أسرار وجه نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

أسرار وجه - نسخه متنی

علی المزعل

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

أسْـرارُ وَجْه

عــلـي الــمـزعـل

- قـصـص

الاهـــداء :

إلى :

الذين يحلمون بالعـودة حتى بعد الموت أســـرار وجـــه كانت المرة الأولى التي رأيت فيها هذا الرجل، حين قدمت إلى هذه القرية الحدودية التي تقع تماماً قبالة التلال المحيطة بمدينة القنيطرة، كتل (أبو الندى، وتل الشيخة، وتل عرّام) وغيرها من التلال الصغيرة المتخاصرة على طول الحدود. في ذلك اليوم، نهضت من فراشي باكراً، وأنا محمَّل بأحلام وهواجس الليلة الفائتة التي يعاني منها عادة أي قاطن جديد في مكان لايعرف عنه الكثير. كان الجو بارداً يلسع وجوه المارة بمياسمه المحملة برذاذ ثلجي لم أكن معتاداً عليه طوال السنوات الماضية التي قضيتها في دمشق وحين نظرت إلى قمة جبل الشيخ خيل إلي أن هذه الريح الشمالية ستظل محملة بالثلوج إلى مالانهاية. كان المارة يلتفون بمعاطفهم مسرعين إلى أماكن عملهم، وقضاء حاجاتهم في اتجاهات مختلفة من المناطق المحيطة بالقرية، وأطفال المدارس يسيرون جماعات متراصة يحتمي كل منهم بالآخر ويطلون برؤوسهم من ياقات معاطفهم الفروية المهترئة حتى تكاد لاترى إلا عيونهم وهي تحاول عنوة مقاومة الريح، وأصابع أيديهم المحمرة وهي تقبض على حمالات حقائبهم المبللة في هذا الوقت بالذات كنت متجهاً إلى المخبز الآلي الواقع جنوب القرية وحين وصلت كنت قد فقدت احساسي بأصابع قدمي، حيث تحول حذائي إلى قطعة من ثلج. وقفت خلف طابور طويل يصطف أمام النافذة التي يطل منها رأس البائع الملون بذرات الطحين، التي أكسبت ملامحه لوناً خاصاً ربما لايشاهده المرء في أي مكان آخر وشيئا فشيئا بدأت اقترب من النافذة، يجذبني إليها . ذاك التيار الحار المنبعث من داخل المخبز والمحمل برائحة الخبز الطازج وهو يجتاز دائرة النار ليستقر أمامنا عبر النافذة الضيقة، ورغبتي العارمة في العودة سريعاً إلى منزلي الجديد خلال هذه الفترة من الانتظار كان ثمة رجل يلتف بمعطف عسكري قديم، وعلى رأسه التفت بإحكام كوفية بيضاء مخططة، حتى غطت معالم وجهه تماماً وعلى عينية ارتكزت نظارة سوداء، حتى صار من الصعب تمييز ملامحه. كان يحتمي بجدار قديم من الإسمنت المسلح ويضع أمامه كومة من الأكياس البلاستيكية السوداء، وكلما خرج أحدنا من الطابور المصطف أمام النافذة أومأ برأسه كيس ياسيد. كان بعضهم يقف أمامه مصافحاً، ثم ينقده بعض الدراهم ثمناً للكيس الذي تناوله على عجل، وبعضهم لايأبه لندائه ويواصل السير مسرعاً دون أن يلتفت إليه. وحين خرجت حاملاً أرغفة الخبز الساخنة التي منحتني شيئاً من الدفء حتى صار بإمكاني تحريك أصابعي، سمعت النداء ذاته كيس ياسيد وقفت أمامه برهة تناولت كيساً ونقدته ليرة أو ليرتين لا أذكر ثم تابعت السير دون أن يعني ذلك لي شيئاً، سوى بعض الرثاء لوضع هذا الرجل الذي يجلس طيلة النهار في مواجهة الريح الشمالية الباردة. صار منظره مألوفاً لديَّ، ففي كل يوم يتكرر المشهد ذاته، وتتكرر العبارة ذاتها

- كيس ياسيد الأمر الذي أثار فضولي، أن هذا الرجل ظل ملتفاً بكوفيته ونظارته السوداء رغم انتهاء فصل الشتاء وانحسار موجة البرد القارسة، حتى صار هاجسي التعرف إليه بأي شكل من الأشكال ذهبت بي الظنون إلى أفكار شتى، وساورتني مشاعر خاصة عكست حساسيتي تجاه هذا النوع من الرجال، وتنازعتني الأسئلة:

لماذا يلتف بكوفيته ونظارته السوداء رغم هذا الدفء الربيعي المنعش؟ لماذا يصر على إخفاء ملامحه إلى هذا الحد؟ ولماذا هذا العمل بالذات رغم القدرة الجسدية الواضحة التي تبدو في حركة يديه وتقاطيع جسده ونبرات صوته؟ ثم لماذا هذا المكان بالذات؟ أسئلة كثيرة تتنازعني في كل يوم، حتى أنه أحس بذلك تماماً عبر نظراتي المتلاحقة والمستنفرة في كثير من الأحيان. سألني ذات يوم لماذا تنظر إلى هكذا؟ ألم يعجبك منظري؟ ثم ضحك وهمهم بكلمات لم أفهمها، الأمر الذي أثار فضولي أكثر، حتى صار همي أن أذهب إلى المخبز كل يوم، لامن أجل الخبز فقط بل من أجل معاينة هذا الرجل والتعرف إليه. قلت لأحدهم بعد أن صافحه:

هل تعرف هذا الرجل؟ ضحك ثم قال:

اسأله وهو يجيب! رمقته بنظرة سريعة وتابعت السير، وظل هاجسي تلك الليلة أن أعود صباحاً لأعرف من هو تحديداً

/ 21