وكنت شاهداً - وکنت شاهداً نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

وکنت شاهداً - نسخه متنی

نصر محسن

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

وكنت شاهداً

تصميم الغلاف :

نسرين مقداد نصر محسن وكـنت شـاهداً مجموعة قصصيّة من منشورات اتحاد الكتاب العرب دمشق

- 2002 الأوفياء قبل أن يموت مختار التلّة الشرقيّة بلحظات فقط، مسح بنظره الضعيف وجوه الرجال حول سريره، قرأ على الوجوه أشياء غير سارة إطلاقاً، حاول تحريك جسده فلم يستطع، أغمض عينيه، تحشرجت أنفاسه، حاول الكلام، نظر إلى معاونيه، أغمض ثانية وقال بصعوبة:

-اسمعوا وصيّتي الأخيرة. ساد المضافة صمت. أخذ الرجال يقتربون من السرير، يتحلّقون حوله وقد هيؤوا آذانهم جيداً، بينما حاول معاوناه إبعادهم، وإفساح المجال لتسرّب هواء نقي بعدما علت حشرجات المختار:

-لا أريد من أحد أن يضع ورداً أو أغصان آس فوق قبري. ذهل الجميع، وتابع المختار بصعوبة أكثر:

- أريدكم أن تغطّوا قبري بأشواك القرّاص. وحين حاول معاوناه، وحكماء التلّة الشرقيّة إقناعه بأن ذلك لا يليق، كانت أنفاسه تتسارع رويداً رويداً، ثم تتباطأ، ثم تتوقف. همدت الجثّة، التي كانت منذ قليل مختاراً، يأمر وينهى، فيُرعب ويُطاع. حزن معاوناه، وبكيا، تساقطت دموعهما وهما يرمقان الرجال المتجمّعين بخشية، أما بقيّة الرجال فقد راحوا يتذكّرون، كيف كان المختار يعاقب المقصّرين عن الخدمة بفرك جلودهم بأشواك القرّاص، ثم يقهقه عالياً وهو يراهم يحكّون مكان الأشواك بشدّة وألم ملحوظ، راح الرجال يتبادلون النظرات مستفسرين بصمت حول مصير هذه الوصية الغريبة، ويخمّنون قرار حكمائهم، الذين سبق لهم وسمعوا وصايا كثيرة تحمل بعض الغرابة، عبر مسيرتهم الطويلة في هذه الدار الفانية. كان الحكماء غالباً ما يعالجون الوصايا بحكمة بالغة، مراعين قداسة الموت، ورهبته، حيث يخرجون من جلستهم التشاوريّة، وقد قررّوا غضّ النظر عن أيّة وصيّة لميّت، تجرح رهبة الموت، وتمسّ قدسيّته. وحين عقدوا جلستهم بعد موت المختار، لم يعترض أحد على الوصيّة، سوى معاونيه، بينما كان الحكماء يصرّون على تنفيذها، متظاهرين باحترام مختارهم، وإثبات وفائهم له بعد موته. وما هي إلا ساعات قليلة، حتى كان القبر جاهزاً، في الطرف الشرقي للمقبرة. وهناك طمروا جثّة المختار، وطلبوا من بعض الرجال القيام بمهمة تغطية القبر بالقرّاص، ثم عاد الحكماء، ومعهم معاونا المختار المّيت، ومعظم رجال القرية. أُحضرت الأشواك، ووضعت قرب القبر، صعد أحد الرجال فوق القبر، يدوس التراب اللين، يسوّيه بقدميه، ويوزع الأشواك بتناسق وحذر، كان يختلس النظر إلى زملائه، فيراهم يبتسمون، وهم ينظرون إليه، وقد ترك مكاناً دون أشواك، بمساحة قدمين متباعدتين. وفي المضافة، اجتمع الناس ثانية، حيث أقيم مجلس العزاء. كان الجميع يعزّي الجميع، بغضّ النظر عن أهل المرحوم وأقاربه، فقد أثبت أهل التلّة الشرقيّة أمام ضيوفهم أن مختارهم كان قريباً للجميع، وكان الجميع أهلاً أوفياء له. وحين غادر المضافة آخر الضيوف، أخذ الأهالي بالانصراف، فرادى وجماعات، تاركين معاوني المختار وأهله واجمين. وكما هي العادة، في الصباح التالي يذهب الناس إلى المقبرة، يزورون القبر، ويحرقون البخور حوله، ويقيمون الصلوات، ويرسلون الأدعية، لتهدأ الروح وتطمّئن. وصل معاونا المرحوم إلى المضافة، أدارا آلة التسجيل، وارتفع صوت رخيم يتلو ما تيسّر من آيات الذكر الحكيم، ثم جلسا في حلقة من المقاعد الفارغة، ينتظرون وصول الحكماء ورجال القرية، طال الانتظار كثيراً، ولم يصل إلى المضافة سوى القليل من الرجال، والكثير من الأطفال، وقد تجمهروا قرب المضافة بعيون مترقّبة، ونظرات فضولية بلهاء. أما بقيّة رجال التلّة الشرقيّة، فقد أخذوا يرمقون الساحة القريبة من بيت المختار، حيث سينطلق الموكب لزيارة القبر، وكان البعض منهم ينتظرون أولادهم بعد ما أرسلوهم إلى هناك، ليستطلعوا الأمر ويعودوا، لكن الأطفال لم يعودوا، وإنما انضمّوا إلى الموكب الذي اتّجه إلى المقبرة يتقدّمه معاونا المختار الراحل، وبعض الحكماء، وقليل من الرجال، وكثير جداً من الأطفال الذين تركوا آباءهم ينتظرون. نساء التلّة الشرقيّة لم يتعوّدن على بقاء أزواجهن في البيوت بمناسبة مثل هذه، لذلك كنّ يوجّهن عبارات اللوم إلى الرجال،

/ 25