یا ویح ثعلبة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

یا ویح ثعلبة - نسخه متنی

أسامة البصری

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

فنون وآداب


عظة وعبرة: يا ويح ثعلبة


اُسامة البصري (العراق)

رغم الحرمانِ الشديدِ الذي كان يعاني
منه (ثعلبةُ بنُ حاطب) والظروف الحياتية
القاهرة التي يمرُّ بها.. إلاّ انّه كان
ملتزماً بكل ما أوجبه اللّه تعالى عليه من
فرائض وحدود، وكان من السبّاقين لحضور صلاة
الجمعة والجماعة والاشتراك فيها مع بقية
المسلمين، مضافاً إلى أنـّه كان من
المواظبينَ على ارتياد مجالس النبي الاكرم
صلّى اللّه عليه وآله والحضور فيها بشكل دائم
ومستمر.

وقد عهد المسلمون منه الاخلاق الحسنة
والهدي الطيّب والمشاركة في فعل الخيرات.

وكان لـ (ثعلبة بن حاطب) صديق من مثل
طبقته تعوَّد أن يمرَّ عليه يومياً قبيل
أوقات الصلاة ليصطحبا ويذهبا سويةً الى مسجد
النبي الاكرم صلّى اللّه عليه وآله لاداء
صلاة الجماعة مع المسلمين.

وذات يوم وبينما كان الصديقان يسيران
في طريقهما إلى المسجد النبوي دار بينهما
حديث مسهب تناولا فيه الحالة المعيشية
المضنية التي يمرّان بها، فقال ثعلبة:

الحمدُ لله الذي رزقنا نعمة (الايمان)
وجعلنا بها من أغنى الناس، فصحيح أنـّا لا
نملك ثروةً طائلة وأموالاً كثيرةً، إلاّ
أنـّنا نمتلك ما هو أثمن وأغلى من ذلك وهو (القناعة)
و(الايمان).

فإنّ الانسان إذا لم يكن قنوعاً
وراضياً بما قسم اللّه تعالى له، فإنه لا يشبع
بالقليل ولا بالكثير من المال، وإذا لم يكن
يملك الايمان فإنّه لا تفيده الاموال ولو
كانت قناطير مقنطرة.

فلا يضرّنا إذاً الفقر إذا كانت
عاقبتنا هي النعيم المقيم، ولا ينفعُ غير
القانعين الغنى إذا كان مصيرهم هو العذاب
الدائم الاليم!!

فتمتم الصديق قائلاً بصوت خافت:

الحمد لله على كل حال، نسأل اللّه
تعالى أن يبقينا على هذه الحال من الصبرِ
والقناعة والطاعة، وأن لا يسلب منّا ما نحن
فيه، وأن يمنَّ علينا بحسن العاقبة والمصير.

فالتفت (ثعلبة) إلى صاحبه متسائلاً
باستغراب:

وهل تشكّ في ذلك يا أخي ونحن نؤدي
فرائض اللّه تعالى في مثل هذهِ الحالة من
البؤس والحرمان والشقاء، ونحافظ على حدود
اللّه تعالى ونتعاهد الجمعةَ والجماعة،
ونشارك المسلمين في السرّاء والضرّاء؟؟!

فهل يمكن أن يتردّى حالُنا إلى أكثر من
هذا الذي نحن فيه، وهل يمكن أن ننحدر إلى
مستوىً أسوأ من الذي نمرُّ به من قساوة ظروف
الحياة وجشوبة العيش؟!

فقال الصديق بهدوء واطمئنان:

أنا اعتقد أنـّه لا فرق بين الغني
والفقير في الابتلاء، وأنّ اللّه تعالى يعرّض
الاثنين إلى الاختبار والامتحان كلٌّ بحسب ما
هو عليه، ولعلّ شخصاً يجتاز مرحلة البلاء
بنجاح في حالة العسر والضيق ولا يستطيع ذلك في
حالة السعة والرخاء.

فقال ثعلبة مخالفاً صديقه الرأي:

أمّا أنا فلا أعتقد ذلك، وأرى
بأنـّا إذا تعرَّضنا إلى الرخاء ووسَّع اللّه
علينا أرزاقنا فإنّ عبادتنا ستكون أفضل وأحسن
من دون شكّ أو ريب ... إنّ الفقر يهيمن على
حياتنا ويمنعنا عن تحقيق الكثير من الطاعات
والخيرات والاحسان إلى الاخرين!

وبعد فترةِ صمت وجيزة أردف ثعلبة يقول:

لقد سئمت هذه الحال، وجزعتُ من
الفقر والحرمان!!

فقال له الصديق:

لا يا أخي ثعلبة، إنّه من الواجب
علينا أن ندعو اللّه سبحانه وتعالى بحسن
العاقبة في مختلف الظروف والاحوال، ونحن لا
ندري فيما لو رزقنا اللّه تعالى مالاً هل نبقى
على إيماننا ويقيننا أو لا.

فقال ثعلبة:

أمّا أنا فأعلم من نفسي أنّ اللّه
تعالى إذا آتاني مالاً وفيراً فسوف أأخذ منه
مقدار كفايتي ومؤونتي، واُنفق المتبقّي على
الفقراء والمساكين، ولا أفعل كما يفعل هؤلاء
الاثرياء المجحفون، وسترى إن شاء اللّه ..

أسال من اللّه أن يكون ذلك!

قال (الصديق) ذلك متهكّماً من الطريقة
التي يفكّر فيها (ثعلبة) الذي أردف قائلاً:

نعم، أنا مطمئنٌّ ممّا أقول
ووجداني خير شاهد ودليل، ولا أظن أنـّي بحاجة
إلى أوضح من هذا الدليل وأكثر جلاءً منه
لاثبات صحة ما أقول!!

قال (الصديق):

لا بأس عليك، ولكن تذكّر هذه الاية
فقط وضعها نصبَ عينيك:

(إنَّ الانـْسانَ لَيَطْغى * أنْ رَآهُ
اسْتَغْنى).

وأخذ الصديقان يسيران فترةً من الزمان
من دون أن يتحدّث أحدهما بشيء، إلى أن حانت من
(ثعلبة) إلتفاتة إلى صاحبه وكأنَّه عثر على
حقيقة جديدة أو ظفر بدليل آخر يعزّز ما سبق
منه من حديث فبادر قائلاً:

لقد فكرت كثيراً في أن أسأل رسول
اللّه صلّى اللّه عليه وآله أن يدعو اللّه
تعالى لي بالغنى والثروة، عسى اللّه تعالى أن
يخفّف عنّي أعباء هذه الفاقة الشديدة التي
أثقلت كاهلي وكسرت ظهري ... إن هذه الفكرة كانت
وما زالت تراودني دائماً، وسوف أقوم بتنفيذها
هذا اليوم، وأطلب من رسول اللّه صلّى اللّه
عليه وآله ذلك، لكي أثبت لكَ صحّةَ ما أقول!!

وفي هذه الاثناء وصل إلى مسامع
الرجلين نداء المؤذّن للصلاة من داخل المسجد
بعد أن كانا قد اقتربا منه ... فدخلا وصلّيا،
وما إن انتهى (ثعلبة) من أداء الصلاة حتى دلف
الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وهو ما
زال جالساً في محرابه مشغولاً بالتعقيب
والدعاء.

جلس (ثعلبة) بين يدي رسول اللّه صلّى
اللّه عليه وآله بتذلّل وخضوع قائلاً:

يا رسول اللّه! ادعُ اللّهَ أن
يرزقَني مالاً وفيراً!

فأدرك النبي الاكرم صلّى اللّه عليه
وآله السرّ الذي دفع (ثعلبة) إلى هذا السؤال
فأجابه صلّى اللّه عليه وآله:

ويحك يا ثعلبة! قليل تؤدّي شكره خير
من كثير لا تطيقه.

فقال ثعلبة:

يا رسول اللّه! إنّ الحالة التي
أمرّ بها لا يمكن أن تُطاق وإني لمطمئنٌّ من
أدائي لكل حقوق اللّه التي أوجبها عليَّ.

ثم أضاف:

يا رسول اللّه، إن أغلب المسلمين
هم أحسن حالاً وأكثر مالاً مني، فأيُّ فرق
بيني وبينهم؟ ... لقد رأيتُ من الفقر ما فيه
الكفاية فادعُ اللّه لي باليسر والفرج يا
رسول اللّه!!.

فأجابه النبي الاكرم صلّى اللّه عليه
وآله:

يا ثعلبة! أما لك في رسول اللّه
اُسوة حسنة، والذي نفسي بيده لو أردت أن تسير
الجبال معي ذهباً وفضةً لسارت.

رجعَ ثعلبة بنُ حاطب من عند رسول اللّه
خائباً وفي نفسه شيء، فهو يعلم أنّ أبسط دعاء
من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله سوف يقلب
معادلة حياته ويمنّ عليه باليسر والسعة
ويغنيه عن كثير من المصاعب والمتاعب والمشاق.

فلم ييأس أو يتراجع عمّا يروم تحقيقه،
ولم يقتنع بما قاله له النبي الاكرم صلّى
اللّه عليه وآله من حكمة بالغة وقول سديد
ونصيحة إنسانية رفيعة ..

رجع إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه
وآله في يوم آخر وجلس إليه وهو يكفكف دموع
عينيه، ويظهر له ألوان التضرّع والخضوع وهو
يقول:

يا رسول اللّه! ادعُ اللّهَ أن
يرزقني مالاً، والذي بعثَكَ بالحق لئن رزقني
اللّه مالاً لاُعطي كل ذي حقّ حقَّه.

فما كان من رسول اللّه صلّى اللّه عليه
وآله بعد أن تعرَّض إلى هذا الالحاح والاحراج
الشديد إلاّ أن رفع يديه بالدعاءِ قائلاً:

«اللهمَّ ارزق ثعلبةَ مالاً».

وأشار النبي الاكرم صلّى اللّه عليه
وآله على (ثعلبة) بأن يتّخذَ غنماً فإن اللّه
سبحانه وتعالى سوف يجعل له فيها البركة
وينمّيها بفضل وبركة هذا الدعاء.

بادر (ثعلبة) في اليوم الاخر إلى
اتّخاذ بعض الشويهات ورعايتها كما أوصاه رسول
اللّه صلّى اللّه عليه وآله، ولاحظ أنها بدأت
تتكاثر وتنمو بصورة سريعة وملفتة للنظر .. إلى
أن أصبح يمتلك عدداً غفيراً من الاغنام بمرور
الليالي والايام.

وكان أن وصل الامر به إلى درجة أنـّه
لم يعد يجد لاغنامه المتكاثرة هذه مكاناً
وموضعاً داخل (المدينة) فأخذ (ثعلبة) ينآى
بأغنامه عن فناء (المدينة) ويبتعد بها خارجاً
في صبيحة كل يوم، ليعود إلى بيته منهكاً آخر
المساء.

لقد أصبحت هذه الاغنام الشغل الشاغل (لثعلبة)
عن كل شيء، وأصبح همُّه الاول والاخير
إطعامها ورعايتها وإحصاء عوائدها في كل يوم.

وكان الصديق يمرّ عليه كعادته صباحاً
ومساءً من أجل أن يرافقه الخروج إلى مسجد
النبي صلّى اللّه عليه وآله ومجالسه، إلاّ
أنّ (ثعلبة) يعتذر إليه من الخروج يومياً
بذريعة طلب الرزق، وإن هذه هي بداية الامر
وتحتاج إلى عناء استثنائي متميّز وجهد إضافي
قد يمنعه بضعة أيام من التردّد على مسجد النبي
الاكرم صلّى اللّه عليه وآله ورؤيته.

مرَّت الايام متسارعة لاهثة وما كان (ثعلبة)
يزداد مع مرورها إلاّ ابتعاداً وانشغالاً في
الدنيا وهمومها، حتى أن صديقه لم يعد يجد له
أثراً في البيت كما كان يحصل سابقاً لانه أخذ
يخرج بأغنامه منذ الصباح الباكر خارج فناء (المدينة)
ويقيم معها هناك إلى آخر المساء ولعلّه لا
يعود إلى بيته لبضعة أيّام.

عندها يتذكّر الصديق حديثه السابق مع (ثعلبة)،
ويتذكّر نصيحة النبي الاكرم صلّى اللّه عليه
وآله له وحديثه معه، فيتمتم قائلاً عند
استعراض شريط هذه الذكريات:

الّلهم ارزقنا القناعةَ وحسنَ
العاقبة والمصير، واجعلنا ممن يتأسّى برسول
اللّه صلّى اللّه عليه وآله بالفعل والقول!.

وظلّ هذا الصديق يتردّد على مسجد رسول
اللّه صلّى اللّه عليه وآله منفرداً، فيراه
النبي الاكرم صلّى اللّه عليه وآله ويسأله عن
حال (ثعلبة) وأوضاعه، فيجيبه في كل مرّة:

إنّه مشغول بأمواله وأغنامه يا
رسول اللّه!

فيردّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه
وآله: ـ «قليل تؤدّي شكره خير من كثير لا تطيقه».

وصادف أن جاءَ (ثعلبةَ) السعاةُ ذات
يوم لطلب الزكاة، وسألوه أن يدفع لهم ما أوجبه
اللّه تعالى عليه في هذه الاغنام من حق لكي
يقسَّم على الفقراء والمساكين .. فأبى (ثعلبةُ)
أن يدفع إليهم هذهِ الفريضة الالهية وزجرهم
قائلاً:

ما هذهِ إلاّ اُخت الجزية!!

لقد تمادى (ثعلبة بنُ حاطب) كثيراً في
غيِّه وعناده واستبدّ وطغى وترك الواجبات
الدينية والفرائض الاسلامية التي كان
مواظباً عليها أيام فقره وحاجته، ولم يعد
يُعرف بين المسلمين إلاّ رجلاً حريصاً شحيحاً
متعلّقاً باموال الدنيا وأهدابها وقشورها.

إنّه نسي أو تناسى ما وَعَدَ به رسولَ
اللّه صلّى اللّه عليه وآله من البرّ
والاحسان وعمل الخيرات والانفاق على الفقراء
والمساكين.

وصل خبر (ثعلبة) الاخير إلى رسول اللّه
صلّى اللّه عليه وآله، فتأسّف النبي الاكرم
صلّى اللّه عليه وآله عليه كثيراً وأخذ يقول:

يا ويحَ ثعلبة! يا ويحَ ثعلبة!!

وأردف صلّى اللّه عليه وآله:

يا قوم!! إنه قد نزل عليَّ في (ثعلبة)
هذه الايات: )وَمِنْهُم مَنْ عاهدَ اللّهَ
لَئِن آتانا مِن فَضْلِه لَنصّدّقنّ
وَلَنَكونَنّ من الصّالحين * فَلَمّا آتاهُم
مِن فَضْلِه بَخِلوا بِه وَتَولّوا وَهُم
مُعرِضون* فَأعقَبَهُم نِفاقاً في قُلوبِهم
إلى يوم يَلْقَوْنَهُ بِما أخْلَفوا اللّه ما
وَعَدوهُ وَبِما كانوا يَكْذِبون(([1])صدق
اللّه العليُّ العظيم.

«يا ويح ثعلبة»


جاء ثعلبة بن حاطب الانصاري إلى
رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله فقال: يا
رسول اللّه، ادعُ اللّهَ أن يرزقني مالاً،
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: «ويحك
يا ثعلبة، قليل تؤدّي شكره خير من كثير لا
تطيقه» ثم أتاه بعد ذلك فقال: يا رسول اللّه
ادعُ اللّه أن يرزقني مالاً، فقال رسول اللّه
صلّى اللّه عليه وآله: «أما لكَ في رسول اللّه
اُسوة حسنة؟ والذي نفسي بيده لو أردت أن تسير
الجبال معي ذهباً وفضّةً لسارت» ثم أتاه بعد
ذلك فقال: يا رسول اللّه ادعُ اللّه أن يرزقني
مالاً فوالذي بعثكَ بالحق لئن رزقني اللّه
مالاً لاُعطينَّ كلَّ ذي حق حقَّه، فقال رسول
اللّه: «اللهمَّ ارزق ثعلبة مالاً». قال:
فاتّخذ غنماً، فنمت كما ينمو الدود، فضاقت
عليه المدينة فتنحّى عنها فنزل وادياً من
أوديتها، وهي تنمو كما ينمو الدود، فكان
يصلّي مع النبي صلّى اللّه عليه وآله الظهر
والعصر ويصلّي في غنمه سائر الصلوات، ثم كثرت
ونمت حتى تباعد بها عن المدينة فصار لا يشهد
إلاّ الجمعة، ثم كثرت فنمت فتباعد أيضاً حتى
كان لا يشهد جمعة ولا جماعة... فذكره رسول
اللّه صلّى اللّه عليه وآله ذات يوم فقال: ما
فعل ثعلبة؟ قالوا: يا رسول اللّه اتّخذ ثعلبة
غنماً يسعها واد فقال رسول اللّه صلّى اللّه
عليه وآله: «يا ويح ثعلبة يا ويح ثعلبة...».

تفسير البغوي (معالم التنزيل) 10 : 312


([1])
التوبة 75 ـ 77.


/ 1