ولایة الله نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

ولایة الله - نسخه متنی

محمد مهدی الآصفی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

دراســات

ولاية اللّه


*الشيخ
محمد مهدي الآصفي

(اللّه ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى
النور والذين كفرواأولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات)([1])
.
ولاية اللّه

(الولي) وصف للّه تعالى تجاه عباده ، ووصف للعباد تجاه
اللّه فهو من الأوصاف المشتركة المتقابلة .

في الجانب الأول يقول تعالى : (إنما وليكم اللّه ورسوله
والذين آمنوا)([2]).

ويقول تعالى : (أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير
الراحمين)([3]) .

وعن ولاية العباد للّه تعالى
يقول تعالى : (ألا إن أولياء اللّه لا خوف عليهم ولا هم
يحزنون)([4]) .

وولاية
اللّه تأتي بمعنيين :

الولاية بمعنى الحكم
والأمر والسيادة .

يقول تعالى : (إنما وليكم
اللّه ورسوله والذين آمنوا) .

والولاية بمعنى التدبير
والرعاية .

يقول تعالى : (اللّه ولي الذين آمنوا
يخرجهم من الظلمات إلى النور) .

ونحن نقصد بـ (ولاية اللّه) في هذه المقالة ... هذا المعنى
الأخير .

ولابد من توضيح لهذه النقطة .

خلق اللّه تعالى الناس ووهبهم العقل والمعرفة ليؤمّن لهم
معاشهم ومعادهم ووهبهم العصم التي تعصمهم من الذنوب ، والحب والعاطفة الذي يؤلف
بينهم وحب الأزواج والبنين الذي يجمع شملهم وألْهَمهُم الصدق والعدل والحق ، وغرس
في نفوسهم الفطرة التي يعرفون بها الهدى عن الضلال ورزقهم الغيرة والغضب والألفة
والارادة والعزم والشجاعة ورزقهم كل ما يحتاجون إليه في حياتهم الفردية
والاجتماعية وفي دنياهم وآخرتهم ورزقهم من الطيبات من كنوز الأرض في البر والبحر
ما يغنيهم ويكفيهم وحملهم في البر والبحر ... وكل ما يحتاجه الإنسان من رزق ،
وطعام ، وشراب ، ولبس ، وايواء ، وسكن ، وعلاج ، وطب ، وعلّمهم ما لا يعلمون ،
ورزقهم غير ذلك مما يحتاجون إليه وهو كثير كثير .

ولكن مع ذلك لم يكلهم اللّه تعالى إلى أنفسهم ، وإنما تولاهم
برعايته وتأييده وتسديده بصورة دائمة، ولولا أن اللّه تعالى يتولى الإنسان في
حياته الاجتماعية والفردية بالرعاية والتدبير والتوفيق والتسديد لسقط الإنسان
واختلت حياته ، فما أكثر ما يصل الإنسان إلى حافّة السقوط والهلاك ، سواء في حياته
الفردية أو الإجتماعية ، ولكن اللّه تعالى يدركه في اللحظة المناسبة ويتولاه
برعايته وفضله بالتدبير والتسديد والإنقاذ والخلاص ... وقد عاصرنا نحن في كل
التقادير حربين كونيتين وصل الإنسان فيه إلى حافة السقوط والهلاك لولاه تدركه رحمة
اللّه ، وتنقذه ، وتسلمه .

وما يقال في الحياة الإجتماعية يقال في الحياة الفردية .
وكل واحد منّا قد مرَّ بأمثال هذه الحوادث في حياته ، ولمس فيها رعايةاللّه
تعالى وتدبيره وتسديده وتوفيقه وانقاذه له ، لو أمعن النظر في ذلك .

وهذه الحالات الكثيرة من التدبير والرعاية الالهية لعباده
في الغرائب والشدائد والتوفيق والتسديد الالهي هي ما نقصده من الولاية الالهية
العامة والخاصة ، في حياة الناس عامة ، وفي حياة المؤمنينخاصة .

وهذه (الولاية) هي أمر وراء ما رزق اللّه تعالى الناس
بالخلق والتكوين .

فان اللّه تعالى هو الخالق المدبّر ، يخلق الخلق ويرزقهم ما
يحتاجون ثم لا يكلهم إلى أنفسهم ، وإنما يواصل تدبيرهم ورعايتهم بعد ذلك ... وهي
الولاية الالهية .

بعكس النظرية اليهودية إلى تقرر أن اللّه تعالى خلق الخلق
وأعطاهم ما يحتاجون ثمّ أوكلهم إلى أنفسهم وتركهم لشأنهم ، وهي المقولة اليهودية
المعروفة التي يشجبها القرآن : (قالت اليهود يد اللّه مغلولة غلت أيديهم ولعنوا
بما قالوا بل يداه مبسوطتان) .

الولاية العامة للّه :
وللّه تعالى ولايتان على عباده :

ولاية عامة تعم الناس جميعاً ، وولاية خاصة يخص بها اللّه
تعالى الصالحين من عباده .

وولاية اللّه تعالى العامة تعمّ الناس المؤمنين وغير المؤمنين
والصالحين والفاسقين ، يعمّهم اللّه تعالى بالرحمة والرزق والفضل ، يطعمهم إذا
جاعوا ، ويشفيهم إذا مرضوا ، ويرزقهم الأمن إذا خافوا ، ويدفع عنهم البلاء كلما
روّعهم البلاء ، ويغنيهم إذا افتقروا ، ويعلّمهم ويفتح عليهم أبواب العلم إذا
جهلوا ، وييسر لهم الأمور إذا تعسّرت عليهم الأمور ويعيد إلى قلوبهم الأمل إذا
يئسوا ، ويلقي في قلوب بعضهم الرحمة للبعض ، وحب التعاون ، لتنظم أمور حياتهم .

وكم من خطر يدفعه اللّه تعالى عن حياة الناس برّهم وفاجرهم
، وكم من رزق يرزق اللّه عباده ، وكم من أزمة يفرجّها اللّه عن عباده منغير طلب
ولا سؤال من الناس ، ومن غير شكر أيضاً ، بل من غير معرفة باللّه؟.

وقد ورد في دعاء شهر رجب : «يا من يعطي من سأله يا من يعطي
من لم يسأله ومن لم يعرفه تحنناً منه ورحمة» .

وهذه الولاية العامّة للّه تعالى يتمتّع بها كل الناس وليس
بإمكان الإنسان أن يعيش ويقاوم ابتلاءات الدنيا ومشاكلها وينظّم حياته لولاها... ويعيشها
الإنسان في كل يوم بل لا تفارقه في أية لحظة ، ومع ذلك فلا يشكرها الإنسان ، بل لا
يعرفها ، فإذا مات ورجع إلى اللّهعرفها عند ذلك
(وردوا
إلى اللّه مولاهم الحق وضل عنهم ما كانوا يفترون)([5]) .

عندئذ يعرف اللّه ويعرف رعاية اللّه ، وتدبيره له في حياته
ولكن بعد فوات الأوان ، عندما تنجلي حجب الغفلة عن عينيه .
(فكشفنا عنك غطائك
فبصرك اليوم جديد)([6]).

الولاية الخاصة :

وعدا الولاية العامّة التي تعم الناس جميعاً بالتدبير
والرعاية والتسديد والتيسير ... هناك ولاية أخرى يخصّ اللّه تعالى بها المؤمنين
الصالحين من عباده ، يفرّج عنهم الكربات ، وييسر لهم أمورهم ، ويفتح لهم مغاليق
الأمور ويهديهم صراطه المستقيم ، ويمنع عنهم شياطين الجن والإنس ، ويخصهم من
رعايته وفضله وكرمه بما لم يعرفها غيرهم من الناس .

يقول تعالى : (ومن يتق اللّه يجعل له مخرجاً * ويرزقه من
حيث لا يحتسب ومن يتوكل على اللّه فهو حسبه إن اللّه بالغ أمره قد جعل اللّه لكل
شيء قدرا)([7]).

وهذه ولاية خاصة بالمؤمنين لا ينالها غيرهم .

يقول تعالى : (اللّه ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات
إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات)([8])
.

هذه الولاية خاصة بالذين آمنوا
(اللّه ولي الذين آمنوا)
.

وهذه الولاية : (يخرجهم من الظلمات إلى النور) .

ولاجتماع المؤمن منزلة ورعاية خاصة عند اللّه تعالى واللّه
عز شأنه يمنح اجتماع المؤمن من رعايته وفضله ما لم يعرفه غيرهم .

شواهد من الولاية الخاصة
في القرآن :

وفي القرآن الكريم نلتقي شواهد كثيرة على ولاية اللّه تعالى
ورعايته لعباده المؤمنين في البأساء والضراء، وفي نوائب الحياةوشدائدها
يقول تعالى مخاطباً رسوله(صلى الله عليه وآله) عندما رمى الكفار فيمعركة بدر
بحفنة من التراب ، وقال(صلى الله عليه وآله) : شاهت الوجوه ، فما بقي أحدمن
المشركين إلاّ ودخل التراب في عينه ... يقول تعالى لرسوله(صلى الله عليه وآله)في ذلك :
(فلم
تقتلوهم ولكن اللّه قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن اللّه رمى)([9])
.

فقد كانت هذه الرمية بتسديد من اللّه ، وهو
الرامي في الحقيقة ، وإن كانت بيد رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) .

وتذكّر سورة (الأنفال) المسلمين بطائفة من الشواهد على
تأييد اللّه تعالى وإسناده لهم في معركتهم مع المشركين .

(إذ تستغيثون ربّكم فاستجاب لكن أني ممدكم بألف
من الملائكة مردفين * وما جعله اللّه إلاّ بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلاّ
من عند اللّه إن اللّه عزيز حكيم)([10]).

(إذ يغشيكم اللّه أمنةً
منه وينزّل عليكم من السماء ماءً ليُطهركم به ويُذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على
قلوبكم ويثبت به الأقدام * إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا
سأُلقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان)([11]) .

يذكرهم اللّه بما سبق من رحمته وفضله وإمداده
لهم في ساحة المعركة إذ مدَّهم بألف من الملائكة مردفين في ساحة المعركة ،
ليثبّتوا قلوب الذين آمنوا ، ويطمئنوهم ، ويبشّروهم بالنصر .

ويذكّرهم بما ألقى عليهم من النعاس قبل المعركة ، وكان لذلك
النعاس الخفيف الذي غلبهم قبيل المعركة دور في إزالة القلقوالارتباك
عن قلوبهم وإدخال الأمن والاطمئنان إلى نصر اللّه تعالى في نفوسهم .

ويذكرهم اللّه تعالى بما أنزل عليهم من المطر قبيل المعركة
ليطهّرهم من خبث الجنابة ويزيل عنهم رجز الشيطان ، وقد كان المطر سبباً في تلبيد
الأرض التي كان عليها المسلمون ، فقد كانت أرضاً رملية فتلبدت بالمطر بينما كانت
الأرض عليها المشركون أرضاً طينية فتطيّنوا وتطينت دوابهم وأصبحت الأرض من تحتهم
زلقة : (وليربط على قلوبكم ويثبّت به الأقدام) .

ويذكرهم اللّه بما ألقى في نفوس المشركين من الرعب ، ودور
الملائكة في ضرب الأعناق والبنان في ساحة المعركة ، ويذكرهم اللّه تعالى بما كان
من تأييده تعالى لهم ونصره إياهم ويذكرهم بما رزقهم من الطيبات ، بعد أن كانوا
يخافون أن يتخطفهم الناس من حولهم .

(واذكروا إذا أنتم قليل مستضعفون في الأرض
تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون)([12]) .

وفي سورة البقرة يذكر اللّه تعالى بني اسرائيل بطائفة كبيرة
من الشواهد على رعايته تعالى لهم وتأييده إياهم ونصره لهم على أعدائهم ورزقه لهم .

(وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب
يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذالكم بلاء من ربكم عظيم * وإذ فرقنا بكم
البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون)([13]) .

(وظللنا عليكم الغمام
وأنزلنا عليكم المنّ والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا
أنفسهم يظلمون)([14]) .

(وإذ استسقى موسى لقومه
فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً قد علم كل اُناس مشربهم كلوا
واشربوا من رزق اللّه ولا تعثوا في الأرض مفسدين)([15]) .

وكثيرة الآيات التي تشير في القرآن إلى تأييد اللّه تعالى
ودعمه ونصره لعباده المؤمنين .

يقول تعالى : (بل اللّه مولاكم وهو خير الناصرين)([16])
.

(ولينصرن اللّه من
ينصره إن اللّه لقوي عزيز)([17]) .

(إنّا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا)([18]) .

(وان تولوا فاعلموا ان اللّه مولاكم نعم المولى ونعم النصير)([19]) .

(وكفى باللّه ولياً وكفى باللّه نصيرا)([20]) .

وعي ولاية اللّه :

وليس كل أحد يعي ولاية اللّه ، وأكثر الناس ينعمون برعاية
اللّه ونصره ، ورزقه ، وتأييده لهم ، وتسديده إياهم ، دون أن يعرفوا ذلك للّه ،
ودون أن يشكروا اللّه عليه .

وقليل من الناس من يعرف ولاية اللّه وهم أصحاب البصائر من
المؤمنين ، وأعز بشيء في نعم اللّه البصيرة ، فإذا رزق الإنسان البصيرة; لمس يد
اللّه تعالى في كل جزء من حياته ، ولمس رحمة اللّه وتسديده إياه في كل منعطفات
حياته ، ولم يفقد رعاية اللّه وتدبيره وتوفيقه حيث يحتاجها .

والذين آتاهم اللّه البصيرة والمعرفة يعرفون يد اللّه تعالى
ورعايته لهم وعطفه عليهم في أحلك الظروف وفي ظروف البأساء والضراء .

وقد يدخل الإنسان أزمة شديدة وضيقاً شديداً في حياته
الفردية أو الاجتماعية ، فحسب أن اللّه تعالى قد أوكله إلى نفسه ، ونسيه ، وحاشاه
، وإنما يرى ما لا نراه من صلاح عبده .

ويحتاج الإنسان إلى درجة عالية من الوعي والمعرفة حتى يعلم
أن اليد التي تعصر قلبه في المحن والشدائد يد أرحم الراحمين .

يقول تعالى : (وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم)([21]) .

(فعسى أن تكرهوا شيئاً
ويجعل اللّه فيه خيراً كثيراً)([22]) .

مفاتيح تحصيل ولاية
اللّه :

ويكسب الإنسان ولاية اللّه تعالى بالايمان ، والصلاح
والتقوى وهذه الثلاثة هي مفاتيح ولاية اللّه .

وكل من هذه الثلاثة يكسب الإنسان رعاية اللّه ورحمته
وتسديده وتأييده وحفظه وستره .

يقول تعالى عن ولايته للمؤمنين :
(ذلك بأن اللّه مولى
الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم)([23]) .

وعن ولاية اللّه للصالحين يقول تعالى :
(ان وليّ اللّه
الذي نزّل الكتاب وهو يتولى الصالحين)([24]) .

وعن ولاية اللّه للعاملين يقول تعالى :
(لهم دار السلام
عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون)([25]) .

وعن ولاية اللّه للمتقين يقول تعالى :
(ومن يتق اللّه
يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب) .

وهذه الرعاية والتدبير خاص بالمتقين ، كما أن اللّه يبصّر
المتقين بخطر الشيطان وينذرهم ويذكّرهم لئلا يقعوا في شراك الشيطان .

(إن الذين اتقوا إذا مسّهم طائف من الشيطان
تذكروا فإذا هم مبصرون) .

رعاية اللّه تعالى
ليوسف الصديق :

وفي قصة يوسف بعد أن أعز اللّه تعالى يوسف الصديق ، ونجّاه
مننوائب
الدهر وكيد اخوته قال له اخوته : (أإنك
لأنت يوسف قال أنا يوسفوهذا أخي قد منَّ اللّه علينا إنه من يتق ويصبر
فان اللّه لا يضيع أجر المحسنين)([26]) .

وقد نال يوسف الصديق(عليه السلام) هذه الرعاية والتأييد
بالتقوى والصبر (إنه من يتق ويصبر فان
اللّه لا يضيع أجر المحسنين) .

ولاية اللّه ورعايته
لفتية الكهف :

وفي قصة الفتية من أصحاب الكهف ، يحدثنا القرآن بثلاثة
أنماط من رعاية اللّه تعالى وتأييده وتسديده ورزقه لهم :

الرزق الأول : عندما آمنوا باللّه وتجاوزوا سلطان الارهاب
الذي فرضه عليهم الطاغوت في القصر فلما آمنوا باللّه ; زادهم اللّه ايماناً وهدى .

يقول تعالى : (إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى)([27])
.

والرزق الثاني : لما قاموا ونهضوا في اجواء القصر برسالة
الايمان ، وأعلنوا الايمان ، ودعوا أبناء القصر إلى الايمان باللّه ، رزقهم اللّه
رباطة الجأش ، وسكون القلب ، وشدَّ على قلوبهم ، فلم يرهبهم الطاغية ببطشه وسطوته
.

يقول تعالى : (وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا
رب السماوات والأرض لن ندعوا من دونه الهاً لقد قلنا إذاً شططا)([28])
.

وليس من شك أن هذه الخطوة في الإعلان عن الدعوة إلى توحيد
اللّه ، يحتاج إلى جرأة وشجاعة ورباط الجأش ، ولكن اللّه تعالى عندما عرف منهم صدق
النية والاحترام لم يكلهم إلى أنفسهم ، وإنما ربط على قلوبهم، ورزقهم قوّة في
القلب ، ورباطاً في الجأش ، وسكينة في النفس (وربطنا على قلوبهم إذ قاموا ...)
.

الرزق الثالث : كان بعد أن اعتزلوا قومهم وقاطعوهم وآواهم
اللّه إلى الكهف وضرب على آذانهم سنين عددا ونشر لهم ربهم من رحمته ، وهيأ لهم من
أمرهم مرفقا يقول تعالى : (وإذا اعتزلتموهم وما يعبدون إلاّ اللّه فاووا إلى
الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيىء لكم من أمركم مرفقاً)([29])
.

ولولا أنهم آمنوا لم يجدوا من عند اللّه هذه الزيادة في
الهدى ، ولولا أنهم قاموا ونهضوا برسالة التوحيد في القصر لم يجدوا من عند اللّه
هذا الربط على القلب .

ولولا انهم اعتزلوا قومهم لم يجدوا من عند اللّه الايواء
إلى الكهف ، ولم يجدوا هذه الرحمة التي نشرها اللّه عليهم وهذا المرفق الذي هيّأه
اللّه لهم.

وهم لم يؤمنوا ، ولم يقوموا بدعوة التوحيد ، ولم يعتزلوا قومهم
بحول منهم وقوة منهم ، ولكن بما آتاهم اللّه من الحول والقوة والوعي والمعرفة في
أصل الخلق .

فلمّا آمنوا زادهم اللّه هدى .

ولما قاموا ربط اللّه على قلوبهم .

ولما اعتزلوا قومهم آواهم اللّه في الكهف ونشر لهم من رحمته
، وهذه هي رعاية اللّه تعالى وتوفيقه وتأييده للصالحين من عباده ، ووعده لهم
بالتوفيق والتأييد : (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن اللّه لمع
المحسنين)([30])
.

العلاقة المتبادلة بين
ولاية العبد للّه وولاية اللّه على عباده :

الولاية ، كما ذكرنا من الألفاظ المتقابلة في اللغة العربية
، يطلق على علاقة اللّه بعبده ، وعلى علاقة العبد باللّه .

يقول تعالى في علاقة اللّه بعباده :
(اللّه ولي الذين
آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور)([31]) .

وعن علاقة العباد باللّه ، يقول تعالى :
(ألا إن أولياء
اللّه لا خوف عليهم ولا هم يحزنون)([32])
.

وهذه العلاقة المتبادلة تجري في الايجاب والسلب معاً ففي
الايجاب ، يقول تعالى : (ومن يتول اللّه ورسوله والذين آمنوا فإن حزب اللّه هم
الغالبون)([33])
.

والعلاقة بين الولايتين واضحة .

فإن من يتولى اللّه ورسوله والمؤمنين فهو من حزب اللّه .

وحزب اللّه هم أولياء اللّه ، ينصرهم اللّه تعالى وهم
الغالبون .

وفي الجانب السلبي كذلك تجري العلاقة التبادلية فمن يعادي
اللّه يعاديه اللّه ، ويسلب ولايته عنه ، ومن يعرض عن ولاية اللّه يعرض اللّه
تعالى عنه . يقول تعالى : (ومن يتولَّ يعذبه عذاباً أليماً)([34])
.

يعني من يتولى عن اللّه يسلب اللّه عنه ولايته ويعذبه
عذاباً أليماً ، ويقول تعالى : (ومن يتولهم منكم فاولئك هم الظالمون)([35])
.

من يتول منكم عن اللّه فاولئك هم الظالمون .

وهذه هي العلاقة المعروفة بالعلاقة الجدلية أو (الدور
المعي) ، وهي من رقائق الثقافة القرآنية .

وقد ورد نظيرها في مواضع متعددة من القرآن من العلاقة بين
اللّه تعالى وعباده في الجانب الايجابي والجانب السلبي معاً .

ففي الجانب الايجابي يقول تعالى :
(فاذكروني أذكركم)([36])
.

(رضي اللّه عنهم ورضوا عنه)([37])
.

وفي الجانب السلبي يقول تعالى :
(ويمكرون ويمكر اللّه
واللّه خير الماكرين)([38])
.

(ومكروا مكراً ومكرنا
مكراً)([39]) .

وهذه العلاقة التبادلية تجري بين التقوى وولاية اللّه ، فإن
اللّه ولي المتقين .

يقول تعالى : (ومن يتق اللّه يجعل له مخرجاً ويرزقه من
حيث لا يحتسب)([40])والمخرج
من الأزمات والرزق من حيث لا يحتسب الإنسان من مصاديق ولاية اللّه .

وهذا أحد طرفي العلاقة .

والطرف الآخر للعلاقة علاقة المتقين باللّه ، فإن المتقين
أولياء اللّه ، يقول تعالى : (إن أولياؤه إلاّ المتقون)
.

آثار ونتائج ولاية اللّه
في النفس :

إذا عرف العبد أن اللّه تعالى مولاه ; يتولاه بالرعاية ،
ويرعاه ، ويسدده، ويدبّر أموره ، ولا يريد به إلاّ الخير ، ولا يغيب العبد عن عين
اللّه وسمعه ، وهو تعالى حاضر ، يسمعه ويراه في الشدّة والضراء، وأن مايصيبه من
الشدة فقضاء من اللّه وقدره ، واللّه أرحم الراحمين بعباده...
(قل لن
يصيبنا إلاّ ما كتب اللّه لنا هو مولانا)([41]) .

عندئذ يسكن العبد ويطمئن إلى قضاء اللّه وقدره ، ويقنع بما
رزقه اللّه، ويصبر في الشدة والضراء والبأساء ، ولا يفقد توازنه ، واستقراره ،
وسكونه النفسي في الشدة والبلاء .

ويقول أمير المؤمنين(عليه السلام) عن أولياء اللّه :
«في
الزلازل وقور» .

ويقول(عليه السلام) : «نزلت أنفسهم منهم في البلاء كالتي
نزلت في الرخاء».

وقد ورد في الدعاء في الزيارة المعروفة بـ (أمين اللّه) :
«واجعل
نفسي مطمئنة بقدرك ، راضية بقضائك .. صابرة عند نزول بلائك» .

وهؤلاء يتوكلون على اللّه في أمورهم ، ويثقون بتدبير اللّه
تعالى لهم (ومن يتوكل على اللّه فهو حسبه) .

ويفوضون أمورهم إلى اللّه (وافوض أمري إلى اللّه إن اللّه
بصير بالعباد).

وليس معنى التوكل والتفويض ، الإهمال ، بل الحزم والعمل جهد
الامكان ، وتفويض النتائج إلى اللّه.

آثار ونتائج ولاية اللّه
في حياة الإنسان :

ورد في الحديث القدسي عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)
قال : «قال اللّه : ما تحبّب
إلي عبدي بشيء أحبّ إليّ مما افترضته عليه ، وإنه ليتحبّب إلي بالنافلة ، حتى
اُحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، ورجله التي يمشي بها . إذا دعاني
أجبته ، وإذا سألني أعطيته وما ترددت في شيء أنا فاعله كتردّدي في موت المؤمن يكره
الموت وأنا أكره مساءته»([42]) .

وورد نفس المضمون في رواية أخرى عن رسول اللّه(صلى الله
عليه وآله) عن جبرئيل(عليه السلام) قال : قال اللّه تبارك وتعالى :
«من أهان
لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة ، وما ترددت في شيء أنا فاعله ما ترددت في قبض نفس
المؤمن ، يكره الموت ، وأكره مساءته ، ولابد له منه ، وما يتقرب إلي عبدي بمثل
أداء ما افترضت عليه. ولا يزال عبدي ينتهل إليّ حتى أُحبه ، ومن أحببته كنت له
سمعاً وبصراً ويداً وموئلاً . إن دعاني أجبته ، وإن سألني أعطيته ، وإن من عبادي
المؤمنين لمن يريد الباب من العبادة فأكفّه عنه لئلا يدخله العجب ، ويفسده ، وإنّ
من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح ايمانه إلاّ بالغنى ولو أفقرته لأفسده ذلك ، وإن من
عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلاّ بالسقم ، ولو صححت جسمه لأفسده ذلك ، وإن
من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلاّ بالصحة ، ولو أسقمته لأفسده ذلك ...
إني أدبّر عبادي بعلى بقلوبهم فأني عليم خبير»([43]) .

([1]) البقرة : 257 .

([2]) المائدة : 55 .

([3]) الاعراف : 55 .

([4]) يونس : 62 .

([5]) يونس : 30 .

([6]) ق : 22 .

([7]) الطلاق : 2 ـ 3 .

([8]) البقرة : 257 .

([9]) الأنفال : 17 .

([10]) الانفال : 9 ـ 10 .

([11]) الأنفال : 11 ـ 12 .

([12]) الأنفال : 26 .

([14]) البقرة : 57 .

([15]) البقرة : 60 .

([16]) آل عمران : 150 .

([17]) الحج : 40 .

([18]) غافر : 51 .

([19]) الأنفال : 40 .

([20]) النساء : 45 .

([21]) البقرة : 216 .

([22]) النساء : 19 .

([23]) محمد : 11 .

([24]) الأعراف : 196 .

([25]) الأنعام : 127 .

([26]) يوسف : 90 .

([27]) الكهف : 13 .

([28]) الكهف : 14 .

([29]) الكهف : 16 .

([30]) العنكبوت : 69 .

([31]) البقرة : 257 .

([32]) يونس : 62 .

([33]) المائدة : 56 .

([34]) الفتح : 17 .

([35]) الممتحنة : 9 .

([36]) البقرة : 152 .

([37])المائدة : 119 .

([38])الأنفال : 30 .

([39]) النمل : 50 .

([40])الطلاق : 2 .

([41])التوبة : 51 .

([42])بحار الأنوار 70 : 22 عن المحاسن للبرقي : 291 .

([43])بحار الأنوار 70 ـ 16 ـ 17 عن علل الشرائع ، وروي هذا الحديث الحر العاملي في
الجواهر السنية : 120 ـ 121 .

/ 1