وداع و لقاء فی بلاد الشام نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

وداع و لقاء فی بلاد الشام - نسخه متنی

نادیا خوست

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

في ذلك السوق عصافير في أقفاص وزهورا
وأعوادا. والفستق الحلبي واللوز المحمص
بالسكر. والبندق الذي يتسلون بتقشيره.
لكنهم فهموا أن لهم هداياها لا وقتها
وقلبها. فهمت ابنتها الكبرى أساها من
انسياقها كالنساء في الأسرة المعلقة
بسعادتها وشقائها على رضا الرجل وابتسامة
الطفل والصحة والطعام الطيب والسهرات
اللطيفة. كانت تتابع ابنتها وهي تركض خلف
أولادها، تبدل ملابسهم، وتطعمهم، وتنط
إلى المطبخ خلال ذلك. وكانت تلمح ألوان
ملابسها الزاهية والوردة التي تزين بها
شعرها في المساء بانتظار الزوج، وحرصها
على أن يكون الأولاد نائمين عندما يأتي.
فتنصرف تاركة ابنتها تحضر صحون الطعام في
انتظار الزوج. وتسرع عائدة إلى بيتها،
حاملة غضبها وترفعها. وأنت يانفيسة، ألم
تحضّري، كأية امرأة شامية، صحون الطعام
لخالد آغا، وتطلقي نافورة البركة في تلك
الأمسيات معه! هبت واقفة: ذلك كان خالد آغا!
وأنا نفيسة! ليتها تستطيع أن ترفع ابنتيها
إلى مكانها! ليتها كانت تستطيع أن تضع
صهرها المتوفى مكان خالد آغا! كانت الدنيا
حول البركة في تلك الأمسيات! كانت الحرب
وميسلون والثورة السورية! أنت عم كنت
تتحدثين مع زوجك قبل موته، وأنت عم
ستتحدثين مع زوجك عندما تجدينه؟! خيل
إليها أن عينيها دمعتا. لم تتمن لأي منهما
مثل ذلك الزواج الذي قبلته ابنتها الاولى!
ذاك زواج أبقاها في مكانها كأية امرأة في
حي الصالحية أو القنوات! تلك سعادة صغيرة،
وذاك شقاء صغير!
لكن لتعترف أن هذا الترفع أبعدها عن
ابنتيها. ففي كل زيارة كانت تشعر بالخيبة.
هل تستطيع أن تصارح نفسها بأنها تمنت لهما
زوجين من رجال الثورة الوطنيين مثلا؟
لتذوقا الشقاء والعوز، يانفيسة؟ تضيق
الأرض بالوطنيين فبعضهم في خيام نجد،
وبعضهم في مصر، وبعضهم في الأردن. يعيشون
بالمعونات، فهل تتمنين لابنتيك حقا العوز
والحياة المضطربة؟!
تذكرت كلمة زوجها ابن الكحال: لاتكوني
ظالمة! دعيهما تختاران ماترتاحان إليه!
وخزته يومذاك بنظرتها. فقال: لاتستطيع كل
شابة أن تكون مثلك يانفيسة! ردت في سخرية:
وربما لاتريد ذلك!
هاهي تحصد هذا الأرق الذي لاتعاني منه
امرأة يحيط بها أحفادها وأولادها!
لاتستطيع نفيسة أن تستنجد بلهفة، ولاأن
تطلب حفيدا ينام معها في هذا البيت الواسع
في سوقساروجا! لاتستطيع أن تظهر ضعفا،
وستبقى أسيرة قوتها! فلتفهمي الآن يانفيسة
أنك صغت سجنك من حريتك وقوتك من ترفعك عن
العلاقات العادية! لاحق لك حتى في كلمة آه!
ولن تستطيعي صياغة مسار آخر لحياتك فالزمن
الغدار أطاعك كما تطيع فرس خيّالها، لكنه
الآن ينتقم منك كجمل تحمّل عنفوان صاحبه
زمنا طويلا! خارج هذه الغرفة يجب ألا يبدو
على وجهك خط حول الفم أو زرقة حول العينين!
لاتخيبي من يؤمن بك لأنه لايستطيع أن يكون
مثلك! تذكري بنتك التي جلست ذات مساء إليك
وتناولت كفك وقبلتها: ماما، كم شابة
تستطيع أن تقول إن لها مثل أمي؟! آه، تدرك
نفيسة في هذه الليلة الساكنة أن الناس
يريدون مثلا وأنبياء يتحملون عنهم،
ويحملون عنهم، ويندفعون عنهم. ألأنهم
يعرفون أن الحياة لاتتقدم من زمن إلى آخر
بمثلهم بل بمثلنا؟
كفى! لو تستطيع نفيسة أن توقف هذا الحوار
الجارح! صبت لنفسها فنجانا آخر من القهوة.
لن تهدئها القهوة. بل تحتاج أن تمشي، أن
تعبر بخطوات سريعة سوقساروجا إلى بوابة
الصالحية، وتأخذ الطريق إلى المهاجرين..
لا، لا، تحتاج أن تنزل من جوزة الحدباء
وتصل من البحصة إلى المرجة، وتأخذ ضفة
بردى وتمشي مع النهر، وتتنفس رطوبته وعبقه
المحمل برائحة المشمش. وتمشي حتى الربوة
ودمر، متابعة خطوات خالد آغا على تلك
الضفة! فهل تستطيع ذلك في هذا الليل؟!
فتحت باب غرفتها وخرجت إلى الداور في خفة
اللصّ. لاتريد أن توقظ مرجانة وتتحمل
قلقها عليها! فلتبق لها هذه الحرية التي
تنفلت فيها من الاتزان الذي يسربلها منذ
سنوات لاتعرف بدايتها! هل استمتعت نفيسة
ولو مرة بجنون المحبة، أو بحزن امرأة على
رجل هجرها، أو ببكاء عاشقة أرعشها الحب؟
أبدا! أبدا! يوم اكتشفت أن خادمتها حلا
حامل من زوجها الأول نفضت رأسها كالعصفور
وقالت له: فلتتزوجها ولترحل معها اليوم
قبل الغد! ويوم تبينت أن كرامة ابن الكحال،
الهائم بها، لم تتحمل أن تظهر سيدة نفسها
أمام القاضي الشرعي، أحنت رأسها كممثلة
وقالت له: فلنفترق! ومن ابن الكحال
يانفيسة؟ الرجل الذي بقي واقفا حيث فرضت
عليه أن يقف، لايتجاوز عتبة لاتريدينه أن
يتجاوزها، وظل متابعا هواك خالد آغا
وساهرا عليه في حنان وغيرة مكظومة، ثم
مشفقا على فجيعتك ومشاركا فيها. طامرا
اندفاع المحب، منتقلا إلى هدوء الصديق.
بقي يوهم أهل الحارة بأنك زوجته المحترمة،

/ 273