آحر من الجمر نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

آحر من الجمر - نسخه متنی

محسن یوسف

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

آحرُّ من الجمر

محسن يوسف

قصص

تصميم الغلاف للفنان :

ريم الخطيب

- آحرُّ من الجمر .. تشرق الشمس، مجموعة لآليء متماسكة. تبدو كوجه صبيّة لم تعرف القيظ أو الجفاف. أحسّ بها (الشيخ) أكثر دفئاً وجمالاً، بعد توحّد امتدّ منذ دقائق الفجر الأولى، وقد استأنس لطلائع أشعّتها، كما يأنس لملامسة أنامل (فطمة) رفيقة دربه، وهي تخطو مبسملة، نحو مخدعه لإيقاظه، ومرافقته حتى حدود السكينة التي تطوّق المنزل..

- سبحانك ربّي، ولا إله إلا أنت. يلفّ الثوب الفضفاض حول جسده، وبياض الأشياء يستقبل بشائر الأشعّة. يبدو له خروجه المبكّر لذيذاً، ومثيراً إلى درجة الإحساس بالنشوة. يبتسم منطلقاً ليجتاز حدود مكان توحّده الممتدّ كالحلم. يتوقّف بعد مسير. تظهر خلفه المنازل والتضاريس، في اختلاط الألوان والأضواء، كرسوم في لوحة، تستريح النظرات فوقها. يحدّد الجهات الأصلية، يفرش سجادته الصغيرة، ويبدأ بأقدس الكلمات:

- الله أكبر. يشاركه في تكبيره صوت قبّرة وحيدة يتسلّل إلى أعماقه. يخال نفسه بعد ثوانٍ كطائر يأخذ به جناحاه إلى فضاء رحب فسيح مغمور بالأضواء والألوان. تخفق يداه في وشاحين من نسيمات المكان المطلّ على جميع التضاريس. تتجمّع في مدى جناحيه الممدودين عرائس كعرائس الجنّة، وأثوابهنّ الزاهية تخفق وتنداح. يأبى أن يشوّه خلوته بأحاسيس أرضية، فيطبق عينيه مستسلماً لخشوع لا مثيل له، ويغمره طوفان من الوله القدسي. يعلو صوته الشجيّ مرتّلاً، يجتاح المدى المستسلم لسكينة عذبة، تُذهل وتثير حتى التلاشي.. يتألّق الوجه بالحبور، ويرتفع الصوت عالياً، عالياً، بكلمات الله. والقبّرة الوحيدة تغادر مكانها، كهمسة رقيقة، وعينا الشيخ المأخوذتان تلاحقان تحليقها بإحساس من يوّد الاستمرار، لكنّ الشمس القادمة كوجه صبوح تدغدغ أعماق الشيخ، وتلثم وجهه. يلفّ سجادته، وثوبه الفضفاض، شاكراً ربّه على نعمه. يستقبل الوجه البيوت، هاتفاً متضرّعاً، طالباً الذرية الطيبة وحسن الختام. تومض في العينين بقايا معادن متناثرة، وتبرز الألوان. تلتمع المسارب وأعالي الأشجار، وتغرق الأمكنة في بحيرات من الضياء. يعود إلى الأرض رويداً رويداً، ومسبحته الطويلة تسبق خطواته المتجهة إلى المنزل. يتناول إفطاره. تحنو (فطمة) على أشيائه كأم. تفتح النوافذ، والأبواب، يرى الشيخ باحة الجامع مدى واسعاً، تملؤه أشعة الشمس. يلمح يمامتين تتشّمسان، وحولهما تناثر سرب من عصافير الدوري. يشاهد أحد غلمانه يشرع الباب الكبير. تصل إليه نسيمات الطريق. يشرب ماء بارداً، ويغادر المائدة. تلحق به رائحة البيت، ودعاء سيدته. يخطو فوق البلاط الأبيض. تتجمّع فوق ثيابه عيون العصافير واليمامتين. يقترب من مجلسه. يقترب أحد الغلمان، في عينيه تنبض اللهفة والتساؤل:

-سيدي.. في الباب سيدة. يطالعه ثوب أسود. يتخذ مكاناً، ويجلس. يجيئه الغلام بكتاب كبير، يضعه أمامه، ويقف صامتاً:

- امرأة؟

- أجل.

- دعها تدخل. يخفق ثوب الغلام. تمتدّ يد الشيخ. يتصفّح أوراقاً. يفتح الكتاب، ونسيمات الطريق تعبر الباب، والباحة، ومساحة وجهه. يحسّ براحة. تحمل النسيمات رائحة الحياة، والصباح، ورائحة أخرى، يحاول أن يرفع رأسه، فتتكسّر نظراته فوق الصفحات، ويتلاشى إحساسه بالراحة. تهفو الرائحة وتزداد اقتراباً. يتنامى في أعماقه إحساس بالخطر، فيطبق العينين، والرائحة الغريبة تغمر المكان. يسمع صوت الغلام:

- أتريد شيئاً آخر يا سيدي؟

-لا.. سمع صوت خطواته مبتعداً، لكنّه لم يرفع رأسه. بدا إحساسه بضيق المكان مزعجاً.. إنّه لم يعتد على زيارات النساء في الجامع. كنّ يزرن (فطمة)، فتنقل إليه رغباتهنّ، وما يشكين من مشكلات. أمّا أن تأتي امرأة إلى الجامع.. فهذا لم يحدث من قبل. استعاذ من الشيطان، واستغفر الله، فالجامع بيت الله، ومكان عبادته، وهو ملاذ لكلّ عباده.

- جئتك في حاجة لن يقضيها لي.. سواك.. صوت جديد لا يعرف نبراته، لكنّه صوت واثق، وعميق. أحسّ به يوغل تحت جلبابه، ويلامس شيئاً ما، ساكناً، في أعماقه.

- لم أقصدك في المنزل، لأنّ ما أحتاج إليه لا يقبل وساطة، ولهذا جئت إليك، فذلك أدعى إلى الثقة، وأكثر ضماناً.

/ 20