ أن فقّهني في الدين واجتمع إلى أبحاثي
الفقهية فريق من أرباب الفضل وروّاد العلم الذين
أخذوا على عاتقهم حفظ معالم الدين ونشر أحكامه، وقد
أبدوا رغبتهم إلى ضبط محاضراتي التي كان محورها
كتاب المكاسب تأليف المحقّق البارع وحيد عصره
وفريد دهره سماحة آية اللّه العظمى وحجّته الكبرى
الشيخ مرتضى الأنصاري تغمّده اللّه برحمته وأسكنه
بحبوحة جنّته الذي نزلت عند نظره أنظار الفحول
وأعاظم العلماء الأبرار ذوي الحظّ الوافر في حفظ
آثار المتقدّمين وحاز قصب السبق في إحياء علوم
الدين وإرشاد المؤمنين إلى ما فيه خير الدارين.

فنزلتُ عند رغبتهم وأجبت مسؤولهم، فجمعت
محاضراتي في هذا المؤلَّف المتواضع وسمّيته «إرشاد
الطالب إلى التعليق على المكاسب» ليكون تذكرة.

واللّه تبارك وتعالى أسأل وإيّاه أرجو أن
يجعله ذخراً ليوم فاقتي يوم لا ينفع فيه مال ولا
بنون وأن يتقبّله بقبوله الحسن، إنّه قريب مجيب،
وبالإجابة جدير، وإيّاه أستعين فإنّه نعم المولى
ونعم النصير.

الفرق بين المكاسب والمتاجر

قوله «ره» في المكاسب[1].

[1] عنوان الكتاب بالمكاسب أولى من عنوانه
بالمتاجر، وذلك؛ فإنّ التجارة مصدر ثان لتجر أو اسم
مصدر، ومعناها البيع والشراء بغرض الربح، فيطلق
التاجر على من تكون حرفته البيع والشراء وتحصيل
الربح بهما، وكيف كان فلا تعمّ التجارة ما إذا لم
يكن البيع أو الشراء بقصد الربح، فضلاً عن الأعمال
التي يكون الشخص أجيراً عليها، ويقع البحث في
الكتاب عن حكم تحصيل المال بها.

وهذا بخلاف المكاسب، فإنّه جمع مكسب:
بمعنى ما يطلب به المال، فيعمّ مثل تلك الأعمال.

لا يقال: قد وقع البحث في الكتاب عن حرمة
بعض الأعمال وحلّها مع عدم تعارف كسب المال بها،
كالبحث عن حرمة الغيبة وسبّ المؤمن، وكما يقال إنّ
البحث فيها استطرادي، كذلك يمكن أن يكون المهمّ في
المقام البحث في الأعيان المحرّم والمحلّل بيعها
وشراؤها، وكذر غيرها للاستطراد، فلا موجب لعنوان
الكتاب بالمكاسب.

فإنّه يقال: قد ذكرنا أنّ عنوان الكتاب
بالمكاسب أولى لا أنّه متعيّن، مع أنّ الالتزام
بكون المقصود بالبحث تلك الأعيان فقط غير سديد،
وإلا لكان ذكرها في شرايط العوضين من كتاب البيع
أولى من إفرادها، والبحث فيها مقابل كتاب البيع،
وهذا بخلاف ما لو كان المقصود بيان المكاسب
المحرّمة وتمييزها عن المحلّلة منها، سواء كان
الكسب بالأعيان أو المنافع والأعمال، حيث أنّ
افرادها والبحث فيها مستقلاً أنسب.

المراد من أكل المال بالباطل


قوله «ره»: وينبغي أوّلاً التيمّن بذكر
بعض الأخبار[1].

[1] كان المناسب التيمّن قبل الأخبار
بالكتاب المجيد المستفاد منه بعض الضوابط للكسب

الحرام، كقوله تعالى:

«لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن
تكون تجارة عن تراض منكم»(1) .

فنقول: الأكل في الآية بمعنى وضع اليد
والتملّك، لا الأكل الخارجي، حيث أنّ إضافته إلى
الأموال موجبة لهذا الظهور، سواء كانت الاضافة إلى
عنوان المال أو إلى مثل الدار والثوب من مصاديقه،
فإذا قيل أكل زيد دار فلان أو ماله فظاهره وضع يده
عليهما وتملكهما.

والحاصل أنّ النهي عن الأكل في الآية من
قبيل النهي عن المعاملة، وظهوره فيها هو الارشاد
إلى فسادها، كما أنّ ظهور النهي المتعلّق بالأفعال
الخارجية هو تحريمها تكليفاً، وليس المراد أنّه لا
يمكن النهي عن المعاملة تكليفاً، سواء كانت
المعاملة بمعناها المصدري أو الاسم المصدري، فإنّ
إمكان النهي عنها كذلك، بل وقوعه في الشرع كحرمة
البيع وقت النداء أو حرمة بيع الخمر بمعنى كون
بيعها مبغوضاً للشارع من الواضحات، كيف وقد وقع
الكلام في أنّ النهي عن معاملة تكليفاً هل يقتضي
فسادها أم لا.

بل المراد انّحمل النهي عن معاملة على
التكليف يحتاج إلى قرينة، ومع عدم القرينة ظاهره
الإرشاد إلى فسادها أي عدم إمضاء الشارع، فمثلاً
ملاك النهي عن البيع يوم الجمعة ـ وهو إدراك صلاتها
وعدم تفويتها ـ قرينة على الحكم التكليفي واللّعن
الوارد على بايع الخمر ومشتريها قرينة عليها، كما
أنّ قوله (ع) «ثمن الخمر سحت» دليل على فساد
المعاملة عليها، حيث انّ مع صحتها لا يكون الثمن
سحتاً.

وعلى الجملة (فتارةً) تكون المعاملة
محرّمة تكليفاً فقط كالبيع وقت النداء، و(أُخرى)
تكون محرّمة وضعاً فقط كبيع الميتة على ما سيأتي،
(وثالثة) تكون محرّمة وضعاً وتكليفاً كبيع الخمر،
والآية المباركة دالّة على أنّ أكل أموال الناس
وتملكها بالباطل فاسد، والمراد بالتملّك بالباطل
المحكوم بفساده هو التملك بالباطل ولو ببناء
العقلا.

والحاصل أنّ وضع اليد على مال الغير
بالنحو الباطل ـ ولو في اعتبار العقلاء ـ فاسد عند
الشارع أيضاً، وليس المتعلّق للنهي هو خصوص
التملّك بالباطل في اعتبار الشرع، حيث لا معنى
للنهي عنه؛ لأنّه من اللغو الواضح، وأيضاً خطاب
النهي عن وضع اليد على مال الغير وتملّكه بالباطل
كساير الخطابات من قبيل القضية الحقيقية، والموضوع
فيه مطلق التملّك بالباطل لا خصوص بعض أنواع
التملّك، كالقهر على المالك، أو القمار، فمفاد
الآية أنّه لا يكون وضع اليد على مال الغير مع
انطباق عنوان الأكل بالباطل عليه موجباً للملك
شرعاً، سواء كان سنخ ذلك الوضع في زمان صدور الآية
أم لم يكن.

وما عن السيد الخوئي أطال اللّه بقاءه من
كون الآية ناظرة إلى ما كان مرسوماً في ذلك الزمان
من أنحاء التملّك والحكم عليها بأن كلّها باطلة إلا
التجارة عن تراض فيه ما لا يخفى.

أمّا (أوّلاً): فلما ذكرنا من أنّ متعلّق
النهي هو التملّك بالباطل لا التملّك مطلقاً، ولا
خصوص بعض ما كان مرسوماً في ذلك الزمان.

وأمّا (ثانياً): فلأنّ التجارة عن تراض غير
داخل في متعلّق النهي حتّى مع عدم ذكر الاستثناء،
فيكون استثناؤها منقطعاً لا متصلاً.

وأمّا (ثالثاً): فلأنّ الموجب لأكل مال
الغير شرعاً لا ينحصر بالبيع والشراء، فضلاً عمّا
إذا كانا بقصد الربح، كما هو ظاهر التجارة، كيف؟
وموجبات التملّك كثيرة كالاجارة والصلح والمزارعة
والمساقاة والمضاربة والوكالة والقرض إلى غير ذلك،
والالتزام بالتخصيص ورفع اليد عن الحصر في هذه
الموارد الكثيرة بعيد جدّاً.

حديث تحف العقول

قوله «ره»: روى في الوسائل والحدائق[1].

[1] لا يخفى أنّ الأخبار العامّة المذكورة
في الكتاب كلّها ضعيفة سنداً، فلا يمكن الاعتماد

عليها، نعم لا بأس بها لتأييد الحكم بعد
استفادته من غيرها.

أمّا رواية تحف العقول ـ وإن قيل بأنّ
الكتاب من الكتب المعتبرة وأنّ مؤلّفه شيخ صدوق كما
عن صاحب الوسائل «ره» ـ فلا ريب في أنّها باعتبار
إرسالها ضعيفة، فإنّ غاية الأمر أن يكون كتاب تحف
العقول مثل بحار المجلسي أو وسائل الحر العاملي
(قدس سرهما)، ومؤلفه كمؤلّفهما.

ومن الظاهر أنّ مجرّد اعتبار كتاب لا
يقتضي قبول كلّ ما فيه، كما أنّ جلالة المؤلف لا
تقتضي قبول كلّ رواياته والغمض عن رواتها الواقعة
في إسناد تلك الروايات إلى الإمام (ع).

والحاصل أنّه لا يكفي في العمل بالرواية
العدالة أو الوثاقة في خصوص الراوي الناقل لنا حتّى
مع اعتبار الكتاب، بمعنى عدم وقوع الدسّ فيه، بل
لابدّ من إحراز حال جميع رواتها.

ودعوى أنّ مؤلف تحف العقول قد حذف
الأسانيد في غالب روايات كتابه للاختصار لا
للإبهام لم يعلم لها شاهد، بل على تقديره أيضاً لا
يمكن العمل بها، فإنّه لابدّ في العمل بالرواية من
إحراز حال جميع رواتها كما مرّ، حيث من المحتمل
اعتقاد المؤلف صدورها عن الإمام (ع) لأمر غير تامّ
عندنا، لا حذفها لكون رواتها ثقات أو عدولاً.

فالمتحصّل أنّ حذف المؤلّف سند الرواية
مع الاحتمال المزبور لا يكون توثيقاً أو تعديلاً
لرواتها كما لا يخفى، ومثلها دعوى انجبار ضعفها
بعمل المشهور، وذلك فإنّ بعض الأحكام المذكورة
فيها لم يعهد الافتاء به من فقيه فضلاً عن جلّ
أصحابنا، ونحوهما دعوى وجود القرائن في الرواية
الكاشفة عن صدق مضمونها كما عن السيد اليزدي «ره»،
ولعلّ الصحيح هو العكس كما هو مقتضى اضطراب متنها،
واشتباه. المراد وعدم كون العمل معهوداً لبعض
ظاهرها كما سنشير إليه.

قوله «ره»: فقال جميع المعايش[2].

[2] المعايش جمع المعيشة، بمعنى ما يعيش به
الإنسان مثلاً ويتحفّظ به على حياته، وكان منها
المال المكتسب الذي يصرفه في حوائجه، ويكون قوله
«مما يكون لهم فيه المكائب بياناً» للمعايش بمعنى
أنّ المعايش التي يكون فيها كسب المال أربع جهات،
ويمكن كونه

بياناً للمعاملة، أي: المعاملات التي
يراد بها المال أربعة أقسام.

قوله «ره»: فأوّل هذه الجهات الأربع
الولاية[1].

[1] لم يعلم وجه كون الولاية هو الأول
والأخير هي الاجارات، كما لم يعلم الوجه في افراد
الاجارات والسكوت عن مثل المزارعة والمساقاة
والمضاربة والوكالة وغيرها، اللهمّ إلا أن يكون
التعبير بالأوّل كلفظة ثمّ لمجرّد العطف والترتيب
في الذكر، ولكن يبقى في البين وجه السكوت عن غير
الاجارة.

(لا يقال): الوجه في عدم ذكرها دخولها في
الصناعات والتجارات. (فإنّه يقال): التجارة معناه
البيع والشراء بقصد الربح كما مرّ، فلا يدخل فيها
مطلق البيع والشراء فضلاً عن غيرهما، ولو دخلت
المزارعة وغيرها في الصناعات لكانت الاجارة أيضاً
داخلة فيها، فإنّه لا فرق بين تسليم الأرض للعامل
فيها بالمزارعة وبين إجارتها، كما لا يخفى.

قوله «ره»: مما لا يجوز[2].

[2] يتعلّق بالتفسير باشرابه معنى
التمييز، أي تفسير وجوه الحلال من التجارات
وتمييزها عمّا لا يجوز للبايع بيعه وللمشتري شراؤه.

قوله «ره» فكلّ مأمور به[3].

[3] ظاهر الرواية أنّ الموجب لحلّية البيع
أحد أمرين، (الأوّل) أن تكون في المبيع مصلحة ضرورية
للعباد، (الثاني) ما يكون فيه جهة صلاح مقصودة لهم،
حيث أنّ الأوّل ظاهر قوله: فكلّ مأمور به“ إلخ،
والثاني ظاهر قوله: وكلّ شيء يكون لهم فيه الصلاح من
جهة من الجهات.

قوله «ره»: فكلّ أمر يكون فيه الفساد[4].

[4] لم يظهر الفرق بين هذا وبين المعطوف على
ذلك فيما بعد من قوله: أو يكون فيه وجه من وجوه
الفساد، إلا أن يقال الفرق هو أنّ المفروض في
الأوّل كلّ أمر يكون فيه الفساد المحض، وفي الثاني
كلّ شيء يكون فيه جهة الفساد ولو مع الصلاح أيضاً،
وهذا الفرق مقتضى علطف الثاني على الأول بلفظة أو،
وفيه انّ مجرّد اشتمال شيء على جهة فساد لا يوجب
بطلان المعاوضة فيما إذا كانت معها جهة الصلاح
أيضاً، وقد مرّ في بيان ضابط صحّة البيع وحلّيته
أنّ الاشتمال على جهة صلاح كاف في حلّ بيع الشيء
وشرائه.

نعم، لابدّ من كون جهة الصلاح من المنفعة
المقصودة للعقلاء لظهور الصلاح في الشيء في ذلك،
وإلا فلا يوجد شيء خال عن مصلحة ما إلا نادراً.

والحاصل أنّ الملاك الثاني لفساد البيع
غير صحيح، فإنّه يصحّ بيع ما فيه الفساد فيما إذا
كانت فيه جهة صلاح مقصودة أيضاً، ومع عدم جهة صلاح
مقصودة محلّلة يدخل الشيء فيما فيه الفساد المحض،
بل الموجب لبطلان البيع على ما يأتي خلوّ الشيء عن
الجهة المقصودة للعقلاء المحلّلة شرعاً، سواء كانت
فيه مفسدة أم لم تكن، وهذا الضابط لبطلان البيع لا
يستفاد لا من المعطوف، ولا من المعطوف عليه، ولا من
الأمثلة الواردة في الحديث، بل في بعضها لا يكون
فساد إلا في نفس البيع لا في العوضين، كما في البيع
الربوي، فإنّ المتجانسين لا فساد فيهما أصلاً، بل
الفساد في نفس البيع بالزيادة، والفساد أو الحرمة
في هذا القسم تابع للدليل الدالّ على ثبوت المنع،
بخلاف ما إذا لم يكن في الشيء المنفعة المحلّلة
المقصودة، أو كانت فيه المفسدة الخالصة، فإنّ
الحكم بالفساد فيهما لا يحتاج إلى دليل آخر كما
يأتي تفصيل ذلك إن شاء اللّه تعالى.

ثمّ انّه قد ذكر في الحديث انّ في جلود
السباع جهة الفساد، فلا يصحّ بيعها، ولعلّ هذا لا
عامل به، وبهذا يظهر حال ما تقدّم من أنّ ضعف الحديث
منجبر بعمل الأصحاب، ومثله المنع عن بيع ما لا يجوز
نكاحه فلاحظ.

قوله «ره»: يلي أمره[1].

[1] معطوف على يملك، أي اجارته ما يملكه أو
يلي أمره، الأول كما في اجارته عبده، الثاني اجارته
من يكون له عليه ولاية، ودابته وثوبه معطوفان على
نفسه في قوله فاجارة الإنسان نفسه.

قوله «ره»: أو يوجر نفسه[2].

[2] لعلّه من قبيل الخبر، يعني تفسير
الاجارات أن يؤجر نفسه أو داره ونظيره قوله: فلا بأس
أن يكون أجيراً، أي امّا تفسير الاجارات فلا بأس أن
يكون أجيراً“ إلخ.

قوله «ره»: من غير أن يكون[3].

[3] يعتبر أن لا يكون في اجارة نفسه أو
مملوكه أو من يلي أمره في جهة من المنافع المحلّلة
داخلاً في عنوان الظلمة بأن يعد من أعوان الجائر
وعمّاله، وإلا فلا تجوز.

قوله «ره»: أو قرابته[4].

[4] لا ولاية له على غير ولده من أقربائه،
فيكون عطف القرابة على ولده بلا وجه، إلا أن يحمل
على صورة الوصاية أو الوكالة، ولكنّهما لا تختصان
بالقريب.

قوله «ره»: أو وكيله في اجارته[5].

[5] عطف على نفسه يعني لا بأس بأن يوجر نفسه
أو وكيله في اجارته، والمراد بالوكيل الوكيل في
العمل، والمراد بضمير الجمع في قوله لأنّهم وكلاء
الأجير العاملون الذين يكونون وكلاء في العمل عن
الذي يوجرهم من نفسه لا من عند السلطان حتّى يكون هو
وهم داخلين تحت عنوان الظلمة.

قوله «ره»: نظير الحمال[6].

[6] مثال للموجر الذي يوجر نفسه أو وكيله من
عنده لا من عند السلطان.

قوله «ره»: والخنازير والميتة[7].

[7] ولعلّ الخنازير والميتة معطوفتان على
هدم المساجد، فيكون اجارة نفسه في الخنازير
والميتة باعتبار العمل المناسب لهما.

قوله «ره»: فيه أو له أو شيء منه[8].

[8] لعلّ المراد بالأوّل كونه أجيراً في
نفس العمل المحرّم بأن يوجده، والمراد بالثاني
كونه أجيراً لعمل يكون ذلك مقدّمه للمحرم، بأن يكون
غرض الأجير وصول المستأجر بما فعله إلى الفعل
المحرم، والمراد بالثالث فعل الجزء من المركب
المحرم، والمراد من الرابع الاجارة لعمل يكون ذلك
مقدّمة للجزء من المركب المحرم، ثمّ انّ حرمة
الاجارة في غير الفرض الأول مختصّة بما إذا قصد
بمتعلّقها التوصّل إلى الحرام، وإلا فلا وجه
للحرمة فضلاً عن فسادها.

قوله «ره»: إلا لمنفعة من استأجرته[1].

[1] ظاهره الاستثناء من قوله كلّ أمر منهيّ
عنه، ولا يبعد أن يكون الصحيح استأجره بدل استأجرته
و(التاء) زايدة، يعني كالذي يستأجر الأجير ليحمل
الميتة وينحيها عن أذاه وأذى غيره.

قوله «ره»: والعمل به وفيه[2].

[2] لعل المراد بالأول تمام العمل وبالثاني
بعضه.

قوله «ره»: وفي الفقه المنسوب إلى مولانا
الرضا (ع)[3].

[3] لم يرد في الرواية ما انحصر المدرك فيه
بها، ولو كان وارداً لما أمكن الاعتماد عليها حيث
لم يثبت انّ الكتاب المزبور للإمام (ع)، ومجرّد دعوى
السيد الفاضل الثقة المحدّث القاضي أميرحسين «ره»
أنّه اطمئنّ من القرائن بذلك بعدما أخذه من القميين
الذين جاءوا به إلى مكة لا يكون طريقاً معتبراً لنا
خصوصاً مع قوة احتمال انّ الكتاب المزبور كان لوالد
الصدوق «ره» ووقع الوهم باعتبار التعبير في الكتاب
عن المؤلف «ره» بعلي بن موسى، ويؤيد ذلك توافق
عباراته غالباً مع عبارات رسالته إلى ولده ولتفصيل الكلام
محلّ آخر.

قوله «ره»: فحرام ضارّ للجسم[4].

[4] يعني فحرام بيعه وشراؤه وساير المعاملة
عليه، وارتكابه ضار للجسم، وقلنا: إنّ المراد
بالحرام حرمة بيعه حتّى لا يلزم التكرار اللغو، كما
لا يخفى.

قوله «ره»: وعن دعائم الإسلام[5].

[5] الأمر في الرواية المزبورة كما مرّ في
الفقه الرضوي، ولا يخفى أنّ ما في دعائم الإسلام
على تقدير اعتبار مؤلفه رواية مرسلة حيث انّ المؤلف
وهو نعمان بن محمد بن منصور قاضي مصر المالكي أولاً
كان في أيام الدولة الاسمعيلية، فلا يمكن روايته عن
الصادق (ع) بلا واسطة، والواسطة مجهولة لنا، نعم ذكر
في الكتاب أنّه حذف الأسانيد للاختصار، ولكن قد
تقدّم عدم نفع مثل هذه الدعوى، ولا تدخل الرواية
معها في موضوع دليل الاعتبار، حتّى فيما إذا صرّح
المؤلف بأنّ الرواية كانت صحيحة، وذلك فإنّ الصحة
في كلام القدماء لا يدلّ على توثيق الراوي، وإنّما
يدلّ على اعتبارها عند من وصفها بها.

قوله «ره»: في النبوي المشهور[1].

[1] النبوي ضعيف سنداً، ولكنّه صحيح
مضموناً، وذلك فإنّه إذا تعلّقت الحرمة بعين في
خطاب الشرع فظاهره تحريم جميع الأفعال المقصودة
منها، فيكون أخذ العوض عليها من أكل المال بالباطل،
حيث مع التحريم المزبور لا منفعة محلّلة لها، وهذا
بخلاف ما إذا تعلّقت الحرمة بفعل خاص من العين مع
بقاء ساير الأفعال المقصودة منها على الحل، كما إذا
ورد في الخطاب حرمة أكل التراب فإنّه مع بقاء ساير
منافعه على الحلّ لا بأس بالمعاوضة عليه، كما هو
كذلك في البلاد التي أراضيها رمل والتراب فيها
عزيز.

قوله «ره»: مع إمكان التمثيل[2].

[2] لا يخفى أنّ المستحبّ هو نفس الرعي أو
الزراعة لا الاكتساب بهما كما هو مورد الكلام، ولو
اشتغل أحد براعي لنفسه أو لغيره تبرّعاً فعل
المندوب، وكذا الحال في الزراة بل في الصناعة
الواجبة أيضاً، حيث انّ الطملوب فيها فعل ما يتوقّف
عليه نظام المسلمين ولو كان بنحو التبرّع، وربّما
يقال المستحبّ كالاكتساب للتوسعة على العيال ورفع
حوائج الناس، والواجب كالاكتساب الذي توقّف عليه
الانفاق الواجب، وفيه انّ الكلام في المقام ليس في
الكسب بمعناه المصدري بل في الأعيان أو الأعمال
التي يكون كسب المال بها، وأنّ كسبه بأيّ منهما
حرام أو حلال، وفي المذكور نفس الاكتساب مستحبّ،
أوواجب من غير ملاحظة عين خاصّة أو عمل خاص كما لا
يخفى.

قوله «ره»: بقصد ترتب الأثر المحرّم[1].

[1] لا يخفى أنّ حقيقة بيع الخمر وشرائه هو
تمليكه للآخر بعوض وتملّك العوض من الآخر، وإذا فرض
الدليل على حرمة بيعه وشرائه زايداً على الفساد كما
هو مقتضى اللعن الوارد على بايعه ومشتريه يكون نفس
إنشاء التمليك أو التملّك محرّماص، وعلى ذلك
فتقييد متعلّق النهي بما إذا كان قاصداً لترتيب
الأثر المحرّم بلا وجه، بل لو كان مشتريه مثلاً
قاصداً شربه بعد تملّكه فهو أمر آخر داخل في
التجرّي ولا يرتبط بحرمة نفس البيع والشراء.

قوله «ره»: إلا من حيث التشريع[2].

[2] لا يكون التشريع إلا بالالتزام بحكم
شرعي من غير إحرازه بوجه معتبر، ومجرّد بيع الخمر
مثلاً مع فرض فساده لا يكون تشريعاً، حيث انّ
المتبايعين لا يلتزمان بصحّته شرعاً حتّى يكون
البناء المزبور تشريعاً، بل غايته إقدامهما على
البيع مع علمهما ببطلانه، نظير بيع الغاصب لنفسه،
والحاصل أنّهما يلتزمان بالملكية في بنائهما ولا
ينسبانها إلى الشرع حتّى يكون تشريعاً.

قوله «ره»: يحرم المعارضة على بول[3].

[3] استدلّ على بطلان بيع الأبوال النجسة
بوجوه ثلاثة: الأوّل حرمة شربها فيدخل فيها تقدّم
من أنّ المنهي عنه باعتبار أكله أو شربه لا يجوز
بيعه وشراؤه، والثاني نجاستها وقد ذكر في حديث تحف
العقول عدم جواز بيع أقسام النجس، والوجهان ضعيفان
على ما مرّ، والثالث عدم الغرض المحلّل للعقلاء في
الأبوال النجسة حتى يكون لها المالية المعبّر عنها
بالقيمة.

أقول: الصحيح في عدم جواز بيعها هو هذا
الوجه، وبهذا يظهر عدم الفرق بينها وبين الأبوال
الطاهرة، لانتفاء المالية فيهما فعلاً، وما يظهر
من المصنّف «ره» من الميل إلى جواز بيع أبوا ما يؤكل
لحمها بناءاً على جواز شرب أبوالها اختياراً لا
يمكن المساعدة عليه، فإنّ شربها ما لم يكن بحيث
يبذل باعتباره المال لا يصحّح البيع، بل يكون تملّك
المال بازائها من أكله بالباطل المحكوم بالفساد في
ظاهر الآية المباركة، وذكر السيد الخوئي أطال
اللّه بقاءه أنّه لا دليل على حرمته بيع الأبوال
النجسة وضعاً،

فضلاً عن حرمته تكليفاً، وذلك فإنّ
الآية المباركة ناظرة إلى أسباب تملّك مال الغير
التي كانت متعارفة زمان الجاهلية، من بيع الحصاة
والقمار ونحوهما وانّ تلك الأسباب كلّهاباطلة، إلا
التجارة عن تراض، وأمّا أنّه يعتبر في ا لتجارة عن
تراض المالية في المبيع فليست الآية في مقام بيان
مثل تلك الجهة،

بل يكفي في صحّة البيع تعلّق غرض
المشتري بالمبيع حتّى لا يكون بذله المال بإزائه
سفهياً، ثمّ ذكر أنّ هذا أيضاً لا يعتبر، فإنّه لا
دليل على بطلان البيع السفهي، بل الدليل دلّ على
بطلان بيع السفيه، وفيه أنّ عنوان أكل مال الغير
بالباطل كساير العناوين التي تعلّق بها الحكم
الشرعي في خطابات الشارع في كون مدلولها ثبوت الحكم
لعنوان الموضوع بنحو القضية الحقيقة، فإنّ حمل
الخطاب على ثبوت الحكم لعنوان بنحو القضية
الخارجية أو 'لى أخذ العنوان مشيراً إلى عنوان آخر
يكون هو الموضوع في الحقيقة يحتاج إلى قرينة.

والحاصل أنّ ظاهر الآية هو أنّ عنوان
تملّك مال الغير بالباطل في اعتبار العقلاء
فيماإذا تحقّق يكون محكوماً بالفساد شرعاً، وصدق
العنوان على تملّك المال بإزاء بول الحمار مثلاً
فضلاً عن الأبوال النجسة كبول الكلب لا يحتاج إلى
تأمّل، ومعه لا يحصل فيه عنوان البيع حتّى يحكم
بحلّه، فضلاً عن عنوان التجارة عن تراض.

بيع الأبوال


قوله «ره»: عدا بعض أفراده كبول الابل
الجلالة[1].

[1] الاستثناء راجع إلى عدم النفع المحلّل،
ولكنّه غير صحيح، وذلك فإنّ بول الإبل الجلالة أو
الموطوئة بناءاً على نجاسته كما هو الحصيح يجري فيه
ما جرى في ساير الأبوال النجسة حتّى الوجه الثالث،
حيث أنّ تصوير جواز التداوي بالبول المزبول ـ في
مورد الانحصار به وعدم التمكّن من بول الإبل الآخر
ـ لا يوجب كونه من المنفعة المحلّلة التي توجب
الماليّة، ثمّ انّ ظاهر كلام المصنّف «ره» أيضاً
نجاسة البول المزبور كما هو مقتضى التعرض له في بيع
الأبوال النجسة، نعم زعم عدم جريان الوجه الثالث
فيه.

قوله «ره»: فالظاهر جواز بيعها[1].

[1] قد ذكرنا أنّ مجرّد جواز شرب شيء أو
أكله لا يوجب جواز بيعه وأخذ المال بعوضه، كما أنّ
مجرد عدم جواز أكل شيء أو شربه لا يوجب بطلان بيعه،
بل لابدّ من كون الشرب أو الأكل منفعة مقصودة
للقعلاء بحيث يبذلون العوض له بلحاظهما ولا يعتبر
في المنفعة المقصودة عدم اختصاصهما بحال

وعمومهما
لجميع الأحوال، فلاحظ الأثر الظاهر للثوب السميك
المنسوج من الصوف والوبر حيث انّ ذلك الأثر مقصود
في حال البرد لا مطلقاً، ومن ذلك القيل الأدوية
والعقاقير المتعارفة لأنّ المنفعة المقصودة منها
مختصّة بحال المرض لا مطلقاً، ولو فرض عدم جواز
استعمالها في غير حال المرض، فهذا النحو من تحريم
الأكل والشرب لا يوجب بطلان بيعها وشرائها، بل
الموجب له هو ما إذا كان التحريم راجعاً إلى
المنفعة المقصودة كما ذكرنا.

ومما ذكرنا يظهر أنّه لو كانت المنفعة
المقصودة من الشيء منحصرة بالانتفاع به في خصوص
حالة الاضطرار الرافع للتكليف كفّت في جواز بيعه
وشرائه، كما في المظلّة التي يستعملها الطيّار عند
الاضطرار إلى الهبوط لاحتراق الطائرة ونحوه، ومن
هذا القبيل الأدوية أو العقاقير المصنوعة
لاستعمالها حالة الاضطرار إليها، مع كونها نجسة أو
فيها ما لا يجوز أكله حتّى طباً في غير تلك الحالة،
وعلى ذلك فلو كانت هناك رواية دالّة على أنّ حرمة
أكلّ شيء أو شربه حال الاختيار موجبة لفساد بيعه،
فلابد من رفع
اليد عن عمومها في مثل العقاقير والأدوية، فإنّه لا
يمكن الالتزام ببطلان المعاملات الجارية عليها
ويكون كساير الموارد التي يرفع فيها اليد عن
العمومات بالسيرة الجارية على خلافها في بعض
أفرادها.

قوله «ره»: وبالجملة فالانتفاع بالشيء
حال الضرورة[2].

[2] حاصل ما يذكره في الفرق بين الأدوية
التي لا يجوز استعمالها حال الصحّة وبين مثل
الأبوال الطاهرة التي لا يجوز شربها اختياراً انّ
الحرمة في الأوّل ثابتة لاستعمالها بعنوان أنّها
ضارة للجسم، ويتبدّل هذا العنوان حال المرض، فيكون
استعمالها صلاحاً للجسم، وهذا بخلاف الأبوال، فإنّ
حرمة شربها بعنوان أنّها من الخبائث، وليس انتفاء
الحرمة عن شربها حال التداوي أو غيره لتبدّل ع نوان
الخبيث بالطيب، بل باعتبار الاضطرار إلى المحرّم،
فلا يوجب جواز البيع في الأدوية لثبوت المالية لها
قياس الأبوال الطاهرة عليها حتّى فيما إذا استعملت
للتداوي.

لا كتحريم شحوم غير مأكول اللحم[1].

[1] في كون المحرم علينا خصوص أكلها لا سائر
الانتفاعات من الاسراج بها ونحوه، فيكون الفرق بين
الشحوم واللحوم بأنّ حرمة الأكل في الأوّل لا توجب
فساد البيع، بخلاف حرمة أكل الثاني، حيث انّ اللحوم
منفعتها المقصودة منحصرة بالأكل.

والجواب عنه مع ضعفه[2].

[2] الجواب عنه مبتدأ وخبره لزوم تخصيص
الأكثر، بمعنى أنّ الأخذ بظاهر النبوي المذكور
يلازم تخصيص الأكثر، مع أنّه ضعيف سنداً ودلالةً،
وقوله لقصورها تعليل لضعفه في جهة دلالته، ولكن
تعليل ضعف دلالته به من قبيل أخذ المدّعى دليلاً
عليه كما لا يخفى.

إمّا لجواز شربه اختياراً[3].

[3] تقدّم أنّ صحة البيع في شيء لا تدور
مدار جواز شربه، بل اللازم كون شربه من المنفعة
المقصودة منه بحيث لا يخرج أخذ المال بإزائه من
أكله بالباطل. والظاهر أنّ الشرب حتّى في بول الإبل
ليس كذلك، وأمّا حكم الشرب اختياراً وبلا حاجة إليه
فمقتضى موثقة عمار(2) عدم
الجواز في بول الإبل وغيره، قال: «سئل أبو عبداللّه
(ع) عن بول البقر يشربه الرجل؟ قال: إن كان محتاجاً
إليه يتداوى به يشربه وكذلك أبوال الإبل والغنم»
حيث انّ ظاهر التعليق على الشرط انتفاء الجواز مع
عدم الحاجة، وبه يرفع اليد

عن إطلاق نفي البأس في
مثل رواية أبي البختري(3) عن
جعفر عن أبيه أنّ النبي (ص) قال: «لا بأس ببول ما أُكل
لحمه» نعم في رواية الجعفري(4)
قال: «سمعت أباالحسن موسى (ع) يقول: أبوال الإبل خير
من ألبانها، ويجعل اللّه الشفاء في ألبانها»
ومقتضى الحكم بكون أبوالها خيراً من ألبانها هو
جواز شربه حتّى اختياراً،

وبلا ضرورة، وبعد وقوع
المعارضة بينها وبين المفهوم يرجع إلى أصالة
الحلّية، ودعوى أنّ الرواية ناظرة إلى بيان حكم
طبّي لا شرعي يدفعها أنّ حمل كلام الشارع على بيان
مجرّد الحكم الطبي خلاف الظاهر، والعمدة في عدم
إمكان رفع اليد بها عن المفهوم ضعفها سنداً، فإنّ
في سندها بكر بن صالح وهو ضعيف، بل ولا يبعد مع فرض
المعارضة الرجوع إلى عموم حرمة الخبائث فإنّ
الأبواب منها حتّى من المأكول لحمه.

اللّهمّ إلا أن يقال لم يعلم شمول الخبائث
للأبوال الطاهرة، حيث من المحتمل كون معناها الرجس
المعبّر عنه بالفارسية بـ(بليد) فتختصّ بالنجسة
منها، أضف إلى ذلك أنّه يمكن القول بعدم المفهوم
للشرط الوارد في الموثقة، فإنّ اختصاص حرمة فعل
بصورة عدم الحاجة إليه وحلّه معها غير معهود في
الشرع، والشرط فيها باعتبار أنّه لا يكون للإنسان
داع إلى شرب مثل البول من غير حاجة إليه كالتداوي
به، ثمّ انّ جواز شرب البول مطلقاً أو مع الحاجة إلى
التداوي به يختصّ بأبوال ما يؤكل لحمه، وأمّا
الأبوال النجسة فلا يجوز شربها إلا مع الاضطرار
الرافع للتكليف، ولا يجوز بمجرّد الحاجة، وعلى
الجملة الأمر فيها كما في سائر المحرّمات.

كما يدلّ عليه رواية سماعة[1].

[1] لا دلالة لرواية سماعة(5) على عدم جواز الشرب مع عدم الحاجة حيث
انّ الراوي فرض في سؤاله شربه عند الحاجة لا أنّه (ع)
أخذه في الجواب قيداً للجواز كما لا يخفى.

حرمة بيع العذرة

يحرم بيع العذرة[2].

[2] المنسوب إلى الشهرة عدم جواز بيع
العذرة مما لا يؤكل لحمه، ويستدّل عليه برواية
يعقوب بن شعيب عن أبي عبداللّه (ع) قال: «ثمن العذرة
من السحت»(6) وفي سندها علي بن
مسكين، ولذلك لا يمكن الاعتماد عليها، مع أنّها
معارضة برواية محمد بن مضارب عن أبي عبداللّه (ع)
قال: «لا بأس ببيع العذرة»(7)
وقد جمع الطوسي «قده» بينهما بحمل الأولى على عذرة
الإنسان، والثانية على عذرة البهائم، وذكر المصنّف
«ره» في تقريب الجمع المزبور أنّ الرواية الأُولى
نصّ في عذرة الإنسان وظاهرة في غيرها، بعكس
الثانية، فيطرح ظاهر كلّ منهما بنصّ الأُخرى،
وأيّد التقريب بموثقة سماعة قال: «سأل رجل أبا
عبداللّه (ع) وأنا حاضر، فقال: إنّي رجل أبيع العذرة
فما تقول؟ قال: حرام بيعها وثمنها،

وقال: لا بأس
ببيع العذرة»(8) باعتبار أنّ
الجمع بين الحكم بعدم الجواز والجواز في كلام واحد
للمخاطب الواحد دليل على أنّ الموضوع لعدم الجواز
غير الموضوع للجواز، فتكون هذه الموثقة قرينة على
أنّ تعارض الروايتين الاولتين ليس باعتبار العلم
بعدم ثبوت الحكمين معاً، بل باعتبار دلالتهما، فلا
يصح فيهما الرجوع إلى المرجحات السندية أو
الخارجية، كما لا يصحّ القول بأنّ الحكم بعد فقد
الترجيح هو التخيير بين المتعارضين، أو التساقط،
لا طرح ظهور كلّ منهما كما عليه جمع الطوسي «قده».

أقول: لا يصحّ جعل الموثقة قرينة على ما
ذكر، إذ يحتمل كونها من قبيل الجمع في الرواية، بأن
سمع الراوي الحكمين في مجلسين وجمع بينهما في
النقل، بل يمكن أيضاً كون المخاطب في أحدهما غير
المخاطب في الآخر، فتكون الموثقة من الروايتين
المتعارضتين، ويؤيّد ذلك تكرار (قال) وعطفه على
الأوّل والإتيان بالاسم الظاهر بدل الضمير، حيث
أنّه لو كان كلاماً واحداً لكان الأنسب أن يقول: (لا
بأس ببيعها)، نعم كونها من الجمع في المروي محتمل
أيضاً، ولكن اختلاف صدرها وذيلها يوجب اجمالها،
هذا (أوّلاً).

و(ثانياً) أنّ المتيقّن في الإرادة من
الخارج لا يوجب أن يكون أحد الدليلين نصّاً في ذلك
المتيقن، وظاهراً في غيره ليجمع بينهما بالأخذ
بذلك المتيقن، وطرح الظاهر، كما إذا ورد مثلاً
الأمر بإكرام العلماء في خطاب، والنهي عنه في خطاب
آخر، فإنّ حمل الأول على العادل، والثاني على
الفاسق، بدعوى كون ذلك متيقناً بالإرادة منهما لا
يوجب كون الحمل من الجمع العرفي، ومثل الجمع
المزبور حمل حرمة البيع والثمن على الفساد، وحمل
نفي البأس على الجواز تكليفاً، وذلك فإنّه ليس
بأولى من حمل حرمة البيع وتحصيل الثمن على التكليف
فقط، والأخذ بظاهر البأس وهو الإرشاد إلى صحّة
البيع.

حمل خبر المنع على التقية[1].

[1] لا يخفى أنّ الحكم بجواز بيع العذرة لا
يحتاج إلى الرواية،فإنّ وجود المنفعة المقصودة
للعقلاء في شيء بحيث يبذلون بإزائه المال كاف في
نفوذ بيعه، والمعاملة عليه، وقد تقدم أيضاً أنّ
مجرد نجاسة شيء لا يوجب فساد بيعه، ولذا يتعين
القول بالجواز، مع أنّ الترجيح للخبر الدال عليه،
لأنّ معظم العامة على المنع. وما ذكره المنصف «ره»
من أنّ رواية الجواز لا يجوز الأخذ بها من وجوه لا
يمكن المساعدة عليه، فإنّ مراده بالوجوه يمكن أن
يكون ضعف الرواية سنداً بمحمد بن مضارب،

ومخالفتها
لفتوى المشهور بالمنع، وكذا مخالفتها للروايات
العامة، حيث ذكر في بعضها عدم جواز بيع وجوه النجس،
ولكن ضعف السند مشترك بين الرواية الدالّة على
الجواز والدالة على المنع، ولم يعلم أنّ فتوى
المشهور بالمنع هل كان لخلل في رواية الجواز غير
المعارضة المزبورة، وغير ضعف سندها وخلافها
للاحتياط كما أنّ الروايات العامّة لا تصلح
للاعتماد عليها كما مرّ، وعلى الجملة لا فرق بين
الأرواث الطاهرة والنجسة في أنّ المنفعة المحلّلة
المقصودة كالتسميد بها واستعمالها وقوداً كافية في
الحكم بجواز الاكتساب بها.

حرمة المعاوضة على الدم

يحرم المعاوضة على الدم[1].

[1] الأظهر جواز المعاوضة عليه فيما إذا
فرضت له منفعة محلّلة، كما في يومنا هذا بالإضافة
إلى دم الإنسان، فإنّه يستعمل في المعالجة بتزريقه
لإنسان آخر يحتاج إليه، والإجماع التعبّدي في
المقام غير حاصل، لاحتمال أنّ المدرك على تقدير
الاتفاق بعض الروايات المتقدّمة التي علم حالها،
ونقل الإجماع لا يزيد على محصله، وكذا الحال في غير
دم الإنسان من الدماء النجسة المستعملة للتسميد في
المزارع والبساتين، وأمّا مرفوعة أبي يحيى الواسطي(9) الدالّة على عدم جواز بيع
الدم، فلضعف سندها لا يمكن الاعتماد عليها، قال:
«مرّ أميرالمؤمنين (ع) بالقصّابين فنهاهم عن بيع
سبعة أشياء من
الشاة، نهاهم عن بيع الدم والغدد وآذان الفؤاد
والطحال والكبد“».

وما ذكره المصنّف «ره» وتبعه السيد
الخوئي «دام بقاؤه» من كون الرواية ناظرة إلى بيع
الدم للأكل، وحرمة البيع في هذا الفرض لا تحتاج إلى
دليل خاص، فإنّه على القادة، لا يمكن المساعدة
عليه، لإطلاق النهي في الرواية (أوّلاً)، و(ثانياً)
أنّ قصد المشتري وعلم البايع باستعمال المبيع في
المحرّم لا يزيد عن بيع العنب مع علم البايع
باستعماله المشتري في التخمير، وقد التزموا فيه
بالجواز.

والظاهر أنّ حكمهم[1].

[1] أي أنّ الحكم بأنّ الولد في الحيوانات
تابع للأُم متفرّع على أنّ مني الحيوان لا يكون
قابلاً لصيرورته ملكاً لأحد، ولو كان قابلاً له
لكان الولد ـ كالزرع في ملك الغير ـ ملكاً لصاحب
الفحل، وعلى ذلك فلو قيل بأنّ المني قابل للتملّك
كما في مني الإنسان حيث أنّ الولد فيه تابع للفحل
ويكون ملكاً لمالك الفحل، فلابدّ في الحكم بعدم
جواز بيع المني الواقع في الرحم من التشبّث
بنجاسته، ولكن هذا التشبّث أيضاً غير صحيح، وذلك
فإنّ المني الخارج من الباطن إلى الباطن كالدم
الموجود في الباطن لا دليل على نجاسته.

وعلّل في
الغنيمة عدم جواز بيع هذا القسم بالجهالة أو عدم
القدرة على التسليم أيضاً كما في المني الموجود في
صلب الفحل المعبّر عنه بالعسيب في مقابل الملاقيح
المراد بها الواقع في الرحم. والمراد بالجهالة عدم
العلم بتكوّن الولد منه، ويؤيّد في العسيب النبوي
«أنّ رسول اللّه (ص) نهى عن خصال تسعة: عن مهر البغي
وعن عسيب الدابة يعني كسب الفحل»(10) .

أقول: ولكن الأظهر جوازه، فإنّ المني
الموجود في صلب الفحل ـ نظير البذر الذي لا يعلم
حاله من جهة نموّه وعدمه ـ قابل للبيع، ويكون
تسليمه بإرساله للضرب، والرواية المزبورة ضعيفة
سنداً، بل ودلالةً، فإنّ ظاهر كسب الفحل اجارته
للضرب، وبما أنّ اجارته لذلك جائزة ـ كما هو مدلول
بعض الروايات المعتبرة ـ فلابدّ من حمل النهي على
الكراهة، وفي صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبداللّه
(ع) قال: «قلت له: أجر التيوس، قال: إن كانت العرب
لتعاير به ولا بأس»(11) ، وبهذا
يظهر الحال في بيع الملاقيح يعني المني المستقرّ في
رحم الأُم فيما إذا كان المني تابعاً للفحل، وكان
البيع فساده أو استحالته إلى الدم.

بيع الميتة

يحرم المعاوضة على الميتة[2].

[2] ذكر «ره» في وجه عدم جواز بيع الميتة
وجوهاً:

الأوّل: الأخبار العامّة المتقدّمة كحديث
تحف العقول، حيث ذكر فيه عدم جواز بيع النجس وما نهى
عن الانتفاع به.

الثاني: أنّه لا يجوز الانتفاع بالميتة
مطلقاً سواء كان الانتفاع بما هو مشروط بالطهارة
كالأكل أو الشرب أو اللبس في الصلاة أو كان من غيره
من سائر الانتفاعات، كما يظهر ذلك من الأخبار التي
ذكر فيها أنّ الميتة لا ينتفع بها، وإذا كان
الانتفاع ممنوعاً فتدخل فيما لا نفع فيه، فيكون أخذ
الثمن في مقابلها من أكله بالباطل.

الثالث: رواية السكوني حيث عدّ فيها من
السحت ثمن الميتة. ولكن يظهر من بعض الروايات جواز
بيع الميتة، كرواية الصيقل قال: «كتبوا إلى الرجل:
جعلنا اللّه فداك، إنّا قوم نعمل السيوف ليست لنا
معيشة ولا تجارة غيرها، ونحن مضطرّون إليها،
وإنّما علاجنا جلود الميتة والبغال والحميل
الأهلية لا يجوز في أعمالنا غيرها، فيحلّ لنا عملها
وشراؤها وبيعها ومسّها بأيدينا وثيابنا ونحن نصلّي
في ثيابنا، ونحن محتاجون إلى جوابك في هذه المسألة
يا سيدنا لضرورتنا؟ فكتب: اجعل ثوباً للصلاة“»(12) ،

وناقش «ره» في دلالتها على
جواز بيع الميتة بما أشار إليه بقوله: «ويمكن أن
يقال إنّ مورد السؤال“» وحاصله أنّه لم يفرض في
الرواية تعلّق البيع بجلود الميتة أو غلاف السيوف مستقلاً أو
في ضمن بيع السيوف حتّى يكون نفي البأس المستفاد من
التقرير دليلاً على جواز بيع الميتة، بل غايته
دلالتها على جواز الانتفاع بالميتة بجعلها غمداً
للسيف الذي يباع بشرط الغمد.

أقول: مورد السؤال في الرواية شراء الجلود
وبيعها ومسّ تلك الجلود بأيديهم وثيابهم، حيث أنّ
الصيقل أو ولده لم يكن شغلهم شراء السيوف وبيعها،
بل عملها وبيعها، كما أنّه لا معنى للسؤال عن مسّ
السيوف بأيديهم وثيابهم وترك السؤال عن مسّ الجلود
كما لا يخفى، وناقش «ره» (ثانياً) بأنّ دلالة
الرواية على جواز بيع الميتة وشرائها بالتقرير ولا
اعتبار به، فإنّه غير ظاهر في الرضا خصوصاً في
المكاتبات المحتملة للتقية.

وفيه أنّ مورد السؤال ـ كما ذكرنا ـ
استعمال الجلود وبيعها وشراؤها ومسها بالأيدي
والثياب والصلاة في تلك الثياب، ونهى الإمام (ع) في
الجواب عن الصلاة فيها والسكوت عن الباقي ظاهر في
جواز غيرها، وهذا إطلاق مقامي، لا ترك للتعرّض لما
يكون في ذهن السامع وإقراره عليه اعتقاده، كما هو
المراد بالتقرير.

وربّما نوقش في الرواية بوجه ثالث وهو أنّ
المفروض فيها الاضطرار إلى الاستعمال، والكلام في
المقام في الاختيار، وفيه أنّ الاضطرار المفروض
فيها بمعنى الحاجة، لاالاضطرار الرافع
للتكليف، مع أنّ الاضطرار إلى المعاملة الفاسدة لا
يصحّحها، وبعبارة أُخرى عدم جواز بيع الميتة وضعي
لا تكليفي، والاضطرار أو الإكراه يكون رافعاً
للتكليف لا موجباً لصحّة المعاملة.

والصحيح في الجواب أنّ الرواية في سندها
ضعف لجهالة الصيقل وولده فلا يمكن الاعتماد عليها.

لا يقال: راوي المكاتبة محمد بن عيسى لا
الصيقل وأولاده، وإلا لكان هكذا قالوا كتبنا إلى
الرجل، والحاصل أنّ ضمير الفاعل في قال يرجع إلى
محمد بن عيسى فلا يضرّ باعتبارها جهالة الصيقل
وأولاد.

فإنّه يقال: نعم، راوي المكاتبة محمد بن
عيسى إلا أنّ نقل القضية الراجعة إلى الغير ومنها
المكاتبة (تارةً) يكون بشهود الناقل وحضوره تلك
الواقعة وفي مثل ذلك لا يضرّ جهالة ذلك الغير
باعتبار الرواية، و(أُخرى) يكون نقلها بحسب حكاية
نفس ذلك الغير، وفي مثل ذلك تكون جهالة ذلك الغير
موجبة لسقوط النقل عن الاعتباد. ورواية محمد بن
عيسى من قبيل الثاني، كما هو مقتضى كلمة «عن»
الداخلة على أبي القاسم الصيقل وولده في سندها،
وإلا لكان المتعيّن أن ينقل الطوسي «ره» الرواية
هكذا: (محمد بن الحسن الصفار عن محمد بن عيسى، قال:
إنّ أبا القاسم الصيقل وولده كتبوا إلى الرجل).

ولكن الانصاف أنّه إذا قلنا بجواز
الانتفاع[1].

[1] ثمّ ذكر «ره» أنّه لا بأس ببيع الميتة
على تقدير الالتزام بجواز الانتفاع بها، كما هو
الحال في الانتفاع بجلودها في غير ما هو مشروط
بالطهارة، فإنّ حديث تحف العقول لا ينافي جواز
البيع في الفرض، لأنّ النهي عن بيع أقسام النجس
معلّل فيه بعدم جواز الانتفاع، فلا يشمل النجس الذي
يجوز الانتفاع به، وكذا الحال في رواية دعائم
الإسلام، حيث أنّها لا تشمل ما يجوز الانتفاع به.
والإجماع على عدم جواز بيع النجس في فرض عدم جواز
الانتفاع، كما يظهر ذلك مما ذكروه في جواز بيع
الزيت النجس للاستصباح، وفي جواز بيع العبد الكافر
وكلب الصيد ونحوه.

أقول: لم يذكر «ره» وجه رفع يده عن ظاهر
رواية السكوني الدالّة على بطلان بيع الميتة، كما
هو مقتضى كون ثمنها سحتاً.

ومما ذكرنا يظهر قوّة جواز بيع الميتة[1].

[1] الأظهر عدم جواز بيع الميتة مطلقاً
حتّى مع جواز الانتفاع بها، أمّا جواز الانتفاع،
فلأنّ المنع وإن كان ظاهر بعض الروايات، إلا أنّه
لابدّ من رفع اليد عن ظهورها بحملها على كراهة
الانتفاع، بقرينة ورود الترخيص في البعض الآخر من
الروايات، وفي صحيحة علي بن المغيرة قال: «قلت لأبي
عبداللّه (ع): الميتة ينتفع منها بشي؟ فقال: لا“»(13) ، وموثّقة سماعة، قال: «سألته
عن جلود السباع أينتفع بها؟ فقال: إذا رميت وسميت
فانتفع بجلده، وأمّا الميت فلا»(14) ،
وصحيحة الكاهلي، قال: «سأل رجل أبا عبداللّه (ع)
وأنا عنده،

عن قطع اليات الغنم؟ فقال: لا بأس بقطعها
إذا كنت تصلح بها مالك، ثمّ قال: إنّ في كتاب علي (ع)
أنّ ما قطع منها ميت لا ينتفع به»(15)
إلى غير ذلك، وربّما يحمل النهي فيها على الكراهة
بشهادة رواية ابن إدريس عن جامع البزنطي صاحب الرضا
(ع) قال: «سألته عن الرجل يكون له الغنم يقطع من
الياتها وهي أحياء، أيصلح أن ينتفع بما قطع؟ قال:
نعم يذيبها ويسرج بها ولا يأكلها ولا يبيعها»(16) ، ورواها أيضاً في قرب
الإسناد عن عبداللّه بنالحسن عن جدّه عن علي بن
جعفر عن أخيه (ع).

ولكن مثل هذه الرواية لا تصلح لرفع اليد
بها عن ظاهر ما تقدّم، فإنّ طريق ابن ادريس إلى جامع
البزنطي غير معلوم لنا، وفي سند قرب الإسناد
عبداللّه بن الحسن العلوي ولم يثبت حاله، كما لا
تصلح لذلك رواية الصيقل المتقدّمة، لضعفها على ما
تقدّم، وإن كانت دلالتها على جواز الانتفاع بل على
جواز البيع تامّة، كما لا تصلح لرفع اليد عن ظهور ما
تقدّم رواية أبي بصير، قال: «سألت أبا عبداللّه (ع)
عن الصلاة في الفراء؟ فقال: كان علي بن الحسين (ع)
رجلاً صرداً فلا تدفئه فراء الحجاز، لأنّ دباغها
بالقرظ، فكان يبعث إلى العراق فيؤتى مما قبلكم
بالفرو فيلبسه، فإذا حضرت الصلاة ألقاه وألقى
القميص الذي يليه، فكان يُسئَل عن ذلك، فيقول: إنّ
أهل العراق يستحلّون لباس الجلود الميتة، ويزعمون
أنّه دباغه ذكاته»(17) .

والوجه في عدم صلاحها ضعف سندها (أوّلاً،
وعدم ظهور جهة إلقاء الفرو المزبور (ثانياً)، فإنّ
الفرو المفروض باعتبار أخذه من بلد الإسلام محكوم
بالتذكية، والاحتياط لا يجري في أمثال المقام مما
يعلم صحّة العمل حتّى مع النجاسة الواقعية أو لبس
الميتة، كما هو مقتضى حديث «لا تعاد»، فلا يصحّ ما
قيل من أنّ الإلقاء كان للاحتياط، كما أنّ التعليل
والاستمرار على العمل لا يناسبان القول بأنّه (ع)
كان عالماً بعلم الإمامة أنّ الفرو المزبور من
الميتة، بل العمدة في الحمل على الكراهة صحيحة علي
بن جعفر عن أخيه (ع) قال:

«سألته عن الماشية تكون
لرجل، فيموت بعضها أيصلح له بيع جلودها ودباغها
ويلبسها؟ قال: لا، وإن لبسها فلا يصلّي فيها»(18) ، فإنّها ظاهرة في جواز لبسها
في غير الصلاة، وأنّ قوله (ع) «وإن لبسها» استثناء
عن النهي، وإلا لكان التعبير هكذا: (ولا يلبسها ولا
يصلي فيها) ليستفاد منه حرمة اللبس والمانعية
للصلاة أيضاً، ومثلها موثقة سماعة، قال: «سألته عن
جلد الميتة المملوح وهو الكيمخت؟ فرخّص فيه، وقال:
إن لم تمسّه فهو أفضل»(19) ، حيث
يحمل الترخيص على الانتفاع باللبس ونحوه لا ما يعمّ
البيع بقرينة النهي عن بيع الميتة في الصحيحة
المتقدّمة.

ويؤيّد جواز الانتفاع الروايات المتقدمة
التي كان في سندها ضعف، وأمّا المنع عن بيع الميتة
فمضافاً إلى صحيحة علي بن جعفر المتقدّمة يقتضيه ما
ورد في كون ثمن الميتة سحتاً(20) ،
ولكن في السند ضعفاً، لأنّ السكوني وإن كان لا بأس
به على ما ذكره الشيخ في العدّة من أنّ الأصحاب قد
عملوا برواياته، إلا أنّ الراوي عنه ـ وهو النوفلي
ـ فيه كلام، ولكن ليس هوعلى نقل الصدوق في الخصال
راوياً عن السكوني، إلا أنّ في السند موسى بن عمرو،
وليس عندي توثيق له.

والحاصل أنّ الرواية مؤيّدة والعمدة في
المنع الصحيحة، وهي لا تشمل الأجزاء التي لا تحلّها
الحياة، ولا الميتة من الحيوان الذي لا يكون له دم،
بل لو تمّ الاطلاق لما تحلّه الحياة، لرفع اليد عنه
بمثل حسنة حريز، قال: «قال أبو عبداللّه (ع) لزرارة
ومحمد بن مسلم: اللبن واللباء والبيضة والشعر
والصوف والقرن والناب والحافر وكلّ شيء يفصل من
الشاة والدابة فهو ذكي، وإن أخذته منه بعد أن يموت
فاغسله وصلِّ فيه»(21) ، حيث أنّ
ظاهرها أنّ مثل المذكورات محكومة بالذكاة، فيجوز
أكلها أو لبسها في الصلاة، إلى غير ذلك من أحكام
التذكية التي منها جواز البيع.

بيع المشتبه بالميتة

لم يجز بيعه أيضاً[1].

[1] بل الأظهر جواز بيع المذكى المشتبه من
غير حاجة إلى دليل خاص عليه، والوجه في ذلك أنّ
الانتفاع من الميتة بسائر الانتفاعات غير المشروطة
بالطهارة والتذكية جائز كما تقدّم، سواء كانت
الميتة مشتبهة أو ممتازة، كما أنّه لا بأس بمثل هذه
الانتفاعات من المذكّى المشتبه بالميتة قطعاً،
وهذه المنفعة المحلّلة توجب المالية، غاية الأمر
أنّه يرفع اليد عن ذلك في الميتة بقيام الدليل على
المنع عن بيعها، وأمّا في ناحية المذكّى المشتبه
فلم يقم دليل على المنع، فيحكم بصحّة بيعه أخذاً
بالاطلاق في مثل «أحلّ اللّه البيع»،

وعلى ذلك فيقع
البيع في الفرع المفروض على المذكّى، ويسلم البايع
كلا المشتبهين إلى المشتري ليقبض ما يصحّ بيعه من
غير فرق بين إسلام المشتري وكفره. ولعلّ ذكر
المستحلّ في الصحيحتين باعتبار أنّ المسلم لا يقدم
غالباً على شراء المذكّى بداعي الانتفاع بمثل تلك
الانتفاعات، وهذا بخلاف المستحلّ فإنّه يشتريه،
وعلم البايع بأنّ المشتري المستحلّ يستعمله في
الأكل لا يضرّ بجواز البيع، كما يأتي في مسألة بيع
العنب ممن يعلم أنّه يعمله خمراً.

مع أنّ المروي عن أميرالمؤمنين (ع)[2].

[2] رواه في المستدرك عن الجعفريات، أخبرنا
محمد، حدّثني موسى، قال: «حدّثني أبي، عن أبيه، عن
جدّه جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي (ع) أنّه سُئل عن
شاة مسلوخة وأُخرى مذبوحة عن عمى على الراعي أو على
صاحبها، فلا يدري التذكية من الميتة، قال: يرمي بها
جميعاً إلى ا لكلاب» وظاهرها عدم جواز الانتفاع
بالميتة أصلاً، فتكون من الروايات المحمولة على
الكراهة.

فافهم[1].

[1] لعلّه إشارة إلى أنّ التفصيل بين
المشتبهات وإن كان خلاف ما ذكره «ره» في الاصول من
أنّها لا تجري في أطراف العلم الإجمالي، سواء كانت
موافقة لمقتضى العلم الإجمالي بالتكليف ـ كما
تقدّم ـ أو مخالفةله، باعتبار أنّ شمولها لأطرافه
يوجب التناقض في مدلول دليلها، إلا أنّ القائل
بجواز ارتكاب بعض أطراف العلم تخييراً يلتزم
بالتفصيل الزبور، فالإشكال عليه بجريان استصحاب
عدم التذكية في كلّ منهما مبنيّ على ذلك المسلك.

نعم لقائل أن يقول: إنّ موضوع عدم جواز
البيع هي الميتة، لا غير المذكى، واستصحاب عدم
التذكية لا يثبت عنوان الميتة، فلابأس باستصحاب
عدم كون المبيع ميتة، بناءاً على عدم تساقط الأصلين
المتنافيين معاً، للعلم بالتكليف، بل يجري أحدهما
تخييراً، والحاصل أنّ مقتضى الأصل جواز بيع أحدهما.
نعم القول بجواز ارتكاب بعض الأطراف في نفسه ضعيف،
وتوضيحه موكول إلى محلّه.

ويمكن حملها على صورة قصد البايع[2].

[2] لا يخفى عدم الموجب لذلك، فإنّه لم يفرض
في قوله (ع) «إذا اختلط الذكي بالميت» في صحيحة
الحلبي اختلاط جميع أجزاء الحيوان أو اشتباه أحد
الحيوانين بالآخر، ليقال: إنّ المراد منه قصد بيع
الأجزاء التي لا تحلّها الحياة، بل الكلام المزبور
يعمّ ما إذا كان هناك مقدار من اللحم أو الشحم بعضه
مذكى وبعضه ميتة وقد اختلطا كما لا يخفى.

وفي مستطرفات السرائر[3].

[3] لم يظهر وجه ذكر الرواية في اشتباه
المذكى بالميتة. ولعلّ هذا الكلام كان بعد التعرّض
لرواية الصيقل وقبل قوله: «ولكن الانصاف أنّه إذا
قلنا بجواز الانتفاع» حيث أنّه ربّما يقع الوهم
بأنّ رواية البزنطي ـ مثل رواية الصيقل ـ منافية
للأدلّة المانعة عن بيع الميتعة.

مع أنّها معارضة بما دلّ[1].

[1] ورواه الكليني عن الحسين بن محمد بن
معلى بن محمد عن الحسن بن علي قال: «سألت أبا الحسن
(ع)، فقلت: جعلت فداك: إنّ أهل الجبل تثقل عندهم
إليات الغنم فيقطعونها؟ قال: «هي حرام»، قلت فنصطبح
بها؟ قال: «أما تعلم أنّه يصيب اليد والثوب وهو
حرام»(22) .

ولا يخفى أنّ هذه
الرواية لا تصلح لمعارضة ما دلّ على جواز الانتفاع
بالميتة، ومنه رواية جامع البزنطي، وذلك فإنّ ظاهر
قوله (ع): «وهي حرام» حرمة أكل الاليات المقطوعة،
ولذا أعاد السائل السؤال عن سائر الانتفاعات،
ومقتضى قوله(ع) في الجواب ثانياً: «أما تعلم» كون
النهي عن الانتفاعات المزبورة إرشادياً لئلا يبتلى
الشخص المستعمل تلك الاليات بنجاسة البدن والثوب،
وإلا فلا يكون إصابة اليد أو مسّ الميتة ولو عمداً
حراماً تكليفاً، بل على تقدير كون المنع عن
الانتفاع تكليفاً، يحمل على الكراهة جمعاً، كما
تقدّم. وكون المراد بالحرام هي الكراهة ككون المراد
بالوجوب الاستحباب غير عزيز في الروايات.

لوجود المقتضي وعدم المانع[2].

[2] لا يخفى أنّ المانع ما عدّ فيه ثمن
الميتة من السحت، ولا عذر لمثل المصنّف «ره» الذي
لا يلاحظ سند الروايات في الإغماض عنها، فإنّ
الاطلاق فيه يعمّ ميتة ما لا نفس له، إلا أن يعتذر
بعدم عمل المشهور بهذا الاطلاق.

بيع الكلب والخنزير

يحرم التكسّب بالكلب الهراش والخنزير
البريين[3].

[3] يشهد لذلك مثل صحيحة محمد بن مسلم
وعبدالرحمن بن أبي عبداللّه معاً عن أبي عبداللّه
(ع) قال: «ثمن الكلب الذي لا يصيد سحت»(23) فإنّ الرواية لو لم تكن ظاهرة في خصوص
الكلب الهراش فلا ريب في أنّها تعمّه، بل في ثبوت
المالية لكلب الهراش الموجبة لخروج أخذ العوض عليه
عن عنوان الأكل بالباطل تأمّل. نعم، لا ريب في جواز
التكسّب به بمثل من يكون خبرته في جميع تلك الكلاب
وقتلها تحصيلاً لراحة الناس، والتكسّب بهذا النحو
خارج عن مدلول الرواية، وليس لدينا إجماع تعبّدي
يمنع عن ذلك،

وأمّا الخنزير فيستفاد فساد بيعه من
مثل صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (ع) قال:
«سألته عن رجلين نصرانيين باع أحدهما خمراً أو
خنزيراً إلى أجل، فأسلما قبل أن يقبظا الثمن، هل
يحلّ له ثمنه بعد الإسلام؟ قال: «إنّما له الثمن فلا
بأس أن يأخذه»(24) ، حيث أنّ
ظاهر السؤال ارتكاز فساد بيع المسلم الخمر أو
الخنزير، وإنّما سأل عن أخذ الثمن باعتبار فرض
البيع حال الكفر، وظاهر الجواب أيضاً أنّ عدم وقوع
البيع حالالإسلام وحدوث ملك الثمن حال الكفر موجب
لعدم البأس بأخذه.

وفي مرسلة ابن أبي عمير عن الرضا
(ع) قال: «سألته عن نصراني أسلم وعنده خمر أو خنزير،
وعليه دين هل يبيع خمره أو خنازيره ويقضي دينه؟ قال:
لا»(25) . نعم، في حسنة محمد بن
مسلم عن أبي جعفر (ع) «في رجل كان له على رجل دراهم،
فباع خمراً وخنازير وهو ينظر فقضاه، فقال: لا بأس به
أما للمقتضي فحلال،
وأمّا للبايع فحرام»(26) ، ولكن
لابدّ من حملها على بيع الكافر من مثله، بقرينة ذكر
الخمر المحكوم بيعه بالبطلان جزماً، فيما إذا كا
بايعه مسلماً.

والحاصل أنّه لا يمكن الأخذ باطلاق
الرواية حتّى تقع المعارضة بينها وبين ما تقدّم،
ومثلها صحيحة زرارة عن أبي عبداللّه (ع) «في الرجل
يكون لي عليه الدراهم، فيبيع بها خمراً أو خنزيراً،
ثمّ يقضي منها؟ قال: لا بأس به، أو قال: خذها»(27) . وعلى الجملة، فلا بأس
بالانتفاع بمثل جلد الخنزير وشعره كما هو مقتضى
أصالة الحل، ولكن لا يجوز بيعه، كما تقدّم نظير ذلك
في الميتة، وربّما يقال: إنّ جواز الانتفاع بمثل
جلده بل جواز بيعه مقتضى بعض الروايات: (منها) رواية
سليمان الاسكاف، قال: «سألت أبا عبداللّه (ع)

عن شعر
الخنزير يخرز به؟ قال: لا بأس به، ولكن يغسل يده إذا
أراد أن يصلّي»(28) . ورواية برد
الاسكاف، قال: «سألت أبا عبداللّه (ع) عن شعر
الخنزير يعمل به؟ قال: خذ منه فاغسله بالماء حتّى
يذهب ثلث الماء ويبقى ثلثاه، ثم اجعله في فخارة
جديدة ليلة باردة، فإن جمد فلا تعمل به، وإن لم يجمد
فليس له دسم فاعمل به، واغسل يدك إذا مسسته عند كلّ
صلاة، قلت: ووضوء؟ قال: لا، اغسل يدك كما تمسّ
الكلب»(29) ونحوها غيرها.

ولكن لا يخفى عدم الدلالة فيها على جواز
البيع أصلاً، فإنّ العمل بشعر الخنزير حتّى فيما
إذا كان بنحو الصنعة يمكن وقوعه بنحو الاجارة، بأن
يكون الشخص أجيراً للخرازة أو صنع الحمائل من شعر
الخنزير، ولا ينحصر الكسب به بالبيع، وبما أنّ
الروايات المشار إليها واردة في حكم العمل بشعر
الخنزير، لا الكسب به، فلا يمكن دعوى إطلاقها
وشمولها لبيع المصنوع من شعر الخنزير كما لا يخفى.
وهذا مع الاغماض عن ضعفها سنداً بل دلالةً أيضاً،
فإنّه لو جاز الانتفاع بشعر الخنزير، فلا يفرق بين
كون الشعر دسماً أو لا،

ولا أظنّ الالتزام بالتفصيل
من أحد، وربّما يقال باستفادة جواز الانتفاع من
صحيحة زرارة عن أبي عبداللّه (ع) قال: «سألته عن
الحبل يكون من شعر الخنزير يستسقى به الماء من
البئر هل يتوضّأ من ذلك الماء؟ قال: لا بأس»(30) . وغير خفيّ أنّ الحكم بجواز
الوضوء لا يلازم الحكم بجواز استعمال شعر الخنزير
كالاستسقاء به من البئر، فإنّه يمكن أن يكون الوضوء
بالماء المزبور جائزاً مع حرمة إخراج ماء البئر
بذلك الحبل، كما هو الحال في الاستسقاء بحبل الغير،
فإنّه يجوز الوضوء من ذلك الماء مع أنّه لا يمكن
الالتزام بجواز إخراج الماء به بلا إذن مالكه،
وبعبارة أُخرى لا يستلزم جواز الانتفاع بالوضوء من
الماء المزبور على تقدير الاستسقاء جواز استعمار
نفس ذلك الشعر والاستسقاء به، كما لا يخفى.

بيع الخمر

وكل مسكر ومايع وفقاع[1].

[1] بلا خلاف معروف أو منقول، وقد نزل
الفقاع ـ بل كل مسكر ـ منزلة الخمر في بعض الروايات
المعتبرة، ومقتضى هذا التنزيل ترتيب جميع آثار
الخمر، وفي صحيحة علي بن يقطين عن أبي الحسن الماضي
(ع) قال: «إنّ اللّه عزّ وجلّ لم يحرم الخمر لاسمها،
ولكن حرّمها لعاقبتها، فما كان عاقبته عاقبة الخمر
فهو خمر»(31) .

وفي موثقة ابن فضال، قال: «كتبت إلى أبي
الحسن (ع) أسأله عن الفقاع، فقال: هو الخمر وفيه حدّ
شارب الخمر»(32) ، وقريب منهما
غيرهما، وكيف كان فيستفاد من بعض الروايات حرمة
المعاملة على المسكر تكليفاً ووضعاً، ففي موثقة
زيد بن علي عن آبائه (ع)، قال: «لعن رسول اللّه (ص)
الخمر وعاصرها ومعتصرها وبايعها ومشتريها وساقيها
وآكل ثمنها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه»(33) ، حيث أنّها دالّة على حرمة
بيعها تكليفاً، كما هو ظاهر لعن بايعها ومشتريها،
وفساده وضعاً كما هو مقتضى لعن آكل ثمنها، وفي
مقابلها صحيحة جميل التي رواها ابن أبي عمير وعلي
بن حديد جميعاً عنه قال: «قلت لأبي عبداللّه (ع) يكون
لي على الرجل الدراهم، فيعطيني بها خمراً؟ فقال:
خذها ثم أفسدها، قال علي: وأجعلها خلاً»(34) .

وظاهرها جواز أخذ الخمر ومعاوضتها
بالدراهم، وقد حملها المصنّف «ره» على أحد أمرين:

الأوّل: إبراء المديون عمّا عليه من
الدراهم وأخذ الخمر مجاناً والانتفاع بها بعد ذلك
بجعلها خلاً.

والثاني: أخذ الخمر أمانة بأن ثبت الحقّ
فيها لمعطيها، ثمّ يجعلها الآخذ خلاً ويتملّك ذلك
الخلّ عن مالكه المديون وكالةً أو تقاصّاً، ولكن
كلا الأمرين طرح لظهورها في مقام المعاوضة كما لا
يخفى.

وذكر السيد الخوئي طال بقاؤه أنّ هذه
الرواية عامّة من جهة بايع الخمر، أي: إنّها
بإطلاقها تشمل كونه مسلماً أو كافراً، وخاصّة من
جهة المعامل، حيث أنّها بقصد التخليل. وفي مقابل
ذلك ما يدلّ على أنّه لا يجوز للمسلم بيع الخمر سواء
كان بقصد التخليل أو غيره، وهذا خاص من جهة البائع
وعامّ من جهة المعاملة، فتقع المعارضة بينهما في
البايع المسلم فيما إذا كان بيعه للتخليل، وبعد
تساقطهما يرجع إلى إطلاق قوله (ع): «ثمن الخمر سحت»،
والرواية المزبورة رواية يونس في مجوسي باع خمراً
أو خنازير إلى أن قال:

«أسلم رجل وله خمر أو خنازير،
ثمّ مات وهي في ملكه ـ إلى أن ذكر ـ وليس له ـ أي
للمسلم ـ أن يبيعه وهو حيّ ولا يمسكه»(35) . ونحوها مرسلة ابن أبي عمير أو أبي
نجران(36) وفيه أنّ رواية يونس
ضعيفة سنداً. نعم، مرسلة ابن أبي عمير لابأس بها على
شهادة الشيخ «ره» في العدّة من أنّه لا يرسل

ولا
يروي إلا عن ثقة، حيث أنّ هذا الكلام منه «ره» توثيق
عام لمشايخ ابن أبي عمير لا يرفع اليد عنه إلا في
موارد علم فيها نقله عن غير الثقة، وليس لنا علم ـ
ولو إجمالاً ـ بإرساله عن غير الثقة حتّى يمنع هذا
العلم عن الأخذ بمرسلاته، نعم بالإضافة إلى
رواياته المسندة فروايته فيها عن غير الثقة معلوم
إجمالاً، ولكن هذا العلم ينحلّ بالظفر بأشخاص
نحتمل انحصار غير الثقة من مشايخه بهم، ولكن سيأتي
عدم تمامية ذلك وأنّه لا اعتبار لمرسلاته.

ومع الإغماض عن السند فلا يتمّ ما ذكر،
لظهور صحيحة درّاج في جواز شراء الخمر مطلقاً، سواء
كان بقصد التخليل أو لغاية أُخرى، والأمر بجعل
الخمر خلاً حكم آخر في الرواية، وليس قيداً لجواز
شرائها، فإنّه فرق بين قوله: «خذها واجعلها خلاً»
كما في الرواية، وبين قوله: «خذها إذا جعلتها خلاً»
حيث إنّ الأوّل كنظائره من الأمر بتغسيل الميت
والصلاة عليه لا يوجب تقييداً في الحكم الأوّل،
وعلى ذلك فظاهر الصحيحة جواز شراء الخمر وضعاً
وتكليفاً، فتكون منافية لما دلّ على حرمة بيعها
وفساده، والترجيح مع الأخبار الدالّة على المنع
تكليفاً ووضعاً، لموافقتها للكتاب العزيز الدالّ
على لزوم الاجتناب عن الخمر، باعتبار كونه رجساً،
فإنّ لزوم الاجتناب يعمّ بيعها وشراءها كما لا
يخفى.

وذكر الأيرواني «ره» أنّ تفسير الافساد
بجعل الخمر خلاً من ابن أبي عمير لا من الإمام (ع)،
ولا عبرة بفهم ابن أبي عمير فيما إذا كان ظاهر كلامه
(ع) غيره، وظاهر إفساد الخمر جعلها بحيث لا يرغب
فيها حسماً لمادة الفساد، فلا دلالة في الرواية على
تجويزه (ع) أخذ الخمر بدلاً عن الدراهم، ليكون ذلك منافياً
لما تقدّم من المنع عن بيعها وضعاً وتكليفاً.

أقول: لا ينبغي الريب في عدم وجوب إهراق
الخمر وجواز جعلها خلاً، ويشهد لذلك غير واحد من
الروايات كموثقة زرارة، قال: «سألت أبا عبداللّه (ع)
عن الرجل يأخذ الخمر فيجعلها خلاً؟ قال: لا بأس»(37) ، وكيف كان فلا يجب إتلاف
الخمر بإهراقها، بل يجوز إفسادها بجعلها خلاً، ولو
لم يكن ظاهر إفسادها هو التخليل كما فسّره به علي بن
حديد، فلا أقلّ من حمله على ما يعمّه جمعاً بينها
وبين مثل الموثقة ممّا دلّ على جواز أخذها
وتخليلها، كما أنّ ظاهر قوله (ع) : «خذها» في الجواب
عن السؤال عن أخذها بدل الدراهم هو تجويز المبادلة،
وإلا لكان اللازم أن يقول (ع) (خذها ولك ماعليه من
الدراهم).

ثمّ لا يخفى أنّ تقييد المسكر بالمايع ـ
في كلام المصنّف «ره» ليس باعتبار أنّه لا بأس ببيع
المسكر الجامد، باعتبار أنّ الكلام في المقام في
عدم جواز بيع النجاسات، والمسكر الجامد بالأصالة ـ
باعتبار عدم نجاسته ـ خارج عن موضوع البحث، وداخل
فيما يأتي مما يحرم التكسّب به باعتبار حرمة الانتفاع.

تنبيه:

لا يخفى أنّ ما ورد ـ من أنّ كلّ مسكر خمر
حكماً أو موضوعاً ـ لا يوجب الحكم بحرمة بيع ما يعرف
في زماننا هذا بالاسبيرتو (آلكل صنعتي) بل المايع
المزبور محكوم بالطهارة للأصل، وبجواز البيع
باعتبار المنفعة المقصودة المحلّلة فيه، وليس
مسكراً بالفعل لتعمّه تلك الروايات، وعلاجه بالماء
أو غيره لتصبح مسكراً غير محرز وعلى تقديره فلا
يضرّ، لظهورها في أنّ الموضوع للنجاسة والحرمة هو
ما يكون مسكراً بالفعل ومعدّاً للإسكار، فلاحظ.

بيع المتنجس

يحرم المعاوضة على الأعيان المتنجسة[1].

[1] لو لم تكن للمتنجس منفعة محلّلة
مقصودة، كما إذا كانت منفعته المقصودة الأكل أو
الشرب، فحرمتهما مع عدم إمكان تطهيره توجب كون أخذ
المال في مقابله من أكله بالباطل. والعجب من
المصنّف «ره» أنّه لم يتعرّض لهذا الاستدلال، بل
ذكر في وجه بطلان بيعه روايات تقدّم عدم صحّة
الاعتماد عليها، بل مع الإغماض عمّا تقدّم، فلا
يمكن الاستدلال بها على حكم المقام، فإنّه لم
تتعلّق الحرمة في خطاب الشرع بنفس المتنجّس حتّى
يعمّه قوله: «إذا حرّم اللّه شيئاً حرّم ثمنه» أو
قوله في رواية دعائم الإسلام: «ما كان محرّماً أصله
لم يجز بيعه وشراؤه» بل حرمة شرب المتنجّس أو أكله
مستفادة مما ورد في أبواب مختلفة، كالنهي الوارد عن
شرب الماء والمضاف المتنجسين، وكالأمر الوارد
بإهراق المرق المتنجس وغسل لحمه، وغير ذلك مما هو
إرشاد إلى عدم جواز تناول المتنجّس.

لا يقال: يكفي في تعلّق النهي بنفس
المتنجّس مثل قوله سبحانه: «يحلّ لهم الطيّبات
ويحرّم عليهم الخبائث»(38) .

فإنّه يقال: لم يعلم أنّ المراد بالخبائث
الأعيان ليدّعى شمولها للأعيان المتنجّسة أيضاً،
بل الظاهر أنّ المراد بها الأعمال القبيحة وذوات
المفاسد، كما أنّ المراد بالطيّبات خلافها. وهذا
مقتضى وصف النبي الأُمّي بأنّه يحلّ لهم الطيّبات
ويحرّم عليهم الخبائث، حيث أنّ التعرّض في مقام توصيفه
لتحليله بعض المأكول والمشروب وتحريمه بعضهما
الآخر دون سائر ما جاء به من الأحكام غير مناسب، ولو
لم يكن ما ذكرنا ظاهراً فلا أقلّ من الاحتمال. كيف؟
وقد ذكر الخبائث في قوله سبحانه: «نجّيناه من
القرية التي كانت تعمل الخبائث»(39)
والمراد به الفعل القبيح بلا شبهة.

وعلى الجملة لم يثبت أنّ الخبيث نفس
المتنجس، بل هو أكله وشربه، هذا كلّه بالإضافة إلى
ما لا يقبل التطهير. وأمّا ما يقبل التطهير كالحليب
المتنجّس يعمل جبناً ويطهر ذلك الجبن بالغسل، فلا
بأس ببيعه، ولا يكون مجرد تنجسه مانعاً عنه، لأنّ
المتنجّس لا يزيد على الأعيان النجسة التي ذكرنا صحة
بيعها مع المنفة المقصودة المحلّلة لها.

قيل بعدم جواز بيع المسوخ من أجل
نجاستها[1].

[1] قال في المبسوط: لا يجوز بيع الأعيان
النجسة كالكلب والخنزير وجميع المسوخ، وفي الخلاف:
لا يجوز بيع القرد للإجماع على أنّه مسخ نجس، وذكر
في أطعمة الكتاب أنّ المسوخ كلّها نجسة، إنتهى.
ولكنّ الأظهر طهارتها فإنّها مقتضى الأخبار
المعتبرة الموجبة لحمل ما ورد في ترك سؤر المسوخ
على التنزّه، وعليه فلو قيل بعدم جواز بيعها يكون
محلّ التعرّض له القسم الثاني مما يجوز بيعه
باعتبار عدم المنفعة المحلّلة المقصودة فيه.

بيع العبد الكافر

يجوز بيع المملوك الكافر[2].

[2] يجوز بيع الكافر بلا خلاف ظاهر، بل
ادّعى الاجماع على الجواز، وليس الاجماع بعيداً،
ويمكن تحصيله بالتتبع في الموارد المناسبة لمسألة
جواز بيع العبد الكافر من جواز استرقاق الكفّار ولو
بأسرهم، حيث أنّ الكافر يملك بالاسترقاق وجواز
البيع من آثار الملك، ومن جواز شراء بعض الكفّار من
بعضهم كما فيما إذا باع الكافر الحربي ولده، فيجوز
للمسلم شراؤه، ومن أنّ العبد إذا أسلم على مولاه
الكافر يباع عليه، فإنّه يستفاد من المذكور في تلك
المسألة أنّه يجوز للكافر بيع عبده قبل إسلامه،
ويجبر على البيع بعد إسلامه، ومن جواز عتق العبد
الكافر الموقوف على تملّك العبد أوّلاً بالشراء أو
غيره، ومن تجويزهم بيع المرتد، ومن حكمهم بخيار
الفسخ للمشتري فيما إذا ظهر كفر العبد المشتري على
ظاهر الإسلام، حيث أنّه لو لم يصحّ بيع الكافر لكان
البيع باطلاً لا خيارياً إلى غير ذلك.

عدا ما يظهر من بعض الأساطين[1].

[1] كأنّ مراد بعض الأساطين أنّ المرتد
الفطري لا يسقط عنه القتل، ولكن إذا تاب يحكم
بإسلامه أي يجري عليه أحكام الإسلام. ومن تلك
الأحكام طهارته، فيجوز بيعه، وأمّا إذا لم نقل
بقبول توبته، أي بعدم جريان أحكام الإسلام عليه فلا
يجوز بيعه حتّى بعد توبته، لكونه نجساً كسائر
الكفّار.

وإن كان عن فطرة على إشكال[2].

[2] أي على إشكال في رهنه، ووجه الإشكال ـ
على ما في جامع المقاصد ـ هو أنّ جواز بيع المرتد
يوجب جواز رهنه بطريق أولى، باعتبار أنّ البيع من
العقود اللازمة، فجوازه يوجب جواز العقد الجائز،
ومن أنّ المقصود بالبيع مجرّد ملك العين. وهذا يحصل
في المرتد أيضاً، بخلاف الرهن، فإنّها الوثيقة على الدّين
والمرتد في معرض القتل، إمّا مطلقاً، كما في
الفطري، أو مع عدم توبته، كما في الملّي، فلا يحصل
الوثوق المعتبر في حقيقة الرهن.

ثم ذكر المحارب الذي لا تقبل توبته[3].

[3] المراد بالمحارب المحكوم بالقتل من شهر
السلاح على الناس لإخافتهم في المصر أو خارجه، سواء
كان مسلماً أو كافراً حرّاً أو عبداً، وإذا تاب هذا
المحارب وأظهر الندم على فعله قبل القدرة عليه، سقط
عنه الحد. وأمّا إظهاره الندم بعد القدرة عليه، فلا
يوجب سقوط الحدّ، كما يفصح عن ذلك قوله سبحانه: «إلا
الّذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم * فاعلموا أنّ
اللّه غفور رحيم »(40) .

ثمّ إذا كان المحارب عبداً يجوز بيعه، ولا
يكون الحكم عليه بالقتل موجباً لسقوطه عن الملك
والمالية رأساً، حيث أنّ له منفعة مقصودة وأقلّها
عتقه في كفّارة ونحوها، فيكون نظير العبد المرتد
الفطري كما لا يخفى.

/ 12