أسئلة الحداثة بین الواقع و الشطح نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

أسئلة الحداثة بین الواقع و الشطح - نسخه متنی

میخائیل عید

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

حين كان الإنسان ملتحماً بالطبيعة لم يكن
محتاجاً إلى رؤيتها لأنها كانت فيه وكان
فيها، وحين خرج منها خرجت منه فصار
محتاجاً إلى النظر إليها ومطابقة
شموليتها مع خصوصيته الجديدة المكتسبة.
الطبيعة متناغمة ومتوازنة وحين انفصلنا
عنها كسرنا مرآة تناغمها وتناسقها ثم رحنا
نحاول إعادتها إلى ما كانت عليه من وحدة
وصفاء، وصارت تزداد تكسراً وقتاماً..
وكانت أدواتنا قاصرة.
وقلنا: فليكن الفن وسيلتنا المثلى للدخول
إلى تناغم الكون وتوازنه ونسينا أن
وسائطنا أفقدت حواسنا رهافتها الأولى،
رهافة طفولتها.. وابتكرنا أوهاماً وتخيلات
ثم عشقنا أوهامنا وتخيلاتنا.
وتعقدت الأدوات والوسائل وتفاقم سوء
الفهم وازدادت المعوقات.
نقول يساعدنا اللون على التواصل.. ولكن،
ما لون الحزن وما لون الكراهية أو الغبطة
وكلها ذات مراتب وأطياف؟ ثم إن اللون مقيد
بحدود قدرة العين على رؤية التمايزات وعين
الخيال والمشاعر غير مقيدة بحدود.. وألوان
الطبيعة والكون متداخلة وغير محدودة.
ونقول: تساعدنا الكلمة، والكلمة مثقله
بتاريخها وبما لحق بها من صدأ التداول
اليومي، في حين أن المشاعر طازجة تنبثق
كالبغتة وتتموج وتتدفق من غير توقف.
المشاعر متحركة ومدلول الكلمات ثابت
وراكد، وهذا ما يجعلنا نشعر وكأننا لم نقل
ما أردنا أن نقوله، وكأن الآخرين لن
يفهموا ما أردناه فهماً دقيقاً.. وكثيراً
ما يزعم مرهفو المشاعر أن التواصل مستحيل:
"ذلك لأن الصوت والمعنى في اللغة لا
يرتبطان إلا ارتباطاً اصطلاحياً" (بول
فاليري- الخلق الفني- ترجمة بديع الكسم ص23).
لقد ضاق السهروردي ذرعاً بكثافة العالم
فهتف :"اللهم خلص لطيفي من هذا العالم
الكثيف" (أبجد العلوم الجزء3 ص112).
وحال الشاعر مثل حال المتصوف مع العالم:
يضيقان ذرعاً بالكثافة.
كان أبو حيان التوحيدي، وهو من هو قدرةً
على التعبير، وصاحب الأسلوب الجميل
والإطلاع الواسع يشكو فيقول: "ضاق اللفظ
واتسع المعنى" (الإشارات الإلهية ص156- 157).
ولقد قال النفري: "كلما اتسعت الرؤيا ضاقت
العبارة". وقالت الأوائل: "من سمع الغناء
على حقيقته مات" وكل هؤلاء وغيرهم إنما
أشاروا إلى حقيقة واحدة خلاصتها أن الوصول
إلى الفن المطلق، الفن الكامل، أمر فوق
طاقة البشر، والوصول يعني الفناء رهافة
وعذوبة وذوباناً في المطلق. والحي لا يبقى
حياً إذ يذوب ولا ندري إن كان الذائب
يستطيع الإبداع.
والأعمال الفنية ليست بالجواهر القائمة
بذاتها.. فهي مزيج من انعكاسات شتى الحوادث
والانفعالات عبر ذات فرد هو ابن بيئة محددة
مكاناً وزماناً وقد عانى تجارب شتى واطلع
إلى هذا الحد أو ذاك على إبداعات من سبقوه
ومن عاصروه، وهي إشارات مكثفة إلى كل ذلك
وهي أعمق واسمى من ذلك، إذ قد تفتح أمام
المتلقي الذكي أبواب عوالم أرحب وأغنى،
وأعمق، وقد تصير قاعدة لطيرانات أبعد
وأعلى.
والشعر بذاته، على استحالة الوصول إليه،
وإذ يظل هاجس الشعراء كما تظل الحقيقة
المطلقة هاجس الفلاسفة والمفكرين، هو شىء
لا يمكن تعريفه أو تحديده أو نقله إلى
كلمات أخرى غير كلماته التي ولد بها
كائناً عضوياً تشريحه يقتله، ووصفه يشوهه
ويحط من قدره.
وقد يكون الفن، والشعر منه، تفجر طاقة
الروح وحنين المنفصم إلى الالتحام،
والشعر بذاته أو الشعر الصافي هو التفجر
المطلق أو الاحتراق الذي لا بقايا بعده،
هو الضوء الأنقى، الضوء المستحيل.
وعلى قدر الاقتراب من المستحيل يكون
الاقتراب من الشعر الجوهر، "من سمع الغناء
على حقيقته مات" والغناء هو الشعر هنا.
والموت شعراً أو انفعالاً بالشعر
وتفاعلاً معه هو استجابة تفجرية من
المتلقي موازية للتفجر الإبداعي ومساوية
له في الطبيعة والجوهر، أي هي احتراق مطلق
وتحول إلى ضوء نقي.. ومن يدري! قد تتحول
الحياة إلى ضوء إذا ملأنا العالم شعراً.
وكما تتجلى الحياة في الجسد يتجلى الشعر
في اللغة، أي إن اللطيف يتجلى في الكثيف.
والتواصل يتم بالجسد وعن طريق اللغة أو
اللون أو الإشارة وشتى الوسائط
الاصطلاحية الأخرى، وهي وسائط كثيفة
تحتاج إلى شحنة عالية من الطاقة كي تصبح
موصلة، وهي تمتص الكثير من الطاقة، وقد لا
توصلها جيداً وكما نريد، وكل ذلك يجعل
مرهفي الإحساس يشعرون بالوحدة التي قد تصل
إلى حدود الغربة، وبالتالي ينكرون إمكان
التواصل.
...
والفن الحق، والشعر منه، كالزمان المطلق
والزمان كلي لا يتجزأ، كل لحظة منه هي
الأزل والأبد معاً، وهو يدور حول نفسه في
المكان المطلق.

/ 55