((طقوس)) الغریب (قصص) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

((طقوس)) الغریب (قصص) - نسخه متنی

بدیع صقور

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

الآس. البارحة كان بيننا.. إيه! الدنيا لا تدوم لأحد، من كان يظن أن "أبا وطفا" سيموت؟ مات دياب، أبو وطفا قريتنا، وقرأت على روحه الفاتحة ظهيرة اليوم، البارحة كان بيننا، وقد قص علينا حكايات كثيرة عن الحرب، قبل أن أودعه، رجاني ألا أنسى ما قصه.. لو تأخر موته أسبوعاً أو ما يزيد، ربما كنت نسيت بعض التفاصيل، ما رواه طري كتراب قبره.. حدثني عن مشاركته في حرب العلمين، وعن حرب الثمانية والأربعين.. وعن صديقه الدرغلي، أتذكر ما قاله:

-في الثمانية والأربعين، لعن الله الخونة بدءاً بالانكليز وانتهاءً ببعض العرب، تطوعنا في جيش الإنقاذ، في الليل تحركنا.. تمركزنا على ضفة "طبريا"، كان إلى جانبي.. لم يفارقني منذ الطفولة، أليف صباي، لقبوه بالدرغلي، ونسينا اسمه الحقيقي، حتى في الجيش ننادي عليه بالدرغلي، رحمة الله عليك يا درغلي.. أليف الصبا ليس بمقدورك نسيانه بسهولة، صدق.. حبل الصداقة لم ينقطع بيننا، ظل متواصلاً وكأنه ما زال حياً إلى اليوم..

-منذ متى مات؟

-لا تستعجل.. في الثمانية والأربعين استشهد، لم يمت.. كان بطلاً.. قتل الكثير.. الكثير من جنود الصهاينة.. في الليل كان يتسلل إلى مخافرهم، ويذبح عناصر المخفر واحداً.. واحداً كالنعاج.. يحضر كل ليلة.. رأساً... رأسين، وأحياناً ثلاثة.. كان لا يهاب الموت.. لا تعلم كم حزنت عليه.. موت الأبطال يحزن كثيراً.. جاءته رصاصة في جبينه، زأر.. وهوى إلى البحيرة.. سقط أمامي في الماء، لم نتمكن من إخراجه، لأن الصهاينة أمطروا موقعنا بالرصاص والقنابل لساعات طويلة.. هبط الليل ولم يتوقف قصفهم أولاد اللعينة، كان الإنكليز معهم.. ليس الإنكليز فقط وإنما كل بلاد الفرنجة.. لا تثقوا بهم.. "من يوم يومهم" يسعون لقتلنا واحتلال بلادنا.. إنهم كالأفاعي. وتوقف.. أخذ نفساً طويلاً، بينما كان ينبش في جيب معطفه الأزرق الباهت، أخرج محفظة باهتة هي الأخرى، فتحها..

-انظر.. انظر.. هذه صورته، بيده وضعها، لن يخرجها أحد.. سأبقيها على وضع يده.. قبل استشهاده بليلة، وضعها وقال لي:

-إذا متُّ، ورجعت أنت، أرجوك أن تسلّمها لها، علها تتذكرني، كلما أوشك الزمن أن ينسيها وجهي، قل لها أن تعلقها فوق مرآة بيتهم، كلما نظرت إلى وجهها في المرآة، قابلت صورتي.. كان يحبها كثيراً.. لا أذكر ليلةً مضت إلا وتذكَّرها، كلما سنحت له فرصة حدثني عن حبهما..

-ولماذا لم تعطها الصورة؟

-لم التقها، بحثت عنها طويلاً، عندما رجعنا من الحرب سألت عنها، قالوا لي:

رحلت مع أهلها إلى جهة مجهولة.. لا أحد في قريتنا عرف عنهم شيئاً.. سكنوا مدينة ما؟ سافروا خارج البلاد؟ الله يعلم أين صاروا؟.. "البعد يولد الجفاء" حين يبتعدون عن عيوننا نضيّع غالباً أماكنهم، ننسى وجوههم.. إيه! يرحمك الله يا درغلي، كنت بطل زمانك. كان يستطيع أن يكتب اسمه بالرصاص على جذوع الشجر.. لم ترَ عيني أمهر منه في الرماية، رميته لا تخطئ، يصيب الإبرة عن بعد أمتار.. سنديانة سيدنا "البغدادي" التي لا نعرفها إلا هكذا منذ ولدنا، كان قد كتب اسمه عليها بالرصاص.. إذا صعدتَ إلى مقام سيدنا "البغدادي" فقف من الجهة الشمالية للشجرة، وسترى اسمه واضحاً "الدرغلي" حفره بالرصاص.. كتبه أيام شبابه، شجرة التوت في "حوش" دارهم كانت تشهد على ذلك أيضاً، كتب عليها اسمه وأسماء إخوته جميعاً..

-هل بقيت شجرة التوت؟

-لقد اقتلعت..

-من اقتلعها؟

-اقتلعتها الريح يوم استشهاده، الأشياء تتبع أصحابها، هبت عاصفة هوجاء في تلك الليلة، واقتلعتها، عرفت بعد أن رجعت أن يوم اقتلاعها صادف يوم سقوطه.. الأشياء كما قلت لك تتبع أصحابها.. لم تقتلع العاصفة إلا شجرته التي كان قد غرسها وهو صغير.. أقسمت أمه يوم سقوطه.. إن صورته المعلقة على جدار بيتهم قد سقطت.. انقطع حاملها وسقطت، تناثر زجاجها قِطعاً.. قطعاً.. شارك في حرب "العلمين" من أول رصاصة.. ذهبوا يومئذ مع الفرنسيين، وعاد كالباشق، لم يصبه أذىً.. ملعون أبو الإنكليز، كما قلت لك، من يوم يومهم كانوا خونة، ومتآمرين علينا.. اقتسموا بلادنا كالنعاج.. كانوا أولاد "ديوس".

-وما زالوا؟

-ابن الذئب لا يصير حملاً وديعاً.. قتلنا الكثيرين من جنود الصهاينة، وقتل منا الكثير.. كان عندنا نقص في السلاح والذخيرة.. كان السلاح عندهم أكواماً

/ 24