مع الرکب الحسینی من المدینة الی المدینة جلد 2

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

مع الرکب الحسینی من المدینة الی المدینة - جلد 2

نجم الدین طبسی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید



مقدمة مركز الدراسات الإسلاميّة





التابع لممثليّة الولي الفقيه في حرس الثورة الإسلامية
الحمد للّه الذي جعل الحمد مفتاحاً لذكره ودليلاً على نعمه وآلائه، والصلاة والسلام على أشرف الخلائق محمّد وآله الطيبين الطاهرين.
وبعدُ: فهذا الكتاب هو الجزء الثاني من سلسلة أجزاء الدراسة التأريخية التفصيلية (مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة)، ويختص هذا الجزء بالمقطع الثاني من مقاطع هذه الدراسة، وهو مقطع «الأيّام المكيّة من عمر النهضة الحسينية»، أي الأيام التي أقام الإمام الحسين(عليه السلام)





فيها بمكّة المكرمة بعد إعلانه عن رفضه مبايعة يزيد بعد موت معاوية بن أبي سفيان.
وفترة الأيام المكيّة من عمر النهضة الحسينية من أصعب أيام هذه النهضة المباركة على صعيد المتابعة التاريخية، لأنها أقلّ مقاطع هذه النهضة المقدّسة من حيث كميّة الوثائق التأريخية التي تحدّثت عنها، مع أنّ هذه الفترة هي أطول مقاطع النهضة الحسينية إذ بلغت ما يقارب مائة وخمسة وعشرين يوماً، ولاشكّ أنها كانت مليئة بالمهم من وقائع حركة الإمام(عليه السلام) لأنّ مكّة المكرّمة في تلك الأيام كانت محطّ وملتقى جموع المعتمرين والحجّاج.










[4]





ولذا فقد عمد مؤلّف هذا الكتاب ـ من أجل سدّ ثغرة قلّة وثائق هذه الفترة ـ إلى دراستها من خلال متابعات ثلاث: الأولى هي متابعة حركة الإمام(عليه السلام)، والثانية متابعة حركة السلطة الأموية في مواجهة حركة الإمام(عليه السلام)، والثالثة هي متابعة حركة الإمّة إزاء قيام الإمام(عليه السلام).
فجاءت هذه الدراسة غنيّة وجديدة بمعنى الكلمة من حيث النظم والمحتوى، والإلتفاتة البكر، والإستنباط الذكيّ الرائع، والتبويب المغني عن عناء المتابعات المرهقة.
ومؤلف هذا البحث هو سماحة الشيخ المحقّق الأستاذ نجم الدين الطبسي، صاحب الخبرة الطويلة في ميدان التحقيق العلمي والتأريخي، إذ هو أحد محقّقي موسوعة: «معجم أحاديث المهدي(عليه السلام)»، ومن مؤلفاته القيّمة: كتاب «موارد السجن في النصوص والفتاوى»،





وكتاب «النفي والتغريب»، وكتاب «الوهابية: دعاوى وردود».
ولايسعنا هنا إلاّ أن نتقدّم الى شيخنا المحقّق مؤلف هذا الكتاب بالشكر الجزيل على ما بذله من جهد متواصل وعناء كبير من أجل إنجاز هذا البحث القيّم، داعين له بمزيد من الموفقية والنجاح في ميدان خدمة الحقّ والحقيقة ونصرة دين الله تعالى.
كما نتقدّم بالشكر الجزيل إلى الأخ الأستاذ المحقّق علي الشاوي الذي آزر مؤلّف الكتاب مؤازرة صميمية، وبذل جهداً كبيراً مشكوراً في مراجعة ونقد وتنظيم هذا البحث القيّم، داعين له بمزيد من الموفقية في ميدان التحقيق ومؤازرة المحقّقين، وفي مواصلة عنايته الكبيرة في خدمة الأجزاء الباقية من هذه الدراسة القيّمة.
مركز الدراسات الإسلاميّة
لممثليّة الولي الفقيه في حرس الثورة الإسلامية










[5]







مقدمة المؤلف











الأيّام المكيّة من عمر النهضة الحسينية










[6]





سفـيــدصفحه 6










[7]





ارتحل الإمام الحسين(عليه السلام) عن المدينة المنوّرة سنة ستين للهجرة إلى مكّة المكرّمة بعد موت معاوية بن أبي سفيان على أثر إعلانه رفض البيعة ليزيد، وكان(عليه السلام) قد أقام في مكّة المكرّمة منذ اليوم الثالث من شعبان الى اليوم الثامن من ذي الحجة من نفس السنة، أي ما لايقلّ عن مائة وخمسة وعشرين يوماً، وهي فترة طويلة نسبياً في إطار حساب عمر النهضة الحسينيّة المباركة، غير أن هذه الفترة برغم طولها تعتبر الفترة المجهولة من عمر هذه النهضة المباركة إذا قورنت مع فتراتها الأخرى من حيث الوقائع والأحداث التي سجلها التاريخ عنها،





ذلك لأن كتب التأريخ مرّت على هذه الفترة المكيّة مرور الكرام، فعدا وقائع أيّام ما قبيل خروج الإمام(عليه السلام) من مكة التي حظيت بنوع من العناية التأريخيّة التفصيلية، نلاحظ أنّ التأريخ لم يسجّل عن بقيّة هذه الأيام المكيّة الطويلة إلاّ ملاحظات عامة هي أقرب إلى الغموض منها إلى الوضوح.
هذا مع أنّ دراسة النهضة الحسينيّة واستيعاب أبعادها وفهم أسرارها منال لا يبلغ منه المحقق أقصى غايته بمعزل عن معرفة مجريات وقائع هذه الأيام المكيّة ودراسة الأجواء والتحركات المؤيّدة والمضادة التي كانت تعايشها النهضة الحسينيّة والإمام(عليه السلام) في مكّة.
وتتزاحم في ذهن المتأمل في هذه الفترة المكيّة أسئلة كثيرة، قد يكون أوّلها










[8]





هو السؤال عن علّة ارتحال الإمام(عليه السلام) من المدينة المنورة إلى مكّة المكرّمة لا إلى سواها. هل أراد الإمام(عليه السلام) أن يتّخذ من مكّة مركزاً لانطلاق الثورة على الحكم الأمويّ!؟ أم كان(عليه السلام) يريد استثمار أشهر الحج في مكّة المكرّمة لإيصال صوت هذه النهضة المباركة والتعريف بأهدافها الى كلّ العالم الإسلامي آنذاك؟
وكان يمكن للمتأمّل أن يجيب بالإيجاب على محتوى الشقّ الأوّل من السؤال، أو يتبنّى الجمع بين محتوى الشقّين الأوّل والثاني معاً لو كان في مكّة المكرّمة قاعدة شعبية كبيرة موالية لأهل البيت(عليهم السلام)، ولكن هل كانت هذه القاعدة الشعبية الموالية موجودة فعلاً آنذاك!؟
من المؤسف أنّ مثل هذه القاعدة الشعبية الموالية لم تتوفر للإمام الحسين(عليه السلام)





ولا لأخيه الإمام الحسن(عليه السلام) من قبله ولا لأبيهما الإمام أميرالمؤمنين(عليه السلام) من قبلهما، بسبب ما تركته معارك الإسلام الأولى كبدر وأُحد وغيرهما في قلوب بطون قريش من أحقاد على أميرالمؤمنين عليّ(عليه السلام) خاصة وعلى أهل البيت(عليهم السلام) فأضبّت على عداوتهم وأكبّت على منابذتهم، ذلك لأنها لا تنسى عليّاً(عليه السلام) الذي ناوش ذؤبانها وقتل صناديدها، وكيف تنساه «وهو صاحب لواء رسول الله(صلى الله عليه وآله) والمهاجرين»(1)!؟ كيف تنسى قريش علياً(عليه السلام) وقد أورد أوّلها النار وقلّد آخرها العار على حدّ قول الإمام زين العابدين(عليه السلام) وابن عبّاس(2)!؟ كيف تحبّه وقد قتل في بدر وأُحد من ساداتهم سبعين رجلاً تشرب أنوفهم الماء قبل شفاههم؟ هكذا قال ابن عمر لأميرالمؤمنين عليّ(عليه السلام) الذي ردَّ عليه قائلاً:








(1) البحار، 19: 206.
(2) البحار، 29: 482.










[9]





ماتركتْ بدرُ لنا مُذيقا




ولا لنا من خلفنا طريقا(1)عن عليّ بن الحسن بن فضّال، عن أبيه، عن أبي الحسن(عليه السلام)، قال: سألته عن أميرالمؤمنين(عليه السلام) كيف مال الناس عنه الى غيره، وقد عرفوا فضله وسابقته ومكانه من رسول الله(صلى الله عليه وآله)!؟ فقال(عليه السلام):
«إنّما مالوا عنه الى غيره وقد عرفوا فضله لأنه قد كان قتل من آبائهم وأجدادهم وإخوانهم وأعمامهم وأخوالهم وأقربائهم المحادّين لله ولرسوله عدداً كثيراً، وكان حقدهم عليه لذلك في قلوبهم فلم يحبّوا أن يتولّى عليهم،





ولم يكن في قلوبهم على غيره مثل ذلك، لأنه لم يكن له في الجهاد بين يدي رسول الله(صلى الله عليه وآله) مثل ما كان له، فلذلك عدلوا عنه ومالوا إلى سواه».(2)
وقد مارس ساسة السقيفة ومؤيدوهم عملاً إعلامياً مدروساً ومتواصلاً لتأجيج ثائرة قريش على عليّ(عليه السلام) ولترسيخ حقدها عليه، فهاهو عمر بن الخطّاب مثلاً ينظر الى سعيد بن العاص فيقول له: «مالي أراك كأنّ في نفسك عليَّ شيئاً، أتظنّ أنّي قتلت أباك؟ والله لوددت أنّي كنت قاتله! ولو قتلته لم أعتذر من قتل كافر، ولكنّي مررت به في يوم بدر فرأيته يبحث للقتال كما يبحث الثور بقرنه، وإذا شدقاه قد أزبدا كالوزغ، فلمّا رأيت ذلك هبته ورغتُ عنه! فقال: إلى أين يابن الخطّاب!؟ وصمد له عليٌ فتناوله، فوالله ما رمت مكاني حتى قتله».(3)
وكان عليُ(عليه السلام) حاضراً في المجلس فقال:








(1) البحار، 29:482 عن المناقب لابن شهرآشوب، 3:220.
(2) البحار، 29:280 ـ 281، رقم 2 عن علل الشرائع وعيون أخبار الرضا(عليه السلام).
(3) أنساب القرشيين: 193.










[10]





«اللّهُمَّ غفراً، ذهب الشرك بما فيه، ومحا الإسلام ما تقدّم، فمالك تُهيِّج الناس عليَّ!؟».(1)
وقد لخّصت سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام علّة كراهية قريش لعليّ(عليه السلام) أمام نساء المهاجرين والأنصار اللواتي جئن لعيادتها في مرضها قبل شهادتها حيث قالت(عليها السلام):
«وما الذي نقموا من أبي الحسن!؟ نقموا منه والله نكير سيفه، وقلّة مبالاته بحتفه، وشدّة وطأته، ونكال وقعته، وتنمّره في ذات الله».(2)
وما برح أمير المؤمنين عليّ(عليه السلام) بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله) يشكو الى الله ما فعلت





به قريش من غصب حقّه وتصغير عظيم شأنه حتى مضى شهيداً، ومن شكايا بثّه الى الله تعالى في هذا قوله(عليه السلام):
«مالنا ولقريش !؟ وما تنكر منّا قريش غير أنّا أهل بيت شيّد الله فوق بنيانهم بنياننا، وأعلى فوق رؤوسهم رؤوسنا، واختارنا الله عليهم، فنقموا على الله أن اختارنا عليهم، وسخطوا مارضي الله، وأحبّوا ماكره الله، فلمّا اختارنا الله عليهم شركناهم في حريمنا، وعرّفناهم الكتاب والنبوّة، وعلّمناهم الفرض والدين، وحفّظناهم الصحف والزبر، وديّناهم الدين والإسلام، فوثبوا علينا، وجحدوا فضلنا، ومنعونا حقّنا، وأَلتونا(3) أسباب أعمالنا وأعلامنا، اللّهم فإنّي أستعديك على قريش فخذ لي بحقّي منها، ولا تدع مظلمتي لديها، وطالبهم ـ ياربّ ـ بحقّي، فإنّك الحكم العدل، فإنّ قريشاً








(1) البحار، 19: 280 ـ 281 عن الإرشاد للمفيد: .
(2) البحار، 43: 160، باب 7، حديث 9; الاحتجاج، 1: 147.
(3) ألَتَهُ يَألِتهُ: إذا نقَصَهُ ـ النهاية، 1:58.










[11]





صغّرت عظيم أمري ...».(1)
ويقول(عليه السلام) في نفثة أخرى وهو يدعو الله تعالى على قريش:
«فأَجزِ قريشاً عني بفعالها، فقد قطعت رحمي، وظاهرت عليَّ، وسلبتني سلطان ابن عمّي ..».(2)
ويجيب(عليه السلام) أخاه عقيلاً في كتاب إليه: «فدع عنك قريشاً وتركاضهم في الضلال، وتجوالهم في الشقاق، وجماحهم في التيه، فإنّهم قد أجمعوا على حربي كإجماعهم على حرب رسول الله(صلى الله عليه وآله) قبلي، فجزت قريشاً عنّي الجوازي، فقد قطعوا رحمي، وسلبوني سلطان ابن عمي ..».(3)
ويلخّص(عليه السلام) موقفه في صبره على الطامّة الكبرى في انحراف الأمّة عن وصيّة رسول الله(صلى الله عليه وآله) وغصب قيادة السقيفة حقّه الإلهي في الخلافة:
«ما رأيت منذ بعث الله محمّداً(صلى الله عليه وآله) رخاءً، والحمد لله، والله لقد خفت الله صغيراً وجاهدت كبيراً، أقاتل المشركين وأعادي المنافقين حتى قبض الله نبيّه(صلى الله عليه وآله) فكانت الطامّة الكبرى، فلم أزل حذراً وجلاً أخاف أن يكون ما لا يسعني معه المقام، فلم أرَ ـ بحمد الله ـ إلاّ خيراً، والله مازلت أضرب بسيفي صبياً حتى صرت شيخاً، وإنّه ليصبّرني على ما أنا فيه أنّ ذلك كلّه في الله ...».(4)








(1) البحار، 29: 559، حديث 10، عن العدد القوية: 189، حديث 19.
(2) البحار، 29: 628، حديث 38 عن الإمامة والسياسة: 55 تحت عنوان: (خروج عليّ من المدينة).
(3) البحار، 29: 621، حديث 31; ونهج البلاغة: 409، رقم 36.
(4) البحار، 29: 556 ـ 557، حديث 7 عن إرشاد المفيد:151.










[12]







مكّة المكرّمة والتركيبة القبلية فيها





إنّ تركيبة مكّة المكرّمة الإجتماعية آنذاك تركيبة قبلية، فهي بيوتات وعشائر وبطون، وتتألف قريش من خمسة وعشرين بطناً،(1) و«ما أن أعلن النبي(صلى الله عليه وآله) نبوّته رسمياً، واختياره لوليّ عهده، حتى وقفت قريش وقفة رجل واحد بقيادة البيت الأموي، وأعلنت رفضها المطلق للنبوّة والكتاب وولاية العهد، وصرّحت بأنها ستجنّد كلّ طاقاتها الماديّة والمعنوية لصدّ أهل مكّة خاصة والعرب عامة عن إتباع محمد(صلى الله عليه وآله) والدخول في دينه، وانقسم المجتمع المكي الى قسمين:





الأوّل: وهو الأكثر عدداً ومدداً ظاهرياً، ويتألّف من ثلاثة وعشرين بطناً من بطون قريش ومن والاهم من الموالي والأحابيش.
الثاني: وهو الأقلّ عدداً، ويتألّف من رسول الله محمد(صلى الله عليه وآله) ومن بطنه الهاشمي وبطن بني المطّلب بن عبد مناف، ومن والى هذين البطنين من الموالي والأحابيش، مضافاً إليهم الذين اعتنقوا الدين الإسلامي».(2)
وقد «قرّرت البطون استعمال كلّ الوسائل لعزل محمد(صلى الله عليه وآله) عن الهاشميين، فإن هم أصرّوا على عدم التخلّي عنه فلابدّ من عزل الهاشميين أنفسهم عن البطون، وفرض محاصرتهم ومقاطعتهم، فإن لم تُجدِ هذه الوسائل تعيّن على البطون أن تختار رجالاً منها يشتركون جميعاً في قتل محمد(صلى الله عليه وآله) فيضيع دمه بين البطون، ولا يقوى الهاشميون على المطالبة بدمه، وإن لم تنجح محاولة القتل، وجب ملاحقة محمد(صلى الله عليه وآله)، ومحاربته حتى يتمّ القضاء التام عليه وعلى دعوته».(3)








(1) راجع مروج الذهب، 2: 275.
(2) كتاب خلاصة المواجهة مع الرسول وآله: 23 و 24.
(3) نفس المصدر السابق.










[13]





لكنّ هذه البطون المناوئة للدعوة المحمّدية أحسّت بالخيبة وبقوّة الصدمة وشدّة النكسة وهول ما أصابها من بني هاشم عامة ومن عليّ بن أبي طالب(عليهما السلام)خاصة بعد تعاظم أمر رسول الله(صلى الله عليه وآله) واشتداد شوكته، خصوصاً بعد معركة بدر الكبرى التي عبّأت فيها قريش كلّ قواها، إذ «مابقي أحد من عظماء قريش إلاّ أخرج مالاً لتجهيز الجيش، وقالوا: من لم يخرج نهدم داره»،(1) ويرى أبوسفيان أنّ لوازم المواجهة مع رسول الله(صلى الله عليه وآله) تقتضي العداء الى آخر الدهر، هاهو يخاطب الرجل الجهني وهو يستقصيه أخبار جيش النبي(صلى الله عليه وآله) قبيل وقعة بدر الكبرى قائلاً: «واللات والعُزّى لئن كتمتنا أمر محمّد لا تزال قريش لك معادية آخر الدهر، فإنّه ليس أحد من قريش إلاّ وله شيء في هذا العير».(2)





لقد ترسّخ حقد قريش على بني هاشم عامة وعلى أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب(عليهما السلام) خاصة منذ انجلت بدر الكبرى عن انكسار قريش واندحارها، وإنها لتعلم أنّ علياً(عليه السلام) هو السبب الرئيس في انهزامها وخسارتها المفجعة، فهو الذي قتل الوليد ثم شرك في قتل عتبة وشيبة، ولقد تفرّد(عليه السلام) بقتل خمسة وثلاثين رجلاً ببدر ـ على ما أثبتهُ رواة العامة والخاصة معاً ـ سوى من اختلفوا فيه، ومن شرك أميرالمؤمنين(عليه السلام) غيره في قتله.(3)
وهو(عليه السلام) صاحب الموقف الفذ الفريد في الشجاعة والثبات يوم أحد، وكشاهد على هذا الموقف العُجاب ننقل من ميدان موقعة أحد هذه اللقطة: «قد كانت راية قريش مع طلحة بن أبي طلحة العبدري من بني عبد الدار، فبرز ونادى:








(1) البحار، 19: 217.
(2) البحار، 19: 247.
(3) البحار، 19: 281.










[14]





يامحمّد، تزعمون أنكم تجهّزونا بأسيافكم الى النار ونجهّزكم بأسيافنا الى الجنّة، فمن شاء أن يلحق بجنّته فليبرز إليَّ. فبرز إليه أميرالمؤمنين(عليه السلام) وهو يقول:








  • ياطلحُ إنْ كنتم كما تقول
    فاثبت لننظر أيّنا المقتول
    ُ
    بصارم ليس به فلول
    بصارم ليس به فلول



  • لكم خيول ولنا نصولُ
    وأيّنا أولى بما تقول
    فقد أتاك الأسدُ الصؤول
    بصارم ليس به فلول






ُ
ينصره القاهر والرسولُ
فقال طلحة: من أنت ياغلام؟
قال: أنا عليّ بن أبي طالب.
قال: قد علمتُ ياقضم(1) أنه لايجسرُ عليَّ أحدٌ غيرك !.
فشدَّ عليه طلحة فضربه، فاتّقاه أميرالمؤمنين(عليه السلام) بالحجفة، ثمّ ضربه أميرالمؤمنين(عليه السلام) على فخذيه فقطعهما جميعاً فسقط على ظهره، وسقطت الراية، فذهب عليّ(عليه السلام) ليجهز عليه فحلّفه بالرحم فانصرف عنه، فقال المسلمون: ألا








(1) «.. عن هشام، عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنه سئل عن معنى قول طلحة بن أبي طلحة لمّا بارزه عليّ(عليه السلام)ياقضم ؟ قال: إنّ رسول الله كان بمكة لم يجسر عليه أحد لموضع أبي طالب، وأغروا به الصبيان، وكانوا إذا خرج رسول الله يرمونه بالحجارة والتراب، وشكى ذلك الى عليّ(عليه السلام)، فقال: بأبي أنت وأُميّ يارسول الله(صلى الله عليه وآله)، إذا خرجت فأخرجني معك. فخرج رسول الله(صلى الله عليه وآله) ومعه أميرالمؤمنين(عليه السلام)، فتعرّض الصبيان لرسول الله(صلى الله عليه وآله) كعادتهم، فحمل عليهم أميرالمؤمنين(عليه السلام)، وكان يقضمهم في وجوههم وآنافهم وآذانهم، فكان الصبيان يرجعون باكين الى آبائهم ويقولون: قضمنا عليّ، قضمنا عليّ، فسمّي لذلك القُضَم.». (البحار: 20:



52). قال ابن الأثير: .. ومنه حديث علي(عليه السلام)«كانت قريش إذا رأته قالت: احذروا الحُطَم، احذَروا القُضم اي الذي يَقضِم الناس فيهلِكهُم»





(النهاية: 4:



78).










[15]





أجهزت عليه ؟ قال: قد ضربته ضربة لايعيش منها أبداً.
ثم أخذ الراية أبوسعيد بن أبي طلحة، فقتله عليّ(عليه السلام)، وسقطت رايته الى الأرض. فأخذها عثمان بن أبي طلحة فقتله عليّ، وسقطت الراية الى الأرض. فأخذها مسافع بن أبي طلحة، فقتله عليّ(عليه السلام)، وسقطت الراية الى الأرض. فأخذها الحارث بن أبي طلحة فقتله عليّ(عليه السلام)، وسقطت الراية الى الأرض. فأخذها عُزير بن عثمان فقتله عليّ(عليه السلام)، وسقطت الراية الى الأرض. فأخذها عبدالله بن جميلة بن زهير فقتله عليّ(عليه السلام) وسقطت الراية الى الأرض. فقتل أمير المؤمنين التاسع من بني عبدالدار وهو أرطأة بن شرحبيل مبارزة، وسقطت الراية إلى الأرض. فأخذها مولاهم صوأب فضربه أميرالمؤمنين(عليه السلام)





على يمينه فقطعها، وسقطت الراية الى الأرض، فأخذها بشماله، فضربه أميرالمؤمنين(عليه السلام) على شماله فقطعها، فسقطت الراية إلى الأرض، فاحتضنها بيديه المقطوعتين ثم قال: يابني عبدالدار، هل أُعذرت فيما بيني وبينكم ؟ فضربه أميرالمؤمنين(عليه السلام) على رأسه فقتله، وسقطت الراية الى الأرض ...».(1)
فبنو عبدالدار يعادون بني هاشم عامة وعلياً وآل عليّ(عليهم السلام) خاصة ويبغضونهم الى يوم الدين، حتى وإن عرفوا أنّ علياً «أحد الأربعة الذين أمر الله نبيّه أن يُحبّهم»،(2) أو سمعوا أنّه يقول فيه: «لا يحبّه إلاّ مؤمن ولا يبغضه إلاّ منافق»،(3)أو أنه «أحبّ الخلق إلى الله»،(4) أو أنه «وليُّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) في الدنيا والآخرة».(5)








(1) البحار، 20: 50 ـ 51.
(2) مسند أحمد بن حنبل، 5: 333.
(3) مسند أحمد، 1: 84; وسنن الترمذي، 5: 634.
(4) سنن الترمذي، 5: 634.
(5) مسند أحمد، 1: 330; أنظر: ميزان الإعتدال، 1: 82.










[16]





ولبطون قريش الأخرى نصيبها من القتلى الذين مضوا الى جهنم بسيف أميرالمؤمنين(عليه السلام) في بدر وأحد ومعارك الإسلام الأخرى، هذا فضلاً عمّن قُتل منهم في حربي الجمل وصفّين، وأولاء عدا من حدّه عليّ(عليه السلام) لفسقه، أو فرَّ من طائلة عدل عليّ(عليه السلام) وقصاصه.
لذا فقد كان أهل مكّة وكثير من أهل الحجاز لايميلون الى بني هاشم عامة والى عليّ وآل عليّ(عليهم السلام) خاصة، ومالوا الى قيادة السقيفة ثمّ إلى بني أميّة بعدهم، يقول الإمام علي بن الحسين(عليهما السلام) كاشفاً عن تلك الحقيقة:
«ما بمكّة والمدينة عشرون رجلاً يحبّنا ..».(1)
ويقول أبوجعفر الإسكافي في هذا الصدد: «أمّا أهل مكّة فكلّهم كانوا يبغضون علياً قاطبة، وكانت قريش كلّها على خلافه، وكان جمهور الخلق مع بني أميّة عليه».(2)





لقد كان لحركة النفاق بجميع فصائلها دور مدروس ومخطّط وذو أثر بالغ في تأجيج ضغائن الجاهلية ضد أهل البيت(عليهم السلام) عامة وضد أميرالمؤمنين عليّ(عليه السلام)خاصة، ولمّا تسلّم الحزب الأموي قيادة حركة النفاق بزعامة معاوية بن أبي سفيان الذي مابرح يبكي على قتلى مشركي قريش في بدر حتى لحظات احتضاره ،(3) كان الهمّ الأكبر للأمويين هو فصل الأمّة عن أمير المؤمنين علي(عليه السلام) حتىّ على الصعيد الوجداني، فأمر معاوية بسبّه ولعنه والبراءة منه، واضطهد محبّيه معيشياً وسياسياً








(1) الغارات: 393; وشرح النهج لابن أبي الحديد، 4:104; وبحار الأنوار، 46:143.
(2) شرح النهج لإبن أبي الحديد، 4:104.
(3) «عن اسماعيل بن عامر بإسناده: أنّ معاوية لمّا احتضر بكى، فقيل له: مايبكيك ؟ فقال:مابكيتُ جزعاً من الموت، ولكني ذكرتُ أهل القليب ببدر!» (شرح الأخبار، 2:



154).










[17]





اضطهاداً رهيباً.(1)
من كلّ ما مضى تتأكد لنا حقيقة أنّ أهل البيت(عليهم السلام) لم تكن لهم قاعدة شعبية في مكة المكرّمة خاصة، قاعدة شعبية واسعة تتولاهم وتدعم مواقفهم وتنصرهم، أو تحبّهم على الأقلّ، والأمر كما وصفه الإمام السّجاد(عليه السلام):
«ما بمكّة والمدينة عشرون رجلاً يحبّنا»!!
ومن هنا أيضاً تتأكّد لنا حقيقة أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) لم يقصد من توجّهه الى مكّة المكرّمة أهل هذه المدينة بالأساس، بل كان قصده الرئيسي في التوجّه إليها هو إبلاغ وفود العالم الإسلامي من المعتمرين والحجّاج بقيامه ونهضته للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، طلباً للنصرة وإتماماً للحجّة على الناس.
ومن هنا نرجّح أنّ ماورد في بعض الروايات من أنّ أهل (2) مكّة فرحوا بالإمام(عليه السلام) فرحاً شديداً،





أو عكف الناس بمكّة يفدون إليه، ويجلسون حواليه، ويستمعون كلامه، وينتفعون بما يسمعون منه، ويضبطون مايروون عنه ... ليس المراد بذلك جلّ أهل مكّة بالذات بل المراد بذلك هم جموع الوافدين على مكّة من معتمرين وحجّاج ونزر قليل جداً من المكيّين الذين استوطنوا مكّة بعد فتحها وبعد انتشار الإسلام ومما يؤكّد ماذهبنا إليه أن التأريخ لم يحدّثنا أنّ أحداً من المكيين قد التحق بالإمام(عليه السلام) وسار معه الى العراق.
والأيام التي قضاها الإمام أبو عبدالله الحسين(عليه السلام) في مكّة المكرّمة تشكّل








(1) راجع: سليم بن قيس: 203 ـ 204; وشرح نهج البلاغة، 11:16 و2:144.
(2) كمثل رواية ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة: «دخل الحسين مكّة المشرّفة ونزل بها وأهلها يختلفون إليه ويأتونه، وكذلك من بها من المجاورين والحاج والمعتمرين من سائر اهل الافاق» (الفصول المهمة:



183).










[18]





المقطع الأطول من عمر النهضة الحسينيّة المقدّسة، ولاشك أنّ ما يقارب المائة وخمسة وعشرين يوماً مساحة زمنية حفلت ثناياها بكثير من الإتصالات واللقاءات والمحاورات والمراسلات وأنشطة أخرى متعدّدة غيرها كان الإمام أبوعبدالله الحسين(عليه السلام) قد قام بها، ولو كان التأريخ قد سجّل لنا جميع تلك الوقائع وتفاصيلها، لكان أغنى المؤرخين والمتتبّعين المحققّين بمادة تأريخية مهمة، ولأعانهم عوناً كبيراً على كشف كثير من الغموض المحيط ببعض الأحداث والمواقف الواقعة في إطار تأريخ هذه النهضة المباركة.





/ 31