وجـــوه ومـــرايا - وجوه و مرایا نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

وجوه و مرایا - نسخه متنی

عبدالله أبوهیف

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

وجـــوه ومـــرايا

ميخائيل عيد

-- شـــــيء مــن الســيرة

وشــــيء مـن الــــنقد --

دراســـــــــــة

ميخائيل عيد

وجـــــوه ومـــــرايا

- شيء من السيرة وشيء من النقد -

دراســـــــــــة

من منشورات اتحاد الكتاب العرب

1999

مــــدخـــل

بعض هذه السطور تحية من قارئ عادي إلى رجال غير عاديين.. أحببتهم في شبابي وسعيت إلى التتلمذ عليهم والاقتداء بهم ومازلت أجلهم وأتمنى أن يبقوا في "الساحة" الثقافية لتفيد من إبداعهم أجيال أمتنا القادمة.

وبعضها الآخر مسعى إلى إلقاء شيء من الضوء على أعمال زملاء وأصدقاء وغرباء كانت لي "وجهة نظر" في ماقرأت من أعمالهم..

آمل أن يكون في ماأقدمه شيء من الفائدة.

وجـــــوه

أحمد فارس الشدياق

(1804م- 1887م)

"الشدياق فكرة تمخض بها لبنان طوال خمسة قرون"

مارون عبود

كتب أحمد شوقي في كنيسة أياصوفيا التي صارت إلى مسجد:

"كنيسة صارت إلى مسجدِ هدّيةُ السيّدِ للسيدِ"

فماذا يمكن أن نقول في فارس الشدياق الذي صار إلى الشيخ أحمد فارس الشدياق؟ وأي الجوانب نتناول من جوانب سيرة حياة هذا الرائد العظيم من رواد نهضتنا الحديثة؟

أنتكلم على الفتى الذي هرب من جور الإقطاع والأكليروس فصار قصره ملاذاً للائذين به من بني قومه العرب؟ أم على ذلك البائع المتجول بين القرى وراء حمار قمئ ثم صار ينزل معززاً مكرماً في قصور الآستانة ويستقبل كبار الشخصيات من رجال السياسة والثقافة؟ أم نتكلم على انتمائه العربي الراسخ الذي لم يحرفه عنه قيد شعرة حمله الجنسية البريطانية التي احتمى بها من طغيان الطغاة وجور الجائرين، ولا المراتب التي نالها في الآستانة؟

لقد حمل الهوية الشخصية البريطانية ولكنه رفض أن يستبدل الزي العربي حتى وهو في لندن وباريس. وظل عربي الفكر والقلب واللسان في الآستانة.. لقد تنقل من مكان إلى مكان ولكن هواه لم ينتقل.. لقد حفظه نقياً لوجه العروبة وكان أحد أكبر المسهمين في خدمة لغة العرب عبر تاريخ العرب...

لقد كتب الكثير في جوانب إبداع هذا الرائد القطب وسيظل المعنيون بشؤون اللغة العربية والصحافة العربية يكتبون عنه مادامت اللغة العربية لغة، ومادامت الصحافة العربية صحافة..

فمن هو "قطب الأدب العربي في القرن التاسع عشر، ومحيي الموؤدات من أوانس لغة الضاد وعوانسها حتى عجائزها؟ كما قال فيه مارون عبود.

ولد فارس الشدياق في عشقوت من كسروان سنة 1804م وكان لبنان يرزح تحت كابوس ثقيل الوطأة من طغيان الإقطاعيين ورجال الدين. ترعرع في حدث بيروت ودرس في مدرسة عين ورقة الشهيرة. كان والداه من ذوي الوجاهة "إلا أن دينهما كان أوسع من دنياهما، وصيتهما أكبر من كيسهما". تتلمذ لأخيه أسعد وأخذ الإباء والحمية عنه وعن أبيه.

مات والده مشرداً في دمشق بعد أن هرب من لبنان ومات أخوه في أسر البطرك الماروني في دير قنوبين إذ تحدى "الحرم" الديني وتحول من ماروني إلى بروستانتي.

مارس فارس الشدياق النسخ وعمل زمناً في التجارة (بائع متجول بين القرى على حمار) ثم عمل في خان قبل أن يهرب إلى مصر طلباً للنجاة.

أهلّته ثقافته الواسعة لأن يعمل في مصر محرراً لجريدة الوقائع فظهرت فيها البلاغة وارتقت لغتها.

وتزوج في مصر ثم انتقل إلى مالطة ومنها إلى باريس. ثم لندن ومن لندن إلى تونس ثم استقر في الآستانة ومات فيها عام 1887م بعد أن زار مصر زيارة أخرى عام 1880م ولقي فيها الكثير من التكريم.

كان شديد الرغبة في الرجوع إلى وطنه الأول لبنان لينعم بالعيش فيه، ولكن الموت جاءه في الآستانة فعاد جثمانه إلى لبنان بناء على رغبة أبداها قبيل وفاته.

لقد جعلته مهنة النسخ يكره الركاكة فظل يحاربها طوال حياته ولكنها أتاحت له الاطلاع على الكثير من المخطوطات الثمينة فكسب الكثير من المعارف واستقامت لغته... والعجيب في أمر هذا الرجل هو أنه استطاع أن ينطلق من وهدة الركاكة السائدة في زمنه وأن يحلق عالياً فيصل إلى الذرا التي لم يصل إليها سوى نفر من كبار الأفذاذ في تاريخ تطور اللغة العربية.

أمضى الشدياق أربعة عشر عاماً في مالطة يدّرس ويصحح. وهناك وضع كتابه " الواسطة في معرفة أحوال مالطة" فقدم له بوصف موجز لجغرافية الجزيرة وبلمحة من تاريخها ثم راح يصف ما رأى من عمران وسكان وحوانيت وقوارب وعاطلين عن العمل، وينتقد عادات الناس هناك ويذكر الحسن منها وينوه به ويرثي اللغة العربية التي تحتضر على ألسنتهم.

وفي لندرة وضواحيها عاون الدكتور "لي" في ترجمة التوراة وتنقيحها. وقد شهد "علاّمة زمانه" المطران يوسف الدبس أن ترجمة الشدياق للتوراة "أصحّ الترجمات" ثم ذهب إلى باريس حيث طبع كتابه "الساق على الساق فيما هو الفارياق" وهو سيرة ذاتية غنية. وفي لندن وباريس وضع كتابه "كشف المخبا" وقد وصف فيه البلدين وحياة الشعبين وسماتهما الجسدية وأخلاقهما وعاداتهما بأسلوبه الجميل المتين.

ولم يبدل زيه العربي في مالطة وأوروبا ولكنه تعلم الفرنسية والانكليزية وكتب فيهما..

وفي باريس ألف "سر الليال في القلب والإبدال" و "الجاسوس على القاموس" و "منتهى العجب في خصائص لغة العرب"

وامتدح باي تونس بقصيدة أعجبت الباي فأرسل بارجة حربية خاصة حملت الشدياق إلى تونس.. وأسلم في تونس وتسمّى أحمد وتكنى بأبي العباس...

وطارت شهرته فطلبه السلطان فذهب إلى الآستانة وعاش منعماً في قصور اسطمبول بعد أن كان يعمل في النسخ أو يسير خلف حمار "لايتحرك إلا إذا أحسّ بالعلف" حسب تعبيره.

وتولى تصحيح الطباعة الشاهانية سنوات.. ونال الرتب العالية والأوسمة من دول العالم.

في سنة 1861م أصدر جريدة "الجوائب" فصارت من أعظم الصحف وصار من أعظم الصحفيين.

يقول مارون عبود: "ما أقل عقل من يريدون أن يفهموا الشدياق دون أن يقرأوه" ويقول في مكان آخر: "ليتني أُعطى من الأعمار ماتمناه المتنبي لسيف الدولة، فأدرس الشدياق عن بني أُمي جميعاً، وأعرّفهم بأخيهم وابن عمهم هذا. "

ويقول في كلامه على أدب الشدياق: "ليس في القرن التاسع عشر أدب حي، كما نفهم الأدب اليوم، إلا ما كتبه الشدياق في "فارياقه" و "واسطته" و "كشف مخباه وفصوله التي أذاعها في جوائبه"

فهل في إمكان لمحة موجزة عن سيرة الرجل، مثل هذه، أن تنقل صورة قريبة الشبه بالذي هو "أحد ثلاثة أو أربعة في تاريخ الأدب العربي. وقد يكون فذاً من أفذاذ العالم أجمع في كتابين: الأول الفارياق الذي لم يكتب مثله شرقي كما يقصر عنه الكثيرون من نوابغ الغرب.

أما الثاني فكتاب "سر الليال" الذي كشف الغطاء عن ناووس اللغة العربية وأعاد الحياة إلى مومياتها فتنفست وعطست بين يدي أحمد."

كثيرون هم الذين يرون رأي مارون عبود هذا. وكثيرون هم الذين يعتبرونه "معلم الجيل" إذ كان أديباً كبيراً في الساق على الساق وكان عالماً كبيراً في اللغة في "سر الليال" وفي "الجاسوس على القاموس".

كان الشدياق، وهو يؤسس لنهضة أمته، يعرف حاجة الأدب والأدباء إلى معجم عربي حديث يستوعب الكثير من الألفاظ المدروسة دراسة علمية يجمعها كتاب دقيق الدلالة وعميق المعنى فوضع "الجاسوس على القاموس" متناولاً بالنقد غموض عبارة قاموس الفيروز أبادي "القاموس المحيط" وذهوله عن معاني الألفاظ وتعريفه اللفظ بالمعنى المجهول دون المعلوم الشائع أو نسيانه دون تفسير وتشتيته المشتتات وإهمال الإشارة إلى بعض الألفاظ فضلاً عن التكرار لبعض الألفاظ.

ويبدو أن "الجاسوس على القاموس" لم يرو غليل الشدياق فوضع "سر الليال في القلب والإبدال". يقول في مقدمة الكتاب الذي حوى مااستدركه على صاحب القاموس من الألفاظ والمعاني: "فإن يكن المتقدمون قد اشتغلوا بهذه اللغة الشريفة فإني قد عشقتها عشقاً، وكلفت بها حقاً حتى صرت لها رقاً، فازدهرت لها ذبالي، وسهرت فيها ليالي، معملاً فيها النظر، باحثاً عما خفي منها واستتر. "

ويقارن لغتنا بغيرها من اللغات فإذا هي: "أفضل اللغات إطلاقاً وهي أقرب من سواها إلى الكمال.. ومع أنها لغة قوم كانوا بمعزل عن العلوم تفوق سواها من لغات قوم ذوي فنون وصنائع".

وبعد أن يقارنها بلغة الفرنجة من حيث الاشتقاق وصيغ الجمع والتصغير يراها: "أغنى حياة، وأعذب منطقاً، وأبهى رونقاً" وهي قابلة للنحت وتعريب الدخيل.. إن فائدة الكتاب أكبر من أن تحد ولن يغني تعداد محاسنه عن قراءته.

إنّ حبه للغة جعله يقحمها في كل ماكتب، ويستطرد إليها استطرادات جاحظية تخرجه عن الموضوع حتى وهو يكتب سيرة حياته الرائعة "الساق على الساق فيما هو الفارياق" وحتى وهو يكتب المقالات السياسية والاجتماعية والتعليقات في "الجوائب"

/ 110